رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل السادس والأربعون 46بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل السادس والأربعون 46بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ٤٦ ~ هدنة مؤقتة ~
كانت تصارع أمواجٍ عاتية تحيط بها من كل جانب كجدارٍ يفصلها عن الحياة، وصفير الرياح من حولها يهدر كوحشٍ غاضب لا يعرف الرحمة، حاولت أن تسبح لكن جسدها بدا ثقيلا، وكأن قاع البحر يجذبها إليه انتقامًا منها على ذنبٍ لا تعرفه .
فتحت فمها لتصرخ، لتستغيث، غير أنّ الصوت ظل حبيسًا في صدرها.
وفجأة، اخترق السوادَ ضوءٌ خافت، يتراقص وسط الزَبَد كأملٍ بعيد. راحت تحدّق فيه، حتى تبيّن لها وجهٌ كانت قد نسيت ملامحه منذ سنين... وجهٌ لم تعرفه سوى عن طريق صورة وحيدة باهتة كانت تحتفظ بها بين مقتنياتها ولكنها احترقت وتحولت إلى رماد … وجه أمها.
كانت شابة في العشرينات من عمرها، جميلة بملامح ناعمة، تشبهها إلى حدٍ كبير، أخذت تسبح نحوها بلهفة، عيناها تبرقان بخوفٍ ويداها تمتدان نحوها وهي تحاول إغاثتها، بينما تهتف بخوف:
ـ نغم .. امسكي ايديا يا حبيبتي ..
مدت نغم يدها لتمسك بيد والدتها ولكن الماء كان يسحبها أكثر نحو قاعٍ سحيق، بينما الأم تبكي وتصرخ وهي تهتف بكل ما يحمله صوتها من وجع لكي تتشبث نغم بيديها، غير أن نغم كانت تبتعد أكثر كلما ظنت أن والدتها قد أوشكت على إنقاذها .
تتابعت شهقاتها وهي تصارع من أجل البقاء ، ثم بدأ كل شيء يختلط في أذنيها، وبدأ صوت أمها يمتزج بصوتٍ آخر مألوف، حنون، قادم من بعيد:
ـ نغم ، فوقي يا حبيبتي ..
كان الصوت هذه المرة صوت فريد، يخترق عقلها الباطن، يتسلل إلى وعيها من الواقع.
الضوء أخذ يقترب أكثر، الماء بدأ يبتعد، والهواء تسلل من جديد إلى صدرها.
ثمّ أحسّت ببرودةٍ لاذعةٍ على وجهها، جعلتها تتساءل هل تغرق الآن ؟! هل يبتلعها البحر وينتهي أمرها؟
لكنها أدركت بعد لحظات أنّها ليست مياه البحر، بل قطراتٌ ماءٍ كان فريد ينثرها على وجهها بيدٍ مهزوزة .
عيناها ارتجفتا، وملامح أمها بدأت تتلاشى ببطء، لتحلّ مكانها ملامح فريد القلقة، عيناه الدامعتان، وصوته المضطرب وهو يهمس بخوف:
ـ نغم .. حبيبتي انتي سامعاني ؟
فتحت نغم شفتيها بصوتٍ واهنٍ أقرب إلى الهمس:
ـ فريد ..
ـ يا عيون فريد ..
همس بها ملتاعًا وهو يمسك بيدها بقوة، ثم يغمرها بين كفّيه ويدلكهما برفق، كأنّه يحاول أن يبعث فيها الدفء من أنفاسه، ثم ينظر إليها بعينين يملؤهما الذعر والرجاء، وهو يقول:
ـ انتي كويسة ؟! نروح على المستشفى ؟!
هزت رأسها برفض، وهي تغالب دموعها التي انهمرت ببطء، ثم ابتلعت تلك الغصة التي تقف كما الشوكة بحلقها وأخبرته بحسرةٍ :
ـ شفت أمي .. كنت بغرق وهي كانت بتحاول تنقذني، وكل ما كنت بمد لها ايدي علشان أمسك ايديها الموجة كانت تسحبني لجوه أكتر .
تنهد مشفقًا على حالها، ثم ضمها إليه وأخذ يربت على ظهرها برفق. بينما هي تتابع ما رأته وهي تنتحب بلوعةٍ:
ـ تعرف ان دي أول مرة أشوفها ؟! عمري حتى ما حلمت بيها، كنت بفضل أبص في صورتها علشان أحلم بيها أو أتخيلها لكن مكانش بيحصل..
وصمتت لبرهة وهي تتشبث به بقوة أشد، وقالت:
ـ حتى الصورة اللي كانت بقيالي منها راحت لما البيت اتحرق .
شعر وكأن بكاءها وجعًا يسري في عروقه هو الآخر، مرّر يده على شعرها في حنانٍ مرتبك، كأن لمسة واحدة قد تكفي لانتزاع الألم من صدرها.
كان مشفقًا عليها إلى حدٍ يوجعه، يريد أن يواسيها، أن يقول شيئًا يُطفئ نارها، لكنه لم يجد ما يقال... كيف يواسيها وهو يشعر أنه السبب في كل ما تمرّ به؟
هو من اقترح أن ترافقه، وهو من وضعها في مواجهةٍ مع والده لم تكن مستعدّة لها.
بينما هي كانت قد انسلتت من بين ذراعيه وهي تخفض رأسها، فيما أخذ صدى كلمات والده يعيد نفسه في رأسها بلا توقف، مما جعلها تخبئ وجهها بين كفيها كمن يحاول الهروب من شعور الخزي الذي لا ينفك يحطمها برويّة .
كانت تحدق في كفّيها المسندتين على فخذيها، وصوتها يخرج ضعيفًا متقطّعًا، يحمل بين حروفه انكسارًا خفيًا. كانت كل كلمة تنزف منها كاعترافٍ موجع بالعجز، وكل تنهيدةٍ تفضح ما تبقّى من قوتها.
ـ أنا أسفة .. كل مرة بحطك في موقف أصعب من اللي قبله، كل مرة بتسبب لك في مشكلة أبشع من اللي قبلها ..
وابتلعت غصة تشكلت بحلقها، وقالت :
ـ أنا شكلي بقا وحش أوي قدام عيلتك، أكيد كلهم عرفوا وسمعوا الكلام اللي قاله أبوك ..
ـ مش مهم .. ميفرقش معايا حد، ولا كلام حد ..
أجهشت بالبكاء وهي تحيط وجهها بكفيها، وتقول :
ـ للأسف ده مجرد كلام بتقوله لأنك بتحبني، بس لما تقعد مع نفسك وتفكر بالعقل هتلاقي إنه هيفرق وهيفرق جدا كمان .. سالم بيه واضح إنه مش ناوي يسيبنا في حالنا، وهيعمل أي حاجه علشان يبعدني عنك.. وأنا مش هستنى لحد ما يعملك مشكلة تانية أو يتبرى منك زي ما بيقول بسببي ..
ـ نغم.. اسكتي لو سمحتي ..
قالها بنفاذ صبر، بينما هي تمسكت بيده وهي تبكي بلوعةٍ وتقول :
ـ فريد أنا بحبك ..
مد يده يزيل عنها دموعها، وهو يهتف بلوعةٍ أشد:
ـ وأنا بحبك يا نغم ..
ـ وعلشان بحبك مش هسامح نفسي لو اتسببت لك في مشاكل تاني.. أرجوك .. أبوك مش هيسيبنا في حالنا وهيحاربك وهيأذيك، الفيديو اللي معاه ممكن يسربه ويفضحني .. أقسم بالله ما خايفة على شكلي، والله العظيم كل اللي فارق معايا إنت وبس ! مش هتحمل أبدا تتحط في موقف بالبشاعة دي بسببي .. إنت لو فضلت معايا مش هتعرف ترتاح أبدا صدقني
نظر إليها متوجسّا، ينتظر كلماتها التالية، فإذ بها تهتف:
ـ أنا أسفة بس … بس انت متستاهلش كل ده، وأنا مستاهلش إنك تتحمل كل ده علشاني ..
صمتت، أحاطت وجهها بكفيها، وبكت كما لم تبكِ من قبل، حين نطقت باعتذارها، بدا وكأنها تُسقط عن كتفيها حملًا ثقيلًا من الذنب والخوف، وكأنها تُدين نفسها قبل أن يُدينها أحد.
أما هو، فارتجف صدره بحدة، ثم زفر نفسًا عميقًا خرج من أعماقه كصرخةٍ مكتومة، غضبًا منها، ومن نفسه، ومن كل ما قادها لتصدق أن وجودها أصبح عبئًا عليه. حدق فيها بعينين يشتعلان انفعالًا، تلمع فيهما خيبةٌ مريرة، قبل أن يهتف بحدةٍ لم تعهدها منه من قبل:
ـ يعني ايه لو فضلت معاكي ؟! هو انتي عندك اختيارات تانيه ولا إيه ؟
رفعت رأسها نحوه بعينين غارقتين في الدموع، تحدق فيه بنظرةٍ تائهةٍ مرتجفة، فرأته يطالعها بعينين امتزج فيهما الغضب بظلٍّ من التحذير المخيف، ثم ألقى بحدة :
ـ صدقيني لو سمعت كلامك ده تاني يا نغم هفاجئك برد فعل مش هيعجبك والله .. أنا صبري له حدود على فكرة فبلاش تختبري صبري أكتر من كده لأني على أخري.
اتسعت عينا نغم بدهشةٍ خافتة، لم تصدّق للحظة أن فريد يمكن أن يتحدث إليها بهذه الحدة.
نبرته كانت مختلفة، قاسية بشكل لم تعهده منه، حتى نظرته التي طالما وجدت فيها أمانها، بدت الآن غريبة، كأنها لا تعرفها.
ظلت تحدق فيه بصمت، تتشبث بأنفاسها المرتجفة، لا تدري أهو الغضب الذي جعل كلماته جارحة أم الخوف الذي جعلها تصدق أنها السبب في كل هذا.
خفضت رأسها ببطء، وأطرقت عينيها في الأرض، محاولة أن تخفي ارتباكها ووجعها معًا، بينما هو ظلّ يراقبها في عجزٍ تام.
رأى ملامحها المرتبكة، والدموع العالقة على وجنتيها، لكنّه لم يقدر أن يقول شيئًا، وكأن كل الكلمات التي يعرفها خانته في تلك اللحظة.
مدّ يده إلى المقود، واستدار بوجهه عنها، ثم أدار محرك السيارة دون أن ينطق بحرفٍ واحد.
ظل يقود في صمتٍ ثقيل، لا يعرف إلى أين يذهب، ولا ما الذي يحاول الهرب منه؛ منها، أم من نفسه.. أم من مواجهة أطاحت بقلبه، وعقله، وثباته..
كل ما كان يعرفه أنّ داخله كان ينهار ببطء، كأنّ خيوط تماسكه بدأت تتفكك واحدة تلو الأخرى.
لم يعد يحتمل الضجيج في رأسه، ولا ذلك الصراع الخفي بين ما يشعر به وما يظنه صوابًا.
كل تفصيلة صغيرة باتت تثقل صدره، كل فكرة تُنهكه أكثر مما تحتمله روحه.
كان يقود بلا وعي، بعينين زجاجيتين لا تريان سوى الفراغ الممتد أمامه، وكأن الطريق صار مرآة لتيهه الداخلي.
كل ما حوله بدا باهتًا، صامتًا، وكأنه فقد القدرة على الإحساس، لا بالغضب، ولا بالندم، فقط تعبٌ كثيفٌ يسكن أعماقه، يجرّه بهدوء نحو حالةٍ لم يفهمها بعد، لكنه كان يشعر بأنها تبتلعه ببطء.
༺═────────────────═༻
ـ هو إنت مخلفنا غصب عنك ؟!
هتف بها عمر الذي وقف في وجه والده بجسارة يحسد عليها، يطالعه بغضب وازدراء ، منتظرا إجابة والده التي جاءته حادة كطعنة نافذة :
ـ اخرس يالا إنت كمان .
ـ لا مش هخرس !
قالها وهو يتحرك خطوة للأمام باندفاع ثائر، ويقف في مواجهة أبيه مباشرة وهو يتابع بغضب:
ـ مش هخرس.. أنا عايز إجابة .. من فضلك جاوبني، هو إنت خلفتنا غصب عنك ؟! مكنتش عاوز ولاد وأمهاتنا جابونا غصب مثلا ؟! ولا إحنا مش ولادك أصلا وإنت جايبنا من ملجأ علشان تربينا وتلاقي حد تطلع عليه عُقدك وتحط فيه كل ظلمك وجبروتك ؟!! إنت بتعمل معانا كده ليه ؟!
اقترب منه حسن ، همس إليه أن يصمت وهو يحاول أن يبعده عن والده، لكن عمر في لحظة غضب دفع حسن بعيدا عنه وهو يهتف بغيظ :
ـ مش هسكت يا حسن، كفاية سكوت بقا ، هنفضل ساكتين وسايبينه يبيع ويشتري فينا لحد إمتا ؟
ـ سيبه يا حسن !
هتف بها سالم بهدوء مريب، جعل الاثنان يتطلعان نحوه باستغراب خافت، بينما برز صوت سالم بهدوء ورصانة لا تطمئن، وقال :
ـ كمل كلامك يا عمر بيه محدش ماسكك ولا هيسكتك.. بقا مش عاجبك إني ببيع وأشتري فيكم! و إيه كمان ؟
نظر إليه عمر وهتف بغضب عاصف :
ـ وبتحاول تفسد سعادة أي حد فينا وكأننا اعدائك مش ولادك، شفت نسيم مبسوطه مع جوزها بتحاول تقلبها عليها وتكرهها فيه، شفت فريد مبسوط مع نغم بتحاول تخرب حياتهم وعاوز تبعدهم عن بعض بأي طريقة مهما كانت حتى لو هتسجنها، عاوز تسجن مرات إبنك ؟! هو إنت للدرجة دي مفيش في قلبك رحمة ؟! للدرجة دي بتحقد على أي حد سعيد وعايز يعيش في راحة بال ؟ لأنك مش قادر تكون سعيد فبقيت تحقد على أي حد مبسوط وتحاول تخرب فرحته بأي شكل !
ـ كفاية يا عمر !
قالها حسن بغضب مكتوم ولكن عمر نظر إليه بغضب أشد وقال :
ـ لأ مش كفاية .. إنت متعرفش حاجة ولا شفت ربع اللي إحنا شفناه، إنت بقالك شهرين بس محسوب على العيلة مشوفتش في الشهرين دول غير كل حاجة حلوة.. لا اتذليت زي فريد، ولا جالك وسواس قهري زيه.. ولا اتنفيت في أخر الدنيا زي نسيم ، ولا الانسانه اللي إنت بتحبها اتقتلت قدام عنيك زيها، ولا اتجلدت ١٠٠ جلدة زيي بإسم الدين والشرع ..
ونظر إلى والده وهتف بقسوة :
ـ اللي إنت أصلا متعرفش عنهم حاجة !! تعرف إيه إنت عن الدين وشرع ربنا عشان تجلدني ١٠٠ جلدة ؟! إشمعنا حد الزنا اللي طبقته عليا ؟! ولا إنت ما صدقت تلاقي وسيلة تخرج فيها غلك وغضبك وقسوة قلبك وساديتك علينا !!
وقف حسن مأخوذا بما قاله عمر الذي بدا وكأنه وحش وتحرر من معقله للتو ، بينما يتابع :
ـ بذمتك إنت تعرف حاجة عن شرع ربنا ؟! عمرنا شفناك بتصلي؟! عمرك قلت لنا نصلي ؟! عمرك قلت لنا بلاش كذا علشان حرام ؟! أي حاجه غلط عملناها كنت بتعترض عليها مش علشان حرام.. لأ، علشان مينفعش ولاد سالم مرسال يغلطوا، مينفعش نصدر صورة وحشة عن العيلة وعنك، إنت أكتر واحد منافق شفته في حياتي، إنت أسوأ أب في الدنيا .
اندفع حسن نحوه هذه المرة وهو يهتف بنفاذ صبر :
ـ ما كفاية بقا واعمل لك قفلة يا عمر ، متنساش انك واقف قدام أبوك !
نظر إليه عمر بغضب عارم، فاندفع إليه ودفعه بقوة من صدره إلى الخلف، وهو يصرخ بانفعال:
ـ ما تخليك في حالك يا عم انت .. ولا إنت عاوز تثبت له إنك الابن المخلص المطيع على قفانا ؟! لما تبقا تجرب ربع اللي إحنا جربناه وقتها إبقا تعالى قوللي كفاية !
طالعه حسن بذهول، وأخذ يحدق فيه غير مصدقًا ما قاله.
ساد المكان صمت ثقيل لا يُسمع فيه سوى وقع أنفاس متوترة، وبعدها انسحب عمر غاضبًا إلى الداخل بخطى متسارعة تشي بالتمرد والانكسار معًا. صعد إلى غرفته كمن يفرّ من سجنٍ طويل الأمد، ثم ألقى بنفسه وسط فوضى من الذكريات والأشياء المبعثرة، سحب حقيبة كبيرة بدأ يملأها على عجل، كأنه يخشى أن يلحق به أحد ويثنيه عن قراره.
فتح الخزانة بعنف، انتزع منها ملابسه دون أن ينظر إليها، وألقى بها داخل الحقيبة كيفما اتفق. عيناه كانتا تلمعان ببريقٍ مشحونٍ بالغضب والخذلان، ووجهه شاحب كمن أنهكته الحروب النفسية الطويلة.
في تلك اللحظة، انفرج باب الغرفة بسرعة، لتندفع والدته نحوه بخطواتٍ سريعة، ثم ارتمت عليه وضمّته بقوة وهي تقول بصوتٍ مرتجف :
ـ عمر حبيبي، وحشتني أوي.. حمد الله على سلامتك .
لكن عمر لم يبادلها العناق، ابتعد عنها في هدوءٍ بارد، وكأنه انتزع نفسه من بين ذراعيها انتزاعًا. نظر إليها نظرة سريعة، ثم عاد لملء حقيبته في صمتٍ ثقيلٍ أشد قسوة .
تطلعت إليه بقلق وقالت وهي تتبع حركاته بعينين مذعورتين:
ـ إنت بتعمل إيه يا عمر؟! إنت هتسيب الفيلا تاني؟!
ـ أيوه.
ارتجف صوتها وهي تحاول السيطرة على توترها:
ـ وبعدين؟ شايف إن ده الوقت المناسب؟! الواطي اللي اسمه حسن بيكشف نفسه شوية بشوية، وأظن بعد اللي حصل تحت دلوقتي، إنت فهمت حقيقته كويس وبقيت عارف هو بيحاول يعمل إيه!
رفع رأسه نحوها بملامح جامدة وقال بهدوءٍ بارد:
ـ حسن مش بيحاول يعمل حاجة.. ريّحي دماغك.
تراجعت بخطوة للخلف، مذهولة من طريقته ونبرته، وقالت بحنقٍ مكتوم:
ـ أريح دماغي؟! إيه الأسلوب ده يا عمر؟!
ثم تابعت، وقد تلوّن وجهها بالغضب:
ـ هستنى منك إيه وإنت ماشي في ديل الوضيع ده وبتردد وراه كلامه زي البغبغان؟ أكيد هتبقى نسخة طبق الأصل منه!
عندها رفع عمر حاسوبه المحمول، ووضعه في حقيبته بعنفٍ وهو يهتف بغلظةٍ حادة:
ـ حسن مش وضيع.. ومتتكلميش عنه كده تاني.
ثم نظر إليها نظرةً ممتقعة بالازدراء وقال بصرامةٍ قاطعة:
ـ بقولك إيه.. متتدخليش بيني وبين اخواتي لو سمحتي.
تجمدت في مكانها مذهولة، بينما هو يُغلق حقيبته بقوة، يلتقطها ويمسك بالمقبض بثباتٍ متوتر. وقف للحظةٍ يتفحص الغرفة بنظراتٍ سريعة، كأنه يودّعها في صمتٍ يائس، ثم استدار نحو الباب وغادر دون التفات.
نزل الدرج بخطواتٍ متوترة، حتى التقى بحسن في منتصف الطريق. تبادلا نظراتٍ صامتة مشحونة بكل ما لم يُقال.
لم ينبس أحدهما بكلمة، حتى تجاوز عمر أخاه وتابع طريقه نحو الخارج.
خرج من الفيلا بخطواتٍ حازمة، كمن يسير نحو مصيرٍ لا مفر منه، واستقل سيارته، ليقودها بعزمٍ جامح نحو منزل فريد، تاركًا خلفه شروخٌ لا تُرممها الأيام.
༺═────────────────═༻
توقف فريد بسيارته بعد أن سار صامتًا قرابة نصف ساعة، كانت خلالها نغم تراقبه بنظراتٍ متوترة لا تجرؤ على السؤال. فجأة، ضغط فريد على المكابح بعنفٍ، فتوقفت السيارة بحدةٍ جعلت جسديهما يهتزّان، ورفعت نغم رأسها نحوه في ذهولٍ يمتزج بخوفٍ غامض.
التفت إليها فريد بوجهٍ محتقنٍ، وقال بصوتٍ متهدّجٍ من الغضب:
ـ انتي بتعملي فيا كده ليه ؟
تنهدت نغم، ونظرت أمامها في صمتٍ منهك، بينما تابع فريد بصوتٍ يختلط فيه الألم بالعتاب:
ـ هو ده اللي اتفقنا عليه يا نغم ؟! المفروض إن أنا وانتي بنطلع لقدام، مش بنرجع لورا ، عارف إن اللي حصل كان قاسي عليكي. عارف إنك اتحطيتي في مواجهة مش سهلة، لكن مش معنى كده إنك تستلمي بالسهولة دي؟!
ـ فريد أنا ..
قاطَعها بقسوةٍ صادمة:
ـ انتي جبانة يا نغم ..
ارتسمت على وجهها ملامح الضيق، لكنه أومأ مؤكدًا، وصوته يزداد حدة:
ـ ولو فضلتي جبانة كده مش هنتقدم خطوة واحدة .. بل بالعكس ، هنخسر كل اللي وصلنا له .
ثم أكمل، وصوته يزداد توترًا وانفعالًا:
ـ أنا بحبك وانتي عارفة ، وانتي بتحبيني وأنا واثق من كده.. بس الحب لوحده مش كفاية وأنا قلت لك كده مليون مرة .. بس مفيش فايدة ، كل الكلام اللي بقوله بتسمعيه من ودن وتخرجيه من التانية ، وفي أول مواجهة حصلت بتقوليلي طول ما انت معايا مش هترتاح .. وكلام كله خايب وملوش معنى .
ـ بس دي حقيقة !
قالتها بيأس وهي تنظر أمامها بقلة حيلة، وبملامح خاوية من الحياة، عندها انحنى نحوها بغتةً، قبض على معصمها بقوةٍ جعلتها ترتجف، وجبرها أن تلتفت إليه، وقال بنبرةٍ مشتعلة:
ـ وبعدين ؟! المطلوب مني إيه دلوقتي ؟! عاوزة إيه يا نغم وأنا أعملهولك ؟ عايزة تبعدي تاني ؟! معنى كلامك إنك عايزاني أطلقك مثلا ؟!
رمقته بنظرةٍ تفيض بالخذلان، لكنه استمر بانفعالٍ متصاعد:
ـ اتكلمي.. اشمعنى دلوقتي سكتي؟! لو سمحتي اتكلمي لأن أنا حرفيا على أخري ومش عاوز أجي عليكي أكتر من كده ..
انهمرت دموعها، تتساقط بصمتٍ يائسٍ فوق كفيها، بينما هو أشاح وجهه عنها بعصبيةٍ مكتومة، وفتح باب السيارة بعنفٍ حتى دوّى صوت إغلاقه في المكان، صوتٌ اخترقها كالسكين.
نظرت إليه من خلف الزجاج، تراه يتحرك في اضطراب، يضع يديه على خصره ثم يمررها على وجهه، ويمسح مؤخرة عنقه بنفاذ صبرٍ واضح، كأن كل ما فيه يصرخ دون أن ينطق.
فتحت الباب بهدوءٍ متردد، ونزلت، وقفت بجواره تحاول استيعاب هذا الغضب الذي لم تألفه فيه، فالتفت نحوها بنظرةٍ حادةٍ وقال بسخريةٍ جارحة:
ـ أنا دلوقتي بس عرفت ليه المماطلة في إننا منتجوزش .. علشان وقت ما تحبي تديني ضهرك وتمشي تعملي كده زي كل مرة .. مش كدة ؟
هزت رأسها نافية، لكن صوته قاطعها ببرودٍ ساخر:
ـ لأ كده .. وأنا واثق إننا لو مكناش كتبنا الكتاب وبقيتي على ذمتي كان زمانك دلوقتي خدتي القرار وبعدتي.. أساسا انتي أسهل حاجه عندك إنك تهربي، أكتر حاجه بتعرفي تعمليها الانسحاب..
اقترب منها خطوة، وصوته ينكسر بنبرة ألمٍ عميق:
ـ أسهل حاجه انك تسيبي ايديا وتمشي .. زي ما عملتي قبل كده ، وزي ما عملتي النهارده.. كنتي هتسيبي ايديا وتجري .. مع إن انتي ليكي حق فيا ولازم تدافعي عنه، زي ما أنا بدافع عن حقي فيكي طول الوقت .
أطرقت رأسها في صمتٍ خجول، تشعر بأن كلماته تغرس في قلبها خناجر الندم، فتابع بصوتٍ متهدجٍ بالحسرة:
ـ هتدافعي عن حبك ليا إمتا يا نغم ؟! هتقفي جنبي إمتا لو مش هتقفي جنبي في عز ما أنا محتاجك .. ؟!
ـ أنا أسفة .
ـ وأنا مش عايزك تتأسفي يا نغم، أنا عايزك تستوعبي اللي بقوله، عايزك تفهميني وتعرفي إن كل إنسان له طاقة، أنا حاليا عامل زي اللي بيحارب في كذا جبهة، أديكي شايفة انا مطلوب مني أقف على رجليا من جديد في نفس الوقت اللي أبويا بيحاول يهد فيا بكل الطرق، ومش منصف أبدا إنك بدل ما تحاولي تهوني عليا وتسنديني ألاقي نفسي برجع معاكي لنفس النقطة اللي المفروض خلاص إحنا تجاوزناها ..
رن هاتفه في تلك اللحظة ، فانتزع الهاتف من جيبه، نظر فيه ثم أجاب:
ـ نعم يا نسيم .
ـ فريد.. انت كويس ؟!
ـ كويس .. في حاجه ؟
ـ كنت عاوزة أتكلم معاك في موضوع .
ـ اتكلمي أنا سامعك ؟
ـ مش هينفع دلوقتي واضح إنك مش رايق بالمرة ..
زفر بنفاذ صبر قائلا :
ـ اتكلمي يا نسيم ، في إيه ؟
ـ لازم أشوفك، مش هينفع نتكلم في التليفون، خلينا نتقابل في الكافيه اللي جنبي .
أومأ بإيجاز وقال :
ـ طيب .. هشوف هقدر النهارده ولا لأ وهكلمك .. مع السلامه.
أنهى فريد الاتصال، وأسدل يده التي تحمل الهاتف ببطء، ثم رفع نظره إلى نغم في صمتٍ طويلٍ .
كان وجهه شاحبًا، وصوته مختنقًا بالضيق، وكأنه استنفد كل ما بداخله من كلمات. لم يجد ما يمكن أن يضيفه، كل شيء قاله من قبل، وكل محاولةٍ جديدةٍ أصبحت بلا جدوى.
تنهد بتعبٍ واضح، ثم استدار نحو السيارة وقال بحدةٍ منخفضة ونبرةٍ جافةٍ تخلو من أي دفء:
ـ اتفضلي اركبي خليني أوصلك.
تحرك نحو مقعده خلف المقود، بينما تبعته نغم بصمت، جلست إلى جواره متوترة، تراقب ملامحه الجامدة دون أن تجرؤ على الحديث. أدار المحرك بقوة، وانطلق بالسيارة بسرعةٍ تكشف عن اضطرابه أكثر مما تخفيه.
ظل طوال الطريق صامتًا… الأفكار كانت تنهش رأسه كذئابٍ جائعة، تدور بداخله بلا توقف، تجرّه من قلقٍ إلى آخر، ومن غضبٍ إلى حيرة. كان يشعر أنه يغرق في دوامةٍ لا قاع لها، تتلاشى فيها طاقته وكل محاولاته للتماسك.
أما نغم، فكانت تتأمله من طرف عينها بين الحين والآخر، تنوي الحديث ثم تتراجع في اللحظة الأخيرة، تخشى أن تزيد الأمر سوءًا، فتكتفي بالصمت، وصوت قلبها يخفق بندمٍ متلاحق.
حين وصلا إلى المنزل، أبطأ فريد السيارة قليلاً، وفجأة قطب حاجبيه حين لمح سيارة عمر مصطفّة أمام بوابته. زفر بضيقٍ واضح وهو يتدارك على الفور ما حدث، ثم أوقف السيارة جانبًا، وترجل منها دون كلمة.
تبِعته نغم بخطواتٍ بطيئة، واقتربت حتى وقفت أمام عتبة بيتها، تتردّد بين الدخول والحديث إليه، تنظر إليه بأسىٍ وانكسارٍ صامت، ثم اقتربت منه خطوة خافتة وهمست بصوتٍ خافت:
ـ فريد…
ولكنه قاطعها بحزم :
ـ بعدين يا نغم .. اتفضلي ادخلي .
توقف أمامها للحظات، يغالب نفسه كي لا يضعف مجددا أمام تلك العينين الحزينتين، ثم جر خطواته بصعوبة وهو يشير إليها لتدخل منزلها، فانصاعت باستسلام، فدخل بدوره إلى منزله، ليجد عمر ممددا على الأريكة، يسند رأسه إلى ساعده ويحدق في السقف بشرود .
تقدم فريد نحوه، ألقى مفاتيحه إلى الطاولة، ثم أسقط جسده إلى الأريكة بتعب، وأخذ يدلك جسر أنفه بتعب وإرهاق واضح، ثم أسقط رأسه للوراء، وترك كتفاه يرتخيان فيما يشبه الهزيمة، فقال عمر بهدوءٍ كئيب :
ـ أنا اتخانقت مع حسن وسيبت الڤيلا.
ـ ليه ؟!
ـ من غير ليه .. مش عاوز أشوف وشه تاني اصلا .
تنهد فريد بقلة حيلة، بينما تابع عمر قائلا :
ـ وبفكر أشتري بيت جنبك هنا وأعيش فيه، مش هرجع الڤيلا تاني .
أجابه فريد بضيق واضح :
ـ اللي يريحك اعمله يا عمر ..
ونهض يجر خطواته نحو غرفته وهو يتمتم باستسلام:
ـ كل واحد يعمل اللي يريحه من هنا ورايح .
دخل غرفته بخطواتٍ متثاقلة، ثم ألقى بجسده المنهك على السرير، وترك رأسه يستقر على الوسادة دون رغبة في شيء، حتى التفكير صار عبئًا عليه. حدق في الفراغ أمامه بعينين تائهتين في نقطة وهمية لا وجود لها، بينما تدور داخله عشرات الأسئلة التي لا يملك لإحداها جوابًا.
ما الذي يتوجب عليه فعله الآن؟
في أي جهة يبدأ حربه؟
وفي أي طريق سيستهلك ما تبقى من قوته وصبره؟
هل عليه أن يبدأ من جديد ويبني مستقبله حجرًا حجرًا ؟
أم يكرّس نفسه لمجابهة شرور والده التي تتربص به في كل زاوية من حياته؟
هل يواجهه ويتحداه، أم يبحث عن طريقةٍ أذكى، تمنعه من تنفيذ تهديداته ضد نغم؟
تلاحقت أنفاسه وهو يفكر في كل ذلك. إنه الآن يقف على حافةٍ دقيقة بين أن يكون الرجل الذي وعد نغم بأنه سيكون سندها، أو أن يترك نفسه ينهار تحت ثقل كل ما يحمله. هو مطالب بأن يتمسك بها، أن يثبت لها أن حبه أقوى من كل ما يُقال عنها وكل ما يُدبَّر ضدها.
مُطالب بأن يكون الحائط الذي يحميها من بطش والده، وأن يظل صامدًا في وجهه مهما حاول أن يهدّ أركانه.
لكن في المقابل، عليه أن يتحمل عبء تعليمها كيف تواجه الحياة، كيف تتعامل مع قسوتها، كيف تكفّ عن الهروب والاختباء خلف خوفها. عليه أن يصبر على ضعفها، أن يتجاوز قلة حيلتها وافتقارها للخبرة. كل هذا وهو نفسه بالكاد قادر على احتمال ما يمر به.
زفر ببطءٍ، ثم أغمض عينيه بأسى، وكأن العالم كله يُطبق على صدره. يعرف أنها الآن منهارة، تبكي في عزلتها بصمت، لكنها لا تدرك أن هذه الطريقة الوحيدة التي ستتعلم بها.
لا تعرف أن الحياة لا تُبنى على الحب وحده، ولا على الأحلام التي تتغذى على العاطفة.
لا تعرف أن الطريق بينهما لن يكون سهلاً، وأن ظروفهما الملتبسة لا تسمح لهما بالضعف.
لذا عليها أن تتعلم ذلك جيدا، مهما كانت الطريقة، عليها أن تدرك، كما يدرك هو، أنهما سيواجهان الكثير، وأن النجاة ليست لمن يحب أكثر، بل لمن يمتلك الشجاعة كي يحارب للنهاية.
༺═────────────────═༻
بعد قليل ..
كانت نسيم قد تلقت رسالة من فريد أنه سيقابلها بعد قليل في الكافيه المجاور لمنزلها لذا نهضت، وأحضرت ثيابها، وبدأت تستعد لكي تخرج وتلتقيه، لكن، صوت الباب الذي انفرج جعلها تتوقف، حين دخل عاصم بخطوات هادئة ، وفجأة ظهر وهو يحمل في يده باقة من الورود الحمراء ، نظر إليها وهو يتقدم منها، ثم وقف ينظر إليها بهدوء، ثم انحنى وقبّل جبينها وهو يضمها إليه قائلا :
ـ أنا آسف، متزعليش مني .
تنهدت بقلة حيلة وهي تستشعر قربه، بينما هو مد يده إليها بباقة الورد وقال:
ـ بصراحة حسيت إني احتديت عليكي شوية الصبح وانتي متستاهليش مني كده أبدا ، علشان كده قلت أجيبلك ورد وأصالحك .
تنهدت بهدوء وهي تلتقط باقة الورد منه ونظرت إليه قائلة:
ـ ميرسي .. شكلها حلو أوي .
أومأ، فلفت انتباهه ثيابها الموضوعة فوق السرير فقال متحفزًا :
ـ انتي كنتي خارجة ولا إيه ؟!!
نظرت إلى ملابسها بتوتر خافت ، ونظرت إليه وقالت :
ـ أكيد لأ ..
وأخذت تفكر سريعا حتى تذكرت ما قاله لها في الصباح، فقالت :
ـ هو انت مش قلت لي إنك هتخلص شوية شغل وهنخرج نتغدا سوا ؟!!
انبعثت ابتسامته من جديد ، وأومأ وهو يقترب ليطبع قبلة حانية على جبينها، ثم قال :
ـ نسيت إني قلت لك .. على العموم هاخد شاور بسرعة على ما تجهزي .
هزت رأسها بهدوء ، وما إن دلف إلى الحمام حتى أسرعت تلتقط هاتفها، وتقوم بإرسال رسالة إلى فريد، وتخبره فيها أنها مضطرة لتأجيل لقائهما لمرة أخرى .
بعد قليل ، استقلا السيارة وانطلق بها متجهًا نحو أحد المطاعم الفاخرة، ثم قام بطلب قائمة غداء مميزة، بينما هي كانت تلتزم الصمت، مما جعله ينظر إليها ويقول متعجبا :
ـ مالك يا نسيم ؟!
ـ أبدا .. مفيش حاجه.
ـ على فكرة حالتك دي مش مطمناني، خلينا نتغدا ونروح المستشفى .
نظرت إليه وهتفت بحدة:
ـ مستشفى لأ .
فنظر إليها متعجبا وقال :
ـ ليه لأ ؟
ـ ملوش داعي يا عاصم ، أنا كويسة .
ورسمت على محياها ابتسامة هادئة مفتعلة لكي تشتت انتباهه وقالت :
ـ قوللي أخبار الشغل إيه ؟
تنهد وقال :
ـ الشغل تمام .. عندي شغل فوق دماغي ومش عارف هخلصه إمتا ! يمكن أرجع الشركة بعد ما نخلص غدا .
أومأت، ثم نظرت إليه وقالت بانفتاح :
ـ بقوللك إيه يا عاصم، ما تاخدني معاك وانت رايح على الشركة، أنا أقعد في بيتك اللي جنب الشركة وانت تروح تكمل شغلك .. حتى بالمرة أتفرج على البيت بما إني مروحتش هناك قبل كده .
ظهر الاضطراب باديًا على وجه عاصم، وهو يشيح بوجهه قائلا :
ـ لأ مش هينفع ..
ـ ليه ؟!
سألته بتعجب، فقال وهو يجاهد ليُبقي على ثباته :
ـ لأن أيمن موجود هناك ..
قطبت جبينها بتعجب وقالت :
ـ أيمن ؟!!
أومأ موافقا وقال :
ـ أيوة .. لسه راجع من أسبانيا من كم يوم وطلب مني يقعد عندي فترة لأنه بيعمل صيانة في بيته اللي هنا .. يومين ولا حاجة يكون مشي وأخدك أوريكي البيت .
أومأت بلا اقتناع، وحاولت أن تحافظ على ابتسامة هادئة تخفي خلفها اضطرابها الداخلي. بدأت تتناول طعامها ببطء، وهي شاردة الفكر، يغمرها التساؤل عن سبب ذلك التوتر والتردد الواضح عليه، وكل فكرة تخطر في ذهنها تفتح أمامها أبوابًا ونوافذ من الاحتمالات والأسئلة التي لا تنتهي، تجعل قلبها يخفق أسرع وتزيد شعورها بالقلق والارتباك.
بعد ساعة ، وبعد انتهائهم من تناول الغداء ومغادرة المطعم ، استقلا سويًا السيارة، وقام على الفور بالعودة إلى منزلهما، ثم عاد أدراجه إلى الشركة .
أما هي، فبعد أن تأكدت أنه قد عاد إلى الشركة قامت بطلب سيارة أجرة على الفور، وطلبت من السائق أن يوصلها إلى عنوان منزله بجوار الشركة … لا بد أن تفك لغز ذلك المنزل بنفسها.
ظلت طوال الطريق تتأهب، تتخيل المفاجأة التي ستنتظرها، تشعر بقلبها يعتصر من فرط القلق والتوجس.
كانت تتخيل كل الاحتمالات في تلك اللحظة، ولكن أكثر ما طرق عقلها في تلك اللحظة هو احتمال أنه متزوج من إمرأة أخرى ويخفيها في ذلك المنزل ! حيث أنها لم تصدق أبدًا أن أيمن هو من يسكن بالبيت الآن، و إلا فلماذا كل هذا التوتر عندما طلبت منه أن تذهب إلى هناك ؟
بدا الطريق طويلا جدا بالرغم من أنه لم يستغرق سوى نصف ساعة تقريبا، وحين توقفت السيارة أمام المنزل، وفتحت الباب وترجلت، إذ بها تفاجأ بأيمن يغادر المنزل على عجلة، متجهًا نحو الشركة على الفور .
حينها أغلقت الباب فورا قبل أن يلاحظها أيمن، أخفضت رأسها قليلا داخل السيارة وهي تشعر بأنفاسها المتلاحقة تهدأ، ونبضها الثائر يستقر، وارتسمت على جانب شفتيها ابتسامة هادئة، ثم نظرت إلى السائق وقالت بهدوء:
ـ خلاص اتحرك لو سمحت .. هترجعني على نفس العنوان اللي جبتني منه .
أدار السائق المحرك على الفور، وعاد أدراجه، بينما هي أحاطت بطنها بابتسامة واسعة متألقة، وأسندت ظهرها بارتياح شديد .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان عاصم يجلس في مكتبه، تحيط به كومة من الملفات التي يُقلبها بعقل غارق في التفكير، حين طُرق الباب بهدوء، ودخل أيمن بخطوات مترددة.
رفع عاصم رأسه نحوه، فابتسم أيمن وقال بنبرة معتادة:
ـ كله تمام يا بوص.
أغلق عاصم الملف بين يديه وسأله مباشرة:
ـ ها، جبت لها كل الطلبات؟
أومأ أيمن وهو يجلس أمامه قائلاً:
ـ أيوه، بس لسه مش فاهم ليه نقلتهم من الفندق لبيتك؟
أسند عاصم ظهره للمقعد، وأجاب بنبرة محسوبة:
ـ لأني لسه مش لاقي الوقت المناسب للخطوة الأخيرة.. لازم أختار التوقيت الصح، لما أكون متأكد إن الضربة هتوجع بجد، وتسيب الصدى المطلوب.
تأمل أيمن ملامحه لحظة، ثم قال بابتسامة جانبية:
ـ تقصد إنك بتستنى اللحظة اللي تضرب فيها الضربة القاضية؟
ارتفع حاجبا عاصم وهو يجيبه بثقة هادئة:
ـ بالضبط.. خبر بالحجم ده ما يتحرقش كده ببساطة. لازم يطلع في الوقت اللي يعمل دوشة، يخلق فوضى، ويخلي الناس كلها تتكلم عن فضيحة عائلة مرسال والابن الغير شرعي.
ثم ضيّق عاصم عينيه، كمن يرسم في خياله مشهد النهاية، وهمس بصوت بارد يقطر مكرًا:
ـ على العموم.. هانت. حاسس إن فريد هيعمل فرحه قريب، وساعتها ممكن نفجر المفاجأة... يمكن يومها، ويمكن قبلها بشوية. لسه التوقيت مش واضح.
زفر أيمن تنهيدة خافتة وقال بتحفظ:
ـ طيب، إنت أدرى. بس قولي، إيه أخبار سالم مرسال؟
ارتسمت على وجه عاصم ابتسامة داكنة، وقال بثقة قاتمة:
ـ سالم اليومين دول عايش في وهم... فاكر إن صحته بتتحسن، وإنه هيقوم منها زي كل مرة، وهو مش عارف إنها مجرد هدنة مؤقتة. الهدف منها إنه يكون صاحي وواعي وفايق علشان يقدر يتلقى الصدمات اللي هياخدها الفترة الجاية وهو مصحصح ومركز.. وبعدها... هقضي عليه.
تجهم وجه أيمن وقال بقلق:
ـ تقضي عليه؟! يعني ناوي تقتله؟!
حرّك عاصم عينيه نحوه ببطء، وأجاب وهو يطرق بالقلم على سطح المكتب:
ـ مش بالظبط...
ثم رمق صورة حازم الموضوعة أمامه على المكتب، فخفت صوته وهو يقول بنبرة ممتزجة بالحنق والمرارة:
ـ الموت بالنسباله راحة، وأنا مش ناوي أريحه. لازم يحيى ويموت كل يوم، لحد ما يتمنى الموت علشان يرتاح من الذل اللي هيشوفه.
ظل أيمن ينظر إليه بعينين يغمرهما الأسى، قبل أن يسأله بصوت حذر:
ـ ونسيم؟
في تلك اللحظة، خفت بريق القوة في ملامح عاصم، وارتخى كتفاه كأن شيئًا ثقيلًا سقط داخله، وقال بصوت مبحوح يغلفه الأسف:
ـ نسيم... برا كل ده. أيًا كان اللي بيني وبين أهلها، هي بالنسبالي في كفة لوحدها. وهي عارفة كده كويس.
هزّ أيمن رأسه بعدم تصديق وقال:
ـ إزاي بس؟! يعني إنت متخيل إنها لو عرفت إنك السبب في اللي حصل لأبوها ممكن تسامحك؟!
أطرق عاصم للحظة، ثم رفع عينيه بعناد يائس وقال:
ـ لازم تسامحني... لو لسه فاكرة حاجة حلوة واحدة عملها حازم علشانها، لازم تسامحني. أنا متأكد إنها زَيّي وأكتر، عايزة تاخد حقه... بس مش قادرة.
ظل أيمن ينظر إليه مطولًا، يشعر أن كلمات عاصم ليست يقينًا، بل محاولة يائسة لإقناع نفسه بما يتمنى أن يكون حقيقة.
ثم نهض، وهو ينظر إليه ويقول بنبرة جادة :
ـ أنا مليش الحق أتدخل وأقوللك تعمل إيه ومتعملش إيه، بس حبي لحازم الله يرحمه ، وإحساسي بالمسؤولية تجاهك وحق الأخوة والعيش والملح اللي بيننا بيحتم عليا أنصحك.. الحي أبقى من الميت يا عاصم .
نظر إليه عاصم مذهولا، وهتف بحنق :
ـ إزاي بتقول كده يا أيمن ؟! أنت اللي بتقول كده ؟!
ـ أيوة يا عاصم.. حازم الله يرحمه كان نصي التاني، لكن بردو .. إنت زي أخويا، وعلشان كده بقولك أرجوك كفاية.. إنت انتقمت منهم بما فيه الكفاية ، أخدت شركات فريد، ونجحت في موضوع الولد .. وبالفعل اتسببت في ان سالم مرسال يتشل ، كفاية .. كل ده ممكن يعدي ومحدش ياخد باله انك وراه، بس محدش ضامن إيه اللي جاي بعدين.. لو استمريت في موضوع الدوا اللي بتحطه احلام لسالم ممكن الموضوع ينكشف، يا هي تغلط وتجيب لنا مصيبة ، يا سالم يموت وساعتها نسيم مش هتسامحك أبدا وهتخسرها للأبد .
لم يدرِ عاصم على الفور كيف يرد؛ لم يرَ في كلمات أيمن سوى إصرارٍ على منعه من الاستمرار. ربما لم يشأ أن يستمع، أو ربما كان الصوت داخله أقوى من كل نصيحة؛ ففي أعماقه رغبة في الوصول للذة الانتقام الكبرى، ورغبةٌ في إتمام ما بدأه، مهما كان الثمن.
نظر إلى أيمن بهدوء، وهتف باقتضاب :
ـ متقلقش يا أيمن، أنا عارف هعمل إيه كويس.
كان أيمن يعلمُ جيّدًا أنه ينهِي الحوار في تلك اللحظة لئلا يتمادى أيمن أكثر، فلقد رأى في عينيه عزيمة لا تتحطم بالكلام، ورأى في صمته استسلامًا لِمَكره الخاص، لم يكن في نبرة صوته وعدٌ بالاستجابة، لكن أيمن التقط فيها ما يكفي من خيبةٍ ليدرك أنه لا يمكنه الآن سوى المراقبة.. فأومأ موافقًا، ثم نهض، ونظر إليه وقال:
ـ تمام.. اللي تشوفه .
وغادر المكتب بصمت، أما عاصم فبقي صامتًا، أسقط رأسه للوراء وأخذ يتحرك بمقعده ببطء شديد، وعيناه شاردتان نحو سقف الغرفة ، وكفيه تقبضان بقوة على حافة المكتب كما لو كان يقبض على قرارٍ لا يريد أن يطلقه بعد.
بعد لحظاتٍ قاتمة، قضاها عاصم في التفكير في خطواته القادمة ، رفع رأسه ونظر إلى صورة حازم، ثم التقطها وأخذ يحدق فيها بصمت، يتأمله وكأن صورته مرآة تُعيد له ما عجز عن قوله، فيما انعكست على زجاجها نظرة رجلٍ لم يعُد يعرف أين تقف حدود انتقامه، ولا إلى أين سيقوده الطريق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان حسن يجلس في شرفة غرفته، يسترجع كل ما قاله عمر وهو يشعر بكلماته تطعنه في مقتل، ثم يعود ويسترجع ما قاله والده عن نغم، فيشتد ضيقه ويجتاح صدره بقوة..
كان غاضبًا من نفسه، ناقمًا عليها، يشعر برغبة عارمة في ضرب رأسه بالحائط حتى يهدأ .. كلما تذكر تلك الحالة التي كانت تبدو عليها نغم.. مذعورة، خائفة، خجلى، تفاقم غضبه من جديد حتى شعر بالنيران تلتهم صدره دون هوادة.
أخذ يفكر ويفكر … وفي النهاية ، اهتدى عقله إلى حل جذري ، سيخلص الجميع من تلك الأزمة، وسينهي مشكلة نغم من جذورها.
غادر غرفته، عازمًا على تنفيذ ما خطر بباله للتو، ولكن هاتفه حين رن جعله يتراجع، نظر إلى الرقم غير المسجل، ثم أجاب قائلا :
ـ ألو ..
ولكن صدمته كانت شديدة جدا عندما استمع إلى صوت فريد يقول :
ـ أنا فريد يا حسن .
ارتبك، اضطربت أنفاسه قليلا، وقال مسرعًا :
ـ أيوة يا فريد .. ازيك ؟
ـ أنا كويس .. كنت عاوز أقعد معاك ، تقدر تجيلي البيت ولا أجيلك أنا أي مكان ؟!
أجابه حسن على الفور :
ـ ماشي مفيش مشكلة .. شوية وهكون عندك .
ـ تمام .. في انتظارك .
أنهى حسن الاتصال ، وعلى الفور استقل سيارته وقطع طريقه نحو منزل فريد يقود سيارته على أعلى سرعة … !
بعد نصف ساعة ، كان قد وصل إلى منزل فريد، ترجل مسرعا وطرق الباب فتوجه فريد نحو الباب ليفتحه، بعد أن ألقى نظرة على عمر الذي لا زال يلتزم مكانه، يتابع مباراة كرة قدم لفريق برشلونة الإسباني .
أدار فريد المقبض بهدوء ، وفتح الباب، فظهر حسن ..
تصافحا بابتسامة هادئة للغاية، ثم دعاه فريد للدخول، فدخل حسن وهو يتطلع حوله بإعجاب، ثم قال :
ـ بسم الله ماشاء الله.. بيتك شبهك .
ابتسم فريد وهو يسير رفقته للداخل وقال :
ـ شبهي إزاي ؟
ابتسم حسن وهو يدس يده في جيبه ويقول :
ـ منظم وهادي .. تحسه إبن ناس كده .
ضحك فريد رغما عنه، بالرغم من أن حالته لا تسمح بالضحك إطلاقا، ودعا حسن إلى غرفة الجلوس، فدخل رفقته، وما إن دخل وتقابل حسن بعمر حتى أخذا ينظرا إلى بعضهما البعض بصمت، وكلٌ منهما يرمق الآخر بعتاب صريح، فقال فريد :
ـ واضح إنكم شديتوا مع بعض .. الحقيقة أنا مش عارف إيه اللي حصل بعد ما مشيت بس الظاهر إن حصل كتير .
نظر حسن إلى عمر وقال بهدوء وهو يشيح عنه بناظريه:
ـ ولا حصل ولا وصل ..
التزم عمر الصمت بدوره، فتنهد فريد ثم قال :
ـ طيب اتفضل اقعد يا حسن .. تحب تشرب إيه ؟
ـ متشكر .. مش عاوز أشرب حاجة .
ـ هعملك قهوة ..
قالها دون جدال، واتجه نحو ماكينة القهوة وقام بإعداد ثااثة أقداح من القهوة، ثم عاد إلى حيث يجلسون.
وضع أمام كلا منهم قدحه الخاص، ثم جلس أمامهما، وقال :
ـ الحقيقة يا حسن أنا طلبت منك تيجي النهارده علشان نتكلم ، لازم أفهم منك ايه اللي وصل حالته لكده ؟! أقصد .. أبونا يعني ..
قال الأخيرة بإيجاز شديد، وكأنه ينطقها على مضض، فتنهد حسن، ثم قال :
ـ هو اتحسن كتير على فكرة.. حالته كانت اتدهورت جدا الفترة الأخيرة، من بعد ما إنت سافرت .. بدأت حالته تسوء.. بقا عصبي جدا وكل حاجة ينفعل عليها.. ده غير إنه كان بينسى حاجات كتير ويلخبط في حاجات أكتر .. كل ده وأنا مش عارف ولا فاهم هو إيه اللي بيحصل له بالظبط .. لحد ما وقع فجأة اتشل .. !
أسقط رأسه بندم، وقال :
ـ أنا السبب .. !!
نظر كلا من عمر وفريد إلى بعضهما البعض بتعجب، وسأله فريد:
ـ إنت السبب إزاي يعني ؟!
تنهد حسن ثم قال :
ـ أنا اللي قسيت عليه و قلت له كلام كتير خلاه يتأثر بالشكل ده ..
ونظر إلى عمر وقال :.
ـ قلت له نفس اللي إنت قلته النهارده يا عمر .. قلت له إنت إنسان ظالم، قلت له يا ريتك ما كنت أبويا .. !! عرفت ليه يا عمر أنا كنت عاوز اسكتك بأي شكل ؟ مش علشان أبان إني الابن المطيع زي ما انت قلت .. كنت عاوز اسكتك علشان اللي حصل ميتكررش وحالته تسوء بزيادة ..
اهتزت حدقتا عمر بارتباك ، وأشاح بنظرة شبه نادمة، بينما كان فريد يراقب مل حرف ينطق به حسن ويحلله ويدققه جيدا، ثم تسائل :
ـ مش فاهم .. ليه الأمور بينكم توصل لإنك تقولله كده ؟!!
تنهد حسن بضيق، لم يرغب أن تأتي تلك اللحظة أبدا، ولكن فريد على ما يبدو لن يتراجع ..
ـ اتكلم لو سمحت يا حسن.. أظن إحنا التلاته دلوقتي لازم نكون إيد واحدة علشان الجاي م سهل علينا كلنا .
كلماته أشعرت حسن بالحماس..
لن يكون أحمقًا إن اعترف أنها كذلك أشعرته بالفرحة ..
" نحن " كلمة اشتاق لسماعها خاصة من فريد ، تاق كثيرا أن يجد ذلك الترحاب في نبرته وفي نظراته ، وهذا ما شجعه بالفعل، وجعله ينقل بصره بينهما بتمهل، ثم قال :
ـ لأني اكتشفت يومها إن زينب تبقا …
صمت وهو يسترجع تلك اللحظة بحسرة، فهتف عمر على الفور:
ـ مراته !!!!
و أطلق سبة معترضة وهو يتابع :
ـ أقسم بالله كنت شاكك فيهم هما الاتنين .. يا بنت الإيه يا زينب !!
ـ أخته !
حينها تشردق فريد الذي كان يحتسي قهوته بهدوء، وتوقفت بحلقه فأخذ يسعل بقوة، وهو ينظر إلى حسن الذي لا تشي نبرته ولا نظراته بالمزاح أبدا .
ـ أخته ؟!
تسائل عمر ببرود أبله !! فأومأ حسن مؤكدا وقال :
ـ أيوة … زينب تبقا عمتنا .
أخذ فريد يحدق فيه بذهول، عيناه ثابتتان ، لا يرف جفناه، ولا يلتقط أنفاسه بصورة صحيحة .. ينتظر أن يكمل حسن ويخبره أي شيء ينفي تلك الأضحوكة ! ولكن حسن بدلا من ذلك ، تابع وقال :
ـ زينب عمتنا ، أبوها عبدالعظيم مرسال .. وأمها كان اسمها سكينة .. كانت خدامة في القصر الكبير زمان والله أعلم مين فيهم غوى التاني وجابوا زينب .. وبعدها أبونا عاملها على إنها خدامة لأنه كان شايف إنها متستحقش اكتر من كده .. !
أسقط فريد رأسه بين كفيه، أخذ يمسح على وجهه بارتباك.. شعر بدمه يتدفق بعروقه بقوة، حتى كاد رأسه ينفجر من شدة الضغط .
بينما هتف عمر :
ـ يعني اخته.. وعيشها في بيته خدامة .. وفي أخرة المتمة يطردها من بيته بالشكل ده ويسيبها على الطريق في عز الليل من غير ما تصعب عليه … وزعلان إني قلت اللي قلته ؟!!!
نظر إليهم حسن وقال بتردد :
ـ بما إنكم عرفتم .. في حاجه تانية عرفتها ومن حقكم تعرفوها .
نظرا إليه اثنينتهما بتحفز، فقال :
ـ كان لينا عم اسمه مبروك ومات !
رفع فريد حاجبيه بدهشة صامتة، فتابع حسن بضيق :
ـ اللي عرفته إنه كان مش طبيعي يعني .. كان غلبان بعقله … طبعا أنا عرفت بالصدفة لما كان في المستشفى وكانت حالتة متدهورة على الأخر وبيشوف هلاوس، فقالي إن اخوه مبروك كان عنده .. ولما سألته حكالي وقاللي كمان أني شبهه جدا ..
نهض عمر منفعلا ، وأخذ ينظر إليهما وهو يقول :
ـ إيه الراجل ده ؟! ده شيطان !! أقسم بالله ده شيطان .. مستحيل إنسان يعمل عمايله دي .. هو إحنا كنا عايشين مع واحد تاني طول السنين دي ؟! طلعت الخدامة عمتنا، وكان لينا عم ومنعرفش.. والله أعلم ما يمكن هو مش أبونا وحد مسلطه علينا ..
ـ اقعد يا عمر ..
قالها فريد، فتذمر عمر قائلا :
ـ مش قاعد يا عم .. أنا رايح له وهواجهه بكل اللي عرفته ..
ـ لأ ..
نطق بها حسن منفعلا وقال بحزم :
ـ ممنوع حد يعرف الحكاية دي لأن زينب مش حابة إن حد يعرف، أنا قولت لكم علشان بس تكونوا في الصورة .
أومأ فريد وقال :
ـ صح .. المفروض نحترم رغبة زينب طالما هي مش حابة حد يعرف ..
ونظر إلى عمر وقال :
ـ ممنوع الكلام ده يخرج لحد يا عمر وخصوصا نادية هانم … مفهوم ؟
أومأ عمر ساخرا وقال :
ـ لأ من الناحية دي اطمن .
تنهد فريد وهو يمسح على وجهه بإرهاق ثم قال :
ـ مش عارف المفروض الخطوة الجاية تكون إيه .. حاسس إن دماغي وقفت .
نظر إليه حسن بأسى وقال بخفوت :
ـ بس أنا عارف .
نظرا كليهما إليه وسأله فريد :
ـ ناوي على إيه ؟
ـ هتعرف بعدين ..
ونهض وهو يحمل قدحه، ارتشف منه آخر رشفة، ثم أسند القدح من جديد ونظر إلى فريد وقال :
ـ أنا لازم ارجع دلوقتي على الڤيلا علشان لو احتاج حاجة.. طبعا انت فاهم الدنيا ماشية ازاي .. خصوصا إنه مش حابب حد يساعده في أي شيء ولا حتى نادية هانم .
أومأ فريد بموافقة، ثم قال :
ـ تمام .. بس لازم نتكلم تاني .
أومأ حسن مبتسما بهدوء وقال :
ـ عنيا .. هفوت عليكم بكرة .
ـ واحنا في انتظارك ..
وحك ذقته في هدوء، دون إظهار أي رد فعل، وقال :
ـ إحنا حتى ممكن نفطر سوا .. مش كده ولا ايه يا عمر .
نظر عمر إلى حسن وهو يجاهد لكي يحتفظ بملامحه الجادة ، ولكنه سرعان ما انفجر ضاحكا وهو يهتف :
ـ كده طبعا يا حبايب قلبي !
ضحك حسن وهو يميل نحوه ويعانقه، فعانقه عمر بقوة أشد، واشرأب برأسه ، مقبلا أعلى رأس حسن وهو يقول:
ـ سوري يا برو .. متزعلش مني .
ربت حسن على كتف عمر بقوة وهو يقول :
ـ انت عبيط يالا ولا إيه ؟ ده انت حبيب أخوك .
بينما وقف فريد، يدس يديه بجيبي سرواله وهو يطالعهما بابتسامة رصينة، ليتفاجأ بعمر يندفع نحوه، متشبثا في عنقه وهو يقول :
ـ تعالى أبوسك انت كمان يا كبير والله ما خسارة فيك البوس.. !
تفاجأ فريد باندفاعه كالعادة ، وتلقى قبلاته بصدر رحب قدر المستطاع، ثم أبعده عنه بهدوء وهو يقول :
ـ متشكر يا عمر بس كفاية لو سمحت .. كمية البوس دي كفيلة تخليني أنتكس سنتين قدام .
ثم نظر إلى حسن، وقال بهدوء بعد أن غلب تردده:
ـ صح يا حسن .. كان في اعتذار ليك في رقبتي من زمان وأظن مينفعش يتأجل أكتر من كده ..
وربت على كتفه وهو يتمتم بنبرة آسفة :
ـ حقك عليا .. أنا آسف ليك .. مكانش يصح ابدا اللي قلته.. سامحني !
حينها اندفع نحوه حسن يعانقه بدوره وهو يقول :
ـ مسامحك يا حبيب أخوك .. يا ريت إنت كمان تسامحني على البوكس اللي دشملت لك وشك بيه يومها .
انبعثت ضحكة خافتة على شفتي فريد ، ثم ربت على ظهر حسن وقال :
ـ ولا يهمك ..
ابتعد حسن وهو يشعر وكأنه ولد من جديد في هذه اللحظة ، ثم نظر إليها وقال:
ـ ربنا يخليكوا ليا .. يلا .. أنا همشي وهتلاقوني هنا من النجمة بفطر معاكم .
أومأ كلا من فريد وعمر بموافقة، فانسحب حسن، واستقل سيارته وانطلق في طريقه نحو المنزل..
طوال طريقه لم تفارق الابتسامة ثغره، يشعر بغبطة وامتنان لم يختبرهما من قبل، حتى إذا ما وصل إلى الڤيلا حتى تبدلت ملامحه، وحل محلها الوجوم ..
بمجرد أن دلف إلى الڤيلا، دخل غرفة المكتب حيث يتواجد والده ، ألقى نظرة سريعة عليه حيث كان نائما في سكون، فتقدم بخطى حثيثة هادئة نحو الخزنة، ووقف يكتب رقمها السري بتوجس وهو يتلفت حوله بخوف .. حتى إذا ما انفرج بابها، مد يده وأخذ يبحث عن شيء يعرف ماهيته جيدا.. إلى أن وجده أخيرا .. مد يده والتقطه ثم أغلق باب الخزنة، وغادر الغرفة مسرعًا …. !!!!!!
༺═──────────────═༻
#يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق