رواية غناء الروح الفصل الرابع والأربعون 44بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)
رواية غناء الروح الفصل الرابع والأربعون 44بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)
الفصل الرابع والأربعون...
جلست سيرا أمام يسر التي بدت صامدة رغم العاصفة التي تدور من حولها، تحمل ملامحها برودًا غريبًا مناقضًا لطبعها اللطيف المعهود منذ أن رأتها، أما الصغيرة لِينا فقد كانت جالسة في طرف الأريكة، تحدق في الفراغ بعينين شاردتين لا تدركان ما يحدث تمامًا، لكن قلبها الصغير كان مثقلًا بظل التفكك الأسري الذي خيم على المكان.
كادت سيرا تهم بقطع حبل الصمت، لولا أن تسلل إلى مسامعهن صوت خافت قادم من الداخل، صوت شجارٍ مكتوم بين فاضل وزوجته أمل، تنهدت يسر بعمق وكأنها تحاول أن تطرد ثقل الهم عن صدرها، ثم ارتسمت على وجهها ابتسامة باردة، تحمل في طياتها خليطًا من الصبر والخذلان، قبل أن تلتفت إلى سيرا قائلة بصوت خافتٍ متكلف الهدوء:
-تعالي نقعد جوه في أوضتي، عشان نبقى على راحتنا أكتر.
هزت سيرا رأسها بتفهم ونهضت تتبعها بخطوات مترددة، تاركتين خلفهما لينا التي ظلت تحدق نحو التلفاز بشرود فيما ارتفع صوت الشجار بين فاضل وأمل حتى صار أكثر حدة.
قالت أمل بصوت مرتجفٍ يحمل الغضب والخذلان:
-أنا قولتلك يا فاضل، قولتلك بلاش تتدخل، أهو اتبسطت لما البت اتطلقت.
ارتفع حاجبا فاضل واشتعلت في عينيه شرارة غضب، فرد بعنفٍ مكتوم:
-أنا كنت بحافظ على كرامة بنتي، نوح مكنش مقدر بنتك كويس يا أمل.
التفتت إليه أمل بنظرة تحمل خليطًا من السخرية والخذلان، ثم تابعت بحركة حادة وهي تقترب من فراشها:
-اه صح؟! فعلاً مش مقدرها؟! مكنش بيسكت في كل مرة تقوله طلقني، مسبهاش تيجي تقعد هنا براحتها، ولا سكت لما فتحتلها المحل، ولا كان بيجري ويقعد تحت رجليها لما كانت تعبانة، ولا قعد مذلول برة المستشفى باليومين مابيتحركش عشان انت مانعه يدخل يتطمن على مراته، تصدق فعلاً هو مش مقدرها.
اشتد غضب فاضل وارتفع صوته قليلًا مشيرًا إلى صدره بحدة:
-هو عمل كده، لما حس إن يسر بتروح منه، يسر لو كانت فضلت زي ماهي يبيع ويشتري فيها، كان زمانه دمرها، وبعدين انتي عايزة إيه؟؟ ترجعله وهو يروح يتجوز عليها، الله في سماه ما يحصل، أنا بنتي مش معيوبة ولا ناقصها إيد ولا رجل، ولا هي وحشة، أنا يا ستي شايف بنتي مفيش زيها، ومن حقي أحافظ عليها وعلى نفسيتها وكرامتها.
زفرت أمل بضيق وارتعشت شفتاها وهي تقول:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، ما هي بنتي بردو يا فاضل!، بس الشهادة لله هو بيحبها وبنتك مش قادرة تفهم جوزها صح، قولتلها قربي منه مية مرة، سيبك من اللي في دماغك، وشوفي جوزك محتاج إيه واملي الفراغ ده، بنتك مش عارفة تتواصل مع جوزها، بنتك اللي في ايدها الحل.
أجابها فاضل بحدةٍ تقطع الهواء:
-يا سلام وهو بريء ما هو معيشها في نكد ورعب، بقولك إيه، أحسن فضينها سيرة، كل واحد يروح لحاله، بنتي تستاهل أحسن منه مليون مرة.
قالها بنبرة قاطعة جعلت أمل تحدق فيه بعدم رضا، ثم أضافت بصوتٍ منخفض أقرب للعتاب:
-يا فاضل دي متطلقة بعيلين وأنا وأنت لو عيشنلها النهاردة، مش هنعيشلها بكرة.
اقترب منها فاضل وصوته هذه المرة حمل مزيجًا من الإصرار والحزن:
-أمل أنا سايب لبنتي فلوس وعقارات تعيشها ملكة، وتقدر تصرف على عيالها وتعيشهم في مستوى أحسن من اللي أبوهم هيعيشهم فيه.
هزت أمل رأسها بأسى قبل أن ترد بلهجة هادئة لكنها مثقلة بالوجع:
-مش كل حاجة الفلوس يا فاضل، المودة وإن حد يحتويها والسند، وإن عيالها يطلعوا في بيت يكون في أب وأم دي حاجات عمر الفلوس ما تشتريهم، راجع نفسك وحاول الفترة دي ماتدخلش في حياتها، يمكن ربنا يحلها من عنده.
ثم التفتت متنهدة قبل أن تغادر الغرفة وهي تتمتم بصوت خافت:
-هقوم اشوف الضيفة اللي برة دي تشرب أيه، عن إذنك.
تركه يواجه ندمًا بسيطًا عندما وجد الأمور تتعقد من حوله ولكن كرامة ابنته فوق كل شيء، وإن كانت قد أخطأت وقبلت بأمر لا يستحق أن تتنازل وتقبل به، فلن يتركها تتخبط في جدران الخوف والترقب ما إن كان نوح سيتزوج عليها أم لا، فابنته ملكة وتستحق معاملةً وحياةً أفضل من ذلك.
****
قالت سيرا بانفعال وقد ارتسمت على وجهها ملامح صدمة وامتقع لونها من شدة الغضب:
-يا نهار أسود لا فعلاً يستاهل والله تتطلقي منه.
نطقتها بحدةٍ وجسدها متشنج، بعدما سمعت القصة من يسر نفسها مباشرةً، غير أن كلمات يزن الصارمة التي كانت تطن في أذنيها دفعتها للتراجع قليلًا، فخفضت صوتها وقالت بنبرة متكلفة تحمل شيئًا من التزييف:
-بس كان ممكن تهدي شوية يا يسر، وتفكري.
تنهدت يسر تنهيدة ثقيلة كأنها تحمل معها كل خيباتها، ثم أطلقت بصرها شاردًا عبر النافذة القريبة منها وعيناها مبللتان بالحزن:
-فكرت كتير وملقتش غير الحل ده، أنا لو كملت كده ممكن أموت من قهرتي.
ابتلعت سيرا ريقها ببطء محاولةً أن تبحث بين الكلمات عن جملة واحدة تُسعف قلب يسر المحطم، ثم تساءلت بحيرة:
-طيب هو انتي لاحظتي إنه بيحبها مثلاً أو اتجوزها في السر؟
نظرت إليها يسر نظرة منكسرة تتأرجح بين الألم والاستسلام، وأجابت بصوت مبحوح:
-نوح لا يمكن يعمل حاجة زي دي في السر، لإنه شايف إن ده حقه اللي ربنا مديهوله، فمن حقه يعملها قدام الناس كلهم، وأنا أبقى مقتنعة وراضية...
ثم صمتت لبرهة وكأن الكلمات تخنقها قبل أن تتابع بنبرة أشد مرارة:
-أنا مش مجروحة لمجرد إنه مقرب من السكرتيرة اللي اسمها حسناء، أنا مجروحة لإن حاطط الشرط ده في حياتنا، ده غير أن كل حياته بنات في بنات، العيادة والمعمل اللي شريك فيه مفيش موظف راجل في حياته، نوح عايز كل حاجة وأنا فوقهم.
انعكس التوتر على ملامح سيرا، واحمر وجهها من شدة القلق حتى بدت كأنها نسخة أخرى من يسر نفسها، قبضت على أصابعها بقوة وهي تحاول صد الصور المقلقة التي بدأت تتسلل إلى ذهنها عن مستقبلها مع يزن، لكن صوت يسر اخترق شرودها وانتشلها من غرق أفكارها:
-متخافيش يزن مش زي نوح، يزن كبر عنده كل حاجة، متربي على الشبع مش محتاج حاجة، فجرب كل حاجة، أظن إنه يوم ما يستقر هيكون دي الحاجة الوحيدة اللي نفسه يعملها وبعدين أنا من خلال كلامي معاه باين أنه بيحبك.
ابتسمت سيرا ابتسامة باهتة ممزوجة بالقهر، وقالت بسخرية مريرة:
-هو يبان للكل كده، بس أنا الوحيدة اللي مش شايفة كده، المهم خلينا فيكي محاولتيش تتكلمي معاه وتعالجي اللي ناقصه واحدة واحدة، لغاية ما توصلوا لبر الأمان انتوا الاتنين وخصوصًا إن في بنت محدش فيكم متزعليش مني فكر فيها، وكمان بيبي جاي في الطريق مالوش ذنب إنه يكبر من غير أب.
اتغرست كلماتها في جراح يسر العميقة، فتجاهلتها كأنها لم تسمعها وأجابت بنبرة باردة تتعمد الصلابة:
-هو اللي مش عايز يتنازل يا سيرا، ربنا مديله كل حاجة وهو بردو ناقم وعايش في جراح الماضي، وبعدين أنا عمري ما هحرمه من عياله، لو عايز يشوفهم في أي وقت براحته، على فكرة كده أفضل للينا تكبر وتلاقي أب وأم متفاهمين حتى لو منفصلين، أحسن ما تكبر ما بين أب وأم عايشين مع بعض وعمرهم ما هيتفاهموا وكل شوية خناق وتجريح.
هزت سيرا رأسها متفهمة لكن صوتها خرج مستنكرًا ومليئًا بالرجاء:
-ده اللي بتحاولي تقنعي نفسك بيه، وبتحاولي تظهري أنك صح بس في الحقيقة إنتي كنتي لازم تبذلي شوية وقت ومجهود عشان تقدروا تتفاهموا انتوا الاتنين، على الاقل كنتي استغلي حبه ليكي واضغطيه عليه بكده، صدقيني كان هيغير فكرته، الطلاق عمره ما كان حل.
ظل الحديث يتشعب بينهما، حتى نجحت سيرا في زعزعة بعض أفكار يسر المتصلبة، لكنها كلما تذكرت كيف استغل نوح حبها، وضغط عليها مرارًا لينتزع موافقتها، غير آبهٍ بأن يدهس كرامتها تحت قدميه عادت لتتمسك برأيها أكثر فأكثر…
فالانفصال بالنسبة لها لم يعد مجرد خيار، بل أصبح هو المخرج الوحيد....حتى لو كان موجعًا.
****
والنقاش كان بين يزن ونوح في أوج حدته، حتى قرر يزن الانسحاب وتركه يهدأ قليلاً، تاركًا إياه جالسًا خلف مكتبه يحمل أثقالًا من الهموم فوق كاهله، واضعًا كفه فوق جبهته وكأنها تحاول أن تمنع سيل الأفكار من الانهمار، كان الصمت يخيم على المكان إلا من صوت عقارب الساعة وهي تطرق جدران عقله المتعب.
على مقعدٍ قريب جلست حسناء، تتابعه بعينيها اللامعتين بينما ترتسم ابتسامة خفيفة على وجهها تحمل بين طياتها سعادةً خفيةً لم تحاول حتى إخفاءها، فكان في ملامحها شوقٌ ممزوج بترقبٍ وحذر كصياد ينتظر لحظة الانقضاض.
رفع نوح وجهه إليها فجأة، فبدلت ملامحها على الفور كما لو كانت ترتدي قناعًا جديدًا؛ لمحة حزنٍ عميق امتزجت بظل من الشفقة، وقبل أن ينطق مدت حسناء يدها نحوه بفنجانٍ من القهوة، وهي تقول بنبرةٍ لطيفة تخفي فضولًا:
-اتفضل يا دكتور القهوة، بس لو تقولي مالك من الصبح؟ أنا خايفة عليك أوي.
مد يده نحو الفنجان دون حماس وراح يحرك إصبعه فوق حافته كأنه يرسم دوائر من الضياع، ثم رفع بصره إليها وقال بنبرة ساخرة ثقيلة:
-مفيش طلقت يسر النهاردة.
شهقت بعنف وهي ترمقه بعينين متسعتين يُزينها عدم تصديقٍ زائف:
-معقولة يا دكتور ده أنت بتحبها؟ ليه عملت كده بس؟ ده كله بسبب الراجل اللي جه هنا وحضرتك ضربته؟
تنفس نوح بعمق زفر زفرة حارة كأنها تحمل رماد قلبه، ثم أسند ظهره إلى المقعد وهو يهمس بمرارة، وعيناه معلقتان بفنجان القهوة أمامه:
-لا هي اللي طلبت مني اطلقها.
توسعت ابتسامة حسناء تدريجيًا، فرصة نادرة إن اغتنمتها الآن فلن تفلتها يدها أبدًا، وفي داخلها تدفقت الأفكار كالسيل، اقتربت ببطء، تمهلت في خطواتها حتى دارت حول المكتب واقتربت منه أكثر حتى صارت بمحاذاته، انحنت قليلًا وهبطت لمستواه لتواجهه مباشرة، فقد كان وجهه شاحبًا، وملامحه شاردة أما عينيه فقد غشيهما بريق من انكسارٍ عميق لم تره فيه من قبل، همست بصوتٍ متماوجٍ كأنها تُلقي تعويذة:
-واللي يخيلهالك ترجعلك وبإرادتها كمان؟
لم يُجب ظل صامتًا وكأنه غارق في دوامة تفكيرٍ لا مفر منها، ابتسمت ابتسامة صغيرة وتقدمت أكثر حتى صار صوتها أقرب إلى الهمس في أذنه:
-اتجوزني...اتجوزني ووقتها هي هتموت من الغيرة وهترجعلك بأي طريقة.
سكنت الغرفة للحظة، وصدى كلماتها ظل يتردد في رأسه كأمواجٍ تضرب شاطئًا مهجورًا، كان يدرك أنها تلعب على وترٍ حساس، لكنها في الوقت نفسه تلمس جرحه الأعمق، رفع عينيه إليها أخيرًا، ملقيًا نظرة ممتزجة بالغضب والتيه، لكنه…..لم يقل شيئًا، ثم قرر أن يقطع صمته بضحكةٍ ساخرة، وهو يحدق في عينيها الماكرتين بنظرة نافذة وقال بنبرة تحمل مزيجًا من التهكم والاستنكار:
-ده انتي بتحبيني اوي؟!، لدرجة أنك بتعرضي عليا عرض هيخليني أبعد عن يسر خالص، وفكرة رجوعي ليها تبقى من المستحيلات.
تراجعت حسناء خطوة إلى الخلف وهي ترمقه بدهشةٍ مصطنعة، ثم أشارت إلى نفسها مستنكرةً وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيها:
-أنا؟! يا خبر يا دكتور، أنا بس بعرض عليك عرض أنا متأكدة إنه هيحرك أي ست بتحب جوزها، إلا إذا مدام يسر أصلاً مبتحبكش وانت مش فارق معاها وماصدقت تتطلق منك.
وضع نوح كفه أسفل ذقنه متظاهرًا بالتفكير، ثم مط شفتيه بتكاسل قائلاً بنبرةٍ باردةٍ زادت من غضبها:
-حتى ولو زي ما أنتي بتقولي، بس أنا بحبها...بحبها اوي، يسر حبي الاول، أول بنت حبيتها وقررت اتجوزها، هي بتحبني او لا مايفرقش معايا غير أني بحبها.
قطبت حسناء حاجبيها بدهشة حقيقية هذه المرة، ثم سألت بحدةٍ خافتة:
-ولما انت بتحبها أوي كده، بتطلقها ليه؟
تجمّدت ملامحه فجأة، وكأن كلماتها وخزت شيئًا دفينًا بداخله فرد بنبرةٍ حادةٍ بعض الشيء أربكتها:
-حاجة متخصكيش يا حسناء.
أحست بثقل الجملة كصفعةٍ غير متوقعة، فتراجعت قليلًا وقالت بنبرةٍ مترددةٍ تكاد تخنقها:
-أنا أسفة يا دكتور، يعني اتدخلت عشان أراضيك...
قاطعها بصرامةٍ لم تعهدها فيه من قبل:
-أنا مطلبتش منك تراضيني، انتي اللي جيتي عرضتي عليا عرض غريب وأنا رفضتك.
تراجعت خطوةً أخرى إلى الخلف وقد غمرتها صدمة حقيقية فـ للمرة الأولى ترى نوحًا مختلفًا تمامًا عن ذلك الرجل الذي عرفته، لقد كان جامدًا حاد الطباع، عيناه تحملان شيئًا غريبًا وكأن ستارًا من الغموضٍ قد أُسدل فوقهما فمنعها من سبر أغواره، فاحت منه في تلك اللحظة رائحة خيانةٍ خفية، فاقشعر لها جسدها لكنها تماسكت، ووقفت بشموخٍ مصطنع تحمل على شفتيها بسمة نصف ساخرة وهي تقول:
-تمام يا دكتور أسيبك عشان شكلك أعصابك تعبانة، ومحتاج ترتاح ويدوب اروح.
أشار إليها ببرودٍ كامل نحو الباب ثم أعاد دفن وجهه داخل كفيه، غارقًا بين أفكاره المشتتة وهمومه الثقيلة، فغادرت هي بخطواتٍ متثاقلة، لم تلتفت وراءها حتى بلغت الخارج، وحين خرجت من البناية كلها، أطلقت زفرةً حارقة امتزجت بين الخذلان والغضب، ثم أغمضت عينيها لحظة وهي تهمس في سرها بنبرةٍ تحمل وعدًا دفينًا بالانتقام:
-لا وحياة أمك أنا ما هطلع من المولد بلا حمص، ده أنت راجل ديب و ***** بصحيح، وأنا واحدة ***** عشان صدقت إنك ممكن تتجوزني، بس الصبر.
****
بعد مرور يومين…
كانت حسناء جالسة في غرفتها، ساكنة الجسد مشتعلة العقل لا تفعل شيئًا سوى الغرق في بحرٍ من الأفكار المتشابكة، لم تذق طعم الراحة منذ أن أبلغها نوح بأنه سيغلق العيادة ليومين كاملين يأخذ فيهما قسطًا من الراحة، شعرت وكأن الوقت توقف عندها، بينما كل شيء في رأسها يتصارع بلا هوادة.
لم تسلم من سخرية والدتها المستمرة، إذ لم تترك فرصة لدخول غرفتها أو الخروج منها إلا وعلقت عليها بكلمات لاذعة تؤلم أكثر مما تجرح، فما كان منها إلا أن آثرت الانزواء داخل غرفتها، تهرب من أي احتكاكٍ معها لكن يبدو أن والدتها لم تكن لتتركها في حالها طويلًا.
حيث دخلت والدتها وهي تحمل مبخرةً صغيرة، تصدر منها رائحة نفاذة، وبدأت تُبخر الغرفة حتى غمرها الدخان الكثيف وهي تتمتم بكلمات خافتة لا تُفهم كأنها طلاسم قديمة، بينما تعلو وجهها علامات التركيز، لم تحتمل حسناء المنظر أكثر فانطلقت صرختها غاضبةً:
-يا ما قولتلك بلاش الشعوذة دي معايا، أنا عفاريتي موجودة أصلاً مش محتاجة حد يحضرهم.
رفعت الأم حاجبيها في بطء ونظرت إليها بنظرة تحمل مزيجًا من التهديد والشماتة، ثم همست بصوتٍ خافت يقطر وعيدًا:
-بس ليسخطوكي قرد، وبعدين انتي أصلاً حالك واقف عشان طولة لسانك مع أسيادك.
زفرت حسناء بقوة وكأنها تطرد كل ما يثقل صدرها، ثم اتجهت نحو النافذة وفتحتها على مصراعيها لتتنفس بعض الهواء، وقالت بغيظٍ مكتوم:
-طيب ما تخليهم يخلوه يحبني عشان أعرف اتجوزه.
شهقت الأم بامتعاض ثم انفجرت بسخرية لاذعة وهي تقول:
-مالكيش دعوة انتي يا ماما، أنا هعرف ازاي اوقعه واخليه يحبني، هخليه يطلقها ويتجوزني، واهو فعلاً طلقها بس مش هيتجوزك يا عبيطة ولا عمره ما هيتجوزك، واديكي طلعتي من المولد بلا حمص، وماخدتيش جنية واحد منه.
كانت كلماتها كالسكين في صدر حسناء، فمررت أصابعها داخل خصلات شعرها الأصفر المصبوغ بفعل صبغاتٍ متكررة، محاولةً تهدئة الغضب المشتعل في عروقها، قبل أن ترد بنبرة تحمل وعيدًا خافتًا:
-لا على جثتي، طالما مش هيتجوزني، أنا هعرف اسحب منه اللي أنا عايزاه بطريقتي.
اقتربت الأم خطوة منها وقد ارتسم على وجهها مزيج من الفضول والشك، وسألتها بصوتٍ منخفض:
-ازاي يا بت هتسرقيه ولا إيه؟!
ابتسمت حسناء ابتسامة ماكرة ثم قالت وهي ترفع حاجبًا واحدًا بتحد:
-نوح ده الفلوس بتلعب في ايده لعب، ومن كترها هو مابيركزش، انتي عارفة كام واحدة بتيجي العيادة وبتدفع جلسات وكشف، المشاكل اللي هو فيه مش مخلياه مركز في أي حاجة، والفلوس بتتحط في الخزنة اللي مفتحها معايا بردو وقبل ما يغدر هغدر بس بشويش وبرواقة بحيث مايشكش فيا.
شهقت والدتها بصدمة حقيقية مبحلقةً في وجهها، وقالت بصوتٍ متحشرج:
-هتسرقي فعلاً يا حسناء؟
أطلقت حسناء ضحكة قصيرة ثم التفتت إليها بعينين تتلألأان دهاءً، وقالت بنبرة حاسمة:
-هو انتي فاكرة العيشة اللي احنا عيشينها دي من المرتب ولا إيه؟! لا من كان كشف وجلسة بخدهم من وراه كل يوم وهو مش حاسس، بس وديني الهبرة الكبيرة بقى هتكون مفاجأة للكل.
وضعت والدتها يدها فوق قلبها وقد تملّكها الخوف، وهي تقول بصوتٍ مرتجفٍ وهي تهم بالخروج من الغرفة:
-يا خوفي يا بت بطني لتودي نفسك في داهية.
ثم غادرت الغرفة بخطواتٍ متسارعة، بينما بقيت حسناء جالسة في مكانها، تحدق في الفراغ بعينين تلتمعان بوميضٍ مظلم، وارتسمت على شفتيها ابتسامة باردة تحمل بين طياتها مزيجًا من الحقد والعزيمة، وكأنها تُقسم في سرها عهدًا لا رجعة فيه:
-قبل ما هو يغدر…أنا اللي هغدر ومش هيعرفلي طريق.
وفي تلك اللحظة مر طيف نوح في مخيلتها فتشنجت أصابعها، وشعرت بحرارةٍ تتصاعد في صدرها كبركانٍ على وشك الانفجار، لم تكن ترى في المستقبل إلا طريقًا واحدًا طريقًا محفوفًا بالمخاطر، لكنها كانت مستعدة أن تسلكه حتى آخره…مهما كفها الثمن.
****
-انت بتستعبط، بتكسرلي كلامي؟!
دوى صوت سليم غاضبًا كالرعد، وهو يقتحم المكتب بعنفٍ دفع الباب ليرتطم بالجدار خلفه، فتبعثر الهواء في الغرفة كأنه يحمل معه شرارة الصدام القادم، تراجع يزن للخلف في كرسيه بدهشة، فقد كان جالسًا في مكتبه داخل المعرض، يتابع بعض الأوراق بتركيزٍ شديد، قبل أن يفاجئه صوت أخيه وهو يقتحم المكان ملوحًا بيديه، والشرر يتطاير من عينيه، فرفع يزن حاجبيه باستغراب، ورد بنبرةٍ تحمل بعض الهدوء رغم صدمته:
-كلام أيه؟!
لكن الهدوء لم يُطفئ النيران المشتعلة في صدر سليم بل زاد من حنقه، فازداد وجهه احمرارًا حتى بدا كمَن يكاد ينفجر من الغضب، ولم ير يزن تلك النظرة في عينيه من قبل إلا يوم انفصاله عن
شمس.
لوح سليم بيديه بعصبيةٍ شديدة:
-بقى أنا أكلم المهندس وأسأله ليه مبدأش لسه شغل في شقتك، يقولي إنك كلمته ووقفت كل حاجة هو لعب عيال ولا إيه؟ واقوله أشتغل يقولي لا صاحب الشأن رفض ومأكد عليا لو انت اتدخلت ارفض!!! إيه الاستعباط ده؟! انت شايفني إيه قدامك؟
نهض يزن من مكانه فجأة وسار بخطواتٍ ثابتة حتى وقف أمام أخيه مباشرة، ثم نظر في عينيه بصرامةٍ لم يعتدها سليم منه من قبل، فبدا صوته متماسكًا، لكنه كان يخفي بداخله خليطًا من الغضب والخذلان:
-شايفك بتتدخل في حياتي وأنا حتى مش مديك أي صلاحيات لكدة.
صُعق سليم من نبرته فتصلبت ملامحه أكثر، ورد بصوتٍ مبحوح من شدة الغضب:
-فوق واحترم نفسك وانت بتكلمني يا يزن، أنا أخوك الكبير.
تردد صدى كلماته في الغرفة كطعنةٍ صامتة، شعر سليم بحرقةٍ في صدره وكأن شيئًا انكسر بداخله من شدة وقع هذه الجملة عليه، فلملم بقايا صبره واستمر في النظر لأخيه الذي لم يتردد وقال بنبرةٍ حادة لم يفلح في كبحها:
-بس مش أبويا، وحتى لو أبويا ملكش الحق إنك تتدخل كده يا سليم، أنا واحد لسه شايف إن لسه بدري على الخطوة دي.
اتسعت عينا سليم وهو يصرخ بغضبٍ عارم، مشيرًا بيده نحو أخيه:
-هو إيه لسه بدري يا بني آدم أنت، انت خاطب يعني الخطوة التانية هي الجواز ويدوب أصلاً تبدأ في شقتك، انت عايز تحرجنا مع الناس!
أخذ يزن نفسًا عميقًا ثم أجاب بهدوءٍ متعمد يخفي وراءه الكثير من التوتر:
-لا أنا عايز امشي حياتي بالطريقة اللي أنا شايفها صح، مش اكتر.
ابتسم سليم ابتسامة ساخرة لكنها كانت مليئة بالخذلان أكثر من الغضب، ورد ببرودٍ لاذع:
-يبقى مكنتش تخطب دلوقتي، طالما أنت مطريها اوي كده.
رفع يزن حاجبيه وقال بحزم:
-أنا مكنتش عايز، وانت اللي أصريت ودخلتني في حوار أنا مش حابه.
سقطت الكلمات على قلب سليم كالصاعقة، فانعكس الألم في صوته حين قال:
-والله!! خلاص يا يزن باشا ولا يهمك، طالما أنا مجرد أخ ومينفعش اتدخل في حياتك يا كبير وياللي مالكش كبير، أنا بعفيك من أي إحراج.
ثم رفع يده في الهواء كأنه يعلن انتهاء المعركة، وقال بنبرةٍ موجوعة رغم ما حاول إخفاءه من صلابته:
-ومن بكرة هتواصل مع أبو سيرا وابلغه اعتذاري ومن غير أي مشاكل بعفيك من الخطوبة دي، عيش براحتك يا كبير، وأنا ولا ليا لزمة في حياتك.
ودون أن ينتظر ردًا استدار وغادر المكتب بخطواتٍ سريعة، تحمل بين وقعها ثقلاً من الجرح والخذلان تاركًا الباب خلفه نصف مفتوح.
وقف يزن في مكانه للحظات عاجزًا عن الحركة، مشدوهًا بما حدث، مد يده في الهواء محاولًا اللحاق به، لكن قدميه لم تتحركا، وعندما استجمع شتاته ركض إلى الخارج، غير أن سليم كان قد اختفى…وكأنه ابتلعته الأرض.
كانت تلك أول مرة في حياته يرى فيها أخاه يهرب من مواجهة، فقد كان دائمًا الطرف الأقوى صاحب اليد العليا، ممسكًا بكل خيوط اللعبة في قبضته، أما اليوم فقد سقطت الخيوط من بين أصابعه، لتترك خلفها مسافةً من الألم.
وعندما فشل في اللحاق به لم يجد يزن حلًا سوى أن يتصل بـ زيدان، لعله ينقذه ويمنع سليم مما ينوي فعله، فهو لم يقصد أبدًا الانفصال عن سيرا، لكنه كان يعبر فقط عن الضغط الذي يشعر به بسبب تدخلات سليم المستمرة في حياته، وكأنه صاحب اليد العليا وليس هو، فلم يكن يزن معتادًا أن يتدخل أحد في شؤونه إلى هذا الحد؛ فمنذ صغره وهو مستقل تمامًا حتى في عمله.
أجرى اتصالًا بـ زيدان فأجابه الأخير وهو يزفر بضيقٍ واضح:
-ها ممسوك انت وخطيبتك في انهي قسم المرادي؟
تأفف يزن وهو يجيب:
-بطل استظراف، أنا وسليم اتخانقنا جامد وعايزك تتدخل عشان تهديه.
وصل له سخرية زيدان الفظة:
-اختيارك موفق، مالقتش غيري اهديه، ولا انت لو عايزه يتعفرت!
زفر يزن بعيظ وقال بحيرة وتوتر داخلي كاد يمزقه:
-يعني اجيب مين يتدخل ما بينا ويهدي الدنيا، ما تتكلم جد شوية يا زيدان، سليم شكله زعل مني، بس...
قاطعه زيدان بنبرة حادة:
-بس إيه انطق، اوعى تكون قليت أدبك على اخوك الكبير؟
عاد يزن لتأففه وأجاب بحنق طفيف:
-انت عبيط، هو أنا عمري عملتها قبل كده عشان اعملها دلوقتي، متخافش أنا مش زيك، كل الحكاية....
قطع الاتصال فجأة، فهمس يزن بنبرة منفعلة وهو يضغط فوق هاتفه بانفعال:
-يا نهارك أسود يا زيدان، انت قفلت في وشي السكة، عليا النعمة ما أنا سايبك.
****
بعد مرور ساعاتٍ طويلة من البحث، عثر زيدان أخيرًا على سليم في ورشة سيف، كان سليم يجلس على أحد المقاعد الخشبية بهدوءٍ شارد، أمامه فنجان قهوة لم يمسه، بينما كان سيف منشغلاً في إصلاح إحدى السيارات، توقف زيدان أمام الورشة بسيارة الشرطة، بينما أطلق سيف زفرةً حارة وهو يلتفت إلى سليم قائلًا بضجر:
-يا عم أخوك هيشبهني بالبوكس، والزباين هتشك فيا، أنا راجل غلبان وعندي عيال عايز أربيهم.
رفع سليم رأسه ببرودٍ ونظرةٍ ساخرة ثم قال بنبرة مشدودة:
-مجرد وقفته بالبوكس قدامك بيعملك قيمة.
زفر سيف باستنكار وهو يمسح يديه من آثار الزيت ثم رد بنبرة حانقة:
-طب خف شوية عشان أنت لما الدنيا بتضيق بيك مابتلاقيش غير ورشتي وريحة زيت العربيات وتيجي تستمع بيها وتفصل هنا.
قطع زيدان حديثهم بدخوله بخطواتٍ باردة ثم وقف يتأمل المكان بنظرةٍ متعجبة قبل أن يعلّق ساخرًا:
-الناس لما بتتضايق بتروح أماكن حلوة يفصلوا فيها، انت يا سليم بتيجي في الورشة عند سيف!!!
رفع سيف حاجبيه وقال بثقةٍ مصطنعة:
-هو إيه اللي بتيجي الورشة عند سيف؟! مالك يا عم، ده أحسن مكان ممكن أخوك يفصل فيه، ده أنا موفرله كل حاجة حتى فنجان القهوة متلاقيش زيه أبدًا.
ألقى سليم نظرة جانبية على الفنجان قبل أن يتمتم بضيق:
-الصراحة ميتشربش.
تظاهر سيف بالانزعاج ورفع صوته قليلًا:
-يعني لما أطردكوا هيبقى حلو؟!
اقترب زيدان منه يربت على كتفه محاولًا امتصاص غضبه ثم ابتسم ابتسامته المستفزة وهو يخفض صوته:
-لا يا عم سيف هو احنا لينا غيرك بردو، دي ورشتك دي يا ما لمتنا في مصايبنا، عايز بس فنجان قهوة من اللي مابيتشربش، عشان لسه ناقص لي حاجة معكرتش مزاجي، وتبقى كده كملت واعرف أكمل كلامي مع التنين المجنح اللي ورايا ده.
دفعه سيف برفق وهو يضحك بخفوت ثم التقط مفاتيحه واتجه نحو مكتبه الصغير ليأخذ أشياءه، ثم مال بعدها نحو سليم الذي كان جالسًا في كبريائه المعتاد واضعًا ساقًا فوق الأخرى، وقال بلهجةٍ ساخرة:
-أنا طالع اتغدى وسايبلكم المنتجع بتاعي أمانة في رقابتكم....
ثم ابتسم ابتسامة حمقاء، ومال أكثر ليطبع قبلة مفاجئة على وجنة سليم، فاتسعت عينا الأخير وهو ينظر إليه باستهجان:
-والله انتوا ما عارفين قيمة الراجل ده في حياتكم.
ضحك سيف بخبث وهو يغادر بخطواتٍ هادئة كأنه يخشى أن ينفجر ضاحكًا في أي لحظة ثم التفت نحو زيدان:
-هبعتلك قهوة مع إنك متستهلش عشان مبتسألش عليا يا قليل الأصل، مفيش فيكم يا عيلة الشعراوي إلا سليم حبيبي.
وغاب عن أنظارهم بينما جلس زيدان بجوار سليم وهو يقول بنبرةٍ مازحة:
-انت ماسك عليه زلة ولا إيه؟
رفع سليم حاجبيه ببرود ورد بجمود:
-صاحبي وبيحبني وبيقدرني مش زيكم.
تنهد زيدان بضيق وهو يخرج علبة سجائره لكن سليم خطفها منه وألقاها بعيدًا ثم قال بنبرة صارمة:
-مهما كنت راضي عنك وعلاقتنا كويسة، ماتفكرش تدخن قدامي أبدًا.
فرك زيدان وجهه محاولًا تهدئة نفسه ثم ابتسم ابتسامة باهتة:
-مالك يا سليم باشا زعلان ليه كده، ومش مستحمل كلمة؟
أجابه سليم ببرودٍ أكبر:
-بالعكس أنا هادي خالص، وزي الفل أنت اللي جاي ورايا وماعرفش ليه؟
أطرق زيدان رأسه قليلًا ثم قال بنبرةٍ خافتة:
-يزن هو اللي اتصل بيا، وشكله خايف إنك تنفذ قرارك وتتصل على ابو سيرا!
اتسعت عينا سليم غضبًا ورد بحدة نارية:
-يعني ده اللي جايبك عشانه؟!، يعني مش عشان هو قل أدبه عليا وتطاول عليا في الكلام؟!
فتح زيدان عينيه بدهشة وهو ينظر إليه بعدم تصديق:
-يزن قل أدبه عليك؟! الواد ده اتجنن ازاي يعمل كده!!
رفع سليم حاجبيه بغضب وصوته خرج أثقل من أي وقت مضى، وكأن نبراته تحاول أن تمزق الصمت:
-مش بالمعنى الحرفي ده يا زيدان، هو مايقدرش أصلاً، بس كلمني بأسلوب عمره ماكلمني بيه، يزن كبر لدرجة إنه مش عايزني حتى اوجهه للطريق الصح، وشايفني مجرد أخ عادي المفروض اكتفي بنفسي واسيبه في حاله، وبعدين هو أنا بالنسبالكم مجرد أخ عادي؟!
ساد الصمت لحظة، وكان صوت أنفاس زيدان مسموعًا وهو يرمش بأهدابه قبل أن يجيب بنبرةٍ خافتة مليئة بالصدق:
-لا طبعًا.
استدار سليم فجأة بجسده نحو أخيه، وعيناه تتوهجان غضبًا وشكًا ثم قال بنبرة متأرجحة بين الحزن والانفعال:
-من قلبك بجد؟ ولا انت زيك زي يزن وشايف ماليش حق اتدخل في حياتكم، البيه بيقولي انت مش في مقام أبويا؟! هو مين رباه اصلاً، مين كان بيجري وراه في المدارس والجامعة؟! مين فضل شايل همه لغاية ما عرف يوقف على رجله في مشروعه؟! ده كله الكلب ينساه ويكلمني كده؟!
وقبل أن يرد زيدان وجد صوت يزن يتدخل بعتاب ساخر وهو يقف على بعد مسافة قريبة منهما يضع كلتا يداها في جيب سرواله:
-طيب بتشتمني ليه طيب يا أبيه؟ ده أنا جاي وراك عشان اصالحك.
رفع زيدان يديه إلى وجهه وفركه بقوة مجددًا وهو يستغفر بصوتٍ خافت قبل أن ينفجر بنبرةٍ حانقة:
-انت داخل ليه يا بارد؟ مش أنا قايلك متدخلش لما يهدى.
اقترب يزن بخطوات حذرة وعيناه تتنقلان بين أخويه كمَن يخشى أي شرارة انفجار، قبل أن يرد بصوتٍ يحاول أن يبدو مازحًا:
-يا عم ده انت داخل تعكها، وبعدين سيف قالي ادخل ومتسبش زيدان لسليم عشان سليم مش ناقص اللي يسوحه هو متسوح جاهز.
اشتعلت ملامح سليم بغضبٍ مكتوم وهو يرفع يديه ساخرًا وكأنه يسلم بالأمر الواقع:
-شوفت؟! شوفت البيه بيتكلم عليا ازاي؟ ما هو كبر خلاص!!
اندفع يزن فجأة ليدفع زيدان من على المقعد ويجلس مكانه بثقةٍ طفولية، وسط نظرات استنكار من زيدان الذي عقد حاجبيه بضيق، لكنه آثر الصمت وتركه يجلس، بينما انحنى يزن نحو سليم محاولًا تلطيف الأجواء بصوتٍ عذبٍ يشوبه الرجاء:
-حقك عليا يا اخويا يا كبير يا حبيبي يا للي ماليش غيرك، أنا لو لفيت الدنيا كلها ملاقيش أخ زيك، عارف زيدان ده ولا يفرقلي أصلاً، انت الكل في الكل والباقي كنتلوب.
رمقه سليم بنظرةٍ ممتعضة وبدت على شفتيه ابتسامة خافتة لكنه أخفاها سريعًا، بينما اقترب يزن أكثر حتى كاد أن يقبل خده، إلا أن سليم ابتعد عنه بضيق مفاجئ وصوته خرج بحدة:
-ابعد عني، خلاص...خلاص مش زعلان بس أنا لسه عند رأيي، أنا كنت غلط لما ضغطت عليك، لازم اتصل على أبو سيرا الصبح واعفيك من الحوار ده...
ما إن أنهى جملته حتى تحولت ملامح يزن للارتباك، التفت بسرعة إلى زيدان مستنجدًا لكن الأخير اكتفى برفع رأسه إلى الأعلى مطلقًا صفيرًا عاليًا وكأنه ينسحب عمدًا من الموقف، عندها استدار سليم نحوه فجأة وسأله بنبرة هادئة تحمل استفزازًا دفينًا:
-ولا انت رأيك إيه يا زيدان؟
تحركت شفتا زيدان بابتسامةٍ صغيرة وهو يهز رأسه موافقًا، ثم قال بلهجةٍ متأنية وهو يراقب:
-عندك حق في كل كلمة قولتها، أساسًا يزن مبيحبهاش نغصبه يتجوز واحدة مبيحبهاش؟! معقولة ده حتى أخونا الصغير، ومينفعش نتدخل في حياته.
رفع يده فجأة ليداعب خد يزن كمَن يسخر منه أكثر، فانتفض الأخير بحدةٍ وهو يبعد رأسه قائلًا بضيق:
-طيب كملوا جميلكم بقى وزي ما قولتلك يا سليم ما تدخلش في حياتي، ماتكلمش ابو سيرا في حاجة لو سمحت، دي حياتي وأنا حر فيها!
رفع سليم حاجبيه معًا بدهشةٍ ممزوجة باستفزاز ورد بنبرة تحمل مزيجًا من السخرية والاستنكار:
-الله!! ليه بس يا يزن ما انت مش بتحبها وأنا غصبتك عليها من الاول.
تحرك يزن في مقعده بتوتر وألقى نظرة سريعة على أطراف الورشة وكأنه يخشى أن يسمع أحدهم حديثهم، ثم قال بصوتٍ خافت يحاول السيطرة على انفعاله:
-يا عم ما بلاش الكلام ده أحسن الاقيها طالعة من أي مكان، وأنا ما صدقت ابعد الكلام ده عن دماغها.
ضحك زيدان عاليًا وهو يومئ برأسه ساخرًا:
-عملتلك رعب، يزن دنجوان عصره خايف من خطيبته.
رفع يزن حاجبيه مستنكرًا وهو يرد بحزمٍ ممزوجٍ بالحرص:
-اسمها خايف على مشاعرها، وبعدين أنا مش قولتلك مالكش دعوة بيها.
وقبل أن يتمكن زيدان من الرد بحنقه المعتاد، كان يزن قد مال نحو سليم فجأة ليقبل رأسه بانحناءةٍ يغلب عليها الاحترام والاعتذار:
-حقك عليا يا سليم، والله ما كنت اقصد اقولك الكلام ده كله، بس يعني كنت متضايق الصراحة من وقتها لما جيبت المهندس وسيرا من غير ما اعرف، فحسيت إن ماليش لازمة.
نظر إليه سليم مطولًا وعيناه تلمعان بجرحٍ خفي لم يبح به، ثم قال بنبرةٍ مشدودة:
-كان ممكن تقولي كده، ومتروحش تقلل مني مع المهندس، عشان أنا اسمي ووضعي مش قليلين عشان حد يهزهم بالشكل ده!!
ابتسم زيدان ابتسامة خبيثة وهو يتكئ للخلف بارتياح، مستغلًا لهجة أخيه الغاضبة ليؤجج الموقف أكثر:
-اديله فوق دماغه يا سليم، اديله الحيوان ده ازاي يتجرأ ويعمل كده، ده أنا مقدرش اعمل كده، ولا يمكن أكسرلك كلمة.
وفي تلك اللحظة، كان شاب صغير لا يتجاوز السابعة عشرة يدخل بخطواتٍ مترددة يحمل صينيةً عليها أكواب عصير باردة، وضعها على الطاولة الصغيرة أمامهم ثم قال بهدوءٍ متحفظ وكأنه ينقل رسالة حاسمة:
-عم سيف بيقولكم، لو خلصتهم اشربوا العصير وامشوا، عشان هو وراه شغل كتير وورشتة مش مصلحة اجتماعية...عن إذنكم يا بشوات.
ساد الصمت فجأة بينما نظراتهم الثلاثة تتنقل بين العصير البارد والباب المغلق خلف الفتى، فقال لهم سليم بحسم:
-يلا نروح لينا بيت يلمنا، وانت طاجن البامية اللي شمس عملته خسارة فيك ومحروم منه.
انطلق يزن خلفه يهتف بنبرة تميثيلة:
-لا بالله عليك ارحمني من الميراث ولا تحرمني من طاجن البامية.
انطلقت ضحكات الثلاثة تتردد في أرجاء الورشة كأنها تكسر صمتًا طويلاً أثقل قلوبهم، وقد بدا أن كلمات يزن المازحة نجحت ولو للحظة في تبديد حدة التوتر الذي خيم بينهم.
التفت سليم نحو زيدان وأرسل إليه غمزة عابرة، فقرأ الأخير في عينيه ما لم يُقل، وتفهم على الفور سر ذلك التبدل المفاجئ في لهجة يزن واندفاعه السريع لمراضاته، فأدرك أن شقيقهما الأصغر لم يُسارع بالاعتذار خضوعًا لهيبة سليم وحدها، بل لأن قلبه بات معلقًا بفتاة بعينها، ويخشى أن يقف كبرياء أخيه حائلًا بينه وبينها.
بدا يزن في تلك اللحظة كمَن يغرق حتى رأسه في بحرٍ واسعٍ من الإعجاب بها، يحاول أن يوازن بين مشاعره العميقة وخوفه من أن يُغضب مَن كان يومًا له سندًا وملاذًا، فقد كان صوته المرح يخفي خلفه صراعًا صامتًا بينما كان قلبه يخفق بإيقاعٍ لا يسمعه سواه.
****
بعد مرور يومين...
خرجت سيرا بخطواتٍ متهللة لكنها بطيئة من بناية فاطمة بعد جلسة طويلة قضتها معها امتلأت بالأحاديث الدافئة والفضفضة، كانت الساعة الحادية عشر مساءً وخف المارة من الشارع الطويل الموجود بين بناية فاطمة وبنايتها، لمس نسيم خفيف وجنتيها بينما هي تمسك هاتفها وتبتسم وهي تتحدث إلى يزن:
-انت عايزني استنى قاسم ولا عبود لما يجوا ياخدوني، ده كده أنا هبات عند فاطمة.
جاءها صوت يزن حازمًا لكنه لم يخلُ من القلق المحبب:
-سيرا اسمعي الكلام ومتخرجيش لوحدك تاني، وبعدين هي يسر مخلصتش من محلها ما هو مش كل يوم تروحي!
رفعت حاجبيها وضحكت بخفة وفي عينيها لمعة شقية:
-يزن، الست متدمرة ميبقاش انت والزمن وجوزها عليها كفاية، وبعدين أنا الساعتين اللي بروحلها فيهم دول بفصل فيهم من أبلة حكمت وعيال اخواتي اللي بيدوشوني.
ظلت تتحدث معه حتى وصلت إلى بنايتها، توقفت أمام المدخل وابتسمت بخفة قبل أن تغلق المكالمة، لكن ابتسامتها سرعان ما انطفأت حين لاحظت أن مدخل البناية يغرق في الظلام، تقدمت خطوة ورفعت حاجبيها بدهشة وهمست بصوتٍ خافتٍ متوجس:
-مين طفى نور المدخل؟!
مدت يدها تتحسس مفتاح النور لكن فجأةً شعرت بكف خشن يكمم فمها بقسوة، وجذب عنيف يقذفها إلى زاوية جانبية في المدخل شبه مظلمة يتسلل إليها أضواء الشارع، كاد قلبها يقفز من صدرها من شدة الرعب حتى دوى في أذنها صوت منخفض خشن يحمل نبرة شريرة:
-أنا اللي طفيته.
شهقت بعنف وهي تحاول التملص منه فسقط هاتفها أرضًا ليصدر صوت ارتطامٍ خافت على البلاط البارد، حاولت دفعه بكل قوتها لكن ما إن أدركت صوته حتى تجمدت عروقها رعبًا، فما كان سوى فايق، اقترب منها أكثر وهمس بنبرة ناعمة مريبة وكأن الشر يقطر من صوته:
-وحشتيني على فكرة.
اشتعل الغضب في عينيها وهي تدفعه بكل ما أوتيت من قوة، ثم رفعت يدها لتصفعه لكن عينيه كانتا أسرع، إذ أخرج سكينًا صغيرة وصوبها نحو بطنها هامسًا بنبرةٍ خافتة تتشح بالتهديد:
-لو فكرتي تعمليها هتلاقي المطوة بتشق بطنك الحلوة دي.
تسمرت في مكانها والذعر ينهش أطرافها، بينما نظراته القذرة تتجول على جسدها بوقاحة رغم أن ثيابها كانت واسعة مكونة من سترة رياضية سوداء فضفاضة وسروال بنفس اللون، شهقت بغيظ مكتوم وهي تقول بصوتٍ مرتجف لكنه متهدج بالغضب:
-ابعد يا فايق عشان مش هيبقى حلو أبدًا لما اصوت والم الناس عليك، وعيلتي يضربوك.
ابتسم فايق ابتسامةً ساخرة لكنه في الوقت نفسه دفع السكين أكثر نحو بطنها، فانتفضت شهقة حادة من صدرها وهو يهمس ببطء شديد كمَن يتلذذ بخوفها:
-وقتها بردو صوتك هيصرخ من الألم لما المطوة تشق بطنك.
تراجعت خطواتها غريزيًا بينما الرعب يتسلق روحها، لكنها تماسكت قدر المستطاع ثم رمقته بنظرة مصعوقة من الشر الكامن في عينيه وسألته بحدةٍ متقطعة:
-أنت عايز إيه مني؟ أظن انت عارف كويس مفيش بيني وبينك حاجة عشان تتعلق بيا بالشكل ده.
تغيرت ملامحه فجأة واختفى الخبث ليحل محله حقدٌ دفين بينما نفث كلماته بحممٍ من الغضب:
-رفضتيني، وفضلتي حتة عيل مالوش لازمة عليا.
رفعت رأسها بتحدٍ رغم الارتجاف الذي يسري في أطرافها وردت بصوتٍ يحمل قوة وكبرياء:
-يزن ده أرجل منك لإنه استحالة يعمل اللي انت بتعمله ده، واظن إن كان عندي بُعد نظر.
ذكر اسم يزن كان كصب الزيت على النار، إذ اقترب فايق أكثر حتى كاد أنفاسه تلامس شفتيها، وهمس بغيظٍ يقطر تهديدًا:
-فرحانة بيه عشان شكله صح؟ طيب ما أنا ممكن ارميه بازازة ميه نار في وشه اشوهلك ملامحه.
شهقت بعنف كأن الهواء اختفى من حولها، وبدأت عيناها تلمعان بخوفٍ لا إرادي، بينما تابع هو تهديداته وقد اشتدت نبرته:
-ولا أولعلك في المعرض بتاعه ويخسر فلوسه وحياته ويبقى بردو حتة عيل لا راح ولا جه.
همست بصوتٍ منخفض بالكاد خرج من بين شفتيها، وقد اكتسى وجهها بالامتعاض والصدمة:
-انت مريض نفسي ومحتاج تتعالج.
ابتسم بمرارة وصرامة ثم اقترب أكثر حتى شعرت بحرارة أنفاسه الخانقة:
-مريض بيكي، اه مريض نفسي بيكي ومش هسيبك غير وانتي ليا يا سيرا، انتي الوحيدة اللي أنا حبيتها وانتي رفضتيني وفضحتيني في المنطقة كلها.
حدقت فيه بعينين تملؤهما القوة رغم الضعف وهتفت بحدةٍ حارقة:
-انت اللي فضحت نفسك بعمايلك السودة، ابعد عني بقى.
صرخت بعنف وهي تدفعه بكل قوتها لكن فايق استدار بسرعة وجذبها عنوة ليحتضنها بقسوةٍ فجة، فيما هي كانت تقاومه بشراسة وتضربه وتدفعه بلا هوادة، حتى عضت كتفه بغل شديد، فارتد عنها متألمًا وهو يضغط على جرحه، ورمقها بعينين تشتعلان غضبًا ووعيدًا ثم زمجر مهددًا:
-وربي ما أنا سايبك يا بنت الـ **** حسابك تقل معايا أوي انتي واهلك، وخطيبك الحلو اللي انتي فرحانة بيه ورايحة جاية معاه، أنا مش هسيبه في حاله، وهخليه يرميكي رمية الكلب.
ثم دفعها بعيدًا وغادر البناية بخطواتٍ غاضبة، تاركًا خلفه صدى تهديداته القاتلة يتردد في أذنها، تجمدت في مكانها ووجهها كان شاحبًا كالأموات، وعيناها تلمعان بخوفٍ حقيقي ينهش صدرها، لم يكن الخوف على نفسها بقدر ما كان خوفًا على يزن…خشيت أن ينفذ فايق تهديداته فتبتلعه نيران الانتقام.
صعدت الدرج مسرعة وقلبها يدق كطبول الحرب، حتى توقفت أمام شقة حكمت فسمعت جدالًا حادًا بينها وبين أبنائها حول إهمالهم، تنهدت في صمت ثم فضلت الصعود إلى شقتها مباشرة.
ما إن دخلت حتى وجدت الجميع في عالمٍ آخر؛ ضحكات عالية وصخب عائلي، وأصوات المعلقين الرياضيين تملأ الأجواء، كان والدها جالسًا بارتياح، متابعًا المباراة بوجه متهلل فرحًا بفوز الأهلي، قبل أن يهتف بحماس:
-لو ربنا أراد وكسبنا هعزمكم على أي حاجة نفسكوا فيها.
تعالت صيحات الفرح من أخواتها الفتيات وضحكات أزواجهن، بينما كان عبود وقاسم في عالمهما الخاص، يتابعان المباراة بانفعالٍ وكأن اللاعبين يسمعون حماسهما من خلف الشاشة.
وقفت سيرا للحظة تتأمل هذا المشهد الصاخب، لكنها شعرت بوحدةٍ قاتلة تنهش روحها، وكأنها غريبة وسط أهلها، انسحبت بهدوءٍ إلى غرفتها دون أن يشعر بها أحد وأغلقت الباب خلفها وهي ترتجف.
ألقت بنفسها على السرير وقررت الاتصال بـيزن لطلب المساعدة، لكن هاتفه كان مغلقًا، زفرت بقوة وترددت بشدة؛ فإخبار يزن الآن قد يدفعه للتصرف بتهور، فينفذ فايق تهديده بحقه…وحينها ستعيش بذنبٍ لا يغتفر طيلة حياتها.
****
جلس فايق في غرفته التي تملؤها رائحة دخان السجائر الثقيلة، بينما يعلو صوت مروحة قديمة تدور ببطء، جلس بجانبه صديقه من أبناء المنطقة يحمل الهاتف بين يديه وعيناه تلمعان ببريق مكرٍ خبيث.
كانت الصور التي يراجعانها على شاشة الهاتف صادمة؛ لقطات ملتقطة بخبث توحي زورًا وكذبًا بأن فايق وسيرا على علاقة سرية وكأنهما حبيبان يلتقيان خلسة، تفحص فايق الصور بتركيز شيطاني وعلى وجهه مزيج من الغضب والحقد واللذة، قبل أن يهمس بنبرةٍ خافتةٍ متقطعة:
-لا دي أحسن...
ثم مرر إصبعه على الشاشة يشير إلى صورة أخرى، وانفرجت شفتاه عن ابتسامة نصرٍ باردة، وهو يقول:
-ودي أجمد، ابعتهم بقى لأي واحد في المنطقة متسبش واحد، وابعتهم لعبود وقاسم وعيلتها كلها.
رفع صديقه رأسه نحوه مترددًا صوته يحمل لمحة خوف رغم أنه يحاول مواكبة مكر فايق:
-دلوقتي؟
نظر إليه فايق بثباتٍ حاد ثم أطلق ضحكة قصيرة مشبعة بالشر وهو يميل برأسه إلى الأمام:
-اه طبعًا ده حلاوتها في حموتها.
أما في الخارج…
كانت والدته تجلس في صالة البيت على أحر من الجمر يدها تتشابك بعصبية وهي تفرك كفيها بتوتر، بينما نظراتها القلقة تتنقل بين الباب المغلق لغرفته وبين ابنتها سهام الجالسة بلا مبالاة على الأريكة، تمسك بجهاز التحكم وتشاهد التلفاز وكأن شيئًا لا يحدث، تنهدت الأم بحنقٍ يقطر قلقًا قبل أن تقول بصوتٍ متقطع:
-يا بت قومي قوليله بلاش اللي بيعملوه ده، ده لسه خارج من السجن، وبعدين وربنا حكمت ما هتسيبنا وهتفرج علينا أمة لا إله إلا الله..
لم تُبدِ سهام أي اهتمام رفعت يدها بتكاسل وهي تلوح بإهمالٍ واضح، ثم ألقت بجملتها ببرودٍ جارح:
-وأنا مالي؟! ابنك ماشي بدماغه والله لو الدنيا ولعت أنا ماليش دعوة، كفاية العلقة اللي اخدتها من حكمت ده أنا عندي تروما بسببها.
اتسعت عينا الأم بصدمة وهي تحدق في ابنتها بعدم استيعاب، ثم شهقت قائلةً بغضبٍ حانق:
-تـ إيه ياختي؟ يالهوي بقولها إيه؟! وتقول إيه؟
ثم زفرت بحسرةٍ ثقيلة وهي ترفع يدها إلى السماء وكأنها تستنجد قبل أن تعود لتصرخ بنبرةٍ متوسلة:
-يا بت قومي اتكلمي معاه اخوكي حاله اتغير، ما تتجوز سيرا ولا تهبب احنا ملناش دعوة، ربنا يسترها.
لكن سهام بقيت على أريكتها وعيناها مثبتتان على الشاشة، وملامحها تنطق باللامبالاة القاسية، وكأن عاصفة الخراب التي يخطط لها فايق لم تطرق أبوابهم بعد، وفي داخل الغرفة…كان فايق يبتسم ابتسامة مُنذرة بينما صديقه يشرع في إرسال الصور واحدة تلو الأخرى، لتبدأ شائعة العار في التشكل كشرارة أولى لحريقٍ قد يلتهم الجميع.
****
كانت دهب تعيد ترتيب الصالة بحنقٍ شديد وهي تتمتم بغيظٍ مكتوم تخشى أن يفسد طلاء أظافرها الجديد الذي جلست ساعةً كاملةً في وضعه بعناية، لكن والدتها قطعت عليها تركيزها فجأة فصرخت بها بعنف كي تقوم بمساعدتها.
ولكنها تسمرت في مكانها بصدمةٍ وخوف عندما سمعت صوت والدتها يهتف من خلفها بنبرة استنكار حادة:
-بت يا دهب، شنطة خالتك سيرا بتعمل إيه في اوضتك؟
ابتلعت دهب ريقها بتوتر وهي تلتفت ببطء، لتجد والدتها تعبث بمحتويات الحقيبة بعينين فاحصتين حتى شهقت فجأة بذعرٍ وعيناها تتسعان بصدمة وهي تصرخ:
-يا نهار أبوكي أسود شبكة خالتك بتعمل إيه عندك يا بت؟
_____________
قراءة ممتعة ♥️ تفاعل يا بنات وهستنى رأيكم اللي بيسعدني 😘♥️
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااا
تعليقات
إرسال تعليق