رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثالث وخمسون 53بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثالث وخمسون 53بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثالث وخمسون 53بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ٥٣ ~ على الباغي... تدور الدوائر !!
في الڤيـــلا ..
جلس عمر منكفئ الرأس، يطوي جسده حول نفسه كأنما يحاول الاحتماء من عاصفة تعصف بداخل صدره. كان وجهه شاحبًا مائلاً إلى الاصفرار، وعيناه زائغتان، لا تستقرّان على شيء… وكأنه يبحث عن نقطة واحدة في هذا العالم يمكنه التشبث بها لئلا ينهار مجددًا.
ارتجفت أصابعه وارتفع صدره بلهاثٍ مكتوم، ثم وضع كفيه فوق رأسه، يضغط عليهما بقوة، كمن يحاول إيقاف الانفجار الذي يهدر في داخله.
أغمض عينيه… فاندفعت دموعه الثقيلة، الساخنة، بلا مقاومة.
كانت شفتاه تتحركان بتمتمات مكسورة، كلمات غير مفهومة، وكأنه يحاول إقناع نفسه بحقيقة لا يقدر على تصديقها.
زاغت عيناه أكثر، وتقطعت أنفاسه، وارتعش جسده كله مع توالي الصدمة عليه.
وفي وسط تلك الفوضى التي تعصف بأفكاره… لم يكن في داخله سوى سؤال واحد يصرخ بلا رحمة:
هل انتهى كل شيء؟
هل مجرد معرفته بأن ذلك الطفل ابنه قادرة على قلب حياته رأسًا على عقب؟
ماذا سيفعل؟
وكيف ستتقبل ميرال الأمر؟
وأي ردة فعل ستكون بانتظاره؟!
لحظة لم يكن مستعدًا لها… لحظة كسرت كل جدار كان يظن أنه ثابت، دفعت به نحو الهاوية دون أن يملك القدرة على الهروب من حقيقة أكبر من احتماله بكثير.
كان فريد يجلس إلى جانبه، يستند بكفه إلى صدغه بإرهاق واضح، يبحث في زوايا عقله عن أول خطوة يمكن اتخاذها.
أما حسن، فجلس واجمًا، رأسه مائل للخلف، وملامحه شاردة في فراغ غامض.
وعلى مقربة منهم… جلس والدهم في مقعده، يحدق أمامه بثبات متكلّف، يداه مشدودتان على ذراعي المقعد، وعيناه تلمعان بأفكار بعيدة… أفكار تجعله يشعر بأن القدر يسخر منه، ويذكّره بأن الدوائر لا بد أن تدور على الباغي يومًا ما، وأن كل ساق سيسقى بما سقى.
وبجواره كانت نادية، تخفي وجهها بين يديها وهي تهمس بذهول متوتر:
ـ مش ممكن .. مستحيل ابني يكون عنده ولد من واحدة زي دي .. شكلنا هيكون عامل إزاي وسط الناس ؟! اللي هيعرف هيقول علينا إيه ؟!
ثم أشارت نحو سالم بإلحاح مرتبك:
ـ انت لازم تخلي نادر يتصرف بأي شكل من الأشكال ، خليه يعرض عليها الفلوس اللي هي عايزاها مهما كانت بس تاخد الولد ده وتمشي .
نظر إليها سالم بنظرة لم تفهمها، فتابعت بحدة أكبر:
ـ لو مش عايز تدفع لها . أنا هدفع ! أنا عندي استعداد أديها اللي حيلتي كله بس تاخد الولد ده وتختفي من حياتنا .
وهنا ارتفع صوت فريد، صوت مملوء غضبًا يكاد يتوهج:
ـ ازاي يعني يا نادية هانم ؟! ده ابن عمر ومن دمه .. ومستحيل يتربى بعيد عننا .
رمقته نادية بنظرة ازدراء واضحة وهتفت:
ـ إنت مالك انت ؟! بتتدخل ليه وبتتكلم بلسان صاحب الشأن ليه ؟!
فاستقام فريد قليلًا، وانتصبت ملامحه بحدّة أكثر وهو يردّ:
ـ لأن صاحب الشأن ده يبقا اخويا .. واللي يخص أخويا يخصني ..
استهجنت نادية وقالت ببرود:
ـ كفاية تمثيل بقا . انت مش وصي عليه، عمر مش صغير .. وعارف مصلحته فين كويس أوي .. وهو أكيد رأيه من رأيي .
اتجهت الأنظار إلى عمر، الذي ظل ساكنًا للحظة طويلة، قبل أن يرفع رأسه أخيرًا وينظر أمامه بعينَيْ رجل منهار، ثم قال بصوتٍ مبحوح:
ـ ماما معاها حق .. حتى لو لاتويا رفعت قضية اثبات نسب وكسبتها واضطريت اني أكتب الولد باسمي لكن مش هيكون ليا أي علاقة بيه ولا عايز أشوفه .. تاخد الفلوس اللي هي عايزاها وتمشي .
تهلل وجه نادية وكأنها انتصرت، بينما تغيرت ملامح فريد فجأة، يتحول كل ما فيه إلى صلابة وغضب، ثم قال باحتقار واضح:
ـ أقسم بالله يا عمر .. لو كررت كلامك ده تاني حسابك هيكون معايا أنا .. ووقتها والله ما هتشوف مني غير معاملة كفيلة تخليك تكرهني مدى الحياة .
ثم مال نحوه أكثر، وصوته يرتفع بحدّة موجعة:
ـ هو انت للدرجة دي مفيش عندك ضمير يابني انت ؟! الطفل ده ابنك … من دمك .. ذنبه ايه إنك أب مستهتر وجبان ومش عارف تشيل مسؤولية غلطك ؟!
ارتجف عمر، واختنق صوته قبل أن ينفجر باكيًا وهو يغمر وجهه بكفيه:
ـ والنبي متقولش كلمة أب دي ..
نفخ فريد بضيق شديد، ثم أشار نحو حسن الذي فهم الإشارة سريعًا، فانحنى قليلاً وربت على كتف عمر وهو يقول بنبرة هادئة رغم العمق المؤلم فيها:
ـ عمر .. الكلام اللي بيقوله فريد هو الصح .. الولد مينفعش يتربى بعيد عن هنا .. ده ابنك! احنا مش هنعيد اللي حصل يا عمر .. مش هينفع في يوم من الأيام تكون نسخة من أب إنت عمرك ما كنت راضي عنه .
ازدادت دمعات عمر غزارة، وهتف من وسط انهياره:
ـ يا جدعان هو انتوا ليه محدش فيكم فاهمني ولا حاسس بيا ؟! انتوا عارفين يعني إيه أكون أب في سن زي ده ؟!
فجأة تدخل والده ساخرًا بحدة:
ـ ماله سنك يا نوغه ؟! ما أنا جبت أخوك وأنا اصغر منك .. وبعدين هو انت صغير في حاجات حاجات ولا إيه ؟!!
انتفض عمر وهو يهتف بعصبية:
ـ على أساس إنك كنت أب مثالي يعني واحنا مش عارفين !! يا فرحتي إنك كنت أب وانت أصغر مني بس متعرفش يعني إيه أبوة ولا تعرف يعني ايه تكون أب مسؤول !
اشتد وجه سالم احتقانًا، وقبض على ذراعَي المقعد بقوة، ثم أشار نحو نادية غاضبًا:
ـ شايفه ابنك وقلة أدبه ؟! شايفه تربيتك اللي تشرف ؟!!
ثم صرخ بعمر:
ـ تعرف ياد انت أنا من يوم ما ربنا ابتلاني وقعدت على الكرسي ده ما اعترضتش ولا قلت ليه يا رب ، غير دلوقتي بس ، لأني كان نفسي أقوم أديك بالجزمة لكن للأسف مش عارف .
أما فريد… فزفر في ضيق شديد، وقد وصلت أعصابه إلى حافة الانهيار وسط هذه المناوشات العبثية، قبل أن يصرخ بحنق:
ـ إحنا في إيه ولا إيه دلوقتي من فضلكم !! إحنا في ورطة كبيرة ولازم نتصرف بالعقل .. المحامي بتاع لاتويا قال إنه من بكرة هيقدم دعوى إثبات نسب، ونظرا لتوافر الأدلة فالموضوع مش هياخد وقت وهيتحكم لها.. وبعد ما يتحكم بثبوت نسب الطفل، وبمجرد ما الاعلام ولا الصحافة يشموا خبر زي ده إسمنا هيبقا منور بالبنط العريض على صفحات الجرايد وفي السوشيال ميديا كلها ..
نظر إليه حسن محاولًا بث روح التفاؤل في قلبه، وقال:
ـ إن شاء الله مش هيحصل يا فريد ، خلينا نتفائل .
نظر إليه فريد بضيق وقال :
ـ نتفائل ؟! حبيبي انت مش عايش معانا على أرض الواقع أو بمعنى أصح إنت لسه مجربتش فمش فاهم .. في ناس كل شغلها الشاغل إنها تفتش حوالينا وتلاقي لنا ثغرة واحدة تدخل لنا منها ، خصوصا لما تكون قضية زي دي .. بكرة هتلاقي صيادين التريند ومتخصصين التصريحات النارية ماسحين بكرامتنا الأرض في كل مكان ..
وزفر بقوة، مسندًا ظهره إلى المقعد، وقد بدا عليه الإنهاك والتوتر أكثر، ثم تبادلت عيناه نظرات قلقة مع من حوله قبل أن يرفع والده حاجبيه ويسأله بحدةٍ ممزوجة بالحيرة:
ـ والمفروض نعمل إيه علشان نمنع ده ؟! ماهي ممكن هي اللي تسرب الخبر علشان تضغط علينا !
التفت فريد إليه ببطء، وعيناه تضيقان استنكارًا، وقال بنبرة مرهقة:
ـ هي مش محتاجة تضغط علينا على فكرة لأن موقفها قوي جدا وكل حاجة في صفها ، على العموم أنا شايف إننا نلجأ لفريق متخصص في إدارة الأزمات من اللي بيراقبوا السوشيال ميديا والصحافة والإعلام بحيث يتبعت لهم تحذيرات قانونية مسبقة قبل ما حد يفكر يتكلم في الموضوع .. زائد إننا لازم نشوف محامي علاقات عامة يكون ليه شبكة معارف مع الصحف الكبيرة بحيث يعرف يحتوي الأمر ويمنع إن الخبر يتسرب..
ونظر صوب عمر وأردف بحدة :
ـ وده مش عشان حضرتك ولا علشانها، ده عشان خاطر الطفل اللي ملوش ذنب ان انتوا أبوه وأمه .
هنا مال والده قليلًا للأمام مقترحًا بهدوء وثقة:
ـ وليه نشوف محامي ! ماهو نادر موجود ؛
تبدلت ملامح فريد على الفور، وتصلبت نظراته وهو يرمي والده بنظرة غاضبة تحمل أكثر مما تقوله الكلمات:
ـ لو سمحت سيبنا من نادر ده خالص دلوقتي .. أنا هتصرف بمعرفتي ..
ثم حوّل نظره نحو عمر، ونبرة صوته تزداد صرامة وكأنه يضع نهاية للجدل ويفرض واقعًا جديدًا:
ـ وانت يابني .. إعقل كده الله يهديك وفكر كويس في كلامي هتلاقيني عايز مصلحتك ..
ثم مال قليلًا للأمام، كأنما يجمع كلماته بعناية قبل أن يطلقها، بينما ثبت عينيه على نادية بنظرة هادئة لكنها مقصودة، نظرة حملت رسائل مبطّنة أكثر من الكلام نفسه. تنفّس ببطء، ثم قال بصوت منخفض ثابت:
ـ مش علشان أنا عايز أعمل وصي عليك ولا عايز أعمل فيها كبير .. لأ .. علشان أنا فعلا كبير .. وكوني أخوك الكبير فمن حقك عليا إني أوجهك للصح حتى ولو غصب عنك ..
وبرغم حدّة كلماته، أخذت نبرته تلين تدريجيًا، وكأن صوتًا آخر خرج من أعماقه، صوت الأخ المسؤول، وقال بنبرة حانية أقرب للأبوة:
ـ جايز انت شايف إنه قرار قاسي أوي ومش منصف، بس صدقني فيما بعد هتعرف إن ده الصح .
ونهض مستعدًّا للمغادرة، فرفع عمر رأسه وقال بقلق:
ـ انت رايح فين وسايبني ؟!
زفر فريد بضيق وقال:
ـ أنا عندي ميعاد مع الدكتور دلوقتي وبعدها راجع البيت عشان تعبان ومحتاج أرتاح .. هطمن عليك لما أوصل. وبكرة هاجي أخدك علشان هنروح أنا وانت وحسن مشوار مهم.
شعر وكأن أذني والده وزوجته تمتدان نحوهما في محاولة لالتقاط الحديث، فاقترب خطوة إضافية من عمر وربت على كتفه، وقال بصوت خافت يخصه هو وحده:
ـ عمر .. أنا واثق فيك ، ومتأكد إنك راجل .. والراجل لازم يقف ورا أخطائه ويصلحها ، متسمعش لوالدتك.. أرجوك.
التفت عمر تلقائيًّا نحو والدته التي كانت تطاردهما بنظرات فضولية لا تخفى، ثم تنهد وأومأ موافقًا على كلام فريد. عندها ابتسم فريد ابتسامة متعبة وقال:
ـ برافو.. ربنا يهديك .
أشار برأسه إلى حسن فتبعه بخطوات هادئة، وتوقفا عند سيارة فريد. تنهد الأخير وهو يدخل يديه في جيبيه وقال بقلق ظاهر:
ـ خلي بالك منه يا حسن ومتسيبوش يسمع لحد.. أنا مش عارف هو ليه صمم ييجي على هنا .. كان من الأفضل يقعد عندي علشان متقدرش تتكلم معاه وتأثر عليه .
منحه حسن نبرة مطمئنة وهو يقول:
ـ متقلقش أنا معاه ومش هسيبه .. إن شاء الله خير .
هز فريد رأسه وهو يضغط بأصبعيه على جبينه من شدة الإرهاق، ثم قال:
ـ بكره هاجي أخدكم ونروح نقابل كريم .. لازم عمر يعمل له توكيل علشان يتابع بنفسه خط سير القضية مع المحامي بتاع لاتويا .. وإنت كمان لازم تعمل له توكيل وتسلمه كل الأوراق الخاصة بالمزرعة علشان يراجعها ويشوفها سليمة ولا لأ ونضمن إن لا سالم مرسال ولا غيره بيخططوا من ورانا .. كريم واجهة قانونية قوية جدا وأنا أضمنه برقبتي .
أومأ حسن مطمئنًا وهو يقول:
ـ خلاص اللي تشوفه ..
ربت فريد على ذراعه، وهز رأسه بهدوء ثم قال:
ـ يلا أنا همشي .. ربنا معاك .. لو في جديد كلمني فورا .
فأجابه حسن بهدوء:
ـ متقلقش .. مع السلامه.
اتجه فريد نحو سيارته، فتح الباب، واستقر على مقعده بتعب ظاهر. أغلق الباب بهدوء كأن جسده يعلن إنهاكه، ثم أسند رأسه للخلف، ومسح جسر أنفه بيده قبل أن يستقيم ويُدير المحرك، عاقدًا العزم على التوجه إلى الطبيب بعد أن قرر ألا يتجاهل ذلك الوخز الذي يهاجمه بلا توقّف… حتى في هذه اللحظة!
فأخذ يتساءل : هل يهاجمه بسبب الضغوط المتلاحقة التي يعيشها؟
أم لأن قلبه يرتجف بمجرد أن يرى اسم نغم على شاشة هاتفه كما يحدث الآن ؟!
التقط الهاتف وهو ينطلق خارج أسوار الفيلا، وأجاب الاتصال فورًا وقد اجتاحه شوق عارم لصوتها…
فجاءه صوتها الدافئ، العذب، ينطق اسمه كعادتها:
ـ فريد ..
فور أن تسلّل صوتها إلى أذنه…
حدث شيء لم يستطع فريد منعه، رغم كل محاولاته ليتماسك ويبدو قويًّا أمام الجميع.
ذلك الوخز المؤلم في صدره… اختفى.
حلّ مكانه دفء غريب…
دفء يعرف مصدره جيدًا، ويعرف أنها الشيء الوحيد الذي ظلّ قلبه يتمسّك به وسط كل ما ينهار حوله.
ارتخت قبضته على المقود دون أن يدرك…
وتراجع كتفاه قليلًا كأن ثِقلًا هائلاً سقط عنه فجأة.
شعر كأن الهواء عاد يدخل صدره بعد انحباس طويل.
لم يكن صوتها مجرد صوت… كان أشبه بيدٍ خفية تمتد داخل قلبه، تربّت عليه، تهدّئه، وتجمع شتاته.
عيناه لمعتا بخفوت… ورسمت على فمه ابتسامة صغيرة، منهكة… لكنها صادقة.
وأدرك — دون حاجة لأي تفسير — أن أكثر شيء يحتاجه في تلك اللحظة… أن يحتجزها بين ذراعيه ويُسقط همومه كلها فوق كتفيها .
أن يضمها ضمة واحدة فقط.. يدفن فيها تعب الأيام، ويستقر فيها خوفه، ويُطفيء فيها حرارة شوقه.
كل ما يحتاجه عناق… عناق صادق يشعر في حضرته أن العالم مهما جنّ حوله…
فهو لا يزال يملك شيئًا حقيقيًا، شيئًا ثابتًا، شيئًا ينقذه من السقوط.
وقبل أن يتكلم، أخذ نفسًا طويلًا، وكأنه يحاول أن يخفي عنها ارتجافة صوته، ثم قال بنبرة أكثر ليونة مما توقع:
ـ يا عيون فريد .
شعر بأنفاسها تتفلت في تنهيدة خفيفة؛ كانت واضحة، وكأنها لم تتوقع منه أن يتراجع عن حدّته وقسوته بهذه السرعة. ثم جاءه صوتها المرتجف عبر الهاتف يقول:
ـ وحشتني أوي.
أومأ وكأنه يؤكد صدق كلامها وقال :
ـ وانتي وحشتيني أكتر يا روحي .
زفرت زفرةً مسموعة وصمتت للحظة ثم قالت :
ـ انت فين دلوقتي ؟!
ـ أنا لسه خارج من الڤيلا حالا ..
ـ راجع على البيت ؟!
ـ عندي مشوار الأول هخلصه وأرجع إن شاء الله.
ـ رايح عند الدكتور مش كده ؟!
تنفّس بعمق قبل أن يجيبها قائلاً:
ـ أيوة ..
فارتفع صوتها قليلًا، يحمل شيئًا من العتاب والضيق:
ـ يعني لولا إني سألتك مكنتش هتقولّي؟! هو انت ليه مصمّم تبعدني بالشكل ده؟!
ارتسمت على شفتيه ابتسامة متوتّرة، يحاول من خلالها التخفيف من حدّة الموقف وصرف انتباهها عمّا التقطته بسرعة من حقيقة كان يخفيها، وقال ممازحًا:
ـ ممم.. واضح إن الهرمونات قايمة معاكي بالواجب.
ردّت بصرامة خافتة:
ـ فريد أنا مش بهزر ..
بدت وكأنها ستقول شيئًا آخر، لكنّها ابتلعت كلماتها لتتجنّب الضغط عليه، ثم زفرت بضيق قبل أن تضيف بنبرة أكثر هدوءًا:
ـ على العموم أنا مستنياك .. بعد ما ترجع من عند الدكتور كلمني علشان عاوزة أشوفك.
ـ يا سلام .. ده احنا عنينا للقمر ..
ارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة وهي تهمس:
ـ ربنا يخليك ليا ..
فأجابها بنبرة دافئة:
ـ ويخليكي ليا يا أحلى حاجة في حياتي .. يلا أنا تقريبا وصلت، هكلمك تاني.
تنفست بقلق خافت ثم قالت:
ـ تمام.. مع السلامة.
أنهى فريد الاتصال، وبعد أن خيّم الصمت داخل السيارة لثوانٍ، سحب درج لوحة القيادة، والتقط منه قنينة كحول،
ثم فتحها بيدٍ مرتجفة وأغرق بها يديه قبل أن يعيدها مكانها.
صف السيارة إلى جانب الرصيف، ثم ترجل بخطوات مثقلة، ودلف إلى المركز الطبي الخاص باستشاري أمراض القلب .
ـــــــــــ
كان المكان هادئًا على نحوٍ أزعج أعصابه أكثر، مرر اسمه إلى الموظفة فرحبت به على الفور وقادته نحو غرفة الطبيب .
طرق الباب طرقًا خفيفًا ثم دخل. كان الطبيب رجلًا في أوائل الستينيات من عمره ، هادئ الملامح، يضع نظارته الطبية ويقلب في ملف مريض آخر. رفع عينيه إليه بابتسامة مطمئنة وقال:
ـ أهلا يا بشمهندس فريد، اتفضل .
اضطر فريد لمصافحته، ثم جلس مقابل المكتب، ظهره مستقيم لكن يديه تكشفان عنه، فقد شبك أصابعهما معًا بقلق ملموس.
منحه الطبيب ابتسامة هادئة ثم قال :
ـ طمني إيه أخبارك ؟! كله تمام ؟!
تنفّس فريد بعمق، وقد بدا التوتر جليًّا في زفرته الخافتة، ثم قال بصوت هادئ:
ـ الحمدلله على كل حال ..
شبك الطبيب أصابعه فوق المكتب، ونظر إلى فريد نظرة فاحصة قبل أن يسأله بهدوء:
ـ طيب احكيلي.. إيه اللي تاعبك وخلّاك تيجي تطمن النهاردة .
تنحنح فريد قليلًا، ثم قال وهو يضغط أصابعه معًا:
ـ الحقيقة بقالي فترة .. يعني من حوالي شهر تقريبا .. بقيت بحس بألم مفاجيء .. شبه النغزة ، ساعات بيختفي وساعات بيزيد.
رفع الطبيب حاجبه باهتمام:
ـ نغزة؟ مكانها ثابت ولا بتتنقل؟
ـ ثابتة تقريبًا.. هنا.
وأشار فريد إلى الجانب الأيسر من صدره وهو يقول بصوت منخفض:
ـ بس ساعات الألم بيفوق الاحتمال .. زي النهارده ، الموضوع كان عامل لي أزمة وأعتقد لولا التعب الشديد مكنتش خدت القرار وجيت ، لأني بقالي فترة بحاول أتجاهل الألم ده .
أومأ الطبيب بتفهم، ثم أخذ نفسًا قصيرًا وقال:
ـ طيب.. بتجيلك إمتى؟ بعد ما بتعمل مجهود؟ بعد ما بتضايق وتتعصب؟ ولا في أي وقت؟
أومأ فريد وهو يميل بحدقتيه جانبًا وكأنه يسترجع مشاهد من الذاكرة، وقال :
ـ الصراحة.. أنا اليومين دول حاسس اني ببذل مجهود جسدي ونفسي كبير جدا، وطول الوقت عصبي ومتوتر زيادة عن اللزوم.. ومش بنام كويس.. وبفكر كتير .. إضافة إلى أني مريض OCD من عشر سنين تقريبا، فمش عارف سببها إيه بالظبط.
هز الطبيب رأسه بتفهم:
ـ تمام.. دلوقتي الصورة بقت أوضح، الضغط العصبي لوحده كفيل يخليك في الحالة دي دايما، زائد إن الوسواس القهري طبعا ممكن يعمل أكتر من كده. بس لازم نتأكد الأول إن مفيش سبب عضوي.
وفتح درج مكتبه وأخرج ورقة فحص، ثم سأله بهدوء مهني:
ـ في دوخة؟ ضيق نفس؟ خفقان سريع؟
أجاب فريد:
ـ بالظبط.. في خفقان ساعات. وحصل لي دوخة بسيطة كم مرة..
واعتدل في مقعده وتابع :
ـ الفكرة إني لما تعبت أول مرة وحسيت بالنغزة دي كنت في أثينا ورحت على المستشفى وهناك عملوا لي check up وقالوا إن كله تمام .. وده اللي كان مخليني أتجاهل الشعور المزعج ده وأنا مطمن يعني .
رفع الطبيب رأسه ونظر إليه مباشرة، برز صوته بنبرة جادة لكن مطمئنة:
ـ طيب مفيش داعي نقلق .. هنحتاج نعمل رسم قلب، وتحليل إنزيمات، و أشعة إيكو .. أغلب الوقت النغزات دي بتبقى نتيجة توتر زائد… مش شرط تكون مشكلة خطيرة..
أخذ فريد نفسًا قصيرًا، وحرك رأسه علامة الفهم، لكنه لم ينجح في إخفاء التوتر في عينيه. فقال له الطبيب بابتسامة داعمة:
ـ متقلقش .. إن شاء الله خير .. بس قوللي الأول، انت متجوز ؟!
تنهد فريد وهو يشعر بالأسى حيال نفسه، وقد فهم المغزى من سؤال الطبيب، فأجاب بهدوء:
ـ لسه ..
ـ بتدخن أو بتتعاطى أي نوع من أنواع المخدرات أو المنشطات ؟!
ـ لا أبدا الحمدلله .
هز الطبيب رأسه بتفهم، ثم أشار إلى السرير الجانبي وقال :
ـ طيب اتفضل خلينا نفحصك ..
تحرّك فريد ببطء، كأن ثقلاً ما يسحب قدميه، ثم جلس على طرف السرير قبل أن يتمدّد مستسلمًا. فكّ زِرَّيْ قميصه العلويَّيْن، وانحسر القماش قليلًا كاشفًا عن صدرٍ يتسارع فيه النفس.
اقترب الطبيب، وضع السماعة على صدره، وقال:
ـ خد نفس عميق … ودلوقتي … خرجه ببطء.
تنقّل برأس السماعة من أعلى الصدر إلى جانبيه، ثم إلى الظهر، وهو يصغي بانتباه شديد لنغمات القلب وصفير التنفّس.
بعدها وضع أصابعه على رسغ فريد يتحسّس النبض، ثم التقط جهاز الضغط من المنضدة المجاورة ولفّ الحزام حول ذراعه. ارتفع صوت الجهاز وهو ينقبض وينبسط، قبل أن يدوّن الطبيب القراءة على ورقة أمامه.
رفع الطبيب نظره إليه قائلاً:
ـ دلوقتي هنعمل رسم للقلب، إجراء بسيط مش هياخد دقايق.
طُرق الباب طرقًا خفيفًا، ودخلت الممرّضة وهي تدفع جهاز رسم القلب الصغير. وضعت القارورة الزجاجية على الطاولة، وضغطت برأس أنبوب الجِل وأخذت تفرد سائلًا باردًا على صدر فريد.
ثم بدأت تلصق الأقطاب واحدًا تلو الآخر؛ أربعة على الصدر، واثنين على الساعدين، واثنين على الساقين. امتدّت الأسلاك الرقيقة فوق جسده كشبكة هادئة، بينما تقدّم الطبيب إلى جانب الجهاز.
أثناء إجراء رسم القلب بدا فريد غارقًا في شروده، كأن العالم من حوله يتحرّك في طبقةٍ بعيدة لا تصل إليه. كان ينظر إلى السقف بعيون ثابتة، فيما ذهنه ينساب إلى مكانٍ واحد فقط… نغم.
تسللت الفكرة إلى عقله دون استئذان:
ماذا لو أصرت على الحضور معه؟
تخيلها تقف عند رأسه، تراقب الممرضة وهي تضع الأقطاب على صدره العاري بحرفية باردة، فتصحو غيرتها المجنونة التي يعرفها جيدًا.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة لا علاقة لها بالمكان ولا باللحظة… مجرد استجابة لخيالٍ يعرف أنه كان سيُشعلها غضبًا، وربما يدفعها لمغادرة العيادة كلها وهي ترتجف غيظًا.
ومع ذلك، ومع كل هذا الشرود والخيال، كان هناك شيء صغير يوجعه في صدره…
ليته كان قادرًا أن يهدأ،
ليته كان قادرًا أن يراها بجواره الآن،
لا أن يعيش هذه الدقائق الثقيلة وهو يتظاهر بالقوة وحده.
ضغط الطبيب زر التشغيل، فارتسمت على الشاشة خطوط دقيقة ترتفع وتهبط بإيقاع منتظم. ظل الطبيب يتابعها بعين خبيرة، ينحني قليلًا، ثم يغيّر زاوية النظر، كأنّه يقرأ سرًّا مكتوبًا بين النبضات.
بعد لحظات، طبع الشريط الورقي وبدأ يتفحّص النتائج بعناية، ثم أشار إلى الممرضة التي شرعت بإزالة الأقطاب عن صدره، فانصرفت بهدوء من الغرفة. نهض فريد بعدها ببطء، مستجمعًا أنفاسه، وبدأ بغلق أزرار قميصه وهو يشعر بثقل الأفكار يتراكم فوق صدره بينما يتهيأ لمواجهة الطبيب ونتيجة الفحص.
جلس مجددًا في مقعده، فنظر إليه الطبيب بنظرة هادئة، ثم قال بنبرة مهنية :
ـ بص يا فريد.. من خلال الرسم اللي عملناه دلوقتي، فيه إشارات واضحة على وجود ضغط شديد على القلب، وفيه علامات ممكن توحي ببداية أعراض ذبحة صدرية لا قدر الله.
جلس فريد مشدوهًا، يحاول استيعاب ما سمعه، فأكمل الطبيب بنبرة حازمة:
ـ ده معناه إن أي توتر شديد أو ضغط نفسي أو مجهود بدني زيادة ممكن يفاقم الحالة بسرعة، علشان كده لازم تاخد الموضوع بجدية.. وأي شعور بالألم بعد كده مينفعش تتجاهله أبدا ..
أومأ فريد موافقًا وهو يشعر بالانهمام، بينما تابع الطبيب قائلا :
ـ .لازم تتبع التعليمات اللي هقوللك عليها دلوقتي بالمللي، مبدأيًا هنخفف التوتر تماما.. تتابع باستمرار مع دكتورك النفسي علشان نسيطر على الوسواس بقدر الامكان لأنه هو مصدر القلق والتوتر ده كله، تبعد عن أي مشاكل وصراعات ، وتتجنب أي نشاط ممكن يجهد قلبك في الوقت الحالي..
أومأ فريد برأسه، وهو يعرف في أعماقه أنه لن يستطيع الالتزام بأي مما أوصى به الطبيب.
كيف وقد كتب عليه منذ سنوات أن يصارع كل ما يواجهه من أزمات ومشاكل، وأن يعيش على حافة الضغط النفسي والجسدي؟ قلبه الذي أنهكه القلق والرهبة من المسؤوليات لم يعتد الراحة، وروحه التي ألفت الصراع لم تعرف الاستسلام، فكل نصيحة طبية مهما كانت واضحة، تبدو له تحديًا جديدًا يجب مواجهته بصموده المعتاد، حتى لو كان الثمن صحته.
شعور التوتر والضغط النفسي كان يغلب على عزيمته، وكل ما استطاع فعله هو الصمت، محاولًا أن يقنع نفسه بأنه سيتعامل مع الأمر لاحقًا، رغم أنه كان يدرك جيدًا أن قلبه لن يمنحه هذا الفاصل الزمني.
وبينما كان فريد شارد الذهن، تنهد الطبيب بهدوء وقال:
ـ دلوقتي بقا في نقطة مهمة هكلمك فيها..
أومأ فريد، منتظرًا أن يكمل الطبيب حديثه، وأعينه متجهة نحوه بترقب وفضول.
ـ ربنا سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "
أومأ فريد وتمتم :
ـ صدق الله العظيم .
ـ طبعا الآية بتوضح إن العلاقة الزوجية المستقرة مصدر للسكينة والسلام، ووسيلة كمان لتخفيف التوتر ، وبتعمل زي ما بنقول كده balance .. بتساعد إن يكون في توازن نفسي في حياة الإنسان خصوصا لو عنده أزمات ومشاكل كتير مضطر يواجهها ..
أومأ فريد متفهمًا، بينما تابع الطبيب وهو ينظر إليه بهدوء :
ـ وبالتالي التواصل الجسدي بيفرق جدا .. غير إنه بيعزز مناعة الجسم فهو بيساعد في الحفاظ على توازن مستويات هرمون الاستروجين والتستوستيرون، اللي انخفاضهم سبب في الإصابة بأمراض القلب .. فانت محتاج تستعين بالله وتشوف بنت الحلال وتتجوز .. بإذن الله لو حاولنا نعالج كل الأسباب اللي قدامنا الموضوع هيفرق كتير وحالتك هتتحسن جدا عن الأول .
أومأ فريد مع ابتسامة هادئة وقال بنبرة بها قليل من المرح :
ـ والله بنت الحلال موجودة يا دكتور بس الدنيا متعقدة شوية .. ادعيلي بقا الزيارة الجاية أجيلك وأنا متجوز .
ضحك الطبيب بود وقال :
ـ طيب الحمدلله يعني الموضوع في ايدينا أهو .. نحاول نعجل بالجواز بقا وأنا واثق إن الخطوة دي هيكون ليها أثر إيجابي جدا على حياتك ككل .. الموضوع مش مجرد sexual contact على قد ما هو دعم نفسي واستقرار عاطفي .
هز فريد رأسه مؤيدّا ، ثم تنهد وقال :
ـ أنا فاهم جدا الجزئية دي .. ربنا ييسر الحال إن شاء الله.
ـ بإذن الله خير يا بشمهندس .. أنا مقدر إن حياة رجال الأعمال بتكون كلها نزاعات وصراعات بلا حدود ، بس بردو نفسنا ليها علينا حق .. ولازم منخليش الدوامة تسرقنا وننسى حياتنا ونفسنا وإلا هنضيع .
أومأ الآخر بتأكيد نابع عن تجربة واقعية وقال :
ـ مظبوط ..
ـ على العموم أنا هحتاج أشوفك مرة تانية بعد ما نعمل التحليل المطلوب والإيكو علشان نطمن إن عضلة القلب سليمة ومفيش مشاكل كبيرة ، وبعدها هنحط خطة متابعة نمشي عليها ..
والتقط ورقة الوصفات الطبية، وشرع يدّون فيها بتركيز، قائلًا :
ـ ومن هنا لحد ميعاد الزيارة الجاية، هكتبلك على مهدئ خفيف تمشي عليه ودوا باسط للعضلات علشان نتلاشى أي تشنج عضلي في الصدر ..
أومأ فريد موافقًا، فتابع الطبيب وهو يفتح درج مكتبه مجددًا ويلتقط منه ورقة مطبوعة ، ثم مررها إليه وهو يقول :
ـ الورقة دي بقا فيها تمارين تنفس واسترخاء، وفيها بعض التمارين الخفيفة اللي هتفيدك وهتقلل من تكرار النغزة دي .. وأهم حاجة .. قبل العلاج والتمارين وقبل كل شيء … النوم المنتظم والراحة الكافية، ونبعد عن الكافيين والمنبهات تماما ، وطبعا هنتجنب أي تعب نفسي أو ضغط زيادة ، وياريت لو تغير جو في أقرب وقت أكيد هيفرق معاك .
ابتسم فريد بهدوء، ثم قال :
ـ بإذن الله.. ربنا ييسر .
ـ ربنا معاك إن شاء الله .. ولو حسيت بأي حاجة طبعا لازم تنزل طوارئ فورا أو تكلمني وأنا أقوللك تتصرف إزاي .
نهض فريد وهو ينظر إليه مبتسما ويقول:
ـ أكيد بإذن الله .. في الواقع أنا مش عارف أشكر حضرتك إزاي .
فبادلهُ الطبيب ابتسامة هادئة وقال :
ـ ده شغلي وأنا تحت أمرك دايما .. بالسلامة إن شاء الله.
غادر فريد المركز واتجه نحو سيارته المصفوفة بالخارج، احتل مكانه خلف المقود وأخذ يراجع ما قاله الطبيب، وقلبه ـ الغريب أنه مصدر شكواه ـ يطرق بقوة أكبر من أي وقت مضى.
༺═────────────────═༻
كان عمر لا يزال جالسًا في موضعه بعد مغادرة فريد، ثم صعود والده إلى غرفته، ولحاق والدته بهما بعد أن انشغلت بمكالمة مع چيلان.
لم يبق إلى جواره سوى حسن، يراقب صمته، ويتأمّل سكونه بعين يختلط فيها القلق بالشفقة.
رنّ هاتف عمر مرة أخرى، للمرة التي فقد العدّ عندها، فمدّ يده إليه وأغلقه دون أن يتطلع حتى إلى اسم المتصل.
رمقه حسن بطرف عينه، متألِّمًا لحاله؛ يراه يهرب من الإنسانة التي يحبّها، فقط لأنه لم يعد يمتلك ما يقوله، ولم يُحسن ترتيب أفكاره بعد.
وبينما غاص عمر في شروده، تسلّل إلى أذنيه صوت حسن، وقد أشعل سيجارة وراح ينفث دخانها ببطء، وعيناه شاردتان في نقطة بعيدة لا يراها سوى هو، وصوته يخرج كأنه ينبعث من أعمق موضع في ذاكرته :
ـ مرة وأنا صغير .. يعني مكنتش صغير أوي، كنت حوالي ٢٠ سنة .. اتخانقت مع عيل في الحارة وقاللي يا ابن الحرام .. وقت ما سمعت الكلمة دي اتجننت ومبقيتش عارف أتلم على أعصابي .. ناديت صحابي وحكيت لهم وقلت لهم إني عايز أخد حقي منه .. مش هنام الليلة غير لما أقطع له لسانه عشان يكون عبرة لأي واحد يفكر يتطاول عليا تاني .. وفعلا حصل .. وقتها كنت عارف إنها مش هتعدي على خير وأكيد هروح في حديد بس مفرقش معايا غير إني أخد حقي منه .. بس حتى لما أخدت حقي مقدرتش أنسى الكلمة دي.. ولحد دلوقتي معلمة جوايا وسايبه في قلبي شرخ كبير أوي ..
وسحب نفسًا عميقًا من سيجارته، ثم أطلقه ببطء، وتابع بصوت مبحوح يختزن ثِقَل السنين:
ـ لحد اليوم اللي اتخانقت مع فريد فيه بسبب نغم وقاللي انت ابن حرام .. حسيت إني رجعت ١٣ سنة لورا .. رجعت نفس الشاب اللي عنده ٢٠ سنه .. وقتها لولا إنه أخويا أنا واثق إني مكنتش هتردد لحظة إني أعاقبه بنفس الطريقة .. كنت مخنوق ومضايق ومش على بعضي لأني مش عارف أخد حقي منه .. منمتش ليلتها، وفضلت أفكر .. إيه الخلل اللي فيا وواضح أوي للناس يخليهم يقولوا لي إني ابن حرام ؟! إيه الغلط اللي هما شايفينه وأنا مش شايفه ؟!
وتنهد ثم قال :
ـ وبالرغم من إني عارف إني مش ابن حرام ولا حاجة ، بس الكلمة دبحتني .. خصوصا لما فريد قالهالي .. اتقهرت أوي .. وحسيت إني مليش لزمة ولا قيمة ، حسيت إني كاره نفسي .. وكاره العيلة اللي هي كمان كارهاني .. و كاره أبويا اللي ملوش ذنب أصلا .. وكاره أمي لأنها خبتني عن أبويا وحرمتني من عيلتي .. هتصدقني لو قلت لك إني يومها رحت لحد قبرها وقلت لها إني بكرهها ؟!!
التفتَ عمر نحوه ببطء، وحدّق فيه لحظةً بنظرةٍ تختلط فيها الشفقة بالحيرة، ثم أعاد بصره إلى الفراغ أمامه، كأنما يخشى أن يراه حسن وهو يتصدّع من الداخل.
تابع حسن حديثه بصوت منخفض، ثابت، كأنه يحفر كل كلمة من أعماق ذاكرةٍ ما زالت تؤلمه:
ـ قلت لها إني بكرهها لأنها كانت أنانية وحرمتني من كل حاجه ، حرمتني من إني أكون زيي زيكم .. أكون مولود وفي بؤي معلقة دهب زيكم .. حرمتني من احترام الناس ليا، ومن احترامي لنفسي .. حكمت عليا أمشي في طريق انا مكنتش عايز أمشيه .. خلتني حسن العقرب وأنا من جوايا عارف إن نظرة الناس ليا إني أقل من الصرصار حتى ..
ضحك ضحكة قصيرة مبتورة، سرعان ما اختنقت في حلقه وهي تمتزج بدمعة ساخنة حاول جاهدًا أن يخفيها قبل أن تسقط. مسحها بطرف أصبعه بسرعة، ثم التقط نفسًا عميقًا من سيجارته، وتابع بصوت خفيض لكنه ثابت:
ـ لو كنت اتربيت معاكم اكيد كان حالي هيختلف، مكنتش هبقا سوابق ورد سجون على الأقل، مكنتش هشتغل ديلر في يوم من الأيام، مكنتش هعمل حاجات كتير لما بفتكرها بقرف و اشمئز من نفسي .. والأهم من كل ده مكنتش هحس إني أقل منكم مهما حصل .
أطرق برأسه قليلا وهو يسترجع شريط حياته الذي يمر أمامه الآن ببطء، وقال :
ـ لما أبويا قاللي هعترف بيك وتبقا واحد من العيلة وتشيل اسمي.. خفت ، كنت خايف محدش يقبلني وتفضلوا تعايروني في كل فرصة إني ابن الخدامة .. مع إني ماخترتش أمي .. ماهو محدش فينا بيختار أمه يا عمر ..
وصمت لحظات، كأنه يمنح كلماته فرصة لتتسلّل وتستقرّ في صدر عمر، يتفحّص ملامحه الجاسية ولا يرى فيها سوى وجومٍ يائس.
تنهد حسن ببطء، ثم تابع بصوت منخفض ولكنه حاسم::
ـ ومع إن كونها خدامة بشرفها ده شيء ميعيبهاش لكن كنت عارف إني هتعاير بيها ، عشان كده كنت خايف ومتاخد .. خايف محدش يحبني ولا أعرف أتعايش وسطكم .. وفي نفس الوقت هموت وأبقا منكم .. بحبكم غصب عني وعاوز أكون معاكم .. عاوز أتشرف بيكم وأسند ضهري بيكم ، وأفتخر قدام العالم كله إنكم اخواتي .. استغنيت عن حبي لنغم مقابل إني أشتري رضا فريد .. وكان عندي استعداد أبيع روحي عشان بس أحس إني ليا مكان وسطكم .. وما زلت عندي استعداد أرمي روحي في النار عشانكم .. ومش هكون ببالغ لو قلت لك عشان خاطر أبويا كمان بالرغم من إنه كله مساوئ وعيوب .. شفت الوحدة والحرمان اللي عشت فيهم طول العمر وصلوني لإيه ؟! وأنا هنا مش قصدي حرمان من الفلوس ، أنا اللي أقصده حرمان الحب والعطف ، الحرمان من الأهل والعيلة ..
ودّ عمر لو يفتح فمه ويقول كل ما يعتمل في صدره، لكنه لم يجد للكلمات منفذًا؛ ما بداخله كان يخنقه، يصادر صوته، ويكبّل لسانه بثقلٍ لا يراه أحد. زفر بصوت خافت، ثم مدّ يده وربت على ذراع حسن، في محاولة صامتة — وبائسة — لأن يبادله الدعم ولو بلمسة.
عاد ببصره إلى الأمام، وعيناه غارقتان في الفراغ، بينما استأنف حسن حديثه، وقد ثقل صوته بدهرٍ كامل من التجارب:
ـ في غلطات يا عمر مبتعديش .. وقرارات الواحد ممكن ياخدها وهو مش عارف إنها هتتحول للعنة كبيرة هتفضل تطارده مدى الحياة .. في أخطاء مبتتصلحش مهما حاولنا .. بتفضل معلمة جوانا مهما مر بينا الزمن ، زي الجرح بالظبط .. ممكن يلم لكن مستحيل ميسيبش أثر .. علشان كده لازم قبل كل خطوة وكل قرار نحسبها كويس أوي ، ونبص لقدام مليون مرة ونشوف بقرارنا ده هنظلم مين وننصف مين .. والأولوية عندنا لمين .
وسحب آخر نفسٍ من سيجارته قبل أن يدوسها بطرف حذائه وينهض، ثم وقف يربّت على كتف أخيه في صمت يحمل كل معاني الدعم.
بعد كلمات حسن، ارتجفت مشاعر عمر في داخله، وكأن شيئًا ما كان محبوسًا بداخله بدأ يتحرك ويصدر صدى في قلبه. شعر بثقل قراراته السابقة يخف تدريجيًا، وكأن الضوء بدأ يتسلل إلى زوايا الظلام الذي كان يعيشه، وبدأ يقيس كلمات حسن على الموقف الذي يعيشه، يرى أوجه التشابه بين نصائح أخيه وما يشعر به في داخله من تردد وضعف.
أخذت ملامحه تتغير شيئًا فشيئًا، ارتسمت على وجهه علامات التأمل والتفكير العميق، وعيناه بدتا أكثر صفاءً وتركيزًا، فيما بدأ صدره يرتاح قليلاً من ثقل القلق الذي كان يعتصره. كان يقف بين الاقتناع والتمسك بمخاوفه القديمة، ومع كل كلمة تتسلل إلى عقله، بدا أن الاقتناع يزحف إلى داخله بهدوء، حتى أصبح واضحًا على ملامحه أنه بدأ يصدق ما يقوله حسن، وأن فكرة الاعتراف بالولد لم تعد بعيدة أو مستحيلة في ذهنه.
كانت حركة يديه المرتعشة قليلًا أثناء جلوسه، ونبرته التي صارت أهدأ عند حديثه لنفسه، دليلًا على هذا التحول الداخلي، وكأن شيئًا من الثقة بدأ يتشكل من جديد في قلبه، ليغدو أكثر استعدادًا لمواجهة الموقف ومواجهة قراراته بثبات أكبر.
أما حسن، فكان يستعد للصعود إلى غرفته، لكن خطاه توقفت فجأة حين لمح سيارة چيلان تتسلل عبر بوابة الڤيلا. ارتسمت على شفتيه ابتسامة لا إرادية، ووضع يديه في جيبيه رافعًا رأسه بثقة هادئة، يراقبها وهي تصف سيارتها.
فتحت الباب برشاقة، ومدّت ساقيها المرتسمتين فوق كعبٍ عالٍ، قبل أن تنهض بتلك الأناقة التي يعرفها جيدًا، وتغلق الباب خلفها، كاشفةً عن قامتها الممشوقة التي لم تَزِد المشهد إلا فتنةً وإبهارًا .
تقدّمت چيلان بخطوات ثابتة، كتفاها مرفوعان، ورأسها مائل قليلًا بثقة امرأة تعرف تمامًا تأثير حضورها. كانت تمسك حقيبتها بإحكام، وشعرها المنسدل يتحرك مع كل خطوة كأنه يعلن وصولها قبل أن تنطق.
وعندما اقتربت بما يكفي، رفع حسن ذقنه قليلًا، وتعلّقت نظراتهما للحظة طويلة، ممتلئة بكل شيء قيل من قبل… وكل ما لم يُقَال بعد.
وبنبرة هادئة فيها مزيج من الترحيب والمشاكسة، قال وهو يراقص حاجبيه بخفة :
ـ يا مساء الفل .. دي شكلها هتحلو أوي .
رمتْه چيلان بنظرة عابرة بلا أي تعبير، ثم خطت نحوه واقتربت منه، وانحنت لتعانقه برفق وهي تقول بنبرة يختلط فيها التعاطف بالتهدئة، بلغة أجنبية واضحة:
ـ Omar, my sincere condolences and support to you.
أجابها عمر بعد أن أطلق تنهيدة مثقلة:
ـ چيچي… شفتي اللي أنا فيه !!
وفي الخلف، كان حسن واقفًا يراقب المشهد بصمت. عيناه استقرتا على چيلان بنظرة تحمل شيئًا من العبث الخفي، مزيجًا من السخرية والتهكم وربما شيء آخر لم يفهمه إلا هو. ظل يتأملها لثوانٍ، قبل أن تنتبه فجأة لعيونه المثبتة عليها.
التفتت إليه بحدة، ونظرت نحوه بامتعاض مكشوف، كأنها ترفض مجرد وجود تلك النظرة على وجهه. أما هو، فاكتفى برفع حاجبه بخفة، مع ابتسامة عريضة كشفت عن أسنانه فأغمضت چيلان عينيها وقد فقدت قدرتها على مجابهة استفزازه، ثم أشارت إليه بغضب وقالت :
ـ ممكن تتفضل ؟ عايزة أتكلم مع أخويا شوية على انفراد لو سمحت .
أشار إلى عينٍ تلو الأخرى بمشاكسة، وقال :
ـ إنت تؤمر يا جميل ..
وتحرك ببطء متجهًا نحو غرفته، بينما جلست چيلان بجوار عمر، تربت على كتفه بهدوء وهي تراه يجلس أمامها فاقد الحيلة، مهزوم كما لم تراه من قبل.
ربتت على كفه وقالت :
ـ عمر ، مش عايز تتكلم ؟!
هز رأسه بيأس وقال :
ـ هتكلم أقول إيه يا چيچي .. الكلام لا هيقدم ولا هيأخر خلاص.
أومأت تؤيد حديثه، ثم قالت :
ـ طيب ناوي على إيه ؟!
ـ مش عارف .. مفيش بإيديا حاجة أعملها .. فريد متابع الموضوع مع المحامي بتاعها وبيبلغني بالجديد.
تنهدت بيأس، مع شعور بالعجز، ثم وضعت يدها على وجنته بحنان أمومي وقالت :
ـ أنا معاك يا حبيبي ، لو شايف إني أقدر أعمل أي حاجه أساعدك بيها مش هتأخر ، أنكل نجيب المحامي ممكن يحاول يتكلم مع المحامي بتاع لاتويا وممكن نوصل لحل وسط ..
هز رأسه يائسًا، ثم قال باستسلام:
ـ فريد مش هيقبل بحلول وسط ..
زفرت بضيق، وهتفت باعتراض:
ـ عمر دي حياتك انت يا بابا .. مش حياة فريد .
أومأ مؤكدا وقال :
ـ أنا فاهم .. بس أنا طول عمري واثق ان فريد بيعمل الصح علشاني وعلشان أي حد .
حكت جبينها بحيرة، ثم رفعت عينيها إليه مرة أخرى وقالت:
ـ عمر، مش عايزة أضايقك بس لازم تكون فاهم إن فريد مش مثالي للدرجة دي .. هو كمان اختياراته مش صح طول الوقت، وأكيد في حاجات لازم يخفق فيها، علشان كده مينفعش تسلم حياتك بالسلبية دي وتسيبه ياخد قرارات بالنيابة عنك وخلاص.
في تلك اللحظة، كان عمر كالغريق المتعلق بقشة، متشبثًا بكلماتها كما لو أنها قارب نجاة يحمله نحو البر، مقتنعًا بشيء داخليًا أنه ما وجد له سندًا و حلًا إلا في حديثها، بينما كان ضعفه الداخلي يجعله يصدق كلامها كأنه الحل الوحيد والقرار الصائب.
وعندما أحست چيلان أن اقتناعه بدأ يظهر على ملامحه، واصلت كلامها بنبرة حازمة أكثر:
ـ لازم كمان تعرف إن اتخاذ القرار مسؤوليتك أنت، ومينفعش تسمح لأي حد مهما كان يقنعك أو يأثر فيك بدون ما تفكر كويس.. يعني لما فريد راح اتجوز الجربوعة اللي اسمها نغم دي كان خد قرار حد ؟! كان خد رأيك مثلا ؟!
نظر إليها عمر وهز رأسه نافيًا، فهتفت بإصرار :
ـ يبقا بأي حق بتسلمه حياتك يقرر بالنيابة عنك وكأنك ملكش كلمة ولا رأي ؟!
أخذ يفكر في حديثها مليًا، ثم أومأ بارتياح وقد نفذت كلماتها إلى أعماقه، وظهرت على وجهه ابتسامة شحيحة، ثم قال بنبرة أكثر انفتاحًا :
ـ معاكي حق .. هو عمره ما بياخد رأي حد .. يبقا مينفعش في قرار مصيري زي ده يقرر بالنيابة عني .. في النهاية الطفل يبقى ابني، ودي حياتي أنا وأنا المسؤول إذا كنت أقبل بالولد ولا لأ .
أومأت بتأكيد وانفرجت شفتاها في ابتسامة، وقد وصلت أخيرا إلى مبتغاها بمنتهى السلاسة، وضمت رأسه إليها وهي تقول :
ـ برافو يا حبيبي .. هو ده الكلام الصح .
تنهد وأمسك بكلتا يديها في رجاء، وهتف متوسلًا :
ـ أرجوكي خليكي معايا الفترة دي، متسيبينيش وترجعي بيتك ، أنا حاسس اني مشتت ومذبذب ومحتاجك جنبي .
أومأت بابتسامة صافية وهي تربت على وجنته بلطفٍ حانٍ وتقول :
ـ متقلقش يا حبيبي، أنا هقعد معاك لحد ما المشكلة تتحل وبعدين أبقا أرجع على البيت .
أومأ موافقا وقد منحته كلماتها بعض الاطمئنان، ثم اقترب منها وعانقها، فبادلته العناق بعناق أقوى وربتت على كتفه وهي تقول :
ـ كله هيعدي متقلقش .
على بعد خطوات قليلة، وقفت نادية بشرفتها المطلة على الحديقة ، تراقب المشهد من بعيد بعين الرضا. ارتسمت على وجهها ابتسامة خفية، وبدأت ملامحها تعكس شعورًا بالسيطرة والاطمئنان، وكأنها تدرك أنها ستستعيد زمام الأمور من جديد، وأن الأمور بدأت تميل لصالحها بطريقة لمستها في ذلك العناق أمامها.
༺═────────────────═༻
كان فريد قد صف سيارته لتوّه أمام منزله، وترجل منها بهدوء، وهو يرزح تحت ثقل صراع داخلي عميق. فقد كان قلبه ممزقًا بين شوق لا يُقاوَم لرؤيتها، إذ إنه اشتاقها واشتياقه إليها يلهبه، وبين خوفٍ من مواجهتها، لأنه كلما لمحها، شعر بالضعف يتسلل إليه، وكأنها تُشعل فيه نارًا من الرغبة والعاطفة لا يستطيع السيطرة عليها.
كان يخطو نحو باب المنزل، مترددًا، وكل خطوة تشبه امتحانًا لقدرته على ضبط نفسه، متسائلًا كيف له أن يقاوم هذا الانجذاب الذي يربطه بها رغم كل إرادته.
وبينما هو يفتح بابه فإذ به يراها تغادر منزلها وهي تحيط كتفيها بشالٍ خفيف .. أرجع رأسه للخلف قليلا ونظر إليها مبتسما، فرآها تمنحه ابتسامةً من أعذب ما يكون، كانت كافية لتمسح عن قلبه كل الهموم والكآبة الذي كان غارقًا فيها .
دلف وهي تتبعه، ثم أغلقت الباب وفورا عاجلته بعناقٍ كان في أمس الحاجة إليه ..
عناق فاجئها بقدر ما فاجئه، وهي التي كانت قد أخذت قرارّا صارمًا أنها لن تبادر مجددا ، ولن تترك المجال له ليبادر .. ولكن ها هي تباغته بعناقٍ جديد، لا تظن أن في وسعها أن تتخلى عنه .. بالطبع لن يتعافى قلبها بدونه.
أحاط خصرها بذراعيه، وهمس بصوتٍ مقهور :
ـ وحشتيني .
صُدع قلبها النابض، وألصقت رأسها بصدره المُتعب وهي تهمس بنبرةٍ مماثلة :
ـ وانت كمان وحشتني .
انحنى بخفة والتقط شالها الذي سقط أرضًا وهي تعانقه، ثم وضعه على كتفيها من جديد ونظر إليها مبتسما وهو يحيط وجنتيها بكفيه وقال :
ـ انتي كويسة ؟ يومك كان كويس ؟!
أومأت وهي تحيط كفيها بكفيها وتقول مبتسمةً :
ـ الحمدلله ، المهم إنت ؟؟
أطلق زفيرًا متعبّا ببطء، ثم أمسك بكفها يسحبها وهو يتقدم نحو الداخل ولكنها لم تتحرك، وكأن قدماها التصقتا بالأرض، فنظر إليها متعجبا فإذ بها تقول :
ـ أنا مش هدخل الوقت اتأخر .. أنا جيت بس أطمن عليك وأعرف عملت إيه عند الدكتور .
رمقها بنظرةٍ تحذيرية وهتف متبرمّا :
ـ تعالي.. متخافيش مش هاكلك .
ألقى كلماته الأخيرة متهكمًا وهو يجز أسنانه والغضب يقطر من ملامحه، فسارت في أعقابه حتى وصلا إلى غرفة المعيشة ، جلس على الأريكة وأجلسها إلى جواره ، ثم قال وهو يشبك أصابعه معًا بعد أن أطلق تنهيدة مثقلة:
ـ النهارده كان يوم صعب أوي ..
ونظر إليها بعينين يملؤهما الإرهاق والعجز، ومسح على شعرها برفق بينما قال بجدية منخفضة، كأن الكلمات تُسحب من أعماقه:
ـ مش عارف لولا وجودِك جنبي كنت هستحمل كل ده إزاي؟
وتنهد وتابع:
ـ أنا… بقيت في وسط المدعكة اللي أنا فيها كل يوم أهوّن على نفسي وأقول: معلش كله هيتحل… كله هيهون بحضن من نغم .
ثم ابتلع غصته، وأكمل بنبرة صادقة، مهزوزة من كثرة ما خبّأت:
ـ أنا بجد مابقتش فاهم أنا محتاج إيه قد ما بقيت فاهم إني من غيرك ولا حاجة .
كانت كلماته تخرج منه بلا مقاومة، كأنه استسلم أخيرًا لما حاول الهروب منه طويلًا.. بينما هي تحاول إعادة ضبط أنفاسها المضطربة، وهي تنظر إليه وتقول :
ـ طيب بالمناسبة دي بقا .. كنت عاوزة أتكلم معاك في موضوع وأنا واثقة انك هتفهمني .
أومأ مؤكدًا وقال :
ـ اتكلمي يا روحي أنا سامعك .
خفضت رأسها قليلًا، وأخذت تفرك يديها بتوتر واضح؛ حركتها كانت سريعة، مضطربة، تشي بما يعتمل في صدرها من حيرةٍ وتردد، ثم نظرت إليه وقالت :
ـ أنا فكرت ووصلت لقرار يعني .. إننا منعملش فرح .
قطب جبينه متعجبًا، ثم حدق فيها لحظة، يبحث عن تفسير في ملامحها قبل أن ينطق، فعاجلته هي تسترسل :
ـ أنا بقول إنه خلاص مش لازم .. إحنا خلاص كتبنا الكتاب واحتفلنا والناس كلها عرفت اني مراتك ، وكمان كل يوم بتحصل حاجة تغطي على اللي قبلها وشكل كده الموضوع مطول .. وأنا مش عايزة أشيلك هم فوق الهموم اللي عندك ، علشان كده بقول نعمل حفلة صغيرة .. أو حتى مش لازم حفلة وبعدها أجي أعيش معاك هنا .
تخضبت وجنتاها بخجلٍ وردي، وهي تشعر وكأنها كشفت عن رغبتها دون أن تقصد على نحوٍ مخجل، فإذ به يغمر خدها بكفه، ويقترب منها ويقبل وجنتها الدافئة بحمرة خجولة، ثم أمسك بيديها وقال :
ـ أولا انتي مش مشيلاني هم فوق همومي ولا حاجة.. بالعكس انتي بتشيلي عني كتير وانتي مش واخدة بالك، ده أولا . ثانيا بقا والأهم إني بالرغم من إني عايز أتمم جوازنا دلوقتي قبل كمان شوية بس ده لا يمنع إني بردو عاوز أعمل لك فرح كبير زي ما كنتي بتحلمي ، وأختار معاكي الفستان اللي نفسك فيه، وأفرح بيكي وأفرح لفرحتك .. كل دي حاجات لا يمكن أتنازل عنها حتى لو اضطرينا نستنى سنة كمان .
تنهدت ونظرت إليه تحاول إقناعه وهي تقول :
ـ فريد افهمني.. أنا فعلا قلت لك قبل كده أني نفسي أعمل فرح كبير وألبس فستان بديل طويل .. بس ظي كانت أحلام يعني وقتها ، وحصل ظروف والدنيا اتغيرت فطبيعي إن الأولويات تتغير بردو .. أنا بصراحة شايفة إن الظروف مبقتش تسمح خالص إننا نعمل فرح وهيصه ..
ـ غلطانة .. الظروف دي إنتي ملكيش علاقة بيها نهائي.
ـ إزاي بس ! يا حبيبي أي حاجه تخصك تخصني أنا كمان واخواتك هم اخواتي واللي يضايقهم أكيد يضايقني .. وبعدين انت ضحيت كتير علشاني، فيها إيه لو أنا ضحيت علشانك مرة .
ـ متحاوليش يا نغم .. الفوضى دي كلها لازم تفضل بعيد عنك ، أنا مش هتجوزك غير بفرح كبير ، دي أقل حاجة أعملها علشانك .. وبالنسبة للمشاكل اللي حوالينا كلها هتتحل وأصحابها هيعيشوا ويكملوا حياتهم عادي .. إنما يوم فرحنا ده مش هنعرف نعوضه مهما حصل ..
تنهدت باستسلام ، ثم أومأت باستسلام وقالت :
ـ طيب اللي تشوفه .
ربت على رأسها بحنوٍ بالغ، ثم قبل باطن كفها، ونظر إليها مبتسما ثم بدأت ابتسامته تتلاشى وهو يكشف عن ذلك الاحساس المزعج بداخله وهو يقول:
ـ نتيجة التحليل ظهرت وأثبتت إن الطفل ابن عمر ..
احتل الضيق والرفض ملامحها، وتنهدت بريبة ثم قالت :
ـ طيب وبعدين ؟! هتتصرفوا إزاي ؟
ـ مش عارف .. المفروض إن في قضية إثبات نسب ومحاكم وحوارات طويلة .. المشكلة مش في كل ده ، المشكلة في عمر اللي راكب دماغه ومش عاوز يعترف بالولد ..
زمت شفتيها بأسف وهي تراه والإرهاق باديًا على ملامحه بشدة، فأخذت تمسح على كتفه وهي تقول :
ـ معلش هي الصدمة بردو مش هينة .. يعني إنسان مستهتر عايش حياته بالطول والعرض .. فجأة اكتشف إنه عنده ابن ومطلوب منه يعترف بيه ، وهو كان خلاص على وشك يخطب ميرال .. وفجأة حساباته كلها اتلخبطت .. طبيعي يعمل أكتر من كده ..
هز رأسه مؤيدًا حديثها ، بينما هي تابعت :
ـ على فكرة .. ميرال كلمتني .
التفت إليها على الفور ، وضيق عينيه متسائلا بترقب :
ـ وبعدين ؟!
تنهدت وهي تنظر إليه بهدوء مشوب بالعتاب وقالت وقد فهمت ما لاحت به نظراته :
ـ متقلقش .. أكيد يعني مش هحكي لها يا فريد .
أومأ مرارا، مطمئنًا، وأمسك بيدها وأخذ يربت فوقها بامتنان، بينما هي تابعت :
ـ سألتني عن عمر وقالتلي إنها بتكلمه من امبارح مش بيرد وبعدين تليفونه اتقفل ومبقتش عارفة توصل له، فكانت عايزة تطمن وتعرف هو كويس ولا لأ .. قلت لها إني معرفش عنه حاجة بس غالبا هو كويس .
ـ برافو عليكي .. خليكي انتي بعيد عن العك ده تماما ..
تنهدت بحزن، ونظرت أمامها بانشغال وهي تقول :
ـ مسكينة ميرال ، صعبانة عليا أوي إن قلبها يتكسر بالشكل ده .. ماعتقدش إنها لو عرفت هتوافق تكمل مع عمر .
نظر إليها وأومأ مؤكدًا وقال :
ـ صحيح .. استحالة توافق ..
ـ حقها طبعا .
قالتها وعدلت خصلاتها بهدوء، فاعتدل بمجلسه ونظر إليها بتركيز وقال :
ـ قوليلي يا نغم ..
هزت رأسها متسائلة فقال بهدوء وكأنه يلتمس أثر كلماته عليها :
ـ لو أنا اللي مكان عمر وانتي مكان ميرال .. واكتشفتي إني كنت على علاقة بواحدة وعندي ابن منها .. هتعملي إيه ؟!
تبدلت ملامحها كليًا، واحتل الرفض عيناها وهزت رأسها بضيق وهي تقول :
ـ مجرد التخيل بس جابلي ضيق تنفس .
ضحك بهدوء، وأمسك بيدها يحتضنها بين كفيه، وقال :
ـ معلش حاولي تديني إجابة .. هل هتتقبلي إني كان ليا ماضي قبلك وهتكملي معايا ؟! ولا هترفضي وتسيبيني ؟!!
أخذت تنظر إليه بحيرة وهي تتعمق بعينيها داخل عينيه الدافئتين، ثم قالت بنبرة دافئة مماثلة :
ـ بس أنا عمري ما أتخيل إنك ممكن تكون على علاقة بواحدة ..
رفع حاجبه متعجبا وهتف متهكمًا :
ـ ليه ؟! مفيش مني رجا للدرجة دي ؟!!
انطلقت ضحكاتها على نحوٍ أضحكه، وأخذت تهز رأسها بنفي وهي تقول :
ـ لأ مش قصدي .. أقصد يعني إنك محترم الحمدلله ومش ممكن تغلط غلطة زي دي .. مستحيل .
ـ يا ستي بقولك تخيلي مش هتخسري حاجة .. لو بكرة ظهرت واحدة بتقول إني كنت على علاقة بيها وعندي ابن منها ، هيكون إيه موقفك ساعتها ؟!
أخذت تركز في كلماته، وعقلها بات مشغولا بنسج هذه الفرضية القاتلة، فامتلأت عيناها بالدموع وانهزمت ملامحها وهي تجيبه بصدق :
ـ وقتها قلبي هيتكسر ومش هقدر أسامحك لأنك خبيت عني حاجة زي دي... فريد أنا ممكن أموّت نفسي لو اكتشفت حاجة زي كده .
ابتسم ابتسامة حزينة وهو يجذبها نحوه ويعانقه، ثم يقبل أعلى رأسها وهو يقول :
ـ بعد الشر عنك متقوليش كده ..
انتزعت رأسها من بين ذراعيه وهي تنظر إليه بشكٍ مميت وتقول برجاء :
ـ فريد .. هو انت كان في حياتك حد قبلي ومخبي عليا ؟!
هز رأسه بهدوء وقال :
ـ لا قبلك ولا بعدك يا روحي .
ـ فريد .. علشان خاطري اوعى تكون مخبي عليا حاجة ..
واتسعت عيناها بذهول وهي تهتف بنبرة مذهولة :
ـ فريد .. انت غلطت نفس غلطة عمر ومش راضي تقوللي ؟!
كرمش ملامحه في ضيق وهو يهتف متذمرًا :
ـ إيه العبط ده يا نغم بس ، غلط إيه وصح إيه.. هو أنا جالي اللي جالي من فراغ ..
نظرت إليه باستفهام؛ ثم قالت :
ـ هو إيه اللي جالك ؟! مش فاهمة .
ـ ولا حاجة .. بلاش تركزي في كل كلمة بقولها يا نغم .
نظرت إليه بشك وقالت :
ـ إنت عملت إيه عند الدكتور ؟!
ـ ولا حاجة.. طلب أشعة وتحليل من باب الاطمئنان يعني وقاللي كله تمام .
ضيقت عينيها كما يفعل بغير تصديق، فاتسعت ابتسامته وهو يجذب أنفها باصبعيه ويقول :
ـ ده اللي حصل صدقيني .
ـ فريد ..
هتفت بها بتحذير ورمقته بحدة، فتنهد باستسلام وقال:
ـ نعم يا قلب فريد ..
ـ عملت إيه عند الدكتور وقاللك إيه بالظبط ؟! لو سمحت قوللي كل حاجه وإياك تخبي عني .
مرر يده على وجهه بإرهاق، ثم تنهد ونظر إليها فلم يرَ منها إلا إصرارًا وتصميمًا، فقال وهو يحاول انتقاء الكلمات الأخف وقعًا عليها :
ـ قاللي إن في ضغط على عضلة القلب بسبب الإرهاق والتوتر اللي أنا فيه .. وطلب مني إشعة علشان نطمن .
تجمعت الدموع قبل أن تهرب من عينيها، ونظرت إليه بصدمة وهي تقول :
ـ يعني إيه ؟! يعني حاجة خطيرة ؟!
هز رأسه مسرعًا بنفي وهو يقول:
ـ إطلاقًا .. الموضوع بسيط خالص ومش مستاهل الخضة دي..
تهاوت دمعاتها وهي تهتف بغير تصديق:
ـ لأ مش بسيط .. انت بتكدب عليا .
ـ والله أبدا .. كل ما ..
قاطعته عندما اندفعت إليه ترتمي بين ذراعيه وهي تنتحب ببكاءٍ مرير، تشبثت بخصره وانخرطت في نوبة بكاء هستيرية كادت أن تمنعها من التقاط أنفاسها بصورة صحيحة .
بينما هو أخذ يربت على ظهرها وهو يحاول تهدئتها وهو يقول :
ـ نغم .. أرجوكي اهدي … الموضوع تافه والله متخافيش.
بدا وكأنها لا تسمعه من الأساس، حيث أنها تشبثت به وكأنه سيفر منها أو يتبخر من بين ذراعيها .
" نغم "
زفر متألمًا لسماع صوت بكاءها الذي كان يشق قلبه بقسوة، قبل أن يخرج اسمها من بين شفتيه في شبه ترنيمة ناعمة، أو تحذير .. ليست واثقة تمامًا ، ثم قال :
ـ والله ما بطلتي عياط انتي حرة .. هبوسك وانتي عارفاني أصلا بتلكك .
هدأ بكائها شيئا فشيئا ، وابتعدت عنه قليلا وهي تحاول استجماع شتاتها من جديد، ثم نظرت إليه فطالعها بضيق وأخذ يزيل آثار دمعاتها برفق وهو يقول :
ـ كل ده علشان قلت لك إنه قاللي ضغط على عضلة القلب ؟! أومال لو قلت لك إنك السبب بقا هتعملي إيه ؟!
ـ أنا السبب ؟!! هتفت وهي تقطب جبينها بتعجب ، فأومأ مؤكدًا وقال :
ـ للأسف دي الحقيقة اللي مكنتش عايزك أصارحك بيها بس انتي اللي صممتي !
نظرت إليه باستفهام وتجلت الدهشة في عينيها وهي تسأله :
ـ أنا السبب إزاي يعني ؟!
تنهد وهو يرمقها بجدية زائفة ويقول :
ـ انتي اللي محبكاها عليا .. الدكتور قاللي علاجك إن حبيبتك الاستثنائية تديك بتاع ١٠ ١٥ بوسة كل يوم ، ساعتها عضلة القلب هتقوى وتبقى زي الحصان .
تداركت زيف حديثه فرمقته بامتعاض ولا إراديًا ضربته بقبضتها الناعمة وهي تهتف بغيظ :
ـ يعني تعبان وبتكدب ..
ـ آااه ..
أطلق تأوهًا مكتومًا وهو يمد يده فجأة ويضعها على صدره الأيمن وهو يئن متألمّا، ويقول :
ـ الله يسامحك يا نغم .. جت في العضلة .
فنظرت إليه بهلع وهي تقول:
ـ أنا آسفة والله .. مخدتش بالي والله حقك عليا ..
أرخى ذراعيه إلى جواره وهو يغمض عينيه متألمًا ويقول :
ـ إيدك تقيلة أوي .. يظهر إن زينب بتعمل بالوصية تمام .
اقتربت منه حتى باتت ملتصقة به، ومالت نحوه ومدت يدها تدلك موضع الألم الذي يسند كفه فوقه وهي تقول بخوف :
ـ أنا آسفة يا فريد والله سامحني يا حبيبي .. يارب ايدي كانت تتقطع .
طالعها وهي تقترب منه إلى حدٍ مهلك، وهتف مشغولا بتفحص ملامحها القريبة للغاية:
ـ نفسي أسامحك يا نغم بس مش قادر .. العضلة قفشت جامد .
اجتاحها شعور بالذنب، وتهاوت دمعاتها بأسف وهي تطالعه يجلس أمامها مستسلمًا ..
تاهت في ملامحه لوهلة، طالعته بلوعةٍ كما يطالعها : عنقه، شفتاه، فكه، حتى التعرجات الصغيرة بين حاجبيه .. كل شيء كانت ترغب التسلل إليه .. حتى خصلات شعره الكحيل !
قبض بكفه على كفها المستقر فوق صدره، وراح يتأملها مليًا ..
شاهدت كيف تحركت عيناه تتأملان وجهها، تفحص كل جزء فيه ، كما لو يحاول تقرير أين يطبع قبلته القادمة، ثم أخيرًا استقرت نظراته على شفتيها، وبينما كانت تنوي الابتعاد بعد أن رأت تلك الومضة العابثة في عينيه، فإذ به يفاجئها باقتناصهما في قبلةٍ غادرة أودعها فيها كل حبه واشتياقه .. ا
بصعوبة ابتعدت ، بصعوبة تنفست وهي تنظر إليه وهو لا يزال يضع يده على صدره من الجهة اليمنى، فأخذت تنظر الى موضع يده ، ثم إلى ملامحه الجادة، ثم هتفت باستنكار :
ـ هو انت حاطط ايدك هنا ليه ؟!
ثم احتدت نبرتها أكثر وهي تتسائل بيأس وقد اكتشفت خداعه :
ـ هو القلب في اليمين ؟؟!!!!
رمقها بنظرات متفحصة بوله وهو يوميء مؤكدًا ويقول بجدية ماكرة:
ـ أنا قلبي في اليمين .
ـ والله ؟!!!
صاحت في وجهه بانفعال فأجفل وهو يتراجع برأسه خطوة للوراء ، فابتعدت عنه وهي ترمقه بانزعاج چم، ثم سارت نحو الباب تنوي المغادرة وهي تتمتم بسخط، فإذ به يستوقفها قائلا :
ـ نغومة ..
توقفت في مكانها، ثم استدارت ببطء ونظرت إليه غاضبةً، فإذ به يرمقها بابتسامة حانية ويقول :
ـ بحبك من كل قلبي !
ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساحرة وهي تنظر إليه بعشقٍ خالص، وتقول :
ـ وأنا كمان … بحبك من كل قلبي .
༺═──────────────═༻
#يتبع
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق