رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثالث (وما للهوى من سلطان)الفصل الأول 1بقلم ناهد خالد حصريه
رواية فراشة في سك العقرب الجزء الثالث (وما للهوى من سلطان)الفصل الأول 1بقلم ناهد خالد حصريه
مقدمة الجزء الثالث💫💕
(إذا سقطت قطرة حبر في الماء هل يمكنك فصلها عنه؟
في يوم ملئ بالعواصف أخبرني كيف يمكنك فصل الرياح عن الرِمال المتطايرة بها؟
إن أزعجتك ملوحة ماء البحر وانتَ غريق فيها هل تستطيع فصل الملح عن ماءه؟
وبنفس المقياس لا يمكنك فصل إنسان عن خصِاله، اخلاقة، ومبادئة، وحتى ظروف حياته، فإن مال القلب فلا يمكنك سوى القبول بهِ، هكذا بكل مساوئه قبل مميزاته، وإن ظننت التعديل فانتَ تضيع وقتك بلا فائدة، فالإنسان لا يُخلع من جذوره، كالشجرة تمامًا.. إن خلعتها من جذورها ماتت، يمكنك تغيير حياته واقناعه ببعض المبادئ الجديدة، ولكن بقاياه الماضية ستظل عالقة بهِ كتعلق العلكة بالملابس، وفي أي موقف يظهر لِمَ كان عليهِ دومًا ضاربًا بتغييره عرض الحائط...
الحب.. وما هو الحب؟
الحب أن تتقبل حبيبك بكل ما فيه بما يعجبك وما لا يعجبك.. ببساطة لأنه ليس ثوب تشتريه فتختاره بما يليق بكَ تمامًا!!
الحب أن تتنازل عن مقاييسك المعيارية لشريك حياتك فعلى الأغلب لن تجد مواصفاتك التي أردتها فيه...
الحب أن ينبض قلبك دون أذن منكَ، ويهوى بلا مقدمات، هكذا وفجأة يصبح الشخص له مكانة كبيرة وعزيزة لديك، مكانة مهما حاول عقلك إقصائها لن ينجح.. ينبض نبضة لذيذة إن اقترب منه، ويرقص فرحًا إن سمع كلمة ارضته، ويتشوق لرؤيته، ويخشى عليهِ خشية الأم على وليدها، ويحنو عليه حنو الإنسان على الطفل، ويسمعه بكل شغف، ويميزه من بين العالم بأجمعه...
الحب هو حرب ضارية بين رغبة القلب وتحكمات العقل، وتكون الغلبة في النهاية للقلب المسكين..
قالوا أن أهل الهوى مساكين.. والمسكنة تأتي من الضعف.. الضعف الذي ينتابك حين يقع قلبك، فتصبح بلا إرادة تفعل ما لم تظن أنك يومًا فاعله..
القوي في حضرة الحب يضعف..
والمتجبر في حضرته يخضع..
والعنيد في الحب يستسلم..
الحب هو شعور مُحير، ومربك، رائع، ومخيف، لذيذ، وشاق، مُريح، ومُتعب...
الحب هو كل شيء وعكسه...
ولكنه هكذا لا يتجزأ ابدًا..
والحقيقة الوحيدة المُعلنة إنه ما لا للهوى من سلطان!)
💫
الفصل الأول من الجزء الثالث...
وما للهوى من سلطان..
فراشة في سُك العقرب..
"اتقي شر الحليم إذا غضب"
بعد وقت لم تحسبه لكنه طويل، وصلوا أخيرًا لمقصدهم (البحيرة) تحديدًا منزل (آل المنشاوي)..
وباقي الطريق كانت صامتة.. تمامًا، لن تنكر لقد خشت غضبه! فتجنبته ولكنه لم يتجنبها!
زفرت بنزق وهي تعقب بما لم تفهمه:
-يعني ماكنتش اسلم عليه؟
تسطح فوق الفراش واضعًا وسادة خلفه يستند عليها في هدوء ورد:
-يبقى احسن.
قطبت ما بين حاجبيها محتجة:
-ازاي يعني؟ وليه اصلاً؟ هو اللي بدأ ومد ايده يسلم احرجه واحرج نفسي قبله!؟
-مش بدل ما احرجكوا انا!
قالها وهو يغمض عينيهِ في هدوء ثلجي جعلها تضرب كفًا بآخر:
-لا احرجه هو بعيد عني, هو مش ابن عمك؟ روح قوله مالكش دعوة بيها حتى السلام ماتقولوش لها.
-بكره إن شاء الله.
-انتَ هتنام؟
سألته بغيظ وهي تراه مازال مغمض عينيهِ, فسألها وهو على نفس وضعه:
-عندك مانع؟
اتجهت للطرف الآخر للفراش وجلست عكسه حتى باتت قدميهِ تجاورها وقالت حانقة:
-انا هنا بعمل إيه؟ هو انتَ مش كنت قايلي امشي, ليه فجأة قولتلي اجي معاك؟
فتح عينيهِ نصف فتحة وأجاب بما لم يرضيها:
-لما نرجع ابقي امشي.
-وليه جيت من اصله؟
رفع عينيهِ للسقف كأنه يفكر ثم عاد ينظر لها يقول بما أدهشها:
-ناويه تنامي معايا في الأوضة؟
انتفضت تلقائيًا وارتدت للوراء تهز رأسها برفض فوجدته يقول مرة أخرى وهو يعاود لغلق عينيهِ:
-يبقى روحي اوضتك اللي عمتي ورتهالك, احنا جايين طريق سفر محتاجين نرتاح.
وعاد يفتح عينيهِ بنظرة عابثة يقول بينما يتزحزح قليلاً:
-ولو ناوية تنامي هنا.. السرير واسع ويساعي.
برقت عيناها وهي تنظر له بغضب قبل أن تلتف خارجة من الغرفة صافقة الباب خلفها بقوة, شبح ابتسامة ظهر على ثغره لأقل من ثانية قبل أن يغمض عينيهِ شاعرًا ببعض الخمول والالام التي تضرب صدره, فقرر أخذ قسطًا من الراحة, قسطًا لن يطول ببساطة لأنه لن يترك فرصة لذلك الأحمق, السخيف, "سيف" بأن ينفرد بها ويتحدث معها بتلك الأريحية الخبيثة التي يدعيها كما حاول فعلها فور وصولهم, وللحقيقة لم يكن يعلم بوجوده بالبحيرة, فلو علِمَ لِمَ جاء مهما ألح جده, فهو لا يطيق البقاء معه في مكان واحد.
-------------------------
وفي غرفة تقبع بنفس المنزل...
-يا بنتي مانا فوق راسهم اهو هعمل إيه تاني! ده انا سيبت شغلي ومراتي في القاهرة وجيت عشان أكون موجود لما عرفت انه جاي.
أتاه صوت "شدوى" على الجهة الأخرى تقول:
-سيف, البت دي لو شاهين اتجوزها هرتكب جناية.
رد نازقًا:
-ما تعملي اللي تعمليه, هو انتِ ليه بتهدديني كأنها فارقة معايا وخايف عليها؟
ردت بمغزى علمه:
-لا مانا مش هرتكب جناية اودي نفسي في داهية, لأ ده انا هعمل اللي هيخرب الدنيا على دماغ الكل.
خرج صوته متعصبًا:
-انتِ بتهدديني يا بت انتِ؟
-احسبها زي ما تحسبها بس انتَ وبابا لازم تساعدوني أوصل للي عيزاه, ومن مصلحتكوا ان شاهين يرجعلي, وهو مبقاش ينفع يساعدني عشان اخر مرة كان ناوي يأذي شاهين, لكن انتَ اللي مضطر تساعدني دلوقتي.
-والمفروض اعملك إيه؟
قالها بغضب مكتوم, فسمع صوتها خبيثًا يقول:
-انتَ دلوقتي موجود لوحدك من غير مراتك, دي فرصتك.
