رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل التاسع وعشرون 29بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل التاسع وعشرون 29بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ٢٩ ـ
~ صندوق أسرار ~
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في تمام الساعة العاشرة مساءً بتوقيت هافانا ـ كوبا.
وقفت نسيم أمام المرآة تتفقد انعكاسها بدقة. ارتدت فستانًا أسود طويلًا، ينسدل بنعومة على قوامها ليعكس رشاقة ووقارًا في آنٍ واحد. كان تصميمه كلاسيكيًا بأكمام قصيرة ضيقة وياقة مستديرة أنيقة، يليق بمقامها كمرافق عضو شرفي في البطولة..
في تلك اللحظة، كان عاصم يضبط أزرار بدلته الكحلية الداكنة بعناية. كانت البذلة مصممة على الطراز الكلاسيكي الإيطالي، يعلوها ربطة عنق حريرية رمادية تزيده وقارًا.
نظر إليها مبتسمًا ابتسامة دافئة تخفف من توتر ملامحه، وقال بنبرة هادئة وهو يقف خلفها ليساعدها في غلق سحاب الفستان:
ـ إيه القمر ده ؟!
نظرت إليه في المرآة وابتسمت فقال :
ـ تعرفي بعد ما شفتك بالحلاوة دي مش عايزك تيجي معايا بصراحة .. مش قادر أتقبل إن في رجالة هيشوفوكي غيري !
التفتت، وقفت تنظر إليه وابتسمت، ثم اقتربت وأحاطت عنقه بيديها، وقالت :
ـ معتقدش بصراحة.. أكيد هيخافوا يبصوا عليا وأنا ماشية جنب بطل الملاكمة العالمي عاصم الدالي.
قهقه عاليًا وهو يحيط خصرها بذراعيه ويقول :
ـ لأ يا حبيبي خلينا واقعيين، في رجالة هتبص، لكن ساعتها هضطر أتصرف حسب قدراتي كبطل ملاكمة سابق .. واحتمال يكون فيها ٨ سنين سجن تانيين .
نظرت إليه بتحذير، فابتسم وهو يقترب أكثر ويطبع قبلة حانية على جبينها ويقول :
ـ متخافيش يا نسومة ، أنا لا يمكن أحط نفسي في موقف زي ده علشانك انتي .. دلوقتي بقا عندي اللي أخاف عليه.
تنهدت براحة، فنظر إليها وقال :
ـ لكن ده ميمنعش إني ممكن أكتفي بخلع كتف، كسر ضلع .. حاجات من اللي ديتها غرامة مالية دي .
ضحكت على دعابته الشرسة بخفة، فضحك بدوره، وهندم غرة شعرها، ثم مدّ لها ذراعه برقي، لتتشابك أيديهما في مشهد أظهر كيف أنهما ثنائي متكامل، يعكس الانسجام بين الوقار والأنوثة.
نزلا معًا عبر ممر الفندق الفخم حتى وصلا إلى البهو الرئيسي حيث كان السائق بانتظارهما عند الباب الدوّار. انفتح الباب الزجاجي الكبير ليقابلهما نسيم من هواء الليل الرطب، وفي الخارج كانت سيارة سوداء فارهة بانتظارهما، أُرسلت إليهم من الفندق خصيصًا لنقلهما.
تقدّم السائق بخطوات سريعة، فتح الباب الخلفي بانحناءة احترام، فجلست نسيم أولًا ثم تبعها عاصم، لتتحرك السيارة بهدوء نحو الفندق الذي يستضيف وفود البطولة واللجنة المنظمة.
وبينما انطلقت السيارة وسط شوارع هافانا المضاءة، التفت عاصم نحوها قائلاً بصوت منخفض يحمل شيئًا من الترقب:
ـ الليلة كل العيون هتكون علينا.. وده شيء موترني جدًا ..
ابتسمت بهدوء، وضغطت أصابعها على يده الممدودة بجوارها، وقالت:
ـ متقلقش.. أنا جنبك .
ابتسم هو أيضًا، والتقط يدها بين يديه، ماسكًا أطراف أصابعها برقة وحب، مستمدًا منها القوة والطمأنينة، وظلا على هذا الحال، متشابكي الأيادي، حتى وصلا إلى وجهتهما.
عند وصولهما إلى الفندق الذي يستضيف وفود البطولة واللجنة المنظمة، كان في انتظارهما استقبال رسمي حافل. وقف موظفو الاستقبال في صفوف مرتبة، يرتدون أزيائهم الرسمية، مرحبين بالضيوف بابتسامات ودودة وانضباط كامل.
استقبلهما مدير الفندق شخصيًا، مصافحًا عاصم:
ـ شرف لنا وجودكم سنيور عاصم، كعضو شرفي في لجنة التحكيم الفخرية لبطولة الملاكمة الدولية.
ابتسم عاصم تقديرًا، فيما شعرت نسيم بالفخر لمشاركته هذه اللحظة، وأشار أحد الموظفين لتسليمهم ملفات البرنامج الرسمي للمراسم وجدول الاجتماعات، مؤكّدًا على أهمية الليلة.
