رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل السابع وعشرون 27بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل السابع وعشرون 27بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ٢٧ ـ
~ خديعة !! ~
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي…
كان حسن يستعد لمغادرة غرفته بعد أن أتمّ ارتداء ثيابه، فخرج ممسكًا بهاتفه يحاول الاتصال بعمر. وبينما يقطع الردهة في طريقه إلى الدرج، لفت انتباهه باب غرفة چيلان المفتوح. ألقى نظرة سريعة إلى الداخل بدافع الفضول، فإذا به يسمع صوتها وهي تتحدث عبر الهاتف، من دون أن يراها. كانت تقول:
ـ عمر لو سمحت بطل سخافة وارجع البيت، مش معقول هتفضل مختفي أكتر من كده يعني !
مامي محتاجة لك جدا، ومنهارة طول الوقت لأنك بعيد.. بجد حرام عليك هي مش ناقصة !
كانت ممسكة بالهاتف ثم انحنت لترتدي حذاءها، وفجأة التفتت نحو الباب المفتوح لتتفاجأ بحسن واقفًا عند العتبة يرمقها بهدوء. اتسعت عيناها فجأة، وتقدمت نحوه بغضب، ترتدي فردة حذاء واحدة، فيما الأخرى لم يمهلها الوقت لارتدائها، فأخذت تعرج وهي تتقدم نحوه، وقفت أمامه تطالعه بانفعال قائلة:
ـ انت يا بني آدم !! واقف تبص على إيه ؟!
ألقى حسن نظرة عابرة على إصبعها الموجه نحوه كفوهة مدفع، ثم رفع حاجبه المعتاد بصمت، فيما تابعت هي بغضب:
ـ ما تنطق !! هو انت للدرجة دي مفيش عندك أدب ولا ذوق ؟! واقف تبص عليا وأنا موطية يا.. يا.. يا..
عضّت على أسنانها بغيظ حين عجزت عن إيجاد وصف تنعته به، ثم فجأة أغلقت الباب في وجهه بعنف حتى ارتجّت أذناه من شدّة الصرير.
ظلّ حسن واقفًا يحدق بالباب بصمت، فإذا بها تفتحه مجددًا لتصرخ في وجهه:
ـ يا local يا متخلـــــف !!!
ظهر الغضب جليًا على محياه، وكاد يندفع نحوها ليقبض على عنقها الغضّ ويقتلعه بكل سرور، لكنّها باغتته بإغلاق الباب مرة أخرى، فأطلق هو كلماته من خلفه بعصبية:
ـ أنا متخلف يا أم ٤٤ انتي .. أقسم بالله لو مسكتك في ايديا ما هحلّك !
ـ Get out of here, you bastard!
"اذهب من هنا أيها الحقير!"
ردّ بحدة:
ـ بتشتميني باللغات ؟! فكرك يعني أنا كده مش عارف إنك بتشتمي !! اشتمي .. هتفضلي حابسة نفسك في الاوضة طول العمر يعني ؟! أنا قاعد لك أهو.
وبالفعل أسرع إلى غرفته، جلب مقعدًا ووضعه أمام بابها وجلس متحفزًا، يستمع إلى صراخها بكلمات لم يفهمها، لكنه من انفعالها أيقن أنها تسبّه بكل لغات العالم.
عندها انفرج باب غرفة نادية، التي اندفعت نحو غرفة ابنتها بدهشة، وهي تقول:
ـ في إيه ؟!
ثم طرقت باب غرفة چيلان وهي تهتف:
ـ چيچي.. افتحي يا ماما !!
وما إن فتحت چيلان بابها حتى نهض حسن من مقعده مندفِعًا نحوها، غير أن نادية بادرت لتقف في عتبة الباب مانعةً إياه من التقدم، ونظرت إليه بحزم قائلة:
ـ إنت رايح فين ؟!
تراجع حسن خطوة إلى الوراء، وظل يرمق چيلان التي وقفت خلف والدتها، تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر إليه متحدية، فهتف:
ـ أنا متخلف ؟! طيب !! أنا هوريكي التخلف على أصوله !
نظرت نادية إليه في صدمة، وقالت بنبرة مستنكرة:
ـ في إيه ؟! انت بتتكلم معاها بالأسلوب ده ليه وإزاي أصلا ؟! إنت ناسي هي مين وبنت مين ؟!!!
رمقها حسن بطرف عينيه بغير اكتراث وهو يشير بيده بلا مبالاة، قائلاً:
ـ والنبي يا خالتي أم عمر اقعدي على جنب دلوقتي بلا مين بلا بنت مين، المشكلة بيني وبين بنتك أم لسانين دي فمتتدخليش لو سمحتي !
جحظت عينا نادية بذهول، حتى خُيّل إليه أنها على وشك أن تُسلم روحها، لولا أنها صاحت أخيرًا:
ـ إيه !!! خالتك أم عمر ؟!!!! إنت يا بني آدم إنت إزاي تتكلم بالسوقية دي معايا !!!
وأشارت إلى نفسها بسبابة قوية وهي تقول:
ـ إسمي نادية هانم الصواف !!!!
أومأ ساخرًا وربت على رأسه متهكمًا وقال:
ـ أنعم وأكرم..
ثم حوّل نظره على الفور نحو چيلان، التي بدت عليها الصدمة بدورها، وقال من بين أسنانه بوعيد:
ـ ماشي.. !! الأيام بيننا وهتشوفي المتخلف ده هيعمل إيه !
تركهما وهمّ بالنزول إلى الدرج، لكن باب غرفة والده انفتح وخرج سالم متسائلًا بدهشة:
ـ في إيه ؟!! إيه اللي بيحصل وإيه الصوت العالي ده ؟!
بادرت نادية تقول بسرعة:
ـ اسأل ابنك.. كان عاوز يتهجم على بنتي ويضربها !
فأجابها حسن مسرعّا :
ـ هي اللي لسانها طويل وعايز قطعه !
رمق سالم حسنًا بعينين متفحّصتين وسأله بهدوء:
ـ إيه اللي حصل يا حسن ؟!
فأجاب حسن بانفعال:
ـ بتقوللي يا متخلف وشتيمة تانية مفهمتهاش!
لتصرخ چيلان بشدة:
ـ لأنك تستحق أكتر من كده !! واحد vulgar وعديم الذوق !
فأشهر حسن قامته مستعدًا للتوجه نحوها وهو يهدر:
ـ أقسم بالله هكسر لك وشك اللي فرحانة بيه ده لو ما لميتي نفسك !
لكن سالم قطع عليه الطريق صارخًا بغضب:
ـ بس يا حسن !! بس انتوا الاتنين !!!!
ثم التفت إلى چيلان قائلاً بحدة:
ـ جرا إيه يا چيلان ؟! من امتى ولاد سالم مرسال عرضة للإهانة والاستخفاف ! انتي بتتكلمي مع حسن سالم مرسال !!! يعني تتكلمي كويس !!!
تقلصت ملامحها قليلا، وكأنها صدمت من رده ، لكنها تماسكت سريعًا وقالت بعناد:
ـ أنا غلطت فيه لأنه مش محترم !! واقف قدام اوضتي بيبص عليا وأنا موطية بلبس جزمتي ! مين سمح له يخترق خصوصيتي بالشكل ده أصلا !!!
لم يلحظ أحد ارتجاف صوتها إلا حسن، الذي ظل يحدق فيها قبل أن يقول بلهجة أكثر هدوءًا هذه المرة، تكاد توحي بالإقرار بالندم:
ـ أنا مكنتش واقف أبص عليكي، أنا واقف مستني أشوفك هتقولي إيه لعمر ؟!
لكنها فاجأته بردّ قاسٍ:
ـ كداب ! انت كنت واقف بتبص عليا وأنا شفتك !
حينها تبخر هدوئه تمامًا، وانفجر غاضبًا:
ـ ما تفوقي لنفسك يا بت ! وأنا هبص على رجلين مارلين مونرو يعني !! طب ده انتي حتى رجليكي شبه مسمار عشرة !
اتسعت عينا چيلان بذهول، فنظرت نادية إليه بامتعاض ووجهت حديثها نحو سالم :
ـ اتفرج يا سالم بيه .. يارب تكون مبسوط وابنك بيهين بنتي بالشكل ده قدامك !
ونظرت إلى چيلان لتدخل إلى غرفتها، ثم لحقت بها، بينما التفت حسن ليغادر وتركهما وسط دوامة غضب عارمة، ونزل الدرج بخطوات سريعة، ليصادف الممرضة التي ألقت عليه تحية الصباح:
ـ صباح الخير يا حسن بيه !
فردّ بحدة:
ـ صباح الزفت !
اتسعت عيناها بدهشة وهي تراه يغادر الڤيلا غاضبًا، بينما صعدت هي الدرج ببطء، تراقب التوتر السائد. فوجدت سالم يقف بالردهة بهدوء، عاقدًا يديه خلف ظهره ويطالعها بنظرة هادئة، قبل أن يدخل حجرته وتلحق هي به وتغلق الباب خلفهما.
••••••••••
استقل حسن سيارته، وأدار المحرّك بعصبية لم يفلح في كبحها بعد المشادة العنيفة مع چيلان. انطلقت السيارة به خارج أسوار الڤيلا بسرعة ملحوظة، كأنما يريد أن يخلّص نفسه من ثِقَل الهواء المشحون الذي تركه خلفه.
ظلّ حسن قابضًا على المقود بقوة، يحدّق في الطريق أمامه دون أن يراه حقًا، بينما رأسه يضجّ بأفكار متناقضة؛ جزء منه كان يستحضر نشوة المواجهة بينهما وحدّتها، وجزء آخر يشعر بالضيق بسبب ما آلت إليه الأمور بسببه.
منذ أن نطق والده بما نطق به، شعر بضيق طفيف في صدره، إذ لم تفارق ذهنه ملامح الصدمة التي ارتسمت على وجه چيلان.. والتي رآها بوضوح بالرغم من أنها أخفتها ببراعة.
لقد أيقن أنها لم تسمع سوى رسالة واحدة من حديث سالم: أنّ وجودها في هذا البيت لا يساوي شيئًا، وأن عليها أن تعيش فيه على الهامش، مكتفية بأن تتحلى بالاحترام والصمت.
ذلك ما وصلها على الأرجح، وذلك بالتحديد ما رآه ينعكس في دهشة عينيها وتلك التقطيبة المرتبكة التي ارتسمت على حاجبيها.
ورغم أنه شعر بوطأة الندم، إلّا أن كبرياءه أبى أن يعترف به؛ فأخذ يقنع نفسه، وهو يضغط أكثر على المقود، أن چيلان هي من تستحق تلك المواجهة، وأن لسانها السليط هو ما جلب عليها كل ما حدث.
كان يخادع ذاته بهذا التبرير، محاولًا طمس ذلك الصوت العميق في داخله الذي يهمس له: لقد بالغت… أنت من البداية المخطيء، لا تنكر أنك فعلا نظرت إليها مأخوذًا بجمال قوامها الممشوق!
لكنّه سرعان ما دفع ذلك الشعور بعيدًا، متمسّكًا بالعناد الذي اعتاد أن يتدثر به كلما أحسّ بالضعف.
ابتسم ابتسامة ساخرة خافتة، وكأنه يريد أن يصدّق أن الأمر لا يعنيه، وأنها تستحق ما نالته، وهو في النهاية معذور، فالغضب دائمًا ما يجرّه إلى هاوية لا يعرف كيف يوقف انحداره فيها.. وهي من أشعلت فتيل ذلك الغضب، إذًا فلتتحمل !
أخذ يفكر مع نفسه قليلا، لكنه ما إن تذكّر هدفه العملي لليوم حتى استقام في جلسته وضبط أنفاسه. إنّه ذاهب إلى مكتب نادر حيث ينتظره ليصحبه في مهمّة شراء الأرض التي اتفقا على تحويلها إلى مزرعة للخيول. ذلك المشروع الذي يتوق لتنفيذه، ويراه بوابة لإثبات نفسه وإيجاد مكانته المستقلة بعيدًا عن ظل والده.
أوقف السيارة أمام المبنى الموجود به مكتب نادر الذي ينتظره، واستقل السيارة رفقته، ثم انطلقا في طريقهما نحو الأرض .
༺═────────────────═༻
كانت چيلان تسقط وجهها بين كفيها، كل إصبعين يسندان جانب رأسها، فيما قدماها تهتزان بعصبية بالغة، وبجوارها جلست والدتها تحاول تهدئتها، قائلة برجاء:
ـ اهدي يا چيچي أرجوكي.. انتي وترتيني !!
رفعت چيلان رأسها إليها بعينين مشتعلة وهتفت بغضب:
ـ أهدى إيه يا مامي ؟! انتي مش شايفة اللي حصل لي ؟! حتة حقير بلطجي زي ده يكلمني أنا بالأسلوب ده !! وفي الآخر أنكل سالم يدافع عنه ويقولي تتكلمي معاه كويس ؟!! أنا كنت حاسة إنه خلاص بعد شوية هيقوللي البيت ده بيتي أنا ولو مش عاجبك امشي!!
تنهدت نادية بمرارة وصمت، وهي تدرك جيدًا أن سالم كان يعني كل كلمة قالها، وأن ما وصل لچيلان لم يكن مجرد وهم.
لكن چيلان تابعت بانفعال متصاعد:
ـ اسمعي يا مامي.. أنا خلاص مش هقعد في البيت ده تاني بعد اللي حصل. أنا والزفت حسن ده مش هينفع نكون موجودين في بيت واحد أبدًا، يا إما حد فينا هيقتل التاني !! أنا هشوف أي بيت في أسرع وقت ونمشي من هنا.
ترددت نادية للحظة، ثم قالت بقلق:
ـ مش هينفع يا چيچي نسيب عمر لوحده مع سالم !! مستحيل ..
لكن كلماتها لم تجد طريقًا للتهدئة، إذ نظرت إليها چيلان بحدة أكبر وقالت بمرارة جارحة:
ـ هو فين عمر يا مامي !! هو فين عمر اللي انتي مش عاوزة تمشي علشانه ؟!! عمر مش عامل لحد حساب أصلا ولا فارق معاه حد ..
ارتسم الضيق على ملامح نادية، فانتفضت چيلان واقفة أمامها بعينين متحديتين، وقالت بغضب عارم:
ـ انتي اللي مش عاوزة تمشي يا ماما.. انتي اللي عاجباكي العيشة هنا وكون إنك مرات سالم مرسال ده محسسك بالفخر.. على إيه مش عارفة !
اتسعت عينا نادية بدهشة، إذ باغتتها كلمات ابنتها كصفعة مباغتة. لكن چيلان لم ترحمها، وأكملت بلا هوادة:
ـ قوليلي إني غلطانة !! قوليلي إني كدابة ! قولي إنك مش عاوزة تفضلي حرم سالم مرسال والسلام !! بتتحدي نفسك وعاوزة تثبتي إنك الصح وهما اللي كانوا غلط.. مش عاوزة تبعدي علشان متواجهيش نفسك بفشلك ؛ مش عاوزة تعترفي إنك كنتي غلط من البداية وخسرتي صاحبة عمرك علشان إنسان ظالم ميستاهلش .. مش عاوزة تخسري، مع إنك خسرانة من يوم ما دخلتي البيت ده أصلا !
ارتخت كتفا نادية باستسلام واضح، وقالت بصوت مرهق متعب:
ـ كفاية يا چيچي..
لكن چيلان لم تكتفِ، بل تابعت بقسوة أكبر:
ـ بتعملي فينا كده ليه ؟! لو انتي قابلة على نفسك تعيشي معاه من غير كرامة أنا مش هسمح كرامتي تتهان ولو لحظة واحدة وأعيش من غير كرامة زيك !
اشتعلت عينا نادية بالغضب، ولم تتوقع تجاوزها لهذا الحد، وفجأة باغتتها بصفعة مدوية، هي الأولى في حياتهما، وقالت بقسوة ونبرة تقطر مرارة:
ـ ولما كنتي بتجري ورا فريد علشان يلمحك أو ياخد باله منك حتى مكنتيش بتهيني كرامتك؟
تجمدت چيلان مكانها، تضع يدها على موضع الصفعة بدهشة عميقة، لم تصدق أن أمها فعلت ذلك حقًا، لكن وقع كلماتها كان أشد إيلامًا. كادت دموعها تنفجر لكنها تماسكت بقوة نادرة، وقالت بصوت مختنق:
ـ كنت غبية، كنت مش فاهمة ولما فهمت بعدت.. أيوة غلطت مرة والتانية لما ضعفت قدامه وصارحته بمشاعري، لكني حطيت لنفسي حد وتراجعت .. لما لقيت الحب الفاشل ده هيخليني أخسر نفسي كل يوم أكتر رميته تحت رجلي وفُقت لنفسي وشغلي.. إنما انتي إيه اللي مخليكي تقبلي بالإهانة ٢٥ سنة !!! إيه اللي يجبرك تضحي وتتنازلي كل يوم علشان واحد زي ده .. عملتيه محور حياتك كلها هو وولاده ومراته.. بقى شغلك الشاغل تفكري تثبتي له إزاي إنك أحسن من كل اللي عرفهم قبلك، وإن ولادك أفضل من ولاده.. لدرجة إنك في وسط الزحمة دي نسيتي ولادك!! نسيتي تهتمي بيهم وتربيهم صح وتقوي علاقتك بيهم، نسيتي تديهم ربع الوقت اللي كنتي مسخراه لسالم ومشاكله
وتقدمت منها بخطوة حاسمة، وقفت أمامها مباشرة، وقالت بتحدٍ:
ـ نسيتي چوليا ؟! چوليا ماتت بسببك ! بسبب إهمالك وأنانيتك.. عمر عمره ما حبك ولا حبني .. ومتعلق بفريد ونسيم ومن بعدهم حسن بسبب إهمالك وأنانيتك، ومشي وساب البيت بسبب إهمالك وأنانيتك.. وأنا مش عاوزة أعيش في بيت أحس فيه إني قليلة وصغيرة، ولا هسمح إن حد يعاملني وكأنه بيمن عليا .. عاوزة تفضلي هنا خليكي لوحدك، أنا ماشية !
اندفعت نحو خزانتها، سحبت حقيبة سفر كبيرة، وبدأت تحشوها بأغراضها بعشوائية متوترة. غير أن حركتها توقفت فجأة حين انفرج الباب على غير انتظار، ليطل منه عمر، يقف مشدوهًا بينهما، عيناه تتنقلان بين أمه وأخته، قبل أن يقول بنبرة متوترة:
ـ في إيه ؟! إيه اللي حصل بالظبط !!
༺═────────────────═༻
تمدد سالم على الفراش، وبسط ذراعه بجواره بينما الممرضة تلف الرباط حول ذراعه لتقيس له الضغط، وهي تقول:
ـ الانفعال غلط عليك يا سالم بيه .. ضغطك مش مستقر لسه وأي لخبطة ممكن تتعب تاني.
أمعنت النظر في مؤشر الجهاز ثم أردفت:
ـ الضغط غالي.. 160/100
زفر سالم بضيق وقال:
ـ برشام الضغط ماله مش مأثر كده ليه، هو مش المفروض يظبط الضغط .. أنا بقيت حاسس إن هو اللي بيبرجلني.
ابتسمت بثقة وأجابت:
ـ العلاج لوحده مش كفاية حضرتك، النفسية عليها عامل كبير، وطول ما انت منفعل والأجواء حواليك مشحونة بالشكل ده الضغط مش هيتظبط حتى لو أخدت عشر حبات في اليوم.
أسند رأسه للخلف وهو يزفر بملل، فتابعت بصوتها المغوي وعينيها تغوصان في أعماقه:
ـ انت محتاج ترتاح يا باشا.. لازم تبعد عن التوتر وتفضي دماغك خالص من التعب والدوشة اللي حواليك، صحتك أهم.
ظل يحدق فيها وكأنها تسلبه إرادته وتستحوذ على عينيه فتظلان مشدودتان نحوها، ابتلع ريقه محاولاً إخفاء ارتباكه، ثم قال:
ـ يظهر إن معاكي حق، أنا فعلا لازم أبعد يومين.
ابتسمت في رضا وأردفت:
ـ وأنا عن نفسي مفيش عندي مانع أجي معاك آخر الدنيا.. أهم حاجة أطمن على صحتك وإن كل الأمور بخير.
ظل يرمقها بصمت، يتساءل في داخله عن سر هذا الإصرار الغريب على مرافقتها له، أهو اهتمام حقيقي بصحته، أم اهتمام به شخصياً؟ وما سر ذلك اللمعان المغوي في عينيها! أهو يفسر نظراتها خطأ، أم أن نظراتها لا تحتمل تفسيرًا آخر؟! فقال بشرود:
ـ انتي إيه حكايتك بالظبط؟!
ظن أنها ستفهم أنه يسأل عما تريده منه، لكنها فهمت سؤاله على نحو آخر، فتنهدت وأطرقت رأسها قائلة:
ـ حكايتي حكاية طويلة يا باشا، مش هقدر أحكيها لك انت مش ناقص وجع دماغ.. كل اللي أقدر أقوله لك إني اتظلمت واتحرمت من كل حاجه، سنين شبابي راحت هدر وأنا مشفتش يوم حلو أحكي عليه.
قطب جبينه وسألها:
ـ انتي اسمك إيه؟!
ابتسمت بخفة وأجابت بانفتاح ظنًا منها بأن حديثهما سيأخذ منحنى أعمق وأكثر قربًا :
ـ اسمي أحلام.
ولكنه فاجأها إذ أومأ ببرود وقال بثبات:
ـ اخرجي وخدي الباب في إيدك يا أحلام.
انطفأت ابتسامتها للحظة، لكنها لم تعلق، وغادرت. وبينما توشك على إغلاق الباب، دخلت زينب، وأوصدت الباب خلفها، لتتبادل مع سالم نظرات صامتة قبل أن يهز رأسه متسائلاً:
ـ عملتي إيه؟!
أجابت بهدوء :
ـ رحت وفضلت أخبط مفيش حد فتحلي، أمن الكومباوند قال إنهم مش موجودين بقالهم كم يوم!
تجهم وجهه وقال بدهشة:
ـ أومال راحوا فين؟
ـ الحقيقة معرفش، رنيت تليفونها مقفول!
تنهد بضيق وقال:
ـ كلمي فريد يكلمها، هو الوحيد اللي هترد عليه، وقولي له لما يعرف هي فين يقول لك فورا.
أومأت موافقة، فتابع:
ـ وابقي ارمي له في وسط الكلام إني تعبان وكنت بين الحياة والموت! يمكن يخلي عنده دم ويكلمني.
كتمت ضحكة كادت تفلت منها، وأجابت بطاعة :
ـ تحت أمرك.
مرر يده بتعب بين عينيه ثم قال:
ـ أنا رايح العزبة الصبح، هقعد هناك كام يوم.. جهزي نفسك علشان هتيجي معايا.
قطبت جبينها وقالت باستغراب:
ـ اشمعنا؟!
ـ هو إيه اللي اشمعنا، سيادتك عندك اعتراض!!
أجبرت نفسها على كبت ضيقها وقالت:
ـ العفو، بس كل مرة كنت بتروح لوحدك، اشمعنا المرة دي هاجي معاك!
أجاب بحدة:
ـ لأن الممرضة هتكون معايا! أكيد مش هقعد معاها لوحدي يعني!!
ارتسمت على ملامحها دهشة خافتة، لكنها أومأت قائلة:
ـ تحت أمرك؛ طب والڤيلا؟! حضرتك مش هتكون موجود ولا أنا موجودة!!
قال بتأنٍ:
ـ بس حسن موجود!
أومأت ببطء وقالت بخضوع لا تملك غيره :
ـ اللي تشوفه يا باشا.. عن إذنك!
وما إن همت بالخروج حتى استوقفها صوته:
ـ خفي من نظراتك اللي ملهاش لزمة دي لحسن، هو مش غبي! واخد باله منك وعمال يسأل بتعامليه كده ليه!! مالك؟! هتخيبي ولا إيه؟! وفري الحنية دي لسه بدري عليها، لما أموت إبقي هشتكي ودلعي فيهم براحتك!
أطرقت برأسها وقالت مستسلمة:
ـ بعد الشر عليك، ربنا يطول في عمرك!
أجاب وهو يهز رأسه:
ـ آمين.
أشار لها بيده أن تخرج، فغادرت مسرعة. وما إن أوصدت الباب خلفها حتى وقفت تبتلع غصتها بصوت خانق، تتمتم بدعاء في صورة لعنة:
ـ ربنا يطول في عمرك يا سالم يا مرسال، لحد ما تسد كل الديون اللي عليك!!
خرجت الكلمات من فمها كأنها سكين مغموسة في العسل، دعاء ظاهره رحمة وطول حياة، لكنه في باطنه قيد ثقيل يربطه بالحياة حتى يواجه كل مظلمة ارتكبها، فلا يهنأ براحة، ولا يجد مهربًا من أثقال ذنوبه حتى آخر نفس.
༺═────────────────═༻
تساءل عمر بحدة وقلق وهو يدخل عليهم:
ـ في إيه ؟! إيه اللي حصل بالظبط ؟!
التفتت إليه والدته وچيلان معًا، فهتفت نادية بلوعة وهي تنهض متقدمة نحوه:
ـ عمر حبيبي وحشتني!
مدّت ذراعيها لتحتضنه، غير أنه ابتعد فجأة متفاديًا مرمى يديها، ثم وجّه بصره نحو چيلان وقال:
ـ في إيه يا چيچي؟ إيه اللي حصل بينك انتي وحسن ده!
رمقته والدته بنظرات حادة متحفزة، وقالت بغضب:
ـ هو لحق حكالك اللي حصل؟! أكيد طبعًا كل كلامه كدب وبرأ نفسه وطلع أختك هي اللي غلطانة، مش كده؟
تنفس عمر بضيق، وقد أرهقته ظنونها السيئة، ثم أجاب بحدة:
ـ لأ مش كده.. حسن مكلمنيش أصلا، أنا كنت مع چيچي على التليفون وهما بيتخانقوا، يعني سمعت كل حاجة اتقالت بنفسي!
وأشار بيديه بحركة ساخرة وقال:
ـ يعني تقدري تقولي كده حضرت الخناقة لايڤ.
تراجعت حدّة نادية قليلًا، وألقت بنظرة نحو چيلان التي بقيت صامتة، منشغلة بتحضير حقيبتها دون إبداء أي رد فعل. اقترب عمر منها، فتوقف فجأة وقد استوقف بصره الاحمرار البادي على وجنتها، والآثار الواضحة لأصابعٍ مطبوعة على بشرتها، فصاح مصدومًا:
ـ إيه ده؟ مين اللي عمل فيكي كده؟
تجاهلت سؤاله، وظلت تعبث بخزانتها. فما كان منه إلا أن أمسك بيدها ليجبرها على النظر إليه، وهتف بحدة:
ـ اتكلمي.. مين عمل فيكي كده؟
لمح في عينيها دموعًا مكتومة، فعرف أن الأمر جلل. فهو لم يرَ چيلان تبكي في حياته إلا نادرًا، مما جعله يدرك أن ما تخفيه الآن يفوق قدرتها على الاحتمال. التفت نحو والدته بعينين تشتعلان غضبًا، وصاح:
ـ انتي اللي عملتي فيها كده؟!!
اكتفت نادية بنظرة غاضبة، ثم تجاوزتهما واتجهت إلى غرفتها في صمت. بقي عمر واقفًا أمام چيلان، يراقبها وهي تكتم دموعها بعناد. انتزع قطعة ملابس من يدها وألقاها أرضًا قائلًا بانفعال:
ـ بتعملي إيه بس!
فأجابته بصرامة وهي تحاول التماسك:
ـ لو سمحت يا عمر سيبني دلوقتي!
ـ ليه؟ مش عاوزة تعيطي قدامي مش كده ؟!
قطبت حاجبيها بدهشة، وقالت باستهجان:
ـ أعيط؟!
ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وأردفت بكبرياء:
ـ أعيط ليه أصلا ؟!
تنهد بيأس، ونظر إليها بعطف وقال:
ـ هو أنا غريب يعني؟! ولا أنا مش فاهمك وعارفك كويس وعارف إن كبرياءك مانعك تعيطي قدام حد!
غاصت بعينيها في عينيه وقالت بنبرة حاسمة:
ـ لأ يا عمر ، انت مش عارفني ولا عارف عني حاجة؛ ومش عاوز تعرف أصلًا! إنت عمرك ما اعتبرتني أختك! بالنسبة ليك إخواتك هما فريد ونسيم وحسن بس!
تجهم جبينه باستنكار وقال:
ـ ليه بتقولي كده يا چيچي؟! انتي عارفة كويس أوي إني بحبك.. وبحبك جدًا كمان.
أمالت رأسها في سخرية مريرة، ثم قالت:
ـ فعلًا؟! يعني بعد اللي حصل من حسن، يا ترى هتاخد صف مين فينا؟! أنا ولا هو؟!
أجابها متوسلًا:
ـ وليه آخد صف حد فيكم؟! أنا بحبكم انتوا الاتنين، انتي أختي وحِتّة مني، وهو كمان أخويا وحِتّة مني.. ليه لازم أقف مع حد ضد حد؟!!
هزت رأسها بمرارة وقالت بحدة متألمة:
ـ لأن ده الواقع يا عمر! انت طول عمرك واخد صف فريد ونسيم.. قريب منهم ودايمًا معاهم في كل حاجة، تعرف عنهم كل حاجة، بتشاركهم فرحهم وحزنهم.. أما أنا؟!! ومن قبل كانت چوليا ! كنت تعرف عنها حاجة؟! تعرف عني حاجة؟! تعرف أبسط الحاجات اللي المفروض الأخوات يكونوا عارفينها عن بعض؟!
وتابعت بصوت يختلط فيه العتاب بالمرارة:
ـ يعني أنا مثلًا أعرف إن أكتر لونين بتحبهم هما الأسود والجراي، وأعرف انك بتشجع ليفربول ، فيلمك المفضل the dark Knight ، أكتر حاجة بتحب تاكلها المكرونة بأنواعها، بتحب الخيل جدا ..
تقدمت نحوه خطوة وقالت بمرارة أكبر:
ـ أنا عارفة كل ده عنك يا عمر.. طب إنت تعرف إيه عني؟! تعرف لوني المفضل؟ أكلي اللي بحبه؟ إيه اللي بيفرحني أو بيكسرني؟! عمرك سألت نفسك أصلا أو كنت مهتم ؟! في حين إنك عارف كل حاجه عن فريد ونسيم.. بيحبوا إيه، بيكرهوا إيه، عاملين إيه في حياتهم، لكن أنا.. لأ .
شعر عمر للحظة وكأن كلماتها تضرب في داخله مباشرة، فأيقن أنه بالفعل لا يعرف عنها شيئًا يذكر. لقد عاش سنوات طويلة وهو يظن أن وجوده بجانبها كافٍ ليكون أخًا حقيقيًا، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تمامًا. فجأة، أحس وكأنه غريب عنها، كأنه يقف على ضفة نهر بعيدة وهي على الضفة الأخرى، وبينهما ماء ثقيل من الصمت والأسرار لم يحاول يومًا أن يعبره.
ارتسمت على وجهه ملامح ندم مكتوم، وخنقه شعور بالخذلان من نفسه؛ كيف سمح للمسافة أن تتسع حتى صارت أخته تعرف عنه كل شيء صغير وتافه، بينما هو لم يتكبد يومًا عناء أن يعرف عن عالمها سوى القشور؟!
توقفت چيلان عن الكلام، وارتجفت شفتاها وهي تحاول حبس دموعها، لكنه كان قد فهم.. فهم كل ما عجزت عن قوله. نظر إليها عمر طويلاً، بعينين تكسوهما غشاوة من الندم، حتى بدا وكأن صمته يعتذر عنه.
اقترب بخطوات بطيئة، ثم مد يده برفق وأمسك رأسها، وطبع قبلة حانية على جبينها، قبل أن يجذبها إلى صدره بحضن أخوي صادق.
حينها لم تعد چيلان قادرة على المقاومة؛ انكسرت فجأة كل حواجز كبريائها، وانفجرت باكية بحرقة، وكأنها تفرغ في بكائها سنوات طويلة من الوحدة والخذلان. تشبثت به كطفلة صغيرة عثرت أخيرًا على أمانها، بينما هو شدد من ذراعيه حولها، كأنه يعدها بصمت أن هذه المرة مختلفة.. وأنه لن يتركها وحيدة بعد الآن.
استسلمت چيلان لتلك اللحظة الأخوية النادرة ، وأخذت تبكي بحرقة وهو يربت على ظهرها ببطء، محاولًا أن يسكب بعض السكينة في قلبها القلق.
ظل صامتًا لدقائق، يترك لصوت بكائها أن يخفت شيئًا فشيئًا، حتى هدأت أنفاسها المضطربة.
رفع يده برفق، ومسح دموعها، ثم مال على خدها وطبع قبلة في الموضع الذي ما زال يحمل أثر صفعة والدتهما وابتسم ابتسامة مازحة، كأنه يحاول أن يبدد ثقل تلك اللحظة، وقال:
ـ على فكرة عندك لوشن ملطف حلو أوي للحالات اللي زي دي.. أنا جربته قبل كده يوم ما الباشا كان بيمسي عليا، ابقي حطي منه.
لم تفهم في البداية، ثم التقطت الإشارة لذكرياته القديمة عندما صفعه والده، ووسط دموعها انفلتت منها ابتسامة صغيرة رغماً عنها. هزّت رأسها كأنها تلومه على دعابته، بينما هو ابتسم بدوره وربّت على كتفها بحنان وهو يتمتم:
ـ اهدي بقى يا چيچي.. أنا خلاص عرفت غلطي وأوعدك مش هضايقك مني تاني أبدا، ده أنا هعمل عنك تحري وهجيب كشف بالحاجات اللي بتحبيها وبتكرهيها وهسمعها لك بكرة صم .
رمقته بنظرة حانقة وقالت باقتضاب:
ـ يا سخيف.
ابتسم برفق، ثم مال يطبع قبلة على جبينها هامسًا:
ـ البوسة دي اعتبريها اعتذار مني ليكي على تقصيري معاكي .
ثم أعقبها بقبلة أخرى وهو يقول:
ـ واعتبري دي بردو اعتذار لكن بالنيابة عن حسن.
ولكنها ابتعدت عنه فجأة كما لو أن لسعة عقرب قد مستها، وحدّقت فيه بغضب وهي تقول بحدة:
ـ متجيبش سيرة الحيوان ده قدامي مرة تانية .
زم شفتيه بيأس، وقال :
ـ ما هو انتي بردو غلطتي فيه يا چيچي وتقلتي العيار اوي بصراحة ، ده كل الشتايم اللي بالعربي كوم واللي بالانجلش كوم تاني !! ده لو فهم معناها مش هيقعدنا في البيت أقسم بالله.
ـ قليل عليه أصلا اللي اتقال له ! واحد عينيه زايغة ومش محترم !!
حكَّ عمر جانب عنقه بشيءٍ من الحرج، فهو يعرف حسن حقَّ المعرفة، ويعلم أنّه لا يكبح جماح نظراته أبدًا، ولا يجيد ضبطها مهما حاول.
تنهدت هي وقالت وهي تنقل نظرها بين الحقيبة والخزانة :
ـ على العموم أنا ماشية وسيباله البيت باللي فيه.
ـ على فين !
ـ أي مكان تاني يا عمر !! أكيد مش هغلب يعني ! كده كده انت مش قاعد هنا واللي فهمته إنك هترجع تاني مكان ما كنت ! وأنا مش هفضل ، خلي نادية هانم وسالم باشا وحسن بيه يتونسوا ببعض .
ـ لا يا چيچي.. أنا مش همشي وانتي مش هتمشي.. لو عاوزة تمشي يبقى أنا كمان همشي والمرة دي مش راجع ولا حد هيعرف يوصل لي بجد ..
رفعت حاجبها وقالت بضيق :
ـ بلاش الحركات السخيفة دي، انت مش ولد صغير.
ـ لأ ولد صغير وبعملها على روحي كمان .. ولو مشيتي همشي ومش هتعرفوا لي طريق جرة .
رمقته بغضب، وزفرت، فمال نحوها مقبلا وجنتها من جديد وقال :
ـ خلاص بقا يا چوچ .. قلبك ابيض يا كبير .
رمقته بامتعاض، ثم قبضت على خصلات شعرها وجمعتها إلى الخلف، وقالت:
ـ چوچ !! و إيه بتعملها على روحك دي كمان !! بقيت local شبهه .
تألقت ابتسامته على نحوٍ استفزّها أكثر، فتنفّست ببطء محاولة كبح انفعالها، ثم سادها صمت قصير وهي تحسب الأمر بعقلها، قبل أن تنطق قائلة:
ـ خلاص هفضل.. لكن بلغه رسالتي دي .. لو فكر يضايقني مرة تانية أنا هوري له الوش التاني ، وهعرفه مين هي چيلان عبدالعزيز !
أومأ ضاربًا تحية عسكرية وقال :
ـ علم وينفذ يا باشا ..
زفرت محاولة التماسك ببقايا هدوئها وقالت :
ـ يلا سيبني محتاجة أخد شاور وأحط حاجة على وشي ده!
أومأ بأسف، ربت على كتفها وغادر الغرفة، منها إلى غرفته .
༺═────────────────═༻
توقّفت سيارة حسن عند أطراف قطعة أرض واسعة، بدت للوهلة الأولى مجرد فضاءٍ ممتد، محاط بسور قديم متداعٍ، وأعشاب برية تنمو هنا وهناك بلا نظام.
ترجل حسن من السيارة بخطوات واثقة، وقف في المنتصف وأدار نظره حول المكان، كأنما يحاول أن يرى ما وراء الفراغ.
قال نادر وهو يفتح ملفًا بين يديه:
ـ الأرض مساحتها ممتازة يا حسن، والموقع استراتيجي بتاعها مميز جدًا .. بس محتاجة تجهيز كبير جدًا، يعني تقريبًا هتبدأ من الصفر.
لم يلتفت حسن إليه، بل ظلّ يتأمل الأرض بصمت قبل أن يردّ بابتسامة خفيفة:
ـ هو ده المطلوب.. أنا عايز أبني كل تفصيلة فيها بإيدي.. من أول حجر في السور لحد أول حصان يدخل الإسطبل.
تأمله نادر مليًّا وقال:
ـ طموحك كبير، بس المشروع ده محتاج ميزانية مش قليلة، ومحتاج صبر.
أجاب حسن مبتسما وهو يغرس يديه في جيبي سرواله، وصوته يحمل إصرارًا لا يلين:
ـ إذا كان على الصبر مفيش أكتر منه، والميزانية هتتدبر .
ألقى نادر نظرة في ملفه وهو يومئ برأسه موافقًا، ثم قال بهدوء:
ـ طيب على العموم أنا راجعت كل حاجة بخصوص الأرض. الوضع القانوني سليم مية في المية، لا عليها نزاعات، ولا مشاكل ورث، ولا أي شيء. الأرض خالصة ومستوفية كل الأوراق الرسمية.
ارتسمت على ملامح حسن لمحة حماس، وقال متسائلًا:
ـ تمام يا أستاذ نادر يا عسل.. الخطوة الجاية إيه بقا ؟
ابتسم نادر بودّ ظاهر، ثم أردف وهو يثبت بصره أمامه:
ـ بعد ما نمضي العقود ونسجلها في الشهر العقاري هنشتغل فورا.. أول حاجة هنجيب مهندس معماري يرسم المخطط المبدئي للمزرعة، من حيث تقسيم الأرض وأماكن الاسطبلات والمخازن وكل الكلام ده..
ـ واللي بعده ؟!
ـ واللي بعده هنشوف شركة مقاولات موثوقة تنفذ المخطط ده على أرض الواقع، ده هيوفر وقت ويضمن لنا إن الشغل يطلع مظبوط.
أومأ حسن مؤكدًا، وقال بحزم:
ـ أيوة يا متر الله لا يسيئك، أنا عاوز شغل على مية بيضا.. مش عاوز تقصير أبدا ولو على الفلوس أنا مستعد أحط كل اللي معايا ف المشروع ده.
أجابه نادر مطمئنًا:
ـ متقلقش يا حسن، إن شاء الله خير.
أومأ حسن برأسه، ثم استدار، وعيناه تجولان عبر امتداد الأرض الفارغة أمامه، ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يشرع بخياله يرسم الملامح: هنا ستقف الخيول، وهناك ستُقام الاسطبلات، وفي الواجهة لافتة ضخمة تعلن بفخر "مزرعة مرسال لإنتاج أغلى سلالات الخيول".
لمعت عيناه بحماس، وقد حمله خياله نحو المستقبل: فأخذ يفكر : كيف سيكون شكل المشروع بعد عام واحد؟ هل سينجح؟ هل سيجني ثماره؟
وبينما كان حسن غارقًا في شروده، توقفت أمامهما سيارة فاخرة يكسوها بريق لامع، وترجّل منها رجل خمسيني ذو هيبة واضحة، يرتدي بذلة أنيقة تفوح منها رائحة الوقار والجدّية.
رمق نادر الرجل فورًا، فابتسم باحترام، وأسرع نحوه قائلًا:
ـ أهلا وسهلا أستاذ فؤاد، نورتنا.
تبادل الرجل معه مصافحة حازمة، ثم ألقى نظرة متفحّصة على حسن الذي يقف إلى جوار نادر، فاقترب الأخير موضحًا:
ـ أعرّفك يا أستاذ فؤاد بالمشتري الجديد للأرض...
وأشار إلى حسن وقال:
ـ حسن بيه ابن سالم باشا مرسال .
مدّ فؤاد يده لمصافحة حسن وهو يقول بنبرة هادئة تنم عن ثقة:
ـ تشرفنا يا حسن بيه .. إن شاء الله الأرض تكون وشها حلو عليك.
صافحه حسن بابتسامة ثابتة، وقال بحماسة واضحة:
ـ الله يخليك يا أستاذ فؤاد.. إن شاء الله خير.
أشار نادر إلى السيارة وقال:
ـ العقود كلها جاهزة معايا في العربية ، خلينا نراجعها سوا ونمضي علشان محتاجين نخلص التسجيل ونبدأ المشروع في أقرب وقت.
ابتسم فؤاد إشارةً إلى موافقته، ثم خطا نحو السيارة بخطوات واثقة، ليلحق به نادر، فيما تبعه حسن وهو لا يزال مأخوذًا بالأرض الممتدة أمامه. عيناه متشبثتان بها كأنها تحمل ملامح مستقبله، وأحلامه تشرع في نسج خيوطها الأولى على ترابها. كان قلبه يخفق بقوة تجمع بين الحماسة والرهبة، وكأنه على وشك أن يضع اللبنة الأولى في بناء حلمه الأكبر.
༺═────────────────═༻
بعد ساعتين ..
كان فريد يجلس أمام جهاز الحاسوب، يتفحص بدقة كل ما أرسلته سيلين، يتأكد من كل تفصيلة مرة أخرى، وعقله مشغول بأسئلة متتابعة: هل يمكن أن يكون هذه خديعة ؟ أم أنها صادقة بالفعل؟! على الرغم من أن نادر يتابع الأمر عن كثب الآن، إلا أن فريد لم يتمكن من إيقاف تدفق أفكاره القلقة.
في تلك اللحظة، رن هاتفه، فأجاب فريد بسرعة وقلق:
ـ أيوة يا متر…
ـ أيوة يا فريد، معلش تأخرت عليك، كان عندي مشوار مهم، رد نادر بهدوء.
ـ ولا يهمك، قال فريد مهدئًا نفسه.
تنهد نادر ببطء، ثم قال بصوت جاد:
ـ شوف يا فريد… أنا راجعت كل حاجة بنفسي واتأكدت إنها للأسف متورطة فعلا .. خليني أقوللك كمان إن وضعها مش بسيط ، لكن مش ميئوس منه .
أخذ نفسًا قصيرًا ثم بدأ يشرح:
ـ أول حاجة، لازم نفهم إن العقود اللي وقعتها سيلين تحت ضغط… باطلة قانونيًا لو قدرنا نثبت ظروف التهديد أو الإكراه. وده يديها موقف قوي في المحكمة.
ـ ثاني حاجة، التهديد بالفضح نفسه جريمة مستقلة، اسمه "ابتزاز". والقانون اليوناني زي المصري بيجرمه. ونقدر نستعمل النقطة دي لمصلحتها.
تردد فريد قليلًا وقال:
ـ بس هي لجأت للقانون هنا في اليونان وعلى حسب كلامها محدش ساعدها، هنساعدها إحنا إزاي؟ أو بمعنى أوضح حضرتك هتساعدها من عندك إزاي ؟!
أجابه نادر بخبرة:
ـ شوف أنا عندي حلّين:
الأول إني أوصلها بمكتب محاماة يوناني موثوق، من خلال شبكة العلاقات الدولية اللي عندي. المكتب ده يقدر يرفع دعوى ببطلان العقود، ويقدم بلاغ بالابتزاز ضد يافوز.
والتاني إني أقدر أصيغ لها خطاب قانوني شديد اللهجة يتبعت له رسميًا عن طريقي أو عن طريق المحامي هناك، يثبت إننا واخدين خطوات قانونية ضده. الرسالة دي في حالات كتير بتكفي إنها توقفه لأنه بيعرف إن اللعبة خرجت من إيده.
ثم أكمل بتركيز:
ـ أهم حاجة دلوقتي إنها ما تستسلمش للتهديد. لو دفعتله مرة، مش هيسيبها. الحل إنها توقفه قانونيًا وتثبت قوتها من البداية.
رفع فريد حاجبيه وهو يسأله:
ـ يعني شايفها ممكن تكسب لو واجهته؟
ابتسم نادر ابتسامة خفيفة وقال:
ـ مش بس تكسب… ده ممكن هو اللي يروح فيها قانونيًا لو لعبها غلط.
تنفّس فريد بارتياح نسبي بعدما طمأنه نادر، ثم قال:
ـ تمام يا متر.. أنا هكلمها وأشرح لها الموضوع، وأشوف هي حابة تمشي في أنهي اتجاه وأبلغك.
فأجابه نادر:
ـ وأنا في انتظارك في أي وقت، وإن شاء الله مساعدتنا ليها تبقى في ميزان حسناتنا.
ـ إن شاء الله.
كاد فريد أن ينهي الاتصال، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، محاولًا أن يبدو غير مهتمًا أكثر من اللازم، وقال:
ـ طمّني.. الباشا صحته عاملة إزاي دلوقتي؟
أطلق نادر تنهيدة وقال:
ـ والله الحال مش أوي يا فريد، والدك كبر وصحته مبقتش زي الأول. وأظن إن الواحد لما بيكبر، خصوصًا اللي زي الباشا، بيكون محتاج أولاده حواليه، يحس باهتمامهم وحبهم.. صدقني ده مهم جدًا في وقت زي ده.
صمت فريد للحظة، لم يعرف بما يعقب، ثم تنهد بإيجاز:
ـ ربنا يصلح الحال يا متر، مع السلامة.
أنهى الاتصال، وبقي ممسكًا بالهاتف يفكر. هل يتصل به؟ وماذا سيقول؟ هل يرسل كلمات مجاملة زائفة لا يؤمن بها؟ هل يكذب ويقول إنه قلق عليه؟ لا، فهو لا يعرف طريقًا للزيف، ولن يكون يومًا ممن ينافقون حتى وإن كان الأمر مع والده!
وبعد تفكير مرهق بخصوص موضوع سيلين، حسم الأمر وقرر أن يقطع دابر التردد. فأرسل رسالة صوتية إليها، شرح لها الموقف، ووضع أمامها الخيارين، وظل منتظرًا ردها ليبلغ نادر به.
لكنها لم تجب. وبعد نحو نصف ساعة، سمع طرقًا على بابه!
تجهم جبينه متعجبًا: من الطارق؟! ولا أحد يعرف طريقه أصلًا!
نهض وفتح الباب، ليتفاجأ بها أمامه:
ـ سيلين؟!
ابتسمت سيلين بخفوت يشي بالانكسار، وقالت بلهجة يونانية ممزوجة بالإنجليزية:
ـ أعتذر لأني أتيت دون موعد مسبق!
ـ لا عليكِ، تفضلي!
ـ لا.. لا أريد إزعاجك.. يكفي أنني أتيت بدون استئذان.
ابتسم فريد ابتسامة قصيرة، شعر معها بالارتياح، فقد دعاها من باب الذوق فقط، بينما كان في أعماقه يتمنى أن ترفض.
تطلعت حولها بهدوء، ثم عادت تنظر إليه وقالت:
ـ كنت بالقرب منك.. أزور صديقة عمل لي في " إليوس " ووصلتني رسالتك، فجئت لأخبرك بقراري وجهًا لوجه.
أومأ فريد بتفهم وصمت صبور:
ـ حسنا، وما هو قرارك ؟
تنهدت طويلا ثم قالت :
ـ في الحقيقة لا أرجح أن نبدأ بالحل الأول، أعتقد أن شخصًا متلاعبًا ودنيئًا مثل يافوز لن يتردد في تشويه سمعتي لو قمت بفضحه أو التسبب في سجنه..
وصمتت قليلا، ثم تابعت:
ـ خصوصًا وأنه…
توقفت فجأة، وذرفت دمعتين، فاستغرب فريد وقال بحدة خفيفة:
ـ وأنه ماذا؟!
نظرت إليه بانكسار وتابعت:
ـ أنا ويافوز كانت بيننا علاقة فعلية!
ارتفع حاجباه قليلًا متفاجئًا، ثم أومأ وقال:
ـ تقصدين إنه يقوم بابتزازك بهذا الأمر ؟!
أومأت برأسها بحزن وقالت:
ـ أجل.. اكتشفت إنه قام بتصويري ومن ثم ابتزازي. ومن أجل الحصول على الفيديو، اضطررت لتوقيع بعض العقود.. وإذا حاولت إيذاءه، قد ينتقم وينشر التسجيلات أو يرسلها لأهلي!
وتابعت بصوت متهدج:
ـ لذلك أظن أن الأفضل أن نستعمل الحل الثاني أولًا.
قال فريد بتركيز:
ـ تقصدين أن نرسل له خطاب قانوني يثبت أننا بدأنا باتخاذ الإجراءات ضده؟
أومأت بتأكيد:
ـ أجل.. وإذا لم يأتِ بنتيجة، نلجأ للحل الأول.
أومأ موافقًا:
ـ حسنًا، كما ترغبين. سأتواصل مع المحامي وأبلغه بقرارك، وغدًا سأتصل بك لأخبرك بآخر التطورات.
هزت رأسها موافقة، ثم فجأة اندفعت لتعانقه بحرارة قائلة بصوتٍ باكٍ :
ـ لا أعرف كيف أشكرك يا فريد.. شكرًا لك من قلبي!
تجمد فريد من وقع ذلك العناق المباغت، ثم تمالك نفسه، وانتزع جسده من بين ذراعيها بهدوء، مبتعدًا خطوة للوراء وقال :
ـ لا عليكِ سيلين.
أومأت بصمت، ثم انسحبت سريعًا، ركبت سيارتها، وغادرت مسرعة.
وبمجرد أن غادرت، عاد فريد إلى الفيلا، أغلق الباب خلفه بعنف، وأطرق بصره إلى التيشيرت الذي يرتديه، وكأن لمسة العناق ما زالت عالقة فيه. فجأة نزعه عن جسده وألقى به في أقرب سلة مهملات بقوة، ثم صعد لغرفته، ليأخذ حمامًا عميقًا، مستنزفًا فيه ما يكفي من الكحول لكي يمحي أثر لمستها له .
أما سيلين، فما إن أغلقت باب سيارتها وانطلقت مبتعدة، حتى أخرجت هاتفها بسرعة وضغطت على الرقم المخزن. لم يكد الطرف الآخر يجيب حتى قالت بصوت منخفض حازم:
ـ لقد أنجزتُ ما طلبته بالحرف يا جيرالد… وبمجرد أن تصلك الصور، أريد المبلغ المتفق عليه في حسابي البنكي، بلا أي تأخير.
༺═────────────────═༻
في القاهرة…
داخل غرفة سالم، جلس كلٌّ من سالم ونادر بترقبٍ شديد، ينتظران وصول ما وعد به جيرالد. وما هي إلا لحظات حتى أرسل نسخة صوتية من الحوار الذي سجلته سيلين مع فريد. تولى نادر تشغيل التسجيل، وجلس الاثنان ينصتان بتركيز، فيما كان نادر يترجم بدقة كل ما يُقال لسالم.
قال نادر وهو يتابع:
ـ بتقول له إنها بتفضل الحل التاني اللي هو الرسالة اللي هنوضح فيها إننا أخذنا إجراء ضده.. ، بتقولله كمان إن….
هنا توقف فجأة، وقطب جبينه بتعجب واضح. التفت نحوه سالم بقلق متوتر وسأله بسرعة:
ـ ايه سكت ليه ؟!
ارتبك نادر وهو يدرك جيداً كيف ستكون ردة فعل سالم، ثم قال بضيق:
ـ سيلين بتقول له انها لو سجنت يافوز هينتقم منها خصوصا إنه ماسك على فيديوهات مش ولا بد !
تسعت عينا سالم بصدمة حادة، وهتف بحدة:
ـ نعم ؟! ومين اللي قال لها تقول العبط ده ؟!
سارع نادر بالتوضيح:
ـ والله يا باشا ما كان ضمن الاتفاق أبدا…
فجّر سالم غضبه بعصبية أثارت دهشة نادر، وقال بانفعال:
ـ يعني إيه ؟! بتجوّد من نفسها الهانم ؟! جملة زي اللي قالتها دي ممكن .. ده مش ممكن.. ده اكيد هتبوظ كل اللي بنخطط له ..
أومأ نادر بأسف متفهم، بينما كان سالم يزداد غضباً وصوته يرتفع أكثر:
ـ واحد موسوس ومش بيسلم على ست حتى !! هيرتبط بيها أو حتى هيتقبلها ازاي أصلا وهي كانت على علاقة بواحد قبله ؟!! جرى إيه يا نادر !! هو انت مش فاهم الليلة ماشية ازاي ولا إيه!!!
زم نادر شفتيه بأسى، وقال باعتذار:
ـ انا اسف يا بااشا، هي أكيد حبت تقوم بدورها على أكمل وجه وتقنعه أكتر انها متورطة علشان يساعدها، هي حركة غبية منها أنا عارف لكن هحاول أصلحها على قد ما اقدر.
أطلق سالم زفرة قوية وهو يلوح بكفيه بعصبية متزايدة، ثم قال:
ـ هنصلح إيه ولا إيه ولا إيه …. أنا خلاص تعبت وقرفت من مشاكلهم اللي مبتخلصش ! بتعب في نفسي وأعصابي وبدمر صحتي عشان أختار لهم الأحسن وأرسم لهم حياتهم صح ويا ريت بيطمر !! هفضل بردو كخه .. هفضل الشرير القاسي اللي بكره ولادي..
ثم بسط يديه في الهواء، وصوته يحمل مرارة امتزجت بالغضب:
ـ مع إنك لو لفيت الكرة الأرضية كلها مش هتلاقي حد بيحب ولاده ويخاف عليهم زيي !
أومأ نادر بإخلاص وقال بهدوء:
ـ معاك حق يا باشا ..
في تلك اللحظة، وردت عدة رسائل على جهاز نادر. فتحها سريعاً، فظهرت صور واضحة أُخذت بعدسة مصوّر محترف، أتقن اختيار الزوايا: في بعضها كان فريد وسيلين يقفان أمام باب الفيلا يتبادلان حديثاً هادئاً، وفي أخرى كانا يتعانقان بهدوء.
أدار نادر شاشة الحاسوب نحو سالم بابتسامة، وقال:
ـ إيه رأيك يا بااشا ؟!
تأمل سالم الصور بعينين تحملان الرضا، وأومأ برأسه قائلاً:
ـ على الله تيجي بفايدة ، يلا كلمهم يرفعوا الصور حالا ، ويكتبوا كام عنوان كده يشد النظر .. زي مثلا…
ثم اعتدل في جلسته، وراح يرسم بيديه كأنه يخط لافتة ضخمة، وقال بنبرة فيها سخرية ممزوجة بالانتصار:
ـ "بعد أنباء عن علاقته بفتاة فضيحة دار الأيتام … هل يقع فريد مرسال في الحب مرة أخرى " !!!
#يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق