القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل السادس 6بقلم الكاتبة شهد الشورى

 

رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل السادس 6بقلم الكاتبة شهد الشورى



رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل السادس 6بقلم الكاتبة شهد الشورى




#الفصل_السادس

#رواية_ما_ذنب_الحب

#الجزء_الثاني_لرواية_ضحايا_الماضي

#الكاتبة_شهد_الشورى

#حصري

ملخص احداث الجزء الأول

ليلى الجارحي ويوسف العمري كانوا متجوزين وبيحبوا بعض جدًا وعندهم خمس أولاد آدم أوس ريان أمير وحياة لكن يوسف اضطر يتجوز بنت صاحب أبوه عشان شرط أساسي لاستلام الورث البنت دي لعبت لعبة كبيرة بينهم وأوهمته إن ليلى بتخونه مع راجل غريب في أوضة نومهم وخلته يشوفهم بعينه يوسف صدق الكذبة وكره ليلى وعياله الخمسة ورفض يسمع لحياة اللي كانت شاهدة على كل حاجة وهي متكتفة شايفة اللي بيحصل لأمها


السنين عدت والعيال عاشوا مع أهل أمهم ولما كبروا بدؤوا يكشفوا الحقيقة ويثبتوا براءة أمهم ليلى


حياة كانت بتحب ابن عمها إلياس بس كانت خايفة منه لأنه شبه أبوها في طباعه في نفس الوقت كانت بتحس بالأمان مع بدر ابن عم والدتها رغم إنها اختارت إلياس في الأول إلا إنه اتهمها بالخيانة زي ما أبوها اتهم أمها لما شافها مع الدكتور النفسي عمر اللي كانت بتتعالج عنده بعد الاتهام ده بعدت عنه وسافرت مع بدر وعيلتها عشان تكمل تعليمها بره وقدر بدر يكسب قلبها ويخليها تحبه


آدم اتجوز بنت خاله زينة

أوس اتجوز مهرة بنت أخت الست اللي ربتهم

أمير اتجوز فرح بنت الست اللي ربتهم

ريان اتجوز ندى بنت عمه وأخت إلياس


سارة بنت زوجة أبوهم اللي دمرت حياتهم قدرت تزرع كاميرات في غرفة نوم أوس وصورته مع مراته وهددته إنها هتفضحه لو ما اتجوزهاش خوفًا على مراته وافق ودي كانت صدمة للكل إنه اتجوز بنت الست اللي قتلت أمه ومع الوقت العيلة اكتشفت حقيقة سارة وحصل لها حادث قلب حياتها بدأت تفكر بطريقة مختلفة وطلبت السماح من الجميع


سارة بعد الحادث قابلت الدكتور النفسي عمر اللي كانت حياة بتتعالج عنده وكان هو نفسه ضحية ليها زمان لما كانوا في الجامعة سارة كانت عملت رهان مع صحابها على عمر وخلته يحبها وبعدين سابته لما تقابلوا تاني عمر ساعدها بس رفض يسامحها رغم إنه كان لسه بيحبها عمر كان متجوز بنت خالته بس هي توفت يوم ولادة بنتهم في النهاية سامح سارة بعد ما شاف إنها فعلاً اتغيرت


أما أدهم الجارحي ابن خال الأخوة الخمسة وأخو زينة كان بيحب هنا قريبتهم من بعيد وكان ناوي يتقدم لها بس في نفس اليوم شافها نايمة في سرير صاحبه فبعد عنها ما كانش يعرف إن دي لعبة من سكرتيرته وخطيبته سمر اللي ارتبط بيها عشان ينسى هنا


الجد أجبر أدهم وهنا على الجواز لكن بعد كام يوم من الفرح أدهم اعتدى على هنا وهو سكران فكرهته بعد كده اتواجهوا بالحقيقة اللي كان مخبيها في قلبه في النهاية قدر يثبت براءتها لكنها رفضت تسامحه واتطلقوا بعد ما ولدت ابنهم سليم بعد خمس سنين من الانفصال قدرت هنا تسامحه ورجعوا لبعض


في النهاية مات يوسف العمري بمرض خبيث وكان الندم بينهش في قلبه على كل اللي عمله في أولاده ومراته اللي كانت الحب الوحيد في حياته يوسف حس بالذنب إنه رمى أولاده في الشارع في وقت كانوا محتاجينه فيه وإنه صدق الكذبة اللي دمرت حياته وحياة أولاده وفي نفس الوقت كان عايش مع سارة بنت الست اللي دمرت عيلته كلها


الياس ونسرين

نسرين شخصية طرف ثالث في علاقة بدر وحياة، وبيحصل بينهم علاقة وينتج عنها حمل


سمر ورجل الأعمال

بعد ما أدهم يكتشف حقيقتها، ختدخل السجن

بعد خروجها، تتجوز رجل أعمال مش كويس

هتكتشف بعد الجواز إنه مريض وبيعذبها

للرجل ده ليه بنت اسمها بسمة لكنها فاقدة النطق وعنده ولد اسمه نوح

لكن الراجل اتوفى في ظروف غامضة في الجزء الأول هنعرف تفاصيلها في الجزء التاني

➖➖➖➖➖➖

الأبناء في الجزء الثاني معظمهم شخصيات ثانوية ⬇️

عائلة حياة وبدر :

يوسف/مروان/عشق وعاصم "توأم"


عائلة آدم وزينة :

ياسين/صافي


عائلة أوس ومهرة :

مالك/حمزة/ليلى


عائلة ريان وندا :

ليلة/شريف


عائلة أمير وفرح :

ثائر/جوان وجوري "توأم"


عائلة أدهم وهنا :

سليم/قمر


ابناء إلياس ونسرين :

سيدرا/يونس "تؤام"


عائلة عمر وسارة :

جومانا من زواجه الأول

ريماس/كارما وليان "توأم"


معظم الابناء دورهم ثانوي ❤️ 

في شخصيات جديدة هتظهر قدام وهتتعرفوا عليها

مفيش لخبطة ان شاء الله هبسطها ليكم

المخلص هنشره ليكم اول كل بارت جديد

............

الفصل السادس


اتسعت عينا يونس وسيدرا من الصدمة، التفتا نحو والدهما في اللحظة التي مد فيها يده بغلٍ عارم وسحب نسرين بعنف من ذراعيها، يجرها للخارج، كعاصفةٍ هوجاء، وصوته يجلجل غاضبًا :

ما بتحرميش، مش قولتلك لو خطيتي باب القصر ده تاني هقطعلك رجلك؟!


رفعت رأسها متحدية، وقالت بغضب :

انت حرمتني من ولادي، خدتهم مني


ازداد صوته صلابة، يحمل مزيجًا من الغضب والاحتقار، وهو يجرها بعيدًا في حديقة القصر :

ولادك لو كانوا هامينك فعلًا، كنتي فكرتي فيهم قبل ما تعملي عملتك السودة دي، حتى لو اتاخدوا منك، مكانهم معروف، ليه ماحاولتيش تشوفيهم مرة واتنين وتلاتة،حتى لو انا رفضت، إنما إنتي صنف زبالة، ورخيص، خدتي بعضك وسافرتي برا البلد كأنك ماصدقتي


صرخت عليه بغضب :

خوفت من جبروتك


رد عليها باستنكار، وكلمات تعريها أمام نفسها :

جبروتي.....جبروتي اللي بتقولي عليه ده لو كنت استخدمته عليكي كان زمانك في تربتك من يومها وماكنتش هاخد فيكي يوم واحد سجن، كان ممكن تطالبي بولادك قانوني، ليه مامسكتيش فيهم، ليه ما فضلتيش قدام البيت ده ليل نهار عشان بس تلمحيهم، ليه ماحاربتيش عشان تاخدي ولادك في حضنك، ماعملتيش ليه زي اي ام ما بتعمل، وقال اي جاية تقولي جبروتي خوفك، وايه دلوقتي خدتي حبوب شجاعة ومابقتيش خايفة


جاء من خلفهما، صوت سيدرا مرتجفًا، محملًا بالحزن والخذلان، وهي تقترب ببطء :

خليها تمشي يا بابا.....احنا مص عاوزينها هنا


لكن ما إن اقتربت منهما نسرين، ومدت يدها نحوهما، حتى نفض يونس يدها بعيدًا بقرف، نظر إليها بعينين باردتين كأنها غريبة عنه، التفت إلياس إلى أولاده، قائلاً بصرامة :

اطلعوا أوضكم


تراجعا وهما يرمقان أمهما بنظرة احتقار باردة، لم يشعرا تجاهها بشيء، لم يعرفوها يومًا، لم يسمعوا عنها إلا صدى عابر، وها قد رأوها أول مرة، غريبةً لا ملامح أمومة فيها، لم يتعرفا عليها من الأساس !!


التفتت نسرين إلى إلياس، عينيها تفيض غضبًا، وصرخت عليه بغل :

كرهت عيالي فيا، قلتلهم إيه عني؟!


أمسكها إلياس من شعرها بعنف، شدها نحوه، وصوته مليء بالاحتقار :

ما تخافيش، ماقولتلهمش إنك خيانة وزبالة، ما قولتلهمش إني طردتك من القصر بعد ما شوفت خيانتك بعيني، مقولتش ليهم اني كنت مغفل، كان لازم أعرف إن اللي تسلم نفسها لواحد قبل الجواز، وقبلها تتفق معاه عشان تجبر بدر يتجوزها بخطة حقيرة، هتفضل طول عمرها رخيصة، ومش هتنضف أبدًا، الحق عليا انا


كادت تفتح فمها لترد، لكنه جرها من شعرها بقسوة، رماها أمام باب القصر كما تُرمى القمامة خارج البيوت، ثم صرخ بأوامره الحاسمة :

من النهاردة، الست دي لو دخلت القصر، كلكم مرفودين، ممنوعة تخطي باب القصر ابدًا


أغلق الباب بعنف، فيما هي سقطت أرضًا، جسدها يرتجف من شدة الغضب


دخل إلياس بخطواتٍ مثقلة، جلس في حديقة القصر، عيناه شاخصتان في البعيد، اجتر ذكريات الماضي....

كيف كانت حياتهما بعد الزواج، وكيف بدأ كل شيء بهدوء، ثم انقلب إلى جحيمٍ في ذلك اليوم المشؤوم....؟!


عودة بالزمن لأكثر من عشرين عامًا......


كان الفراش شاهدًا على جفاءٍ صامت، كلاً منهما يعطي ظهره للآخر، فلا حديث ولا نظرة، فقط مللٌ ينهش أيامهما، هو يؤدي ما عليه من حقوق، وهي كذلك، لكن الحب لم يجد طريقه إلى قلبيهما يومًا


أغمضت عينيها وهي تسترجع وجه بدر، تقارن بينه وبين إلياس، الفارق شاسع كالسماء والأرض، الحسرة تلسع قلبها كلما رأت كيف يعامل بدر زوجته بعشقٍ وحنان، وكيف يملأ السعادة قلب الأخرى، وفي صدرها، إلى جانب الحسرة، يتنامى حقدٌ وغل على حياة لا ينطفئ، بل يزداد اشتعالًا فقد خطفت منها بدر أولًا، ثم سكنت عقل، وقلب إلياس، حتى وإن لم تحبه نسرين، إلا أن كبرياءها كأنثى يصرخ، يريد أن يكون مرغوبًا، محبوبًا، مفضّلًا


إلياس لا يسيء إليها، بل يتعامل معها بهدوءٍ واتزان، حياةٌ عادية يغلب عليها الرتابة، إلا أن ما يفتك بها هو تلك اللحظات الخاصة حين يزل لسانه وينطق باسم من تسكن قلبه "حياة" عندها تموت في داخلها ألف مرة


هي التي رفضها بدر، ثم فُرضت زوجةً لإلياس، لتبدأ قصةً باردة بلا جذوة، اعتدلت جالسة على الفراش، ظهرها مسنود إلى لوح السرير، عينيها غارقتان في شرودٍ موجع التفت هو الآخر، اعتدل بجانبها وسألها بهدوء، وقلق :

مالك، منمتيش ليه؟


أجابت بصوتٍ حاولت أن تخفي فيه ألمها، لكن الحزن فضحها :

مفيش، مش جايلي نوم


تنهد إلياس وقال برفق :

إنتي زعلانة عشان قولتلك تسيبي الشغل


نظرت له بحدة، وردت بضيق :

تفتكر دي حاجة متزعلش يعني؟!


عدل جلسته، وراح يشرح رؤيته بهدوء :

يا نسرين، قولتلك سيبي شغلك مؤقتًا، لحد ما يونس وسيدرا يكبروا شوية، دول لسه عندهم شهور، محتاجين رعايتك كلها، شغلك تابعيه من البيت، وتروحي للضرورة بس


انفجرت قائلة بحدة، وعينيها تفيض قهرًا :

طب وهما محتاجين كل اهتمامي، واأنا فين؟! أنا مخنوقة، عايزة أتنفس،الشغل الحاجة الوحيدة اللي مهونة عليا، وبعدين، مامتك موجودة، وفيه الشغالين، وفيه مرات أخوك يعني الدنيا مش هتقف عليا


اشتد صوته بصرامةٍ تقطع أي مجال النقاش :

أمي كبيرة، وواجب عليا أريحها مش أحملها زيادة، ومراة أخويا عندها بيت وأولاد ومسؤوليات، ولو حتى وافقت تساعد، مش المفروض أستغلها، وبالنسبة للمربيات، لأ أنا مش هقبل بكده، لأني متأكد لو جبت مربية، إنتي هترمي ولادك عليها وتختفي من حياتهم، اتنازلي شوية لحد ما يكبروا سنة ولا اتنين


شهقت غيظًا وزفرت، الكلمات خرجت منها بعصبية وبدون وعي :

أنا مش عايزة أتنازل عشانهم، أومال اتجوزتك ليه، مش عشانهم برده، انا اتجوزتك عشان ما يعيشوش اللي أنا عيشته، عشان ماحدش فيهم يسمع كلمة ابن حرام زي ما كنت بسمع، وبتهان وأنا صغيرة


تجمّدت ملامحه، الغضب ارتسم في عينيه وهو يرد بحدةٍ جارحة، قاصدًا رد الإهانة :

زي ما إنتي اتنازلتي، أنا كمان اتنازلت واتجوزتك، واتفقنا الصفحة دي تتقفل خلاص، محدش يفتح فيها تاني، إحنا مكملين في الجوازة دي عشانهم، بس إنتي مصممة ترجعي تنبشي في الدفاتر القديمة، ومش راضية عن عيشتك ابدًا


ردت عليه بقهر، عيناها دامعتان وغصة تملأ صدرها :

عشان مبقتش متحملة العيشة دي، انا مش انا، مش نسرين اللي أعرفها، حياتي اتلخبطت بين يوم وليلة، لقيت نفسي في بيت ماعرفهوش، متجوزة واحد عقله وقلبه وكل تفكيره مع غيري، واحد كل مرة وهو معايا ينطق باسم تانية، في الآخر تقولي ما اتنازلتش؟!!


زفر بضيق، متحاشيًا النظر إليها، لكن كلماتها لم تتوقف، بل ازدادت غضبًا وغلًا :

ليه بتحبوها كده، ي فيها إيه زيادة عني، عشان بدر اختارها هي وانا لأ، فيها اي عشان انت تحبها وتبقى عاوزها بالشكل ده، حياة أحسن مني في ايه


شدد صوته، قائلاً بصرامة قاطعة :

اقفلي السيرة دي، خلاص خلصت يا نسرين


ثم تابع بصدق :

من الآخر كده، اللي كنتي ناوية عليه لحياة، اتقلب ضدك


حركت رأسها بعناد، وقالت بغل :

لأ، ماخلصتش، حياة كانت بيني وبين بدر، ودلوقتي لسه بيني وبينك، حياة اللي وقفت قدام سعادتي زمان، ووقفت قدام سعادتي دلوقتي


ثم اقتربت منه، كلماتها تنضح بالمرارة والغضب :

لولا إنك عملت فيها شهم زمان، كان زماني أنا وهو مع بعض، وانت معاها، بدل ما كل مرة تقرب مني، تبقى نفسك هي اللي تكون في مكاني


في لحظةٍ، قبض على كتفها بعنف، وصوته يجلجل بالغضب :

اخرسي، وإياك تنطقي بالكلام الأهبل ده تاني، فوقي لنفسك يا نسرين، العيشة دي على أي حال، أرحم مية مرة من الحياة المقرفة اللي كنتي غرقانة فيها، احمدي ربنا عاوزة ايه اكتر من كده، اولاد عندك بدل الواحد اتنين، وغيرك بيتمنى بس ضفر عيل، غيري كان رماكي ومسألش فيكي بعد اللي عملتيه لكن انا اتجوزتك، بحاول معاكي اصلح العلاقة دي، كل ما بقرب منك خطوة تكون قرفانة ومش راضية، انتي مش قابلة اي محاولة مني، عشان مش شايفة غير بدر وبس 


ثم تابع، وقد أعمى الغضب عينيه :

بطلي تقارني نفسك بيها، عشان إنتي ولا حاجة جنبها، حياة أشرف منك مية مرة، عمرها ما أجبرت حد يتجوزها، ولا سكرت، ولا قضت لياليها مع غريب ماشافتهوش غير كام مرة


انتفضت في وجهه، الغضب يعصف بها، وردت بحدة مماثلة :

وحتى إنت، متتقرنش ببدر، إنت اللي فضحتها قدام الكل، إنت اللي شكيت فيها من غير ما تسمع منها، إنت اللي اتهمتها في شرفها ظلم، يعني اللي طايلني، طايلك يا إلياس باشا


قبض على يدها فجذبها من الفراش لتقف أمامه، صوته يكاد يزلزل الجدران :

مهما كان اللي عملته، مايتقارنش بالرخص اللي إنتي كنتي فيه، انتي قلبتي في القديم كله، عشان بس قولتلك سيبي الشغل واهتمي بولادك، مش عارف إزاي بماضيك المشرف ده، كنت متوقع منك تبقي أم بحق وحقيقي


تعالى بكاء الأطفال مع صرخاتهم المذعورة، فتسارع الجميع في القصر نحو الجناح، طرق والده على الباب بقلق :

إلياس، إنتو كويسين يا بني، صوتكم عالي ليه، والأولاد بيعيطوا جامد


أخذ إلياس نفسًا عميقًا، مسح وجهه بيده، ورد محاولًا ضبط صوته :

مفيش يا بابا، كله تمام. آسفين على الإزعاج، معلش اتفضل حضرتك روح نام


جاء صوت والدته من خلف الباب، رقيقًا مهدئًا :

استهدوا بالله يا حبيبي، وناموا، ده شيطان ودخل بينكم، تصبحوا على خير


ابتسم بتعب ورد برفق متمنيًا لها ليلة هادئة، ثم التفت نحو نسرين التي كانت تحتضن صغيرها وتحاول تهدئته، بينما ترشقه بنظرات غاضبة كأنها سهام، حمل هو الآخر طفلته الثانية، يتمشى بها في الغرفة حتى هدا الطفلان ونالا النوم منهما ومع كل خطوة، كان الصمت بينه وبينها يزداد ثقلًا !!!


مر وقت قصير، فمسك يدهَا بغلظة، جذبهَا نحوه، وصوته صار منخفضًا حادًّا يحمل تهديدًا محشوًا بالصرامة :

قسماً بالله لو رجعتي تفتحي في القديم أو نطقتي الكلام الأهبل ده تاني، هتشوفي وش عمرك ما شوفتيه.


تطلّعت إليه بنظرةٍ مليئة بالغضب والتحدي، وردت عليه بحدةٍ لا تخلو من كبريائها :

بلاش تهددني، مِش أنا اللي اتهَدد، لو فاكر إنك عشان أنت الراجل هتنفذ كلامك عليا، وتبرر كل حاجة لنفسك وتحرمها عليا، فإنت غلطان اوي، مش أنا اللي تعمل كده، وشغلي مش هسيبه، لو مش عاجبك، سيب شغلك انت واقعد بولادك، انا متجوزتش عشان أكون خدامة


لم تضف كلمات بعدها، دخلت إلى الفراش بحدة، واعطت ظهرها له، بقي هو واقفًا، يشتعل بداخله الغضب الشديد، لكنه ضبط نفسه، مراعيًا أن صياحه قد يوقظ من في البيت، وأطفاله الصغار، لو لم يكن عنده ذلك الحذر، لربما أعطاها درسًا لا يُنسى، فبدلًا من انفجارٍ عالٍ، اكتفى بالصمت مؤجلاً حديثهما لوقتٍ اخر !!!


في صباح اليوم التالي خرجت نسرين كأنها تُعلن تمردًا، اتجهت إلى عملها لا تكترث لتهديده ولا لغضبه !!


بعد يومٍ طويل من العمل، عند وصولها كادت مواجهةٌ صاخبة تنشأ، إذ كاد إلياس أن يعنفها أمام الجميع، لولا لمسةٍ هادئة من والدته التي أمسكت بيده في الخفاء، حتى يؤجل شجارهما لوقتٍ لاحق، فصمت على مضض


بعد أن انصرف افراد العائلة إلى غرفهم واحدًا يلو الآخر، رددت والدته برفقٍ وحنان :

براحة عليها يا بني، التعامل مش كده، كلمها باللين، اشرحلها اللي شايفه، مش بالطريقة دي تخنقها وتقفلها من كل حاجة


رد عليها بضيقٍ ونفاذ صبرٍ يئن في صوته :

اتكلمت يا أمي كتير، بهدوء، مرة واثنين، وعشرة قولتلها سيبي الشغل مؤقتًا لحد ما يونس وسيدرا يكبروا شوية، تابعيه من البيت وروحي للضرورة، لكن مفيش فايدة، مش عايزة تتنازل حتى شوية عشان ولادها، بتقول انا مااتجوزت عشان أكون خدامة، عارفة يا امي انا لو شايف منها اهتمام بالأولاد وانها شايلة همهم كان هيبقى ليا رأي تاني، لكن هي مش شايفة حد غير نفسها


تنهد، وكأن كل نفسٍ يسحبه أثقل من سابقه، ثم أضاف بمرارةٍ مكبوتة :

اللين مش نافع، والهدوء ما جابش نتيجة، بالعكس، خلاها تتفرعن اكتر، لو دا ماجابش نتيجة، يبقى لازم الشدة تجيب نتيجة، وأنا وراها لحد ما تعرف يعني إيه مسئولية، دلوقتي عندها طفلين مربوطين في رقبتها ومحتاجينها، لازم تتحمل المسؤولية، وتعقل عشان تشيل معايا انا حاسس اني بلف بيهم لوحدي


غمزته والدته بعينٍ تجمع بين الحنو والعتاب، ولم تجد ما ترد به سوى حسرة أم على ابنها :

أرجع وألومك إنت يا بني، طلعت وقولت هتجوز وفرضت علينا، وحطيتنا قدام الأمر الواقع، كان المفروض تاخد رأيي، ورأي أبوك، وإخواتك، احنا عمرنا ما هنضرك، إحنا هننصحك ونوريك اللي يمكن إنت مش شايفه


ثم تابعت بأسف :

دي مش من توبنا يا بني، دي واحدة اتربت بره طول حياتها، ومش هكلمك عن عيشة الغرب، مراتك بالعافية رضيت تلبس لبس مقفول شوية


زفر إلياس بضيقٍ عميق ثم صمت، كان يعلم أن والدته محقة في جزءٍ من كلامها، لكن كيف يبوح لها أن ما يجمعه اليوم هو حصيلة ليلةٍ خان فيها ربه وارتكب فعلًا ثقل على ضميرِه؟ كيف يشرح أن سكونه الآن ليس برضا، بل بعجزٍ عن مواجهة عاصفةٍ تلوح في صدره؟


دخلت نسرين قاعة الاجتماعات في شركتها الصغيرة، التي لم يمضِ على افتتاحها بالقاهرة سوى أشهر قليلة، جلست على مقدمة الطاولة تُلقي التحية، بينما الوجوه أمامها متوترة، الجميع بانتظار قرارها الحاسم


قال أحدهم بجدية :

نسرين هانم، أنا شايف إن حضرتك تقبلي عرض الشراكة مع حسام جوهر، شركته كبيرة وليها وزنها، وده هيخلي اسمنا يتعرف أسرع بدل الخساير اللي مش بنلاحق عليها


تدخلت أخرى قائلة :

طب ليه حضرتك تدخلي مع شريك غريب وجوزك موجود، شركته تعتبر أفضل من شركه حسام جوهر بكتير، وفي الأول والأخر ده زوج حضرتك، يعني الوحيد اللي، تأمنيله وتدخلي مع شراكة و انتي مغمضة


نظرت لها نسرين نظرة حادة، كأنها سهام، تفضح ضيقها من ذكر اسمه في هذا المكان، تدخل آخر بحزم :

احنا قولنا لحضرتك كل الحلول يا فندم، يا شراكة حسام جوهر، او تقترحي على زوجك الشراكة، او نقفل الشركة احنا بقالنا شهور، وكل اللي بنعمله بنحقق خساير وبس، لأننا مش معروفين في السوق ومحدش عاوز يجازف، ويتعامل معانا


زفرت نسرين بعمق، تحاول ضبط أعصابها :

طيب واللي اسمه حسام ده هيستفيد إيه من شركة بتخسر؟


رد عليها الرجل بثقة :

يستفيد اللي يستفاده، المهم إننا كمان هنستفاد، اسمه كبير، وسمعته نظيفة، وأنا سألت وبحثت ومالقوش عليه غلطة واحدة، وجوده معانا هيكسبنا ثقة العملاء


صمتت لحظة، ثم حسمت قرارها قائلة :

تمام، حدد ميعاد معاه، خلينا نخلص من الموضوع ده


أومأ لها الرجل وغادر، لكن ما إن أغلق الباب خلفه، حتى أخرج هاتفه سريعًا واتصل بأحدهم بصوتٍ خافت :

كله تمام يا باشا، اقتنعت خلاص، طلبت مني أحدد ميعاد معاك عشان العقود


على الجانب الآخر، أغلق المتلقي الهاتف وابتسامة مائلة تتسع على شفتيه، كأنما كان يترقب هذه اللحظة منذ زمن


في منتصف النهار، اقتحم رجل المكتب بعنف أربك هدوءها، انتفضت واقفة وقالت بحدة :

ايه قلة الذوق دي، إزاي تدخل من غير ما تستأذن؟


ابتسم بزاوية شفتيه، ثم جلس أمامها ببرود واضعًا قدمًا فوق الأخرى بغرور :

بلغوني إنك وافقتي ع الشراكة، وعايزة تمضي العقود، طب ما كان من الأولؤ ماكانش ليه لازمة المماطلة دي كلها 


صرخت عليه بغضب :

إنت مالك انت؟ واضح إنك شخص قليل الذوق


في لحظة، مد يده وجذبها من خصرها لتلتصق به، نظرته تفترس تفاصيل وجهها، وصوته ينخفض بشغف وقح :

اللي يشوف الجمال ده كله، يستحيل يصدق إنك أم ومن كام شهر بس، جوزك أكيد مش بيفهم ولا بيقدر الجمال ده كله، عشان يسيبك تنزلي وتختلطي بالناس عادي


ثم مال قريبًا من أذنها، يهمس بغزل :

طب لو مش خايف عليكي، يخاف ع الناس اللي هتتفتن بجمالك، اللي مفيش زيه


ارتجف جسدها من كلماته، مزيج بين الغضب والاضطراب، أبعدته بحدة وصوتها يرتجف :

نت قليل الأدب وسافل


ضحك بلامبالاة، قائلاً :

قليل الأدب عشان قولت الحقيقة، كل الحكاية اني شخص بيحب الجمال وبيقدروا ولما شوفت، جمالك الغير عادي اتفتنت زي اي حد ما اكيد شافك وسرقتي جزء من قلبه وخطفتيه خطف !!!


أبعدت عينيها عنه، تتحسس خصلات شعرها بتوتر، لم يكن خجلًا بل خوفًا من انكشاف ارتباكها، فقد تسللت كلماته إلى موضعٍ في قلبها لم يطرقه أحد من قبل


أنقذها من اللحظة دخول المحامي حاملاً العقود، جلسا يوقعان بسرعة، كأن الأمر مُرتب مسبقًا، انتهى كل شيء بسهولة مريبة، ولم تلتفت نسرين لِما يخبئه ذلك الاتفاق....وليتها فعلت !!!!


عاد المساء حاملاً في طياته صقيع القلوب، لتواجه نسرين عاصفة غضب إلياس، الذي قبض على يدها وسحبها خلفه إلى صالة الرياضة المعزولة عن صخب القصر، صوته يصدح بالغضب :

بالذمة، أنتي أم، من الصبح لحد دلوقتي بره البيت، وأولادك مفكرتيش تطمني عليهم بتلفون حتى، ابنك حرارته عالية يا هانم، وتعبان وانتي ولا هنا


ردت بضيق وهي تحاول سحب يدها :

كنت مشغولة، ومافضتش طول اليوم


قبض على يدها بشدة، صوته يرتفع، كأنه يخرج غضباً مكبوتاً منذ زمن :

اتعدلي أحسنلك واظبطي نفسك، انا صبري عليكي خلاص نفد، لو فاكرة إنك لما تعانديني هسكتلك، تبقي غلطانة، انا اعند منك، ممكن أكسرلك راسك كمان لو ده هيظبطك


صرخت عليه بغضب مكتوم :

سيبني، أنا زهقت من العيشة دي، كل شوية اعملي، وخلي، وسوي، قوم بدورك انت الأول وشوف الرجالة بتعامل مراتتهم ازاي


وقف للحظة، ثم قبض على يدها مرة أخرى مردداً بغضب :

انا بعاملك بما يرضي الله، بس انتي اللي صنف نمرود مابتحمديش ربنا، انتي مش عاجبك حاجة خالص، اهتمي بولادك، مضيقاكي أوى، ما أنتي من الأول اتجوزتيني عشانهم، مش عشان نفسك، ايه اللي جد دلوقتي


تنهدت، قائلة بنبرة حزن وغضب ممزوجة بالقهر :

اللي جد إني بني آدمه، مش قادرة أستحمل العيشة دي، مش قادرة أكون زوجة بديل لواحدة بتحبها، مش قادرة أعيش من غير حب، ومن ساعة ما بقيت أم وانا مطلوب مني اقدم تنازلات طب ايه


صمتت للحظة ثم تابعت بغل عميق :

بدر كان يستاهل حبي ويكون ليا، ليه انت مش زيه، ليه حياة هي اللي......


دفعها للخلف باشمئزاز، صوته يقطر بغضب :

طول ما انتي بتفكري كده، عمرك ما هتكوني مبسوطة، طول ما انتي حاطة حياة وبدر قصاد عينك هتفضلي في مكانك طول العمر، عايزة تعرفي انا معاكي مش مع بدر ليه لأنك ببساطة مش حياة المقارنة بينكم معدومة، الفرق بينكم زي الفرق بين السما و الأرض


اندفعت للخارج إلى سيارتها، تسرع بها في الشوارع بلا هدف، الدموع تذرف من عينيها كأنها تروي قصتها كلها، توقفت فجأة على جانب الطريق، خرجت منهما تبكي بمرارة حتى شعرت بذراع تحيط بخصرها، ترفعها لتقف :

نسرين، انتي كويسة؟


انفجرت بالبكاء، ألقت بنفسها في حضنه، صوتها يهتز من كثرة النحيب :

فيكي ايه...؟!!


أغلق سيارته، دخل بها إلى سيارتها، يسألها بقلق :

تحبي اوصلك فين؟ أظن البيت يكون أفضل


حركت رأسها بلا إرادة، الدموع تنساب منها بلا توقف :

مش عايزة أروح البيت


تنهد بحيرة، ثم قال بصوت خافت :

طب، تحبي نروح فين؟


صمتت لحظة، ثم همست باسم مكان غير متوقع، ابتسم بصمت، يقودها دون سؤال، دخلت الملهى، الموسيقى تصدح والأجساد تتحرك بلا خجل، والكل يرتشف الخمر بلا حساب جلسا بجانب البار، فسألها حسام ببرود :

انتي ليكي في الجو ده


ردت عليه بتهكم وغل مكبوت :

ليا بس جوازة الهم دي.....

ضيعت عليا كتير وخسرت فيها أكتر، وقبلها أكتر وأكتر


ارتشف حسام كأسه، قائلاً بسخرية :

بصراحة، مين يتجوز إلياس العمري ده، طباعه صعبة اوي، مش أي حد يتحمله


تنهدت نسرين، كأسها يلمع تحت الضوء، قائلة بغل :

نصيبي الأسود خلاني بقيت مراته، اخد مني حياتي وفرصة عمري، ودلوقتي عايز يحرمني من الحاجة الوحيدة اللي بتحسسني بقيمتي، عشان بس أفضى قاعدة في البيت، اشتغل ليه هو وأولاده وخدامه


جلس حسام صامتاً، يشاركها بسماع هادئ، بينما هي تنهش كلماتها بالغضب والحقد على إلياس، زجاجات الخمر تتوالى أمامها حتى أفرغت زجاجة كاملة


نهضت ثم تترنح :

انا لازم أمشي


التقطها قبل أن تسقط، نظر إليها مطولاً، ثم أخذها بين ذراعيه بعناية وحذر، يقودها إلى فيلته، مر بعض الوقت، وكان يدخل بها من باب فيلاته، اقترب منها فجأة يقبلها بقوة، بينما هي تبادله غير واعية لما تفعل، دفعها إلى غرفة النوم وألقاها على الفراش، مردداً كلمات بمكر، قبل أن يُتمم ما نوى فعله هذه الليلة :

مش بقولك جوزك مش بيفهم ولا بيقدر الجمال!!!


بينما، على الناحية الأخرى، كان إلياس يأخذ بهو القصر ذهابًا وإيابًا بغضب، والجميع يحاول تهدئته، ركل المقعد الخشبي بقدمه مرددًا :

قسماً بالله ما هتعتب بره باب القصر ده تاني، لحد ما تتربى وتعرف إن الله حق


ردد والده بضيق :

الغايب حجته معاه يا بني، انت مش بتقول اتخانقتوا تلاقيها بس حابة تقعد مع نفسها شوية وهترجع تاني


زفر إلياس بضيق، قائلاً بغضب كبير :

الفجر قرب يأذن والهانم لسه ماشرفتش، بتتحداني يعني؟


الحال كما هو، الجميع يبحث عنها بكل مكان، ولم يزور النوم جفونهم، خاصة بعدما عثروا على سيارتها بأحد الشوارع الجانبية، وللأسف، لم تكن هناك كاميرات مراقبة، فظنوا أنها اختطفت أو أصابها مكروه !!!


في صباح اليوم التالي، فتحت عيناها ببطء، تنظر حولها بتيه ودهشة، سرعان ما تذكرت ما حدث أمس !!


انتفضت مكانها، تغطي جسدها بالفراش بهلع، ثم نظرت للنائم بجانبها، حاله لا يختلف عنها كثيرًا، فتح عيناه هو الآخر، وجذبها بقوة لتبقى أسفله، محاولًا تقبيلها، لكنها دفعته بعيدًا عن نفسها بقوة، مرددة بغضب :

انت عملت فيا ايه يا حيوان؟


زفر بضيق، وهو يعتدل جالسًا :

تفتكري إيه اللي حصل، وقبل ما تغلطي تاني، كله كان برضاكي، مش بضرب حد انا على إيده، خصوصًا في الأمور دي


قال الأخيرة بغمزة من عيناه وجرأة، فوضعت يدها على شفتيها بصدمة كبيرة، سرعان ما ارتدت ثيابها وركضت للخارج، مستقلة أول سيارة أجرة قابلتها


ما إن خطت قدمها القصر، قبض إلياس على يدها بقسوة، قائلاً بنبرة أرعبتها :

كنتي فين؟!


حاولت دفع يده بعيدًا عنها، مرددة بصوت مختنق :

سيبني، أبعد عني دلوقتي


ترك يدها، ثم قبض على كتفيها مردّدًا بغضب وصراخ عالي أزعج الجميع :

انطقي، كنتي فين كل ده؟!


اقترب منه والده محاولة تهدئته :

سيبها تهدى يا بني، وبعدها اتكلموا سوا، انت مش شايف حالتها عاملة إزاي، مش وقته دلوقتي


دفعها للخلف بقسوة، قائلاً بتهديد صريح :

انتي فاضلك معايا تكة، غلطة كمان، وقسماً بالله ما هتكوني على ذمتي لحظة واحدة، ولا هتلمحي طرف ولادك مرة تانية، ده لو كانوا يفرقوا معاكي من أصله


رددت والدة إلياس بتأنيب :

اسمع منها يا بني، وبعدها اتكلم، خليها ترتاح الأول، وتاخد نفسها، شكلها تعبانة أوي


حدق بها بنظراته الغاضبة، ثم جرها من يدها إلى الغرفة،

ما إن دخل معها للداخل، جذبها نحوه ليتأكد من شكوكه التي راودته، خاصة عندما اشتم رائحة الخمر تفوح منها


سألها بقسوة، وهو يقبض على يدها بقوة حتى كادت أن تنكسر :

انتي شربتي؟!


توترت من نظراته القاسية، فجزت على أسنانها مرددة بغضب، وهو يدفعها على الفراش :

انتي مش ناوية تنضفي أبداً، اخدتي على القذارة والرخص لحد ما بقيتي جزء منهم


اعتدلت واقفة، مرددة بغضب وقهر :

انت السبب، انت سبب اللي بيجرالي عمري ما هسامحك


قبض على يدها مرددًا بغضب :

بقى انا السبب، غلطك دايمًا بترميه على حد تاني، حملتيني سبب جواز بدر من حياة، وهو أصلاً عمره ما كان هيعبرك حتى لو عملتي أيه، وشيلتيني سبب عدم سعادتك وسبب شربك دلوقتي، والسبب أصلاً يا هانم هو رخصك وأصلك اللي عمره ما هيتغير أبداً


قال الأخيرة، ثم غادر الغرفة صافعًا الباب خلفه بغضب، تاركًا إياها تبكي بقوة، مُصدرًا أوامره بعدم خروجها من القصر نهائيًا، حتى من غرفتها


مر شهر كامل بل وأكثر.....

مر عليها، وهي حبيسة بالقصر، لم تخرج منه، ولم ترى العالم الخارجي، حتى أطفالها أهملتهم، بينما إلياس لم يرها سوى صدفة، متجاهلًا وجودها تمامًا


حتى جاء ذلك اليوم المشئوم، حين شعرت بالتعب الشديد والغثيان، فسقطت فاقدة للوعي، استدعى الجميع الطبيب، ليخرج إليهم بالخبر الذي كان سعيدًا للبعض وصادمًا للأخر :

مبروك.....المدام حامل


ما إن أخبرهم بموعد حملها، نزل الخبر عليه كالصاعقة، كيف تحمل طفلاً داخل احشائها، وهو لما يمسها منذ فترة طويلة بسبب كثرة مشاكلهما !!!!


دخل إلي الغرفة، يجرها من على الفراش، قائلاً بنبرة اقسم كل من سمعها انها آتيه من الجحيم :

حامل من مين يا بن......


كانت ترتجف بين يديه، تترقب مقدار الشر الذي ينوي إيقاعه بها، فصرخ عليها بغضب، وصفعها بقوة :

انطقي يا و.....


ردت عليه بزعر وخوف شديد، وتلعثم :

م....ماكنش....قصدي


صرخ عليها بغضب، وجذبها من خصلات شعرها بشر :

خونتيني مع مين يا بن…...انطقي


صمت للحظات، مردّدًا بجنون وغضب :

يوم ما كنتي راجعة شاربة، كنتي معاه، مش كده؟!


لم تجب، فقط بكت بقوة وانتُحبت من الخوف، صفعها بلا رحمة، صفعة تلو الأخرى، بينما حاول الجميع تخليصها من بين يديه، لكن دون جدوى، غضبه كان أكبر، يصفعها ويركلها، وهي تحاول الاختباء خلف شقيقه أو والده


استغلت انشغال شقيقه بمحاولة تقييده، فهَرولت خارج القصر، هاربة من الموت الحتمي الذي كان ينتظرها لو بقيت لحظة واحدة أمامه


على مقربة من القصر، كان أحدهم يقف، يراقب عبر عدسة مكبرة صوب مكانًا محددًا، وابتسامة تشفي ترتسم على شفتيه، لم يكن الخبر ضمن مخططاته، لكنه لن يضر بل سيفيده كثيرًا


نسرين هربت، ليس من القصر فقط، بل من البلاد كلها، تاركة خلفها طفلين رضيعين لم تكترث بهمها، وزوجًا غاضبًا يسعى للثأر والانتقام، بصعوبة، تمكن والديه من إقناعه بالتخلي عن فكرة الانتقام من أجل أطفاله، واكتفى بتطليقها، أُشيع بين الناس أن الطلاق تم لعدم التفاهم.....

لكن الأمر لم ينتهي هنا فقط !!!


عودة للوقت الحالي......

استفاق على شروده، عندما اندست ابنته سيدرا بين ذراعيه، تبكي بصمت يكسر القلب، لم تصمد أمام رؤية والدتها، رغم كل كلماتها التي كانت تقولها لنفسها، وللجميع سابقًا انها لن تتأثر مهما حدث


حاولت أن تخفي ألمها، لكن القهر تسلل إلى أعماقها، الفراغ الذي عاشته بلا حضنها صار أكثر وجعًا حين التقت بها أخيرًا !!

...........

كانت ليلى تجلس في السيارة، عيناها معلقتان بشاشة الهاتف، والفيديو يعرض الحريق الهائل الذي التهم كل ما عملت لأجله طوال سنينها الماضية، حلمها الذي بَنَته من شغفها بالطبخ منذ الجامعة، بدأ من هواية صغيرة، تطورت تدريجيًا لمشروع صغير بعد تحويشة من مصروفها الشخصي، حتى أصبح أول مطعمًا لها، ثم عدة فروع، وماركة حلويات مشهورة خاصة بها، واليوم، كل شيء احترق في دقائق، كل تعبها ذهب سدى !!


لم تنبس بكلمة، لكنها شعرت بالاختناق، لاحظ بدر ذلك، اقترب منها، أخذ الهاتف وشاهد الفيديو، وصدم كما صدمت هي، صمتهما كان ثقيلًا، يعرفان معًا من الفاعل، نظر بدر إلى ليلى بشفقة وخزى، بينما تمالكت ليلى نفسها، وتقدمت بخطوات ثابتة وخرجت من السيارة


اقترب أوس من ابنته، وعانقها بلهفة، أمام الجميع، كذلك مهرة التي جرت نحوها، احتضنتها وقبلتها بعاطفة ولهفة


ردد بدر قائلاً لأوس :

بنتك عندك يا أوس، انت ومراتك، هي حرة بقى، ترجع ليوسف تاني، تسيبه، هي حرة، القرار يرجعلك انت، وهي


ابتعد أوس عن ليلى، ثم وقف امامه بدر يريد ان يعتذر، لكن بدر بادر قائلاً بصرامة :

مراتك اتجاوزت كل الحدود، سنين استحملت فيها كلامها مع مراتي، اللي هي اختك، وقبل ما تقولي اللي عمله يوسف مش سهل، وغصب عنها، هقولك مراتك كده من قبل عمايل يوسف من سنين، واختك اللي كانت مسكتاني، لكن مراتي لو حد اتكلم معاها بالأسلوب ده مرة تانية، مش هسكت يا أوس، حتى لو منعتها انها تخطي هنا تاني


غادر بدر المكان بخطوات ثابتة، متجاهلاً نداء الجميع، فرددت مهرة بغضب، وغل :

هو ليه عين يتكلم، ايه البجاحة دي، مش كفاية عمايل ابنهم، ناس غيرهم مكنوش حتى رفعوا عينهم من الأرض و…...


لكن نظرة أوس الحادة، المليئة بالصرامة والتحذير، أوقفتها عن الكلام فورًا، حرك الباقون برؤوسهم ببطء، عيونهم محملة باليأس منها

اقترب حمزة من والدته، وردد هامسًا بصوت خافت :

ماما عدي الليلة، بابا على آخره، بلاش تقلب بغم ع الكل


نظرت ليلى لوالدها بعينين مليئتين بالعزم، وقالت بهدوء :

انا اللي اختارت، يا بابا.....مكاني مع يوسف


ساد الصمت في الغرفة، حتى صرخ أوس بحدة :

انتي اتجننتي؟!


تنهدت ليلى ثم قالت بهدوء :

محتاجة اتكلم مع حضرتك، وعمي ادم لوحدنا


نظر أوس لأدم، ثم دخلوا غرفة المكتب، سألها اوس بنفاذ صبر :

ايه الجنان اللي قولتيه بره ده


تنهدت ليلى، واخذت نفسًا عميقًا ثم قالت :

مكاني مع يوسف يا بابا مش حب، لأ مكاني معاه عشان ادفعه التمن غالي، عشان افوقه من الوهم اللي معيشلي نفسه فيه، عشان اعرفه انه ظالم مش مظلوم، يوسف لازم يفوق يا بابا، عشان خاطر عمتو حياة، وعمو بدر، انا لو عليا كفاية اوي اشوف مقهور، والندم بينهش في قلبه على ظلمه ليا، انا مش عاوزة اعيش وانا حاسة ان حقي راح، مش عايش اعيش بشعور المظلومة، وانا اقدر اخد حقي، واثبت برائتي، انا ليلى العمري بنت العيلة دي، كوني بنت العمري مش لازم اضعف، مش لازم اسيب حقي، اللي يأذيني لازم يفكر الف مرة قبل ما يعمل كده، ولو حصل وعمل اذاه هرده ليه الف مرة، انا مس قليلة ولا ضعيفة يا بابا عشان اسكت، انا مش هخسر اكتر من اللي خسرته، فسيبني اخد حقي ع الأقل ميحيش يوم الوم نفسي، او الوم حد فيكم انه فرط فيه، انا اتظلمت واوي كمان، سكوتي السنتين اللي فاتتوا مش ضعف، لأ كانت صدمة، مش اكتر، بس انا دلوقتي فوقت ليه، ولو كنت هسكت فهو اللي ابتدا بالشر، يوسف راجع ومش ناوي على خير، عشان كده لازم افوقه، واعرفه انه مش لواحده في الدنيا دي، واني اقدر اعمل زيه واكتر، يوسف مش لازم يشوف سكوتي ع اللي بيعمله وإلا هيتمادى، لازم يعرف ان قصاد كل ضربة منه، هياخد مني الف ضربة


كان آدم يراقب الموقف بصمت، عيناه تتنقلان بين أخيه أوس وبين ليلى، في داخله، كان مقتنعًا بكلامها دائمًا رآها أقوى بنات العائلة، أكثرهن وعيًا بما تريد، وأشدهن صلابة في مواجهة المحن، كان يعرف يقينًا أنه إن دخلت معركتها مع يوسف فلن تخرج إلا وقد غلبته، لكن لسانه انعقد، لم يشأ أن يتدخل، فالقرار في النهاية بيد أخيه، لم يرد أن يحمل لومًا أو عتابًا إن آل الأمر إلى سوء


لكن نظرة عيني أوس لم تُخفَ عن آدم، رأى فيها تلك الموافقة الصامتة


شعر ادم بمرارة متناقضة، بين فخره بابنة أخيه التي وقفت بهذه الصلابة، وخوفه عليها من مواجهة لا ترحم، أما أوس، فعينيه قالت ما لم يستطع لسانه قوله، مزيج من ضعف الأب أمام رجاء ابنته، ومن خوفٍ لا يُفارق قلبه


ابتسم آدم بسخرية حزينة، يتذكر كيف كانوا قديمًا يتخيلون أن حكاية يوسف وليلى ستكتمل يومًا، أن القدر سيجمع بينهما ليغلق دائرة الماضي، لكن الواقع أثبت العكس، يوسف وليلى يلتقيان من جديد، لا كحبيبين بل كخصمين لدودين، بنفس الشكوك، بنفس الندوب القديمة التي لم تندمل


ظل أوس في حيرة من أمره، صامتًا، يزن الأمور بقلب مثقل، لكن نظرات ابنته كانت أقوى من كل تردده، عيناها ترجوانه وتستحلفانه بالصمت أن يمنحها الفرصة، شعر بضعفه يتسلل أمام صلابتها


اقتربت ليلى منه بخطوات ثابتة، وقالت بصوت مزيج من ثقة ورجاء :

صدقني يا بابا، أنا هكون بخير، بس أرجوك ادعمني في اللي أنا عايزاه، كل اللي طلباه شهر أو شهرين بالكتير، مش طالبة أكتر من كده


تنهد أوس تنهدة طويلة، كأنها زفرة جمعت الحيرة والحزن والخوف في آن واحد، خرج صوته المختنق :

لو جرالك حاجة أو اتأذيتي، عمري ما هسامحك


كان في تلك الجملة كل شيء، تحذير، تهديد محب، وخوف اب على ابنته !!!


أجابته ليلى بثقة :

انا لو جرالي حاجة واتأذيت، عارفة ومتأكدة ان حضرتك وعمو آدم وعمو ريان وعمو أمير، كل فرد في عيلتنا في ضهري، انا قولت ليوسف يا بابا احنا كتير، احنا سند لبعض، لو واحد فينا وقع، ألف هيرفعوه، لكنه لو فضل على اللي بيعمله ده هيبقى لوحده من غير حد


ابتسم آدم ابتسامة فيها اعتزاز وصمت طويل، فخورٌ بمَن رآها تقف بهذا الاتزان والقوة، تذكره دومًا بحياة، ليلى لم ترث من جدتها الراحلة ليلى سوى الأسم فقط، ابتسم بحنين وهو يتذكر والدته الراحلة كانت ذات شخصية هادئة جدًا، وضعيفة ترحم عليها بخفوت


توقّف الزمن لحظة في صدر أوس، بعد تفكيرٍ عميق، أخذ ليلى في حضنه، كان ذلك العناق كموافقة صامتة على ما تريد، خرجوا الثلاثة إلى الجميع، فردد ادم بصفته الكبير قائلاً بصرامة ان ابنته ستعود إلى يوسف !!!!


تبادل الحضور النظرات، صدمة من مهرة، حيرة من البعض، كادت مهرة ان تصرخ، لكن نظرة أوس الحازمة كانت كافية لتخرس صوتها وتجعلها تصمت بكمد


اقتربت ليلى من والدتها، احتضنتها بقوة، كان احتضاناً فيه طمأنينة وخوفًا وكأنها تستمد دفءًا آخر قبل الخروج إلى المعركة، كانت علاقتها بوالدها أقوى، كأن جذور الحماية والأمان متجذرة أكثر في حضنه، بينما كانت علاقتها بوالدتها أهدأ وأكثر تودداً بطبيعتها، فهي وشقيقها الأكبر مالك كانا دومًا الأقرب لوالدهما، بينما حمزة اصغرهم كان الأقرب لوالدتها


صعدت ليلى إلى غرفتها لتأخذ أغراضها، وخلال كل خطوة كانت تدور في رأسها أسئلة مثل صقور تتربص، كيف ترد الضربة إلى يوسف....؟!!

كيف سثبت انه من فعل.....؟!!

كيف تجعل الحق يعود، كانت على يقين ان خوض تلك المعركة يتطلب خطة مدروسة لا عاطفة عابرة


جلست لحظة، أخذت نفسًا عميقًا، وجمعت من حولها خيوط الصبر والتصميم، لم يكن الانتقام هدفها الوحيد بل استعادة كرامتها وحقها، وإظهار أن ظلمًا كهذا لا يمر بلا ثمن، أمامها حسابات كثيرة، كيفية جمع الأدلة، من سيساندها، الخطوات التي ستُحطم ذرائع يوسف.....؟!


كانت الحرب قد بدأت في صدرها قبل أن تبدأ على أرض الواقع، وهي تعلم تمام العلم أن النصر لا يأتي إلا لمن يخطط، وهي تعلم ما عليها فعله والآن !!!

..........

كانت صافي جالسة في غرفتها بعد يومٍ طويلٍ أثقل روحها، تحدق في الفراغ حين باغتها رنين هاتفها، برقم غريب يطل على الشاشة، لكن قلبها انقبض بشعورٍ خفي أنها تعرف من يكون، التقطت الهاتف وردت بصوتٍ حذر :

مين؟


جاءها صوته المميز، يحمل في نبراته شيئًا من الغرور والوقاحة :

معقول تنسي صوتي، مع إن صعب يتنسي!!


ارتبكت للحظة، ثم تمالكت نفسها وردت بحدة :

عاوز ايه؟!!!


رد عليها مباشرةً، بلا مراوغة :

عاوز اشوفك


شهقت بغيظ، وأجابته بحدة :

بقولك ايه، مش عشان رقصة رقصناها سوا، هتقرفني كل شوية، وتفكر نفسك لاوي دراعي لا فوق يا حبيبي ده انا بنت ادم العمري، ولا تهز فيا، شعرة، اياك تتصل بيا تاني، او المحك في مكان انا فيه


ضحك بنبرة كلها سخرية، وقال :

متأكدة انها رقصة بس!!!


احمر وجهها بالخجل والحنق، فأغلقت الهاتف في وجهه بعنف، أنفاسها متسارعة، قدماها ساقتاها حيث الوحيدة التي تجد عندها صدراً رحبًا جوري، ابنة عمها امير، وملاذها الأهدأ في هذه العائلة المزدحمة


طرقت باب غرفتها، فوجدتها قائمةً بين يدي الله تصلي، فجلست تنتظرها بشرود، تستعيد آخر لقاءٍ جمعها بذلك المسمى إياد بالمصعد بعد ان كشف لها من يكون، حين اقترب منها وحاول أن يسرق قبلةً منها، فصفعته بكل قوتها وهربت لكن طيفه لم يغادرها !!


أفاقت على صوت جوري الرقيق، تسألها بعينيها الحانيتين :

مالك يا صافي


انفرجت شفتا صافي بتوتر، وقالت :

أنا غلطت جامد يا جوري 


سألتها جوري برفق، رغم القلق الذي ينهش قلبها :

بعد الشر، غلط إيه ده، خير إن شاء الله


قصت عليها كل شيء، عن بداية تعرفها بإياد، وعن ملاحقاته، وعن الحماقة التي كادت ان ترتكبها، اشتعلت نظرات جوري غضبًا وهي توبخها :

اللي عملتيه ده قلة أدب، إزاي تسمحي لنفسك تروحي مكان زي ده وانتي عارفة اللي فيه، طب انا اتوقعها من جوان عشان مجنونة ومخها ضارب زلا بيفرق معاها حد، لكن انتي يا صافي، ليه تعملي كده.....؟!!!


حاولت صافي تبرير ما لا يُبرر، قائلة :

كنت حابة اغير جو، وبابا واعمامك خانقينا، كل حاجة بميعاد، روحوا هنا، ما تروحوش هنا، كأننا لسه عيال صغيرين، مع اننا كبرنا، واتخرجنا، ومع ذلك لسه بيتعاملوا معايا كده، مش سايبين لينا الحرية 


انفجرت جوري، قائلة بحدة :

بتسمي خوف أبوكي، وعمامك علينا تحكم، شوفتيها كده، وماشوفتيهاش انهم شايلين همنا وبيحمونا، وخايفين علينا 


قاطعتها صافي قائلة بضيق، وكبر :

حماية إيه، كل حاجة متقيدة بميعاد، بروح فين ومش بروح فين، احنا مبقناش عيال صغيرة، افهميني


نظرت لها جوري بحدة، وقالت بتعقل :

طيب، اديكي اخدتي الحرية اللي عاوزاها، من وراهم، استخدمتيها ازاي بقى، روحتي ترقصي بين ايدين واحد غريب عنك، وكان هيقرب منك ويلمسك، ردي عليا استخدمتي حريتك ازاي لما كنتي لوحدك


طأطأت صافي رأسها، تحاول الهروب من الحقيقة :

خلاص بقى يا جوري، يوم وعدى


رفعت جوري حاجبها، وردت عليه باستنكار :

عدى!!!!، لأ معداش، الراجل ده لسه بيلاحقك، وبسلامته كمان ممكن يهددك، هتعملي ايه ساعتها، لو قال لعمي آدم أو لياسين أخوكي؟!!!


ارتجف صوت صافي، وملامحها يغشاها الخوف :

انا عارفة إني غلطت، بس والله ما عارفة إزاي حصل كده، أول ما بصيت في عيونه، حسيت اني مغيبة، انا معترفة اني غلطت اعمل ايه دلوقتي


تنهدت جوري بعمق، فتابعت صافي بشرودٍ يفضح ما يعتمل في صدرها :

بس، رغم كل ده، مش حاسة بخوف منه يا جوري، في حاجة جوايا غريبة، شعور حلو، نفسي أعيشه تاني، بس مش كده، مش وانا مستخبية وخايفة من نظرات الناس


نظرت إليها جوري نظرةً حادةً ممتزجة بالحنان :

الحاجة اللي تخافي تعمليها في النور تبقى غلط، ولو فعلاً في إعجاب حقيقي بينكم، هو هيجيلك لحد بيت أهلك ويطلبك، الراجل المحترم ما بيقربش من واحدة بالطريقة دي، واضحة زي الشمس، انه عاوز يتسلى، خلي بالك يا صافي، وبلاش تقابليه، او تردي عليه، ولو ضايقك، روحي قولي لعمي آدم خليه يعرف منك انتي احسن، لأن لو عرف من بره، ساعتها مش هيغفرلك أبدًا


اومأت لها صافي بصمت، وغادرت لغرفتها، عازمة ان تفعل ما قالته لها جوري بالحرف !!

............

عادت ليلى إلى الفيلا عند يوسف، لتتفاجأ بوجود رفيق عمره، ماجد، الذي عرفته على الفور، القي عليها التحية فبادلته إياها، ثم نظرت إلى يوسف بغل وغضب، فابتسم بمكر فهو يعلم سبب غضبها جيدًا، يعلم كم تحب عملها، وبشدة، وهو يعرف كم تعبت من أجله، وجاء هو واحرق كل شيء بدون ان يرف له جفن، فلتنتظر، هذا نقطة صغيرة في بحرٍ من الأمور التي لا يزال ينوي فعلها بها !!!!


بعد أن صعدت ليلى، وقبل ان تدخل إلى غرفتها، سمعت صوت ماجد وهو يتحدث مع يوسف بجدية :

مقر الشركة خلاص اتشطب، والموظفين هيستلموا الشغل من بَعد بكرة، والمزرعة تمام خلصنا ورقها مع صاحبها وكله تمام


ساد صمت قصير، ثم واصل ماجد بضيق :

الجماعة في لندن كلموني قبل ما انزل مصر، فيه شحنة مطلوب مننا نطلعها بره مصر، بس تمنها غالي أوي، ومشددين عليها جامد، معرفتش أتصرف لما قالولي كده، فنقلتها لمحزن الشركة لحد ما نشوف حل، لازم نشتري مخزن بعيد عن العيون عشان الشغل ده، لو اتمسكنا هنروح في داهية خلي بالك يا يوسف، البضاعة دي تمنها غالي أوي، يا هنسد تمنها، يا هيطير فيها رقاب، فكر ازاي هنهربها بره مصر


صمت للحظات ثم تابع بضيق :

ايه لازمت الشغل في السلاح والمخدرات والقرف ده كله يا صاحبي، بقى معانا الفلوس اللي تكفينا وزيادة، ليه مكملين لحد دلوقتي، علينا بإيه ده كله، ما كفاية لحد كده


شعرت ليلى بالصدمة، فوضعت يدها على شفتيها بزهول، كيف سلك يوسف طريق الشياطين، وكيف وقع كل هذا...؟!


صعدت إلى غرفتها مسرعة، لم تستطع سماع المزيد، أغلقت الباب بالمفتاح وهي منهكة ومتعبة من صدمات اليوم، غلبها الإرهاق، وغفت بعد تفكير طويل إلى أن وصلتها فكرة ستجعل يوسف يجن !!!!

........

في الصباح الباكر، استغلت ليلى خروج يوسف إلى عمله، فأنهت بعض أمورها سريعًا وعادت إلى الفيلا، وما إن دخل حتى جرت نحوه تسأله بغضب :

انت اللي حرقت المطاعم، وكل شغلي، انت اللي عملت كده يا يوسف؟!!!!


قلب عينيه بملل، وابعدها عن طريقه، لكنها وقفت أمامه مجددًا، تصرخ عليه بإصرار :

انت اللي حرقتهم؟!


رد عليها يوسف بنفاد صبر :

سؤال في منتهى الغباء، تفتكري مين ممكن يعمل كده غيري


ثم تابع باحتقار :

آه صحيح نسيت إن واحدة زيك مؤذية، زمانك أذيتي ناس كتير ومحتارة دلوقتي مين فيهم اللي انتقم منك


سألته ليلى بحدة :

يعني انت اللي حرقت؟


صرخ عليها بغضب وغل :

آه، أنا اللي حرقتهم، وكل ما تبني، ههدم، انا هفضل وراكي يا ليلى، مش هسيبك تتهني بحاجة، عارف إن شغلك ده روحك فيه......


قاطعتْه بصوت مبحوح يفضح حزنها :

عارف ومع ذلك حرقته....عارف أنا شقيت فيه قد ايه يا يوسف، ومع ذلك دمرته، رجعتني لنقطة الصفر من تاني


رد عليها بغل :

تستاهلي أكتر من كده، تستاهلي الموت يا ليلى، إنتي احقر واحدة قابلتها في حياتي


ابتسمت بمرارة وردت بتشفي :

افتكر كلامك ده كويس أوي يا يوسف، عشان مفيش أقصر من الأيام، وبكره كل حاجة هتبان


ارسلت خلسة رسالة قصيرة للضابط، الذي كان يتابع الحوار كاملًا عبر جهاز تسجيل حصلت عليه بإذن رسمي لاستخدامه من النيابة !!


جلست ليلى على الكرسي، وضعت قدمًا فوق الأخرى، وقبل أن يدخل الضباط، رمقته بنظرة مليئة بالتشفي وقالت :

افتكر ان البادي أظلم يا ابن عمتي


دخل الضابط، ومعه قوة الشرطة، وأبرز أمر الضبط والإحضار الصادر من النيابة، ثم قال بلهجة رسمية :

استاذ يوسف، حضرتك متهم بإتلاف ممتلكات عمدًا، طبقًا للمحضر المقدم من السيدة ليلى أوس العمري، والنيابة أصدرت أمر بضبطك وإحضارك....اتفضل معانا


وقف يوسف متصلبًا، تبادل نظرات مليئة بالغل مع ليلى، بينما هي لم تُخفي ابتسامتها الساخرة


في المساء، وصل إلى ليلى خبرٌ ثانٍ كانت تنتظره، غمرتها رغبةٌ جامحة أن ترى ملامح يوسف وهو يتلقى هذا النبأ، فدفعت بعض المال للعسكري عند البوابة، ودخلت لتقف أمامه، كانت القضبان الحديدية وحدها الحاجز بينهما، لكنها شعرت أنها هي من تُمسك بزمام القيد حوله


اقتربت قليلًا، وعيناها تتلألآن بالتشفي، وقالت بمرحٍ مصطنع :

في خبر حلو أوي يا بن عمتي، جالي حالًا، وماقدرتش أفرح لوحدي، قولت أجي أفرحك معايا


تقلصت ملامحه بتوجس، ونظر إليها بغيظٍ كامن، فرفعت هاتفها وبدأت تقلب فيه، تدندن بمرحٍ متعمد :

فين يا ليلى، فين؟ أممم، فين يا ليلى، حريق مخزن يوسف يا ليلى......اه اهو !!!


وضعت الهاتف أمام وجهه، لتغرز الصدمة في عينيه، اتسعت حدقتاه، انطفأت نظرة الكبرياء وحل مكانها ذهولٌ مرير، لم يكن يتخيل أنها قادرة على ضربه في مقتل، سحبت ليلى الهاتف ببطء، ثم قالت بابتسامة باردة :

والله دورتلك على هدية أحلى، بس مالقتش أغلى من كده


انفجر صوته غاضبًا، ممزوجًا بالوعيد :

ده أنا هوديكي في ستين داهية


أجابته باستفزاز وهي تنظر لأظافر يدها ذات اللون الزهري :

تمام، بس ابقى قعدني جنب الشباك، عشان بتخنق


همَّ أن يصرخ عليها، فقاطعته بصرامةٍ حادة :

وطي صوتك، بدل ما امسح بكرامتك الأرض


أطبقت الصمت لحظة، ثم تابعت ببرودٍ ينضح بالثقة :

مشكلتك يا يوسف إنك استخفّديت بيا، واستقليت بيا، دلوقتي كل واحد فينا عرف مقامه


اقتربت أكثر، وهمست ببرود :

عاوز تبلغ عني، بلغ، ساعتها هقول عن المخدرات اللي كانت في المخزن، وساعتها بدل ما تتحاسب على اللي عملته فيا، هتلاقي روحك بتاخد تأبيدة، ويمكن أكتر


صرخ من خلف القضبان، وجهه مشتعلاً بالغضب :

هقتلك يا ليلى


ابتسمت ابتسامةً مستفزة، وردت عليه بسخرية قاتلة :

ماشي يا چو، انوي انت بس، والسلاح عليا


ثم استدارت وغادرت، تاركةً إياه يغلي خلف القضبان كبركانٍ مقيد، بينما هي تمضي بخطواتٍ واثقة، تتذكر ما فعلته حتى تجعله يقع بشر اعماله !!


عودة بالوقت للصباح......


اقتحمت ليلى المكتب دون أن تكترث بطرق الباب، لتتفاجأ بسليم في وضعٍ مخل مع سكرتيرته شدوى، التي ما إن رأت ليلى حتى ارتبكت وهربت مسرعة للخارج، التفتت ليلى نحوه بعينين تمتلئان بالاشمئزاز، وقالت بصوتٍ لاذع :

مش ناوي تنضف بقى؟


رفع سليم رأسه إليها ببرودٍ يثير الغيظ، وأجاب بلا مبالاة :

خير يا بنت عمي.....ايه سر الزيارة الكريمة دي


تقدمت وجلست على الكرسي المقابل له، وقالت بجدية :

جي الوقت اللي تردلي فيه المعروف اللي عملته معاك، سكوتي على فضايحك قدام العيلة


زفر سليم بضيق، يتذكر المرة التي ضبطته فيها ليلى متلبسًا مع فتاة، وحين حاصرته بنظراتها لم يجد مهربًا سوى أن يعترف بأنها زوجته، زواج عرفي!!!

لم يكن يخشى أحدًا في العائلة بقدر ما كان يخشى انكسار صورته أمامهم، فهو أكبر الأحفاد وأثقلهم وزنًا في نظر الجميع، والمفارقة المريبة أنه كان مقتنعًا تمام الاقتناع أن زواجه بتلك الطريقة صحيح وشرعي، ومع ذلك لا يجرؤ أن يعلنه بينهم، تناقض يمزق داخله بين جرأة الفعل وخوف الفضيحة


تنهد، ثم رد عليها بجدية :

عاوزة ايه يا ليلى، انتي عارفة إنك مش محتاجة تلوي دراعي عشان أنفذلك اللي انتي عاوزاه، احنا ولاد عم، اي حاجة هتحتاجيها مني هعملها ليكي


ابتسمت ليلى ابتسامة غامضة، وقالت بنبرتها الماكرة :

يمكن عشان اللي هقوله خطر، ومحتاج تفكير


اعتدل في جلسته، وسألها بتوجس :

قولي


أطلقت ليلى ما في جعبتها ببرودٍ قاتل، كلماتها تتساقط كشررٍ ملتهب، حدّثته عن رغبتها في إحراق شركة يوسف التي انتهى لتوه من تشطيبها، وعن المزرعة التي اشتراها، ثم عن المخزن المظلم الذي يكدس فيه تلك المواد السامة التي بدأ يتاجر بها خلسة، لم تكن تتحدث كمن يبوح بفكرة، بل كمن يرسم خطة انتقام محكمة، وكأن النار التي ستأكل ممتلكاته هي المرآة الوحيدة القادرة على إطفاء الحريق المشتعل في قلبها...... أو ربما القليل !!


انتفض سليم من مكانه، ضرب المكتب بيده وصاح بحدة :

إنتي اتجننتي؟!


صرخت في وجهه بعناد، وصوتٍ يقطر غضبًا :

انا خسرت تعب سنين في ثانية بسببه، دلوقتي دوري آخد حقي، لجأتلك عشان عارفة إنك الوحيد اللي هتساعدني، ومش هتفتح بوقك معايا بكلمة بسبب اللي اعرفه عنك


ثم تابعت بحدة :

بيك أو من غيرك، أنا هعمل اللي في دماغي، فخليك معايا، احسنلك يا بن عمي


نهض واقفًا، يواجهها بعينين مشتعلة :

انتي كده هتودي نفسك في داهية


ردت ببرود يثير الرعب :

عشان كده جايالك، نقعد ونرتب عشان ماحدش يتأذي، ونطلع ابيض من القصة دي، وأنا هتكفل بمصاريف رجالتك كلها


صمتت ثم تابعت بمكر :

بس أهم حاجة، بعد ما يخلصوا، عايزة لايف للحريقة


زفر سليم بعمق، تضارب داخله بين رفضه للفكرة وبين خوفه عليها، لم يكن رهبة من تهديدها بقدر ما كان حريصًا عليها، في النهاية، رضخ لمكرها، ووافق على مضض، واتفقا على كل شيء!!!


خرجت من عنده بخطواتٍ ثابتة، وفي داخلها نار لا تهدأ، قصدت الضابط شريف، ابن عمها ريان، جلست أمامه وقالت بثقة بعد ان قصت له بالمختصر بعض الأشياء، واحتفظت بالباقي لنفسها :

عاوزة أعمل محضر بالحريق اللي حصل في كل ممتلكاتي، وعاوزة أسجن الفاعل، الدليل هجيبه، بس محتاجة إذن نيابة


اتسعت عيناه بصدمة، لم يصدق أذنيه :

ليلى، إنتي سامعة نفسك بتقولي إيه؟!


نظرت له بثبات، وقالت  :

اسمع يا شريف، أنا مش جاية أتناقش معاك، انا بقولك عاوزة المحضر يتعمل، والإذن يطلع، ومحدش هيعرف بالموضوع ده، انت بس ساعدني من بعيد، وخلي حد غيرك يتولى الموضوع ده، ويمسك القضية


تردد طويلًا، قلبه يضطرب بين واجبه كضابط وبين خوفه من عواقب ما تفعل، في النهاية، رضخ على مضض، بعد أن أخذ منها وعدًا صريحًا ان لا تخبر احدًا فعمته حياة، وزوجها لن يغفروا له، واخذ وعدًا اخرًا منها بشيءٍ ما !!!!!

.........

في اليوم التالي، عُرض يوسف على النيابة بحضور محاميه وصديقه ماجد، وبعد الاطلاع على أقواله، وسماع أقوال الشهود، ومراجعة التسجيلات والمستندات، أعلن وكيل النيابة :

بعد الاطلاع على محضر التحريات، وسماع أقوال الشاكية، ومراجعة الأدلة، قررت النيابة العامة حبس المتهم يوسف بدر عثمان الجارحي أربعة أيام احتياطيًا على ذمة التحقيق، مع تجديد الحبس حال انتهاء المدة ما لم يُفرج عنه قانونًا


ضُرب ختم القرار، فانقبض قلب يوسف غيظًا، بينما ليلى جلست على المقعد تضع قدمًا فوق الأخرى، بنظرات مليئة بالمكر والانتصار وهي ترى الأصفاد توضع حول يديه !!!!!

.............

تكملة الرواية من هناااااااا 


لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملة الجزء الاول1 من هناااااااااا

الرواية كاملة الجزء الثاني2 من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا

تعليقات

التنقل السريع
    close