تقدم أعضاء اللجنة المنظمة، مبتسمين ومرحبين، بينما رفعت نسيم رأسها بثقة، وأناقتها تلفت أنظار الحاضرين. جلسا معًا في الصف الأمامي للقاعة المخصصة للجنة التحكيم، وسط أجواء رسمية دافئة، تشع بالترقب والاحترام.
دخل عاصم ونسيم القاعة الرئيسية، حيث الإضاءة المتناغمة تعكس الفخامة، والطاولات مصطفة بعناية، مزينة بأعلام الدول المشاركة. كان الحضور يهمس بهدوء، بينما تركزت الأنظار على الثنائي عند وصولهما.
وقف رئيس اللجنة المنظمة على منصة صغيرة، وهو يرحب بالضيوف الرسميين، مقدّمًا نبذة عن جدول الليلة والفعاليات القادمة:
ـ نرحب اليوم بكل الأعضاء الشرفيين ولجنة التحكيم، ونثمن حضور السيد عاصم الدالي ورفيقته، اللذين يمثلان رمزًا للفخر والاحترافية في هذه البطولة.
تصفيق حار عمّ القاعة، فيما جلس الحضور حول الطاولات، مستمعين بانتباه لكل كلمة. جلست نسيم إلى جانب عاصم، وابتسمت له، وهو يضغط على يديها برفق تحت الطاولة، كإشارة للطمأنينة والدعم وسط هذا الجو الرسمي المهيب.
بدأت مراسم التعارف بين أعضاء اللجنة، وتبادل التحايا بين الشخصيات الرياضية والإعلامية المشاركة، فيما كان الموظفون ينقلون الملفات والمستندات لكل عضو. لاحظت نسيم حرص عاصم على متابعة كل التفاصيل بعناية، وتنسيق اللقاءات، ليبدو حضورهما متناغمًا ومهنيًا أمام الجميع.
تقدم أحد المنظمين إلى عاصم وهمس:
ـ سنيور عاصم، بعد قليل سيكون حفل افتتاح البطولة، وستكون جزءًا من الطاولة الرئيسية لمتابعة المنافسات.
ابتسم عاصم، وأومأ له موافقًا، بينما بدأت القاعة تعج بالترقب والحماس، استعدادًا لانطلاق البطولة، فيما كانت نسيم تشعر بالفخر والزهو لوجودها إلى جانب عاصم، ليس فقط كزوجة، بل كداعم له في هذه اللحظة الرسمية المهمة.
༺═────────────────═༻
الخامسة فجرًا بتوقيت القاهرة ..
بعد أن أنهى سالم صلاته في مسجد القرية، خرج يسير بخطوات وئيدة بجوار الغفير حمدان.
كان الفجر قد بدأ يلامس الأرض بنورٍ واهن، يعلن ميلاد يومٍ جديد، فبدت الحقول المترامية خضراء ندية تحت خيوط الضوء الأولى.
سيطر الصمت بينهما حتى قطعه سالم وهو يزفر بعمق قائلاً:
ـ قوللي يا حمدان، إيه أخر أخبار البلد ؟
حك الغفير رأسه بأسى، وقال :
ـ والله يا سالم باشا الحال ميسرش، الناس كلها بقت بتفكر تعمل إيه علشان تسيب البلد وتشتري في المدن.. من أول الفلاح اللي بقا شايف إن الفلاحة مش جايبه همها لحد الشباب اللي كل همهم دلوقتي يسافروا برة يدوروا على لقمة عيش.
وتابع بلهجة يملؤها الاستنكار :
ـ ده حتى البنات يا سالم باشا.. بقا منهم اللي بيخلصوا علام ويسافروا مصر يتوظفوا في الشركات والمصانع.. الدنيا خلاص اتقلّ خيرها.
ابتسم سالم ابتسامة مقتضبة بخفة، وعلقت نظراته بالحقول البعيدة وأردف :
ـ المشكلة مش في الناس يا حمدان.. المشكلة في الأرض اللي بقت بتاخد وما بتديش. المصاريف عليها بقت أضعاف اللي بتكسبه، الفلاح دلوقتي بقا يزرع موسم كامل، وفي الآخر يكسب فتافيت .. وبعدين زمان الدولة كانت بتساعد الفلاح .. تدي له التقاوي والسماد وتشتري منه المحصول بسعر يرضيه، إنما دلوقتي.. كل حاجة بقت على حسابه وفي الآخر التجار الجشعين يخسفوا بسعر المحصول الأرض .
أومأ حمدان مؤكدًا ما قيل، وتابع بنبرة تتخللها الحسرة :
ـ للأسف معاك حق يا باشا.. ربنا ينتقم من اللي خرب بيوت الناس وشرّد الشباب بالشكل ده .
هز سالم رأسه، ثم نظر إليه مبتسما وقال :
ـ ألا صحيح … سمعت إن فرح ابنك الخميس الجاي ؟
أومأ حمدان بفخر وقال :
ـ صحيح يا بااشا.. وطبعا الفرحة متبقاش فرحة من غير سعادتك ، ولازم كمان حسن بيه وعمر بيه يكونوا موجودين.
أومأ سالم مؤكدًا وقال :
ـ أكيد يا حمدان ، هحضر وهنقط العريس نقطة كبيرة كمان .. ده إبن الغالي .
نظر إليه حمدان مبتسما بسعادة وقال :
ـ كفاية جمايلك اللي مغرقانا يا باشا. ده إحنا لحم كتافنا من خيرك ربنا ميحرمناش منك .
ربت سالم على كتف حمدان وقال :
ـ إنت تستاهل كل خير يا حمدان ، ده إنت من ريحة الغاليين .
ابتسم حمدان بصمت، فتحرك سالم مكملا طريقه نحو السرايا ، وهو يتابع ويقول :
ـ أبلغ الرجالة إن في اجتماع النهارده ولا لأ ؟
ـ لأ.. أنا تعبان وجاي أريح دماغي يومين، مش حِمل مناهدة .
ـ أمرك يا باشا.. بس كان في موضوع مهم مأجلين الكلام فيه لما سعادتك تيجي..
ـ موضوع إيه ؟
ـ المدافن يا باشا .. محتاجة ترميم وصيانة، والشيخ عبدالوهاب وأخوه الحاج طلعت مش راضيين يدفعوا .
توقف سالم عن السير، والتفت يطالع حمدان بطرف عينه وهو يقول بنبرة يتخللها الاستنكار :
ـ ليه ؟! مش هيتدفنوا فيها ؟! ولا لما يموتوا هنرميهم في الترعة ؟!
ـ على قولك يا سالم باشا .. بصراحة هما أنتن فرع في العيلة .. طول عمرهم عاملين زي الشريك المخالف .
تنهد سالم وهو يتابع سيره ، عاقدًا يديه خلف ظهره، وقال :
ـ أمري لله ، بلغهم النهارده بعد صلاة الجمعة في اجتماع .
أومأ حمدان موافقًا وقال :
ـ اللي تؤمر بيه سعادتك .
وصل سالم إلى البيت، فدخل بخطواته الواثقة، بينما بقي حمدان عند البوابة، متكئًا على عصاه، يذرع بعينيه الأرجاء يمينًا ويسارًا، كأنه يبحث في الهواء عن أثرٍ لها.
كان قلبه يختلس الرجاء بأن تفتح نافذتها، أو يلمح ظلها العابر خلف ستائر الغرفة.
لكنها لم تبارح مخدعها منذ قدومهم بالأمس .
دلف سالم إلى غرفته، فإذ به يجد باب الغرفة السرية مواربًا، انتابه الضيق والغضب، واقترب بخطوات بطيئة، دخل الغرفة فإذ به يرى زينب تجلس أرضًا، وحولها كومة من الصور القديمة، تطالعها وهي تبكي وتنتحب بقهر .
ـ بتعملي إيه عندك يا زينب ؟! وإزاي تدخلي الاوضة من غير إذني..
وتابع بانفعال أشد :
ـ و إزاي أصلا تتجرأي وتمدي إيدك جوة هدومي تاخدي المفتاح.
التفتت زينب إليه بعينين تملؤهما نار الحقد والغضب، وعبرت عن رغبة دفينة في الانتقام. كانت نظرتها مشحونة بالكره، كما لو أن هذا الكره قد ابتلع كل الخوف والتوسل الذي تربت عليه طوال حياتها، حتى لم يعد منه أثر في عينيها سوى شعلة متقدة من العزم على مواجهة من أساء إليها.
ـ جرى إيه لما دخلت الأوضة من غير إذنك يعني ؟! أجرمت ؟!
نظر إليها سالم باستنكار شديد، وحاجباه مرفوعان بتعجب وقال :
ـ صوتك طلع يا زينب !
ارتجف الهواء في الغرفة لحظة حديثها، واهتزت الجدران الصامتة وكأنها تتنفس مع حدة مشاعرها. نظراتها المليئة بالكبت والألم انكشفت فجأة، فشعر بثقل سنواتها المكبوتة، كما لو أن كل لحظة صمت عاشتها زينب كانت تتجمع في هذا الانفجار الصامت للكلمات.
ـ مرة من نفسي يا سالم باشا، ما انا عايشة كاتمة في قلبي وساكتة بقالي ٤٠ سنة .. مستكتر عليا أفضفض مرة !!!
ارتسم على وجهه ابتسامة ساخرة، وقال بسخرية لاذعة:
ـ لأ وماله.. اتفضلي.. عايزة تقولي إيه يا زينب؟!! أنا سامعك!
قابلته زينب بنظرة حارقة، وصوتها يلهج بالغضب والاحتقان:
ـ عايزة أقوللك منك لله يا سالم!
وقف مشدوهًا، مصعوقًا من صراحتها، غاب عنه الرد، وعمّه وجوم ثقيل. وبينما هو صامت، تابعت زينب بصوت متقطع من الغضب والألم:
ـ جبتني معاك هنا ليه يا سالم؟! عايز تذلني وتكسر نفسي أكتر ما أنا مذلولة؟! مش كفاية القهر اللي عيشته على ايديك.. جايبني هنا تفكرني باللي فات ليه؟
ظل صامتًا، لم يتوقع أن تكون واعية للمغزى من اصطحابه لها إلى العزبة، فتقدمت زينب بصوت حاد، وقد اشتدت نبرته من شدة غضبها:
ـ طول عمرك مش بتحب تشوف حد مرتاح ولا سعيد، لما بتشوف اللي قدامك مبسوطين وراضيين بتفضل تتقلب على جمر لحد ما تقل راحتهم، حتى ولادك مسلموش من أذاك.. لما شفتني بعامل ولادك بحنية وبعوض معاهم اللي اتحرمت منه بسببك قلت مبدهاش، أخدها العزبة أفكرها بأصلها، خدامة بنت خدامة.. مينفعش تتجاوز حدودها وتتعامل على أنها غير كده .. مش كده يا سالم ؟! مش دي الحقيقة ؟!
تسربت كلماتها كسهام حادة إلى صمت الغرفة، وكأن كل حرف يحمل سنوات من المرارة والظلم المكبوت. الهواء بدا ثقيلاً، محملاً بالغضب المتراكم الذي انفجر أخيرًا بعد عقود من السكوت والخوف. فوقف متجمّدًا، وقد ارتعشت ملامحه بين الدهشة والانزعاج، يراقب زينب وهي تواجهه بصراحة لا ترحم، وكل كلمة منها تكشف طبقات الألم والغضب الذي كانت تحمله في صمتها الطويل.
ثم، مستندًا إلى صوته المهيب، أجابها بصوتٍ محمل بالقسوة والفضول:
ـ جاوبيني انتي.. مش دي الحقيقه ؟! مش انتي خدامة بنت خدامة ؟! هتنكري أصلك وأصل أمك ليه يا زينب؟
ـ أصل أمي فعلا.. لكن أنا مش أصلي خدامة، إنت اللي خلتني خدامة ليك ولعيالك وأنا رضيت، قلت وماله.. إنت مش غريب، مهما كان ده أخويا ودول ولاد اخويا يعني حته مني.. لكن القسوة اللي شفتها منك خلتني ندمت.. يا ريتني ما وافقت أعيش في بيتك خدامة وكنت اتربيت في الشارع أرحم لي .
ارتسمت على وجهه ابتسامة متهكمة تحمل مزيجًا من السخرية والاستهزاء، وقال:
ـ كنت عارف إنه في الآخر مش هيطمر فيكي.. صنف نمرود صحيح .. ما هي أمك سبق وعملتها قبلك .. عضت الايد اللي اتمدت لها ولافت على جوز الست اللي لمتها من الشوارع.. ولا نسيتي..
أومأ وهو يشير إليها بسخرية وقال:
ـ ولو نسيتي أفكرك يا زينب ..
ودار متجهًا نحو المكتب الخاص بوالده قديما، ارتكن على حافته، ونظر إليها وهو يطبق كفيه على بعضهما ويقول :
ـ زمان.. جت واحدة حافية جربوعة مش لاقية اللقمة اسمها سكينة لحد باب السرايا برة .. كانت جاية تطلب حسنة لله.. شحّاتة يعني.. أمي.. توفيقة هانم الله يرحمها .. صعب عليها تشوفها بالمنظر ده.. عطفت عليها بقرشين، لكن سكينة طمعت، قالت لها شغليني عندك ينوبك ثواب فيا، أمي كانت طيبة ومفكرة الناس كلها نضيفة شبهها وبيطمر فيها المعروف، صدقتها وشغلتها وفتحت لها بيتها ولمتها من الشوارع .. سكينة تسكت؟! لأ طبعا.. أصلها الوسخ نقح عليها. ماهو الأصل غلاب ، طمعت وبصت لفوق.. لفوق أوي ، بقت تعرض نفسها على الباشا الكبير في أنصاص الليالي وتغريه لحد ما وقعته وحملت منه ! وجابتك انتي يا زينب هانم ..
كانت زينب تسمع كلامه وهي تبكي، ورأسها مائل إلى الأرض، عاجزة عن النطق أو مواجهة عينيه. كانت تعرف في قرارة نفسها أن ما يقوله صحيح، وأن ما سيقوله لاحقًا لن يخرج عن الحقيقة التي عاشت تحت وطأتها طوال حياتها.
ـ طبعا الباشا عرض عليها قرشين عشان تخلص من الحمل لكن هي رفضت، كانت فاكرة إن اللي في بطنها ورقة تقدر تلعب بيها يمكن ينولها من الحب جانب.. لكن المثل بيقول إيه .. الحمار المكار دايمًا يقع في المزبلة التقيلة.. جابت بنت !! خيبة كبيرة فوق خيبتها !! بنت لا ليها لزمة ولا حد هيعترف بيها أصلا .. مش عشان هي بنت ! لأ.. عشان هي بنت حرام !! أصل عيلة مرسال ملهاش في الحرام يا زينب.. العيلة من كبيرها لصغيرها مفيهاش حد ابن حرام غيرك !!!!
انقبض قلبها بعنف، واهتز جسدها، بينما طأطأت رأسها أكثر، كأن ثقل الكلمات قد أغرقها في صمتٍ مرير.
ـ فضفضي يا زينب.. ساكتة ليه ؟! اتكلمي وقولي اللي في نفسك.. اعتبري إن النهارده اليوم الفري.. أنا أهو سامعك لو عندك حاجة تتقال قوليها .
ظلّت صامتة، ولم يجد سالم متسعًا للصبر، فواصل حديثه بغلظة، محمّلًا بالقسوة:
ـ مفيش مش كده؟!... بس أنا بقا عندي .. وعندي كتير أوي كمان.
نهض، واستدار ليجلس على الكرسي، ثم فتح الدرج الكبير في المكتب وأخرج صندوقًا خشبيًا عتيقًا بلون بني داكن. استعمل مفتاحه القديم ليفتحه، وأخرج كومة من الأوراق الصفراء، قبل أن يلتقط الورقة الأولى ويقذفها نحوها قائلاً:
ـ خدي اقرأي بنفسك.. إقرار مضته الست الوالدة ..
أمعنت زينب النظر في الورقة، ودموعها تنهمر بلا توقف، تبلل الصفحات الصفراء وهي تقرأ كلمات والدتها، مكتوبة بصوت خضع للذل والاضطرار، كأنها تعيش كل لحظة من الألم والقهر الذي دفعها لكتابة تلك السطور يومًا ما ..
"أنا الموقعة أدناه/ سكينة عبد الموجود، أقر وأنا بكامل إرادتي أن ما في بطني من حمل ليس له حق في نسب أو ميراث من عيلة مرسال، ولا أطالب لنفسي أو لولدي/بنتي بشيء من تركة الباشا عبد العظيم مرسال، ولا في أراضيه أو أملاكه.. وأشهد الله وكتابه على ما أقول "
نظرت زينب إلى سالم وهي تنتحب وتمسح دموعها بصمت، فقال :
ـ أمك بنفسها مضت أقرت انك ملكيش أي حق في أي حاجه ، انتي بقا زعلانة ليه ؟!
ـ ومين اللي قاللك إني كنت عاوزة حاجة ، أنا كنت عاوزة أعيش زي الناس بكرامتي مش أكتر ..
ـ وأنا جيت على كرامتك في إيه ؟! انتي كنتي خدامة بالإسم أه.. لكن لا عمرك كنستي ولا غسلتي زي الخدامين.. ومن أكبر راس لأصغر راس في الڤيلا بيحترموكي.. حتى عيالي قريبين منك ومقولتش لأ .. تبقا في الأخر هي دي كلمة شكرا ؟!
نظر بالصندوق مرة أخرى وأخرج ورقة جديدة ، ألقاها نحوها بحدة وتابع :
ـ اتفضلي يا زينب هانم.. إقرار تاني بخط شيخ البلد .. اقرأيه يمكن تفهمي..
"أنا العبد لله/ الشيخ وهيب عبد الستار، أقر وأشهد الله والناس أجمعين إني جلست إلى السيدة / سكينة عبد الموجود في يوم (…) .
وقد أقرت لي اعترافًا صريحًا إنها كانت في خدمة بيت الباشا عبدالعظيم مرسال، وإنه قد واقعها على غير عقد شرعي، وإن ما في بطنها من صلبه.
وقد سجلت اعترافها هذا بخط يدي إبراءً للذمة، والله على ما أقول شهيد.
توقيع: وهيب عبد الستار – شيخ قرية كوم الأشراف .
ونظر إليها سالم وقال :
ـ عايزة إيه تاني يا زينب ؟! عايزة تشوفي إيه.. أؤمريني.. الصندوق أهو موجود وفيه كل اللي تتخيليه أو لا.. زعلانة ليه يا زينب ؟! ليكي حق في إيه وأنا منعته عنك ؟! عايشة في خيري وخير عبدالعظيم مرسال طول عمرك.. واكلة شاربة لابسة من خيره اللي انتي اصلا ملكيش فيه..
نظر إليها بحدة، وأردف قائلاً:
ـ ولا انتي متعرفيش إن ابن الزنا مبيورثش؟!!
رفعت زينب عينيها نحوه، وقد أصابها وقع الكلمة بجرحٍ عميق، بينما استمر هو في الحديث بقسوة أشد، وصوته يقطع صمت الغرفة كالسيف:
ـ كان بإمكاني أرميكي في الشارع لكن أنا مرضيتش وقلت مهما كان ملهاش ذنب في اللي أمها عملته.. بقا هي دي مكافأة نهاية الخدمة يا زينب ؟! بتدعي عليا ؟! بدل ما تبوسي ايديكي وش وضهر كل يوم إني سترتك من الفضيحة والعار اللي كانوا هيلحقوكي منين ما تروحي ؟! بدل ما تحمدي ربنا إنك عايشة في بيت زي بيتي وليكي أوضة محدش يحلم بيها، ده غير الفلوس اللي كنتي هتاخديها بعد ما أموت وغير ما كنت ناوي أرقيكي وأخليكي كبيرة العيلة وانتي أصلا ملكيش حق في أي شيء،، لكن كنت هتفضل عليكي وأعمل بأصلي معاكي للنهاية .
ـ إنت معملتش كده لله ولا حبًا فيا ، إنت حبيت تشوفني مكسورة ومذلولة قدامك علشان ترضي غرورك.. كنت بتستمتع بقهرتي وذلي.. خرجتني من سجن لسجن، حرمتني من الحياة، حتى الجنايني.. الإنسان الوحيد اللي حبني وحبيته وطلب يتجوزني طردته ، حرمتني أكوّن عيلة ويكون لي ولاد وبيت.. حرمتني حتى أتنفس من غير إذن.. ومش أنا وبس… إنت بتعامل كل اللي حواليك كأنهم عبيد عندك ، إنت مريض نفسي يا سالم !
تساقطت كلمات زينب كرصاصٍ حاد، تخترق صمت الغرفة وتُهشم ما تبقى من هدوءٍ فيه. كان صوتها يهتز بين الغضب والألم، ويدها ترتجف وهي تحاول التحكم بنفسها، بينما كل حرف ينبض بالجرح والخيبة التي عاشتها طوال سنواتها. الهواء حولهما كان مشحونًا بالمرارة والكراهية المكبوتة، وكل كلمة من كلماتها كأنها تكشف عن عقدة عميقة في قلبها، وتجعل صمت سالم يتهاوى أمام وقاحة الحقيقة.
فرد سالم بصوت حاد، ممزوج بالتهكم والغضب، محاولًا الدفاع عن واقعه المنحرف:
ـ و إيه يعني !! ما كلنا مرضى نفسيين !! سيبنالك العقل يا زينب هانم.. ولو اني أشك بعد اللي قلتيه ده إنك عندك عقل .. لأنك عارفة إن عواقب اللي قلتيه مش هتعجبك أبدا ومع ذلك اتكلمتي..
خطا بخطوات متأنية نحو الباب الفاصل بين الغرفتين، ثم التفت إليها قائلاً:
ـ بمجرد ما نمشي من هنا، هتلاقي مكان تروحيه.. مش أنا ظالم ومريض؟! شوفيلك مكان تعيشي فيه بعيد عني.. أنا مبديش لحد فرصة تانية.. وانتي كنتي دبور وزن على خراب عشه، وإياكي تفكري تهلفطي بكلمة كدة أو كدة قدام حد.. انتي عارفة إنك مش هتستفيدي حاجة ومش هتقدري تثبتي حاجة طول ما أنا مش عايزك تثبتي!!
اقترب من الباب فوجده مواربًا، فحركه ليفتحه، فإذا بباب غرفة الممرضة يغلق بسرعة، تجهم وجهه وهو يدرك أنها كانت تتنصت وربما سمعت كل شيء.
غادر البيت على عجل وانتقل إلى الاستراحة، وهو يشعر وكأن دماءه ستنفجر من رأسه، وكان رأسه يتصدع من شدة الغضب. فاتصل فورًا بالممرضة قائلاً:
ـ انزلي على تحت علشان تقيسي لي الضغط.. حالًا.
أجابت بحزم:
ـ تحت أمرك يا باشا.
أنهت أحلام المكالمة، وعلى الفور نزلت إلى الاستراحة حيث يجلس سالم، حاملاً جهاز قياس الضغط.
كان منحنياً قليلاً إلى الأمام، يحيط رأسه بكفيه، وعندما اقتربت أحلام، حاولت أن تظهر بمظهر هادئ ومتماسك لكي تخفي قلقها وتوترها وقالت بصوت منخفض:
ـ سالم باشا…
ولكن سالم اجفل فور رؤيتها، وفي حركة مفاجئة نهض بسرعة وأمسك بذراعها بإحكام، وقال من بين أسنانه المطبقة:
ـ لو خرج حرف واحد من اللي سمعتيه بره، إنتِ الجانية على روحك!
ارتجفت أحلام بخوف، فقد كان رد فعله مفاجئاً، لكنه منطقي بالنسبة لها.
انزلق ريقها بلا إرادة، ولم تستطع إلا أن تومئ بطاعة.
ترك سالم يدها فجأة، وأخذ يتنفس بعمق، بينما كان يرمقها بغضب بدأ يخف تدريجياً:
ـ شاطرة… أنا مابحبش الناس الغبية. لو كنتي اتغابيتي وأنكرتي إنك سمعتي، كنتي هتشوفي مني وش تاني…
ثم جلس على كرسيه، لا يزال يتنفس الصعداء بهدوء، وأشار إليها قائلاً:
ـ يلا… شوفي شغلك!
༺═────────────────═༻
غادر حسن غرفته وقد اجتاحه شعور خانق بالضيق، إذ لم يغلق جفنيه طوال الليلة الماضية، فقد كانت كلمات نغم المليئة بالاتهام تدور في ذهنه كعاصفة تهز كيانه.
نزل درجات السلم بخطوات هادئة ورتيبة، وغادر الفيلا وهو يشعر بأن العالم كله يضيق عليه، يحيط به كجدار لا مفر منه. وما إن بلغ الحديقة حتى استلقى على أقرب مقعد، عاقدًا ذراعيه خلف رأسه، بينما عينيه شاخصتين في فراغٍ لا نهاية له، غارقًا في شرود عميق. أفكاره تتقاذف بعضها بعضًا: من ادعى أنه يريد إيذاء فريد؟ ومن الذي يربح من وراء ذلك؟ ولماذا؟
اختلطت الأسئلة في رأسه، وزفر هواءً مثقلاً بالضيق، كما لو أن كل نسمة كانت تثقل صدره، تاركة قلبه يئن تحت وطأة ما يحيط به من غموض ومخاوف.
وعندما لم يجد جوابًا، زفر هواءً مثقلاً بالضيق، وألقى رأسه إلى الخلف، مغلقًا عينيه ليمنحهما بعض الراحة، إلا أن سكونه لم يدم؛ إذ تسلل عطرها المميز إلى أنفه، فانتفض رأسه بانتباه لا إرادي، ومال بنظره نحو باب الفيلا، فرأى چيلان تخرج، مرتدية طقمًا رياضيًا أبيض ينساب على جسدها بانسيابية متقنة، وجمعت شعرها في ذيل حصان، ما جعلها تبدو كفرسٍ جامح يتراقص في البرية.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة عابثة لا إرادية، إلا أنه لم يجد في نفسه طاقة لاستفزازها في تلك اللحظة، فآثر الصمت. بينما هي واصلت سيرها نحو باب الفيلا، رمقته بتجهم كعادتها، ما جعله يخرج يقاوم تعبه ويستفزها رغم كل شيء:
ـ صباح الخير يا مصر…
هزت رأسها بحدة، فارتج ذيل حصانها قليلاً، فأجابها حسن بابتسامة مشاغبة وملؤها هدوء متمرّد:
ـ رياضة بقا وحركات.. ماشي يا عم الله يسهلك .
هزت رأسها بيأس، وتجاوزته حتى اختفت عن الأنظار. وبينما كان يستجمع هدوءه، فاجأه عمر بالخروج أيضًا مرتديًا ملابس رياضية ويحمل حقيبة الجيم، فتوقف أمامه قائلاً:
ـ صباح الخير يا حسن.
ـ صباح الخير يا عموره .. ده إيه ياخويا النشاط اللي حل عليكوا فجأة ده !!
ضحك عمر بهدوء وقال وهو ينظر نحو البوابة :
ـ أه قصدك چيلان… أصل أجازتها النهارده وحبت تغير مود يعني ..
أومأ حسن وهو ينهض بتكاسل، ثم قال:
ـ طب خدني معاك أغير مود أنا كمان ألا أنا التفكير أكل دماغي..
ـ يلا بينا ..
وقف حسن يستعرض ملابسه وقال :
ـ أجي معاك كده ولا لازم أغير ؟
ـ لأ إنت كده جاهز وزي الفل .
أومأ حسن وسارا سويًا، فقال :
ـ أنت بقا بتروح كل يوم الجيم ؟
ـ لأ.. يومين بس في الأسبوع .
ـ ممم.. وهي ؟
ـ هي مين ؟!
ـ أختك .. چيچي..
نظر إليه عمر بطرف عينه وابتسم بخبث وهو يقول:
ـ مش ملاحظ انك واخد بالك منها أوي اليومين دول ؟
فنظر إليه حسن بحنق، وقال :
ـ وأنا عشان سألت سؤال أبقا واخد بالي منها ؟! ليه هي كانت السفيرة عزيزة وأنا مش عارف! أنا بسأل سؤال عادي يعني .. دردشة مش أكتر .
ضحك عمر وهز رأسه وقال :
ـ طيب..
نظر إليه حسن وقال بضيق :
ـ طيب إيه ؟! فين إجابة السؤال ؟
انفجر عمر ضاحكًا وقال:
ـ إنت متأكد إنك بتسأل عادي وإنك مش مهتم ولا حاجة ؟
ـ بقول لك إيه يالا.. مش عاوز أعرف منك حاجة ده إنت عيل غتيت .
ضحك عمر وقال :
ـ يا عم بهزر معاك.. على العموم چيچي مش بتروح غير يوم الأجازة.. اللي هو الجمعة، وبقية الأيام مش عندها وقت لأنها رئيس مجلس إدارة شركة نادية هانم الصواف فبالتالي مسؤولياتها كتير ومفيش عندها وقت لحاجة أبدا .
أومأ حسن ببطء وقال بهدوء :
ـ و ليه ماتجوزتش لحد دلوقتي ؟! الرجالة عميت ولا إيه ؟
ـ أبدًا.. هي مش لاقية الـ type بتاعها .
وتدارك قوله فتابع :
ـ أقصد يعني مش لاقية الشخص المناسب اللي شبهها .. ليها دماغ لوحدها هي .
ـ مم.. يلا ربنا يرزقها بابن الحلال اللي شبهها ، مع إني أشك إن في منها اتنين بصراحة .
ضحك عمر وقال :
ـ والله چيچي دي مفيش أطيب منها، لكن في عصبيتها بتبقا مجنونة بصراحة .
نظر إليه حسن وقال متهكمًا :
ـ انت هتقوللي ؟! .. دي بتشتم بكل اللغات !
قهقه عمر عاليًا وقال :
ـ المهم إنت مقولتليش.. مالك من امبارح مضايق ليه ؟!
تنهد حسن وقال بضيق:
ـ نغم.. رمت لي كلمتين زي الدبش ومشيت.. معرفش مين اللي قال لها إني بكره فريد وعاوز أخلص منه .. وتقريبا كده هي بعدت عنه عشان السبب ده.. فكرت إنها لو فضلت معاه أو اتجوزته أنا هأذيه ..
ثم زفر يائسًا وتمتم :
ـ طول عمرها هبلة وبتصدق أي حد ماشي في الشارع .
تنهد عمر بأسف وقال :
ـ متضايقش نفسك . كده كده بعد اللي حصل كانت هتبعد عنه بردو !
فنظر إليه حسن باستغراب وقال :
ـ وهو إيه اللي حصل ؟!
ـ هو إنت مش عارف ؟
توقف حسن عن السير وقال متعجبًا :
ـ مش عارف إيه ؟!
تنهد عمر بضيق، وأخرج هاتفه من جيبه، ففتح الشاشة وعرض الخبر الذي اجتاح وسائل التواصل كالنار في الهشيم منذ الأمس، ثم مد الهاتف نحو حسن. فقطب حسن جبينه بدهشة وتعجب، وقال:
ـ يعني إيه الكلام ده؟! مين اللي في الصورة دي؟! ومين فتاة الدار دي كمان؟!
نظر إليه عمر باستياء وقال بعد أن تنهد :
ـ غالبا كده المقصود بيها نغم .. لأنهم كاتبين أنه كان هيرتبط بيها ، ومفيش غير نغم اللي كانت في حياة فريد، بس اللي أنا مش فاهمه إيه علاقة نغم بالفضيحة اللي حصلت يوم الافتتاح…
ونظر إلى حسن وتساءل بتردد :
ـ معقول هي نغم اللي كانت في الحفلة يومها وعملت كده ؟!
غاص حسن في شرود عميق، وعادت به ذاكرته إلى الوراء، حيث تذكر ذلك الحدث الغريب، الخبر الذي انتشر عن الفتاة التي اقتحمت حفل افتتاح دار الأيتام الخاصة بفريد، وقامت بتقبيله قبل أن تلوذ بالفرار.
وأخيرا نظر إلى عمر بشرود وقال :
ـ لا… إيه يا عم اللي انت بتقوله ده ؟! أكيد لأ يعني نغم متعملش كده !
لم يجد حسن في عيني عمر أي بصيص من الاقتناع، فقد فقد هو أيضًا الثقة فيما يقوله منذ البداية. ومع ذلك، واصل سيره بجانبه، غارقًا في شروده يحاول أن يجد إجابة واضحة ومرضية، لكنه أدرك بمرارة أن الأمور قد تعقدت أكثر من أي وقت مضى، وأن الحقيقة تبدو الآن كمتاهة لا نهاية لها.
༺═────────────────═༻
في كوبا، ارتفعت أصوات الجماهير في القاعة، وملأ التوتر المكان، بينما كان الفريقان على أتم الاستعداد للحظات الأخيرة من المباراة.
مع صافرة النهاية، هدأت حركة الحلبة، وارتفعت أصوات التصفيق من جميع الوفود، وكانت أعين الجميع متجهة نحو لجنة التحكيم.
تقدم رئيس اللجنة المنظمة للبطولة إلى الميكروفون، وخفت صوت القاعة تدريجيًا:
ـ بعد تقييم دقيق من لجنة التحكيم الفخرية، وبمراعاة الأداء والمهارات والروح الرياضية العالية، يسرنا أن نعلن أن الفريق الفائز في هذه البطولة الدولية هو… الفريق الكوبي!
انفجر التصفيق والهتافات، واندفع اللاعبون الكوبيون نحو بعضهم البعض فرحين بالفوز، بينما رفعت أعلام بلادهم بفخر تحت الأضواء الساطعة، وعلت أصوات الجماهير: "¡Cuba! ¡Cuba!"، في مشهد يملأ المكان حماسة واعتزازًا بالإنجاز الوطني.
جلس عاصم في مقعده، يراقب التفاعل الحي للاعبين والجمهور، وابتسم بهدوء تقديرًا للروح الرياضية العالية للفريق الفائز.
ثم اقترب رئيس اللجنة منه، حاملًا درع التكريم المعد خصيصًا له كعضو شرفي في لجنة التحكيم الفخرية، ووقف أمامه باحترام:
ـ السيد عاصم الدالي، نشكرك على حضورك ومساهمتك القيمة، وعلى كل ما أضفته من نزاهة ومهنية عالية إلى لجنة التحكيم الفخرية في هذه البطولة الدولية.
نهض عاصم بابتسامة رسمية، التقط الدرع برفق، ثم التفت تلقائيًا نحو نسيم، التي كانت تجلس في الصف الأول بين الضيوف المهمين، تنظر إليه بفخر واعتزاز.
اقترب منها، مد يده إليها، وأخذها يسير بها عائدًا نحو المنصة، ثم وقف إلى جانبها محيطًا بها بذراع حنون، وارتسمت على وجهه ابتسامة يملؤها الزهو وقال:
ـ في البداية، أود أن أشكر اللجنة المنظمة للبطولة على دعوتي لحضور هذا الحفل العظيم، والشرف الذي منحتني إياه بالوقوف بين أعضاء لجنة التحكيم الكرام. وثانيًا، أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لزوجتي، السيدة نسيم الدالي، فهي دومًا الداعم والحافز لي، وأود أن أهديها هذا الدرع.
مد الدرع نحوها، ومال يقبلها على وجنتيها فأمسكت به برقة، وابتسامتها العريضة قد بدأ يتخللها لمحات من التوتر والاضطراب، لكنها حاولت الحفاظ على هدوئها، وعلى ابتسامتها الهادئة الممتزجة بالفخر والسعادة .
༺═──────────────═
#يتبع
تكملة الرواية من هنااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق