القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية قصر البيه من الفصل الأول إلى الفصل العاشر بقلم اسماعيل موسي

 


رواية قصر البيه من الفصل الأول إلى الفصل العاشر بقلم اسماعيل موسي





رواية قصر البيه من الفصل الأول إلى الفصل العاشر بقلم اسماعيل موسي



يا باشا انا نضفت القصر ومسحت الأرضيات وغيرت الزيت للقناديل ذى ما حضرتك أمرت والحطب إتقطع ومرصوص جنب المدفأه حضرتك تأمر بشي أخر ؟

دون أن يرفع عينيه المحدقه بالكتاب همس البيه، لا يا عبد العاطى تقدر تمشى أنت ،لكن متنساش وانت خارج تسقى الزرع !!

اوامرك يا باشا حاضر !!

رفع عبد العاطى حقيبة القاذورات التى تحوى داخلها بقايا طعام البيه  أمس فوق كتفه وخرج نحو الحديقه التى قص اشجارها قبل اسبوع ثم القى نظره على شرفات القصر القديمه قبل أن يبداء سقاية الأشجار والزهور ،من بعيد خلف الحديقه كانت أصوات الفلاحين والفتيات الاتى  يجنين الفاكهه من المزارع تتعالى وأمين العزبة يصرخ من على حماره الهمة يا بنات، الشمس قربت تغرب، جلس البية فوق مقعده فى فمه سيجاره مرتدى بذته الزرقاء ونظارة شمس سوداء واضعا قدم فوق قدم يرمق الآفق من على سطح القصر، كانت شمس الشتاء تتسحب خلف الأشجار تاركه خلفه شفق احمر قانى والفتيات الشابات منحنيات داخل الحقول تلاعب الريح الاشربات التى يغطين بهم شعرهن ،يمسحن العقرب من على جباهن رغم برودة الجو

ثم صرخ الخولى خلاص خلصنا النهرده، اصطفت الفتيات فى صف طويل يتلقين الاجره من امين العزبة واضعا فى كف كل واحده منهن قرش او قرشين ومحذرا بصوت صاخب إى فتاه

تكون سرقت حبة فاكهه وخبأتها تحت ملابسها

ثم انطلقت كبرتتة امين المزرعه فى الطريق الترابى نحو منازل القريه والفتيات يركضن خلفها ،أشد اللحظات التى يكرهها البيه عندما تختفى الأصوات وتحل بة الوحده ولا تتبقى الا اظلال القمح والنخيل والاشجار الشبحيه

وكاد ان يغادر مكانه عندما لمح فتاه تمشى بمفردها خلف الجماعه متباطأه فى سيرها ،كانت الشمس اختفت من جو السماء وحلت غبشه من سواد، كانت تسير ببطيء حذر حتى اختفت اخر ظلال اقرانها ،استدارت يمين ويسار ثم من تحت عريش كركديه نبت على طرف قناية ماء سحبت لفة مربوطه بأشرب ووضعتها فوق رأسها ،ابتسم البيه فى سخريه

فلاحه خبيثه وهو يتابعها ترحل

عندما عبرت الفتاه القصر القت نظره مطوله على شرفات القصر ،نظره غير مألوفه ووقفت دقيقه كأنها تتحدث مع نفسها ثم رفعت طرحتها وغطت وجهها وتابعت السير حتى اختفت فى الظلام.


عندما وصل عبد العاطى القصر فى صباح اليوم التالى

حمل القهوة للبية الذى يتصفح الجورنال ويدخن السيجاره

القهوه يا محمود بيه !

حطها هنا يا عبد العاطى

تأمىر بحاجه تانيه يا باشا؟

لا يا عبد العاطى شوف شغلك انت

عبد العاطى ؟ همس البية وهو يقلب أوراق الجورنال

انا عايز خدامه

ابتسم عبد العاطى كأنه نال حظوة او جائزه غير متوقعه

انا قولت كده يا باشا وعرضت الموضوع عليك اكتر من مره لكن حضرتك كنت رافض تماما  التعامل مع أهل القريه 

شفلى خدامه كويسه ياعبد العاطى وتكون امينه ومش رغايه

حاضر يا بيه

رفع الباشا يده منهيآ الكلام وحارما عبد العاطى من الاستغراق فى ابداء تفانيه المبتذل

دا يوم السعد يا باشا ،مين يطول يخدم محمود بيه بجلالة قدره ؟

امشى يا عبد العاطى انا مش عايز صداع....


احضر عبد العاطى أكثر من فتاه ليختار منهم محمود بيه خادمه، وقفت الفتيات فى الحديقه تحت أنظار محمود بيه الواقف فى الشرفه مرتدى بذته الرسميه كالعاده

دقق محمود بيه النظر لدقيقه تأمل ملابسهم المهترئه وجووهم الشاحبة الشمراء  التى صبغتها الشمس ،قسمات البلاهه الباديه على ملامحهم ، لم يجد داخله اى رغبه فى وجود واحد منهم فى مكان يتواجد فيه بأستمرار، هز رأسه باعتراض

بعدها صرخ عبد العاطى يلا يابنات كل واحده تروح على بيتها وهو يشعر بالخزى والتقصير لأنه لم ينجح فى المهمه التى اوكلها اليه الباشا،عندما يتحدث إليك البيه او يطلب منك امر ما هذا أمر لا يحدث كل يوم، منذ وصول محمود بيه وقد حفظ عبد العاطى كلماته القليله ،شكرآ يا عبد العاطى ،اسقى الزرع ،حطها هنا ،تقدر تروح يا عبد العاطى  ثم 

ان عدنان بيه وزوجته ،وفارس الدرملى مفتش الصحه

ومأمور القسم كل واحد منهم لديه خادمه حضرت معه من القاهره ومحمود بيه اردا يشرف قريته باتخاذ خادمه منها

انتظر عبد العاطى آمام باب القصر يده خلف ظهره مطرق لحضور الباشا الطاغى

خرج الباشا محمود بيه واضعا يده فى جيب بنطالة واليد الأخرى تدخن سيجار

ركض عبد العاطى ومشى جواره لكن متأخر عنه خطوتين

اسمع يا عبد العاطى، البنت إلى انا عايزها مش لازم تكون مميزه، لكن مش لازم تكون اى بنت تلاقيها فى وشك

انا ليه نظام ومزاجية وطقوس والاختيار مش هيكون سهل آبدآ، مش عايز اى واحده فلاحه تتلف الكتب او تلعب فى دفاترى واغراضى من غير ادراك، انا هديك فرصه تانيه

لكن المره دى كن حريص انك متفشلش ثم أطرق البيه مطلقآ بصره تجاه الحقول المزهره ونفخ دخان سيجاره

هى البنات إلى بتعمل فى الحقول دى ميصلحش منهم خادمه ؟

دى بنات وش شقى يا بيه واديهم ورجليهم مقشفه وميعرفوش يتعاملو غير مع المواشى


اعتقد مفيش واحده من بنات القريه تحسن القرأة والكتابه  يا عبد العاطى ؟

قرأه اية لا سمح الله يا باشا ،احنا الفساد لسه مدخلش عندنا الحمد لله ومفيش راجل يتجراء يدخل بنته المدرسه


همس الباشا الظاهر انى هطلب من رأفت بيه يشوفلى خادمه عن طريقه

متشغلش بالك يا محمود بيه، بكره الصبح هيكون عندك اكتر من خدامه ينالو رضاك ان شاء الله


تأمل محمود بيه بيوت القريه من فوق سطح قصره

الحطب الذى اشعلوه آمام المنازل لصنع الشاى والتدفئه

تخيلهم يجلسون مع اسرهم فى الهواء الطلق واطفالهم يلعبون من حولهم ،وزوجاتهم داخل المنزل تعد الجبن القديم او العدس  والخبز ،انها الحياة التى لم يختارها يوم وفرضت عليه ،بعد أن كان اسمة ماركه مسجله فى حانات حى الجماليه وبين القصرين تلك الحياه التى لم يشعر فيها بالملل




#2


أطلق محمود بيه دفعه من الدخان تحت ضوء القمر الرائق، رغم برودة الجو شعر أن الحراره تدب فى اوصاله عندما تذكر عنايات الغانية التى استطاعت ان تمنحة ما عجزت عنه بنات البكوات والبشوات رغم أصولها الاوباشيه ،خطاء بسيط يا محمود ويلقون بك فى غياهب الارياف مع الاوباش والحمير والبهائم ،ها هو قد مضى شهر فى هذة البقعه القذره المتعفنه ولم تلمح عينك فتاه جميله.

نهض محمود بيه ونزل درجات السلم

العشا جاهز يا بك ؟ همس الطباخ العجوز منحنى الظهر مثل سلحفاه

انا مش هتعشى النهردة يا سعيد ،تقدر تنام

اوامرك يا بك

جلس محمود بيه جوار المدفأه تحت أقدامة كانت خادمه عجوز تضع الحطب داخل المدفأه فى صمت

امسك الكتاب الذى تركه امس ولم يجد فى نفسه اى رغبه فى القرأة ،اشعل سيجاره أخرى وهو يتملل

يا محمود بيه؟

يا محمود بيه؟

انتفض جسد محمود بيه هذا اخر ما ينقصه قضيه تأتيه فى موعد النوم تنغص عليه راحته

فلاح سرقت بهيمته ، او جريمة ثأر بلا شهود

يا باشا غفير العمده  واقف بره ومعاه إشاره من المركز

رفع محمود بيه رأسه خليه يدخل

دخل غفير العمده بحذائه القديم القذر وجلبابه ذو رائحة المجارى ،شاربه الذى لم يهذبه منذ عام تسكنه الحشرات

بندقيته فوق كتفه

فيه إشاره وردت من المركز يا بك

ورينى

تناول محمود بيه الاشاره ومرت عيونه بسرعه على البلاغ

فى تعجب ابتلع ريقه

حضرى البدله يا سعديه ،وانت مر على كاتب النيابه فخرى افندى خليه يجهز ،عايز عربية النيابه تكون هنا خلال نص ساعه.

عندما خرج محمود بيه إلى السياره التى كان ينتظره فيها فخرى افندى وجد المأمور والعساكر فى انتظاره

الدنيا مقلوبه يا محمود بيه ولاد الكلب عملو جريمه اول مره تحصل همس المأمور فى غيظ

همس محمود بيه، مفهوم يا بيه مضايقة حرم ضابط انجليزى كبير مش هتمر مرور الكرام

الضابط الإنجليزى قاعد هناك وحالف ليقتل كل اهل القريه اذا لم يسلم المجرم نفسه

صمت محمود بيه يعرف ان كلامه لن يعجب المأمور عدلى بيه ،القانون لازم ياخد مجراه يا عدلى بيه

القى المأمور نظره على العساكر المحشورين داخل السياره الفورد ворд

 ثم همس انا أقدم منك هنا يا محمود بيه، المواضيع الشائكه دى لازم تخلص بسرعه وبأى طريقه مش ناقصين وجع دماغ من ولاد الكلب، ثم غمغم عدلى بيه مأمور المركز بصوت خافت ما هما فاتحينها على البحرى فى أمور النساء والحجات دى عندهم عادى اشمعنا عامل ازعرينه الضابط ده هو حلال عليهم وحرام علينا؟ عنده عزت نفس البية يعنى ؟

يقبلها من واحد من وسطهم وليس شخص من الاوباش يا عدلى بيه

المهم يا محمود بيه عايزين اى واحد نلبسه القضيه ونخلص

اصل لو قعدنا نحقق مش هنوصل لحاجه انا عارف ولاد الرفدى الفلاحين دول

شرد محمود بيه فى الطريق الممتد أمامهم بين حقول القصب والذره

وصلنا يا بهوات صرخ غفير العمده بصوت فتح طبلة اذن محمود بيه

كان العمده قد جمع رجال القريه وشبانها ونسائها والغفر يحيطون بهم كمجرمين حرب

مسمعش نفس ولا واحد فيكم يا اوباش بقا تعملو العمله المهببه دى ؟كان العمده يصرخ بصوت صاخب


نزل محمود بيه وجلس على المقعد الخشبى الذى كان فى انتظاره

انت جامع النساء ليه يا عمده؟ سأل المأمور عمدة القريه

يا سيادة المأمور اصل فيه ستات عامله ذى الرجاله ممكن تكون واحده منهم هى إلى بسبسبة للحرمه الانجليزيه


ابتسم محمود بيه، هى المازموزيل الانجليزيه كانت بتعمل ايه هنا داخل ربوع القريه يا عمده ؟


كانت عايزه تتفرج على حياة الفلاحين وبيوتهم وعملهم فى الحقول ورفضت ان الحارس الانجليزى يرافقها

وبعد كادت يا بيه صرخت وقالت اوه ماى قد، الحارس الانجليزى ركض ناحيتها وأطلق الرصاص على شخص جرى واختفى وسط زراعات القصب ،كانت منهاره يا بيه وبتبرطم بالانجليزي وبعدها الدنيا خربت وردت إشاره من المديريه والوزارة ومن ساعتها وانا واقف على رجليه يا بيه


طيب يلا نبداء التحقيق يا عمده فين الشهود ؟

يا باشا هو انت متعرفش؟

انا لامم الغجر دول لأن الضابط الانجليزى وحرمه هيجو دلوقتى عشان تتعرف على المجرم من بين ولاد الرفضى دول


اتكاء محمود بيه على المقعد واشعل سيجاره على قدر كرهه الإنجليز الا ان حضور السيده الانجليزيه سيوفر عليه الكثير من الجهد

وبين لحظه ولحظه كان يسمع صراخ رجل أو سيده تلقت ضربة سوط من احد الغفراء لتقويم النظام وفرض الانضباط


وصلت السياره ونزل منها الضابط الانجليزى ببذته المموهه  وحذائه الامع  وحارسه المتعجرف

كان مسدسه فى يده وقبعته مائله فوق رأسه ،ساعد الضابط زوجته على النزول وهو يلعن الأرض المتربه التى ستوسخ ملابسها

نهض مأمور المركز والعساكر ومحمود بيه

This is absolutely unacceptable. Where is the criminal? How have you not found him yet

وجه الضابط كلامه لمأمور المركز الذى لم يفهم حرف منه

لكنه صرخ فى العساكر وبسرعه ركض الجنود وراحو يضربون الفلاحين بالعصى ودبشك البندقيات

إلى عمل العمله المهببه دى يتقدم خطوه والا والله وبالله هولع فى بيوتكم وعيالكم وبهايمكم كلها يا همج

حل صمت لم يقطعه الا صوت غراب ازعج الموزمازيل


Oh mon Dieu, ils ressemblent à des animaux, bébé, j'ai la nausée, je pourrais m'évanouir à tout moment, regarde-les, c'est une bande de monstres

يا الهى انهم يشبهون الحيوانات، حبيبى أشعر بالغثيان قد افقد وعى فى اى لحظه، انظر اليهم مجموعه من الوحوش


تقدم محمود بيه خطوتين 

Bienvenue Madame, soyez assurée que la justice suivra son cours, et celui qui vous a importunée sera jeté en prison pour un siècle.


اهلا بك يا هانم، كونى واثقه ان العداله ستأخذ مجراها ،وأن الشخص الذى ازعجك سيزج به داخل السجن لقرن من الزمن 


Oh mon Dieu, tu parles si couramment le français ma chère, j'étais sur le point de penser que personne dans ton pays ne savait qu'il existait un pays appelé France

يا الهى انت تتحدث الفرنسيه بطلاقه يا عزيزى ،كنت على وشك أن اعتقد ان لا أحد فى قطرك يعرف ان هناك بلد اسمها فرنسا


قبل محمود بيه اليد الناعمه ولم يمانع زوجها الضابط الانجليزى عندما لمح سعادة زوجته

هل يمكنك أن تتعرفى على المجرم من فضلك ؟

سألها محمود بيه بالفرنسية


همست السيده ،انهم متشابهون لكن دعنى احاول

مرت من أمام الصفوف الخانعه ،مجموعه من العبيد فى سوق نخاسه ولم تخفى ضيقها

مستحيل ، يا حبيبى كيف افرق بينهم؟ سألت زوجها بنبره تعسه

همس محمود بيه للمأمور مش عارفه حاجه خلينا اشوف شغلى 

شغلك  ايه بقا ؟ انا الى هشوف شغلى ،يا عمده، ياغفر

يا عساكر اجلدولى الكلاب دول نفر نفر عايز الكورباج يقطع جلدهم.


اشعل محمود بيه سيجاره للهانم الانجليزيه  وسيجاره لنفسه بينما جر اول رجل إلى الفلكة وجلد حتى تقطع جلد ظهره

وصراخه يملاء الساحه

إلى بعده

استمر الجلد تحت عيون الضابط وزوجته التى كانت تتأفف

من مظهر الدم حتى أعلنت عدم قدرتها على تحمل التعذيب

وطلبت من زوجها المغادره

تقدم الضابط الانجليزى واخترق الصفوف ثم اطلق رصاصه على رجل هزيل بملامح بائسه

ثم مسح يده ومسدسه وأمر المأمور إذآ لم يعثر على المجرم كل يوم سأقتل واحد


بعد أن اختفت السياره قاد العمده مأمور المركز ووكيل النيابه محمود بيه إلى دواره من أجل الراحه واحتساء القهوه

عندما وصل محمود بيه دوار العمده كانت المائده قد عدت

رصت اطباق الارز المعمر والبط والاوز البلدى والعيش الفلاحى الساخن جلس المأمور وفخرى افندى على المائده  بينما اشعل محمود بيه سيجاره

هو فيه ايه يا عمدة؟ مقدرتش تقبض على المجرم إلى عمل العمله دى ؟ تحدث المأمور وهو يقسم بطه إلى نصفين

هجيبه يا باشا ورحمة ابويا العمده قبل ما تخلص طعامك ليكون موجود هنا مكبل بالقيود، خلص قهوتك يا بيه وكل حاده هتنهى فورا


عندما نظر مجود بيه إلى الفلاح الذى احضره العمده كان متأكد انه بريء، كان الفلاح صامت كأنما قطع لسانه

هو دا المجرم يا عمده ؟

ايوه يا جناب المأمور الواد دا كان بيسرق اكواز الدره

والى يسرق الدره يعمل إى حاجه


تركهم محمود بيه يلفقون القضيه واقلته سيارة النيابه إلى منزله ورغم ان الليل كان قد حل منذ مده طويله

الا ان عبد العاطى كان فى انتظاره مع مجموعه من الفتيات

الفلاحات الشابات

دخلهم جوه أمره محمود بيه، مش هقدر اشوف حاجه فى الظلام ده

داخل القصر نزع محمود بيه معطفه وجلس على المقعد

فى يده سيجاره يعاين الفتيات من بعيد

قربهم منى وأحده وأحده يا عبد العاطى


امشى يابت منك ليها، انجرو قدام الباشا بالدور، فى نظام يا بهايم

تقدمت أولى الفتيات كانت نحيله تعانى من سوء التغذيه

رسم الفقر على خدودها ملامحه

صرفها الباشا بأشاره من يده، ورغم انه كان يعاينهم الا ان ذهنه كان شارد

اديهم كل واحده شلن يا عبد العاطى وخليهم يروحو بيوتهم

اوامرك يا محمود بيه

وقبل نومه كان يعرف انه سيحضر الفتاه التى يردها بنفسه

لذا بعدما احتسى قهوة الصباح قصد الحقول ومشى على الطريق الضيق الذى يحاذيها ثم وقف آمام الفتيات الاتى يجمعن الفاكهه




اشعلت سيجارتى وانا اقلب نظرى فى وجوة الفتيات المنحنيات على اعشاش القوطه ،يقطفن ويضعن فى الأسبته

وكان الخولى خلفهم يراقبهم ويصرخ كل حين

الهمه يا بت منك ليها، ويصرخ والنعمة إلى امسكها بتحط حباية طماطم فى صدرها ولا تحت العبايه  لالسعها بالكرباج

خادشا حياء الشابات ،رغم ان تحذيره بدا لهم معتاد وكان امين العزبه جالسا تحت شجرة صفصاف يراجع الدفاتر إلى جواره طبق فاكهه ،جذبت المعطف فوق جسدى بعد ان تسللت نسمه من برد يناير إلى عظمى.

ثم وقف الخولى مركزا انتباهه حتى ظننت انه لمح ثعبان حقل خلف فتاه ،انتى يا عيشه يا بت عبد الواحد كنتى بتعملى ايه ها؟

ثم نزل بالكرباج فوق ظهرها، طلعى القوطه إلى سرقتيها

صرخت الفتاه والله ما سرقت حاجه يا علوان ،دى ايه دى يا ولاد بتتبلى عليه اكمنى يتيمه ومليش حد ؟

نزل الخولى علوان من فوق حماره وامسك المدعوه عيشه من قفاها ، اوعى تفكرى الشويتين دول هيخليو عليه يا بت

دا انا علوان والاجر على الله انا لازم افتشك تفتيش ذاتى

رفعت بعض الفتيات رؤسهن لكن الصرخه التى أطلقها علوان جعلتهم ينحنون مره اخرى

امشى انجرى ورايا يا بت ،جذب علوان عيشه خلفه نحو ايكة من شجر السسبان نبتت فى اخر الغيط ووجدت فى نفسى فضول لأعرف السر ،كمجرم من الذين أحقق معهم تسللت قريب منهم ،طلعى القوطه يا بت

وقفت عيشه صامته بوجه شاحب حينها صرخ علوان الخولى مره اخرى طلعى القوطه يا بت

مش معايا قوطه يا علوان ،انت عايزنى اقلع قدامك ولا ايه؟

__طالما سارقه تقلعى ومفيش أجره النهرده ،انتى مخبيه ايه تحت العبايه وحرك يده نحو القطمار

طيب والله لافتشكم كلكم ياغجر ،دى امانه يا ناس امانه

ولأول نظره لم يعجبنى علوان ،لم استثيغه ولم اهضمة

وخرجت من خلف شجرة السسبان انفخ دخان سيجارتى

انت بتعمل ايه يا متخلف انت ؟

رفع علوان عينيه كأنه رأى ملك الموت

البيه وكيل النيابه بجلالة قدره ؟ انا جيت فى عرضك يا بيه البت دى سارقه ونعمة ربى بتسرق القوطه والفاكهة

__إذآ كانت سارقه لازم أحقق معاها ،العداله لازم تاخد مجراها

مش هى بس يا بيه المحصول فى تناقص كل البنات بتسرق

وهنا تشكلت امامى قضيه مكتملة الأركان  أكثر شغفآ من قضية الليدى الانجليزيه


أجمع البنات يا خولى وهاتهم قدامى

اوامرك يا بيه


وعندما لمحنى امين المزرعه ترك لى مقعده فى الحال

وأمر باعداد القهوه

جلست على مقعد امين المزرعه فى الهواء الطلق  امامى طاوله  خشبيه قديمه مكسره 

وعرضت على الفتيات وأحده تلو الأخرى واضطررت لأن اتعامل مع دموعهم الكاذبه وكل واحده منهن لا تشك انها ستدخل السجن وكنت اضحك داخل نفسى الا اننى تحليت بالصرامه كى لا أفسد التحقيق

ثم مثلت عيشه امامى ،وكانت فتاه عشرينيه وجهها ابيض باهت خلاف رفيقاتها

انا مسرقتش حاجه يا بيه، علوان ده قلبه حجر وظالم

وكانت الوحيده التى تجرأت على اتهام الخولى

وتذكرت الفتاه من تلك الليله التى كانت تخفى لفة تحت عريش الكركديه وايقنت انها هى لا محاله

اسمك ايه ؟

أسمى عيشة يابيه

ودون ان أرفع بصرى همست الإنكار مش هيفيدك يا عيشه

فأقسمت انها بريئه

أطلقت بصرى على الحقل  وقلت يعنى لو أمرت الخولى والرجاله يفتشو تحت اكنة الكركديه والحلفه مش هيلاقو حاجه مخبيه ؟

وانا مالى يا بيه ؟  اشمعنا لو كانت فيه حاجه مدسوسه هتكون بتاعتى انا ؟

الظاهر الخولى عنده حق يا عيشه، انتى لازم تخضعى للمراقبه اسبوعين تلاته

ثم امرت الخولى ان يصرف الفتيات إلى عملهن وان تحلق بى عيشه نحو القصر.


عندما وصلت القصر القريب اخبرنى عبد العاطى وهو يرمق عيشه بقلق ان جناب المأمور هاتفنى لأمر مستعجل


ادخلى جوه انتى يا عيشه

ثم هاتفت المأمور الذى اخبرنى ان المجرم سارق اكواز الذره  اعترف وان الجريمه مكتمله ولا ينقصها سوى محضر النيابه العامه، وكنت اعرف ان وجودى لا حاجه له فأرسلت فخرى افندى كاتب النيابه لينهى المحضر كما علمته وان تكون عدد صفحاته ما لا يقل عن عشرة ورقات س وج ثم يحضره إلى القصر لاعاينه


هى البنت دى بتعمل ايه هنا يا بك؟ خاطبنى عبد العاطى بحذر

دى الخدامه الجديده يا عبد العاطى ،اطلع انت اسقى الزرع

__اوامرك يا بيه


اشعلت سيجاره وناديت الفتاه التى تنتظرنى فى قلق

ثم تركتها واقفه امامى ذهاء خمسة دقائق

انتى عايشه مع مين يا عيشه؟

مع امى الكسيحه يا بيه


ووالدك فين ؟

والدى ميت بعيد الشر عنك يا بيه

والله انا مظلومه يا حضرة وكيل النيابه الواد الراجل علوان ده غرضه واطى انا عارفاه بيعمل كده مع كل البنات والى تطوعه يرضى عنها ويديها من القوطه والفاكهة مالى قفه تقولش الأرض بتاعت ابوه ؟

بدرت منى ابتسامه رغمآ عنى، متى حلت الغرائز البشريه لا مجال للعقل

انتى هتشتغلى هنا يا عيشه تحت عنيه لحد ما اتأكد من برأتك عندك مانع ؟

لا ابدا يا بيه هو انا أطول

بتاخدى كام من عملك فى المزرعه ؟

قرش يا بيه ولما تكون الغزالة بتاعت علوان رايقه قرشين

انا هديكى جنية فى الشهر يا عيشه بشرط تكونى مجتهده وامينه

جنيه يا بيه ؟ يا خبر اسود، دا انا ممكن يغمى عليه

_عرفى والدتك ولو مكنش عندها مانع تقدرى تبدأى شغلك

اعتراض ايه يا بيه؟ هى امى لا بتشوف ولا بتفكر يا ولداه

دا يوم المنه على الاقل هترحم من ضرب علوان ونظراته اللئيمه.

رفعت يدى منهيآ الحديث ،لو كده يبقى مش هنضيع وقت تقدرى تشوفى شغلك ولو أمكن نظفى نفسك وشوفيلك عبايه نضيفه

ارتسم على وجه الفتاه الخجل انا مش حيلتى غير العبايه دى يا بيه

أخرجت من جيبى خمسين قرش ،اشترى لنفسك عبايه ولا اتنين واشترى الحجات إلى ناقصاكى تقدرى تنصرفى دلوقتى




الساعه السادسه صباحآ ايقظنى فخرى افندى ،كان يرتدى قميص مشجر اخضر كشجره متحركه فى رواية لجون ر تولكن يفرك العماص من عينيه الضيقتين وان كنت أظنه

رفيق دون كيشوت فى رحلته حيث يهطل الغباء من أذنيه ونفوخة وحماره. 

،إرتديت ملابسى  فى عجاله بعد أن غسلت وجهى بالماء الساخن من وعاء سخنته خادمتى العجوز

اقلتنى سيارة النيابه الفورد نحو قاعة المحكمه التى تجمع الفلاحين أمامها مثل الذباب بعضهم افترش الأرض والمحظوظين منهم جلسو على الترتوار

الساعه الثامنه دلف القاضى القاهرى إلى قاعة المحكمه

اوماء لى برأسه الأصلع فبادرته بأبتسامه متملقه

رفع القاضى المسن يده وراح الحاجب ينادى على القضايا التافهه كان القاضى يمرر أوراق القضايا بسرعه هامسا عشرين قرش غرامه او بريزه ومضى بى الوقت بطيء وانا اقلب عينى فى الوجوه الشاحبة التى ترمق القاضى مثل آلهه رومانيه قديمه ثم وقف آمام المنصه شاب جلف وسأله القاضى ما اسمك ،قال سيد عبدين يا فندم

ما سبب حضورك المحكمه وكيف تتهم نسيبك بالكذب ؟

همس الشاب لقد تم استبدال زوجتى ياسعادة القاضى 

فرفع القاضى رأسه وسأل ماهو برهانك ؟

قال الشاب يا سعادة القاضى انا روحت بيت على الوردانى يعنى نسيبه لاشوف البنت

ورأيتها من خلف ملائه وكانت مليحه جميله بيضاء

وليلة العرس بعد أن انتهى الحفل اكتشفت على الحصير جنبى امرأه بملامح قاسيه صلبه جعلتنى اصرخ من الرعب

قال القاضى وكيف تتدعى انك تيقنت من ملامحها من خلف الملائة ؟

همس الشاب الملائة كانت مخرمه يا سعادة القاضى وانا متأكد مما رأيته

ثم حضر والد الزوجه وسأله القاضى ما قولك فى ماهو منسوب إليك ؟

قال على الوردانى لا قول ولا عاد يا بيه انا معنديش الا بنت واحده وهى إلى شافها وتزوجها الراجل ده 

نظر إلى القاضى وقال... النيابه ؟

قلت النيابه لا تتدخل فى شؤن الزواج وشروطه

رفع القاضى يدة ،دعوه مرفوضه لا يمكنك تطليق زوجتك لأنها لم تعجبك ليلة الدخله، مش ذنب المحكمه انك حمار انصراف 


وعدت إلى بيتى الساعه الثانيه ظهرا وشممت روائح الطعام قادمه من المطبخ وسمعت تحيه خادمتى العجوز تصرخ فى انزعاج، انتى يا بت يا مفعوصه الرقبه فاكره نفسك تفهمى البك اكتر منى ؟

طيب والله ما هيمد ايده للطعام ولا هياكل لقمه لأنه متعود يأكل من ايد تحيه ولم أجد فى نفسى اى رغبه للطعام فأشعلت سيجاره وانا جالس فى الرواق وذا بهاتف المنزل يصدر رنينه المزعج ،وضعت السماعه فوق اذنى وسمعت صوت رقيق يهمس بنسوار يا بك وتخيلتنى إذ عرفتها أننى شاب باريسى يعانق رفيقته تحت ظلال برج أيفل بنسوار مدام ،دعتنى الفاتنة على سهره فى بيتها  اخبرتنى أننى لا يمكننى رفض طلبها بعد ان تحصلت على رقم هاتفى بصعوبه

بالغه ،ابتعلت ريقى الناشف وانا اسأل نفسى ما قد تريده امرأه فرنجيه من شاب خمرى ليس له حظ من الجمال كانت تستحقر اهله منذ ايام ؟ فسألتها عن زوجها قالت انه استدعى  لمهمه عاجله إلى القاهره وعرفت أننى اذا ذهبت ستلعب الخمر برأسى ولن يكون لى سلطان على شهواتى المريعه فأعتذرت بأدب متحججآ بكسر احل بقدمى والزمنى السرير

فعرضت ان تأتى لبيتى فقلت ،كيف اسامح نفسى اذا سمحت لفاتنه مثلها ذات قد رقيق ان تسير وسط الفلاحين البلهاء

ويقرصها الباعوض الضخم الذى لا يرحم البهائم فيترك فى جسدها الأبيض علامات داكنه لا يمحها الزمن ثم أنهيت المكالمه وانا أشعر بخيبة الراغب المتمنع.


العشا يا سعادة البية دخلت عيشه تحمل صنيه نحاسيه

ووضعتها امامى ، رصت على الصنية دجاج وبط وارز وخضار

وتفكرت هل ترانى هارب من مجاعه فى ادغال أفريقيا ؟

ولما لاحظت الفتاه صمتى همست كل ورم عضمك يا بية انت وشك مخطوف واصفر

نفضت عقب السيجاره فى المنفضه ،وامرتها ان ترفع الطعام

همست ليه بس يا بيه دا قعدت النهار بطوله اطبخ فيه

ورأيت انه من الوقاحه ان تحملنى مسؤلية قرارها ولم يعجبنى ان تتحدث بلا اذن وان ترفع الكلفه بيننا

ثم كيف لها ان تقراء دواخلى وتقر أننى جائع ؟

فتاه مثلها بعيده كل البعد ان تفهم ما أشعر به ودوافعى النفسيه

صالبت قدماى ،اسمعى يا بنت

انتى اسمك ايه ؟

عيشه يا بيه

عيشه او اى ان كان اسمك، عليكى ان تلتزمى بأداب التعامل داخل البيت، ولا يمكنك أن تفعلى اى شيء يطراء على بالك

منذ اللحظه لا تتخذى اى خطوه بلا أذن

عندما أرغب بالطعام سأطلبه ،وعندما لا اطلبه عليك أن تلتزمى آلصمت وتقعدين جوار الباب حتى تسمعى اسمك

غمغمت فى سرها براحتك يا بيه انت حر

ثم رفعت الصينيه بأمتعاض وترددت فى السير

ثم استدارت ورأيت حمرة الخجل تزين خدها اللين واقتربت منى حتى ظننت انها ستفعل شيء أحمق

طيب معلهش يا بيه وحياة جاة النبى محمد تاكل حتى لقمه واحده ومتكسفنيش

قلت لا

همست بصوت أرق احسسته يخترق دواخلى ويعبر إلى ارض جافه كانت تحتاج لسقايه

لقمه وأحده يا بيه الله يسترك، الست إلى جوه لو رجعت بالصينيه كدة هتاكل بوشى حلاوة

قلت ومأشنى انا تاكل بوجهك او ظهرك ؟

همست يعنى مفيش فايده ؟ طيب والله حرام عليك

رفعت يدى بغل ،انصرفى فورا  من امامى قبل أن أفقد اعصابى

سارت وهى تتلكع كأنها تقاد إلى الموت وقبل ان تختفى فى المطبخ بدرت منها نظره غاضبه

وسمعت داخل المطبخ تحيه تأنب عيشه وتتقول

مش قولتلك البيه مش بياكل غير من ايدى؟

بقا ليكى يومين فى القصر وفاكر نفسك تعرفى اكتر منى ؟

امشى يا مفعوصة الرقبه رجعى الاكل مكانه.


اشعلت سيجاره أخرى وكان الليل حل ثم ناديت قهوه !!

صنعت تحيه خادمتى العجوز  القهوة وامرت عيشه ان تقدمها لى ،القهوه يا بيه !!  همست عيشه وهى واقفه امامى مرتديه عبائتها الجديده التى ابتاعتها من السوق

حطيها هنا واشرت إلى الطاوله ،حطى شوية حطب فى المدفأة

وضعت عيشه الحطب داخل المطفأه وهمت بالانصراف

قلت اقعدى هنا يمكن احتاجك، ناولينى الكتاب دة واشرت إلى رف الكتب ،وقفت عيشه ببلاهه آمام الكتب ،الكتاب ذو الجلد الأحمر !!

سحبت عيشة الكتاب ومسحته بكم عبائتها بعد أن بصقت فيه

وكدت ان اوبخها ثم أدركت أن كيف لها ان تعرف شيء لم تعاقره من قبل، فهمست هاتى الكتاب وخلاص

وغمرنى الليل بسكونه المؤذى وخرجت من جدران القصر السنة ساخره منى وارتفع نباح كلب خارج الحديقه

وضعت الكتاب بين يدى وتقوقعت شيماء قريب منى

ان ما فاتنا نجده بين طيات الكتب وما نأمله ونحلم ان نعيشه داخلها ايضآ وراحت الفتاه بعد العشاء تسقط دماغها داخل حجرها كدجاجة ثم تنتفض وترفع رأسها  وترمقنى بحذر حتى إذا وجدتنى غير مبالى بوجودها غفت مره اخرى

وانا اقلب صفحات الكتاب وكأن عنقها آلمها فزحفت نحو مقعدى حتى التصقت به ثم اراحت نفوخها على خشب المقعد مثل كلب آليف رقد تحت قدمى سيده  وراحت فى نوم عميق، تأملتها وهى متكوره على نفسها بعبائتها السوداء كبجعة بحيره تائهه وانفاسها ترتفع وتهبط بوتيره وأحده ثم سقطت رأسها فوق قدمى فأرتعشت وكدت ان اركلها ثم تريثت ،ان هذة الأمور التى لم اعشها من قبل تمنحنى الفضول والرهبه وسرعان ما ارتفع شخيرها المتقطع كصفارة قطار الصعيد وقلبت أوراق الكتاب بصخب علها تلحظ ،ثم لم أجد بد فجلست ساكنآ حريص ان لا آتى بحركه تفزعها حتى انتصف الليل.

وحدث انها افاقت خلال تلك الفتره فرفعت عينيها نحوى فوجدتنى شارد مع كتابى فلم تكلف نفسها عناء ادراك مكان رأسها وواصلت نومها بسلام.

عندما اكتفت من النوم او كاد عنقها ان يكسر إستعادة وعيها

فرفعت رأسها بلؤم فلاحى وابتعدت عن ساقى وانتهزت اللحظه فقلت تقدرى تروحى تنامى

همست ،طيب مش ممكن تحتاج حاجه؟ خلينى هنا جنبك يا بيه، متخفش انا صاحيه ومفنجلة ذى الصقر

ملوش لزوم ،ادخلى غرفتك ونامى لو احتجت حاجه هنادى عليكى

وكنت احتاج النوم أيضآ، فنهضت وقصدت غرفتى وانا لا أكاد أشعر بساقى وتبعتنى عيشه حتى اطمأنت على فراشى أغلقت باب الغرفه بنفسها تصبح على خير يا بيه

لم ارد ،لم أجد اى رغبه داخلى فى مبادلتها الكلام ،انها تستحق العقاب وستناله.


استلقيت على الفراش وأذني لا تزالان تلتقطان أنفاس عيشه البطيئة  — صوت عيشة يختفي خلف الباب، وطقطقة المدفأة تتابع لحنها االكئيب لمتعب.

ظل الكتاب ذو الغلاف الأحمر بين يديّ، صفحاتٌ تعبث بها أفكاري كأنها قشّات في مهب رياح.

 حاولت أن أطبق جفوني فوجدت عيني ترفضان الهدوء: كلمات المؤلف كانت تهمس لي بأمور لا أريد أن أعترف بها لنفسي — إنسانٌ خُلق ليحكم لكنه عاجز عن فهم دقة أحاسيس أخرى.


في الصباح لم أستفق على فورية. استدارت الشمس بعينها البطيئة خلف سور القصر وضياؤها اندفع عبر شقوق ستارة النافذه ليشق طريقه إلى وجهي. نهضت ببطء، لا لشيء إلا لأنني ملزوم أن أظهر أمام العالم كما يقتضي دوري: كامل المعطف، قبعة مرتبة، وابتسامة تليق بمن يعتقد أنه صاحب قرار. مررت بالممر كظل، وتحسست جيب سترتي لأتأكد من وجود السجائر — عادة قديمة لا أنوي أن أعتزلها يوم 


في المطبخ كانت تحية مشغولة بترتيب أوانٍ القهوة، وعيشة جلست قرب النافذة تمسح يديها في مهاد العباءة، عيناها لم تلتق عينيّ إلا بعد أن اقتربت. كان في وجهها شيء من الحذر الممزوج بتوقع، كما لو أنها تنتظر حكماً صغيراً ينبعث من أصواتي.

لم أعطها غير نظرة جمّدة ثم أمرت بصمت: "أحضري المذياع، ونادى على الخادم ليرتب الحديقة". سمعتها تهمس: "حاضر يا بيه"، وصوتها فيه ما يشي بأن قلبها أضعف من أن يحمل غضب رجل مثلى.

لكنى كنت غاضب منها ومن نفسى ومن وزارة الحقانيه ومن العالم، ان الأشياء التى تأخذ راحتها داخلى تدفعنى إلى الجنون، هذه القوه، الحريه المطلقه التى لا استطع تحملها

وضعت عيشه الراديو وانبعث منه صوت الموسيقى

وما لبثت ان صرخت بها انت يا حماره، انا قلت لك ما أرغب فى سماعه ؟ فتحت عيشه فمها ببلاهه

والله ما انا يا بية إلى بغنى دا الراديو سلامة عقلك

وقلت عقلى ما به يا حيوانه؟ اترينى مجنون هارب من الخنكه ؟

لا سامح الله يا بيه هو انا اتجراء افتح بقى!؟

وعرفت انه لا فائده من معاقبة فتاه ساذجه مثلها بالكلمات

ففتاه مثلها لا تعرف إلا علوان وما يقوله الرجال مثله

واشرت لها بيدى فأتت راكضه تحمل ثقل بنيان طرى مهتز

قلت قفى هنا واياكى ان تتحركى وتذكرت عنايات الغانيه وليالى الملاح فى حى الجماليه فهززت رأسى ارفض فكره تكاد تفضحنى ومالبس ان ظهر امين العزبه على الباب

صارخا الجورنال يا بيه

قلت ضعه عندك وانصرف لشؤنك وانتى امسحى الارضيات كلها ،اريدها لامعه مثل وجهك



#5


لأصرف عنى الملل المتراكم ككرش مندلق صعدت سطح القصر ،صفعنى الهواء البارد المنعش، ان حياتى هنا بين الفلاحين والمواشى تعبث بحقيقتى التى اخفيها ،ولا ريم ان اترك لمزاجيتى الحبل حتى آخرة.

من بعيد لمحت الشابات يعملن فى الحقل وعلوانى يمازح فتاه بضه بعيد عن عيون امين المزرعه النائم ،وخيل لى أننى اسمع ضحكاتها، انحنى علوانى تجاه البنت وهمس فى اذنها

ولم تلبس الا لحظات حتى مضى خلف شجرة الصفصاف ولحقت بة الفتاه ،كانت الشجره اللعينه تحجب الرؤيه

رغم ذلك أدركت ما يحدث، فعلوانى يستغل وظيفته أحسن استغلال بينما انا حارس العداله على ان ارسم هذا الوجه المقيت، ومضى الوقت وعينى على الشجره حتى خرجت الفتاه تعدل ملابسها، أطلقت ابتسامه ساخره ،هذة الفتاه بلا ريب كانت تخفى الفاكهه تحت ملابسها كما يدعى علوان

ان علوان مثل المخبر السرى الذى يعاقر من الأسرار ما لا يعرفه ضابط الشرطه او المأمور ذاته

ثم خرج علوان على وجهه ابتسامه واسعه، ان الحياه التى تمنح شخص مثل علوان رغباته وتمنعنى انا غير عادله على الأطلاق، نفست دخان سيجارتى وتمدد الصبح الغائم آمام عينى مثل ستاره ضخمه ،يعاقب علوان الفتيات الاتى يتمنعن عليه ،ان ما يملكه لا املكه...

سحقت عقب سيجارتى كان لابد أن أفعل شييء اى شيء قبل أن ينتهى نهارى.

نزلت إلى الرواق وناديت تحيه ومنحتها أجازه مدفوعة الاجر

ثم صرفت الخادم إلى بيته فى أجازه مفتوحه

وكانت عيشه تمسح الارضيات وخيل لى ان ظهرها قارب ان ينكسر.

لما اقتربت منها، سألتني عيشه ،حضرتك منحت تحيه ايجازه ؟

قلت بلامبلاه نعم

ابتسمت عيشه وهمست احسن

القصر كله دلوقتى هيبقى فى عهدتك، اتشطرى وورينى جدعنتك

حاضر يا بيه همست عيشه بسعاده ،انا قربت اخلص الارضيات

سيبك من الارضيات دلوقتى واطبخى شيء أكله


وروحت اندندن مع الوهاب وانا اتسلى بروايه لكانديرا وسرقنى الوقت فلم أشعر الا وعيشه واقفه امامى

العشا يا بيه

حطيه على الترابيزه


ثم شرعت اكرمش كم قميصى لكن عيشه سبقتني

وطوت كم قميصى وهى تغمغم متتعبش نفسك انت يا بيه

ثم مدت يدها وقطعت الدجاج والبط وهى تقول كل ورم عضمك يا بيه

وكلما هطل الدهن من البط على شاربى مسحته بيدها

وشعرت بقربها فانتابتنى رعشه كانت قد هجرتنى منذ زمن

ولعىى لمبة الجاز وقربيها من الطاوله يا عيشه

نفذت عيشه الامر ثم جلست قربى سانده ذقنها بيدها

الاكل حلو يا بيه ؟

طعم جدا

صحه وعافيه يا بيه

ورغبت ان ادعوها للطعام لكن شعرت انه امر غير لائق

فتركت لها نصيبها

ثم هبت ريح تلاعبت بقنديل الجاز وكانت عيشه نسيت ان تغلق الشرفه ،ارتعش اللهب ثم انطفاء.

وحل ظلام دامس وشعرت بحركة عيشه السريعه تبحث عن أعواد الثقاب بلا فائده

قلت الولاعة فى جيب بنطالى

اقتربت منى عيشه ووضعت يدها فى جيب بنطالى تفتش

حتى عثرت على القداحه ولما اشعلت اللمبه وجدتها تبتسم

قلت بحذر  خير مالك بتضحكى ؟

قالت ببلاهه وهى لا تزال تضحك مفيش حاجه يا بيه

ارجع الولاعه مكانها ؟

قلت لا اتركيها على المقعد

همست على فكره الجاز قرب يخلص، عبد العاطى نسيى يشترى جاز النهاردة اللمبه ممكن تنطفى فى اى لحظه

اهمال همست بصوت أمر

بتخاف من الضلمه يا بيه ؟

قلت لا

قالت انا بخاف ونبح كلاب قرب القصر ثم حل صمت مهيب لم يقطعه آلا صوت الرياح التى تضرب الشرفه

بعد أن أنهيت طعامى طلبت فنجان قهوه وجلست قرب المدفأه

احضرت عيشه القهوه التى لم اشك انها تالفه ولازالت الابتسامه الصغيره تزين ثغرها

قلت مالك يا بنت فيه ايه؟ بتضحكى عمال على بطال ؟

مفيش يا بيه مفيش

ممكن اقعد جنبك هنا ومش هعمل صوت ؟

قلت اقعدى لكن إياكى تنامى ذى المره إلى فاتت؟


قالت عيشه حاضر ،اجيبلك الولاعه ؟ همست  عندما وضعت السيجاره فى فمى

هاتيها

اشعلت عيشه سيجارتى ثم جلست قربى وكان حضورها طاغى كأننى أدركت للتو انها فتاه شابه متفتحه لم تبلغ العشرين بعد

ووجدتنى بعد أن مججت من سيجارتى اهمس اقفى يا عيشه

وقفت عيشه وكان طولها معقول امشى اقفلى الشرفه



سارت عيشه تجاه الشرفه ،كانت هناك ريح ف الخارج تضرب الحقول واغصان الأشجار ،وقفت عيشه آمام الشرفه واغلقت احد الضلفتين ثم سقطت على الأرض وهى تصرخ عفريت، عفريت.

من مكانى لمحت قطه مزعوره تققز داخل الرواق بخوف حتى اختفت خلف الكراكيب

قومى يا عيشة دى قطه !!

مش قادره اتلم على نفسى يا بيه انا متأكده انه عفريت


بقلك مجرد قطه صغيره يا عيشه انا شفتها


برعب الدنيا رفعت عيشه جسدها وزحفت إلى جوارى على أربع وللحظه اعجبتنى هيئتها وكدت ان أمرها ان تظل هكذا

ما هو العفاريت بتطلع على شكل قطط يا بيه انا عارفه


سيبك من كلام الخرافات الفارغ دا يا عيشه مفيش حاجه اسمها عفريت


متقلش كده يا محمود بيه، تف من بقك لحسن يأذوك

تخلف وجهل غمغت بضيق

عيشه المرعوبه همست ،انا شفت عفريت قبل كده يا بيه

نفست سيجارتى ولم ارد

كان عمرى يجى اربعتشر سنه وكنت نايمه جنب امى والباب خبط فى الليل متأخر ،امى ما حست حاجه وانا قمت فتحت الباب، ملقتش حاجه وقعدت ابص بره البيت وشفته يا بيه

عفريت ماشى على رجل واحده بيختفى جوة غيط الدره

وقف قبل ما يدخل الغيط وشاورلى اروح وراه ،بس انا غطيت عنيه ذى ما جدتى ما قالتلى قبل ما يسحبنى بسحره

بنت على فريد  عنايات حصل معاها كده ومحدش عرفلها طريق جره.

وتفكرت على يا ترى هى نفسها عنايات فتاة حى الجماليه التى كانت تمنحنى المتعه ؟ أم مجرد تشابه أسماء


انا مش هعرف انام الليله يا بيه، النوم طار من عيونى

نومها كان آخر ما افكر به، كان الليل لازال فى بدايته

وبالغد لا وجود للمحكمة، تلك الأيام التى اقضيها فى أجازه تكاد تقتلنى.


منحتنى المدفأه الدفيء واكواب القهوة السلوى وحضور عيشه التسليه ،بعدما التصقت بساقى مثل ذبابه لا تتحرك

وكنت اتعمد كل حين أن الكزها بقدمى علها تبتعد لكنها كانت تلتصق اكتر وقبل ان تنام احتضنت ساقى وانتهزت اللحظه ،انا الذى يظنونى حارس العداله فكنت اقتنص لمسات محرمه.

عيشه من الأفضل انك تبعدى عن رجلى

ليه يا بيه مضيقاك ؟ انا بحب انام هنا

نامى يا عيشه لكن بعيد عنى، افرشى هناك ونامى انا لسه هسهر شويه.

خلينى هنا يا بيه وحياتك مش هعمل اى حركه والله

كيف أخبر تلك البليه الخرقاء أننى لا اخافها بل اخاف نفسى

اخاف ان اتحرر واترك نفسى على راحتها، اخاف ان يحضرنى الماضى بكل عفونته.

ابعدى عنى ودفعتها بقدمى لازحزحها انشات كان فى صوتى غضب صارخ وانتظرتها تبكى ،تبعد، تثور

لكنها زحفت مره اخرى نحوى  انا خايفه يا بيه والنبى خلينى هنا.

قلت لا ودفعتها مره اخرى بعنف بعيد عنى، فعاودت الكره ،زحفت والتصقت بساقى فى طاعه كلبيه واعجبتنى اللعبه




همست عيشه ،هو انت يا بيه شغلتنى عندك ليه ؟

عشان انقذك من علوان يا عيشه

هو انت عارف إلى بيعمله علوان يا بيه ؟

ايوه عارف

طيب ليه متقبضش عليه وتدخله السجن ؟

العداله مش بتمشى على كيفنا يا عيشه

لكن يا بيه...

اسكتى، صرخت بغباء، مش ناقص دوشه

_حاضر يا بيه هسكت

لم تمر دقيقه حتى قالت عيشه هو انت بتقراء ايه يا بيه؟

تركت صفحات الكتاب وصوبت نظرى على عيشه ،فكرك لو قلتلك هتفهمى ؟

هفهم يا بيه هفهم

لا مش هتفهمى مضيعيش وقتى

مش هفهم ليه يا بيه؟

لأنك غبيه، فلاحه بليده بعقلية حقل...

جربنى يا بيه مش هتخسر

اوف يا عيشه هو انتى مش بتزهقى!؟ بقراء كتاب حفلة التيس لماريو بارغاس يوسا ها ارتحتى ؟

ودا مين يا بيه؟

ابتعلت ريقى وتنهدت ،كاتب يا عيشه من امريكا الجنوبيه

كاتب مشهور لكن ازاى واحده زيك هتعرفة ؟

وامريكا الجنوبيه دى فين يا بيه؟ جنب مصر ؟

لم اتمكن من التحمل، فرغت طاقتي، امشى قومى انجرى اعمليلى فنجان قهوه يا غبيه

نهضت عيشه مستنده على ساقى ،حاضر يا بيه لكن هتقولى فين أمريكا دى صح ؟


كيف اشرح لها ان العالم كبير ولعين ؟ انا الحياه برمتها ليست عادله ،وبدا لى الليل أطول نهضت وشغلت المذياع استمع للموسيقى واريح أعصابى.


احضرت عيشه فنجان القهوه وكان الليل سكن أكثر فلم تسمع نباح كلب حتى الريح سكن

بدا اننا شخصين منعزلين ووحيدين نعيش على أطراف العالم

__دا مين الى بيغنى يا بيه ؟

فايزه احمد يا عيشه

تلاقيها على كده حلوه وسايبه شعرها قدام الناس وهى بتغنى؟

فعلا يا عيشه سايبه شعرها قدام الناس عادى

تعرف يا بيه، زمان كان نفسى اسيب شعرى من غير طرحه ذى الخواجات إلى بنشوفهم ،مره واحده اشوف نفسى كده


ها وحصل ايه يا عيشه ،منفعتش يا بيه


ليه يا عيشه ؟

اصل معندناش مرايه ولو امى شافتنى كده كانت هترننى علقه جامده وأطلقت عيشه ضحكه وللحظه تخيلتها فتاه هاربه من مستشفى المجازيم فى العباسيه


انتى مش ناويه تنامى يا عيشه ؟ شغل النهار كله مهدش جسمك؟

شغل ايه يا بيه إلى بتتكلم عليه ؟

انت مشفتش شغل الغيط وزحفك طول النهار على ركبك

الشغل هنا يعتبر فسحه والله.


عيشه ممكن تنقطينى بسكاتك عشان متعصبش ؟

اتعصب يا بيه دا حتى عصبيتك حلوة

وهالنى حجم الاستسلام داخلها ،كائن مستعد لتقبل إى شيء دون معارضه، ان ما يفعله الإنجليز لم ينبع من فراغ

بلد ميت ورجال يركضون خلف الملك من أجل نيل رضاه

ولا صوت واحد يقول الحقيقه.

تجرعت اخر قطره من فنجان القهوه ونهضت كى انام

وسرت تجاه غرفتى وقبل ان أغلق الباب وجدت عيشه فى ضهرى..




فيه ايه يا عيشه، انتى ماشيه ورايا ليه خضتينى ؟

قلتلك يا بيه بخاف من الضلمه !!

تمالكت نفسى كى لا اصرخ فى وجهها ،امال كنتى بتتنيلى تنامى فى بيتكم إزاى ؟

فى بيتنا مفيش عفاريت يا بيه ،لكن انت شفت بنفسك العفريت نط جوه البيت

نط فين يا متخلفه انتى ؟ قلتلك دى قطه، قطه انتى ايه مش بتفهمى ؟

قطه عفريت يا بيه ،حتى اقلك ووضعت عيشه اصبعها على ذقنها ،انت شفت القطه دا مره تانيه ؟

قلت لا !!

سمعته بينونو يا بيه ؟

لا يا عيشه

اهو اختفى يا بيه، تبخر لانه عفريت ولو انا نمت ممكن يظهرلى مره تانيه

عايزه ايه يا عيشه ؟ قلت لاتخلص من صداعها وانا فى اخر محاولاتى للهدوء.

انام هنا يابيه تحت السرير

ممدت يدى وسمحت لنفسى ان اقرص أذنها ،اسمعى يا غبيه

مش بحب حد ينام فى الغرفه إلى انا فيها وإذا ما خرجتيش من هنا حالا دلوقتى هعاقبك

اى حاسب يا بيه هتقطع ودنى.

،فاهمه يا عيشه ولا أكرر كلامى؟ والنبى خلينى ابات هنا الليله يا بيه عشان خاطرى

ضغطت اكثر على اذنها وفركتها بأستمتاع ،يا غبيه يا حيوانه كلامى أوامر تتنفذ بصمت يا بهيمه

الله يسامحك يا بيه بقا بتشبهنى بالجاموسه إلى بنرعاها!

واكتر كمان يا...

يا ايه يابيه ؟ قول قول حتى شتيمتك حلوه


ابتسمتُ رغمًا عني من ردها الساذج كانت نظرتها تلمع ببراءة تُخرجني من قسوتي المعتادة.

 رفعتُ يدي عنها فجأة، ثم أشرت نحو الكرسى الخشبي القريب من المدفأة:

– اقعدي هناك وسيبى باب الاوضه مفتوح لكن متقربيش من السرير  ؟


جلست عيشة على حافة الكرسي تضم عباءتها حول جسدها النحيل استلقيت على السرير ورفعتُ الغطاء عني قليلًا وقلت بسخرية 

– وقلت عارفه حتى لو كانت فيه عفاريت هتسيبك فى حالك من كتر كلامك.


ضحكت عيشة ضحكة قصيرة فيها رعشة خوف ولم تبدو مستأه ، ثم مدت يدها الصغيرة تتحسس أطراف المدفأة التي بدأت تخبو نارها. قامت من مكانها بهدوء، جمعت بعض الحطب من الركن، وأشعلت النار بحذر. صعد الدخان الخفيف ورسم دوائر في سقف الغرفة، فعمَّ دفء مفاجئ.


نظرتُ لها من فوق نظارة القرأة دون أن أخلعها:

– هو انتى  شغلتِ المدفأة من غير ما أقولك؟

قالت بخجل:

– ما هو يا بيه، لو النار طفت انت هتبرد 

لم أعلّق. كانت الجملة الأخيرة أشبه باعتراف لا تقصده. جلستُ متكئًا على الوسادة أراقبها وهي تفرد يديها نحو اللهب كأنها تصلي

. لأول مرة رأيت ملامح وجهها في ضوء النار واضحة؛ خطوطها لم تعد خشنة كما كنت أظن، بل طفولية، وفيها شيء يشبه وجوه الفتيات اللواتي يدرسن في مدارس بعيدة.


مددتُ يدي إلى فنجان القهوة الذي جلبته معى إلى غرفتى . شربت منه رشفة 


جلسنا دقائق بلا كلام، فقط صوت النار وهي تلتهم الحطب، وصفير الريح عند النافذة. فجأة قالت:

– يا بيه… هو انت دايمًا لوحدك كده؟

أجبتها بخشونة أخف من المعتاد:

– وأنتِ مالك؟ 

ضحكت عيشة ضحكة صغيرة مخنوقه 

– أصل اللى بيسمع صوتك يفكره طول الوقت بيتخانق مع حد، لكن وانت ساكت شكلك أطيب.


أشعلت سيجارة  وأدرت وجهي عنها، لكني شعرت لأول مرة أن الغرفة أدفأ فعلاً.

لم تعد الجدران قاسية كما كانت في أول الليل. رفعت رأسي فجأه فرأيت عيشة تمد الغطاء على رجليّ من طرفه بهدوء، ثم  عادت لتجلس حيث كانت. لم أوبخها هذه المرة، لم أقل شيئًا، فقط تركتها تفعل كأنني لم أرَ.


وبينما كنتُ أقلب صفحات الكتاب، سمعتُها تتمتم بصوت خافت:

– بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم…


توقفتُ عند الصفحة، رفعتُ نظري إليها، لمحتُها تبتسم بثقة صغيرة. للحظةٍ غريبةٍ شعرت أن هذه التعويذة التي رددتها لم تكن للقط ولا للعفاريت، بل كانت محاولة طفلةٍ لتهدئة رجلٍ كبير لم يتعلم بعد كيف يكون هادئًا.

الليل طال، لكن الغرفة صارت ألين مما كانت.


كان الليل قد أطبق على القصر ككفنٍ بارد، لا صوت فيه إلا أزيز القنديل وصرير الخشب حين تعبث به الريح. جلستُ فى سريرى أتأمل خيوط الدخان تتلوى فى السقف، وسمعت همهمة عيشة ما زالت تتردد فى الممر، لم تبتعد.

ناديت بصوت متهدج:

– عيشة!

طلعت من الظلام كظلٍ أسود يحمل بين يديه القنديل، وضوءه المرتجف يرقص على وجهها. تقدمت بخطوات مترددة، كأنها تخشى أن تثير غضبى أو توقظ شيطانًا نائمًا.

– نعم يا بيه؟

– مش قلنا  تروّحى تنامى؟

وضعت القنديل على الطاولة الصغيرة جوار سريرى، ثم تراجعت خطوة. لكننى لمحت فى عينيها رجاءً خفيًا، كأنها تستجدى البقاء. رفعت يدى وأشرت بحدة:

– خلاص… روّحى بقى.


أومأت برأسها، غير أنها ظلت واقفة مكانها. رفعت الغطاء فوقى، أشعلت سيجارة أخيرة، وظننتها سترحل. لكنها اقتربت من المدفأة، وانحنت تضبط الحطب كى لا تنطفئ النار. ثم قالت دون أن ترفع نظرها:

– القنديل يا بيه… يطمن. زى عين مفتوحة فى وش الليل.


لم أجبها. دخان سيجارتى اختلط برائحة الكيروسين، وجعل الغرفة كأنها صندوق مغلق يعلو فيه وجيب النار. جلستُ صامتًا أتأملها وهى تضم يديها أمام اللهب، ينعكس نور القنديل على خدها الغض، فأراه أكثر حُمرةً مما ظننت.

التفتت فجأة وقالت بخجل:

– هو حضرتك بتحب القراية قوى كده ليه؟

– القراءة … هى اللى مخليانى أحتمل البؤس ده.

ضحكت بضحكة قصيرة كأنها لم تفهم، ثم ردّت:

– يعنى الكتب أحسن من الأكل والنوم؟

– وأحسن من الناس كمان.


سكتت، ثم مدت يدها إلى الطاولة تمسح الغبار بكمها، فارتعشتُ من فعلها الأحمق وصرخت:

– بلاش الوساخة دى يا حيوانة

ارتجفت، وانكمشت كقطة ضُربت بالماء البارد، ثم همست:

– حاضر يا بيه… معلش.


لكنها، رغم الخوف، لم تترك القنديل. جلست على الأرض قرب المدفأة، رأسها يتمايل من النعاس، ثم راحت تغفو شيئًا فشيئًا. ضوء اللهب يرقص على جبينها، وشخيرها الخفيف يختلط بأزيز الجاز.


ظللت أحدق فيها طويلًا، حتى ثقلت جفونى. شعرت بشىء دافئ يزحف إلى صدرى، شعور لم أعرف له اسمًا: لا هو شفقة ولا هو غضب، لكنه جعل الليل أقل قسوة.


طفأت سيجارتى، وأسلمت رأسى للوسادة. آخر ما وقع عليه بصرى قبل أن أغفو، كان القنديل يتمايل فى مكانه، ونورُه يتراقص على ملامح الخادمة النائمة التى زحفت عند قدميّ، كأنها حارسٌ صغير ضد عفاريت الريف وضد عفاريت نفسى أيضآ. 


كان النهار قد انبثق على القرية متثاقلاً، كأن الشمس تتكاسل عن الخروج من الضباب المعلق فوق الحقول. فتحن نافذة حجرتى فرأيت الصباح الريفى: فلاحون يسوقون مواشيهم إلى الساقية، نساء يحملن الجرار فوق الرؤوس، صياح الديكة، وكل شىء يجرى ببطء مطمئن.


ارتديت بذلتى الكحلية التى لا تلمع إلا تحت الضوء، وربطت رباط العنق بعجلة. الخادمه جلبت لى الفطور: رغيف بلدى ساخن، قطعة جبن، وكوب شاى ثقيل يغلى بالبخار. لم ازد عن لقمتين وجرعة، ثم نهضت مسرعًا.


فى فناء الدار انتظرت العربة الكارو الصغيرة، يجرها حصان عجوز يرفع ذيله من الذباب. كان السائق – شيخ غامق البشرة، دائم الصمت – قد هيأ نفسه منذ الفجر. صعدت  إلى العربة وجلست على المقعد الخشبى الضيق، وأعطيت إشارة باليد.


انطلقت العربة تهتز فى طرق الطين، تتمايل على الحفر والمطبات، والندى لا يزال عالقًا بأوراق القصب على جانبى الطريق. كلما مررنا بطفل أو امرأة، التفتوا يحيون البيه بانحناءة أو بابتسامة حذرة.


قرب السوق، تكدست الدواب والحمير، وانبعثت روائح مختلطة: عرق البهائم، دخان المواقد، رائحة البصل الأخضر. توقفت العربة قليلاً كى تفسح الطريق لقطيع أغنام، ثم عادت تتهادى نحو مبنى المحكمة.


المحكمة لم تكن أكثر من بناء متوسط الحجم من الحجر الأصفر، يحيط به سور قصير وبوابة خشب ثقيلة. أمام الباب تجمعت عشرات القضايا فى هيئة بشر: فلاحون حفاة يحملون أوراقًا باهتة، نساء يرتدين الملايات السوداء، متهمون مربوطون بالحبال على أيدى العساكر. أصوات عالية متداخلة: شكوى، بكاء، شتائم مكتومة.


ترجلت من العربة، نفضت الغبار عن بنطالى، ثم خطيت إلى الداخل بخطوة متوترة. عند المدخل وقف الحاجب يؤدى لى التحية بصوت جهورى:

– السلام عليكم يا سعادة الباشا.


رددت بتحية مقتضبة، ثم دخلت الممر المظلم حيث الرائحة الثقيلة: دخان الجاز الممزوج برطوبة الجدران. هناك مكتب صغير للنيابة، طاولة خشبية متهالكة، وأكوام من الملفات الصفراء المربوطة بخيط رفيع. جلست  على مقعدى، تنفست بعمق، وأخذت اتهيأ لاستقبال يوم طويل من التحقيقات، والوجوه المتعبة التى ستنقلب أمامى إلى مجرد أوراق.


#9


انتهى اليوم فى المحكمة كما بدأ: أوراق مكدّسة على الطاولة، أقلام رصاص قصيرة الرأس، محاضر تُقرأ بلا اكتراث، ووجوه متعبة تتكرر أمامه حتى تختلط ملامحها. لم يكن فى الأمر ما يدهش أو يثير، فقط رتابة قاسية كطاحونة تدور ولا تتوقف. حين رفع رأسه من آخر محضر، كان النهار قد مال إلى المغيب، والظل تسلل إلى أركان الغرفة.


خرج من المبنى وهو يجر خطواته، رائحة الغبار والعرق عالقة بملابسه. ركب العربة من جديد، والحصان العجوز يجرها بكسل، كأنه يعرف أن صاحبه لا يستعجله. الطريق نفسه، الحفر نفسها، وأصوات السوق تتلاشى شيئًا فشيئًا كلما ابتعدوا عن المركز.


بعد مسافة، مال محمود بيه على السائق وقال:

– وقف هنا… سيبنى أنزل.

أمسك السائق باللجام، توقفت العربة، فنزل البيه وعدّل بدلته. قال له:

– روح إنت، أنا هكمل على رجلى.


ابتسم السائق ابتسامة قصيرة، وضرب الحصان بعصاه، فانطلقت العربة ببطء حتى ابتلعها الطريق.


مضى محمود بيه وحده بين الحقول، خطواته تغوص قليلًا فى التراب الناعم. الهواء كان رطبًا، يحمل رائحة الأرض المبتلة بعرق الفلاحين وماء السواقى. رأى الرجال منحنين فوق الأرض، أياديهم مشققة، لكن حركتهم متصلة كأنها جزء من دورة النهار. وعلى حافة الغيط، فتيات قرويات يقطفن الثمر فى سلال من القش، وجلابيبهن الملونة تضيء كزهور وسط الخضرة. ضحكاتهن كانت خفيفة، تتطاير مع النسيم، تملأ المكان بمرح طفولى يذكّره ببراءة ضائعة.


وقف برهة يتأمل، ثم رفع رأسه إلى السماء. هناك أسراب الطيور تعود إلى أعشاشها، والنيل يجرى على مقربة، صوته كغليون ضخم يمر فى صدر الأرض، عميق ومطمئن. ارتجف قلبه لهذا المشهد، شعر أنه غريب بينهم جميعًا، موظف من المدينة ألقى به القدر هنا، لكنه أيضًا شعر بشىء آخر: دفء خفى يربطه بالأرض وبالناس الذين يفلحونها.


سار على مهل، يستنشق رائحة القصب والذرة، يستمع إلى نباح كلب بعيد، وإلى خرير ساقية تدور ببطء. ومع كل خطوة كان يخفّ عنه ثقل المحكمة، وتغادره صرامة الأوراق الرسمية، كأن الأرض تغسله من تعب النهار وتعيده طفلًا صغيرًا لا يعرف سوى البساطة.


كان الغروب قد لبس ثوبه الأخير حين اقترب محمود بيه من القصر. السماء مشتعلة بشفق أحمر يذوب شيئًا فشيئًا فى سواد الليل القادم، والغربان تعبر فوق رأسه متفرقة كأنها تعرف طريقها أكثر منه. خطواته على التراب بدت أبطأ، والبوابة العتيقة للقصر ارتفعت أمامه كظل ثقيل.


فتح الباب الحديدى المتهالك فصرَّ صريره، واستقبله فناء صامت لا يسمع فيه إلا حفيف الشجر. على عتبة الدرج وقفت عائشة، تنظر إليه بعينين فيهما مزيج من الخوف واللهفة. لم تكن تبتسم، لكنها لم تُبدِ جمودًا أيضًا، كانت كمن يراقب عودة سيدها لتطمئن أن البيت لم يعد وحيدًا.


قالت بصوت خفيض، وهى تمسح يديها فى طرف جلبابها:

– حمد الله عالسلامة يا بيه.


رفع عينيه إليها لحظة ثم أكمل صعود الدرج بلا كلمة، كأنه لم يسمعها. ومع ذلك، ظلت تتبعه بخطوات حذرة، تحافظ أن تبقى خلفه بمسافة. فى يدها قنديل جاز صغير، ضوؤه المرتجف كان يسيل على الحائط كأنه ظل آخر يتحرك معهما.


حين دخل القاعة الكبيرة، أزاح معطفه وألقاه فوق مقعد، جلس فى صمت وهو يشعل سيجارته. عائشة وضعت القنديل على الطاولة، وانتظرت أمرًا لم يأتِ. كان صوت القنديل وهو يتنفس بالزيت يملأ السكون، ورائحة الدخان تختلط برائحة الخشب القديم.


لم يسألها عن شىء، ولم تجرؤ هى على الكلام، لكن فى قلبها دفء غامض: أن سيدها عاد، وأن الليل لن يكون موحشًا كما كان حين خرج.


كانت عائشة قد أشعلت وابور الجاز فى الركن القريب من الفناء. اللهب الأزرق يتلوّى فى صمت، والماء فوقه يهمس بالغليان. رائحة المعدن الساخن تمتزج برائحة الطين الرطب الآتى من الحقول البعيدة، كأن الليل نفسه يغلى مع الماء.


حملت الإبريق النحاسى بيديها، وثقله يهز كتفيها الصغيرتين، ومشت على مهل فى الرواق الطويل. كان القنديل المعلّق يتأرجح كلما مرت تحته، فيسقط الضوء على الجدران مثل خيوطٍ من ذهبٍ قديم.


فتحت باب الحمّام، والبخار ينساب أمامها كدخانٍ أبيض له قلب دافئ. وضعت الماء فى الحوض الحجرى، اختبرته بطرف أصبعها ثم صبّت قليلًا من البارد عليه، وابتسمت فى خفوت. قالت لنفسها:

– كده تمام، لا يحرق جلده ولا يبرد عظمه.


كان فى الخارج وقع خطوات محمود بيه. خطواته الرزينة لا تخطئها أذنها، كأنها تعرف وزنها وعددها. حين دخل، رفعت القنديل وأمالت رأسها قليلًا وقالت بصوت خافت:

– الميه جاهزه يا بيه.


هز رأسه دون أن ينظر إليها، ووقف أمام الحوض. خرجت هى وأغلقت الباب خلفها بهدوء، وبقيت واقفة قليلًا خلف الباب، تسمع صوت الماء وهو يُسكب على الجسد، وصوت الحجارة القديمة وهى تتنفس البخار.


فى الخارج، كانت السماء قد أطبقت تمامًا على القرية، والحقول صارت كتلة مظلمة واحدة، إلا من نقيق الضفادع البعيد، وصوت القنديل يواصل احتراقه الصغير فى الرواق.


شغلى المدفأه يا عيشه ،همس محمود بيه فور خروجه من الحمام واعمليلى فنجان قهوه


هتشرب قهوه من غير ما تتعشى يا بية ؟ دا يبقى حرام

اطلق محمود بيه نظره مستفهمه على عيشه

ايه إلى حرام يا عيشه ؟

تلاقيك على لحم بطنك من الصبح يا بيه، سجاير وقهوه مش كويس على صحتك عشان خاطرى كل حاجه صغيره


كنت اعرف اننى لن انتهى من عيشه ولن يستقر لى بال حتى اتناول طعامى

قربى الاكل من المدفأه يا عيشه

حاضر يا بيه


بط ومرق وخبز ساخن ،آنتى عايزانى اكل كل ده ؟

كل على قد ما تقدر يا بيه

طاوعت عيشه وتذكرت أننى منذ الصباح لم اتذوق الطعام

ثم اتكأت على المقعد واشعلت سيجاره ،شيلى الاكل يا عيشه

انا شبعت

نفذت عيشه الامر بلا تلكع، ثم بعد مده احضرت فنجان القهوه وعندها فقط شعرت أننى حى


حبست ناس كتير يا بيه النهرده؟

انا مش بحبس حد يا عيشه ،القاضى هو الى بيصدر الحكم

إزاى يا بيه ؟

وعرفت أننى مهما شرحت فأن عقلها الغبى لن يستوعبنى

وكان جسدى وعقلى لا يحتمل إى مهاترات أخرى


____مش لازم تفهمى كفايه انى قولت كده

حاضر يا بيه، معاك حق هو انا هفهم اكتر منك ؟

ايوه صحيح يا بيه فيه جواب وصل لحضرتك من البندر


استدرت تجاه عيشه وهمست  فين الجواب ؟

وضعت عيشه يدها داخل جلبابها فاستحييت ان انظر ثم أخرجت الجواب

انتى غبيه ؟ ليه متركتيش الجواب على الكرسى او الترابيزه ؟

خفت يا بيه يضيع منى وتزعل وانا مش عايزه ازعلك!!

قوم تحطيه كده ؟

امال احطه فين يا بيه؟

خلاص، خلاص اسكتى

فضضت المظروف ،مهما ابتعدت عن القاهره تلاحقنى الذكريات، كان الجواب من شلة حى الجماليه ،انهم يستمعتون باوقاتهم ويفتقدون رفقتى

القيت بالخطاب فى المدفأه ،لقد حكم على ان اعيش مع الفلاحين البلهاء والروث والبهائم واترك حياة الرغد والجمال والنزاهه

والتهمنى غيظ دفين وحنق وكره لكل ما هو قائم فى حياتى الان

فيه ايه يا بيه مالك؟

ولم أشعر بنفسى الا وانا اصرخ وانتى مال اهلك  والطم عيشه على خدها لطمه قويه، استلقت الفتاه على الأرض مستسلمه غير مدركه لما عليها فعله ،لم تبكى

لكنها تكورت على نفسها مثل كلب ضربه صاحبه واضعه عينها على بحذر وترقب ثم زحفت بعيد تجاه الجدار واتكأت بظهرها وهى تنظر إلى

رايحه فين؟

حطى حطب فى المدفأه بسرعه ،اياكى المدفأه تنطفى او اللهب يخفت ؟

حاضر يا بيه


#١٠


كان اللهب يتراقص في المدفأة، ظلاله تمتد على الجدران كأشباح قديمة تتحرك في صمت. جلس محمود بيه في مقعده، مائلًا إلى الخلف، السيجارة بين أصابعه، والشرر الأحمر في طرفها يشبه عينًا تراقب كل شيء.

كانت عائشة ما تزال ترتجف، لكن يديها لم تتوقفا عن العمل. وضعت الحطب في الموقد كما أمر، واحدًا تلو الآخر، وكل مرة تقترب فيها من النار كان الضوء يلسع وجهها فيظهر عليه وهجٌ خافت من خوف وخضوع.


مدّت محمود بيه  يده إلى المنضدة، تناول الفنجان وارتشف رشفة صغيرة ثم قال 


– تعالى هنا يا عيشة.

اقتربت بخطوات حذرة.

– أقربى أكتر.

وقفت أمامه، يدها تشد طرف جلبابها كأنها تبحث عن شيء تمسك به.


أمسك يدها الخشنة، نظر إلى تشققاتها، إلى أثر العمل الطويل فى الحقول، وقال بنبرة باردة:

– دى مش إيد واحدة ست… دى إيد تربى 


سحبت يدها بخفة، لكن عينيه كانتا أقوى من حركتها، فثبتت مكانها. لم تكن تفهم إن كان يحتقرها أم يفتش فيها عن معنى، فقط كانت تعرف أن كل كلمة تخرج منه تأتى معها رهبة لا يمكن رفضها.


عاد إلى مقعده، جلس، وأشار برأسه إلى الأرض قرب المدفأة.

– اقعدى هنا… عايز أسمع النار.

جلست حيث أشار، يديها على ركبتيها، رأسها منحنٍ، وصوت الحطب يفرقع بين لحظة وأخرى كأن الغرفة كلها تتنفس.


تأملها طويلًا، ثم قال وهو يزفر الدخان:

– انتى مش بتخافى يا عيشة؟

– بخاف يا بيه… بس مش من النار.

– طب بتخافى من إيه؟

– من زعلك.


ساد الصمت بعد كلماتها. فى الخارج كان الليل قد تمدد فوق كل شيء، وفى الداخل كان الضوء الراقص من المدفأة يرسم بينهما حدودًا لا تُرى

الا انه كان يشعر برغبة أقرب للشهوة إلى اخضاع عيشه

اخضاع تلك المخلوقه البائسه، ففد كانت طاعتها تستفزه

وتتوسله ان يتمادى أكثر..


فيه حد ضربك يا عيشه قبل كده ؟


ايوه يا بيه، امى ضربتنى وابويا كان بيضربنى

وعلوان ان شاله تنشل ايده كان بيضربنى


وكنتى بتحسى بأيه لما تنضربى ؟

فتحت عيشه فمها بغباء ،هحس بأيه يعنى ،الضرب بيوجع

ابتسم محمود بيه، يعنى الضرب بيضايقك ويعصبك ؟


إلى ذى يا بيه ملوش حق يتعصب، احنا مش ذيك وحياتنا صعبه فى البيوت والغيطان


إذآ ،همس البيه الضرب يضايقك ولا تتمنين حدوثه ؟

همست عيشه إلى تشوفه يا بيه هو انا اعرف اكتر منك


ولم يعجبه ردها ،كان يتمنى مماطله ،تحدى وربما سخريه

كائن فى منتهى الخفه، انتى حيوانه فعلا


الله يسامحك يا بيه، ليه بتقول كده


ووجدت الذريعه التى كنت احتاجها، مش عاجبك كلامى ؟


عاجبنى يا بيه عجبنى، اصل أهل البندر ليهم عوايد غير عوايدنا

إحنا عندنا الراجل بيضرب مراته لما مش تطيعة

او يكون ذهقان ومخنوق من الدنيا


هو انتو مسمعتوش عن هدى شعراوى ولا ايه ؟


هدى شعراوى مين يا بيه؟


نفخت دخان سيجارتى فى وجه عيشه ،دى واحده ست بتنادي بالمساواة بين الرجل والمرأه

ان الست تلبس براحتها ملابس قصيره وتعبر عن رأيها بحريه

وتدخل المدارس وتصبح طبيبه ومعلمه وباشمهندسه


يعيب الشوم ، امال الرجاله تشتغل ايه ؟

وكدت ان اضحك وان أخبر عيشه ان فى قادم الزمان المرأه ستشارك الرجل فى الوظائف جميعها


لكنى قلت اسكتى مش عايز اسمع صوتك لبقية الليل احسنلك

وفتحت كتاب ييعدنى عن كل تلك الأفكار القذره التى تتلاعب بعقلى

وظل الحطب يطقطق داخل المدفأه وعيشه جالسه تحت قدمى تدفع الحطب كلما نقص


ثم سمعنا طرقات على باب المنزل وكان امر غير معتاد

فتحت عيشه باب البيت كان علوان الذى أخبر عيشه ان والدتها مريضه وترغب فى رؤيتها على وجه السرعه


وسمعت ما قاله علوان فعرضت ان اتصل بطبيب المركز

لكن علوان قال ملوش لازمه يا بيه دا دور شمس

بس هى عايزه عيشه جنبها

استأذنتنى عيشه فسمحت لها وقلت لا مانع ان تقضى الليله مع والدتها.


ابتعد علوان وعيشه بعيد عن القصر وتوغلا بين الحقول فى الطريق المترب نحو بيتها

همس علوان ،بقا يا بت قاعده مع البية لوحدك بقالك اكتر من اسبوع؟

وفيها ايه يا علوان؟ يعنى البية هياكلنى ؟

همس علوان شكلك نسيتى عوايدنا يا عيشه متعرفيش الناس بتقول إيه عنك

بتقول إيه يا علوان ها؟

ابتسم علوان بسخريه بيقولو انك بقيتى وأحده رخيصه يا عيشه باعت نفسها للبية عشان الفلوس


صرخت عيشه ينقطع لسان إلى يقول كلمه عنى وعن البية انا اشرف من الشرف


شرف ايه يا عيشه ؟ انتى فاكره الكلام دا هياكل معايا يا بت؟

اوعى تفتكرى علوان مغفل

وكان الظلام قد احاط بهم من كل جهه ولا صوت يعلو فوق صوت السكون، سحب علوان عيشه داخل الحقول وكتم فمها قبل أن تصرخ

شل حركة عيشه وهو يهمس علوان يقدر يعمل إلى بيعمله البيه برضك ،وصرخت عيشه ابعد عنى لكن صوتها تبدد فى الفراغ

وسط الحقل عرقل علوان قدم عيشه واسقطها أرضا

انتى فاكره البيه هيقدر يحميكى منى يا بت ؟

دا انا علوان والاجر على الله، قبض علوان على يدى عيشه واحتضن جسدها بقسوه لو فتحتى بقك هقتلك وارمى جتتك فى النيل


تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملة من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا










تعليقات

التنقل السريع
    close