-فرصتي لإيه؟
سألها بحذر فأجابته بوضوح:
-سيف انتَ جينتل مان, وليك في سكة البنات من سنين, وياما وقعت اللي احلى واغنى واجمل من اللي اسمها فيروز دي, معقول مش هتقدر عليها؟
فهمَ ما تريده, فعلق ساخرًا:
-ولو وقعتها تفتكري شاهين يعمل فيا إيه؟ ولو مراتي عرفت؟ ولا انتِ بتفكري في نفسك بس؟
-اولاً من ناحية مراتك فهي عارفة كويس إنك رمرام, وعارفة إنك كل فترة والتانية في نزوة جديدة, وساكتة.. هتيجي على دي وتتكلم! أما بالنسبة لشاهين فهو كريه عينه الخيانة و الغدر, ولا نسيت ليلى؟ اللي مخانتوش لكنها عشان بس سمعت لكلام مازن وسابته فجأة من بعدها ماكنش طايق يسمع اسمها, ولا مازن اللي عشان غدر بيه وعرف ليلى حقيقته و ماعرفوش بمرض أمه لحد الآن بينهم حواجز كتير, كنت تتخيل إن علاقته بمازن توصل لكده في يوم من الأيام! مش مطلوب منك غير إنك تشككه فيها, وفي سلوكها, شاهين لو حس بس إنه مش مالي عينها هيرميها في أقرب مقلب زبالة.
-بس وانتِ بتتكلمي قولتي إنه لدلوقتي مش طايق مازن... أخوه, بسبب اللي عمله في حوار ليلى, ما بالك بيا بقى! وانا وهو مش طايقين بعض اصلاً.
اتاها صوته الغير مبالي:
-طيب انتَ قولتها كده كده مش طايقين بعض, وبعدين خليك ذكي..
أكملت بنبرة بدت أكثر خبثًا:
-خلي الوضع يظهر قدام شاهين إنك بتتعامل عادي مش قاصد, وإنها هي اللي بترمي نفسها عليك, او مهتمة بيك زيادة, فهمت!؟
نظر بعيدًا من النافذة وردد بشرود وهو لا يشعر براحة لِمَ هو مُقبل عليه, لكنها فرصة ممتازة لإثارة غيظ الآخر وهو لن يضيعها:
-فهمت.
----------------
ارتدى التيشرت الخاص بهِ وقد كان بني اللون فلائمه كثيرًا خاصًة مع خصلاته البنية التي تغزو ذقنه وبياض بشرته, بينما كان يرد على مهاتفه عبر سماعة البلوتوث القابعة في أذنه:
-يا باشا انا تمام.
أتاه صوته الآخر يقول معترضًا:
-تمام ازاي يعني؟ كان المفروض تفضل شوية في المستشفى, ومنيا إيه اللي رايح تسافرها بعد خروجك؟
رد بنبرة وصلت للأخير متهكمة:
-انا كده هصدق إنك بتعتبرني ابنك بجد!
توتر "نصر" وهو يجيبه:
-مانا قولتلك قبل كده انا فعلاً بعتبرك زي ابني, وبعدين انتَ من أهم رجالتي مش عاوز اخسرك, وشغلنا محتاج القوة وتكون واقف على رجلك ماتتهزش.
-ماتقلقش يا باشا, لسه واقف على رجلي.
-مش مهم تكون واقف على رجلك، المهم تكون قادر تقف على رجلك.
والفرق بينهم كان واضح للمتلقي, فلا يهم أن يتظاهر بالقوة, المهم أن يكون قوي فعلاً.
همهم دون رد, ليكمل "نصر":
-المهم لو احتاجت أي حاجة بلغني.
-تسلم يا باشا.
وأغلق معه المكالمة ليذم شفتيهِ مستغربًا وهو ينظر للهاتف:
-انا بدأت اشك في الراجل ده!
وكانت جملة مستنكرة, وتهكمية على أسلوبه الغريب تجاه الأول, لكنه ابدًا لم يقصد شيء بعينه, بل قصد شيء آخر بعيد كل البعد عن العلاقات الطبيعية... مستهزئًا بالطبع.
------------------
-مساء الخير..
رددها بهدوء وعيناه تمشط المكان فلم يراها, إذًا لقد نجح في النزول باكرًا.
-مساء النور يا حبيبي, معلش لو البت سنية صحتك, بس ميعاد الغدا وجب وانتَ ليك أدوية لازم تاخدها.
جلس فوق أحد كراسي السفرة الطويلة, وقال وهو يرتشف بعض المياه:
-لا انا تمام, اصلاً كنت صاحي قبلها... حد بلغ فيروز؟
-ايوه ونازلة.
قالتها عمته ليحرك رأسه في هدوء, هدوء تعكر حين سمع صوت السِمج يلقي التحية, لم يرفع عينه له, وأجاب بصوت يكاد يُسمع, ليجفل على سؤاله الموجه له:
-إيه اخبارك دلوقتي شاهين؟
رفع رأسه متعجبًا يناظره بريبة, أيهتم للسؤال عنه!؟ لم يفعلها منذُ ما حدث..
-تمام.
رددها باقتضاب, ليجيبه الآخر بابتسامة باردة, قبل أن يسأل بما جعل الحنق يزين وجه الأول:
-اومال فيروز فين؟
-سامعة حد بيجيب في سيرتي.
قالتها وهي تدلف للغرفة, ليزيد حنقه وهو يحول بصره لها, وأول ما لفت نظره ذلك البنطال الأسود المجسم الذي ترتديه, واختارت فوقه كنزة من اللون البني الفاتح قصيرة.. قصيرة لحد لم يعجبه, اتجهت لتحتل الكرسي المجاور له بينما تسمع رد "سيف":
-بالخير والله, كنت بسأل عليكِ.
ولولا أنها نظرت صدفًة ل "شاهين" ورأت نظرته الصقرية الموجهة لها وانقلاب وجهه, لِمَ صمتت, للتو فقط تذكرت تحذيره لها, وهي فعلاً حين دلفت وسمعت سؤال "سيف" عنها لم تقصد أن تجيبه بملاطفة أو لتبادل حوار معه, بل كان رد عفوي خرج منها هكذا, لم تعرف ماذا تفعل وهو ينظر لها هكذا دون أن يحيد عنها, والجميع منتبه, فابتسمت بحرج وهي تسأله بتوتر:
-عامل إيه؟
ظلت نظراته معلقة بها لثواني أخرى دون إجابة, جعلت وجهها يصبح ككتلة نار ملتهبة, قبل أن يشيح بنظره عنها يتناول معلقته ليبدأ طعامه مرددًا كي لا يحرجها أمامهم:
-كويس.
تنفست الصعداء حين سمعت رده فعلى الأقل لم يضعها في موقف سيء لعدم الرد, ولكنها في نفس الوقت تشعر بالقلق..
-----------------
صباح اليوم التالي..
خرجت هائمة على وجهها قاصدة الذهاب لعملها, ألا وهو بيع الفل, فعملها بالفيلا موقوف لحين رجوع صاحب المنزل, يومها الماضي كان في غاية الصعوبة, بين بكاء وحيرة, وقرار وتراجع, لم تعرف ماذا تفعل لكنها لم ترضى ما سمعته ابدًا, وحقًا تتمنى ألا تقابله او تراه, على الأقل لحين اتخاذ قرارها.
ومتى ما تمنته حدث! فكان من الطبيعي جدًا أن يظهر أمامها اليوم تحديدًا.
-صباح الخير.
ردت بوجوم واضح:
-صباح النور.
-ماشوفتكيش امبارح, كنتِ مشغولة ولا إيه؟
نظرت له تجيب في هدوء ظاهري:
-لا, كنت فاضية.
قطب ما بين حاجبيهِ متعجبًا:
-اومال ما عدتيش عليا ليه؟ كل يوم وانتِ راجعة من الشغل بتعدي.
-عادي حسيت إني مش عايزه اعدي.
لاحظ طريقتها المتغيرة, فسألها مستفسرًا باستغراب:
-مالك يا أمل؟ في حاجة مضيقاكي؟
ادمعت عيناها ووجدت نفسها تسأله بوجع:
-انتَ لسه بتفكر في فُلة؟
قالتها مباشرةً دون مراوغة, وسؤالها صدمه, فتلجلج وهو يجيب بحرص:
-لأ... وبعدين سألتي السؤال ده قبل كده كتير وجاوبت.
رمته بنظرة مشمئزة, مستنكرة وهي تقول:
-كداب.
اتسعت عينيهِ لنعتها له بهذا الاسم, وردد محذرًا:
-أمل! شوفي انتِ بتقولي إيه, وهكدب ليه اصلاً؟
رفع سبابتها تقول بنبرة مرتعشة من الألم والغضب:
-تحلف إنك مابقتش تفكر فيها؟ تحلف إنك مش معاك صورتها؟
أزادت اسئلتها من استغرابه, فسألها مضيقًا عينيهِ:
-مين جاب في دماغك حوار الصورة ده؟ تعرفي منين انتِ إن كان معايا لها صورة ولا لأ؟
ولم تراوغ وهي تفشي بالحقيقة, فلا شيء تخشى عليهِ الآن:
-سمعتك امبارح وانتَ بتكلم عمي, سمعته وهو بيقولك على صورتها اللي لسه معاك, تقدر تبررلي؟
ورده كان صادمًا لها حين قال:
-وانتِ ماكنتيش تعرفي بعلاقتي بيها؟
اندفعت تقول بغضبها:
-بس انتَ قولتلي إنك مابقتش تفكر فيها, قولتلك لو رجعت هتحاول معاها تاني قولتلي لأ.
-وانا لسه عندي كلامي, لو رجعت مش هحاول معاها تاني.
-بس لسه بتفكر فيها!
قالتها بصوت منخفض, حزين, منكسر, ليزفر أنفاسه وهو يقول بصراحة مطلقة:
-احنا لسه مخطوبين قريب اوي, ازاي توقعتي ان من يوم وليلة هنساها وامحيها من حياتي! انا قولتلك اللي قولته وجوايا بحاول, بحاول عشان نفسي قبل ما يكون عشانك, عشان مش عاجبني وضعي, لكن مش من حقك تقفي تحاسبيني دلوقتي, كنتِ اعملي ده لو كنت جيت قولتلك انا نسيتها وبحبك انتِ, او لو كنا دلوقتي متجوزين.
بروده, ولامبالاته بكسر خاطرها, وحزنها, اغضبوها واعموها عن أي منطق او افتراضيات عقيمة, فردت بنبرة آبية:
-وانا ماقبلش اتجوز واحد بيحب غيري, فالاحسن كل واحد يروح لحاله من دلوقتي.
رأت السخرية تزين وجهه البارد, والابتسامة المستنكرة طفت على ثغره وبنبرته المتهكمة يقول:
-وانتِ ماكنتيش تعرفي إني بحبها من قبل ما نتخطب؟ كنتِ عارفة, ووافقتي يعني مالكيش حق تحاسبيني دلوقتي!
انتفخ صدرها بغضب وهي تسأله:
-يعني إيه؟
رد بنبرة جامدة:
-يعني اهدي, وفكري كويس.. انا ماخدعتكيش, ولا استغفلتك, انتِ كنتِ عارفة, وحبي لا انا ولا انتِ نقدر نتحكم فيه, اللي اقدر اضمنهولك حاجتين, اني أحاول اشيلها من قلبي... وإنها لو رجعت تاني عمري ما هفكر اقربلها.
وقسوته التي اظهرها في عدم مبالاته بمشاعرها جعلتها تقسو, فقالت بنبرة متهكمة مندفعة:
-هه! ما اكيد مش هتفكر تقربلها تاني, مش عشاني.. بس عشان انتَ متأكد إنها عمرها ما حبتك ولا هتحبك, ومتأكد إنها مش هتقبل أي محاولة منك, إذا كانت ماقبلتش بيك زمان هتقبل بيك دلوقتي وانتَ...
وصمتت, في اللحظة الأخيرة صمتت, ولكن لم يكن لصمتها معنى, فالتكملة واضحة وهي تشير لعجزه, والآن فقط رأت تغير ملامحه, رأت انقباضها وظهور التأثر في عينه وهو يضع كفه محل ذراعه المفقود تلقائيًا, ورغم غضبها منه, لكن الحركة ألمتها وضربتها بكرابيج الندم على ما تفوهت بهِ.
ابتسامة صفراء, صغيرة, ظهرت على شفتيهِ وهو يردد:
-وانتِ بقى اللي قابلة.. فالمفروض احط رقبتي تحت جزمتك واحمد ربنا عليكي.
تهاوت دموعها بتأثر وحزن وهي تجيبه:
-لأ... عشان انا مش قابلة شفقة, لو واحد غيرك ماكنتش هقبل بيه يا مجد, بس انا قبلت بيك انتَ, عشان بحبك, عشان مهما كان وضعك هكون قابلة بيه وحباه, مش عشان صعبان عليا.. ماحدش بيتجوز حد عشان بيصعب عليه يا مجد.
انهت حديثها وانصرفت من أمامه, حانقة, وحزينة, ولا تعرف إلامَ ستصل علاقتهما.
ظلت جملها الأخيرة تضرب رأسه وهو ينظر لها تذهب, وأصوات متداخلة تخبره بأن كل شيء ليس على الطريق الصحيح.
----------------
من الصباح الباكر أتته في قسم الشرطة, ورغم أنه سابقًا حذرها من أن تدلف لمكان كهذا لكنه اليوم لم يهتم, وهي من بررت تقول:
-ماكنتش عايزه اجي هنا, بس عارفه إني ماكنتش هقدر اوصلك.
رد بملامح واجمه, باهتة, ويبدو عليها الحزن والإرهاق واضحين:
-خير؟
تلاعبت في أصابعها في الخفاء من التوتر, وقالت مبللة شفتيها:
-انتَ امبارح كنت تعبان, كنت عاوزه اطمن عليك.
أجابها بنفس النبرة:
-انا كويس... تقدري تتفضلي.
تغاضت عن طرده لها, وشعرت من طريقته أن تجنب الحديث في الموضوع الأساسي لن يحسن الوضع ابدًا, بالعكس هو لن يعطيها فرصة لحديث آخر, فقالت مرتبكة:
_انا عمري ما شوفت حبك ليا، عمري ما فسرته، يمكن عشان كنت طول الوقت في مشاكل او مشغوله بحاجات كتير، حاجات تغنيني إني اركز في مواقفك ولا كلامك معايا وافسره صح، انا في كل مره قربت منك فيها كان عندي مشكلة او في أزمة، مش مطلوب مني وسط كل ده اركز معاك!
كانت ملامحه الجامدة توحي بأنه لا يأبه ابدًا بكل ما تقوله، وتجلى هذا واضحًا حين نطق بنبرة باردة:
_انا ماطلبتش منك حاجة اصلاً! ولا شايف إن قعدتنا دي لها لازمة، خلاص انا وحبي مش مهمين بالنسبالك وده انا فهمته من زمان، بس كنت غبي وعاوز برضو افضل جمبك يمكن تحسي، يمكن تبصيلي بنظرة تانية، لكن واضح إني كنت بضيع عمري على الفاضي، وحقيقي مبقاش فارقلي..
ذمت شفتيها ببكاء شارفت عليهِ وهي تسأله بأعين دامعة:
-يعني بتقطع علاقتك بيا؟ تعرف إنك الوحيد اللي اعرفه دلوقتي, ماليش حد غيرك, حتى صحابي ماعرفتش اوصلهم.. معتز طليقي كان قاطع علاقتي بكل الناس, ولما رجعت مالقتش حد منهم, خصوصًا إن شريحة خطي اتحرقت من كام شهر وكل الأرقام ضاعت, انتَ بتلومني بجد يا مازن؟
قالتها بملامح مستغربة واكملت ببكاء:
-بتلوم واحدة حبت واحد وكانت شيفاه كل دنيتها وفجأة اكتشفت إنه مش كويس فاضطرت تهرب منه؟ بتلوم واحده بعدها بمدة طويلة لقت واحد تاني حست إنها مرتاحة معاه وحست بشوية مشاعر له فقررت تديله فرصه, وتدي نفسها قبله, عشان تفوق على كابوس إن اختيارها كان غلط, والنتيجة ابن بعيد عن ابوه ومسؤوليتها هي! عاوزني في كل الضياع ده اخد بالي مين بيلطف, ومين بيعاملني كويس, ومين بيحبني ومين بيكرهني!؟
شعرت أن نظراته بدأت تلين, فأكملت معززة موقفها:
-انا واحده العلاقات دمرتها, ماكنش عندي فرصة تالتة اديها لحد.
تنهد زافرًا أنفاسه وساد الصمت لثواني سوى من نهنهة بكائها, فقال بنبرة متعبة:
-بطلي عياط...
هدأ بكائها ونظرت له في انتظار بقية حديثه, كانت تطالعه كقطة بريئة تنتظر من صاحبها أن يسمح لها بالدلوف لبيته, فهز رأسه يائسًا:
-انا انفعلت امبارح من الضغط النفسي اللي بمر بيه, وقولت كلام ماكنتش هقوله في العادي, فاعتبريني ماقولتش حاجة, وانا لسه مازن صديقك, لو احتاجتيني في أي وقت ماتتردديش.
ويأسه كان من قلبه الضعيف تجاهها, من أن يقسو ويسير في طريق آخر بعيدًا عنها وعن وجع حبها.
أخذت نفس عميق ومسحت دموعها وهي تنظر له بقرار أخذته أمس, وسألته:
-ولو قولتلك إني مستعدة أدي لعلاقتنا فرصة إنها تاخد شكل تاني غير الصداقة؟
ورغم تفاجئه بحديثها, لكنه تبسم بتهكم يقول:
-وده شفقة بحبي؟ ولا عشان زي ما قولتي مالكيش حد غيري هنا؟
نفت برأسها تقول:
-لو على إني ماليش حد غيرك فأنتَ لسه قايلي إن صداقتنا هتفضل, مش هدبس نفسي في علاقة زي دي عشان تفضل جنبي! ولو على الشفقة.. مافيش شفقة في الحب يا مازن, انا ماقولتلكش تحبني فمش هتاخدني أي شفقة ناحية احساسك ده.
-اومال إيه السبب؟
رددها بارتياح ظاهر وقد زال عنه تهكمه بعد حديثها, لتجيبه بأعين حزينة:
-بحاول ادي نفسي فرصة أخيرة, فرصة أعيش فيها اللي استحقه.. استحق أعيش مع إنسان يحبني ويقدرني والأهم يريحني, انسان يكون اختيار مناسب ليا, يحسسني بالآمان ومايخلنيش اندم في يوم على اختياري له, من حقي استقر وابني أسرة حقيقية, من حق قلبي يحب ويطمن ويرتاح بعد كل الخذلان اللي شافه..
نهضت واقفة وهي تنهي حديثها:
-انا قولتلك اسبابي لو ماعندكش مشكلة فيها رقمي معاك, ولو ماوفقتش هستنى ردك وهتفضل صديق عزيز...
وسارت تجاه الباب لتقف بالقرب منه والتفت له تخبره برجاء:
-لو وافقت كون قد الثقة والفرصة اللي ادتهالك, انا مش حِمل خذلان جديد, ووقتها هتكون حكمت عليا أعيش باقي حياتي وحيدة وتعيسة.
---------------------
الأمس مرَ على خير, ليس لشيء سوى أنه بعد الغداء أخذ الجد "سيف" وخرج معه لأمر خاص, ولم يعودوا سوى متأخرًا, وفي تلك الفترة انعزل "شاهين" مع هاتفه و جهازه الحاسوب يتابع اعماله, فلم يجمعهما موقف آخر.
اليوم استيقظت مبكرًا, لأنها لا تستطيع الـتأقلم على الأماكن بسهولة, ونومها لم يكن مريح ابدًا, فقررت النزول للسير في الحديقة الواسعة واستنشاق نسيم الصباح, كانت تظن أنها الوحيدة التي استيقظت ولكنها تفاجأت بهِ على بُعد من الفيلا يجلس أسفل تكعيبة عنب أخذت شكل رائع, فاتجهت له تنبه وجودها بإلقاء التحية:
-صباح الخير.
كان شاردًا وهو ينظر في هاتفه للدرجة التي لم ينتبه لوجودها على عكس عادته, رفع رأسه لها وقد ظهر الحزن على قسمات وجهه ولكنه ردد بنبرة خالية من أي شعور:
-صباح النور.
جلست جواره على الفور محافظة على مسافة بينهما, فأتاح لها هذا برؤية هاتفه, وظهرت صورة "نورهان" واضحة قبل أن يغلقه ويضعه جواره.
-بعتلك رقم امك على الواتس.
ردت بنبرة متأثرة بحزنه:
-شوفته, هبقى اكلمها كمان شوية.
لم يتحدث بعدها, لتستجمع هي القوة بينما تقول:
-انتَ ليه كاتم حزنك جواك؟ ليه عامل في نفسك كده؟ انا ماشوفتكش عيط ولا انهارت زي أخوك, رغم إني متأكده إن وجعك عليها اقوى واصعب منه.
صدر صوت متهكمًا من حلقه وبعدها قال مستهزئًا:
-إيه عوزاني اقعد اعيط!
طالعته باستغراب وقالت:
-_على فكرة مش عيب الراجل يعيط، مش هتقل في نظري لو عيط! الطبيعي اصلاً إنك تنفس عن حزنك، تعيط.. تصوت.. تقول كلام مش عارف طالع منك ازاي.. تخرج غضبك في أي حاجة لكن كتمك لحزنك ده اكبر غلط.
التف برأسه ينظر لها والهواء يعبث في شعرها يمينًا ويسارًا، وقال بنبرة باردة كملامحه:
_مين قالك إني محتاج اعمل كل ده؟
رفعت حاجبها له باستنكار:
_يعني انتَ مش زعلان على موت اختك؟
اعاد رأسه للأمام ينظر للمساحة الواسعة وهو يجيب:
_في حد ممكن مايزعلش!؟
عقبت بثقة:
_يبقى لازم تعيط! ومحتاج تعمل كل ده، اومال هتخرج حزنك ازاي؟
لم يجيبها، فلجئت لطريق آخر رغم صعوبته لكنها ستفعل كي يخرج حزنه وينفس عن غضبه المكتوم منذُ وفاتها:
_تعرف ان نورهان صعبانة عليا اوي.. ياعيني بنت صغيرة في سنها لسه ماخدتش حظها من الدنيا، لا اتجوزت ولا خلفت، ولا حتى عاشت قصة الحب اللي بتتمناها أي بنت، لأ وكمان ماتت قبل ماخواتها يكونوا كويسين سوا ويتصالحوا...
-اسكتي.
هدر بها فجأة لتنتفض بخفة على هدرته, ونهض بعدها متجهًا لآخر التكعيبة متمسكًا بأحد جوانبها الحديدية, ولكنها لم تصمت فنهضت خلفه تقف جواره والهواء يرسل قشعريرة في جسدها, وهي تكمل بتصميم:
-يعني بتخيل زعلها دلوقتي وهي سايبة الدنيا قبل ما تطمن عليكوا على الأقل وتعرف انكوا مش هتأذوا بعض, بس على فكره هي كانت بتحبك اوي, كان بيبان عليها في كلامها عنك ودفاعها, وكانت بتبصلك دايمًا كأنها بتبص لابوها مش اخوها, كانت مليانة طاقة وحياة, وطيبة.. طيبة اوي, بس تفتكر موتها طبيعي؟
لاحظت اهتزاز ملامحه من جانب وجهه المقابل لها، وقبضة يده التي اشتدت على السور الممسك بهِ، والأخرى التي في جيبه تعلم انها ليست افضل حال، اكملت وهي تضغط عليهِ أكثر....
-يعني قضاء وقدر, ولا حادثة مقصودة؟ اعتقد لو حادثة مقصودة هيكون حد من طرفك انتَ, متنساش ان قبلها بيومين حاولوا يقتلوك وجت فيا, يمكن حد قرر يوجعك ف...
انتفضت مرتدة للخلف حين التف لها على غرة, ولكنه لم يتركها وخطى الخطوة الفاصلة بينهما يمسك كتفيها بقوة غاشمة, يهزها بعنف هادرًا بأعين حمراء وملامح غير مبشرة بالمرة:
-انتِ عاوزه مني إيه؟ مش قولتلك اكتمي! بتتزفتي تاني ليه؟
عيناه الحمراء أوشت لها بدموع محبوسة, وبتأثره, رُبما هي قريبة من هدفها وسينفجر معبرًا عن حزنه, ابتلعت ريقها بقلق ولكنها عنيدة فيما تحاول الوصول له:
-هي كلمة الحق بتزعل! بعدين مش معايا حق؟ قولت إيه غلط انا؟ صعبانة عليا وزعلانة على موتها وهي صغيرة ومالحقتش تتهنى بالدنيا, حتى الشوية اللي عاشتهم بهدلتوها بينكوا في المشاكل والفراق.. يعني ما....
-اخرسي.. اخرسي بقى.
كانت صرخته هذه المرة عالية, فهو لم يعد يتحمل حرف آخر, ودفع بها بقوة اسقطتها للخلف أرضًا على ظهرها, ورغم وجع السقطة, ولكن هذا ليس ما أوجعها تحديدًا, بل لقد نسى في خضم غضبه, أن جرحها لم يُشفى بعد, وقوة الصدمة أطلقت نار حارقة بهِ, فانحنت على نفسها منقلبة على جانبها تمسك فوق صدرها ضاغطة بكفها بقوة وأنين خافت يخرج منها مع تشنج واضح في جسدها جعله يدرك فعلته....
يتبع...............
تكملة الرواية من هناااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق