رواية وصية حب الفصل الرابع عشر 14بقلم نسرين بلعجيلي حصريه
رواية وصية حب الفصل الرابع عشر 14بقلم نسرين بلعجيلي حصريه
*وصيّة حب*
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الرابع عشر_
الليل كان ماشي على أطراف صوابعه، مافيش صوت غير أنفاس الممرات، وضوء المستشفى الأبيض اللي بيعمل وجع أكتر من راحة.
ياسر رجع للمستشفى، وشكله متغير، عينيه حمرا، وصوته مبحوح من كتر القهر. روان جنبه، ساكتة.. مش عارفة تقول إيه بعد اللي حصل.
لما دخلوا أوضة سارة، الضوء كان خافت، وهي نايمة على نفس الوضع، النبض ثابت على الجهاز، بس الروح.. تعبانة.
ياسر وقف عند السرير، مدّ إيده ولمس شعرها بهدوء، زي اللي بيطمن نفسه إنها لسه هنا. قال بصوت مكسور :
يا رب.. خفف عنها.
روان وقفت وراه، وشافت إزاي كل لمسة منه فيها وجع راجل بيحب لدرجة الخوف. كانت عايزة تقول كلمة تريّحه، بس اختارت تسكت، لأن السكوت ساعات أحن من الكلام.
ياسر سحب الكرسي وقعد، حط راسه على طرف السرير ونام كأنه محتاج أمان من صوت أنفاسها.
روان خرجت بهدوء، وقفت في الطرقة تبصّ من بعيد، تشوف إتنين :
واحد بيحارب بالنَّفَس، والتاني بيحارب بالصبر.
نسرين بلعجيلي
حصري
الصبح..
الشمس طلعت من ورا السحاب الرمادي، ضوءها خفيف بس كفاية يفتّح قلب الغرفة.
سارة فتحت عينيها ببطء، شافت ياسر نايم على الكرسي، إيده ماسكة إيدها، ودمعة ناشفة على خده. إبتسمت، مدّت إيدها ولمست شعره :
ياسر… قوم يا حبيبي.
رفع راسه بسرعة، الدهشة في عينيه اتبدلت بفرحة مفاجأة :
سارة؟!
سارة :
أيوه يا ياسر، أنا هنا، ما رحتش في حتة.
ضحك وهو بيبص فيها كأنه بيشوف الدنيا أول مرة من جديد :
الحمد لله، ألف حمد وشكر ليك يا رب. كنت بدعِي.. كنت بترجى وبتكلم مع ربنا علشان يسيبك ليا.
ضحكت سارة، لكن التعب بان في صوتها :
شكلك إتغير يا ياسر، عينيك فيها خوف مش متعوداه منك.
ياسر :
خايف.. مش من المرض، خايف من الحياة من غيرك.
سكتوا، والنَّفَس بينهم بقى دعاء صامت.
روان دخلت عليهم بابتسامة فيها تعب الليل كله :
صباح الخير يا أبطال.
سارة بصت ليها :
هو فيه حد بيبقى بطل في حربه؟
روان :
أيوه، لما يفضل يقاتل وهو بيتوجع.
قعدت روان على الكرسي التاني، وقالت لياسر :
الدكتور عايز يشوفك تحت بعد شوية.
ياسر :
خير؟
روان :
تحاليل جديدة، ومتابعة الحالة.
سارة اتنهدت :
يعني لسه ماراثون؟
روان حاولت تهزر :
الماراثون ده فيه خط نهاية إسمه “سلامة”، وده هدفنا.
ضحكوا، لكن كل ضحكة كانت بتحاول تغطي خوف بيكبر جواهم.
Nisrine Bellaajili
بعد نص ساعة..
ياسر نزل يقابل الدكتور، وسارة فضلت مع روان. بصت ليها وقالت بنبرة هادية جدًا، كأنها بتجهز كلام مهم :
روان… لو في يوم حسّيتِ إني خلاص مش قادرة، أو لو حسّيتوا إن وجودي بيأذيكم، ما تخلّوش الوجع يضيع البيت.
روان بصت لها بحدة فيها عتاب ودموع :
ما تقوليش كده تاني، سارة، البيت من غيرك بيبقى طَيف مش حياة. إحنا مش محتاجين نعيش، محتاجينك إنتِ.
سارة ابتسمت، بس عينيها دمعت، وهمست وهي بتبص للسقف :
يمكن ربنا يبدّل الوجع ده فرح قريب.. يمكن.
في الدور التحتاني، الدكتور كان قاعد قدام ياسر، بيقلب في التقارير الجديدة.
صوته طالع بهدوء طبيب شايف الحقيقة ومش قادر يجمّلها :
النتائج مش مطمئنة قوي يا أستاذ ياسر. الأنسجة لسه بتتدهور، والجسم بيقاوم بالعافية.
ياسر حط إيده على راسه، وصوته خرج خافت جدًا :
يعني… الخطر لسه قائم؟
الدكتور :
للأسف أيوه. لكن فيه حاجة إسمها “معجزات الصبر”. ناس كتير حالتها زيها، وربنا مدّ في عمرهم سنين، والمفتاح الحقيقي هنا، إنكم تكونوا دايمًا جنبها.
ياسر قام من مكانه، قال بصوت متماسك رغم الرجفة :
طول ما أنا عايش، مش هسيبها لوحدها.
طلع من المكتب، عينيه شايفه الممر الطويل كأنه طريق بين الحياة والقدر. وقف لحظة، وقال في سره :
“يا رب، لو مكتوب ان عمرها قرب ينتهى اديها عمر وطوله عشان خاطرى انا وملك يارب"
في آخر اليوم، روان واقفة في الشرفة الصغيرة تطّمن على الجو، وياسر جنبها بيبص للسماء.
قال بصوت واطي :
فاكرة أول يوم جينا المستشفى؟ كنت متخيل إن ده آخرنا.
روان إبتسمت بهدوء :
يمكن كل نهاية في الدنيا، ربنا مخبّي فيها بداية جديدة، بس بنشوفها بعد وجع طويل.
ياسر بصّلها، شكرها بنظرة مليانة تقدير :
وجودك هنا سند، لو ماكنتيش موجودة، كنت وقعت.
روان قالت وهي بتبص على الشارع المليان نور خافت :
إحنا كلنا واقفين علشانها، وهي بتقف علشانا.
دي مش وصية حبّ وبس…
دي معركة حياة.
ياسر إتنهد وقال وهو يرفع عينه للسما :
والحب عمره ما انهزم قدّام الوجع.
والليل نزل تاني… بس المرة دي كان أهدى. فيه وجع، آه، لكن فيه كمان طمأنينة صغيرة، زي وعد في الهوا بيقول :
“لسه الحكاية ما خلصتش.. ولسه القلب بينبض بإسمها.”
مرت الأيام ببطء، كأن الساعة كانت بتمشي على أطراف صوابعها. بعد أسبوع كامل من القلق والسهر، خرجت سارة من المستشفى. الطبيب قال إن حالتها مستقرة، لكن محتاجة راحة تامة، وأي انفعال ممكن يرجعها تاني هناك.
رجعت البيت، ووشها باهت شوية، لكن عينيها كان فيهم نور غريب.. نور النجاة بعد معركة طويلة.
ياسر ساعدها تدخل الشقة، خطوة بخطوة، وملك جريت عليها تحضنها وهي بتعيط :
"وحشتيني يا ماما!"
سارة ضحكت وهي بتحضنها بقوة، كأنها بتحضن عمرها كله في اللحظة دي.
رجعت الحياة تمشي في البيت، لكن الهدوء ما كانش راحة.. كان هدوء العاصفة اللي بتتخبّى قبل ما تضرب. روان كانت بتيجي تزورها كل يوم بعد الشغل، تطمن عليها وتقعد شوية، لكن بعد أسبوع إضطرت ترجع لشغلها من جديد. ودّعتها سارة بابتسامة حنونة وقالت :
إرجعي لحياتك يا روان.. أنا كويسة دلوقتي.
لكن قلبها كان عارف إنها مش هتبقى كويسة فعلاً.
من يومها، البيت ما بقاش زي الأول. قدريّة قررت تفضل عندهم "علشان تساعد"، زي ما قالت. وسلوى كمان بقت تيجي كتير، بحجة إنها تساعد في تنظيف الشقة والطبخ. بس سارة كانت حاسة إن فيه حاجة مش مظبوطة. نظرات سلوى لياسر كانت بتطول أكتر من اللازم، وكلام قدريّة بقى كله عن المسؤولية والمستقبل، وعن الراجل اللي محتاج "ستّ في عزّه".
في البداية، سارة حاولت تتجاهل، تقول لنفسها إن دي أوهام ناتجة عن التعب، لكن الإحساس الخانق ما كانش بيفارقها.
كانت قاعدة في الصالة يوم، ومعاها فنجان الشاي، وقدريّة وسلوى بيكلموا بعض في المطبخ. الصوت مش واضح، لكن الكلمات كانت بتتسرّب من تحت الباب زي سمّ بارد.
سلوى :
هو خلاص يا خالتي، يعني فعلاً ناوية تخليني أتجوزه بعد سارة؟
قدرية :
وليه لأ؟ الست دي شكلها مش هاطول، وربنا عالم باللي فيها. أنا مش هستنى لما إبني يضيع. البيت لازم يفضل واقف، والبنت محتاجة أم.
سلوى :
بس يا خالتي، الناس هتقول إيه؟
قدرية :
الناس بتتكلم يومين وتسكت. بعدين، ده حقك، إنتِ بنت كويسة وأنا عايزاك ليه. سارة خلاص، راحتها قربت."
الكلمات دي خبطت في سارة زي صاعقة. إيديها رجفت، والفنجان وقع على الأرض، اتكسر نصين، والشاي غرق السيراميك.
قدريّة خرجت من المطبخ بسرعة :
مالك يا سارة؟ وقعت منك الكوباية؟"
سارة بصت لها بنظرة جامدة، فيها وجع ودهشة في نفس الوقت :
آه… وقعت.
قدرية :
خذي بالك من نفسك، أنا هلمّها.
قدريّة نزلت على ركبها تجمع الكسر، وسلوى واقفة وراها ساكتة، بس عينيها ما كانتش مرتاحة.
سارة راحت أوضتها من غير ما تقول حاجة، قفلت الباب ووقفت قدام المراية. وشها شاحب أكتر من قبل، بس في عنيها لمعة غضب، لمعة ستّ فهمت إنهم بيجهّزوا حياتها القادمة من وراها.
إتنهدت وقالت بصوت مسموع وهي تبص لنفسها في المراية :
"عايزين يجوزوه و أنا لسه على قيد الحياة؟ ده أنا حتى لسه بتنفّس."
نسرين بلعجيلي
وقعدت على السرير، مسكت النوت بوك اللي كانت بتكتب فيه زمان، وبدأت تكتب من جديد :
"لو اليوم ده جه فعلاً، وأنا لسه هنا، مش هسكت. الوصية مش نهايتي، دي هتكون قوتي."
في اللحظة دي، سمعت صوت ملك بتضحك من برّه مع سلوى، وصوت ياسر داخل من الباب بيقول :
سارة، جيت أهو.
إبتسمت وهي تمسح دموعها بسرعة، وبصوت واثق قالت لنفسها :
"أنا لسه هنا، ولسه عندي اللي أقوله."
وهي مش عارفة إن اللي جاي هزّ البيت كله.
من يوم ما رجعوا البيت بعد المستشفى، ياسر كان حاسس إن فيه حاجة مش مريحة في الجو. البيت هادي زيادة عن اللزوم. سارة بتحاول تبين إنها بخير، لكن ملامحها بتفضحها، وعينيها فيها خوف ساكت مش عايز يطلع.
قدريّة وسلوى بقى ليهم وجود دايم. مرة في المطبخ، مرة في الصالة، ومرة بحجة “عايزين نساعد سارة”. لكن المساعدة كانت بتخنق أكتر ما بتريح.
ياسر لاحظ كل حاجة. نظرات سلوى الطويلة ليه، وهي تضحك من غير سبب، وكلام أمه اللي بقى كله : “البيت محتاج ستّ" و“سارة محتاجة راحة، خلي سلوى تقوم بدلها”.
هو ما قالش حاجة في الأول، بس كل يوم كان الغضب بيكبر جواه زي نار تحت الرماد. وفي ليلة، بعد ما سارة نامت، قعد في الصالة وهو بيفكر بصوت عالي لنفسه :
“أنا مش فاهم هما عايزين إيه بالظبط؟ ليه حاسس إن فيه خطة بتتنسج حواليّا؟”
خرجت قدريّة من المطبخ وهي ماسكة صينية شاي، وسلوى وراها بتضحك ضحكة صغيرة :
تعالى يا ابني إشرب معانا كوباية شاي.
ياسر قال بهدوء وهو بيحاول يسيطر على أعصابه :
لأ، مش قادر أشرب حاجة.
قدريّة رفعت حاجبها :
مالك يا ياسر؟ وشّك متغير كده ليه؟
ردّ بهدوء شديد بس صوته فيه نغمة حزم :
ماما، أنا عايز أتكلم معاكِ في حاجة.
قدرية :
قول يا حبيبي.
ياسر :
أنا شايف إن وجودك إنتِ وسلوى هنا بقى زيادة شوية. سارة محتاجة هدوء، ومش محتاجة ضغط.
قدريّة اتشدّ وشّها :
ضغط؟! إحنا ضغط؟ ده أنا قاعدة باخدمها وباعمل اللي المفروض مراتك تعمله.”
ياسر ردّ بسرعة، نبرته فيها وجع وغضب مكبوت :
مافيش حد طالب منك خدمة يا ماما. إنتِ جيتي علشان تطمني عليها، كتر خيرك، بس خلاص. سارة بقت أحسن، وأنا هجيب واحدة تساعدها في البيت. إنتِ وسلوى ترجعوا البلد ترتاحوا.”
سلوى اتلبخت، عينيها راحت لأرض المطبخ، وقدريّة قالت بصوت عالي وهي بتحط الصينية بعصبية :
يعني تصرف فلوس على غريبة، وأنا عندي بنت أختي في وشّي؟ سلوى بنت كويسة، محترمة، وأحسن من ألف غريبة.
ياسر ردّ بنبرة ثابتة :
مافيش حد غريب، بس مافيش داعي سلوى تفضل هنا كل يوم. سارة مش محتاجة خدامة، محتاجة راحة نفسية، وأنا مش مرتاح بوجودها.”
قدريّة شهقت :
مش مرتاح؟! ليه يا ياسر؟ دي زي أختك.
رفع عينه فيها مباشرة :
لأ، يا ماما، مش أختي، ولا ينفع تكون. نظراتها ليا مش طبيعية، وأنا مش غبي.
سلوى اتجمدت في مكانها، وشها إحمر وقالت بسرعة :
إيه الكلام ده يا ياسر؟ أنا عمري ما بصيتلك بنظرة وحشة.
قدريّة ضربت كفها في الترابيزة :
عيب الكلام ده، إزاي تقول كده على بنت أختي؟ إنت اتجننت ولا إيه؟
ياسر ردّ وهو بيحاول يهدّي صوته لكنه فشل :
أنا مش مجنون، بس أنا فايق جدًا. سارة مش ناقصاها خيانة من أقرب الناس. أنا بحب مراتي، وعمري ما هشوف غيرها.
قدريّة صرخت :
وهي تفضل كده؟ مريضة وتعبانة؟ هتعيشلك كام سنة كمان؟ إنت محتاج تفكر في حياتك يا ياسر.”
الكلمة دي وقفت الدم في عروقه. بصّ لها بحدة :
إيه؟ بتخططي ليّ كده؟! ماما، إنتِ بتتكلمي عن مراتي كأنها خلاص ماتت.”
قدريّة حاولت تبرّر :
أنا بخاف عليك يا ابني، مش عايزاك تفضل لوحدك بعدين.”
ياسر :
بعد إيه؟!
صوته كان عالي، عينيه بتبرق بغضب :
بعد موتها؟ إنتِ مستعجلة على ده كمان؟
سلوى قالت بسرعة :
ياسر، بالله عليك، ما بتقصدش كده.
ياسر :
أسكتي إنتِ.
صرخ فيها وهو بيشاور بإيده :
ولا كلمة. إنتِ السبب في اللي بيحصل. بقالك كام يوم دايرة حواليا كأنك بتستني لحظة ضعف. أنا بحب سارة، ووجودك هنا مش مقبول.
قدريّة وقفت، حطت إيدها على صدرها :
ده جزاتي؟ أقعد أرعى فيكم وفي الآخر تطردني؟
ياسر ردّ بقسوة فيها وجع :
أنا ما طلبتش رعاية، طلبت راحة. وإنتو جبتوا للبيت قلق وسمّ، سارة حاسة، وأنا شايف. فلو بتحبيني فعلاً، خدي سلوى وارجعي بلدك النهارده.
نسرين بلعجيلي
السكوت سيطر على المكان. سلوى واقفة مرتبكة، ودموعها على خدها، وقدريّة واقفة مصدومة، مش مصدقة إن إبنها اللي ربتّه بيكلمها كده.
لكن ياسر كان خلاص فاض بيه الكيل. مسك جاكتِّه من على الكرسي وقال وهو بيبص لهم نظرة حاسمة :
أنا نازل أجيب لسارة دواها، ولما أرجع، نفسي ألاقي البيت فاضي.
طلع من البيت، وسابهم في صمت قاتل. سلوى بصّت لقدريّة بخوف وقالت :
خالتي، شكله شافنا على حقيقتنا.
قدريّة شردت لحظة، وبصوت واطي قالت :
يمكن.. بس ساعتها هنشوف مين اللي هيفضل واقف.
ايه اللي بتحسوه لما بتقرأو الفصل ؟؟
اوصفو ليا احساسكم
يتبع .....
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملة من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق