رواية التل الفصل الاول والثاني والثالث والرابع بقلم رانيا الخولى
رواية التل الفصل الاول والثاني والثالث والرابع بقلم رانيا الخولى
وقف في مزرعة الخيل الخاصة به يداعب حصانه الجامح والذي يخشى الجميع التقدم منه عداه
فهو صديقه الوحيد والذي اكتفى به عن العالم اجمع منذ ذلك الحادث الذي دمر حياته.
ظل يمسح على مقدمته الناعمة فيهز الحصان الأصيل رأسه بحب لمالكه متمسحًا به
فعلم جواد حينها بأنها دعوة له للإنطلاق بنزهة على متن حصانه الأصيل يجوب بها أرجاء المكان
امتطى ظهره وأمسك اللجام بإحكام ووكزه لينطلق به يصارع الريح
ظل يسرع بحصانه غير عابئ بتلك المنحدرات والتي لم تعقهم رغم صعوبتها
فمن يراه الآن يجزم بأن ما يفعله يعد ضربًا من الجنون
وظل على ذلك الجنون حتى وصل على مشارف التل
فشد لجام حصانه الذي رفع قائمتيه الأماميتين عاليًا يحركهما في الهواء بقوة فى مشهد بارع الجمال من إبداع الخالق عز وجل متناغمًا مع الشمس الغاربة كخلفية للحصان و فارسه القويين.
ثم انطلقا قاصدين وجهتهما للأعلى.
فور وصولهما إلى قمته وهو ثابت على ظهره لم يحرك ساكنًا حط الفرس قدميه على الأرض وقف على مشارفه يتطلع إلى بلدته التي خرج منها مجبرًا
وأخذ جواد ينظر إلى ذلك القصر العتيق بحنين جارف
تذكر ذلك اليوم الذي خرج منه متهمًا بجريمة شنعاء ولم يشعر أحد حينها بمدى الآلام التي عشها وقتها
ولم يهتم أحد لألامه
ووقف والده يشاهده وهو يخرج من منزله دون التفوه بكلمة ولم يبالي بوضعه ارضاءً لزوجته.
صهل الفرس وكأنه ينعي صاحبه لكن من يستطيع نعيه بذلك المصاب الذي حطمه وقضى عليه.
لمحات من الماضي لم ترحمه وصوت بكاء صغيره وصرخاتها وهي تجبره على العودة حقًا ألم يفوق الإحتمال.
ارهف سمعه وكأنه يسمع نداء طفله والذي لم يراه منذ الحادث وكان هو العقاب الأشد.
لم يرأف أحد بحالته بل اتفق الجميع عليه واصدروا حكمًا بنفيه بعيدًا
أخذ قلبه يهدر بعنف والحنين لطفله يزداد بلا حدود
#رواية_التل
رانيا الخولي
الفصل الأول
………..
في الصباح وداخل ذلك القصر العتيق
جلس حسان الخليلي على رأس الطاولة وهو ينظر برضا لاكتمال عائلته حوله فيزداد شموخه بتلك العائلة التي أحكمها بالترابط كي لا يستطيع أحد هدمها
ولم يدر أنه بذلك حكم عليهم بالعذاب ما تبقى لهم من عمر.
يتظاهر بعضهم بالرضا رهبة وخشيةً منه لكن قلوبهم تحترق بنيران سطوته ولم يبالي بهم.
نظر إلى المقعدين الذين ظلا فارغين بعد رحيل صاحبيهما وقد آلمه ذلك الفراغ الذينْ تركاه خلفهما ولم يرد الإعتراف بأنه السبب الوحيد لرحيلهما.
شعر بحنين جارف إلى حفيده والذي أصبح رأسه صلبًا كالفولاذ لا يلين قيد انملة مهما حاول التواصل معه.
لكنه لن ييأس سيظل خلف ذلك العنيد الذي يعرقل تهدئة الأمور كي يعود إليهم وحينها ستكتمل تلك العائلة.
نظر إلى احفاده وأولهم خالد الذي يجلس بجوار زوجته غير عابئ بوجودها وهي لا تشعر بوجوده من الأساس فيمثل كلاهما ثنائي متبلد المشاعر
وتوجه بنظره إلى عدي والذي حكم عليه بزواجه من يسر ويعيشان في سعادة عامرة كما يظن الجميع
وكذلك يحيى الذي رضخ بسهولة لقراره بزواجه من سيلين ولم ترفض بل رحبت بذلك.
وكذلك ابناءه وأولهم عامر الذي حكم عليه بأن يتزوج زوجة أخيه الذي رحل عن عالمهم وترك ثلاث اطفال ليقوم عامر برعايتهم
وفايز الذي يرضى بما قُسم إليه بزوجته وأولاده.
تسير عائلته كما يريد هو ويرى ذلك انتصارا لخطته فى تسيير الأمور لكنه انتصار زائف أجوف بلا روح أو سعادة حقيقية.
فإذا استمع لقلوبهم سيعلم حينها بأنه أخطأ في حق هذه العائلة لكنه لم ولن يعترف بذلك
مازال يعيش في وهم اسمه التحكم بوهم اخر وهو المصلحة
فمن عانده وتزوج من خارجهم لم تستطع زوجته البقاء بينهم و اضطرت اضطرارا لترك أطفالها والعودة إلى مسقط رأسها في لبنان.
مجرد سائحة تعرف عليها واستطاعت ايقاعه في شباكها طمعًا به وعندما لم تستطع سحبه من عالمه تنازلت عن اولادها ورحلت دون عودة
ولهذا لم يستطيع أحد الخروج عن طوعه بعدها سوى ابنها هي.
وسيعمل على عودته بكل الطرق
عليه أن يكون حسان آخر كي يوليه مكانه
ويومًا ما سيكون باستطاعته الزواج من أخرى لكن بشروطه.
نهض خالد من مقعده وهو يقول بهدوء
_ بعد اذنك ياچدي انا رايح القاهرة عشان اخلص الشغل اللي هناك وممكن أأخر يومين ولا تلاتة.
ترك حسان الملعقة من يده وقال بلهجة حازمة
_ استناني في المكتب دلوجت واني چاي وراك.
نظر خالد في ساعته وغمغم باعتراض
_ بس ياچدي اني اخرت على الطيارة ومفيش وجت.
غمغم حسان بلهجة حادة ارعبت الجميع
_ واني جلت تستناني في المكتب وسفرك يتأچل لبكرة.
أومأ خالد على مضد ثم نادى حسان على إحدى عاملات القصر
_ أم حسين
اسرعت المرأة إليه وهي تقول برهبة
_ تحت أمرك ياحاچ
نهض من مقعده وتحدث بقوة
_ هاتي الجهوة على مكتبي.
ذهب إلى مكتبه وذهب خلفه خالد تاركًا تلك المرأة تنظر إليهم بحيرة فقربت وجهها من عامر وسألته بترقب
_ ماله إكدة زي ما يكون ولدي جتله جتيل.
ترك عامر الطعام من يده ونهض قائلًا باقتضاب
_ ميخصنيش.
في المكتب
اشار حسان لخالد بالجلوس وجلس هو خلف مكتبه بشموخ لم يمحيه السنين ولا يأثر مطلقًا على جسده الذي ظل بعنفوانه
فمن يراه لا يصدق بأنه قد تعدى عقده السبعين، فرغم المشيب الذي غزى شعره وتلك التجاعيد التي رسمت خطوطها على ملامحه إلا إن قوته وتجبره يمحي من دهره أعوامًا
تطلع لعين خالد متحدثًا بقوة
_ عملت اللي جولتلك عليه ولا لأ
حاول خالد أخفاء امتعاضه من تطرق جده لهذا الأمر
وتحدث بثبات
_ اه ياچدي عملت والحمد لله طلعت زين.
تطلع إليه بشك وسأله
_ اومال ايه اللي مأخر الحمل لحد دلوجت؟
بجالكم سنتين ومشفتش أي نتيچة؟
هز كتفيه دلالة على عدم اهتمامه
_ والله بجا دي حاچة مش بإديا.
استقام حسان وتقدم منه ليجلس على المقعد المقابل له وتحدث بمغزى
_ اوعاك تكون فاكر إني كبرت ومش دريان باللي بيحصل حوليا انا بس سايبك لحد ما تاچي تعترف بنفسك.
انقبض قلب خالد واهتزت نظراته التي وسأله بريبة
_ تجصد ايه ياچدي؟
أجل حسان المواجهة لكي يترك له فرصة أخيرة للاعتراف بخطأه وتحدث بمغزى
_ جصدي انت فاهمه زين ومش هجولك إن اخرت اللي بتعمله ده واعره جوي وأولهم انك هتجرح حفيدتي وده اللي مش هسمح بيه طول ما انا عايش
اني ساكت بس خوف من إنها تعرف وينحرج جلبها.
نظر إليه خالد بسخرية وهو يقول
_ من الچهة دي اطمن، ياسمين مش شيفاني جدامها من اساسه وحتى لو عرفت إني بخونها مش هفرج معها، ياسمين عمرها ما حبتني ولا في يوم من الأيام هتحبني وعشان أكدة سايباني بحريتي.
نهض من مقعده وتحدث بجمود
_ اطمن ياچدي ياسمين مهتعرفش حاچة، واحب اجولك برضه إني مش هتغير بعد اذنك.
اوقفه صوت حسان الحازم
_ استنى عنديك.
استدار خالد ونظر لجده بفتور رغم الحقد الدفين الذي يحمله إليه إلا إنه يستطيع إخفاءه ببراعة وتابع حسان تحذيره
_ ياريت تخرچ چواد برة حسباتك لأنك مش هتجدر تتحمل لدعته.
❈-❈-❈
وقف في مزرعة الخيل الخاصة به يداعب حصانه الجامح والذي يخشى الجميع التقدم منه عداه
فهو صديقه الوحيد والذي اكتفى به عن العالم اجمع منذ ذلك الحادث الذي دمر حياته.
ظل يمسح على مقدمته الناعمة فيهز الحصان الأصيل رأسه بحب لمالكه متمسحًا به
فعلم جواد حينها بأنها دعوة له للإنطلاق بنزهة على متن حصانه الأصيل يجوب بها أرجاء المكان
امتطى ظهره وأمسك اللجام بإحكام ووكزه لينطلق به يصارع الريح
ظل يسرع بحصانه غير عابئ بتلك المنحدرات والتي لم تعقهم رغم صعوبتها
فمن يراه الآن يجزم بأن ما يفعله يعد ضربًا من الجنون
وظل على ذلك الجنون حتى وصل على مشارف التل
فشد لجام حصانه الذي رفع قائمتيه الأماميتين عاليًا يحركهما في الهواء بقوة فى مشهد بارع الجمال من إبداع الخالق عز وجل متناغمًا مع الشمس الغاربة كخلفية للحصان و فارسه القويين.
ثم انطلقا قاصدين وجهتهما للأعلى.
فور وصولهما إلى قمته وهو ثابت على ظهره لم يحرك ساكنًا حط الفرس قدميه على الأرض وقف على مشارفه يتطلع إلى بلدته التي خرج منها مجبرًا
وأخذ جواد ينظر إلى ذلك القصر العتيق بحنين جارف
تذكر ذلك اليوم الذي خرج منه متهمًا بجريمة شنعاء ولم يشعر أحد حينها بمدى الآلام التي عشها وقتها
ولم يهتم أحد لألامه
ووقف والده يشاهده وهو يخرج من منزله دون التفوه بكلمة ولم يبالي بوضعه ارضاءً لزوجته.
صهل الفرس وكأنه ينعي صاحبه لكن من يستطيع نعيه بذلك المصاب الذي حطمه وقضى عليه.
لمحات من الماضي لم ترحمه وصوت بكاء صغيره وصرخاتها وهي تجبره على العودة حقًا ألم يفوق الإحتمال.
ارهف سمعه وكأنه يسمع نداء طفله والذي لم يراه منذ الحادث وكان هو العقاب الأشد.
لم يرأف أحد بحالته بل اتفق الجميع عليه واصدروا حكمًا بنفيه بعيدًا
أخذ قلبه يهدر بعنف والحنين لطفله يزداد بلا حدود
لكن عليه الصبر قليلًا إذا أراد حقًا أن يرجع منتصرًا
عاد بفرسه إلى منزل المزرعة لكن بروية وكأنه لا يريد العودة مماطلًا مع الطريق.
توقف الفرس أمام المنزل فيسرع السايس بأخذ الفرس والذهاب به إلى الإسطبل
ودخل جواد منزله بهيبة ووقار تجعل من يراه يقف تقديرًا وخشيةً منه.
تقدمت العاملة منه وهي سيدة طاعنة في السن قد بعثها والده خلفه كي تعتني به بعد خروجه من القصر فهي من تولت تربيته بعد ذهاب والدته
_ جواد خالد ابن عمك چوه في المكتب وعايز يشوفك ضروري.
اومأ لها وقال بثبوت رغم ما يعتمل بداخله من استياء
_ خلي نعمة تعمله حاچة يشربها واني چاي دلوجت.
صعد الدرج وأم نعمة تنظر إليه بتعاطف على ما وصل إليه من كان يعد كبير عائلته حتى ذلك الحادث الذي دمر كل شيء وجعله ذلك المتحجر الذي اصبح عليه الآن.
دلف جواد غرفته وقام بوضع هاتفه وساعته على المنضدة بجوار صورة ابنه الموضوعة داخل الإطار
ثم تقدم من الخزانة وأخرج ملابس له ودلف المرحاض.
……..
نزل الدرج ولم يبد عليه شيء فوجد نعمة تهم بدخول المكتب وهي تحمل القهوة لكن صوت جواد الحازم منعها بأمر
_ بلاش تدخلي انتي ابعتيها مع حامد.
لم تناقشه وعادت مسرعة إلى المطبخ وبعثت لحامد وهو أحد رجاله المخلصين وأخيها
سألتها والدتها عندما عادت بها
_ رچعتي ليه؟
نظرت نعمة من النافذة لتنادي على أخيها
_ ياحامد تعالى دخل الجهوة.
ابتسم حامد وأومأ لها بتفاهم لعلمه بمدى غيرة جواد على حريم منزله حتى لو كانت مجرد عاملة.
نظرت إلى والدتها قالت بتفاهم
_ ما انتي خابرة چواد بيه مبيرضاش يخلي واحدة منينا تدخل حاچة للضيوف.
_ بس ده ابن عمه وانتي متربية معاهم مش اول مرة هيشوفك يعني.
دلف حامد ليأخذ القهوة وقال بجدية
_ بس خلاص مبقناش شغلين عنديهم يبقوا أغراب عنينا دلوقت.
خرج حامد من المطبخ ونظرت نعمة إلى والدتها قائله بتأثر
_ جواد بيه ميستهلش واصل اللي عملوه فيه ده، حجيجي ربنا ينتجم منهم.
نهرتها والدتها بحدة
_ ملكيش صالح انتي.
في الداخل
وضع حامد القهوة ونظر إلى جواد وسأله
_ حاچة تاني يا بيه؟
رد جواد بامتنان
_ لأ ياحامد اتفضل انت.
نظر جواد إلى خالد وتابع
_ والمطلوب؟
أخذ خالد قهوته يرتشف منها بهدوء وتمتم بفتور
_ زي ما جولتلك تقنع چدي بأني افتح المكتب ده في القاهرة ومرجعش البلد تاني.
_ بس انت خابر زين إني جطعت علاجتي بالقصر واللي فيه.
تطلع خالد إلى قدم جواد وتحدث بمغزى
_ انتو مكبرين الموضوع بزيادة وده كان قضاء وقدر وكل واحد أخذ چزاءه.
حاول جواد الثبات أمام مغزى حديثه ورد بجمود
_ انا جولت اللي عندي، خرچني بره حوراتكم دي اني مليش صالح بيها.
انفعل خالد من رفضه فهو يعلم بأنه الوحيد الذي باستطاعته اقناع جده بما يريد لمدى تعلقه به وقال بحقد خفي
_ ما انت لازمن تجول إكدة بعد ما آمنت حالك بالمزرعة.
نهض من مقعده وغادر تاركًا جواد ينظر في اثره بجمود وحزن داخلي على أخته الذي طالها نفس المصير
نظر في ساعته فوجدها الحادية عشر
خرج إلى الحديقة ليجلس بها قليلًا ربما هواها العليل يخفف من وطئة ضغوطه
جلس على المقعد وهو يشعر بألم شديد في ساقه مما جعله يضعها على المقعد المقابل له ربما يخفف من ضغطه عليها
لمحات من الماضي دارت بخلده وهو يتذكر ما مر به من قسوة الأقدار
وكأن صدمة واحدة لا تكفي تلاها الكثير والكثير منها
أخرجه من شروده رنين هاتفه ليجدها ياسمين أخته
لابد أنها تهاتفه كي تؤكد عليه لقاء غد
فتح هاتفه ليجيب عليها لكن الكلمات تهات منه عندما سمع بكاء طفله والذي اشتاقه حد الجنون وصوت ياسمين وهي تحدثه
_ ازيك ياچواد؟
حاول تنظيم انفاسه التي انقطعت بسماع صوته وحمحم كي يخرج صوته ثابتًا
_ بخير يا ياسمينا عملتي ايه؟
أجابت بارتباك
_ هعمل ايه يعني غير اللي اتفجنا عليه، كدبت عليهم وجولتلهم إنه عنده تطعيم بكرة وهروح بنفسي أطعمه
بس أنا خايفة جوي من مرات عمك، انت عارفها مبترحمش حد ومحدش بيجدر يجف جدامها حتى أبوك
تحدث بهدوء رغم النار التي تعتمل بداخله
_ اعملي اللي جلتلك عليه من سكات وبكرة هنتجابل وهجولك تجولي ايه بالظبط.
أغلق الهاتف دون أن يستمع ردها ونهض من مقعده ودلف للداخل وهو ينادي ام نعمة
_ أم نعمة
خرجت أم نعمة من المطبخ لترد عليه باحترام
_ أيوة ياابني احطلك الوكل؟
سألها باقتضاب
_ البنت اللي جلتلك عليها چاهزة؟
اجابت على مضد
_ ايوة چاهز وبكرة الصبح هتكون اهنه.
لم يتفوه بكلمة أخرى وصعد إلى غرفته ليبدل ملابسه ويريح قدمه قليلًا
استلقى على الفراش لتعود إلى ذهنه ذكريات الماضي الأليمة والتي أبت تركه وظلت ملازمة له أينما هرب منها
نظر إلى جواره فتقع عيناه على صورة ابنه الموضوعة على المنضدة بشوق وقد طال البعد وأرهق قلبه
غدًا سيراه ولن يستطيع أحد بعد الآن أن يفرق بينهم.
وضع الإطار مكانه ثم قام بفك القدم الصناعية ووضعها بجوار الفراش واستلقى يناشد النوم الذي بدوره لا يرأف به ويظل يعذبه حتى الصباح
❈-❈-❈
استيقظت توليب على صوت المنبه
أخرجت يدها من تحت الغطاء وظلت تتحسس حتى وصلت لهاتفها وقامت بأغلاقه بملل.
أزاحت الغطاء عن رأسها ونهضت بتكاسل لتدلف المرحاض ثم خرجت بعد قليل لتبدل ملابسها وتضع النقاب على وجهها استعدادًا للذهاب إلى الجامعة
خرجت من غرفتها لتجد والدتها وزوجها يتناولون افطارهم فتقدمت منهم لتقبل رأس والدتها وتبتسم عينيها قبل شفتيها لزوج والدتها المحب وتقول بمرح
_ أحلى صباح لأحلى بابا في الدنيا.
هز توفيق رأسه بنفي رافضًا اي كلمة منها وغمغم باستياء
_ متحاوليش لأني برضه مش مسامحك
نظرت إلى والدتها وتمتمت بامتعاض
_ ماما متقولي حاجة.
نهضت سلوى دالفة المطبخ وهي تتحدث بلا مبالاه
_ مليش دعوة بيكم انتو حرين مع بعض.
خرج تميم أخيها من غرفته وهو يتثاءب وتمتم محبطًا إياها
_ ريحي نفسك مش هيكلمك، انا لو مكانه مبصش في خلقتك تاني.
نهره توفيق
_ بس ياولد متدخلش.
نظر إلى توليب وتحدث ببرود
_ وانتي اتفضلي على كليتك يلا.
زمت فمها بغيظ منه وحملت حقيبتها وهي تتمت بتوعد
_ ماشي عشان أخرت؛ بس رجعالك.
خرجت توليب من الشقة بترقب خوفًا من مصادفته والتعرض لكلماته المشمئزة مرة أخرى
أسرعت للتوجه إلى المصعد وانتظرت حتى يصل إليها ثم تفاجئت به يخرج من شقته
انقبض قلبها خوفًا واسرعت بالعودة إلى شقتهم لكنه كان أسرع إليها وجذبها من ذراعها ودفعها على الجدار لينظر إلى عينيها الظاهرة من خلف النقاب وتمتم برغبة
_ مش ناوية تحني عليا؟ أنا خلاص من وقت ما شوفتك من غير النقاب وانتي نغششتي جوايا.
دفعته توليب تبعده عنها وغمغمت باشمئزاز
_ ابعد عني لأصرخ والم عليك الناس.
ضحك بتهكم وقال باستهزاء
_ اصرخي وخلي جوز امك وأخوكي ييجوا وانا اعرف شغلي معاهم، دا غير وشك الجميل ده أحلوه أكتر بمياة نار ولا …..
شعرت بالخوف من تهديده ودعت ربها أن ينقذها من ذلك الرجل
_ ها ياقمر قولتي ايه؟ هتوافقي تتجوزيني ولا أنفذ تهديدي اللي قلتلك عليه.
همت بالرد عليه لكنه ابتعد عنها مسرعًا وعاد إلى شقته حينما انفتح الباب وخرج منه توفيق
فاندهش عندما وجدها على تلك الحالة فتقدم منها يسألها بقلق
_ مالك ياتوليب واقفة كدة ليه
لملمت شتاتها وتحدثت بتلعثم
_ ها.. لا انا بس مستنية الاصانسير
خرج الرجل حينها من شقته وتظاهر بالاحترام وهو يقول بابتسامة
_ صباح الخير ياعمي
رد توفيق باقتضاب وهو يشير لتوليب بالولوج للمصعد
_ صباح النور، يلا يابنتي
دلفا المصعد ودلف الرجل معهم تحت نظرات توفيق الممتعضة
أما هي فظلت تتخفى خلف توفيق حتى توقف المصعد وانفتح الباب.
خرجت مسرعة ما أن فتح الباب ولم تنتبه لصوت توفيق الذي يطلب منها الانتظار وأوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق الانطلاق.
وصلت إلى الجامعة فهي في سنتها الأخيرة في كلية العلوم وتجتهد على أمل أن تتعين معيدة في الجامعة
انهت محاضراتها وخرجت من الجامعة بصحبة إلين صديقتها والتي لاحظت عليها العبوس فسألتها
_ اوعى تقولي إن الحيوان ده ضايقك تاني؟
هزت رأسها بالايجاب فغمغمت الين باستياء
_ انا مش فاهمة انتي ساكته عليه ليه، مستنية ايه عشان تقولي لعمك ولا لأخوكي؟
توقفت توليب ونظرت إليها برفض
_ مش هينفع اقول لحد، تميم متهور وممكن يعمل فيه حاجة ويأذي نفسه وعمي مريض ومش هيقدر يقف قدام واحد زي ده فالافضل إني اتحمل اليومين اللي هيقعدهم هنا لحد مهمته دي متخلث
تنهدت الين باستسلام
_ يابنتي انتِ عاملة له قيمة كدة ليه ده مجرد آمين شرطة ميقدرش يعمل حاجة نصيحة ليكي لازم تعرفي حد منهم متضمنيش باباكي المرة دي انقذك منضمنش تتكرر تاني ومتلقيش حد ينقذك
تنهدت بتعب وقالت باستسلام
_ خليها على الله، المهم متعرفيش أخبار عن ياسمين بقالي فترة بكلمها بلاقي فونها مقفول، حاسة اني مفتقداها أوي
_ وانا كمان من وقت ما حضرنا فرحها في الصعيد مشفنهاش تاني وفجأة قفلت فونها
بس ايه رأيك لو نسافر تاني ونروحلها نطمن عليها؟
_ ياسلام ده عمي وافق على الفرح بالعافية وشوفي كان عينه علينا ازاي لما راح معانا.
_ عشان بالنسبة ليه كانت ناس غريبة بس هو شاف بنفسه قد ايه ناس كويسين.
_ مش عارفة بقا خلينا نكلمه بعد الامتحانات ونشوف رأيه، مع انه لسة رافض يكلمني.
ضحكت الين وقالت
_ لسة برضه
أومأت لها
_ اه كأني عملت جريمة مش سحبت فلوسي من البنك
_ بس انتي برضه غلطتي، انتي كدة بتقوليله كفاية عليك لحد كدة واتفضل خد تمن اللي صرفته عليا
نفت توليب
_ لا طبعاً مكنتش اقصد كدة.
_ بس هو فهمها كدة، وخصوصاً أنه فعلا بيعتبرك زي بنته وهو اللي مربيكي وانتي عمرك سنتين، ياتوليب ياحبيبتي الأب اللي يربي مش اللي يخلف بس، وبعدين انا بحس أنه بيحبك أكتر من تميم ابنه اللي من صلبه فمتجيش تبوخي في الآخر.
زمت فمها بضيق وقالت بتأييد
_ عندك حق انا هحاول معاه النهاردة ومش هسيبه إلا لما يرضى.
توقفت السيارة أمام الفتاتين
_ ازيكم عاملين ايه يابنات؟
ابتسمت إلين لأخيها وقالت لتوليب
_ ادهم جاه تعالي اركبي معايا واخليه يوصلك.
رفضت توليب باحراج
_ لأ طبعًا مش هينفع
أخذتها إلين عنوة وهي تقول بإصرار
_ بقولك يلا متبقيش رخمة.
لم تستطيع توليب الرفض أمام إصرارهم واستقلت المقعد الخلفي وجلست إلين بجوار أخيها وانطلق ادهم بالسيارة حتى اوصلها أمام البناية
تحدثت بامتنان وهي تترجل منها
_ متشكرة اوي يا مستر أدهم
رد أدهم بروية
_ على ايه؟ انتي زي إلين.
انطلق ادهم بسيارته وهمت توليب بالولوج داخل البناية لولا صوت حسين الذي أوقفها
_ ما انتي حلوة أهه وبتركبي عربيات مع رجالة أومال عاملة فيها شريفة قدامنا ليه.
شعرت بالاحراج لنعته لها أمام المارة وأرادت الرد عليه لكنها لم تقوى على الوقوف أمامه وهمت بالولوج للداخل لكنه وقف أمامها يمنعها
_ ولا احنا عشان معندناش عربيات يعني.
قال آخر
_ دا النقاب ده بيداري بلاوي والاسم تدين.
كان توفيق عائدًا من عمله عندما تفاجئ بما يحدث فتقدم من توليب يسألها
_ توليب! واقفة كدة ليه؟
تحدث حسين بمغزى
_ لا احنا بس بنطمن عليها لأننا لقيناها نازلة من عربية واحد غريب قولنا لتكون تعبانه ولا حاجة
انفعل توفيق من حديثه وقالت توليب بتصحيح
_ لا والله انا كنت مع إلين صاحبتي…..
قاطعها توفيق وهو ينظر إليهم بحنق
_ متبرريش انا واثق فيكي كويس أوي وعارف أنا ربيت بنتي ازاي
وجه حديثه للجميع
_ كل واحد فيكم يخليه في حاله لأن اللي هيجيب سيرة بنتي بكلمة هيبقى هو الجاني على روحه.
ثم أخذها وصعد بها إلى شقتهم.
دلفت توليب وخلفها توفيق وقد شعرت بأنها اخطأت حقًا عندما وافقت إلين بتطوع أخيها لتوصيلها، واعطت لذلك الرجل الفرصة كي يعرضها لذلك الموقف
اغلق توفيق الباب وتطلعت إليه توليب بخجل وهمت بالتحدث لكنه منعها
_ متقوليش حاجة انا عارف انك مكنتيش لوحدك معاه بس فكرة انه يوصلك غلط احنا في مجتمع شرقي وليه قيوده واحنا لازم نلتزم بيها ومنديش فرصة لأي حد أنه يمسك علينا غلطة وياريت متتكررش تاني
لم تجادله بل أومأت له وذهبت إلى غرفتها.
تقدمت منه سلوى تسأله بقلق
_ في ايه ياتوفيق؟ مالها توليب؟
تنهد بتعب ورد بثبات
_ مفيش حاجة هي بتحاول تصالحني بس انا لسة اخد على خاطري منها.
هزت رأسها بيأس منه وقالت بتعب
_ مش كفاية ولا أيه؟
تركها ودلف للداخل وهو يتمتم باستياء
_ مش عارف انتي مركزة معانا ليه.
❈-❈-❈
في مكان آخر
وضعت يدها على فمها بصدمة كبيرة وهي تنظر لذلك الإختبار بيدها والذي أكد شكها
بأنها سقطت في محيط خطيئتها وعليها أن تتحمل نتيجتها
تساقطت دموعها بغزارة وهي تكتم شهقاتها
وألقت جسدها على الأرضية تضم قدميها لصدرها لا تدري ماذا تفعل الآن
إذا علمت والدتها لن تتحمل تلك الصدمة
طرق الباب قبل دخوله فوجدها بتلك الحالة من الانهيار فعلم حينها بأن شكها اصبح حقيقة
فحاول إخفاء فرحته ودنى منها ليجلس بجوارها على الأرضية ويسحبها إلى صدره ويغمغم بخفوت
_ هششش خلاص أهدي انا هصلح كل حاجة.
ازداد نحيبها والخوف تمكن منها وصدره لأول مرة لا يشعرها بالأمان كما اعتادت منه فتابع وعده
_ والنهاردة هقول لبابا ولو اصر على الرفض هسيب البيت وأمشي ونتجوز.
رفعت رأسها عن كتفه وتمتمت برهبة
_ خايفة يرفض.
تطلع لدموعها التي بللت وجهها وقد شعر بوغزة ضمير
_ وانا مش هتخلى عنك، أنا وعدتك إني هصلح كل حاجة وانا قد وعدي ده.
هزت رأسها بنفي وتمتمت بضياع
_ ماما لو عرفت ممكن تموت فيها.
امسك يدها يحسها على الثبات وتحدث بقوة
_ مش هتعرف وبابا لما يعرف بحفيده مش هيقدر يقول لأ.
_ ولو رفض؟
تنهد بتعب شديد وقال بثبوت
_ لو قفلت خالص هسيب كل حاجة ونروح نعيش عند أمي في الصعيد.
ابتسمت بسخرية محملة بالمرارة
_ وتفتكر انه هيسيبك؟
زم فمه بحيرة ثم تحدث بجدية
_ وقتها يا يوافق على جوازنا ياإما مش هرجع معاه.
قومي اغسلي وشك وروحي قبل مامتك ما تحس بغيابك وسيبي كل حاجة عليا.
ساعدها على النهوض ودنى بها من الحوض ليغسل لها وجهها بحنان جارف ثم نشفه لها وخرج من المرحاض
جلست بجواره داخل سيارته بوجوم أرهق قلبه فتطلع إليها ليتمتم بروية
_ قلتلك متشليش هم حاجة انا اول ما اوصل هفاتحه في الموضوع ياإما يوافق ياإما نسافر البلد.
اومأت له رغم خوفها وانطلق بالسيارة عائدًا بها إلى منزلها قبل عودة والدتها.
دلفت البناية المتهالكة وصعدت إلى شقتهم البسيطة تدخلها بترقب خوفًا من عودة والدتها
القت الحقيبة على المقعد وجلست على الأريكة تتنهد براحة لم تدوم طويلاً عندما خرجت والدتها من الغرفة وهي تسألها بحزم
_ كنتي فين؟
انقبض قلبها خوفًا ونهضت بوجل وهي تحاول البحث عن سبب لغيابها فتتهته
_ أ….أنا..
تقدمت منها نادية وعادت تسألها بانفعال
_ بقولك كنتي فين؟
رمشت بعينيها مرات متتالية تحاول الثبات أمام والدتها كي لا تشك بأمرها أكثر وتمتمت برهبة
_ كنت بايته مع لبني زي ما قولتيلي و…
قاطعتها نادية بغضب
_ لبني لسة مكلماني دلوقت بتسأل عليكي لما لقيت فونك مقفول.
نظرت نادية إلى حقيبتها كي ترى هاتفها ومدت يدها لتأخذها لكن نور أسرعت لتمنعها وأخفت الحقيبة خلفها مما جعل الشك يزداد بداخل نادية وقالت بأمر
_ هاتي الشنطة.
هزت رأسها برفض وتمتمت ببكاء
_ أرجوكي اهدي ياماما وانا هحكيلك على كل حاجة.
صاحت بها بغضب وهي تمد يدها
_ قلتلك هاتي الشنطة
مدت يدها لتأخذ منها الحقيبة ونور تعافر أمامها كي لا ترى ذلك الأختبار التي نسيت أمره داخل حقيبتها
حتى انقطعت وسقط محتواها على الأرض فتشهق نور بخوف عندما رأت والدتها الاختبار ملقى على الأرض
الجمتها الصدمة لثواني وهي ترى حقيقة ابنتها بل طعنها لها.
بيد مرتعشة مالت نادية لتمسكه وتتأكد مما تراه وقد اتسعت عينيها بذهول وهي ترى الحقيقة التي قصمت ظهرها وقضت على ما تبقى بداخلها من ثبات
فمن تحملت قسوة الدنيا لأجلها نحرتها بسلاح بارد من وريدٍ إلى وريد.
طعنتها في الصميم وهي تعمل خادمة كي توفر لها احتياجاتها
سقطت على ركبتيها بانهيار وشريط حياتها بعد وفات زوجها يعاد أمامها
طرد أهل زوجها لها هي وابنتها
عودتها لمنزل أخيها الذي تركها لزوجته تعاملها كالخادمات
اتهامها بالسرقة وطردها من منزله
وظلت تعافر وتعافر حتى استطاعت العمل في ذلك المنزل
دنت منها نور وامسكت ذراعها لتقول برجاء
_ ماما متفهميش غلط أنا…
دفعتها نادية بعيدًا عنها باشمئزاز وجذبت ذراعها من يدها وهي تقول بحدة
_ ابعدي عني مش عايزة أشوفك قدامي يافاجرة.
هزت نور رأسها برفض وتمتمت ببكاء وهي تعاود إليها
_ أنا مش فاجرة انا متجوزة على سنة الله ورسوله ولو مش مصدقاني اتصلي على أسر واسأليه.
صدمة أخرى تلقتها منها وهي تخبرها بأن من اخطأت معه هو ابن رب عملها
ذلك الشاب الذي تعمل لديهم خادمة
هزت رأسها بعدم استيعاب لما يحدث وكأنها داخل حلم مزعج وسينتهي فور استيقاظها
فغمغمت بألم
_ ليه كدة، قصرت معاكي في ايه عشان تدمري نفسك بالشكل ده، دا انا حفيت واتذليت عشان اعيشك في مستوى كويس واعلمك والآخر تحطي راسي في الطين.
نظرت بانهيار لحالة والدتها وقالت برجاء
_ ارجوكي ياماما اسمعيني آسر فعلاً بيحبني والنهاردة وعدني انه هيقول لأبوه ونشهر جوازنا.
تطلعت إليها بسخرية
_ وانتي فاكرة إن لو كان فعلاً صادق معاكي أبوه هيوافق؟ هيوافق يجوز ابنه لبنت الشغالة؟
انهارت نادية بالبكاء وصرخت بها وهي تصفعها على كتفها
_ تبقى بتحلمي يابنت بطني بتحلمي، مستحيل ابوه يوافق لإننا خدامين عندهم أخرنا ننضف فرشته منمش عليها، روحي منك لله فضحتيني روحي منك لله
رن هاتف نادية الملقي بجانب نور فاسرعت بالنظر إليه فوجدتها اعتماد التي تخدم مع والدتها في منزل آسر
انقبض قلبها بخوف من أن تكون قد سمعت شئ فنظرت لوالدتها لتقول برجاء
_ ردي ياماما واعرفي في ايه؟ اكيد آسر كلم أبوه
نظرت اليها نادية بسخرية ورفضت الرد
لكن عاد الهاتف يرن مرة أخرى فلم تستطيع نور احكام فضولها فقامت بالرد عليها ليأتيها#رواية_التل
رانيا الخولي
الفصل الأول
………..
في الصباح وداخل ذلك القصر العتيق
جلس حسان الخليلي على رأس الطاولة وهو ينظر برضا لاكتمال عائلته حوله فيزداد شموخه بتلك العائلة التي أحكمها بالترابط كي لا يستطيع أحد هدمها
ولم يدر أنه بذلك حكم عليهم بالعذاب ما تبقى لهم من عمر.
يتظاهر بعضهم بالرضا رهبة وخشيةً منه لكن قلوبهم تحترق بنيران سطوته ولم يبالي بهم.
نظر إلى المقعدين الذين ظلا فارغين بعد رحيل صاحبيهما وقد آلمه ذلك الفراغ الذينْ تركاه خلفهما ولم يرد الإعتراف بأنه السبب الوحيد لرحيلهما.
شعر بحنين جارف إلى حفيده والذي أصبح رأسه صلبًا كالفولاذ لا يلين قيد انملة مهما حاول التواصل معه.
لكنه لن ييأس سيظل خلف ذلك العنيد الذي يعرقل تهدئة الأمور كي يعود إليهم وحينها ستكتمل تلك العائلة.
نظر إلى احفاده وأولهم خالد الذي يجلس بجوار زوجته غير عابئ بوجودها وهي لا تشعر بوجوده من الأساس فيمثل كلاهما ثنائي متبلد المشاعر
وتوجه بنظره إلى عدي والذي حكم عليه بزواجه من يسر ويعيشان في سعادة عامرة كما يظن الجميع
وكذلك يحيى الذي رضخ بسهولة لقراره بزواجه من سيلين ولم ترفض بل رحبت بذلك.
وكذلك ابناءه وأولهم عامر الذي حكم عليه بأن يتزوج زوجة أخيه الذي رحل عن عالمهم وترك ثلاث اطفال ليقوم عامر برعايتهم
وفايز الذي يرضى بما قُسم إليه بزوجته وأولاده.
تسير عائلته كما يريد هو ويرى ذلك انتصارا لخطته فى تسيير الأمور لكنه انتصار زائف أجوف بلا روح أو سعادة حقيقية.
فإذا استمع لقلوبهم سيعلم حينها بأنه أخطأ في حق هذه العائلة لكنه لم ولن يعترف بذلك
مازال يعيش في وهم اسمه التحكم بوهم اخر وهو المصلحة
فمن عانده وتزوج من خارجهم لم تستطع زوجته البقاء بينهم و اضطرت اضطرارا لترك أطفالها والعودة إلى مسقط رأسها في لبنان.
مجرد سائحة تعرف عليها واستطاعت ايقاعه في شباكها طمعًا به وعندما لم تستطع سحبه من عالمه تنازلت عن اولادها ورحلت دون عودة
ولهذا لم يستطيع أحد الخروج عن طوعه بعدها سوى ابنها هي.
وسيعمل على عودته بكل الطرق
عليه أن يكون حسان آخر كي يوليه مكانه
ويومًا ما سيكون باستطاعته الزواج من أخرى لكن بشروطه.
نهض خالد من مقعده وهو يقول بهدوء
_ بعد اذنك ياچدي انا رايح القاهرة عشان اخلص الشغل اللي هناك وممكن أأخر يومين ولا تلاتة.
ترك حسان الملعقة من يده وقال بلهجة حازمة
_ استناني في المكتب دلوجت واني چاي وراك.
نظر خالد في ساعته وغمغم باعتراض
_ بس ياچدي اني اخرت على الطيارة ومفيش وجت.
غمغم حسان بلهجة حادة ارعبت الجميع
_ واني جلت تستناني في المكتب وسفرك يتأچل لبكرة.
أومأ خالد على مضد ثم نادى حسان على إحدى عاملات القصر
_ أم حسين
اسرعت المرأة إليه وهي تقول برهبة
_ تحت أمرك ياحاچ
نهض من مقعده وتحدث بقوة
_ هاتي الجهوة على مكتبي.
ذهب إلى مكتبه وذهب خلفه خالد تاركًا تلك المرأة تنظر إليهم بحيرة فقربت وجهها من عامر وسألته بترقب
_ ماله إكدة زي ما يكون ولدي جتله جتيل.
ترك عامر الطعام من يده ونهض قائلًا باقتضاب
_ ميخصنيش.
في المكتب
اشار حسان لخالد بالجلوس وجلس هو خلف مكتبه بشموخ لم يمحيه السنين ولا يأثر مطلقًا على جسده الذي ظل بعنفوانه
فمن يراه لا يصدق بأنه قد تعدى عقده السبعين، فرغم المشيب الذي غزى شعره وتلك التجاعيد التي رسمت خطوطها على ملامحه إلا إن قوته وتجبره يمحي من دهره أعوامًا
تطلع لعين خالد متحدثًا بقوة
_ عملت اللي جولتلك عليه ولا لأ
حاول خالد أخفاء امتعاضه من تطرق جده لهذا الأمر
وتحدث بثبات
_ اه ياچدي عملت والحمد لله طلعت زين.
تطلع إليه بشك وسأله
_ اومال ايه اللي مأخر الحمل لحد دلوجت؟
بجالكم سنتين ومشفتش أي نتيچة؟
هز كتفيه دلالة على عدم اهتمامه
_ والله بجا دي حاچة مش بإديا.
استقام حسان وتقدم منه ليجلس على المقعد المقابل له وتحدث بمغزى
_ اوعاك تكون فاكر إني كبرت ومش دريان باللي بيحصل حوليا انا بس سايبك لحد ما تاچي تعترف بنفسك.
انقبض قلب خالد واهتزت نظراته التي وسأله بريبة
_ تجصد ايه ياچدي؟
أجل حسان المواجهة لكي يترك له فرصة أخيرة للاعتراف بخطأه وتحدث بمغزى
_ جصدي انت فاهمه زين ومش هجولك إن اخرت اللي بتعمله ده واعره جوي وأولهم انك هتجرح حفيدتي وده اللي مش هسمح بيه طول ما انا عايش
اني ساكت بس خوف من إنها تعرف وينحرج جلبها.
نظر إليه خالد بسخرية وهو يقول
_ من الچهة دي اطمن، ياسمين مش شيفاني جدامها من اساسه وحتى لو عرفت إني بخونها مش هفرج معها، ياسمين عمرها ما حبتني ولا في يوم من الأيام هتحبني وعشان أكدة سايباني بحريتي.
نهض من مقعده وتحدث بجمود
_ اطمن ياچدي ياسمين مهتعرفش حاچة، واحب اجولك برضه إني مش هتغير بعد اذنك.
اوقفه صوت حسان الحازم
_ استنى عنديك.
استدار خالد ونظر لجده بفتور رغم الحقد الدفين الذي يحمله إليه إلا إنه يستطيع إخفاءه ببراعة وتابع حسان تحذيره
_ ياريت تخرچ چواد برة حسباتك لأنك مش هتجدر تتحمل لدعته.
❈-❈-❈
وقف في مزرعة الخيل الخاصة به يداعب حصانه الجامح والذي يخشى الجميع التقدم منه عداه
فهو صديقه الوحيد والذي اكتفى به عن العالم اجمع منذ ذلك الحادث الذي دمر حياته.
ظل يمسح على مقدمته الناعمة فيهز الحصان الأصيل رأسه بحب لمالكه متمسحًا به
فعلم جواد حينها بأنها دعوة له للإنطلاق بنزهة على متن حصانه الأصيل يجوب بها أرجاء المكان
امتطى ظهره وأمسك اللجام بإحكام ووكزه لينطلق به يصارع الريح
ظل يسرع بحصانه غير عابئ بتلك المنحدرات والتي لم تعقهم رغم صعوبتها
فمن يراه الآن يجزم بأن ما يفعله يعد ضربًا من الجنون
وظل على ذلك الجنون حتى وصل على مشارف التل
فشد لجام حصانه الذي رفع قائمتيه الأماميتين عاليًا يحركهما في الهواء بقوة فى مشهد بارع الجمال من إبداع الخالق عز وجل متناغمًا مع الشمس الغاربة كخلفية للحصان و فارسه القويين.
ثم انطلقا قاصدين وجهتهما للأعلى.
فور وصولهما إلى قمته وهو ثابت على ظهره لم يحرك ساكنًا حط الفرس قدميه على الأرض وقف على مشارفه يتطلع إلى بلدته التي خرج منها مجبرًا
وأخذ جواد ينظر إلى ذلك القصر العتيق بحنين جارف
تذكر ذلك اليوم الذي خرج منه متهمًا بجريمة شنعاء ولم يشعر أحد حينها بمدى الآلام التي عشها وقتها
ولم يهتم أحد لألامه
ووقف والده يشاهده وهو يخرج من منزله دون التفوه بكلمة ولم يبالي بوضعه ارضاءً لزوجته.
صهل الفرس وكأنه ينعي صاحبه لكن من يستطيع نعيه بذلك المصاب الذي حطمه وقضى عليه.
لمحات من الماضي لم ترحمه وصوت بكاء صغيره وصرخاتها وهي تجبره على العودة حقًا ألم يفوق الإحتمال.
ارهف سمعه وكأنه يسمع نداء طفله والذي لم يراه منذ الحادث وكان هو العقاب الأشد.
لم يرأف أحد بحالته بل اتفق الجميع عليه واصدروا حكمًا بنفيه بعيدًا
أخذ قلبه يهدر بعنف والحنين لطفله يزداد بلا حدود
لكن عليه الصبر قليلًا إذا أراد حقًا أن يرجع منتصرًا
عاد بفرسه إلى منزل المزرعة لكن بروية وكأنه لا يريد العودة مماطلًا مع الطريق.
توقف الفرس أمام المنزل فيسرع السايس بأخذ الفرس والذهاب به إلى الإسطبل
ودخل جواد منزله بهيبة ووقار تجعل من يراه يقف تقديرًا وخشيةً منه.
تقدمت العاملة منه وهي سيدة طاعنة في السن قد بعثها والده خلفه كي تعتني به بعد خروجه من القصر فهي من تولت تربيته بعد ذهاب والدته
_ جواد خالد ابن عمك چوه في المكتب وعايز يشوفك ضروري.
اومأ لها وقال بثبوت رغم ما يعتمل بداخله من استياء
_ خلي نعمة تعمله حاچة يشربها واني چاي دلوجت.
صعد الدرج وأم نعمة تنظر إليه بتعاطف على ما وصل إليه من كان يعد كبير عائلته حتى ذلك الحادث الذي دمر كل شيء وجعله ذلك المتحجر الذي اصبح عليه الآن.
دلف جواد غرفته وقام بوضع هاتفه وساعته على المنضدة بجوار صورة ابنه الموضوعة داخل الإطار
ثم تقدم من الخزانة وأخرج ملابس له ودلف المرحاض.
……..
نزل الدرج ولم يبد عليه شيء فوجد نعمة تهم بدخول المكتب وهي تحمل القهوة لكن صوت جواد الحازم منعها بأمر
_ بلاش تدخلي انتي ابعتيها مع حامد.
لم تناقشه وعادت مسرعة إلى المطبخ وبعثت لحامد وهو أحد رجاله المخلصين وأخيها
سألتها والدتها عندما عادت بها
_ رچعتي ليه؟
نظرت نعمة من النافذة لتنادي على أخيها
_ ياحامد تعالى دخل الجهوة.
ابتسم حامد وأومأ لها بتفاهم لعلمه بمدى غيرة جواد على حريم منزله حتى لو كانت مجرد عاملة.
نظرت إلى والدتها قالت بتفاهم
_ ما انتي خابرة چواد بيه مبيرضاش يخلي واحدة منينا تدخل حاچة للضيوف.
_ بس ده ابن عمه وانتي متربية معاهم مش اول مرة هيشوفك يعني.
دلف حامد ليأخذ القهوة وقال بجدية
_ بس خلاص مبقناش شغلين عنديهم يبقوا أغراب عنينا دلوقت.
خرج حامد من المطبخ ونظرت نعمة إلى والدتها قائله بتأثر
_ جواد بيه ميستهلش واصل اللي عملوه فيه ده، حجيجي ربنا ينتجم منهم.
نهرتها والدتها بحدة
_ ملكيش صالح انتي.
في الداخل
وضع حامد القهوة ونظر إلى جواد وسأله
_ حاچة تاني يا بيه؟
رد جواد بامتنان
_ لأ ياحامد اتفضل انت.
نظر جواد إلى خالد وتابع
_ والمطلوب؟
أخذ خالد قهوته يرتشف منها بهدوء وتمتم بفتور
_ زي ما جولتلك تقنع چدي بأني افتح المكتب ده في القاهرة ومرجعش البلد تاني.
_ بس انت خابر زين إني جطعت علاجتي بالقصر واللي فيه.
تطلع خالد إلى قدم جواد وتحدث بمغزى
_ انتو مكبرين الموضوع بزيادة وده كان قضاء وقدر وكل واحد أخذ چزاءه.
حاول جواد الثبات أمام مغزى حديثه ورد بجمود
_ انا جولت اللي عندي، خرچني بره حوراتكم دي اني مليش صالح بيها.
انفعل خالد من رفضه فهو يعلم بأنه الوحيد الذي باستطاعته اقناع جده بما يريد لمدى تعلقه به وقال بحقد خفي
_ ما انت لازمن تجول إكدة بعد ما آمنت حالك بالمزرعة.
نهض من مقعده وغادر تاركًا جواد ينظر في اثره بجمود وحزن داخلي على أخته الذي طالها نفس المصير
نظر في ساعته فوجدها الحادية عشر
خرج إلى الحديقة ليجلس بها قليلًا ربما هواها العليل يخفف من وطئة ضغوطه
جلس على المقعد وهو يشعر بألم شديد في ساقه مما جعله يضعها على المقعد المقابل له ربما يخفف من ضغطه عليها
لمحات من الماضي دارت بخلده وهو يتذكر ما مر به من قسوة الأقدار
وكأن صدمة واحدة لا تكفي تلاها الكثير والكثير منها
أخرجه من شروده رنين هاتفه ليجدها ياسمين أخته
لابد أنها تهاتفه كي تؤكد عليه لقاء غد
فتح هاتفه ليجيب عليها لكن الكلمات تهات منه عندما سمع بكاء طفله والذي اشتاقه حد الجنون وصوت ياسمين وهي تحدثه
_ ازيك ياچواد؟
حاول تنظيم انفاسه التي انقطعت بسماع صوته وحمحم كي يخرج صوته ثابتًا
_ بخير يا ياسمينا عملتي ايه؟
أجابت بارتباك
_ هعمل ايه يعني غير اللي اتفجنا عليه، كدبت عليهم وجولتلهم إنه عنده تطعيم بكرة وهروح بنفسي أطعمه
بس أنا خايفة جوي من مرات عمك، انت عارفها مبترحمش حد ومحدش بيجدر يجف جدامها حتى أبوك
تحدث بهدوء رغم النار التي تعتمل بداخله
_ اعملي اللي جلتلك عليه من سكات وبكرة هنتجابل وهجولك تجولي ايه بالظبط.
أغلق الهاتف دون أن يستمع ردها ونهض من مقعده ودلف للداخل وهو ينادي ام نعمة
_ أم نعمة
خرجت أم نعمة من المطبخ لترد عليه باحترام
_ أيوة ياابني احطلك الوكل؟
سألها باقتضاب
_ البنت اللي جلتلك عليها چاهزة؟
اجابت على مضد
_ ايوة چاهز وبكرة الصبح هتكون اهنه.
لم يتفوه بكلمة أخرى وصعد إلى غرفته ليبدل ملابسه ويريح قدمه قليلًا
استلقى على الفراش لتعود إلى ذهنه ذكريات الماضي الأليمة والتي أبت تركه وظلت ملازمة له أينما هرب منها
نظر إلى جواره فتقع عيناه على صورة ابنه الموضوعة على المنضدة بشوق وقد طال البعد وأرهق قلبه
غدًا سيراه ولن يستطيع أحد بعد الآن أن يفرق بينهم.
وضع الإطار مكانه ثم قام بفك القدم الصناعية ووضعها بجوار الفراش واستلقى يناشد النوم الذي بدوره لا يرأف به ويظل يعذبه حتى الصباح
❈-❈-❈
استيقظت توليب على صوت المنبه
أخرجت يدها من تحت الغطاء وظلت تتحسس حتى وصلت لهاتفها وقامت بأغلاقه بملل.
أزاحت الغطاء عن رأسها ونهضت بتكاسل لتدلف المرحاض ثم خرجت بعد قليل لتبدل ملابسها وتضع النقاب على وجهها استعدادًا للذهاب إلى الجامعة
خرجت من غرفتها لتجد والدتها وزوجها يتناولون افطارهم فتقدمت منهم لتقبل رأس والدتها وتبتسم عينيها قبل شفتيها لزوج والدتها المحب وتقول بمرح
_ أحلى صباح لأحلى بابا في الدنيا.
هز توفيق رأسه بنفي رافضًا اي كلمة منها وغمغم باستياء
_ متحاوليش لأني برضه مش مسامحك
نظرت إلى والدتها وتمتمت بامتعاض
_ ماما متقولي حاجة.
نهضت سلوى دالفة المطبخ وهي تتحدث بلا مبالاه
_ مليش دعوة بيكم انتو حرين مع بعض.
خرج تميم أخيها من غرفته وهو يتثاءب وتمتم محبطًا إياها
_ ريحي نفسك مش هيكلمك، انا لو مكانه مبصش في خلقتك تاني.
نهره توفيق
_ بس ياولد متدخلش.
نظر إلى توليب وتحدث ببرود
_ وانتي اتفضلي على كليتك يلا.
زمت فمها بغيظ منه وحملت حقيبتها وهي تتمت بتوعد
_ ماشي عشان أخرت؛ بس رجعالك.
خرجت توليب من الشقة بترقب خوفًا من مصادفته والتعرض لكلماته المشمئزة مرة أخرى
أسرعت للتوجه إلى المصعد وانتظرت حتى يصل إليها ثم تفاجئت به يخرج من شقته
انقبض قلبها خوفًا واسرعت بالعودة إلى شقتهم لكنه كان أسرع إليها وجذبها من ذراعها ودفعها على الجدار لينظر إلى عينيها الظاهرة من خلف النقاب وتمتم برغبة
_ مش ناوية تحني عليا؟ أنا خلاص من وقت ما شوفتك من غير النقاب وانتي نغششتي جوايا.
دفعته توليب تبعده عنها وغمغمت باشمئزاز
_ ابعد عني لأصرخ والم عليك الناس.
ضحك بتهكم وقال باستهزاء
_ اصرخي وخلي جوز امك وأخوكي ييجوا وانا اعرف شغلي معاهم، دا غير وشك الجميل ده أحلوه أكتر بمياة نار ولا …..
شعرت بالخوف من تهديده ودعت ربها أن ينقذها من ذلك الرجل
_ ها ياقمر قولتي ايه؟ هتوافقي تتجوزيني ولا أنفذ تهديدي اللي قلتلك عليه.
همت بالرد عليه لكنه ابتعد عنها مسرعًا وعاد إلى شقته حينما انفتح الباب وخرج منه توفيق
فاندهش عندما وجدها على تلك الحالة فتقدم منها يسألها بقلق
_ مالك ياتوليب واقفة كدة ليه
لملمت شتاتها وتحدثت بتلعثم
_ ها.. لا انا بس مستنية الاصانسير
خرج الرجل حينها من شقته وتظاهر بالاحترام وهو يقول بابتسامة
_ صباح الخير ياعمي
رد توفيق باقتضاب وهو يشير لتوليب بالولوج للمصعد
_ صباح النور، يلا يابنتي
دلفا المصعد ودلف الرجل معهم تحت نظرات توفيق الممتعضة
أما هي فظلت تتخفى خلف توفيق حتى توقف المصعد وانفتح الباب.
خرجت مسرعة ما أن فتح الباب ولم تنتبه لصوت توفيق الذي يطلب منها الانتظار وأوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق الانطلاق.
وصلت إلى الجامعة فهي في سنتها الأخيرة في كلية العلوم وتجتهد على أمل أن تتعين معيدة في الجامعة
انهت محاضراتها وخرجت من الجامعة بصحبة إلين صديقتها والتي لاحظت عليها العبوس فسألتها
_ اوعى تقولي إن الحيوان ده ضايقك تاني؟
هزت رأسها بالايجاب فغمغمت الين باستياء
_ انا مش فاهمة انتي ساكته عليه ليه، مستنية ايه عشان تقولي لعمك ولا لأخوكي؟
توقفت توليب ونظرت إليها برفض
_ مش هينفع اقول لحد، تميم متهور وممكن يعمل فيه حاجة ويأذي نفسه وعمي مريض ومش هيقدر يقف قدام واحد زي ده فالافضل إني اتحمل اليومين اللي هيقعدهم هنا لحد مهمته دي متخلث
تنهدت الين باستسلام
_ يابنتي انتِ عاملة له قيمة كدة ليه ده مجرد آمين شرطة ميقدرش يعمل حاجة نصيحة ليكي لازم تعرفي حد منهم متضمنيش باباكي المرة دي انقذك منضمنش تتكرر تاني ومتلقيش حد ينقذك
تنهدت بتعب وقالت باستسلام
_ خليها على الله، المهم متعرفيش أخبار عن ياسمين بقالي فترة بكلمها بلاقي فونها مقفول، حاسة اني مفتقداها أوي
_ وانا كمان من وقت ما حضرنا فرحها في الصعيد مشفنهاش تاني وفجأة قفلت فونها
بس ايه رأيك لو نسافر تاني ونروحلها نطمن عليها؟
_ ياسلام ده عمي وافق على الفرح بالعافية وشوفي كان عينه علينا ازاي لما راح معانا.
_ عشان بالنسبة ليه كانت ناس غريبة بس هو شاف بنفسه قد ايه ناس كويسين.
_ مش عارفة بقا خلينا نكلمه بعد الامتحانات ونشوف رأيه، مع انه لسة رافض يكلمني.
ضحكت الين وقالت
_ لسة برضه
أومأت لها
_ اه كأني عملت جريمة مش سحبت فلوسي من البنك
_ بس انتي برضه غلطتي، انتي كدة بتقوليله كفاية عليك لحد كدة واتفضل خد تمن اللي صرفته عليا
نفت توليب
_ لا طبعاً مكنتش اقصد كدة.
_ بس هو فهمها كدة، وخصوصاً أنه فعلا بيعتبرك زي بنته وهو اللي مربيكي وانتي عمرك سنتين، ياتوليب ياحبيبتي الأب اللي يربي مش اللي يخلف بس، وبعدين انا بحس أنه بيحبك أكتر من تميم ابنه اللي من صلبه فمتجيش تبوخي في الآخر.
زمت فمها بضيق وقالت بتأييد
_ عندك حق انا هحاول معاه النهاردة ومش هسيبه إلا لما يرضى.
توقفت السيارة أمام الفتاتين
_ ازيكم عاملين ايه يابنات؟
ابتسمت إلين لأخيها وقالت لتوليب
_ ادهم جاه تعالي اركبي معايا واخليه يوصلك.
رفضت توليب باحراج
_ لأ طبعًا مش هينفع
أخذتها إلين عنوة وهي تقول بإصرار
_ بقولك يلا متبقيش رخمة.
لم تستطيع توليب الرفض أمام إصرارهم واستقلت المقعد الخلفي وجلست إلين بجوار أخيها وانطلق ادهم بالسيارة حتى اوصلها أمام البناية
تحدثت بامتنان وهي تترجل منها
_ متشكرة اوي يا مستر أدهم
رد أدهم بروية
_ على ايه؟ انتي زي إلين.
انطلق ادهم بسيارته وهمت توليب بالولوج داخل البناية لولا صوت حسين الذي أوقفها
_ ما انتي حلوة أهه وبتركبي عربيات مع رجالة أومال عاملة فيها شريفة قدامنا ليه.
شعرت بالاحراج لنعته لها أمام المارة وأرادت الرد عليه لكنها لم تقوى على الوقوف أمامه وهمت بالولوج للداخل لكنه وقف أمامها يمنعها
_ ولا احنا عشان معندناش عربيات يعني.
قال آخر
_ دا النقاب ده بيداري بلاوي والاسم تدين.
كان توفيق عائدًا من عمله عندما تفاجئ بما يحدث فتقدم من توليب يسألها
_ توليب! واقفة كدة ليه؟
تحدث حسين بمغزى
_ لا احنا بس بنطمن عليها لأننا لقيناها نازلة من عربية واحد غريب قولنا لتكون تعبانه ولا حاجة
انفعل توفيق من حديثه وقالت توليب بتصحيح
_ لا والله انا كنت مع إلين صاحبتي…..
قاطعها توفيق وهو ينظر إليهم بحنق
_ متبرريش انا واثق فيكي كويس أوي وعارف أنا ربيت بنتي ازاي
وجه حديثه للجميع
_ كل واحد فيكم يخليه في حاله لأن اللي هيجيب سيرة بنتي بكلمة هيبقى هو الجاني على روحه.
ثم أخذها وصعد بها إلى شقتهم.
دلفت توليب وخلفها توفيق وقد شعرت بأنها اخطأت حقًا عندما وافقت إلين بتطوع أخيها لتوصيلها، واعطت لذلك الرجل الفرصة كي يعرضها لذلك الموقف
اغلق توفيق الباب وتطلعت إليه توليب بخجل وهمت بالتحدث لكنه منعها
_ متقوليش حاجة انا عارف انك مكنتيش لوحدك معاه بس فكرة انه يوصلك غلط احنا في مجتمع شرقي وليه قيوده واحنا لازم نلتزم بيها ومنديش فرصة لأي حد أنه يمسك علينا غلطة وياريت متتكررش تاني
لم تجادله بل أوم?
#رواية_الـتـل
رانيا الخولي
الفصل الثاني
………….
وقفت ياسمين امام الخزانة لتخرج ملابس ترتديها كي تذهب للوحدة كما اتفقت مع جواد
خرج خالد من المرحاض ليجدها تنتقي الملابس بعناية القى المنشفة على المقعد ووقف أمام المرآة يهندم ملابسه وسألها بفتور
_ كل ده عشان رايحة الوحدة؟
ردت بفتور مماثل وهي تخرج عباءة سوداء تمتاز بالرقي
_ انا خارجة سواء بقا رايحة الوحدة او هتمشى شوية مش هتفرق
القى الفرشاة من يده وتقدم منها كي يمنعها من ارتداء عباءتها ليس رغبةً بها بل لأجل وضع ملكيته عليها طلاما لم يستطيع وضع ملكيته على قلبها
_ ما تأجلي المشوار ده شوية.
ازدردت لعابها بوجل وتمتمت برهبة
_ بس كدة هأخر على ميعاد التطعيم ….
قاطعها وهو يجذبها إليها
_ مفيهاش حاچة لو آخرتي شوية
لم يعطيها فرصة للاعتراض وأخذها إجبرًا كما اعتادت منه.
ترجلت ياسمين على الدرج وهي تحمل ذلك الصغير والذي يبلغ من العمر عام ونصف
توقفت بوجل على صوت حماتها وهي تسألها بترقب
_ اخده الولد ورايحة على فين إن شاء الله يامرات ابني.
انقبض قلبها خوفًا والتفتت إليها وهي تحاول الثبات أمام تلك المرأة الظالمة فتمتمت بثبات لا يخلو من الارتباك
_ ها.. انا رايحة اطعم يزن زي ما جولتلك امبارح يامرات عمي.
ترجلت كريمة حتى وصلت للدرجة التي تقف عليها ياسمين وغمغمت وهي تنظر داخل عينيها
_ واشمعنى المرة دي اللي مصرة تودية انتي؟
رمشت بعينيها وتمتمت برهبة
_ انتي عارفة انه متعلج بيا ومش بيسكت مع حد غيري وبعدين متنسيش اني ابقى عمته
ساورها الشك لكنها أومأت برأسها وأشارت لها بالذهاب
وهي تراقبها بعينيها حتى خرجت من المنزل.
خرجت ياسمين وهي تتنهد براحة لتخلصها من اسئلة تلك المرأة
لتتفاجئ به بجوار السيارة يفتح لها الباب.
اهتزت نظراتها وانتفض قلبها خوفًا من مشاعرها التي مازالت كما هي لم تستطيع التغلب عليها.
أما هو فقد اخفض عينيه منتظر صعودها للسيارة وحاله ليس افضل من حالها
تعاهد كلاهما على الفراق والتزموا به لكن قلوبهم أبت الاعتراف بذلك وظلت على عهدها القديم بأن يظلوا على نهجم مهما فرق بينهم القدر
تنفست بقوة تحاول التحلي بها وألا تضعف أمام سطوة قلبها وتقدمت لتستقل المقعد الخلفي وهي تحمل يزن في سكون تام.
أغلق الباب بعد أن استقرت في مقعدها وسرعان ما جلس في مقعده وانطلق بالسيارة إلى وجهتها بناءً على أمر جواد الذي جعله عينيه الأخرى في ذلك القصر
التزم الصمت وعينيه تنظر إلى الطريق دون أن تنزاح من عليه.
عليه الثبات رغم صعوبة الأمر فهو من أخطأ من البداية عندما سمح لقلبه بعشق حُكم عليه بالفشل قبل بدايته
أما هي فقد كانت تنظر من النافذة بشرود تخبر نفسها بأنها أقوى من ذلك وستستطيع التغلب على ذلك العشق المحرم
فهي ليست خائنة ولن تكون.
وقف جواد أمام الوحدة ينتظر قدوم ابنه على أحر من الجمر
فقد مر عام لم يلمح فيه طيفه سوى بالفيديوهات التي تبعثها إليه ياسمين
اليوم سيضع حد تلك المهزلة ولن يستطيع أحد ردعه.
توقفت السيارة أمام المبنى وترجلت منها ياسمين وهي تحمل الطفل
تقدم منها جواد وهو يسألها بفتور
_ آخرتي إكدة ليه؟
اندهشت ياسمين وهي تتطلع إليه وكأنها ترى شخص آخر غير جواد أخيها الذي يتسم بالطيبة والحنان
فتجد أمامها عيون جامحة يحرق لهيبها من تقع عليه نظرته، فردت بوجل
_ ما انت خابر مرات عمك محدش بيعرف يخرچ الا بـ سين وجيم منيها.
أومأ بجمود وأشار لها بالتقدم كي يتم التطعيم.
كانت تنظر إليه بين الحين والآخر وتندهش من حاله، فقد تبدل حقًا ولم يعد أخيها الذي كانت تشعر معه بالأمان.
لم تراه منذ ذلك الحادث حتى أنه رفض أن تظل معه كي تعتني به في مصابه.
انتهى التطعيم وخرجت ياسمين معه لكن تلك المرة هو من يحمل صغيره والذي لم يكف عن البكاء منذ حمله
قالت بتعاطف
_ معلش ياجواد اصله أول مرة يشوفك.
هز راسه بتفاهم وغمغم بثبات
_ اركبي انتي وملكيش صالح انا هعرف اسكته
اندهشت ياسمين وسألته
_ تجصد ايه مش فاهمة؟
فتح جواد باب السيارة ودفعها عنوة وأغلق الباب وهو يقول بأمر
_ روحي انتي.
حاولت فتح الباب وهي تقول بهلع
_ انت هتعمل ايه يامچنون مرات عمي لو عاودت من غيره هتجتلني
اشار جواد للسائق بعينيه أن ينطلق وقال بثبوت
_ قولي لچدي إن جواد أخد ابنه
وإن كريمة كلمتك جوليلها اخبطي راسك في اجدعها حيطة
انطلقت السيارة وياسمين تصرخ بالسائق أن ينتظر لكنه لم يستمع لها
حاولت الاتصال مرارًا وتكرارًا لكنه لا يجيب
نظرت إلى آدم بغضب وغمغمت بتوعد
_ وديني لما اوصل الجصر لجلبه على دماغك.
نظر آدم إليها في المرآة ورد بثبوت
_ انا عبد المأمور وجواد هو اللي أجبرني اعمل أكدة.
ضغطت ياسمين على اسنانها تحاول البحث عن مخرج من تلك المصيبة التي اوقعت نفسها بداخلها وتمتمت بوجل
_ هجول ايه دلوجت لمرات عمي؟
تطلع إليها آدم في المرآة وأراد أن يطمئنها بطريقته كما كان يفعل فيما مضى لكن قضي الأمر ولم يعد باستطاعته حتى التفكير بها، لكنه عاهد قلبه بأن يظل رافضًا إخراجها منه ما حييت.
❈-❈-❈
_ انتي بتجولي ايه يامخبولة انتي؟
قالتها كريمة وهي تهدر بها عندما تفاجئت بها عائده دون حفيدها وأخبرتها بأن جواد أخذ الطفل منها عنوة فتتدخل فادية لتدافع عنها
_ وهي ذنبها ايه بس ياكريمة، بتجولك أنه اخد الواد من يدها بالغصب، كانت هتعمل ايه يعني.
تلاعبت الشياطين أمامها وعقلها يدفعها للذهاب إليه وأخذ حفيدها بالقوة منه لكن خروج حسان من مكتبه جعلها تتراجع
_ في ايه ياكريمة صوتك عالي في الدار ليه؟
تقدمت منه جليلة لتقول باحتدام
_ جواد خطف حفيدي وبيجول انه مش هيرچعه تاني يرضيك ياعمي إكدة؟
عقد حاجبيه مندهشًا ونظر لياسمين يسألها
_ ايه اللي حصل يا ياسمين ومن غير ما تخبي حاچة لإنك خابره زين إن مفيش حاچة بتخفى عليا.
ارتبكت ياسمين ونظرت إلى فادية تستنجد بها فتحسها بعينيها أن تخبرهم الحقيقة، فنظرت إلى جدها لتقول بوجل
_ والله يا چدي أنا مليش ذنب، هو اللي بجاله فترة بيطلب مني يشوف ابنه بس انا كنت برفض وبعدها كلمني وجالي أنه مسافر وعايز بس يشوفه جبل ما يمشي.
قاطعتها كريمة بغضب
_ وانتي صدجتية ياخايبة؟
اوقفها الجد بحدة
_ كريمة.
التزمت الصمت ليس وجل منه بل لأنها لا تريد كسب عداوته الآن حتى يجبر جواد بارجاع حفيدها
تحامت ياسمين خلف فادية وتمتمت برهبة
_ واني كنت هعرف منين أنه ناوي يعمل إكدة، اني صدجته لما جالي انه هيشوفه ويمشي على طول.
هز عامر رأسه وأشار لها بالانصراف فتصعد إلى غرفتها مسرعة وهي تلعن جواد بداخلها.
نظرت كريمة إلى حسان وسألته بحيرة
_ هتعمل ايه ياعمي؟
ضرب بعصاه الأرض وتحدث بقوة
_ مش عايز حديت تاني في الموضوع ده؟
عقدت حاجبيها بدهشة ودنت منه تسأله
_ حديتك ده معناه ايه؟
_ يعني ده ابنه وأخده ومحدش يجدر يمنعه.
صدمت من رده بعد أن أمر بترك الطفل معها كي يعوضها عن فقدان ابنتها فكيف إذًا يترك صفها الآن
_ يعني انت موافجه في اللي عمله وانت خابر زين انه عوضي عن موت بنتي اللي حفيدك جتلها؟
تطلع إليها بغضب لصوتها الذي عالى على صوته وهتف بحزم
_ صوتك ما يعلاش وده أولًا
وثانيًا مش رايد حديت في الموضوع ده نهائي.
دنى منها أكثر وتابع بسخط
_ وأوعي تكوني فاكرة إنك أخدتي الولد عشان يعوضك والكلام اللي بتضحك بيه على چوزك وخلتيه يمشي كيف الخروف وراكي، لا أني خابر زين إنك عملتي إكدة بس عشان تكسري حفيدي بس سيبتك وجلت بكرة تعجل بس انتي كل مدى ما بتطغي فيها ومن بعد النهاردة محدش له كلمة في الموضوع ده.
تركها ودلف غرفة مكتبه وعينيها تنظر في اثره بغضب جحيمي
لن تتركه يفرح بنصره عليها وستحاول بشتى الطرق كسر شوكته كما كسرها هي بقتل ابنتها.
❈-❈-❈
دلف جواد منزله وهو يحمل ابنه الذي لم يكف عن البكاء خوفًا من ابيه والذي لم يراه من قبل مما جعله يزداد سخطًا عليهم.
نادى بصوته الحاد
_ أم نعمة.
خرجت ام نعمة من المطبخ لتتفاجئ به واقفًا يحمل ابنه الذي يبكي بشدة فنظرت إليه بعتاب تلاشاه هو وتحدث آمرًا
_ خدي الولد سكتيه وابعتي للمربية خليها تاچي دلوجت
أخذت الطفل من يده وقالت بطاعة
_ حاضر ياولدي.
أخذت الطفل وذهبت به إلى الغرفة التي خصصها له من قبل وحاولت تهدئته حتى تعب من البكاء ونام باكيًا
دلفت نعمة لتجد والدتها تضعه في الفراش فسألتها بهمس
_ نام؟
اشارت لها والدتها بالصمت وجذبتها وخرجت من الغرفة.
سألتها
_ كلمتي البنت ولا لسة؟
ردت بهدوء
_ اه كلمتها وجالت انها مش هتجدر تاچي وهتبعت واحدة غيرها وزمانه على وصول
_ طيب روحي عرفيه وربنا يستر
بحثت عنه لتجده واقفًا في حديقة منزله يتحدث مع أحد رجاله
انتظرت حتى أنهى تعليماته ثم سألها بعينيه عن سبب وقوفها فقالت بارتباك
_ البنت اللي طلبتها مش هتجدر تاچي وجالت إنها هتبعت أختها
زم فمه باستياء وهو يعصر الهاتف بيده ثم سألها
_ مش البنت دي متزوچة؟
_ لا اطلجت من فترة إكدة ورچعت البلد.
التزم الصمت قليلًا ثم تحدث بانفعال
_ طيب روحي دلوجت
انصرفت نعمة ونادى هو على حامد الذي آتى مسرعًا
_ نعم يا بيه
قال بأمر
_ ساعة بالكتير وتچيبلي أخبار البنت اللي چاية دي.
أكد حامد
_ نص ساعة وهچبلك كل أخبارها
❈-❈-❈
انتهت حياة من وضع ملابسها داخل الحقيبة وقامت بحملها وهي تنظر بوجل إلى منى
_ انا بجيت چاهزة يلا معاي عشان تعرفيني الطريج.
نظرت منى بحزن على حال أختها وقالت بتأثر
_ بلاش تروحي الله يرضى عليكي، اني جلجانة جوي من شغلك معاه.
تنهدت حياة بحزن وتمتمت بشجى
_ وهو يعني اللي ارتاحنا ليهم عملوا ايه؟ ضحكوا علينا والآخر خطف ابني وهرب بيه، خلينا اشتغل يمكن الشغل يعوضني عن فراج ابني.
ربتت منى على كتفيها وقالت بثقة
_ إن شاء الله ربنا هيرجعهولك سالم غانم وينتجم من اللي كان السبب.
أومأت لها حياة وخرجوا كلاهما من المنزل متجهين إلى تلك المزرعة.
❈-❈-❈
وقفت حياة أمام بوابة المزرعة وهي تشعر برهبة وشعور غريب
وكأن هذا المكان هو ملاذها الذي كانت تبحث عنه
فتح الباب وخرج منه وهدان أحد رجال جواد المخلصين يسألها
_ خير؟
اهتزت نظراتها بوجل وردت بتردد
_ أ..أنا.. المربية اللي طالبها جواد بيه.
هز رأسه بتذكر وقام بفتح الباب وهو يقول بترحيب
_ يا أهلًا اتفضلي.
ردت باحترام وهي تدلف للداخل
_ يزيد فضلك
أمر الرجل المكلف بحراسة البوابة وقال بأمر
_ اجفل البوابة ووصلها للبيت چوه.
خرج وهدان وأغلق الرجل الباب خلفه
_ اتفضلي يا بنتي تعالي معايا.
ابتسمت بروية وسارت خلفه وهو يتقدمها كي يصلها إلى داخل المنزل حتى وصل لاعتابه ونادي
_ يا نعمة
خرجت نعمة من المنزل وهي تحكم الغطاء على رأسها جيدًا و ترد عليه
_ ايوة يابا چاية.
اشار لها على حياة
_ خدي …
نظر إليها يسألها عن اسمها فأجابت بثبات
_ حياة.
_عاشت الأسامي يابنتي، خديها يانعمة وخليها تجابل چواد بيه.
_ من عينيه.
سارت حياة بجوارها لتدخل ذلك المنزل الكبير وعينيها تجوب المكان برهبة.
ماذا ينتظرها هنا؟
طرقت نعمة الباب وسمعت صوته الحاد الذي أجفلها وهو يسمح لهم بالولوج، فإذا كان بتلك الحدة وهو يسمح لهم بالدخول فماذا يكون حاله عندما يغضب
دلفت الغرفة وقلبها يدق بعنف وأخذت عينيها تجوب الغرفة حتى سقطت عينيها عليه
وهو واقفًا أمام الشرفة يوليهم ظهره وعندما استدار
وجدته حقًا كما تخيلته بتلك العيون الحادة وفمه القاسي وقطبت جبينه التي استلذة موضعها وأقسمت ألا تتركه.
قاطعت نعمة تفكيرها وهي توجه حديثها إليه
_ دي المربية اللي جنابك طلبتها.
نظر إليها بوجوم ولم يحتاج أن يسألها عن شيء وقد أخبره حامد بكل ما يتعلق بها كما إن حالتها وعيونها التي تقطر حزنًا تخبرهم بحقيقة مرة عاشت بها تلك الفتاة فعمرها لا يتعدي الثانية والعشرون كما أخبره حامد لكنها تبد كوردة ذابلة في مهب ريح
فتحدث بجمود
_ اظن إن حامد اتفج معاكي على كل شيء وخبرك باللي هتمشي عليه.
رمشت بعينيها مرات متتالية تحاول الثبات أمامه وقالت بخفوت
_ أيوة خبرني.
أومأ لها ثم أشار لهم بالانصراف وظل يتبعها بعينيه حتى خرجت من الغرفة
صعدت حياة بصحبة نعمة إلى غرفة الصغير وعينيها تجوب المكان بحثًا عنه حتى وقع نظرها عليه وهو نائم في فراشه وآثار البكاء واضحة عليه
ابتسمت وهي تتقدم منه بتروي تملي عينيها منه وكأنها ترى به وحيدها
مدت يدها لتتحسس خصلاته الفاحمة كخصلات أبيه
جال بخاطرها عينيه الآسرة والتي رآت خلف جفاءها وقوتها حزن دفين حصيلة أعوام عديدة من الآلام
انتبهت على صوت نعمة التي تسألها
_ حياة مبترديش ليه؟
تطلعت إليها وهي تجيب بتيهه
_ ها
تعجبت نعمة وردت بروية
_ بجولك إن چواد بيه سمحلك إنك تباتي معاه لحد ما يتعود عليكي.
أومأت برأسها وتطلعت إلى نعمة وهي تخرج وتغلق الباب خلفها فعادت بنظرها إلى يزن لتملس على خصلاته وهي تقول بحب
_ قد ايه بريء زي الملايكة بكرة الدنيا تصنع منك وحش كيف الوحوش اللي عايشين وسطيهم بس انا مش هسمحلها تحولك زييهم.
❈-❈-❈
اسرعت للذهاب إلى المشفى الخاصة بهم تتأكد من ذلك الخبر الذي دمر كل شئ وقد كانت الصدمة التي قضت عليها وهي تستمع لصرخات عمته ونحيب ابوه
اغمضت عينيها والشعور بكل شئ ينهار من حولها يزداد ويزداد
تساقطت الدموع منها بغزارة ولم تجد سوى ذلك الجدار التي ألقت حملها عليه وتبكي بكاءً يمزق القلوب
ليتها لم تتركه يذهب، بل ليتها كانت معه وانتهت حياتهم معًا
بكت كما لم تبكي من قبل ولم تجد من يواسيها
ويخفف عنها مصابها
انتهت الحياة بالنسبة لها ولم يعد لها معنى بعد فراق ذلك الحبيب
وضعت يدها على جوفها تتحس قطعة منه لتكون الذكرى الوحيدة المتبقية لها
ها هو يخرج موضوعًا على ذلك الحامل مغطي الوجه والجميع يلتف من حوله ماعدا هي
رغم انها الأحق به منهم
جلست على الأرضية الصلبة وسمحت لصرخاتها بالانطلاق لتحكي للمارة مدى العناء التي بثته في تلك الصرخات
صخرت وبكت ونادته لكن ما من مجيب
وظلت صرخاتها تمزق قلب من يقع سمعه عليها حتى تراخت بين يدي الممرضات الذين رأفوا بحالها ووضعوها في إحدى الغرف بعد فقدانها للوعي.
أما والدتها فقد ظلت تباشر عملها في سكون تام ظن الجميع بأنه حزنًا على ابن سيدها
ولم يدري أحد بمصابها
ماذا تفعل الآن؟
هل تخبره وتتعرض للعواقب
أم تصمت وتداري عار ابنتها بيدها
فهي أكثر من يعلم بهؤلاء لا تعرف الرحمة لقلوبهم طريق.
تتذكر جيدًا مدى قسوتهم على زوجته والتي تركت ابنها وفرت هاربة من براثينهم وعادت لبلدتها في الصعيد
فهل سيقبل والده ذلك المتحجر بزواج ابنه الوحيد من ابنة الخادمة
وبعد موته هل سيقبل بذلك الطفل الذي يعد حفيدًا غير شرعيًا أمام مجتمعه؟!
دلفت سعاد لتقول برجاء
_ معلش ياأم نور روحي انتي قدمي القهوة لولدته واللي جايين معها
أومأت لها بصمت فعادت تسألها
_ أومال فين نور كانت جات ساعدتنا
انقبض قلبها خوفًا عليها فلم تدري عنها شيء منذ ما حدث
فقالت بثبات رغم خوفها
_ أكيد في البيت لأنها كانت تعبانة أوي امبارح.
نهضت نادية وقد شعرت بالدوار حتى كادت أن تسقط
أسرعت سعاد تساندها وقالت بقلق
_ مالك يانادية؟ انتي اخدتي الأنسولين
استجمعت نادية قواها وتحاملت على نفسها وهي تتمتم بثبات
_ اه أخدته متقلقيش انا كويسة
في بهو المنزل كانت والدته تجلس على المقعد في وجوم وعينيها تزرف الدموع في صمت مطبق
فقد فارقها فلذة كبدها دون أن يسمحوا لها بوداعه
فقط اكتفوا بتلك الكلمة(تعالي خدي عزا ابنك)
وكأنهم يخبروها من باب العلم بالشيء
لكن هي من أخطأت حينما تركته بين ايديهم ولم تحارب كي تسترده منهم، سيظل الندم حليفها منذ اليوم
تقدم منها أحدهم وقال بثبوت
_ يلا ياأمي بكفياكي جعاد عنديهم.
رفعت عينيها التي غشاها الدموع إليه واستجابت ليده التي ساعدتها على النهوض واسرعت سلمى تساندها وكذلك هيام اختها ووالدت سلمى فتتمتم بحزن على حال أختها
_ شدي حيلك ياآمال ربنا يصبر قلبك
اخذاها للخارج وساعدها على الصعود للسيارة وقال مراد لزوجته
_ خليكي جانبها لحد ما ارن على مؤيد
نظرت سلمى لوالدتها وسألتها
_ ماما هتيجي معانا؟
ارتبكت هيام وقالت بتسويف
_ لأ، سافروا انتو وانا هاجي مع باباكي إن شاء الله.
اومأت سلمى وعلمت بأن والدها رفض ذهابها معهم
فاستئذنت منهم وذهبت إلى حيث ينتظرها زوجها.
صعدت سلمى بجوار آمال وأخذت تنظر إلى والدها الذي ذهب دون أن يطلب رؤيتها
ماذا فعلت لتستحق ذلك العقاب.
هل لأنها أحبت ابن خالتها وأختارته هو بدل ابن صديقه، أم لأنه ناقمًا على خالتها التي تركت صديقه وتزوجت غيره.
ابتعد جواد عنهم قليلًا كي يهاتف أخيه
_ أيوة يا مؤيد يلا عشان راچعين البلد
_ …..
تحدث بانزعاج
_ انت مش شايف معاملتهم لينا كأننا چايين نتطفل عليهم.
_…..
طيب يلا جوام عشان نلحق نعاود
اغلق الهاتف وعاد لسيارته ولم يمضي دقائق حتى جاء مؤيد واستقل مقعده وانطلقوا عائدين إلى بدلتهم
واثناء عودتهم
حاولت آمال التحلي بالصبر كي لا يضيع أجرها ويجعل الله من صبرها نصيبًا من جنة الخلد بقصر فيها كما وعدنا
لم يستطيع أحد التفوة بكلمة وظلوا على صمتهم كلاً في واديه
فهي حقًا فاجعة لهم جميعاً وسيترك جرحها اثرًا قويًا لن تمحوه السنين
عادوا إلى منزلهم ليقيموا عزاء في بلدتهم
وقلوبهم تحترق شوقًا على قطعة منهم.
في منزل حمدان
وقفت سهر امام غرفة والديها تنتظر خروجهم على أحر من الجمر وقلبها يتمزق على حبيبها
لابد أن تنهي خصامهم وتعود إليه لتقف بجواره.
خرج حمدان وزوجته ليجد ابنته تقف على جمر ملتهب فأسرعت إليه تقول
_ يلا يابا بسرعة افتح الدار جبل ما يوصلوا
أومأ له وتحدث برزانة
_ يلا يابنتي ربنا يصبر جلوبهم عليه
خرجت مع والديها وتركت طفلها مع اختها حتى ينتهي العزاء
وفور وصولهم للمنزل أمر حمدان رجاله بتجهيز كل شيء خاص بالعزاء
وكذلك سهر التي ساعدتها والدتها
وقد شعرت بتأنيب ضميرها لعدم تواجدها معهم في تلك المحنة.
عادوا جميعاً إلى المنزل فيجدوا أهل البلدة في انتظارهم كي ينعوا مصابهم.
أما سهر فما إن رأت حماتها حتى دنت منها تقبل رأسها بحب
_ البقاء لله ياأمي.
بصوت بالكاد يخرج ردت آمال
_ ونعم بالله.
ساندتها هي وسلمى واجلسوها على المقعد وظلوا بجوارها لم يفارقوها لحظة واحدة.
❈-❈-❈
دلفت لبنى الغرفة لتجد نور تنهض من الفراش فأسرعت إليها تمنعها
_ رايحة فين يانور انتي لسة تعبانه.
ردت نور بإصرار وهي ترتدي حذائها
_ لازم اروح لابوه واحكيله على كل حاجة.
امسكت حقيبتها فتحاول لبنى منعها
_ استني بس هتروحي تقوليلهم ايه؟ انتي ناسية ان القسيمة مش معاكي؟
_ معنديش حل تاني لازم اروحلهم واللي يحصل يحصل وبعدين القسيمة في الشقة آسر ادهاني قبل الحادثة كأنه كان عارف أنه عيموت.
خرجت نور من شقة صديقتها وتوجهت إلى منزلهم كي تبدل ملابسها
فمنذ أن خرجت من المشفى بصحبة لبنى وهي تقيم لديهم حتى مر ثلاث ايام تعاني فيهم ويلات العذاب
دلفت منزلهم لتجد والدتها تجلس على الأريكة في حزن وانكسار
تركت الحقيبة من يدها وتقدمت من والدتها وجلست اسفل قدميها لتقبل يدها باعتذار
_ سامحيني ياماما أرجوكي سامحيني
نظرت إليها نادية بعتاب ثم اشاحت بوجهها بعيدًا عنها فلم يعد الاعتذار يجدي نفعًا بعد تلك المصيبة التي حطت فوق رأسهم
فعادت تقول برجاء
_ ارجوكي ياماما متبقيش انتي والزمن عليا
نظرت إليها نادية وتمتمت بعتاب
_ انتي اللي عملتي في نفسك كدة وانتي اللي تتحملي النتيجة لوحدك.
تساقطت دموع نور بألم وتمتمت بآسى
_ انا عارفة اني غلطت بس كان غصب عني، حبيته ووثقت فيه وهو وعدني أن جوازنا هيكون في السر لحد ما يقدر يقنع ابوه.
التوت شفتيها بطيف ابتسامة محملة بالمرارة
_ وتفتكري إن ابوه ممكن يوافق علينا، دي امه كانت من اكبر عيلة في الصعيد ومع ذلك كانوا بيتعالوا عليها ويقولوا الفلاحة تفتكري هيقولوا عليكي ايه يابنت الخدامة.
انتهى ثبات نادية وأخذت تندب على وجهها وهي تصرخ بها
_ ياخسارة شقايا وتعبني، منك لله يابنتي منك لله.
لم تستطيع منع والدتها بل شاركتها البكاء، فقد اخطأت وعليها تحمل نتيجة فعلتها..
❈-❈-❈
في غرفة توليب
كانت مندمجة في تداول دروسها عندما طرق الباب ودلفت والدتها
_ توليب يلا ياحبيبتي الغدا جاهز.
لا تعرف لما خطرت في بالها تلك الفكرة الشيطانية فقالت بحزن مصطنع
_ لا ياماما اتغدوا انتو انا مليش نفس
علمت والدتها بمكرها فردت بفتور
_ براحتك.
خرجت من الغرفة وأغلقت الباب خلفها وعادت إليه.
تطلع إليها يسألها
_ اومال فين توليب؟
جلست سلوى على مقعدها وقالت بعدم اهتمام
_ ملهاش نفس.
قطب جبينه بعدم فهم وسألها
_ يعني ايه ملهاش نفس؟ لازم تتغدا.
قال تميم وهو يمد يده ليأخذ نصيبها من الطعام
_ احسن وفرت
نظر إليه توفيق شزرًا وقال بأمر
_ سيب الطبق بتاعها.
احتفظ تميم بالطبق أمامه وقال بتعند
_ المكرونة لو بردت بنتك مش بترضى تاكلها فـ هكلها انا بدل ما تترمي.
زفر توفيق بيأس وتحدث بحزم
_ قلتلك حط الطبق مكانه.
وافقه تميم على مضد واعاد الطبق موضعه
اما توفيق فظل يتظاهر بعدم الاهتمام ويأكل بغير شهية لكنه لم يستطيع
محاولات متكررة لأنه لم يعتاد غيابها عن طاولة الطعام والهدوء الذي عم المكان حتى اضطر لترك الملعقة من يده ونهض قائلًا
_ هروح اجيبها
نظر تميم إلى والدته وقال بحيرة
_ هموت واعرف البنت دي عملتله السحر فين عشان اعمل زيه.
كانت توليب تنتظر مجيئه بثقة فهو لما يفعلها من قبل ولن يستطيع
وقد كان لها ما أرادت
إذ طرق الباب ودلف يقول بجمود
_ يلا على الغدا.
حاولت اخفاء ابتسامتها وتظاهرت بالحزن وهي تجيب
_ ما انا قلت لماما مليش نفس.
_ وانا قلت لازم تاكلي المكرونة هتبرد ومش هتعرفي تكليها بعدين.
لم تستطيع التحكم بابتسامتها اكثر ونهضت من مكتبها وهي تتقدم منه لتقول بمرح
_ عشان متبردش ولا عشان مش قادر تاكل من غير ياقلبي انت.
حاول الثبات أمامها وتظاهر بالجمود وهو يقول بقوة
_ مين قالك كدة محصلش.
تطلعت في عينيه وهي تقول بمزاح
_ طيب عينيك في عيني كدة؟
قرر الانسحاب قبل أن يضعف أمامها وغمغم بثبات وهو يعود للطاولة
_ والله بقى انتي حرة خلي تميم يخلص طبقك.
وهنا اتخذها تميم فرصة كي يأخذ طبقها لكنها اسرعت بأخذه وهي تقول بأمر
_ أوعى تقرب من طبقي.
نظر لها تميم بغيظ وعاد إلى مقعده وهي كذلك
فتنهد توفيق براحة وبدأ في تناول طعامه
كان جالسًا أمام التلفاز يتابع الأخبار عندما تقدمت منه سلوى لتضع القهوة أمامه
أخذها منها وهو يتمتم بشكر
_ متشكر ياسلوى.
جلست بجواره ولاحظ نظراتها المستاءه فسألها
_ مالك بتبصيلي كدة؟
غمغمت بامتعاض
_ عشان عقابك لتوليب طول أوي
رد بإصرار وهو يأخذ فنجانه
_ ومش هكلمها برضه إلا لما تعترف بغلطها
زمت فمها بغيظ منه وقالت بحكمة
_ ياتوفيق ياحبيبي توليب كبرت ومبقتش البنت الصغيرة اللي ربتها وبدأت تحس أنها تقيلة أوي وتتحرج تطلب منك فلوس.
نظر إليها بامتعاض وهتف بها
_ انتي السبب، قلتلك الفلوس كلها معاكي ومتديش بنتك فرصة تحس أنها محتاجة لفلوس
قلتلك عرفيها مكانها وقولي لها لو احتاجتي خدي اللي انتي عايزاة من غير ما تطلبي
بس ازاي لازم تخلي البنت تطلب كل شوية لدرجة إنها تزهق وتروح تسحب فلوسها من البنك وتقل مني بالشكل ده.
نفت سلوى اتهامه وقالت بصدق
_ لا عاش ولا كان اللي يصغرك بس انت عارفها حساسة أوي، عشان خاطري لو صلحتك تاني كلمها ومتزعلهاش
أومأ لها بصبر نافذ
_ ماشي ياستي هكلمها وأمري لله
_ ايه ده؟ ده بجد؟
التفت الجميع على صوتها وهي تقف خلفهم فهز توفيق رأسه بيأس منها والتفت هي لتجلس بجواره وقالت بمرح
_ بجد هتصالحني خلاص.
حاول توفيق الثبات وألا يضعف أمامها وغمغم بنفي
_ لأ انا قلت هفكر
رفعت النقاب وتمتمت بمكر
_ لا انت شكلك بتتلكك عشان زهقت مني.
شعر بمكرها، فمكر مكرها
_ اه زهقت عندك مانع؟ وبفكر اتجوز تاني اجيب بنت تعوضني عنك
وكزته سلوى بغضب وغمغمت بتوعد
_ اعملها وانا اقتـ تلك.
وافقتها توليب
_ وانا معاكي ياماما مادام فيها خيانة، انتي عشان هيتجوز عليكي وانا عشان هيجيب بنت يحبها عليا.
قطب توفيق جبينه بامتعاض
_ ايه شغل ريا وسكينة ده، اقولك انا قايم وسايبهالكم
سألته سلوى
_ رايح فين إن شاء
أخذ سترته ليرتديها وهو يفتح الباب
_ خارج مع اصحابي واحتمال نتعشى برة.
تفاجئ توفيق بمن يقف أمام الباب، ذلك الرجل البغيض جارهم والذي تحدث بسماجه
_ أزيك يااستاذ توفيق
حاول اخفاء امتعاضه منه ورد بثبات
_ أهلاً ياحسين جاي تخبط في حاجة تاني؟
حمحم حسين باحراج وهو ينظر للداخل يبحث عنها
_ لا ابدًا اصلي حسيت اني زودتها اوي وقلت آجاي اتأسف وخصوصاً اني مسافر الليلة دي.
شعر توفيق بالراحة لذهابه وقال بهدوء
_ توصل بالسلامة
لم يتزحز حسين من مكانه وعينيه تخترق الباب الذي رجله توفيق قليلًا فقال بامتعاض
_ تسمحلي أمشي
تنحى حسين جانبًا وتمتم بسماجة
_ اه طبعًا اتفضل
خرج توفيق واغلق الباب خلفه وهو يزفر براحة للتخلص من ذلك الرجل.
❈-❈-❈
في المساء
كانت توليب جالسة على مكتبها تداول دروسها عندما طرق الباب ودلفت والدتها
_ انا رايحة عند خالتك ياحبيبتي عايزة حاجة قبل ما امشي؟
ردت توليب بابتسامة
_ لا ياماما تسلميلي
خرجت سلوى وتركتها وحدها ولم تمضي دقائق معدودة حتى سمعت صوت الباب فعلمت حينها بأنه تميم فهذا موعد عودته من الخارج
فتحت الباب لتغلقه مسرعة ما إن وجدت ذلك الرجل البغيض أمامها لكنه منعها بأن وضع قدمه يمنع غلقها له ودفعه بقوة كادت أن تسقطها وأغلق الباب خلفه وهو ينظر إليها بشر.
رواية الـتــل
رانيا الخولي
الفصل الثالث
……..
انتهى العزاء وعاد مراد ومؤيد للداخل
وما إن رأته سهر حتى قامت من مقعدها وذهبت إلى زوجها فهي تعلم جيدًا مدى تعلقه بأخيه الراحل فقالت بتعاطف
_ البقاء لله يامؤيد.
رد بثبات
_ ابقى الله حياتك.
حدثته بعتاب وهي تدلف معه للداخل
_ ليه مقولتليش كنت جيت معاكم.
بادلها نفس العتاب
_ وانتي كنتي فين عشان اجولك.
خفضت عينيها بإحراج وتمتمت بخفوت
_ انت اللي بعدتني مش انا اللي بعدت.
تنهد بتعب شديد وتمتم بهدوء
_ مش وجته الكلام ده
تلفت حوله وسألها بحنين لولده
_ اومال فين مالك.
_ سيبته مع اسماء.
اومأ لها وتركها ودنى من والدته ليقبل يدها وقال بحنان
_ جومي ارتاحي ياأمي كفياكي لحد إكدة
أيد مراد رأيه
_ انتي منمتيش من امبارح جومي الله يرضى عليكي ارتاحي شوي.
قالت سميرة وهي عمتهم
_ اطلع انت واخوك ارتاحوا واني هفضل معاها ومش ههملها
أومأ لها مراد ونظر إلى سلمى يسألها
_ هتاچي ولا تخليكي معاها؟
أجابت سميرة بدلاً منها
_ لأ ياسلمى اطلعي مع چوزك
نظرت لسهر وتابعت
_ وانتي ياسهر ورا جوزك يلا.
________________
دلف مراد غرفته ودنى من الفراش ليستلقي عليه وقد شعر حقًا بالأرهاق
دلفت سلمى خلفه فتجده خافيًا وجهه بمرفقه
فهو لا يحب أن يراه أحد وهو مهمومًا فدنت منه لتجلس على الفراش بجواره وتمسك يده لتقول بتأثر
_ معلش يامراد آسر كان غالي علينا كلنا بس دي إرادة ربنا هو عمره انتهى لحد كدة.
أغمض عينيه يحاول السيطرة على عبراته لكنه لم يستطيع التحكم والتظاهر بالقوة اكثر من ذلك فسمح لنفسه بالبكاء حد النحيب
لأول مرة ترى دموعه ولأول مرة يرتمي في احضانها ويبكي بتلك الحالة
ولما لا وقد فقد أخٍ له ولن تستطيع الدنيا تعويضه عنه.
أما مؤيد فقد أغلق على روحه وترك لدموعه العنان ليبكي ويبكي وهو جالسًا على الأرض يخفي وجهه بين قدميه.
أما آمال فقد ظلت تقرأ وردها وتدعوا له بالرحمة والمغفرة
هو الآن بحاجتها للدعاء ولن يفيده البكاء
مازال أمامها الكثير إذا كتب لها عمرًا تبكي عليه حتى يبرد قلبها ولن يبرد مدى الحياة
❈-❈-❈
جلس حسان في مكتبه يفكر في تلك العائلة والذي يكذب على نفسه بأنها عائلة مترابطة
ولا يعرف شيء عن تلك القلوب الذي حكم عليها بالموت عندما اجبرهم على الترابط
زفر بضيق عندما تذكر حفيده الأكبر والذي أحتل مكانه كبيرة في قلبه لم يستطيع أحد الوصول إليها
لكن حبه ذلك كان لعنه قضت عليه وجعلت منه ذلك الصخر المتبلد.
ولن يتركه حتى تشتد صلابته اكثر من ذلك حتى تصبح كالفولاذ وحينها سيسلم له تلك العائلة وما تملكه برحابة صدر
لا يأمن أحد غيره عليها
فوالده مازال يعيش على ذكرى تلك المرأة التي كادت أن تفرق فيما بينهم لولا أنه استطاع الخلاص منها
والآخر زهد الدنيا ولا ينظر إليها من أي جهة
لذلك كان عليه أن يكون أكثر حزمًا مع أحفاده كي لا يكرر أخطاء والديهم
والترابط الوحيد بالنسبة له بألا يسمح لأحد بالخروج عن دائرته.
امسك هاتفه وقام بالاتصال حتى جاءه الرد فقال بحزم
_ مسافة الطريج وتكون جدامي.
ثم أغلق الهاتف والقاه على المكتب أمامه.
أما جواد فقد ظل واجمًا للحظات بعد تلك المكالمة
لا يعرف ما عليه فعله
هل يواصل التمرد ويلقي بأوامره عرض الحائط أم يذهب إليه كي يطوي تلك الصفحة من حياته ويبدأ حياة هانئة مع طفله.
بعد تفكير عديد قرر الذهاب كي ينهي كل شيء ويضع النقط على الحروف
استقل سيارته وخرج من مزرعته متوجهًا لتلك البلدة وذكريات موحشة لا ترأف به.
فقد مر عامًا كاملًا على رحيله وذلك اليوم يعاد مشاهده مباشرة أمامه الآن
ازدرد لعابه بصعوبة عندما مر من مكان الحادث وأخذ قلبه يهدر بعنف حتى أنه شعر بأنها بجواره تجبره على التوقف وهو يحاول منعها حتى فقد السيطرة على المقود وتصادف السيارة سيارة أخرى كبيرة دمرت الجانب الأيمن منها.
كل شيء يعاد أمامه
صرخات ابنه وجسدها الساكن
والألم المبرح الذي احتل قدمه
اوقف السيارة حتى دوى صوت احتكاك الإطار بالطريق
وقد شعر بضيق في التنفس والدنيا تضيق به اكثر.
فتح زجاج السيارة وأخذ يتنفس بقوة حتى مر به الوقت.
ذكريات مؤلمة عادت تقتحم مخيلته عندما مر فقط بالبلدة
فماذا لو دخل القصر؟
شغل مقود السيارة وانطلق بها متوجهًا إلى القصر كي ينهي الأمر بسرعة ويعود إلى منزله.
ها قد وصل إليه وانفتحت ابوابه وقناع القوة مرتسمًا بكبرياء على وجهه
حتى توقفت سيارته أمام البوابة الداخلية، لم تطاوعه قداماه على الترجل وظل ينظر إليه بصمت مطبق.
وبعد وقت ليس بقليل
ترجل منها مجبرًا ودنى من الباب ليصادف سهر تخرج منها وعند رؤيته ابتسمت بترحيب
_ ازيك ياچواد نورت الجصر.
تحدث بمجاملة يغلفها الجمود
_ منور باللي فيه، اومال چدي فين؟
_ أكيد في مكتبه ادخل.
دلف إلى الداخل يحاول بصعوبة محو أي ذكرى ترتد لمخيلته ويقنع نفسه بأنه ضيف ولم يمر من هنا من قبل
لكن يشاء القدر أن يصادف ابيه وهو يترجل من الدرج فتظاهر بعدم رؤيته لكن أبيه نطق اسمه بلوعة
_ جواد
توقف عندما سمع صوت والده يناديه، فالتفت إليه لتتقابل النظرات ما بين حنين يقابله جمود وكأنه أمام شخص لا يعرفه
يتذكر جيدًا نفس النظرات وهو يشاهده خارجًا من منزله مكسور الخاطر والفؤاد ولم يعارض ذلك بل طاوع زوجته ووافقها على طرده من المنزل وهو في اشد الحاجة إليه.
تحلى بالجمود عندما تحدث عامر
_ كيفك ياولدي، يادوب فكرت تاچي تشوف أبوك؟
سخر جواد من حديثه لكنه أجاب بفتور
_ بس أني مش چاي عشان أشوفك، أني چاي اشوف چدي بعتلي ليه وهمشي طوالي؟
ثم تركه وتوجه إلى مكتب جده ليطرق عليه غير مهتم بنظرات والده له
دلف عندما سمح جده بدخوله فيجده جالسًا في مكتبه بنفس الجبروت الذي لم يتغير قيد انملة بل ازداد وازداد
أغلق الباب خلفه وتقدم من جده الذي سأله بجمود يخفي به قلقه عليه
_ أخرت ليه؟
بادله جواد جموده ورد بفتور
_ مكنتش چاي من أساسه.
نهض حسان ليتقدم منه ويقف أمامه ليس وكأنه حفيده بل يقف أمامه كرجل سيحمل هم تلك العائلة بعد وفاته
والآن قد حقق حسان مبتغاه
لكنه واصل تلاعبه عندما سأله
_ هتكسر كلمتي؟
سخر جواد بداخله ورد بصلابة
_ وكانت فين كلمتك لما خرچوني من الجصر؟
رفع حسان حاجبيه وهو يجيب
_ مش اني اللي خرچتك، انت اللي انسحبت عشان تهرب منيه وانت خابر إكدة زين.
افتر ثغره عن ابتسامة ساخرة وهو يوافقه بثبات
_ مش هجولك لا وانكر، تؤ لإني حجيجي حبيت أخرج مرة واحدة من تحت طوعك، جلت يمكن الاجي نفسي واعمل لحالي كيان بعيد عن جسوتك وجبروتك.
المه حديث حفيده لكنه محق بكل كلمة لكن لن يعترف وواصل تلاعبه
_ بس جسوتي وجبروتي هما اللي عملوا منيك الراچل اللي واجف جدامي دلوجت.
ضحك جواد بعلو صوته لكن المرارة والقهر كانوا هما المتحكمين بها حتى توقف قائلًا
_ راجل؟! وانت فاكر إن اللي جدامك ده راچل كامل؟
غلفت صوته المرارة وتابع بقهر
_ راچل منبوذ ومحكوم عليه بالنفي في مزرعة بعيدة في الچبل مع الخيل واستكترتوا عليه ابنه وعيشتوه وحيد ومحروم منيه
اني إكدة بجيت راچل في نظرك؟
هز رأسه بمرارة وأردف
_ تبجى غلطان جوي.
تقدم منه خطوة وتابع
_ أنا بجيت راچل ذليل، خابر يعني ايه راچل ذليل.
وخابر برضك أني ذليل لمين؟ (اشار على القدم الصناعية) لدي لإني من غيرها هجع ومجدرش اقف على رچل واحدة، فين الرچولة دلوجت.
غص حلق حسان بمرارة ازدردها بصعوبة وتحدثت بإباء
_ بس الرچولة مش باكتمال الجسد
اشار باصبعه على قلب حفيده وتابع
_ الرچولة بإنك تموت ده وميبجاش نجطة ضعف في حياتك، إنما لو سيبتك كنت هتعيش عمرك كله وهو متحكم فيك لأنه كان فياض جوي وكان هيضمرك بصحيح
تنهد حسان ثم تابع
_ صحيح أجبرتك تتزوچ بنت عمك رغم إني خابر زين إنك مريدهاش بس طمعتك فيها وانت وافجتني.
عقد جواد حاجبيه متسائلًا فيجيبه حسان
_ لإن جلبك كان متعلج بالخيل ولما طمعتك إن المقابل المزرعة هتكون ملكك وافجتني وربطت حياتك بيها
عرفت بجى مين اللي حكم عليك بالعذاب
عاد يطرق على قلبه وتابع
_ ده اللي حكم عليك لما جريت ورا عشجك للخيل مع إنك لو أصريت على الرفض مكنتش هجبرك زي ما جبرت التانيين
لإنك انت الوحيد اللي جلبي بيضعف جدامه، رغم إني علمته الجسوة عشان ميكنش نجطة ضعفي بس انت غير واتمكنت منه من أول ما حملتك بين ايديا.
وكل ما الاجي نفسي ضعيف جدامك اجسى عليك عشان اطلعك راچل تتحمل مسؤولية عيلة من بعدي، لإنك انت وحدك سندي في العيلة دي.
عادت الابتسامه الساخرة لوجه جواد وتحدث بقوة
_ بس اللي انت متعرفوش إن خطتك نچحت وجدرت فعلاً تموته(قالها وهو يشير بقبضته على قلبه) ومبجاش كيف لول يراعي ويراضي، فلو كنت فاكر إني هحن ليك زي زمان واجولك تحت أمرك ياچدي تبجى غلطان جوي لإني بجيت عايش لنفسي وابني وبس واللي كان ليا أهنه خلاص أخدته والجصر ده معادش يلزمني.
وانت لو فكرت فيا زين هتعرف إني قضية خسرانه، شوف خالد هو أولى بيها عني، هو برضك جلبه ميت من صغره.
عاد خالد من الخارج فيتفاجئ بسيارة جواد داخل حديقة القصر
فعلم بأن جده بعث إليه كي يجبره على العودة.
فمهما اخفى شوقه لجواد فالكل يعلم بمدى حبه له
دلف للداخل فيجد والدته جالسة في البهو وكأنها تنتظر خروجه ومعرفة ما يحدث بالداخل.
تقدم منها ملقيًا السلام
_ مساء الخير
اجابت بنفور
_ كنت فين لحد دلوجت؟
جلس بجوارها وتحدث بتسويف
_ هكون فين يعني، كنت مع اصحابي.
_ كنت مع اصحابك برضك ولا في سهرة من اياهم.
زفر بضيق
_ اني چاي تعبان ومليش خلج للنجاش ده، انا طالع اوضتي.
نهض من جوارها وهم بالذهاب لكنها اوقفته بحدة
_ خليك إكدة عايش ولا على بالك وسايب ابن اللبنانية ياخد كل شيء وانت واجف تتفرچ.
تطلع إليها بضيق ليسألها
_ عايزاني اعمل ايه يعني؟
نهضت لتقف أمامه وغمغمت بسخط
_ جولتلك مية مرة جرب من چدك واكسب وده، وزي ما جدر چواد يسحب منه المزرعة ويعالم بيطلب منه ايه تاني چوه
اعمل زيه و اسحب انت كمان منه المصنع بس انت لا؛ عايش يومك زي ما هو ومبتعملش حساب لبكرة زيك زي الخايب التاني.
ظهر الجحود على ملامحه وتحدث بوعيد
_ متجلجيش كل حاچة هتيچي في وجتها.
انهى حديثه وصعد إلى غرفته
ليجد ياسمين تعبث بهاتفها
لم تعيره أي اهتمام وهو قد تعود على ذلك
_ مساء الخير.
رفعت بصرها إليه لتصحح بهدوء رغم النار التي تعتمل بداخلها
_ تقصد صباح الخير.
تنهد بملل ورد قائلًا
_ هو الموال ده مش هيفض.
وضعت هاتفها على المنضدة بجوارها وجذبت الغطاء عليها وهي تقول بعدم اهتمام
_ ولا ميفضش مش هتفرق.
زم فمه دلاله على غضبه فوضع مفاتيحه وهاتفه على المنضدة الأخرى وأخذ ملابس له ودلف المرحاض صفقًا الباب خلفه بعنف
انتبهت ياسمين لوصول رسالة إلى هاتفها
فتبتسمت بسخرية لعلمها بما تحتوية
يظن الجميع بأنها لا تعرف شيء مما يدور من خلفها لكن ما لا يعرفه الجميع بأنها تعلم كل شيء بآثار الطلاء التي تجدها على ملابسه
والرائحة التي تضعها تلك المرأة عمدًا على ملابسه غير الرسائل التي تصلها وتخبرها كـ كل ليلة عمّ يفعله من خلفها مع تلك المرأة
لم تعد تبالي لشئ خاص به
اغمضت عينيها تتظاهر بالنوم عندما خرج من المرحاض
نظر لهاتفه فوجده اوشك على نفاذ شحنه
أخذ يبحث عن شاحن هاتفه فلم يجده ولم يكلف نفسه عناء سؤالها وأخذ يبحث عنه حتى صدم بذلك الشيء مخفي في أحد الأدراج.
قلبه بين يديه يتأكد من حقيقته وقد تأكد شكه عندما قرأ الإسم جيدًا
تقدم منها ليجذب عنها الغطاء ويلقيه أرضًا ثم ألقى تلك العلبة في وجهها بغضب جعلها تنتفض بوجل وصاحت به
_ انت اتچننت ايه اللي بتعمله ده؟
نظر إليها بغضب جحيمي وهدر بها
_ الچنان الحجيجي هتشوفيه بس بعد ما تجوليلي ايه ده.
أشار على تلك العلبة فتهتز نظراتها ما إن وقعت عينيها على تلك الحبوب ثم رفعت بصرها إليه ببطئ وتمتمت
_ معر..فش
ازداد غضبه لتلاعبها به وصاح بها
_ انتي هتستغفليني تاني؟!
لا داعي للإنكار فكل شيء أصبح واضحًا وقد أصبحت أمامها فرصة للانفجار والبوح بما يعتمل بداخلها فنهضت من فراشها لتقف أمامه وتقول بتأكيد
_ أيوة أنا باخد الحبوب دي
قطب جبينه بدهشة لتبجحها وسألها بسخط
_ من ميتى؟
أجابت وهي تنظر داخل عينيه بقوة
_ من يوم ما اتزوچنا
ازدادت قطبة جبينه وعاد أسألته
_ ليه؟
_ لإن عمري ما هسمح بحاجة تربطني بواحد خاين زيك..
قاطعهتها لطمة قوية على وجهها اسقطتها على الفراش فتنظر إليه نظرة احتقار وهي تضع يدها على وجهها الذي احمر من قوة لطمته، فدنا منها يجذبها من خصلاتها وغمغم بوعيد
_ وديني لدفعك تمن عملتك دي غالي جوي
دفعته بعيدًا عنها وهي تصرخ به
_ دفعت تمنها ولسة بدفعها لما وافقت جدي على ارتباطي بيك
دفعتها وانت راجع كل يوم وش الفجر من عند الهانم اللي بتخوني معها، وانت مبتسبش واحدة إلا لما تبصلها برعبة حتى وانا جانبك، دفعتها وانت بتمارس قسوتك عليا ومفكرتش مرة واحدة في إحساسي بعدها
انتهى كل شيء عند تلك اللحظة وصرخت بمرارة
_ خليك راجل مرة واحدة في حياتك واخرج من حياتي اللي دمرتها وقضيت عليها، خليني اعيش ولو يوم واحد كإنسانة وليها مشاعر، مش مجرد زوجة تستنى جوزها كل يوم راجع وش الفجر من عند واحدة.
تقدمت من المنضدة لتأخذ هاتفها وتلقية في وجهه وتتابع بقهر
_ افتح وشوف الرسايل اللي بتوصلي كل يوم منها واقرأها كويس عشان تفكرك باللي كنتو بتعملوه طول الليل مع بعض.
اقرأ كويس وشوف مين اللي ممكن تتحمل كل ده.
______________
في المكتب
سأله حسان بجدية
_ ولو جلتلك أرچع وهخليك المتحكم في كل شيء؟
أجاب باعتراض وهو يهم بالانصراف
_ حقي واخدته ومريدش حاچة واصل لا منك ولا من غيرك، بعد اذنك؟
خرج جواد من المكتب فيتفاجئ بصوت اخته التي تصرخ بالأعلى
فترك جده واسرع إلى غرفتها كما حال الجميع وفور اقتحامهم للغرفة سمعوا صوتها وهي تصرخ به
_ لو راجل وعندك نخوة طلقني مش طايقة اشوفك ولا طايفة اعيش معاك.
تقدم جواد من اخته وهو ينظر لخالد بغضب
_ عملت فيها ايه؟
القت ياسمين نفسها بحضن أخيها تلتمس منه الأمان ولم يبخل عليها واحتواها بلهفة عندما لاحظ اثار صفعه لها فنظر لخالد نظرة حانقة تكاد تحرقه فسأل حسان الذي دخل لتوه
_ في ايه؟ ايه اللي بيحصل بالظبط؟
ازدرد خالد لعابه وتحدث بإباء
_ عادي ياجدي مشكلة عادية مفيش داعي تدَّخلوا.
تحدث جواد بسخط
_ ولما هي مشكلة عادية بتمد يدك عليها ليه؟
نظر عامر إلى وجه ابنته ليتأكد من ذلك ثم نظر إليه بغضب
_ انت كيف تمد يدك عليها؟
شعر بصعوبة في مصارحتهم بفعلتها كي لا يظهر أمامهم بأنه رجل غير مرغوب به لكن
ياسمين ابتعدت عن حضن أخيها ونظرت لجدها لتواجهه بأفعاله كي تجرح كبرياءه كما جرحها وقالت بألم
_ الاستاذ اللي بيجولك مشكلة عادية عرف إني منعه نفسي اخلف منه.
نظر كلًا منهم للآخر
منهم الذي ينظر إليه بتعاطف ومنهم من يسخط على ياسمين ويلومها ومنهم أيضًا من يتعاطف معها لعمله بحقيقة خالد لكن كريمة من كان لها السخط الأكبر لياسمين وقالت بحدة
_ وانتي مستنيه منه أيه بعد عملتك دي.
صاح بها عامر
_ استني لول نعرف منها عملت اكدة ليه؟
سألها حسان
_ ليه تعملي حاچة زي دي من ورانا؟
ضحكت بسخرية مغلفة بالمرارة
_ يعني انت مش خابر انا عملت إكدة ليه؟
عايز تجلي إنك متعرفش أنه بيسهر كل ليلة لوش الفجر مع واحدة احقر منه من يوم ما حكمت عليا بالموت وزوچتني ليه؟!
ولا رسايلها اللي بتدبحني فيها وهي بتسجل اعترافه ليها بإني حاجة مفروضة عليه وأنه وافق بس عشان جده ضغط عليه وهدده.
صرخت به بكل القهر الذي تشعر به
_ هددته بإيه عشان تجبره يتچوزني ياچدي ياللي مفروض تعلي من شأني مش تجرحني وتهني بالشكل ده.
وجه الجميع نظرات الاحتقار لخالد الذي اخفض وجهه بخزي لكن كريمة كان لها حديث آخر
_ ولما هو إكدة مجولتيش ليه من الأول؟
وجهت ياسمين نظرة حانقة لها وقالت باحتدام
_ لإني مش متعودش اطلع أسراري لحد واشمته فيا بس خلاص دي النهاية واللي عايز يشمت براحته
نظرت لجدها وتابعت بقوة
_ ياتطلجني منه ياإما حل من الاتنين ملوش تالت ارفع جضية طلاج وافضحه في التل كله، ياإما أموت نفسي واخلص من العذاب ده.
ساد الصمت بين الجميع لا يتخلله سوى شهقاتها وهي تتدراي في صدر أخيها الذي ابعدها عنه قليلًا كي ينظر إليها وتمتمت بروية
_ چهزي شنطتك وتعالي معايا.
قاطعته كريمة بحقد خفي
_ تاچي معاك على فين؟
نظر إليها شزرًا وغمغم بقوة
_ على المزرعة، عندك مانع؟
ردت بحدة
_ طول ماهي علي ذمة ابني ملهاش خروچ من البيت إلا بإذنه.
وجه نظره إلى والده الذي وقف صامتًا ورد باحتدام
_ متجلجيش بكرة بالكتير جوي ورجتها هتكون عندي، اتفضلوا كلكم على برة عشان تغير هدومها
لم يستطيع حسان الوقوف امامه تلك اللحظة فهو الآن كريحٍ عاصفة من يقف أمامها خاسر
أما خالد فقد فضل الانسحاب والخروج من القصر فهذا هو الحل الوحيد الآن.
خرج الجميع ماعدا فادية التي ظلت بجوارها
تحاول اقناعها بالبقاء لكن جواد منعها بهدوء
_ سيبيها يامرات عمي مينفعش تكمل معاه بعد اللي حصل.
وافقت على مضد وساعدتها في توضيب حقيبتها وظلت معها حتى خرجت من باب القصر مع جواد.
ظلت طوال الطريق تنظر من نافذة السيارة ودموعها تسيل بصمت مطبق على وجنتيها وجواد ينظر إليها بين الحين والآخر بقلب لهيف
فتلك هي طفلته التي ظل يعتني بها بعد رحيل والدتهم ولم يتركها عبء على أحد
كانت تبلغ من العمر اربعة اعوام وعندما يغلبها الحنين إلى والدتها تذهب الي ابن الثامنة تلتمس منه العزاء فيحتويها بذراعيه ليبثها الحنان التي تفتقده رغم صغر سنه
لا ينكر اهتمام زوجة عمه فايز بهم لكن لن يعوضها عن حنان والدتها ولهذا كان معطاءً حنونًا معها إلى أقصى درجة
وصلوا إلى المنزل واوقف سيارته أمام الباب الداخلي فيترجل منها ليساعد أخته على الترجل ونادي على حامد
_ حامد
اسرع حامد بالظهور أمامه
_ نعم جنابك.
_ نزل الشنط ودخلها چوه
أخذها وصعد بها للغرفة المقابلة لغرفته وقال بروية
_ نامي دلوجت ومتشليش هم حاچة طول ما انا عايش
ابتسمت له بامتنان وبدالها هو بابتسامة انمحت سريعًا وهم بالخروج لكنه توقف عندما تفاجئ بها تقول
_ أنا رايده اسافر لأمي.
❈-❈-❈
دلف جواد غرفة ابنه عندما سمع صوت بكاءه
فوجد حياة تحمله وتحاول تهدئته لكنه لا يستجيب لمحاولاتها
حمحم جواد كي يعلمها بوجوده فيبدو انها لم تسمع طرقه للباب
التفتت له وقد تفاجئت به حقًا
فقالت باحراج
_ چواد بيه؟
تقدم من طفله وهو يبعد بصره عنها وقال بجمود
_ لساته بيعيط؟
نظرت ليزن بتأثر
_ بيجوم من نومه يعيط شوية ويرچع ينام تاني.
تقدم منها ليأخذه وقال بهدوء
_ روحي انتِ وانا هفضل معاه
رفعت بصرها إليه لتتقابل أعينهم والتي رآت فيه جمود وصلابة تقينت أن خلفها حزن دفين وحصيلة اعوام كاملة من الشقاء
اهتزت نظراتها وابعدتها فورًا وخرجت من الغرفة رغم صعوبة تركها للطفل.
أما هو فنظر إلى ابنه لتظهر ابتسامة لا تعرف الجود وسرعان ما محاها
وكأنه نسى كيف يبتسم
لم يكف طفله عن البكاء وكأنه بيد غريب ويبحث عن الأمان بعيدًا عن ذراعيه مما جعل سخطه يزداد عليهم وقد فرقوه عن طفله حتى لم يعد يعرفه بالرغم من انه لم يكن يعرف أحد سواه حتى والدته
استسلم الطفل للنوم من شدة البكاء فألقى رأسه على كتف والده مغمضًا عينيه بارهاق
فإتخذها جواد فرصة لينعم باحتضانه
ومضات من الماضي مرت بباله عندما كان يستيقظ ليلًا على بكاءه وهي نائمة لا تبالي به
لا تريد شيئًا يعكر صفو نومها
اما هو فقد كان يسرع إليه ليحمله فيشعر حينها بالأمان ويعود إلى سباته منعمًا به.
قام بوضعه في مهده وخرج من غرفته ذاهبًا لاسطبل الخيل الخاص به كي يسترد هدوءه مع صديقه الوحيد.
فهو وحده من يزيل أمامه قناع الجبروت ويحتفظ فقط بقناع القوة
فلن يكشف عن وجهه الحقيقي إلا وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة
هكذا عاهد نفسه وسيظل على عهده حتى آخر رمق.
أخرج الحصان من مكانه وخرج به للساحة بعد أن وضع عليه السرج فهز الفرس رأسه دلاله على رغبته بالانطلاق فكشف جواد عن ابتسامة محت جحود عينيه لكنها كعادتها به لم تدوم طويلاً وانمحت وهو يربط اللجام ويمطتي الجواد منطلقًا به بأقصى سرعته ولم يبخل عليه (رماح) بقوته وأخذا يصارعان الريح بكل ما أوتي من قوة يجوبا المزرعة.
الغضب بداخله لا يرأف به وهذه هي طريقته الوحيدة للخلاص منه.
ظل يسرع به حتى خرج منها وتوجه إلى التل ليقف على مشارفه يتطلع إلى بلدته وإلى ذلك القصر المضيء في ظلمة ذلك الليل الذي اسدل ستائره بنجوم تتلألأ في غطاءه
ابتسامة نصر خافته رسمت على وجهه
فقد استرد ما هو له ولم يعد هناك شيء يشغله
سيجعل ذلك القصر صفحة منطوية ولن ينظر لها مرة أخرى.
صهل حصانه الأدهم عندما شد جواد لجامه فيرفع مقدمته في الهواء وفارسه ثابتًا منتشيًا بنصرٍ أوشك على الأكتمال
❈-❈-❈
عادت توليب بظهرها للوراء برعب وتمتمت برهبة
_ انت عايز ايه امشي اطلع برة.
نظر إليها برغبة وهو يتفحصها من رأسها حتى اغمص قدميها وتمتم بمكر
_ اطلع برة أيه دا انا ما صدقت وقعتي في ايدي واطمني اخوكي وجوزك أمك مش راجعين دلوقت.
استدارت لتسرع بالهرب إلى إحدى الغرف لكنه سبقها وجذبها إليه
حاولت أن تصرخ وتستنجد بأحد لكنه كتم صوتها بيده وغمغم من بين أسنانه
_ متحاوليش لإني النهاردة ياقا تل يامقتو ل، انا نفسي فيكي من زمان ومبقتش قادر استمتع بأي واحدة من وقت ما شوفت وشك القمر ده، فاهدي كدة عشان متتأذيش.
لم تستسلم وظلت تعافر معه وهو يحاول تقبيلها
خدشته بأظافرها في عنقه بمحاولة فاشلة لإيلامه لكنه قيد يدها خلف ظهرها ودفعها للحائط بقوة آلمتها بشدة
حاولت ركله بقدمها لكنه كان مسيطر عليها فلم تفلح بذلك
قام بتمزيق ثوبها من الأمام فتخرج منها صرخة اغاثة حتى شعرت بتمزق حلقها
بكت بكاء يمزق القلوب ومن ليس لديه قلب ينهش فيها غير عابئ بدموعها ولا رجاءها.
محاولات كثيرة لكنها فاشلة أمام قوته وطغيانه وهو يقبلها بغير رحمة
نظرت بلهفة حيث فتح الباب ودلف توفيق لينصدم حينما رأى ذلك الوحش ينهش في ابنته فأسرع إليه يجذبه من ملابسه كي يبعده عنها وفاجأه بلكمة قوية اسقطته أرضًا
اسرعت توليب تتحامى به فيربت عليها قائلاً
_ أهدي متخفيش.
نهض الرجل ونظر لتوفيق بغضب وهم بضربه لكن توفيق تفادى ضربته وسدد إليه ضربة أخرى ارتدى الرجل على اثرها حتى صدم بالطاولة
وجد الرجل قنينة زجاجية على الطاولة فقام بقذفها في رأس توفيق فاصابته إصابة بالغة فاسرعت إليه توليب بفزع لكنه امرها بحدة
_ ادخلي اوضتك واقفلي الباب
توالت المشاجرة بينهم وتوفيق قد ضعفت قوته بسبب تلك الضربة مما جعل توليب تشعر بالخوف عليه فلم تستطع دخول غرفتها كما أمرها
ذهبت إلى النافذة كي تستنجد بالجيران لكنها تفاجئت بذلك الرجل ينقض بيديه على عنق توفيق يخنقه
انقبض قلبها خوفًا وهي ترى عنقه بين يديه
وقد بدأ وجه توفيق يشتد قتامة وجحظت عينيه بشكل مريب والرجل لا يريد تركه
هزت رأسها بفزع على ذلك الرجل الذي كان لها أب واخ وصديق
من لم يتركها لحظة واحدة تشعر بمرار اليتم
من عاش لاسعادها وضحى بالكثير لأجلها
من لم يتركها في حزنها ولا مرضها ولا آلامها
من اقسم يومًا لها بأنه لن يجعل الدموع تعرف طريق عينيها إلا بالسعادة.
هزت رأسها بالرفض عندما بدأت حركاته بالتراخي وقد كاد أن تزهق روحه فلم يكن هناك وقت للتفكير، عليها انقاذه بأي طريقة فلم تجد سوى ذلك التمثال الحجري أمامها وبدون وعي منها أخذته وضربته به على رأس حسين كي يبتعد عن والدها فتخرج منه آهه عميقة وهو يترك عنق توفيق فيسقط كلاهما على الارض بلا حراك.
❈-❈-❈
رواية الـتــل
رانيا الخولي
الفصل الرابع
…………….
تركت التمثال من يدها واسرعت إلى توفيق الذي أخذ يسعل ويشهق بصعوبة
ساعدته كي يجلس واسندت ظهره على الجدار خلفه وهي تقول بهلع
_ اتنفس يابابا بالراحة عشان الرئة متضرش
حاول توفيق تنظيم انفاسه كي يطمئنها وتمتم بصعوبة
_ متـ..خا…فيش انـ..ـا كويس.
أخذ يتنفس بصعوبة وهو محتضنها كي تكف عن البكاء
فوجه نظره إلى ذلك الرجل الملقى على الأرض بدون حراك والدماء تسير على الأرضية بغزارة شعر بالخوف وابعدها عنه قليلًا ليتقدم منه وينظر إلى وجهه الذي وضح عليه شحوب الموتى فوضع يده على عنقه يتحسس نبضه فتتسع عينيه بصدمة.
رمشت بعينيها مرات متتالية تكدب حسها وسألته بريبة
_ أوعى تقول انه مات.
أغمض توفيق عينيه بيأس ولم يستطع الرد عليها
سمع كلاهما صوت طرقات على الباب واصوات تقول
_ استاذ توفيق في حاجة عندك؟
_ استاذ توفيق انت كويس؟
نظرت توليب إليه بهلع وتمتمت تستنجده
_ بابا
شعر توفيق بالخوف عليها وتمتم يطمئنها
_ متخافيش متخافيش.
اجهشت توليب بالبكاء وقالت بفزع
_ انا انتهيت ومستقبلي ضاع، انا مكنش قصدي اقتله، كنت ببعده عنك والله
جذبها توفيق لحضنه وتحدث بتيهه
_ مش هسمح بأي آذى ليكي اطمني
عادت الطرقات على باب المنزل فنظر إليها قائلاً
_ ادخلي بسرعة غيري هدومك.
سألته بوجل
_ هنروح فين؟
رد بحدة
_ ادخلي بسرعة مفيش وقت
دلفت توليب غرفتها واسرعت بتبديل ملابسها وخرجت له وهي تعدل من وضع نقابها وسألته بخوف
_ قولي هنروح فين؟
رد مسرعًا
_ انتي اللي هتروحي عند أي حد من اصحابك ومتظهريش نهائي لحد ما ابعتلك.
جذبها للمطبخ كي يخرجها من الباب الآخر لكنها امتنعت برفض
_ مستحيل اسيبك انا اللي عملت كدة وانا اللي …
قاطعها بحدة
_ متقلقيش ده دفاع عن النفس ومش هاخد فيه دقيقة واحدة كل الحكاية إني عايز اخرجك برة الموضوع عشان معرضكيش للسانهم
_ طيب قولي الأول هتعمل ايه؟
دفعها عنوة للخارج وهو يقول
_ أمشي دلوقت وبعدين هقولك بس أهم حاجة محدش يشوفك وانتي خارجة
اغلق الباب مسرعًا عندما سمع صوت اقتحام وصوت بعض الرجال يطالب بالاسعاف وآخر يرفض ويطالب بحضور الشرطة أولًا.
ترجلت توليب السلالم بعد تردد وخرجت من البناية وهي تشعر بالقلق على أبيها
هل حقاً كما يقول دفاع عن النفس وسيخرج منها؟
أم أنه يقول ذلك كي يبعدها ويحمل هو جريمتها على عاتقه؟
ستلتزم بما امرها به حتى تتأكد من سلامته
أوقفت سيارة أجرة واستقلت بالمقعد الخلفي
لتذهب إلى وجهتها
❈-❈-❈
في قصر حسان
دلفت يسر غرفتها لتجد عدي مستلقيًا على فراشه في وجوم تام
انتفض قلبها بوجل وتساءلت
بماذا يفكر؟
هل فيما حدث لخالد وياسمين؟
أم أصبح الدور عليهم ويفكر فيما ستؤول إليه حياتهم بعد أن عرى ذلك الموقف الجميع أمام أنفسهم
لا تنكر بأنها أجبرت بدورها على الزواج منه لكن أيضًا قد اعتادت على وجوده داخل حياتها ولن تستطيع البعد عنه كما فعلت ياسمين مع زوجها
انتبه عدي لنظراتها فعلم حينها بأن الشك تسرب لقلبها
فنظر داخل عينيها يرى مدى خوفها والذي يشابه خوفه بحد كبير
أجبر كلاهما على الآخر لكنها وطفلته أصبحوا جزءً هامًا في حياته ولن يستطيع البعد عنهم مهما حدث.
رسم ابتسامة محى بها ذلك الخوف التي تخفيه بفشل في عينيها وقال بثبوت
_ هتفضلي واجفة إكدة كتير؟
تقدمت منه لتجلس بجواره وقالت بوجل
_ خايفة.
أمسك يدها ليرفعها إلى شفتيه يقبلها بحب وقال بهدوء
_ أني كمان خفت جوي بس في فرج بينا وبينهم
خالد خاين لكن اني عمري ما فكرت أخونك ولا عيني شافت غيرك، يمكن لإني خابر زين إن محدش مننا هيخرج برة الجصر بس برضه احترامي لذاتي وليكي خلاني ارضى بحياتي لحد الرضا ده ما بقى حب واكتفيت بيكي.
لم تصدق يسر ما تسمعه اذناها وقد توافق قوله مع شعورها وسألته بعيون راجية
_ بجد يا عدي؟
اتسعت ابتسامته وهو يجيبها بحنان
_ بجد ياجلب عدي، صحيح أني مبعرفش ازوق كلامي بس ده اللي حاسه ناحيتك.
تنهد بتعب وتابع
_ بس خايف لسيلين ويحيى يكونوا زي خالد وياسمين.
انكرت يسر شكه
_ لأ متخافش يحيى بيحب سلين من زمان جوي وهي كمان، ويمكن دي الچوازة الوحيدة اللي هتتم بالرضا مش بالاجبار.
لاح الحزن في عينيه وتمتم بحزن
_ بس شمس أختي كانت بتحب جواد ومع ذلك كانوا عايشين في عذاب.
_ شمس كانت مشكلتها الوحيدة أنها رافضة حياة الصعيد وجواد كل حياته هنا وفي المزرعة خصوصاً، وزاد تعلقه بيها لما جدك كتبها باسمه، وبعدها زادت الخلفات لحد ما وافجها وخرچت معاه ومرچعتش.
تبدلت ملامح وجهه لتلك الذكرى وقال بإدانه
_ لو كان مشي معاها بالرضا مكنش حصل اللي حصل، إنما عشان مجبر اتسبب في الحادثة اللي أخدتها منينا.
شعرت بالاستياء من تحامله عليه وقالت بدفاع
_ بس چواد مكنش جاصد، اللي حصل ده قضاء وقدر وناله منه نصيب بلاش تجسوا عليه بالشكل ده وكفاية اللي هو فيه.
رد عليها باحتدام
_ ايه اللي هو فيه! عايش حياته في المزرعة ولا على باله، وحتى ابنها اللي كان بيهون علينا فراجها أخده مننا وحرمنا منيه، واللي كانت تعباه في حياته خلص منها وبكرة يتچوز ويعيش حياته واحنا نتعذب بفراجها.
علمت يسر بأن لا فائدة من الحديث معه فقد رسخت بعقله ولن يغيرها مهما حاولت.
والفضل بذلك يعود لوالدته التي دمرت العلاقة بينهما أكثر.
❈-❈-❈
في قسم الشرطة
وقف توفيق أمام مكتب الضابط وهو مقيد بالحديد وكل ما يشغله نجاتها من تلك المعضلة
لو علموا بما حدث سيسيء لها ذلك الحادث، وهو لن يسمح بذلك
عليه أن يبعد أي شبهه عنها
تفاجئ بتميم وسلوى يتقدمون منه ويسألون بخوف
_ توفيق ايه اللي حصل؟
حاول توفيق الثبات أمامهم كي لا يشك احد بشيء ورد بهدوء
_ متقلقوش إن شاء الله هخرج منها المهم توليب متخلهاش تظهر الفترة دي نهائي
ازاد قلقها عندما تذكرت أمر ابنتها وعادت تسأله
_ هي فين صحيح انا رجعت وعرفت اللي حصل ملقتهاش
_ أنا اللي مشتها المهم دلوقت تخليها مختفية لحد ما نشوف ايه اللي هيحصل.
سمح العسكري له بالولوج فدخل وهو يدعوا أن تنجى ابنته من تلك المحنة
فور دخوله اشار له الضابط بالجلوس فهو يعرفه معرفة عابرة لكن يعلم جيدًا بأنه شخصية جديرة بالاحترام والتقدير فسأله الضابط
_ احكلنا اللي حصل يا أستاذ توفيق.
تحدث توفيق بثبات
_ انا كنت في شقتي والباب خبط وروحت عشان افتح لقيته هو اتناقشنا في موضوع وفي الآخر اختلفنا وبدأ يتهجم عليا فطبيعي إني ادافع عن نفسي ملقتش غير التمثال ده عشان اخبطه بيه عشان يبعد عني ومكنتش اعرف إن الضربة دي ممكن تموته.
نظر إليه الضابط بشك وسأله
_ وايه اللي يخليه يتهجم عليكم في وقت زي ده من غير سبب؟
التزم توفيق الصمت فلن يستطيع التفوة بكلمة قد يسحب قدمها داخل الدائرة وقد أكد شك الضابط بأن هناك سبب آخر فعاد يسأله
_ طيب مين كان معاك في الوقت ده؟
_ مكنش فيه حد معايا كلهم كانوا برة في الوقت ده.
أومأ الضابط وامر بحبسه حتى ترحيله للنيابة.
❈-❈-❈
في الصباح
طرقت نادية غرفة سهام عمة آسر كي تعلمها بزواج آسر من ابنتها بعدما فقدت الأمل للتحدث مع ابيه.
سمحت لها بالدخول وتقدمت منها نادية بألم لم تستطيع اخفاءه فسألتها
_ خير يانادية؟
ازدردت جفاف حلقها وغمغمت بتردد
_ انا مش عارفة اقولك ايه بس انا حاولت اوصل لعاصم بيه بس معرفتش فقلت مفيش غيرك ممكن يساعدني في المصيبة دي.
هزت سهام رأسها بتفاهم وتمتمت بتعالي
_ تقصدي فلوس؟
هزت نادية رأسها بنفي
_ لا ياهانم مش فلوس
تمتمت سهام بملل
_ طيب قولي في ايه.
اخفضت عينيها بحزن
_ اصل يعني آسر بيه الله يرحمه كان يعني….
صعب عليها قولها لكن سهام أجبرتها بحدة
_ نادية خلصي وقولي في ايه انا مش فاضية.
شعرت بخنجر حاد يخترق قلبها لكن عليها التحمل كي تنقذ نفسها وابنتها من الفضيحة
_ آسر بيه كان متجوز نور بنتي … وهي حامل.
اتسعت عين سهام بصدمة كبيرة ونهضت من فراشها تدنو منها لتجذب نادية من ذراعها وتقول بغضب
_ انتي بتقولي ايه يا نصابة انتي؟
رفعت نادية عينيها إليها بغضب وتمتمت
_ انا مش نصابة ياهانم واظنك عارفة كدة كويس، ابنكم اللي ضحك على بنتي واتجوزها عند مأذون وخلاها حملت منه.
صرخت بها سهام
_ انتي كدابة آسر مستحيل ينزل لمستوى الخدامين ده، امشي اطلعي برة واقسملك لو شفتك انتي ولا بنتك في الفيلا هوديكم في ستين داهية وانتي عارفة كويس انا اقدر اعمل فيكم ايه.
انكسر قلب نادية من تلك الاهانة لكنها التمست لها العذر وعادت تقنعها
_ بس ياهانم دي الحقيقة ولو مش مصدقة…..
قاطعتها بانفعال وهي تدفعها لخارج الغرفة
_ انتي واحدة كدابه روحي شوفي بنتك غلطت مع مين، آسر ده تربيتي انا وعارفة كوبس انه مستحيل يبص لاشكالكم دي، امشي اطلعي برة وإن شوفتك تاني همحيكي انتي وبنتك من على وش الدنيا
لم تتحمل نادية تلك الإهانة وفضلت الانسحاب لعلمها جبروت تلك المرأة فجذبت أذيال الخيبة وخرجت من غرفتها مقهورة مذلولة وكل ذلك بغباء ابنتها
يبدو أن الجميع سمع ما حدث مما جعلها تخفض عينيها بألم شديد وهي تشعر بالعيون تخترقها وعندما وضعت قدمها على أولى درجات الدرج شعرت بالدنيا تلتف بها واستسلمت لذلك الظلام الأخير الذي غلفها.
❈-❈-❈
في منزل مراد
تجمعوا في الصباح بغرفة والدتهم التي رحمها الله بنعمة الصبر كي لا يضيع أجرها
امسك مراد يدها يقبلها ويحثها على الثبات
_ شدي حيلك ياإمي واثبتي وإوعاكي تضيعي أجرك.
هزت راسها باستسلام وبرضا لما قسم لها
_ متخافش ياولدي عمر البكا ما هيرچع اللي راح، انا احتسبته عند الله وخلاص.
ربت مؤيد على يدها الأخرى وقال بحكمة
_ اكيد ربنا له حكمة في كدة، ياإما بيختبر صبرنا يا إما شايف إن مكانة آسر عنده أفضل فأخده له.
اومأت له
_ الحمد لله على كل حال.
نهض مراد ليساعدها على النهوض
_ طيب يلا خلينا نفطر مع بعض الوكل من غيرك ملوش طعم.
ساعدها على النهوض وتوجه إلى غرفة الطعام
ويتظاهر كل واحدٍ منهم بالثبات رغم النار التي تعتمل بداخلهم
لكن هذه حكمة الله ولن يستطيع أحد الاعتراض على قضاءه.
جلست كل واحدة منهم بجوار زوجها وسهر تنظر إلى سلمى بأسف
لقد تحملت لدغاتها كثيرًا ولم تشتكي لكن ماذا تفعل في غيرتها منها
ترى اهتمام مراد وتمسكه بها رغم مصابها عكس مؤيد الذي لا يهتم بها أمامهم ويدعي الإحراج
تعلم جيدًا بأنه عاشقًا لها حتى النخاع لكنه دائمًا متحفظ أمام أهله عكس مراد الذي دائم الابتسام في وجه سلمى ولا يبخل عليها بعواطفه أمامهم رغم تذمته في الدين والخلق
تقابلت نظراتها مع سلمى التي ابتسمت لها بود مما جعلها تخفض عينيها بخزي
فدائمًا تقابل غيرتها منها بالمحبة
انتهوا من تناول طعامهم وبدأوا بحمل الاطباق إلى المطبخ
همت سهر بغسل الاطباق لكن سلمى منعتها
_ سيبي الاطباق انا هغسلهم واطلعي ورا جوزك.
رمشت بعينيها تندهش من طيبة تلك المرأة وتمتمت برفض
_ لأ سيبيهم انا هعملهم هو اصلًا مش راضي يحدتني واصل.
ربتت سلمى على يدها وقالت بثقة
_ مؤيد مفيش اطيب منه ممكن يكون فاكر إني زعلانة بس انتي زي اختي ومستحيل ازعل منك، اطلعي وراه وحاولي تراضيه.
أومأت لها سهر وتركتها وصعدت خلف زوجها.
دلفت الغرفة لتجده يبدل ملابسه للخروج
تقدمت منه تسأله
_ مؤيد انت خارچ.
أومأ لها بصمت فعادت تسأله
_ هترچع على طول ولا هتأخر؟
تقدم من المرآة ليمشط خصلاته وهو يجيب بفتور
_ معرفش.
دنت منه لتمسك يده وتجبره على النظر إليها وقالت برجاء
_ هتفضل مخاصمني كتير؟ جلتلك آسفة ومكنش جصدي، حتى هي سامحتني وقبلت آسفي.
رق قلبه لها وتحدث برزانة
_ سهر أني عايزك تشيلي سلمى من دماغك، كفاية اللي هي فيه من ناقصة نزود همها ولا حد مننا يچرحها بكلمة حتى لو من غير جصد.
عادت الغيرة إليها لكنها جمحتها بداخلها وقالت بثبوت
_ حاضر مش هضايجها تاني.
لاحت ابتسامة صافية على وجهه بدلته هي بأخرى مليئة بالحب وتمتم باحتواء
_ بحبك
اتسعت ابتسامتها وألقت نفسها في حضنه فيحيطها بكل الحب الذي يحمله بداخله
❈-❈-❈
أسرعت نور إلى المشفي ليعاد المشهد أمامها مرة أخرى حينما خرج الطبيب يخبرهم بوفاة والدتها
لكن تلك المرة الأصعب والأشد
فقدت ماتت سندها وأمنها وأمانها وكل شيء لها
رحلت وتركتها وحدها في دنيا لا ترحم ولا ترأف بأمثالها
استندت بذراعها على الجدار ووضعت رأسها عليه لتنتحب بكل القهر الذي تحمله بداخلها خمسة ايام فقدت فيهم اعز ما تملك حبيبها الذي ضحت بالغالي والنفيس لأجله
ووالدتها التي لم تعرف سواها منذ أن فتحت عينيها على تلك الدنيا.
انتحبت وبكت ونظراتهم لا ترأف لها بل تدينها وتحملها موت والدتها
فماذا يخبأ لها الزمان بعد الآن.
عزاء آخر جلست به بكمد والألم ينحرها بغير رحمة
الجميع حولها ينعي مصابها
مجرد كلمات تخرج من أفواههم وليست قلوبهم
منهم من يقول فلتظلي معي
وآخر يخبرها بأنه سيظل بجوارها وآخر..وآخر.. وكلها كلمات فقط وبعد انتهاء العزاء لن تجد أحد منهم
وها هي تجلس وحيدة في شقتهم والتي خلت من كل شيء ماعدا هي.
اجفلت عندما طرق الباب ونظرت في ساعتها لتجدها قد تعدت الثانية عشر
تقدمت من الباب لتسأل بوجل
_ مين؟
أجابت سهام بقوة
_ أنا سهام هانم.
إندهشت من مجيئها في هذا الوقت فقامت بفتح الباب فتقابلها عينين سهام التي تكاد تحرقها بلهيبها
فقالت بهدوء
_ اتفضلي ياهانم.
دلفت سهام وهي تنظر للمكان باشمئزاز ووقفت خلف الباب لتقول بفتور
_ أنا مش جاية اضايف هما كلمتين وماشية على طول
تقدمت سهام خطوة بتعالي من نور وتمتمت بمغزى
_ أنا جاية بس عشان اعزيكي وانبهك إن وجودك هنا لوحدك غلط عليكي
متضمنيش حد ممكن يكسر عليكي الباب ويعمل فيكي أي حاجة
او مثلًا ماشية على طريق وعربية معدية تخبطك
ولا فضيحة في الشارع اللي انتي فيه ده
كل حاجة واردة اليومين دول
فياريت من سكات كدة تسحبي بعضك وتشوفي مكان تاني تقعدي فيه ومتظهريش قدامي ولا قدام عيلتي لأي سبب من الأسباب.
فهمت نور ما ترمي إليه تلك المرأة وسألتها
_ واللي في بطني؟
نظرت إليها بسخرية وقالت باتهام
_ ده تشوفي حد تاني تلزقية له إنما إحنا لأ(تابعت بوعيد) انصحك تسمعي الكلام وتبعدي عن هنا خالص
يا تسمعي الكلام ياإما تقولي عليه يارحمن يارحيم وانتي عارفة كويس أوي أنا ممكن اعمل ايه.
تقدمت منها أكثر وهي تخرج بعض النقود وتضعها في يدها
_ الفلوس دي تكفيكي وزيادة تشوفي بيها مكان تاني تعيشي فيه قدامك مهلة يومين والتالت محدش هيلومني على اللي هعمله.
همت بالخروج لكن صوت نور أوقفها
_ استني عندك
نظرت إليها سهام بتساؤل وقالت نور بتعالي وهي تعيد إليها نقودها
_ خلي فلوسك معاكي يمكن تحتاجيها وبالنسبة لابني اللي كان رابطه بيكم خلاص راح وانتهى.
أعادت سهام النقود إلى حقيبتها وخرجت من الشقة فتغلق نور الباب خلفها بحدة واسندت رأسها عليه وتبكي بقهر.
❈-❈-❈
عادت إلين غرفتها وهي تحمل كوب عصير ووضعته على المنضدة بجوار توليب التي مازالت تبكي فجلست بجوارها لتناولها الكوب وهي تقول بتأثر
_ اشربي الليمون ده عشان يهديكي شوية وفهميني في ايه؟
بعد محاولات كثيرة من إلين حكت لها كل شيء فتنصدم مما تسمعه وسألتها
_ والراجل ده عايش ولا ميت؟
هزت راسها بنفي وقالت بنحيب
_ مش عارفة بس صدقيني كان غصب عني ومكنتش قاصده اموته، انا لما لقيت بابا بيموت في ايده مفكرتش غير اني أنقذه وبس وملقتش قدامي غير التمثال ده ومكنتش اعرف ان خبطة زي دي هتموته.
ربتت إلين على كتفها وسألتها بتأثر
_ وبعدين هتعملي أيه دلوقت؟
هزت رأسها بألم
_ مش عارفة، انا خايفة أوي على بابا.
فكرت إلين قليلًا ثم قالت
_ أحنا ناسيين أدهم هو محامي واكيد هيساعدنا.
همت بالنهوض لكن توليب منعتها بخوف
_ لأ بلاش.
اندهشت من خوفها وتحدثت بتعاطف
_ متخافيش من أدهم مستحيل يعمل حاجة تأذيكي هو أكيد هيطلعلنا مخرج من الحكاية كلها.
تركتها توليب على أمل أن يجد لهم مخرجًا كما أخبرتها فتعود بعد قليل ومعها أدهم فجلس على المقعد امام توليب ليقول بتركيز
_ أحكيلي اللي حصل بالظبط وبلاش تفوتي أي حاجة
عادت تحكي ما حدث معها وأدهم يستمع إليها بتركيز حتى انتهت
ساد الصمت قليلًا كأنه يفكر في مخرج وقال بهدوء
_ هو كدة هيتعرض على النيابة الصبح وانا هروح معاه واعرف ايه المستجدات لإن في ثغرات ممكن تفيد أو تضر في الجريمة وخصوصاً أنه تبع الشرطة ودي بتبقى صعبة شوية
هشوف الأول ايه اللي هيحصل، وانا هتصل على تميم اطمنه إنك عندنا ونشوف هنعمل ايه.
خرج ادهم وعادت هي للبكاء وإلين بجوارها تحاول التخفيف عنها.
_ خلاص بقى أدهم طمنا الحمد لله.
هزت راسها بنفي وتمتمت بحزن
_ مفيش حاجة هتطمني غير إن بابا يخرج من الحبس، لو حصله حاجة مستحيل اسامح نفسي، انا فتحت عينيه عليه هو معرفش في الدنيا غيره لو بابا الله يرحمه عايش مكنش هيحبني ولا يجازف عشاني زيه هو.
حتى اهل بابا محدش منهم فكر يسأل عليا او يشوف إن كنت محتاجة حاجة ولا لأ
اجهشت في البكاء وتابعت
_ لو متطلعش براءة انا هروح اعترف بكل حاجة.
_ إن شاء الله هيطلع براءة والمحنة دي تمر على خير.
________________
في الصباح
وقفت سلوى وتميم امام القسم ينتظرون خروجه عندما جاءهم أدهم
_ معلش اخرت عليكم بس مريت على المستشفى الأول عشان اشوف الحالة والحمد لله هو لسة عايش بس الدكاترة بيقولوا انه في غيبوبة ناتجه عن ارتجاج في المخ ومش هيقدروا يحددوا مدتها
رد تميم بوجل
_ ربنا يستر
نظر ادهم إلى سلوى وقال بهدوء
_ على فكرة ياطنط وجودك مش هينفعه في حاجة اتفضلي روحي انتي واحنا معاه.
ردت سلوى بإصرار
_ مستحيل أسيبه في الظروف دي كفاية إنه ضحى بنفسه عشان ينقذ بنتي.
خرج توفيق من القسم وهو مقيد فأسرعت إليه سلوى وتميم
_ توفيق.
_ بابا.
نظر توفيق إلى سلوى بعتاب ونهر تميم وبانفعال
_ جيبتها معاك ليه في مكان زي ده؟
نظر لوالدته بعتاب ثم أجاب والده
_ مقدرتش عليها واصرت أنها تيجي تشوفك.
نظر إلى سلوى وقال بأمر
_ روحي انتي وانا إن شاء الله هخرج منها.
هزت راسها بألم وتمتمت ببكاء
_ مش هقدر لازم اطمن عليك الأول.
تقدم منها ادهم وقال بحكمة
_ فعلاً ياطنط وجودك مش هيفيد اتفضلي انتي واحنا معاه.
لم يتركهم العسكري للحديث وأخذه وصعد به سيارة الترحيلات.
❈-❈-❈
في المزرعة
انتبهت ياسمين على صوت بكاء يزن فنهضت مسرعة وهي تشعر بحنين جارف إليه
خرجت من الغرفة لتجد حياة تقف به أمام الغرفة تحاول تهدئته
تقدمت ياسمين منه وما إن رآها حتى بكي ليس خوفًا بل عتابًا لها لتركه
همت بأخذه لكن حياة ابتعدت به بوجل
_ انتي مين؟
قطبت ياسمين جبينها من وقاحة تلك الفتاة وأجابت بروية
_ انا عمته
رمشت حياة بعينيها وتمتمت بـ إباء
_ أني اول مرة أشوفك.
انفعلت من رعونتها ونادت نعمة
_ نعمة
خرجت نعمة من المطبخ فتفاجئت بوجود ياسمين
_ ست ياسمين جيتي ميتى؟
اشارت ياسمين على حياة وسألتها
_ مين دي؟
اجابت نعمة
_ دي المربية اللي جواد بيه چابها لابنه.
رمقتها ياسمين بفتور وقالت بأمر
_ هاتي الولد.
ترددت حياة وكأن روحها في ترك يزن ولكنها لم تمانع تندما مدت ياسمين يدها تأخذه منها عنوة وقد هدئ نحيبه فور حمله ووضع رأسه على كتف ياسمين وكأنه يستمد منها الأمان
وقالت بأمر
_ روحي انتي دلوجت.
شعرت حياة بالغيرة عليه وقد استاءت من وجود ياسمين التي شاركتها في حب ذلك الصغير، لن تسمح بأن يأخذوه منها
هو عوضها عن طفلها الذي أخذ منها ولن تسمح بتكرار الأمر
خرج جواد من غرفته على صوتهم فسأل ياسمين باقتضاب
_ في ايه؟
اجابت ياسمين باندفاع
_ البنت اللي مشغلها عنديك دي مش مرتحالها.
نظر إلى حياة التي دلفت المطبخ خلف نعمة وتحدث بثبوت
_ دي بنت غلبانه متحاوليش تضايجيها.
هم بالعودة لغرفته لكنها أوقفته
_ جواد مردتش عليا لحد دلوجت
استدار إليها ليجيب بحزم
_ لأ ومش عايزك تفتحي التحديت معاي مرة تانية.
استاءت ياسمين من رفضه وسألته بعدم فهم
_ ليه يا جواد أنا من حقي أشوف أمي….
قاطعها جواد بهدر وقد تجمعت شياطين الدنيا كلها أمامها وهو يحذرها بسخط
_ جولتلك الست دي خارچ حياتنا والكلمة اللي جلتيها دي متتكررش تاني في بيتي فاهمة ولا لأ؟
رمشت بعينيها وقد انتفض جسدها إثر صوته الذي بث بداخلها الرعب منه وكذلك طفله الذي استيقظ ليعاود البكاء مرة أخرى على كتف ياسمين مما جعل جواد يستاء من فعلته
فتركهم وخرج من المنزل ذاهبًا إلى خيله كي يتناسى بينهم كل أحزانه.
________________
في النيابة
دلف توفيق ومعه ادهم إلى المكتب
سمح لهم وكيل النيابة بالجلوس وقدم أدهم نفسه
_ أدهم الصاوي حاضر مع موكلي.
اومأ وكيل النيابة وبدأ الاستجواب وقد أصر توفيق بأنه الفاعل فقال الوكيل
_ بس البصمات اللي موجودة على التمثال مش بصماتك ومستنيين تقرير المعمل الجنائي عشان يأكد البصمات دي خاصة بمين؟
زم أدهم فمه باستياء وقد كانت لافتة مدمرة للحدث فقال توفيق
_ لأ اكيد في غلطة أنا اللي ضربته.
عاد يسأله
_ فين بنت مراتك؟
تحدث ادهم بثبات
_ انا شايف إن مفيش داعي لذكرها في الموضوع.
رد الوكيل بثقة
_ بس التحريات بتقول إنها وقت الحادث خرجت من الباب الخلفي للعمارة وهي خايفة وبتجري.
نفى توفيق
_ محصلش بنتي مكنتش موجودة في الوقت ده.
_ كانت فين؟
_ كانت مع ولدتها.
صحح أدهم قوله
_ يقصد إنها خرجت مع ولدتها قبل الحادث وكانت موجودة عند أختى وباتت معها وتقدر تراجع الكاميرات الموجودة في العمارة اللى موجودين فيها.
تحدث الوكيل بتأكيد
_ احنا فعلاً بعتنا نراجع الكاميرات بس الموجودة في العمارة
طرق الباب ودلف المحضر بالاوراق
فقام وكيل النيابة بالاطلاع عليها وقال
_ البصمات بتتوافق مع بصمات توليب وفيق الحسيني
نظر في الأوراق الأخرى
_ والكاميرات اثبتت عدم خروجها قبل الحادث وخروجها بعده من الباب الخلفي للعمارة.
رد توفيق باقتضاب
_ أكيد مش هي.
_ طيب ايه سبب الاعتداء عليك جوة شقتك؟
_ زي ما قلت لحضرتك كان جاي يقعد معايا شوية واتخانقنا
_ خناقه توصل للشروع في قتل؟
لم يجيب توفيق فقال وكيل النيابة للكاتب
_ اكتب ياابني
قررنا نحن النيابة العامة بضبط واحضار توليب على الحسيني وحبس المتهم توفيق واصف الجنيدي بالحبس ثلاث أيام على ذمة القضية.
خرج توفيق من المكتب وقلبه ينتفض بخوف على ابنته فقال لأدهم الذي تعقدت الأمور أمامه وقال له برجاء
_ أدهم ارجوك توليب أمانة في رقبتك لازم تهربها بأي شكل، مستحيل اسيبها تتحبس يوم واحد مش هتتحمل.
اومأ له قائلاً بثقة
_ متقلقيش عليها انا هتصرف، انا بعت رسالة لإلين واحنا جوة عشان تهربها قبل وصول الشرطة لها.
________________
قرأت الين الرسالة ونظرت لتوليب التي جلست بكمد على الفراش تنتظر وصول اي خبر عن والدها
شعرت بالحزن عليها وما تواجهه من مصاعب وقالت بحزن
_ توليب.
نظرت إليها توليب بأمل لم يدوم طويلاً عندما وجدت الحزن المرتسم على ملامحها وقالت إلين بأسف
_ لازم تهربي حالًا
قطبت جبينها بدهشة وسألتها
_ ايه اللي حصل؟
قاطعهم رنين الهاتف والذي لم يكن سوى أدهم
فأجابت إلين بلهفة
_ أيوة ياأدهم أيه اللي حصل.
رد أدهم من الجانب الآخر
_ توليب لازم تهرب حالًا الشرطة جاية في الطريق عشان تخدها
اخذت توليب الهاتف لتفتح مكبر الصوت وسألته بوجل
_ ايه اللي حصل؟
اجاب بحدة
_ قلت لكم مفيش وقت اهربي بسرعة واقفلي موبايلك ومتفتحيش لأي سبب من الأسباب
وجه حديثه لإلين
_ إلين اديها مفتاح الشقة اللي في…… تقعد فيها لحد ما نشوف القضية هتوصل لفين؟
_ حاضر
اغلقت الهاتف ونظرت لتوليب التي الجمتها الصدمة عندما وجدت نفسها أصبحت مجرمة بين ليلة وضحاها
_ توليب قومي بسرعة غيري هدومك
هزت راسها بنفي
_ مش هسيبه واتخلى عنه.
نهرتها بحدة
_ مش وقته الكلام ده اهربي ومتضيعيش اللي عمله عشان وهو أكيد هيخرج منها أدهم معاه ومش هيسيبه
بعد محاولات عدة قامت توليب بتبديل ملابسها والاستعداد للهرب لكن صوت الباب الذي طُرق بقوة جلعهم يتسمروا في أماكنهم
❈-❈-❈
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله1 اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق