رواية وصية حب الفصل الرابع وعشرون 24بقلم نسرين بلعجيلي حصريه
رواية وصية حب الفصل الرابع وعشرون 24بقلم نسرين بلعجيلي حصريه
*وصيّة حب*
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الرابع والعشرون_
الإنتقال.....
روان وقفت قدّام باب شقّة ياسر، أول مرة تخبط الباب وهي مش ضيفة.. ولا صديقة.. ولا زوجة.. حاجة في النص، حاجة مالهـاش إسم.
إيدها كانت بتتهز، مش من البرد، من الغُربة. اتفتح الباب، لقت ياسر واقف، ملامحه لا فيها زعَل ولا راحة، مجرد صمت طويل، صمت راجل مش فاهم هو بيبدأ حياة، ولا بيكمّل واجب.
ملك جريت على روان أول ما شافتها :
– روواان! تعالي شوفي السرير اللي عملتهولِك.
حضنتها ملك، بس روان وهي بترد الحضن حسّت بالبنت بتتعلّق بيها، والبيت كله بيبعد عنها خطوة، خطوة.
ياسر قال بهدوء :
– دخّلي الشنط، الأوضة جاهزة.
دخلت، أول خطوة في البيت كانت ثقيلة، زي اللي واقفة على أرض مش بتاعتها.
أوضة سارة مقفولة، مفتاحها على الكومودينو ماحدّش لمسها.
روان بصّت لها ثانيتين، قلبها وجعها. كملت طريقها. دخلت الأوضة اللي ياسر جهّزها، الأوضة بسيطة، سرير، كومودينو، ترابيزة صغيرة. مكان “محايد”، لا هو أمان، ولا هو بيت.
حطّت الشنطة، وقالت بصوت خافت :
– شكراً يا ياسر.
هزّ راسه من غير ما يرد.
ملك كانت بتتنطط :
– هتنامي هنا كل يوم؟ وهافطر معاكِ؟ وهاتودينى المدرسة؟
روان إبتسمت بس جُواها حاجة اتقطمت :
– أيوه يا حبيبتي، كل يوم.
ملك جريت تجيب لعبتها. فضلت روان واقفة في النص، في نص الأوضة، في نص البيت، في نص حياتين، مش قادرة تنتمي لأي واحدة.
ياسر قرب خطوة، لا هو قريب أوي، ولا بعيد. وقال بصوت منخفض :
– لو في حاجة ناقصة قوليلي. الأوضة، تقدري تغيّري فيها براحتِك.
هزّت راسها. عينها في الأرض.
هو حاسس.. حاسس إن وجودها “مش راكب”، زي قميص مقاسه غلط، زي كلمة طالعة من غير إحساس.
بعد لحظة سألها :
– إنتِ، مرتاحة؟
ردّت أسرع من اللازم :
– آه.. آه طبعًا.
جملة، واضح إنّها كذب. هو ماعلّقش، بس عينه قالت كل حاجة :
هي مش مرتاحة، وأنا مش مرتاح، والبيت نفسه حاسس بالغربة.
نسرين بلعجيلي
بعد دقايق، ملك صاحت :
– تعالوا نتعشّا.
ياسر قال لها :
– إنتِ أقعدي، أنا هعمل عشا.
روان ارتبكت :
– لا… لا… أنا هساعد.
هزّ راسه :
– مش لازم، إنتِ لسه داخلة.
دخل المطبخ، وهي وقفت وراه من بعيد، بتتفرّج على ظهره.. مش ظهر زوج، ده ظهر راجل شايل مصيبة، ومش عارف يشيل غُربتها فوقها.
كانت عايزة تقول له : أنا خايفة، بس لسانها مربّط.
وكان عايز يقول لها : أنا مش مستوعب، بس كبرياءه شدّه.
البيت كان مليان ثلاث أنفاس :
نَفَس ياسر، نَفَس روان، ونَفَس ملك اللي بتحاول تجمعهم.
بينما سارة لسه معلّقة بين الحياة والغيبوبة.
وفي أول ليلة ليها في البيت، روان نامت، بس نامت “غريبة”.
وهو.. قعد برّا يبصّ في الباب، وحاسس إن البيت اتغيّر.
الصبح دخل على البيت من غير ما يستأذن، دافئ شوية عن امبارح، لكن جوا البيت، كان فيه برد… برد نفسي.
روان صحيت بدري، مش عارفة تنام قوي، ولا تصحى قوي. الأوضة غريبة عليها، الحيطان غريبة، حتى السرير، رغم إنه مريح، كان بيقول لها إنها مش من هنا.
لبست ، وطلعت من الأوضة بهدوء. ياسر كان واقف في المطبخ، لابس تيشيرت رمادي وبنطلون ترينينج، بيحضّر ساندويتش لملك.
صوت الكوبايات كان خافت، وكأن البيت بيمشي على أطراف صوابعه معاهم.
لمحها، وقف، حركة بسيطة، لكنها قالت كثير.
– صباح الخير.
قالها من غير ما يبصّ عليها.
روان ردّت :
– صباح النور.
وسكتوا.
ملك دخلت بعد ثواني، شعرها منكوش وبتفرك عينيها :
– روواان! صباح الخير.
جريت عليها وحضنتها. الحضن ده كان الوحيد اللي حسّس روان إنها موجودة بجد.
ياسر قال :
– أقعدوا هفطرّكم.
روان بسرعة :
– لا، أنا هعمل الأكل.
بصلّها، نظرة قصيرة، بس ثقيلة :
– مش لازم، أنا متعود.
الجملة دي جرحتها من غير ما يقصد. عاش ٣ شهور لوحده هو وملك.. والغياب.
قعدوا يفطروا. ملك كانت بتتكلم، روان بتحاول ترد، بس هي وياسر بينهم صمت.. صمت مش عادي، صمت ناس مش عارفة تقرّب ولا تبعد.
بعد الفطار، ملك راحت تلبس، روان وقفت تساعدها، وبعدما خلّصت، لقت ياسر واقف عند باب الأوضة مستني.
قال لها :
– أنا هروح المستشفى بعد ما أودّي ملك. لو احتجتِ حاجة، إبعتيلي.
روان بصوت هادي :
– تمام.
كان ماشي وبعدين وقف. رجع وبصّ عليها لأول مرة من غير ما يهرب بعينه :
– روان.. لو مش مرتاحة، قولي.
جملتها طلعت أسرع من المتوقع :
– أنا.. غريبة.
هزّ راسه وقال :
– وأنا كمان.
الكلمتين دول كانوا أول اعتراف حقيقي بينهم.
مش حب، ولا قرب، اعتراف إن الاثنين مش عارفين يعيشوا في نفس البيت، ولا يعرفوا يبقوا بعيد.
Nisrine Bellaajili
بعد ما خرج البيت رجع هادي، بس كان هدوء من النوع اللي يخوّف، النوع اللي قبل التغيّر، النوع اللي بيقول إنه فيه حاجة جاية.
بعد خروج ياسر من البيت كان ساكت ساكن زيادة عن اللزوم. روان حاولت ترتّب الأوضة، تمسح الترابيزة، تطوي هدوم، لكن كل حركة كانت بتحسّسها إنها "بتلمس حياة مش بتاعتها".
بعد شوية، دخلت أوضة سارة. الأوضة المقفولة بقالها ٣ شهور. فتحت الباب بحرص، زي حد داخل مكان مُقدّس.
الريحة القديمة، ريحة عطر سارة كانت لسه موجودة. كل حاجة مكانها :
الإسورة، الشنطة، السكارف، كتاب مفتوح على الصفحة 17، وكأنها هترجع دلوقتي تكمل السطر اللي وقف عنده.
روان لمست طرف السرير، حطّت إيدها عليه ببطء، وحسّت بقشعريرة تمشي في جسمها.
همست لنفسها :
– يا سارة، أنا مش جاية آخذ مكانك، ولا جاية أعيش حياتك، أنا جاية أحافظ على اللي بتحبيه، بس والله.
الغُربة بتوجّع. قعدت على الكرسي اللي جنب السرير، بالظبط في نفس المكان اللي كانت قاعدة فيه يوم الغيبوبة. نفس وضع الإيد، نفس الدعاء، بس المرة دي الدعاء اتغيّر :
– يا رب.. رجّعها. أرجوك رجّعها. أنا مش قادرة أشيل البيت ده لوحدي.
دمعتين نزلوا، مسحتهم بسرعة، وخرجت قبل ما تنهار.
رجوع ياسر…
الساعة كانت ١٢ الظهر. الباب اتفتح بهدوء، ياسر داخل تعبان، عينيه حمرا من قلة النوم. كان راجع من المستشفى وحاسس إن الغُصّة اللي في صدره بتكبر. شاف روان واقفة في الصالة مش لابسة خروجة ولا متزينة، بس ملامحها هادية بطريقة تخوّف.
قال :
– عاملة إيه؟
ردّت ببساطة :
– كويسة.
سكت لحظة وبعدين رمى الجملة اللي وقّفتها مكانها :
– دخلتِ أوضتها؟
إتجمّدت، قلبها وقع، مش من الخوف، من الذنب. قالت بصوت واطي :
– آه.. كنت باطمّن.
هزّ راسه، لا زعلان ولا مرتاح، مجرد صوت راجل موجوع :
– الأوضة دي ما يدخلهاش حدّ غير لما ترجع.
روان كتمت نَفَسها وقالت :
– حقك. أنا آسفة.
قرب خطوة، خطوة محسوبة، وقال بصوت أقل حدّة :
– أنا مش قصدي أجرحِك، بس المكان ده لسه ريحتها فيه.
روان نزلت راسها، قالت بهدوء :
– وأنا، لسه مش لاقية ريحتي في البيت.
الجملة خبطت صدره. طلعت من غير قصد، بس خلت قلبه يضيق.
حاول يغيّر الموضوع :
– ملك كانت أحسن النهارده. سألت عليك في الطريق.
روان ابتسمت إبتسامة صغيرة :
– وأنا كمان كنت مستنياها ترجع.
ياسر وقف، بصّ لها بتركيز لأول مرة، وشافها بجدّ. مش الزوجة اللي على الورق، ومش الغريبة اللي نايمة في أوضة لوحدها، شاف واحدة جايّة تشيل حمل مش بتاعها، ومش بتشتكي.
قال بحذر :
– روان، لو حسّيتِ في أي لحظة إن وجودك هنا بيجرحك، قولي.
رفعت عينها عليه، نظرة قصيرة، لكن صادقة :
– كل حاجة هنا بتوجّع يا ياسر. بس ملك تستاهل.
سكت.. وبصوت شبه مسموع قال :
– وإنتِ كمان تستاهلي حدّ يحس بيكِ.
إتجمّدت، هي وهو، إتصدموا من الجملة، كأنها خرجت من غير ما يفكر.
الهوى في البيت اتغيّر. قبل ما اللحظة تكبر دخلت ملك من وراهم :
– بابا، روان، تعالوا نلعب.
واتقطعت اللحظة.. بس، إتساب أثر. أول شرخ صغير في الغُربة، أول خيط رفيع بينهم، خيط هادي، لكنه حقيقي.
وأول مرة من أول الغيبوبة، البيت حَسّ إن فيه روح جديدة بتحاول تعيش.
عدّت أيام، وبعدين أسابيع، وبعدين شهور صغيرة، والبيت بدأ ياخذ شكل جديد، مش شكل "بيت"، ولا شكل "حياة"، لكن شكل هدنة، هدنة بين إثنين كل خطوة بينهم محسوبة.
ياسر بدأ يتعوّد يشوف روان بتصحى بدري، تحضّر فطار بسيط، تسرّح شعر ملك، وتضحّكها قبل المدرسة، ومن غير ما يقصد، حسّ إن البيت بدأ يتنفّس.
وروان…
بدأت تاخذ بالها من حاجات بسيطة :
مكان فوط ياسر، الكوباية اللي بيشرب فيها الشاي، القميص اللي دايمًا بيعلقه غلط، وتعدّله من غير ما ياخذ باله.
مافيش كلام كثير، مافيش قرب، بس وجودها بقى هادي، وجود يشيل، ما يتقلش.
وفي يوم…
اليوم اللي حصل فيه أول "قرب من غير قصد".
الصبح — الساعة 7:15
روان كانت في المطبخ بتحضّر سندوتش لملك. ملك كانت بتدوّر على الشنطة. ياسر دخل تعبان من ليلة صعبة في المستشفى، عيينه مقفلة، وكتفه واجعه، وواضح إنه ما نامش ولا ساعة.
حاول يفتح كباية المربّى، بس الغطا كان ناشف ومتنشن. لفّ الغطا، لف ثاني، لف ثالث، ما اتفتحش.
روان من غير ما تبصّ فيه، قالت :
– إدّيني.
هو اتفاجئ، إزاي هي واخذة بالها من غير ما تلتفت؟ قدّم لها البرطمان، روان مسكته، مسحت الغطا بإيدها، لفته لفة خفيفة جدًا، و"طَقّ"، إتفتح.
سلّمتهوله من غير ما تبصّ :
– الغطا ده بيحتاج حركة يمين بسيطة مش بقوة.
ساعتها، لأول مرة من شهور، ياسر إبتسم إبتسامة صغيرة، بس طالعة من مكان موجوع.
قال :
– واضح إني كنت بحاول غلط.
ردّت ببساطة :
– عادي، بتحصل.
عينه وقعت على إيديها، أول مرة ياخذ باله إن صوابعها فيها خدوش صغيرة من الشغل في البيت، ومن ترتيب أوضة ملك، ومن وجودها اللي بيتعب وما بيشتكيش.
هي حطّت البرطمان وكملت تجهيز السندوتش كأن ما حصلش حاجة.
هو فضل واقف ثواني، مش عارف ليه اللحظة الصغيرة دي وجعته، ولا ليه ريّحته. كإن البيت، ولأول مرة قال :
"إثنين.. بيشيلوا سوا."
اللمسة اللي ما كانتش مقصودة...
ملك فجأة صرخت :
– روان! الشراب بتاعي مش لاقياه.
جريت روان بسرعة، إتزحلقت على السجادة الصغيرة اللي عند باب الأوضة. ياسر مدّ إيده بسرعة، مسكها من دراعها قبل ما تقع.
ثانية واحدة بس، إيده على دراعها. عنيهم في بعض. هي اتلبّخت، وهو اتوتر.
سابها بسرعة ولفّ وشه :
– خلي بالك، السجادة دي بتتزحلق.
قالتها هي وهي مكسوفة :
– حاضر.
بس قلبها كان بيخبط، مش من لمس الإيد، من إنها أول مرة يحسّها موجودة، مش مجرد “وصيّة”.
وهو، عمل نفسه بيعدّل في شنطة ملك، بس الحقيقة إنه كان بياخذ نَفَس عميق، يحاول يهدّي حاجة إتحركت جواه من غير إذنه.
آخر النهار..
ملك نامت، البيت هادي، روان قاعدة في الصالة، تقلب في قناة عشوائية، مكسوفة تقعد في أوضتها بدري.
ياسر عدّى، شافها، إتردّد ثانيتين، وبعدين قال :
– الشاي…؟ تشربي؟
إتصدمت، هو عمره ما عرض عليها حاجة من يوم ما دخلت البيت.
قالت بخفوت :
– آه، لو مش هاكدب عليك كان نفسي في كوبايه شاي .
ردّ عليها وهو بيحاول يخبي الابتسامة :
– ما إنتِ أصلًا بتكدبي عليّا من ساعة ما دخلتِ.
رفعت راسها مصدومة:
– إزاي؟
– بتقولي "أنا كويسة"، وإحنا الاثنين عارفين إننا لسه غُرب.
جملة بسيطة، لكنها أول جملة صادقة بينهم من غير خوف.
هو دخل يعمل الشاي. وهي قلقانة، بس دافيانــة لأول مرة من شهور.
وأول تقرّب غير مباشر.. حصل من غير كلمة حب، ولا نظرة غلط، مجرد لحظات إنسانية.
لحظات بتقول :
"إحنا لسه تايهين، بس مش لوحدنا."
*وصيّة حب*
يتبع ....
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملة من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق