رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل الثالث 3بقلم الكاتبة شهد الشورى
رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل الثالث 3بقلم الكاتبة شهد الشورى
#الفصل_الثالث
#رواية_ما_ذنب_الحب
#الجزء_الثاني_لرواية_ضحايا_الماضي
#الكاتبة_شهد_الشورى
توقف الاثنان عند لحظة مشبعة بصمت غامض، عينا إياد استقرتا على شفتيها كمن انجرف في دوامة بلا شاطئ، يقترب منها ببطء وكأن الزمن يتثاقل من حوله
قلبها ارتجف في صدرها، دقاته صارت ناقوس خطر يدوي في كل ذرة من جسدها، يحاول أن يوقظها من الغيمة التي كادت أن تُسقطها في شركٍ لا عودة منه
وفي ومضة خاطفة، تسلل الوعي إلى أعماقها كتيار حاد ارتجفت يدها ثم هوت بقوة على وجنته، صفعة كسرت اللحظة، أفاقت كل الحواس !!!!
ركضت مبتعدة، كأنها تهرب من نفسها قبل أن تهرب منه، ومن تلك اللحظة التي أوشكت أن تبتلعها
اندفعت إلى قاعة الحفل، عيناها لا تلتفتان خلفها، أمسكت بيد جوان ابنة عمها بقوة، تجرها للخارج بعزمٍ لا يقبل نقاشًا
الأسئلة تلاحقها من جوان، لكنها مضت كمن يهرب من الكلمات ذاتها، كأن الحروف صارت جدرانًا تخنقها
أما هو، فقد بقي في بهو القصر بعد انتهاء الحفل، متجمد النظرات، يكرر المشهد في رأسه بلا نهاية، لم يفهم لماذا صفعته....؟!
الجميع هنا لا يعرفون للعفة بابًا، فلماذا هي؟!
هل هي مختلفة فعلًا،أم مجرد تمثيل؟!
وإن كانت صادقة، فلماذا جاءت أصلًا إلى مكانٍ كهذا !!!
ظل السؤال يحاصر ذهنه كشوكة في قلبه، يعجز عن اقتلاعها، لأول مرة، يهتم لأمر فتاة بهذا الشكل،
لأول مرة يشعر بالارتباك
جلس والده جلال إلى جواره بصمت ثقيل، ثم قال بهدوءٍ عميق :
اتمنى تكون عقلت يا ابني، وتكون قررت تستقر هنا بقى، عشان تمسك الشغل معايا بدل ما تفضل مقضيها سفر من بلد لبلد
أجابه إياد بصوت منخفض، يخفي وراءه تعبًا قديمًا :
انا مرتاح كده يا بابا
نظر إليه جلال بعين ضيقة، وسأله بضيق :
يعني إيه مرتاح كده
تنهد إياد ببطء، صوته ثابت لكنه مكسو ببرود اعتاده :
يعني يا بابا انا مرتاح كده، سيب الشغل لعمي فاروق وهشام
تغير وجه جلال فجأة، ارتفع صوته بغضبٍ مكتوم :
بس هشام مش ابني، عشان يورث ويتحكم في اللي بنيته بعرقي، مش ابني عشان اسلمله كل حاجة تعبت فيها وبنيتها ليك، عشان امن مستقبلك
صمت لحظة، ثم مرر يده على وجهه المثقل بالسنين، صوته انكسر وهو يتحدث :
يا بني، عمك فاروق وهشام طماعين مهما أخدوا فلوس، عمرهم ما بيشبعوا أنا عارف كل اللي بيعملوه وسايبهم بمزاجي....عيني عليهم، بس أنا مش هفضل كده طول عمري أنا تعبت، ونفسي أرتاح واتسند عليك، وألاقيك دايمًا جنبي
مد يده لكتف ابنه، بعينين تمتلئان برجاء أبوي :
ريح بالي يا بني، انزل اشتغل في ملك أبوك وراعي مصالحه، انا ماليش في الدنيا دي غيرك
صمت إياد قليلًا، تتناوب داخله الحيرة والشفقة، ثم رسم ابتسامة صغيرة باهتة على شفتيه وقال:
حاضر يا بابا، اللي تشوفه
أشرق وجه جلال بفرحة صادقة، تنفس كمن أزيح عن صدره عبئًا ثقيلاً :
احسن مكتب هيكون جاهز ليك، ومن بكره تنزل الشغل
أومأ إياد برفق، ينهض ليلتقط معطفه قائلاً :
تمام يا بابا، تصبح على خير
صعد إياد إلى غرفته بخطوات هادئة، وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة توحي بعدم الرضا، لكنها في حقيقتها لم تكن سوى مرآة لخيبةٍ قديمة
كان أبوه قد أغدق عليه المال، ورسم له مستقبلًا مضمونًا، لكنه لم يمنحه حياة تُعاش كما ينبغي
أمن له الميراث، ولم يؤمن له الروح
تركه وحيدًا في بيتٍ يضج بالوجوه الزائفة، بين نفوس لا تعرف سوى الطمع، وألقى به إلى امرأةٍ لا يليق أن تُسمّى أمًا، امرأة رآها بعينيه تنتقل من رجلٍ إلى آخر، بلا خجل
كبر إياد على صمتٍ مُر، يتعلم كيف يُخفي ضعفه، وكيف يكسو جراحه بابتسامةٍ باردة تُضلل من يراه
تيقن ان المال يحفظ المستقبل، لكنه لا يصنع حياة، ولا يُعيد طفولةً سُرقت قبل أن تبدأ !!!!!
............
كان سليم أدهم الجارحي يجلس برفقة شدوى في منزله الخاص، بعيدًا عن صخب قصر العائلة وضوضاءها، يستمتع بالهدوء الذي اعتاد اللجوء إليه حين يريد الانفصال عن عالمه المزدحم
انتهيا لتوهما من توقيع عقد الزواج العرفي، لم تمضي لحظات حتى طوى سليم الورقتين ووضعهما في جيب سترته ببرود
راقبت شدوى ما حدث، شعرت بالصدمة تتسلل إلى ملامح وجهها، وقالت بسرعة :
انت ليه خدت الورقتين؟
ابتسم سليم بسخرية لاذعة، نظر إليها بعينين ثاقبتين وقال بتهكم :
وتاخديهم انتي ليه؟
ثم أضاف بنبرة مليئة بالمكر والثقة :
لا تكوني ناوية تعملي بيهم حاجة
ارتبكت شدوى تحت وطأة نظرته الحادة، وقالت بتوتر :
لا هعمل بيهم إيه يعني؟
ابتسم بزاوية شفتيه، ابتسامة باردة مشوبة بالاحتقار، وقال ببرود واستهزاء :
خلاص، يبقى مالكيش دعوة، الورق ده هيتقطع في الوقت اللي أنا اختاره
شعرت شدوى بالغيظ والاختناق من تصرفاته، لكنها لم تستسلم، اقتربت منه بخطوات محسوبة، وضعت يدها على صدره بإغراء مصطنع، وقالت بدلال :
انت مش بتثق فيا يا روحي؟
ضحك سليم بسخرية، وكأن كلماتها لم تؤثر فيه، ثم رد ببرود :
اثق فيكي بتاع ايه، كنتي من بقية أهلي، الورقة اللي بيني وبينك تتقطع في ثانية لو أنا حبيت، ده كان اتفاقنا من البداية، شكلك مستنية اكتر و.....شوفتي نفسك
حاولت شدوى الدفاع عن نفسها، لكنه قاطعها بصرامة :
خلاصة الكلام، لو فضلت تصرفاتك كده، الورقتين هيتقطعوا وتغوري في داهية، أنا مش ماسك فيكي….هتغوري هيجي مكانك الف، ويتمنوا
شعرت شدوى بالتهديد وكأن عالمها ينهار، حاولت تبرير موقفها :
انا مش قصدي......
زفر سليم بضيق، مقاطعًا إياها بملل :
خلصنا مش هنقضيها كلام فاضي
أومأت شدوى برأسها محاولة استعادة زمام الأمور، وجلست على قدمه بحركة دلال مغرية، وبدأت تفك أزرار قميصه واحدة تلو الأخرى، قائلة بصوت ناعم :
عندك حق، مش وقته كلام، خلينا في الفعل !!!
كان جريئة بشكل فاق توقعاته، كان مندهشًا من جرأتها، شعر بالمتعة، لكن شيئًا ما في داخله يقاوم هذه اللحظة
بعد فترة، ارتمى على ظهره ملتقطًا أنفاسه بصعوبة وقال :
طلعتي خبرة
ضحكت شدوى بغنج وقالت :
طب ويا ترى عجبنا الباشا
أشعل سليم سيجارة، نفث دخانها ببرود وقال كاذبًا :
مش بطالة
رسمت شدوى ابتسامة خفيفة، لكن عينيها اشتعلتا بالغضب والتحدي، وقالت بدلال :
المرة الجاية بشرفي هخليك تنسى اسمك
ضحك سليم بتهكم وقال :
أما نشوف، بس لما تيجي المرة الجاية احلفي بحاجة اشرف عشان اصدق
ألقى لها كومة من النقود بلامبالاة، وأمرها أن تغادر، جمعت شدوى المال سريعًا وغادرت دون تردد، بمجرد خروجها، اتصلت بأحد الأرقام، صوتها مشتعل بالغيظ وهي تقول :
ده بني آدم لا يُطاق، مسكت نفسي بالعافية....
قاطعها الصوت من الطرف الآخر بصرامة :
اخرسي بلاش رغي كتير، مستفز زبالة زي ما يكون يكون اعملي اللي مطلوب منك وخلاص وزي ما قولتلك مرة ورا مرة وبعدها يكون موجود في بيتك
حاولت أن ترد، لكن المكالمة انتهت بصوت صفير زاد من غضبها زمت شفتيها قائلة بغضب مكتوم :
شايفين نفسهم على إيه، أنا أشرف منهم بكتير المهم آخد الفلوس واخلع منهم
ركبت سيارة الأجرة متجهة إلى بيتها الجديد، حيث فوجئت بشقيقتها فيروز جالسة على حقيبة سفر كبيرة، ما ان رأتها فيروز قالت بضيق :
شدوى، كنتي فين، انا مستنياكي من الصبح
نظرت لها شدوى ببرود وقالت بزهول :
ايه اللي جابك يا فيروز، مش قولتي هتستقري في البلد
أجابتها فيروز بغضب :
مش هنتكلم ع الباب دخلي الأول كلك نظر
فتحت شدوى الباب ودخلت فيروز خلفها، فقالت شدوى بفظاظة :
يلا لخصي قولي اللي عندك عاوزة أنام، وانتي تشوفي حالك !!!
ردت عليها فيروز بضيق :
مش رايحة في مكان، اجاية قعد معاك
صدمت شدوى، فصرخت عليها بحدة :
يعني ايه تعيشي معايا، كنت خلفتك ونسيتك
زفرت فيروز بغضب، وقالت :
لمي لسانك، انا هنا عشان بسلامتك بيعتي شقة امنا، واللي المفروض تتقسم بالعدل علينا
ردت عليها شدوى بتهكم :
اثبتي ده لو تقدري الشقة كانت باسمي، يعني مالكيش عندي حاجة، يلا بقى امشي من غير مطرود
صمتت فيروز، ثم قالت بتحدي :
مش هيحصل، انتي عارفة إني مش هعرف أثبت، بس أقدر أعمل حاجات تانية
نظرت لها شدوى باستهزاء، بينما تابعت فيروز ببرود :
مثلاً، ممكن أروح لخلانك وأقولهم إنتي فين و طبعاً دول بقالهم سنتين بيدوروا عليكي، وأنا اللي ساكتة ومقولتش مكانك عشان محدش منهم يأذيكي بس ممكن اتكلم عادي وانتي عارفة اني خلاص مبقتش باقية عليكي ولا تهميني في حاجة ولولا ان محتاجة ليكي ولا كنت عبرتك!!!!!
صمتت شدوى وهي تحدق فيها بغضب، فأنهت فيروز كلامها قائلة :
فكري في الموضوع أنا مش عاوزة حاجة منك، ولا عاوزة يكون لي صلة بيكي....كنتي أختي حبيبتي، لحد ما طعنتيني في ضهري وسرقتي خطيبي مني دلوقتي مابقتيش فارقة معايا، ولا حتى طايقة اتنفس جنبك
نظرت شدوى إليها بغضب وقالت بحنق :
طالما مش طيقاني، جاية ليه
تنهدت فيروز، وهي تحاول ضبط أعصابها، وقالت بغضب مكبوت :
قولتلك مجبورة، الفلوس اللي معايا مش مكفية حتى ايجار أوضة، فهقعد معاكي أسبوعين لحد ما القي بيت أو حتى أوضة أعيش فيها المهم بعيد عنك
سألتها شدوى بفضول :
سيبتي البلد ليه من اصله؟
نظرت لها فيروز ببرود، وقالت :
ما يخصكيش!!!!
صمتت شدوى بغيظ، بينما تابعت فيروز بتحدي :
قولتي إيه؟ أروح أبلغ خلانك، ولا تقوليلي فين الأوضة بتاعتي
دخلت شدوى إلى غرفتها غاضبة، وصفعت الباب بقوة وبعد لحظات، سمعت صوت تكسير زجاج، لتبتسم فيروز ابتسامة شامتة، ثم قالت بصوت عالٍ لتسمعها من الداخل :
وماله، اختارها أنا !!!!
...........
كان أوس يجلس في غرفته، يراقب من خلف زجاج النافذة أبناءه الثلاثة وهم يجلسون معًا في حديقة القصر، أيديهم تعبث في العشب الأخضر بشرود، بينما قلبه يئن وجعًا، وملامحه تخفي وراءها حزنًا عميقًا، كانت تلك اللحظات تجره قسرًا إلى حديثه مع عشق في الصباح، حديث ما زال يثقل صدره كحجرٍ لا يزاح
كان صوتها يخترق صمته ببطء، محملًا بما لم يكن مستعدًا لسماعه، قالت جملة جمدت الدم في عروقه، فكررها غير مصدق :
حمزة طلب يتجوزك؟!
أومأت بحزن، فغاص أكثر في دهشته يسألها بصدمة :
امتى، إيه اللي حصل بالضبط؟
تنفست عشق بصعوبة، كأن الكلمات تتسرب مع أنفاسها المثقلة :
اللي حصل يا خالو إن حمزة اعترفلي من شهور إنه بيحبني وعايز يتجوزني، وأنا رفضت !!
سألها ببطيء :
رفضتي ليه؟!
أطرقت بعينيها، وكأن كل ما في داخلها حمل ثقيل :
لأني عارفة مشاعر مالك ناحيتي، وماكنتش عايزة أزرع كره بين الاخوات، ولا أجرح حد فيهم، وماكنتش عايزة علاقتنا بحضرتك أو بطنط مهرة تتوتر أكتر، خصوصًا بعد اللي حصل بين ليلى ويوسف، أقل كلمة ممكن طنط مهرة تقولها إني عملت كده عشان أفرّق بين الأخين، ده غير إني خوفت علاقتك أنت وماما كمان تتأثر
تأملها أوس بنظرة صارمة، وقال بصوتٍ قوي :
أولًا، علاقتي بحياة عمرها ما هتتأثر بحاجة، دي أختي قبل ما تكون أمكم، ومش بعد السنين دي كلها هتتهز عشانكم، أنتم حاجة، وهي حاجة تانية يا عشق
أومأت برأسها في صمت، فتابع بجدية :
طب هما اختاروا عاوزين مين، انتي بقى عاوزة مين فيهم، حمزة ولا مالك؟!
أخفضت وجهها، وصوتها خرج مليئًا بالحزن :
الإجابة مش هتفرق في حاجة
حرك رأسه نافيًا بقوة :
لأ، هتفرق
ساد الصمت، كأن اللحظة كلها تجمدت، وفي غياب كلماتها، خرجت الإجابة من فمه، وكأنه يقرأ ما بداخلها :
مالك، مش كده
طال صمتها الموجوع، قبل أن تحرك رأسها بالإيجاب، لحظتها شعر أوس بحيرة تمزق قلبه، كيف يتدخل بين أبنائه؟! حمزة ومالك، كلاهما وقع في حب ابنة شقيقته، وأي خطوة منه قد تُفهم على أنها انحياز لأحدهما على الآخر
أما مهرة، التي ازدادت تصرفاتها حدة في الآونة الأخيرة، فكانت تزيد النار اشتعالًا، بدلًا من أن تُطفئها بداخله !!!!
تساءل في نفسه لِمَ لا تدوم السعادة؟
أم أن الحياة لا تعرف إلا تقلبات موجعة، لحظات تمنحك حلاوة الأيام، وأخرى تجرعك مرارة لم تظن يومًا أنها موجودة
اليوم، يشعر أن الحزن صار مكتوبًا على جبين أبنائه
بدءًا من صغيرته المدللة، التي اقتحم الحزن قلبها البريء مبكرًا جدًا، بسبب من لا يستحق "يوسف"
............
ما إن خطت داخل المطبخ مساءً لتحضير القهوة لزوجها الذي لا يزال منشغلاً بعمله، حتى التقطت أذناها صوت بكاء يأتي من الغرفة المجاورة، تلك الغرفة التي تمكث بها غنوة !!!
تملكتها الحيرة والقلق، فاقتربت بحذر من الباب الذي لم يكن مغلقًا بالكامل دفعته برفق، خائفة أن تكون غنوة مريضة لكن المفاجأة ان غنوة كانت جالسة على الفراش، وجهها مدفون بين ركبتيها، جسدها يرتجف بشدة من الألم، ودموعها تتساقط بحرقة كان بكاؤها يعبر عن قهرٍ دفين
اقتربت منها بحنان، تسألها بصوت مليء بالقلق :
مالك يا غنوة، بتعيطي ليه؟!!
انتفضت غنوة من مكانها بسرعة، تحاول إخفاء دموعها، وأجابت بحرج :
مفيش حاجة يا هانم، كنت بس بقطع بصل وعيني حرقتني
ضحكت حياة بهدوء وجلست على الفراش بجوارها، تعلم انها تكذب، فكذبتها ضعيفة جدًا :
مش شامة ريحة بصل، وبعدين المطبخ فيه مفرمة بصل، يعني عينك مش هتوجعك
خفضت غنوة وجهها بحرج، فجذبتها حياة برفق لتجلس بجانبها، وسألتها مجددًا :
مالك حد من اللي في البيت زعلك
حركت غنوة رأسها نافية، فابتسمت حياة بمرح وهي تحاول أن تكسر الحاجز بينهما :
طب لو عايزة تتكلمي براحتك، أنا بسمع من هنا وبطلع من هنا، اتكلمي براحتك كأنك بتكلمي نفسك
كأن تلك الكلمات كانت الإشارة التي تنتظرها غنوة، فقد أجهشت بالبكاء، وكأن كل الألم الذي كانت تخبئه انفجر دفعة واحدة :
بابا طردني من البيت عشانها....مراته اتهمتني بسرقة دهبها، وهو صدقها، صدقها هي ومصدقنيش حاولت أقوله إني ما عملتش حاجة، لكنه طردني، قالي روحي لخالتك أو روحي في داهية مش عايز يشوف وشي تاني
كانت دموعها تتساقط بغزارة، وحياة تستمع لها بحزن عميق فتابعت غنوة بصوتٍ مكسور :
مراته من أول ما اتجوزها، وأنا عندي عشر سنين، وهي مورياني الويل، ضرب، وشتيمة، وكل حاجة حتى
خلت بابا يقعدني من المدرسة وينزلني أشتغل دي بتاخد مرتبي كل شهر، وما اتكلمتش ساعات كانت بتسرق فلوس من محفظتي وأنا بسكت لكن لما اتهمتني بسرقة الدهب اللي هو في الأصل دهب أمي الله يرحمها، حسيت اني ما عدتش قادرة أتحمل
شهقت من البكاء قبل أن تضيف :
بابا عمره ما دافع عني كل مرة تمد إيدها عليا، كنت بستناه يتكلم، يقولها كفاية، لكنه ساكت ولما حصلت المشكلة الأخيرة، لقيته أخيرًا بيحوشها عني، فرحت، قولت أخيرًا هيتكلم، لكن كلامه كان أصعب من ضربها ليا، اتكلم وياريت ما اتكلم
كانت غنوة تبكي بحرقة، ولم تستطع إكمال حديثها عندها نظرت حياة إليها بعيون ملؤها التعاطف والشجن وكأن ذكريات الماضي بدأت تتدفق إلى عقلها، لتقول بحزن واضح :
غنوة، يمكن مفيش حد في الدنيا دي داق ظلم الأب ومراة الأب زيي، أنا حاسة بكل وجعك، لأني عيشت أصعب منه بكتير
رفعت غنوة عينيها، تستمع بانتباه، وما زالت دموعها تنهمر أكملت حياة حديثها بهدوء :
والدك هو اللي خسران يا غنوة صدقيني، هيجي يوم ويندم على كل لحظة قسى عليكي فيها، اللي حصلك مش نهاية العالم، قدامك حياة طويلة لو فضلتي واقفة مكانك تعيطي، عمرك ما هتبقي حاجة
تنهدت حياة وأكملت بنبرة أكثر حزناً :
مش هقولك تنسي، لأن مفيش حد بينسى ماضيه الماضي جزء مننا، بنتوجع منه اه، لكن بنتعلم منه كتير، لو فضلتي قاعدة تعيطي وتستسلمي للدنيا، هتفضل تلطش فيكي وتوديكي وتجيبك
أومأت غنوة بصمت، بينما الدموع لا تزال تسيل على وجنتيها وفجأة، وجدت نفسها في أحضان حياة التي جذبتها نحوها بحنان، تربت على شعرها برفق حتى هدأت وغفت مكانها
تركتها حياة وغادرت الغرفة وهي تشعر بالشفقة العميقة على غنوة فقد عاشت نفس الوجع من قبل، وتدرك تمامًا كم هو مؤلم ويخنق الروح تعرف شعور الظلم وانكسار القلب
شعرت وهي تنظر إلى غنوة وكأنها ترى نفسها في الماضي، تعيد عيش تلك اللحظات القاسية التي مرت بها، كانت غنوة بالنسبة لها مرآة لما كانت عليه يومًا، مما جعل مشاعرها تختلط بين الحزن والتعاطف !!
لكن خلف الباب، كان مروان قد استمع إلى كل ما دار بينهما، رغم حزنه لما سمع، لم يتوقف عن التساؤل بداخله
ما هو الظلم الذي تعرضت له والدته في الماضي؟!!!!!
.............
داخل شركة جلال الخولي، رجل الأعمال المعروف
كان شقيقه الأصغر فاروق يتحدث عبر الهاتف بنبرة يملؤها التوتر والارتباك كان يشعر بأن الخناق يضيق عليه يوماً بعد يوم، وصوت عمران على الطرف الآخر لم يترك له مجالاً للتنفس
فاروق بلهجة متوترة :
عمران باشا، كل حاجة تحت السيطرة، هانت خلاص ماتقلقش!!!
صاح عمران بغضب :
لأ، لازم أقلق....بقالك قد إيه تقولي هانت، هانت، ومفيش جديد بيحصل، عمال تسحب فلوس، مفيش أي حاجة جديدة حصلت
برر فاروق بقلق :
ما هو يا باشا، جلال محلق جامد على الملف اللي في التصاميم، وكل اللي يخص المشروع ده حتى اجتماعه مع المهندسين بيكون سري جداً، وكلهم مستحيل يغدروا بيه
سخر منه عمران قائلاً بإهانة :
الظاهر إنه مش واثق في أخوه، وعنده حق الصراحة
أحس فاروق بالضيق فقال :
ليه كده بس يا باشا الغلط ده
غضب عمران ونبرة صوته أرعبت فاروق :
اسمع يا فاروق، هما يومين، يا تجيلي بحل، يا أنا هبعت اللي يجيلي بروحك!!!!
لم يستطع فاروق أن يكمل حديثه، فقد أغلق عمران الهاتف في وجهه، فدفعه للحائط بغضب حتى تهشم في تلك اللحظة، دخل هشام ابنه، قائلاً :
في إيه يا بوب متعصب ليه !!
رد فاروق بعصبية :
تصدق إنك معندكش ريحة الدم، عيل، وهتفضل طول عمرك عيل
جلس هشام على الأريكة، قائلاً بضيق :
في إيه ع الصبح، أنا لسه صاحي ملحقتش أعمل مصايب يعني
فاروق بغضب :
عملت إيه؟ عرفت توصل للملف أو التصميم من المهندسين
نفى هشام برأسه قائلاً :
لأ، معرفتش، كلهم عايشين في دور الأمانة والشرف
تمتم فاروق بخوف :
طب والعمل، رقبتي أنا اللي هتطير في الحكاية دي كلها، ده أنا ساحب من عمران فلوس قد كده على حس الملف ده
ردد هشام ببرود وهو يضع قدمه فوق الأخرى :
خلاص رجعهم ليه
صرخ فاروق عليه بغضب :
يا برودك يا أخي، ارجعهم ايه، وانت خليت حيلتي حاجة سهر وزفت شرب كل ليلة، وعزايم وحفلات عربية جديدة، صرفت كل اللي حيلتنا على المنظرة دي بدل ما تحافظ على القرش عشان نأمن لنفسنا مستقبل، عمك مش هنفضل مستغفلينه طول العمر، مسيره يوم يعرف، وشكله أصلاً شاكك فينا عشان كده رافض يكون معايا نسخة من الملف أو فكرة عن اللي جواه حتى
تعالى رنين هاتف هشام بوصول إشعار من أحد رفاقه الموجودين بالحفل، ليجد أن مقطع فيديو مصور ليلة أمس فتحه، وسرعان ما بدأ عقله الخبيث ينسج تلك الخطة التي تؤدي بهلاك شخصين أو ربما أكثر !!!
نظر لوالده قائلاً بمكر :
مش أياد موجود في مصر، وعمي مسكه شغل كمان في الشركة انهاردة
رد عليه فاروق بسخرية وغضب :
تصدق مكنتش عارف
سخر هشام هو الآخر قائلاً بخبث :
أديك عرفت، مش عايز تستغل وجوده
سأله فاروق بعدم فهم :
استغل وجوده في إيه؟!!
رد عليه هشام بمكر وهو يعيد تشغيل الفيديو ويضعه أمام وجه والده :
هقولك بس الأول شوف كده الفيديو ده
سأله فاروق ما إن انتهى من مشاهدة الفيديو :
مين اللي معاه دي و بيرقص معاها كده
هشام بمكر وأخذ الهاتف ليضعه في جيب سترته :
دي صافي....بنت آدم العمري!!
صمت فاروق للحظات قبل أن يتابع كلامه :
المنافس التاني لعمران بعد عمي جلال
زجره فاروق بضيق، ونفاذ صبر قائلاً :
انت عايز تقول إيه، هات من الآخر !!
رد عليه هشام بسخرية :
مش عارف يا بابا، الذكاء اللي عندي ده جبته منين، بس الأكيد إنه مش منك
غضب فاروق قائلاً بحدة :
انطق بدل قسماً بالله لهديك علقة تربيك من أول جديد يا سافل يا اللي مش متربي
زفر هشام قائلاً بضيق :
عندي شرط عشان أتكلم
نظر له فاروق بتوجس، ليتابع هشام قائلاً :
نص المبلغ اللي هتاخده من عمران بعد الخدمة الكبيرة اللي هتقدمها ليه
أجابه فاروق بغضب : موافق، انطق !!!
ابتسم هشام مخرجا أحد سجائره يدخنها ببطء قبل أن يقول بمكر :
هقولك.....وما إن انتهى من حديثه لمعت أعين فاروق بسعادة، ليختم هشام حديثه قائلاً بفخر :
إيه رأيك في دماغ ابنك الماظ، مش كده !!!!!
......
بينما كانت قمر تجلس في قصر الجارحي وحيدة، بعد أن غادر والداها للمطار لاستقبال جدها وجدتها العائدين من أداء مناسك العمرة، شعرت بصمت القصر يحيط بها، لكنه لم يكن قادراً على إسكات الأفكار التي تتنازع في رأسها
كان نوح يسيطر على كل أفكارها، ذلك الحب الذي ربط قلبها به رغم العداوة الغامضة التي تجمع عائلتيهما، عداوة لا يفصح عنها أحد، لا والدها ولا نوح، وكأنها سر دفين ومع ذلك، كانت متأكدة من مشاعره، تعرف أنه يعشقها بقدر ما تحبه، لكن حاجز الرفض الذي تخشى أن تقابله من والدها يقف كالجدار الصلب بينهما
ما أثار ارتباكها أكثر كان طلب نوح الجريء...أن يتزوجا عرفياً لم تكن تتوقع أن يطلب ذلك، وكان تفكيرها مشوشاً حتى شهقت بقوة عندما فتح باب شرفتها فجأة على مصراعيه !!
ظهر نوح أمامها، عينيه تشعان بتلك الجرأة المعتادة، لكن الخوف سيطر على ملامحها دفعت الباب بسرعة وأغلقت الشرفة بلهفة، ثم أسرعت لتغلق باب غرفتها الداخلي استدارت لتواجهه، ونبرة صوتها خافتة مرتعشة :
انت اتجننت يا نوح، بتعمل إيه هنا !!
اقترب منها، أمسك وجهها بين يديه، عينيه مليئتين بالشوق والحب :
وحشتيني أوي يا قمر
ابتسمت بخفة رغم قلقها....وقالت بشيء من الاشتياق والحذر :
وأنت كمان، بس ده جنون، لو حد شافك هنا ممكن تحصل مصيبة !!!
تنهد نوح بعمق، وكان الحزن يرتسم على وجهه :
بإيدك تريحينا، وتقبلي نتجوز ونحط الكل قدام الأمر الواقع هنفضل نتقابل في السر لحد إمتى!!!
جلست قمر على الفراش، عيناها تضطربان بتفكير متردد وخوف مكبوت :
مش عارفة.....بس.....
لم يمهلها وقتاً للتفكير أكثر، جلس بجانبها، نظراته حادة وحزينة وهو يقول :
انتي واثقة فيا يا قمر، واثقة في حبي ليكي، مش كده !!!
أومأت بصمت، فنوح كل عالمها، لكنه استمر في محاولته لإقناعها، بصوتٍ منخفض ونبرة حزينة :
طب إيه اللي مخوفك وافقي، وأنا هخليكي أسعد واحدة في الدنيا، انا محتاجلك قمر
اقترب منها ببطء، كانت عيناه تفيض بالشوق، وهم بتقبيلها، لكنها تحركت مبتعدة بضيق ظاهر في صوتها :
نوح....ابعد !!
كان جوابه مفعماً بالاشتياق الذي يملأ قلبه :
انتي وحشاني اوي
وقفت قمر سريعاً، وقد بدا الضيق جلياً في ملامحها ونبرتها :
كل مرة أقولك، انا مش بحب كده
لكنه لم يتراجع، جذبها مرة أخرى نحوه، ونبرته مزيج من الرغبة والإصرار :
بس أنا بحب كده....وعايزك تكوني قريبة مني !!
ابتعدت عنه مجدداً، الحزن يمزق قلبها، وقالت بصوت مختنق :
اللي بنعمله غلط وحرام
تنهد نوح بضيق، وعينيه ملأهما الإحباط :
قولتلك في إيدك تخليه حلال لما تبقي مراتي وافقي يا قمر، عشان خاطري
صمتت قمر طويلاً، وكأنها في معركة مع نفسها، مشاعرها تتصادم كانت تعرف أن قلبها يميل إليه، لكنه طلب منها قراراً يغير كل شيء نظراته كانت تترقب بفارغ الصبر، ينتظر منها إجابة قد تقلب موازين حياتهما !!!!!!
........
في فيلا بدر الجارحي، كان الليل ساكناً إلا من صوت الرياح الخفيفة التي تلامس النوافذ فجأة، مزق السكون صوت صراخ عالٍ يمزج بين الخوف والذعر انهاط حيااااة !!!!
كان صوت بدر يهز أرجاء المنزل، ليوقظ كل من فيه من نومهم العميق هرع الجميع إلى مصدر الصوت ليجدوا بدر واقفاً عند أسفل الدرج، عينيه مليئة بالرعب والخوف، بينما كانت حياة ملقاة بلا حراك على الأرض !!!!!
كانت فاقدة للوعي تمامًا، ملامح وجهها شاحبة وكأنها فقدت الحياة ركض بدر نحوها، ركع بجانبها، قلبه ينبض بقوة ويداه ترتجفان وهو يحاول أن يوقظها لكن هناك شيء آخر لفت انتباهه ملف بجانبها، ملقي على الأرض التقطها بيده المرتعشة، عيناه تحدقان في الكلمات المدونة عليها قرأ السطور بسرعة، ثم ارتجف جسده وكأنه تلقى ضربة قاضية
لم يستطع أن يتمالك نفسه، سقط من بين يديه وكأنه يحمل وزناً أثقل من كل ما مر به في حياته حدق في وجه حياة الشاحب، وكأن عقله يرفض تصديق ما يقرأ
كانت ملامحه تفيض بالصدمة والألم، قلبه غارق في دوامة من القلق والخوف، لم يتحمل رؤية حب حياته ملقاة هكذا بلا حراك صوته كان خافتاً هذه المرة، مليئاً بالرجاء وهو يتحامل على نفسه و يحملها بين ذراعيه :
حياة...فوقي....فوقي عشان خاطري
باقي أفراد الأسرة اقتربوا بسرعة، لكنهم توقفوا عند رؤية المشهد المروع كانوا عاجزين عن الكلام، كل ما يملكونه هو الصمت المحمل بالأسئلة والخوف !!
يبدو ان الملف يحمل خبراً لم تتحمله حياة، خبراً أفقدها توازنها، وأسقطها على الأرض دون سابق إنذار !!!
.............
اربطوا أحزمة الأمان من البارت الجاي هندخل ع التقيل 🔥 استعدوا للمفاجآت ♥️
مستنية تعليقاتكم وآرائكم يا حلوين ♥️
تفاعلكم بيفرق معايا جدًا، وكل كلمة أو ريفيو بتكتبوه بتخليني متحمسة أنزل أسرع 😚
لو عجبتكم الأحداث شاركوا الرواية مع أصحابكم، يمكن يتحمسوا زيكم وتكبر عيلتنا أكتر 😍
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملة الجزء الاول1 من هناااااااااا
الرواية كاملة الجزء الثاني2 من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق