القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية غناء الروح الفصل الرابع عشر 14بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)

 

رواية غناء الروح الفصل الرابع عشر 14بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)





رواية غناء الروح الفصل الرابع عشر 14بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)



الفصل الرابع عشر...


-ازاي يا سليم، يعملوا فيكم كده؟!


رفع "سليم" عيناه المستشاطة غضبًا واكتفى بنظرة ساخطة نحو "يزن" المُلقى بجانب والدته ممسكًا برأسه متألمًا، فصاح "زيدان" بغضب للمرة الثانية على التوالي:


-الكلاب اقسم بالله ما هسيبهم أبدًا.


أخيرًا، خرج صوت "سليم" متحدثًا بقسوة وعيناه تشتد ظلمة:


-أنا كان ممكن ألم الموضوع وده كله مايحصلش، بس ماحستش بنفسي لما لقيت يزن اضرب، فنزلت عجن فيهم.


نطق آخر حديثه بنبرة سوداء ساخرة، لكن ابتسامتها التي أضاءت له في عتمته استفزته كثيرًا، خاصةً أنه يعلم تمام العلم أن ابتسامتها تخفي وراءها الكثير من السخرية، بعد أن سلطت بصرها على الكدمة الحمراء بجانب عينيه، وقد تأكدت له ظنونه حين نطقت بصوتها الهامس وهي تميل نحوه، تخصه بلهجة متشفية:


-شوفت اللي بيجي عليا، مابيكسبش أبدًا يا...سولي.


احتدت نظراته نحوها، بينما تراجعت بظهرها والتسلية تعبر بقوة فوق ملامحها، وكأنه لمح شيئًا من السعادة لما مر به اليوم! زفر بحنق محاولًا الابتعاد عن التفكير بها وبتصرفاتها الطفولية التي كادت أن تصيبه بالجنون.


انتبه "سليم" إلى شجار قائم بين كلاً من "زيدان" و"يزن"، حتى ارتمى "يزن" مرة أخرى في أحضان والدته يئن متألمًا:


-اه يا ماما، المفتري ابنك جاي عليا بزيادة، يا أخي خلي عندك دم.


ثم فتح نصف عينيه، ينظر إلى "مليكة" الجالسة بجانب "زيدان"، تُبدي تعاطفها معه:


-ما تجبيله كيسين من بنك الدم يا مليكة، وتعملي فينا معروف.


فلتت منها ضحكة صغيرة، لكنها سرعان ما دفنتها بسبب توهج عيني "زيدان" نحوها، وقوله:


-والله ما في حد غيرك ماعندوش دم، بسببك اخوك الكبير اتضرب.


-حسن ملفظك، الواد اخدني على خوانة مش أكتر.


اخشوشنت نبرة "سليم" متجاهلًا النظر إليها بعد أن لمح شبه ضحكتها، وما أنقذه هو قول "يزن":


-يا عم أنت نفسك لو كنت موجود كان زمانك اتطحنت دول عشرة على اتنين، ده كويس اننا طلعنا بخير من الحوار ده!


ربتت "منال" فوق ظهر "يزن" بحنان ممزوج بعتاب اصطحبته نبرتها:


-شوفت يا يزن أخرة حوارات البنات! عالله تكون عقلت وربنا يهديك.


حمحم بحرج قائلاً وهو يعدل جلسته:


-يا ماما صدقوني أنا بريء، المرة دي بجد مكنش معايا بنات والله، دول بنتين شوفتهم بيتعرضوا لموقف زبالة وأي حد مكاني كان عمل كده.


-يا سلام وطالما أنت ماكنش معاك بنات، رايح السينما ليه لوحدك؟! عليا بردو!


قالها "زيدان" بسخرية لاذعة، فوجه "يزن" حديثه بنفاد صبر لـ "شمس" يسألها:


-شمس أنتي شوفتي معايا حد يا بنتي؟؟


-لا خالص كان لوحده.


قالتها ببسمة متحفظة، بينما ركز "سليم" ببصره عليه بقوة وكأنه يخبره بعدم تصديقه، لكنه ظل ساكنًا حتى نهض وتقدم نحو "يزن"، مشيرًا إليه ليتبعه، تجاهله "يزن" عن قصد وظل يتألم، عله يجذب خيوط الشفقة لديه، ولكن الفشل كان حليفه حين أحس بقبضة "سليم" القوية تستقر فوق ذراعه، تجذبه بقوة وصوته المبطن بالهدوء أثار الذعر في نفسه:


-قوم ادخلك جوا اوضتك، أكيد دايخ دلوقتي، من الخبطة اللي اخدتها على دماغك.


-الحنية دي مش متطمنلها، سيبني هنا أحسن، أنا ناقصني حنان الأم.


توقف "سليم" لحظة، يهتف ساخرًا:


-وحنان الأخ؟!


امتعض وجه "يزن" وهو يجاهد الفرار من قبضة "سليم" القوية:


-لا مابحبوش بيقلب معدتي.


تجاهله "سليم" عن قصد وحاول التحرك، لكن تشبث "يزن" بموقفه، مستخدمًا قوته للفرار من عرين أخيه الأكبر:


-أيه يا سليم أنت بتجر وراك ابن اختك، شكلي يا أخي قدامهم.


نجح "سليم" أخيرًا في تحريكه حتى وصلا إلى داخل غرفة "يزن" وأغلق الباب خلفه وهو يقول باستهجان ملحوظ:


-وأنت بتحافظ على شكلك اصلاً!


تصنع "يزن" الصدمة وهو يردف بنبرة مبطنة بالسخرية:


-ليه وشي باظ؟!


نهره "سليم" بقوة وهو يقسو في كلماته، ونظراته الغاضبة تشمل ملامح "يزن" الباردة، مما أثار القلق في نفسه:


-ماتستعبطش، انت فاهم كويس أنا اقصد أيه؟!


زفر "يزن" بقوة وهو يضرب كفًا بآخر في اعتراض قوي مماثل:


-احلفلك على المصحف إن أنا مكنش معايا بنات عشان تصدقني، ربنا يسامحك يا زيدان الكلب هو اللي حط الفكرة دي في دماغك.


لكزه "سليم" في كتفه والغضب يتطاير كنيران من نبرته ونظراته:


-ليه شايفني عيل بيصدق أي حاجة بتتقاله، ده أنا حافظك صم وشوفتك بعيني.


للحظة، أصابه توتر بسيط، لكنه سرعان ما أظهر عكس ذلك بمهارة لا يمتلكها إلا هو:


-أكيد كان متهيألك صدقني، دي تهيؤات، بتحصل ساعات.


رفع "سليم" حاجبيه من إصرار أخيه على الفرار من صلب الموضوع، على الرغم من أن هذا لم يكن طبيعته من قبل؛ فقد كان أكثر جرأة وحماقة، ودائمًا يرى ارتباطه بالفتيات أمرًا غير معقد بالمرة، عكس هذه المرة، حيث يبعد الشبهة عن هذه الفتاة بأي طريقة، لذا عقد ذراعيه أمامه وكان أكثر وضوحًا وهو يقول:


-مش دي البنت اللي جت قبل كده المحل عندنا عشان سلسلتها! والخناقة النهاردة كانت بسببها بردو.


لوهلة، أحس بالضيق عندما نجح "سليم" في كشف الستار عنه، لكنه حرك كتفيه بلا مبالاة مقصودة وهو يتحرك نحو فراشه ليجلس عليه:


-صدفة! مجرد صدفة مش أكتر.


استدار "سليم" خلفه وهو يقول بنبرة يغمرها الضيق:


-يا سلام والمفروض أني اصدقك، انكوا اتقابلتو صدفة!


رفع "يزن" عينيه بتجهم واضح، فالتف حبل السخرية حول صوته قائلًا:


-اه زي ما قابلتك صدفة بردو، وانت استحالة تروح سينما وحصلت عادي يعني!


نفد صبر "سليم"، فتلفظ حروفه بشراسة ضمنية:


-ماتلفش وتدور عليا، أنا مش صغير قدامك، علاقتك أيه بالبنت دي يخليك تتحمق ليها لدرجة دي!


نهض "يزن"، يجاهد فرض الهدوء مجددًا بينهما، رغم أنه افتقد لذلك في بداية حديثه:


-ولا علاقة ولا نيلة، دي معرفة سطحية جدًا، وموقفي واحد سواء معاها أو مع أي بنت بردو غيرها!


وقبل أن يفتح "سليم" فمه، سارع بفرض قوله:


-وبعدين انت شوفتها كلمتني ولا عبرتني حتى!


عقد "سليم" ما بين حاجبيه بعبوس وهو يقول:


-ما يمكن ده حوار ما بينكم؟!


ضحك يزن بسخرية على حاله، قائلاً:


-لا ماتقلقش هي محترمة مالهاش في الكلام ده.


استكانت ملامح "سليم" للحظة، لكنه ثار مرة أخرى يسأله بعبوس مبطن بالاشمئزاز:


-غريبة؟ يبقى كنت بتحاول تفرض عضلاتك قدامها، بتجذب انتباهها ليك يعني، ماجتش سكة كده، تيجي كده.


استنكر "يزن" قول أخيه، ونفض غبار الدناءة عن نفسه، حين قال بنبرة يملأها الغرور والترفع عن تلك الأفعال المشينة بحقه:


-لا حاسب مش يزن الشعراوي اللي يعمل كده، وبعدين انت ليه محسسني أني خسيس ودنيء كده، ده أنت يا أخي اللي مربيني وعارف أني شهم وجدع وبقف جنب أي حد.


تنهد "سليم" بنبرة ملؤها الحزن، مسلطًا الضوء على أمور يبدو أن أخيه الأصغر يتغاضى عنها:


-للأسف أنا فشلت في تربيتك، واوعى تكون فاكر أني مش حاطط عيني عليك.


رفع يزن حاجبيه معًا باستنكار وهو يقول:


-متراقب يعني؟! أنا كبرت على الكلام ده يا أبيه!


تغاضى "سليم" عن سخريته المقصودة واحتدت نظراته وصوته الغاضب، الذي استخدمه كسوط شرس يهبط به فوق عقل "يزن" الغائب عن أمور تمس الشرف والسمعة:


-لا يكون في علمك مفيش حد كبير عليا، وأي غلطة يا يزن هتحصل تاني من ناحيتك صدقني هيكونلي حرية التصرف في حياتك زي ما أنا عايز وبالشكل اللي أنا شايفه صح! 


اتسعت ابتسامة "يزن" بتهكم وهو يقول:


-وأنا أعمل أيه؟!  المفروض ابصم يعني على كلامك ده؟


اقترب "سليم" من الباب كي ينهي ذلك الجدال المرهق بقوله الحاد:


-أعلى ما في خيلك اركبه، أنا صبرت عليك كتير، يمكن تعقل وتهدى، بس خلاص صبري نفذ ومابقتش قادر استحمل تصرفاتك, تصبح على خير يا محترم.


زفر "يزن" بقوة وهو يرى أخيه ينهي الجدال حينما أراد ، فقال بعصبية طفيفة:


-دي مكنتش خبطة اخدتها في عينك، هتعملي حوار عليها يا سليم!


لم يجبه "سليم"، بل أغلق الباب خلفه. زفر "يزن" بقوة، وهو يخلع حذاءه ملقيًا إياه أرضًا بعنف:


-ده أيه القرف ده!


ثم تنهد عدة تنهيدات متتالية وكأنه يجذب أطراف الهدوء إلى صدره المشحون، والسلام إلى عقله الثائر بسبب تهديدات "سليم" المستمرة، فتلك الفتاة تحديدًا لم يتوقع أن تكون غريبة الأفعال؛ لقد احتار حقًا في التعامل معها، ولأول مرة في تاريخ تعامله مع الفتيات، تقود فتاة العلاقة بينهما، فيصبح هو التابع لها، ينتظر أفعالها وتقربها منه!


وعند هذا الحد، عاد بجسده للخلف وأغمض عينيه بقوة يحاول تصفية ذهنه ليجد طريقه في التعامل معها! بالرغم من أنه شعر بالضيق لتجاهلها له وتركها له أثناء العراك، عندما لاذت بالفرار مع صديقتها دون أن تطمئن عليه، بل تجاهلته عن قصد عندما لم تُجرِ حتى اتصالًا به!


                            ****

في اليوم التالي...


غابت غريبة الأطوار عن أنظاره طوال اليوم، فهدمت آماله في لقائها، انتظر مرورها ككل صباح، لكنها اختفت فجأة حتى ظهرت تتبختر في مشيتها أمامه من أول الطريق، متظاهرة بتجاهله، زادت وتيرة الغيظ لديه من تلك الغامضة، فراقب مشيتها البطيئة بتمعن وتركيز حتى دخلت باب البرج الكبير. 

خطا خلفها بخطوات واسعة حتى استطاع إمساكها وإيقافها قبل أن تصعد أولى درجات السُلم، استدارت بجسد متشنج وعيون تصرخ بالغضب بسبب طريقته في الإمساك بها، قال ببساطة ونبرة خافتة:


-اهدي أنا يزن.


نظرت له وكأنه أبله بسبب محاولته تهدئتها، ثم قالت بصوت مشحون بالضيق والسخرية معًا:


- المفروض إن أنا كده اهدى يعني؟! اسمك مهدأ فعلاً.


رفع حاجبيه من سخريتها الواضحة وقرر استفزازها بمواجهتها التي تجاهد في الفرار منها:


-هتغاضى عن تريقتك، بس عايز أعرف أنتي صح كده لما تتجاهليني؟!


ظلت ممسكة بعصا التجاهل، وردت بعتاب وهي تضم ذراعيها أسفل صدرها:


-يا أستاذ يزن مش عيب تيجي ورايا كده!


رمقها باستهجان واضح والتقت عيناه بعينيها، التي انتقلت بحرية في كل مكان إلا النظر إليه:


-أستاذ يزن؟! مش ملاحظة إنها مش في محلها يا.... يا أنسة سيرا.


تحفظت بملامح باردة وهي تجيبه بابتسامة سمجة، عكس مشاعرها التي كانت تتراقص بعنفوان نظرًا لملاحقته لها، فنما لديها شعور بالسعادة حين أحست ببوادر تحقيق مرادها:


-ليه مش في محلها، بالعكس حفظ الألقاب مفيش أحلى منه!


سخر منها بصوت خشن مقصود وعيناه تنضحان بالضيق بسبب مراوغتها:


-ألقاب؟! وده بعد أيه بقى؟!


تظاهرت بالملل وزفرت بعبوس، مردفة:


-أنت ليه محسسني أني حبيبتك وبتهرب منك! ما تفوق يا يزن.


عقد ذراعيه أمامه مثلها وكأنه يمتهن نفس طريقتها، ورد بوضوح ممزوج بغرور، الذي أحيانًا يزعجها:


-أولاً أنتي لو حبيبتي ما تقدريش تتهربي مني، لإن القرب مني جنة والبعد عني جحيم، ثانيًا أنا فايق أوي يا سيرا وعارف أنا بعمل أيه، ثالثًا يزن طالعة من بوقك عسل، شفتي حفظ الألقاب مالوش مكان ما بينا ازاي، كان عندي حق صح؟


تمردت بعنفوان أنثوي وهي تشيح بيدها بأسلوب نافر:


-حق في أيه بالظبط!، اصل أنا جالي كرشة نفس من كم الغرور اللي أنت بتتكلم بيه؟! وحقيقي ماعرفش أنا واقفة بتناقش معاك في أيه؟ ما تخليك صريح معايا ودوغري عشان نرتاح.


اقترب خطوة منها، ونظر في عينيها مباشرةً، وبصوت هامس يحمل نبرة التحدي قال:


-حلو لعبة أنك مش فاهمة حاجة وغبية و....


أوقفته حين ردت عليه بتحدٍ وعناد ساخر:


-شتيمة كمان وهصوت والم عليك البرج واتهمك باتهامات تهدد سمعتك!


اتسعت ابتسامته وهو يفتح ذراعيه مرحبًا بأي تهمة تلصقها به في سبيل الاقتراب منها والسبر في أغوارها أكثر بعد أن نجحت في استفزازه:


-دي حاجة تسعدني على فكرة! 


رمشت بأهدابها وهي تنظر له بحماقة:


-هو أيه ده؟!


رد برعونة وابتسامة سمجة تعلو شفتيه، مقتربًا خطوة أخرى غير عابئ بنظراتها المستنكرة لاقترابه الواضح منها:


-أكون متهم معاكي في حاجات تهدد سمعتي.


أنهى كلامه بغمزة من طرف عينه، فقست ملامحها وهي ترمقه بإعجاب ساخر في آنٍ واحد:


-لا بقى ده أنت بايع القضية!


نجحت في إبعاده عن مراده، لكن سرعان ما أدرك خطتها الخبيثة حين أحس ببوادر هروبها، عاد مرة أخرى وصوب نحو مرماها بهدف واضح، حين أمسك بمرفقها في حركة استغربها حين خرجت منه بعفوية لم يقصدها:


-ماتصلتيش امبارح ليه تفهميني الموقف السخيف اللي عملتيه فيا!


دفعت يده بقسوة رغم توترها البادي على وجهها وحذرته بلهجة واضحة، وكأنها لم تأبه لانفعاله البادي على وجهه هو الآخر من طريقتها الحادة معه:


-ايدك لو فكرت تلمسني هقطعهالك، وبعدين موقف سخيف أيه! هو أنا لما أروح مع أهلي سينما دي حاجة ضرتك في أيه معلش!!


رفع أحد حاجبيه بتحدٍ، وأمسك بها كالفأر حين نصب له مصيدة، تساءل بقسوة:


-اه يعني قاصدة الحركة دي؟!


أشارت إلى نفسها ببراءة، فتحولت نبرتها فجأة إلى الاستعطاف:


-أنا؟!


ثم عادت بسرعة تبرر وكأنها قطة تستعطف صاحبها:


-أبدًا، كل الحكاية إن أنا اتدبست انهم يجوا معايا، فمعرفتش اسيطر على الموقف بس مالحقتش افهمك عشان ماتروحش!


لم تؤثر طريقتها فيه، فرد بتهكم طفيف:


-معقولة الفريق القومي ده كله كان عايز يروح معاكي!


ألصقت عنوةً ابتسامة ظريفة فوق شفتيها وهي تجيب بعناد:


-اصل احنا أسرة مترابطة شوية، وبعدين دي حاجة ماتخصكش!


احتدت نبرته قليلًا وهو يواجهها، ملقيًا كافة اللوم على عاتقها بسبب ما حدث بالأمس:


-بس اللي يخصني إنك أقل تقدير ليا تفهميني، أو مثلاً يا شيخة تقفي تتطمني عليا بعد ما كنت بتخانق علشانك!


ردت بحماقة يقبع خلفها ضحكة كبيرة، لو أخرجتها لظهر تهاونها معه:


-إيه ده انت اتخانقت علشاني!


رفع حاجبيه من طريقتها المستفزة معه، وزادت نبرته الساخرة خشونة:


-لا علشاني أنا، أصلهم كانوا بيعاكسوني أنا!


حجمت من ابتسامتها، وعيناها مضيئتان مستمتعتان بتلاعبها به:


-طيب بعد كده ماتمشيش في أماكن ضلمة لوحدك، حافظ على نفسك.


استدارت بخفة لتصعد الدرج هربًا من حصاره، إلا أنه رفض وأسرع بخطوتين، فتبدلت أماكنهما:


-ماتستعبطيش، احنا لسه مخلصناش كلامنا، أنا قولتلك إني عايز نخرج مع بعض واتكلم معاكي، يعني الموضوع مخلصش.


قبضت كفيها بقوة تكتم غضبها من استسهاله في التعامل معها، لكنها أظهرت عكس ذلك؛ بدت هادئة، وشفتيها تحملان ابتسامة صغيرة، بينما انسدل ستار الغموض على عينيها:


-تمام مفيش أي مشكلة، ممكن نتقابل يوم الجمعة تمام.


انكمشت ملامحه بقلق وهو ينظر إليها بتمعن:


-انتي بساطتك وانتي بتديني الميعاد مش مطمنلها!


همست بنعومة بالغة، متقنة البراءة ببراعة أثرت على تفكيره:


-ليه بس ده أنا حتى طيبة اوي.


نظر في عمق عينيها اللامعتين، وخفض صوته، فحملت نبرته نغمة رجولية هينة داعبت فؤادها المتأهب لأي حركة تصدر منه، متعطشًا لأي كلمة تروي جفافه:


-بس عينك بتقول عكس كده.


توترت قليلاً، لكنها تمالكت نفسها أمام حصاره:


-عـ...عيني.


استغل ارتباك صوتها وعينيها المهزوزتين، ودفعه ذلك إلى مخاطبتها بلطف وحنان ممزوج بنكهة خاصة يعرفها وحده:


-اه عينك بتقول الغاز بحاول افكها، انتي مش الشخصية البسيطة اللي بتحاولي تبينها!


كادت تنهار أسوارها أمامه، لكنها اختبأت خلف سور الحنق قائلة بانفعال:


-قصدك إن أنا معقدة، ماسمحلكش!


لم يتخلَ عن أسلوبه الملتوي في سلب لب الفتيات، معتقدًا أنه حتى وإن عافرت، فحتمًا ستعلن استسلامها، فسألها بمكر:


-انتي عايزة أيه بالظبط؟!


زفرت بضيق، وشعرت بالاختناق من ضغطه عليها:


-عايزة اطلع شغلي عشان هاترفد.


اتسعت ابتسامته، وظهرت "غمازة" في وجنته لأول مرة لاحظتها، فهتف بمزاح:


-يا ريت وأنا هشغلك في ثواني عندي في الأجانص.


تهكمت بصوتها وملامحها الحانقة، وأرسلت رسائل الغضب لاعتماده أسلوب التأخير:


-هعمل زومبا للعربيات عندك ولا أيه مش فاهمة!


وبعدما ألقت مزحتها الساخرة، شعرت بقرب قدوم أحدهم من الطابق الثاني، فدفعت "يزن" بقوة فجأة حتى كاد يختل توازنه، ورفعت نبرتها عمدًا:


-انت عايز مني أيه! سيبني في حالي، لو سمحت أنا مش بتاعت كده، لو قربت مني تاني، هديك ألم على وشك يسمع في ودانك الحلوة دي!


اتكأ "يزن" بصعوبة على الحائط بجانبه، متعجبًا من أسلوبها المفاجئ، لكن عندما ظهر الحاج "أحمد" يهبط الدرج، اعتدل "يزن" في وقفته وبلع كلماته المندفعة التي كانت على طرف لسانه، هبط الدرج برأس مرفوع وجسد متشنج، متجاهلًا نظرات الحاج "أحمد" الذي بدا عليه الاستنكار الناري.


عندما غادر "يزن" عن أنظار الحاج "أحمد"، التفت الأخير إلى "سيرا"، التي كانت تستعد لصعود الدرج، فأوقفها بعصاه وقال مستفهمًا:


-اللي اسمه يزن ده عايز منك أيه؟


انسحبت الدماء من عروقها وهي تنظر إليه، محاولة إيجاد طريقة للهرب من غضب صاحب البرج، الذي كان واضحًا عليه، فأجاب بالنيابة عنها:


-أنا وصل لي أنه بيحاول يوصلك، بس أنتي مش مدياله فرصة.


هزت رأسها إيجابًا واكتفت بالصمت، فقال بحزم وضيق:


-خلاص يا بنتي اطلعي انتي، وأنا هحط له حد.


-شـ شكرًا.


همست بارتباك واضح وصعدت الدرج بسرعة لتختفي عن أنظار الحاج "أحمد"، الذي بدا مستاءً وغاضبًا، ولم تعلم أنه نوى الذهاب إلى "سليم الشعراوي" ليشتكي له تصرفات أخيه الماجنة من وجهة نظره.


بينما دخل "يزن" معرضه، كان الضيق يتفاقم بجنون داخله بعد تصرفها معه، حتى لو كانت تريد الحفاظ على سمعتها، كان أمامها ألف طريقة وطريقة للخروج من ذلك المأزق، متناسيًا أنه من وضعهما في ذلك الوضع الحرج بتتبعه لها وعرقلته إياها، أمسك هاتفه وأرسل لها رسالة نصية يعاتبها فيها:


"مكنش حلو أبدًا إنك تتكلمي بالطريقة دي وتبيني إني بجري وراكي، ووداني الحلوة اللي هتنزلي عليها بقلم، أنا قبلها هكون كاسر إيدك القمر يا قمر."


أغلق الهاتف وألقاه فوق مكتبه، مقررًا التركيز في عمله، ونوى ألا يظهر أمامها مجددًا، مقررًا دفن أمر سيرا برمته في طي النسيان، ولكن هاتفه أضاء برسالة، فقرأ محتواها وتفاجأ من جرأتها المستفزة في الرد عليه:


"زعلان ليه؟ ما أنت بتجري ورايا فعلاً."


كانت رسالتها بمثابة صفعة قوية هبطت فوق وجهه، ولأول مرة، تجرأت فتاة عليه وتلاعبت به كما تشاء، بينما هو كالأبله يركض خلفها!

فتوعد لها في سره، مقررًا رد الصفعة في أقرب وقت.


                            ****

فرك "نوح" جبينه بقوة، والإرهاق ترك آثارًا واضحة على وجهه الشاحب، أبعد يده عن وجهه وتابع دخول "حسناء" بابتسامتها المشرقة وهي تقدم له فنجان قهوة ساخن، نظر إلى الفنجان بتعجب، فأجابت برقة:


-أنا حسيت إنك محتاج قهوة.


رد باقتضاب، وهو يركز ببصره على حاسوبه الآلي:


-شكرًا، في حالات كتيرة برة.


أجابت بمهنية وتركيز شديد، ولكن ابتسامتها لم تترك ثغرها الوردي:


-لا في كام واحدة بس، بس في حالات انتظار على اتصال مننا.


رفع بصره إليها ورد بإرهاق وضيق مكتوم:


-لا ماتتصليش على حد، أنا فاصل النهاردة.


استندت على طرف المكتب بيدها وهي تردف برقتها، مبرزة اهتمامها به دون خجل:


-لا الصراحة بقى انت بقالك كام يوم فاصل.


رفع أحد حاجبيه وارتسم على شفتيه شبح ابتسامة مستنكرة:


-ده انتي مركزة بقى؟!


لم تخجل من نظراته، وتهكمه المبطن بكلماته، وأردفت بجرأة جذبت اهتمامه:


-وإن ماركزتش مع حضرتك، هركز مع مين، ده شغلي.


ترك قلمه وهو يستند بظهره على كرسيه، 

متسائلاً باستنكار ملحوظ وشبح ابتسامة إعجاب ظهر على شفتيه:


-شغلك؟!


هزت رأسها إيجابًا، وقالت بنعومة بالغة ونظرة إعجاب لم يخطئها "نوح":


-ايوة دوري إن اهتم بيك وبكل طلباتك ده في نطاق شغلي، زي ما حسيت إنك محتاج فنجان قهوة عملتهولك من غير ما تطلب.


ابتسم ابتسامة صغيرة، ناظرًا إليها بغموض أربكها قليلاً وهو يسألها:


-انتي مخطوبة يا حسناء؟!


اتسعت ابتسامتها عندما شعرت بقرب مرادها، فردت بحماس ظهر جليًا بنبرتها:


-لا ولا مرتبطة، بتسأل ليه يا دكتور؟!


-عادي، مجرد سؤال عادي.


هز كتفيه بلا مبالاة أحبطت شعلة حماسها، وهو يعود لمتابعة حاسوبه، ولكن صوت جلبة في الخارج أثار حفيظته وانتباهه، فنهض وتحرك ناحية الباب وخلفه حسناء، فتح الباب فوجد النساء المتواجدات في العيادة يقفن في حالة ارتباك، فمرر بصره بينهن بعدم فهم، حتى قالت إحداهن بإحراج:


-معلش يا دكتور، ابني كسر الحنفية اللي في الحمام، والدنيا متبهدلة جوه.


خطى خطواته نحو دورة المياه وهو يأمر حسناء:


-اتصلي على أي سباك بسرعة.


دخل "نوح" دورة المياه فوجد اندفاع المياه عاليًا، فحاول إغلاقها للوصول إلى محبس المياه المتواجد بجانبها، وعندما أنهى مهمته ابتلت معظم ثيابه ووجهه وشعره، وقف ينثر المياه عنه بضيق، حتى دخلت حسناء تهتف بلهفة:


-اتصلت على واحد وجاي حالاً.


أنهت كلامها بشهقة أنثوية خافتة وهي تمرر بصرها عليه، مقتربة منه غير عابئة بأي شيء سوى التقرب منه، فقالت بنعومة وخوف مقصود:


-يا خبر يا دكتور، انت كده هتبرد، معاك هدوم هنا اجبهالك تغير.


ابتعد خطوة للخلف بسبب اقترابها الشديد منه، وهتف بنفس نبرته الحانقة:


-لا مفيش.


تلكأت في سؤال داعب طرف لسانها، لكنها أفصحت عنه:


-طيب في حد في البيت نتصل عليهم، يبعتولك لبس.


-لا، أنا هنزل اروح أغير وخلاص.


كاد أن يخطو للأمام ولكنها منعته وعرضت عليه مساعدتها:


-طيب لو تحب أروح أنا البيت عندك، اجيبلك لبس، أصل مش هينفع تخرج برة كده، أنا خايفة عليك تاخد برد.


تأفف بضيق من هيئته وابتلال ملابسه، ففكر قليلاً قبل أن يأمرها بوجوم:


-روحي يا حسناء، روحي بسرعة، خدي المفاتيح من المكتب وخلي عم فتحي السواق يروح معاكي وهقولكم تجيبولي كام حاجة من هناك.


                            ***

وبالفعل، ذهبت "حسناء" مع السائق، لكنها منعته من الصعود معها رغم تنبيهات "نوح" لها بضرورة صعوده معها إلى الشقة، أخرجت المفتاح وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تدخل إلى الشقة، ثم مررت بصرها سريعًا لتتأكد من خلوها.


ابتسمت ابتسامة جانبية ساخرة، ممتزجة ببعض الحقد على "يسر"، ناعتة إياها بالحمقاء لتركها ذلك الغنى الفاحش وافتعال المشاكل مع زوجها، فلو كانت مكانها لفعلت له الأهوال!


فهمست بحقد وقهر:


-النعمة بتيجي في إيد اللي ما يستحقهاش!


دخلت إلى غرفة النوم وبدأت تبحث بها حتى اصطدمت بوجود ثياب "يسر"، فهمست مجددًا بغيظ:


-دول لسه ما طلقوش!


انتظرت قليلًا تفكر بخبث، حتى لاح في ذهنها فكرة خبيثة، دخلت إلى دورة المياه، وخلعت قطعة ثياب داخلية وألقتها في صندوق الثياب الموضوع بجانب "الغسالة"، وابتسامة ماكرة تحتل ثغرها.


بعدها خرجت سريعًا لتنهي احتياجات "نوح" بعجلة من أمرها، ثم نزلت إلى السائق تبتسم له ابتسامة واسعة.


-اتأخرت يا عم فتحي.


-لا لا خالص، بلا بينا أصل زمان دكتور نوح على أخره.


                               ****

مساءً.


تابع "يزن" طاجن البامية الذي ينتقل بأريحية على طاولة السفرة، فأمسك به فجأة وأردف بنبرة يملؤها الغيظ موجهًا لـ "شمس" المصدومة منه:


-ياستي ماتحطيش لسليم بامية، حطي لي أنا.


زفر "زيدان" بقوة وهو يجذب الطاجن منه بعناد متعمد:


-هات الطاجن ده يا عم، احنا مدقناش حاجة بسببك.


توقف الطعام في حلق "يزن"، فسعل بقوة حتى غاص وجهه في إحمرار قانٍ من شدة سعاله، ثم قال بغيظ:


-يخربيتك هموت يا ابني، عينك مدورة وراشقة في أكلي، ما تخليك في طبقك.


وضع "زيدان" الطاجن أمام "سليم" مرة أخرى، وهو يردد بشراسة طفولية:


-ما انت واخد السفرة كلها لحسابك يا بارد، واحنا ولا كأننا موجودين.


جذبته "مليكة" التي كانت جالسة بجانبه وهمست له بعتاب:


-خلاص يا زيدان، هبقى اعملك بامية.


تدخل "يزن" برجاء وهو يمازح "مليكة" التي توسعت عيناها عندما استطاع سماع همسها:


-واعزميني يا مليكة، عشان ربنا يباركلك.


صدح صوت "منال" وهي توجه حديثها لـ "سليم" المتلاعب بملعقته في صحنه، ويبدو عليه الشرود:


-مالك يا سليم، مابتاكلش ليه؟!


رفع عينيه يخصها بابتسامة مقتضبة وهو يقول بنبرة شبة متحشرجة:


-باكل، تسلم ايدك.


تركت "منال" ملعقتها وسألته بقلق، بينما انتبه الجميع لهما:


-لا شكلك متضايق من حاجة، انت اتضايقت عشان فاجئتكم وقولتلكم تتعشوا معايا النهاردة.


سارعت "شمس" بقولها الممتن وبسمتها الصافية:


-لا أبدًا، مفاجئة حلوة يا ماما، ابقي كرريها.


كشر "يزن" وجهه وهو يردف بتنبيه حاد مصطنعًا الجدية:


-بس يوم البامية يا ماما متعزميش حد، خليها على قدنا.


لكزته والدته وهي تقول بعتاب، وفي ذات الوقت تضغط على شفتيها:


-بطل هزار يا يزن، اخواتك يفهموك غلط.


انفكت عقدة لسان "سليم"، واسترسل بقوله الصلد وعيناه ترسل شرارات السخرية الموجهة لـ "يزن" وحده:


-يبطل ليه!، هو مش فالح غير في الهزار.


امتعض وجه "يزن" ورد باقتضاب يحمل رجاءً طفيفًا قبل أن ينظر في طعامه ويبدي اهتمامه به:


-يا سليم أنا جعان، بلاش الكلام اللي يسد النفس ده.


القى "سليم" بملعقته في غيظ من برود أخيه المعتاد، ورد بعصبية طفيفة:


-واللي عملته النهاردة ده اسميه أيه يا محترم؟!


رفع "يزن" بصره إلى موضع الملعقة متعجبًا من رد فعل أخيه الاكبر المندفع، فأجاب بعدم فهم:


-عملت أيه؟، أنا ماعملتش أي حاجة!


حمحمت "شمس" بقوة، لتنهي ذلك الشجار الذي بدأت بوادره في الظهور:


-خلاص يا سليم بعد الاكل ابقى اقعد مع يزن واتكلموا.


انفجر "سليم" بانفعال ضارٍ ، وهو يوجه فوهة غضبه نحو "شمس" المتفاجئة من رد فعله القاسي بحقها:


-أنا مفيش حد يقولي اعمل أيه وماعملش أيه، وطالما هو ماتكسفش من نفسه وماشي يفضحنا في كل مكان، يبقى نخلي الكلام على الملأ.


تدخل "زيدان" لتهدئة الوضع بحذر، قائلاً بنبرة رخيمة رزينة:


-في أيه يا سليم اهدا....


ثم التفت نحو "يزن" يرمقه بغيظ من أفعاله الصبيانية المتكررة:


-هو أنت هببت أيه؟؟


تظاهر "يزن" بالبرود، رغم هجوم شعور بالقلق إلى قلبه بعدما رأى احتدام عيني "سليم":


-والله ما اعرف، اسالوه الجديد عنده!


نهض "سليم" وشرر الغضب يتطاير من عينيه كجمرٍ مشتعل، فطرق بيده فوق الطاولة، لدرجة أن الصحون والملاعق تحركت قليلاً عن مكانها فأصدر عنها صوت جلبة أثار الذعر في نفوسهم:


-احترم نفسك وانت بتكلمني، وطالما الجديد عندي.


نظر إلى "زيدان" ضاغطًا على حروفه بحنق، فبدت نبرته مختنقة من شدة انفعاله:


-اقولك يا زيدان، الباشا كان بيعاكس في بنت شغالة في الجيم اللي في البرج اللي قصاده، والبنت زهقت من مطاردته ليها، وصاحب البرج اشتكالي من أسلوبه وسمعته، وإنه مش سايب البنت في حالها.


نهض "زيدان" من مقعده يدافع عن أخيه ولكن بدت نبرته مهتزة بعض الشيء:


-أيه ياسليم  الراجل ده شكله مأفور، يزن مش لدرجادي يعني.


قبض سليم يديه حتى أبيضت مفاصله، وسأل "يزن" بوضوح شرس، وعيناه تزداد قتامة وغضب:


-كنت واقف جوه البرج ولا لا يا يزن؟ وحاولت توقف البنت غصب عنها كتير ولا لا؟ واوعى تكدب الكاميرات جابتك.


نظر إليه "يزن" بوجه خالٍ من أي تعابير، وكأن حقائق حديثه لم تخدش تفكيره:


-وأنا اكدب ليه!، اه وقفت معاها وجوه البرج ومفيش حد له عندي حاجة.


ظهر صوت سليم حاد كالسيف، وكأن كل كلمة تخرج من معقل تفكيره بغيظ مكبوت:


-لا فيه احنا، اهلك اللي حاطط سمعتنا في الارض من تصرفاتك.


نهضت "شمس" وحاولت امتصاص غضبه، فردت بنبرة مهزوزة بعض الشيء وهي تلمس يده بأصابعها:


-اهدا يا سليم.


نفض يدها بعيدًا عنه، وهو يفقد أعصابه، فارتفعت نبرة صوته أكثر، وتحولت نظرات الجميع نحو "يزن" باتهام: 


-محدش يقولي اهدا، لما اقف زي العيل الصغير واسمع كلام زي السم من الراجل عنه وعن تربيته، ودمي يتحرق.


رفع رأسه، وتقابلت نظراته مع نظرات "سليم" المحتقنة دون خوف، فقال بثبات:


-ودمك يتحرق ليه، هو الكلام عليك ولا عليا!


خطا خطوة إلى الأمام وأشار نحو صدر "يزن" باستشاطة:


-انت اخويا يا غبي، يعني اللي يمسك يمسني، وإن مكنتش واعي على اللي بتعمله في نفسك، أنا اوعيك.


حدق في عيني سليم دون خوف، مبتلعًا إهانته على مضض، فرد بنبرة هادئة جدًا غير مناسبة للأجواء المشحونة:


-أنا مش غبي، وعارف كويس اوي أنا بعمل أيه، والراجل ده أنا هروح له بكرة وهعلمه الادب.


تدخل "زيدان" بغيظ من برود أخيه الأصغر، قائلاً:


-أدب أيه يا ابني، ما تقعد ساكت.


بدا وجهه كصخرة، لا يهتز مهما قيل له، لكنه أجاب بكلمات محتدمة:


-لا مش هسكت، وهو يتكلم عليا ليه ويروح يقول حاجات غلط وهو أصلا مش فاهم حاجة.


-يعني البنت بتتبلى عليك؟!


تساءل "سليم" بجمود وهو ينظر بعمق في عيني "يزن" الذي سارع بإبعاد عينيه مجيبًا بغموض استفز الجميع:


-محدش فاهم الموضوع، يبقى محدش يتكلم ولا حد له دعوة بحياتي.


انفجر بصيحةٍ مدوية، أخرج بها كل ما يعتمل داخله من إحباط وخيبة، وبدأت الكلمات تتدفق منه دون توقف، كأنها سهام تصيب "يزن" بلا رحمة:


-لا لينا، لما الاحظ إن البنت بتحاول تصدك وقدامي في المحل، ولما تتخانق في السينما وهي ماتعبركش وتمشي وتسيبك وصاحب البرج وهو وواحد من المنطقة يقولولي إنك بتتعرضلها كتير وبتحاول تصدك، يبقى لازم افهم إن اخويا خلاص دماغه باظت وهبت منه على الآخر، وافهم إنك مش قادر تصدق إن في بنت بترفضك فبتجري وراها.


دفع يزن الكرسي خلفه بقوة جعلت صوت احتكاكه في الارض يخرس جميع الألسنة بصدمة، وذلك عندما حدق بعينيه اللتين اشتعلتا بنيران الغضب في وجه سليم، فلم يعد قادرًا على تحمل إهانته أمام الجميع، فقال بصوت مزلزل:


-أنا مابجريش وراه حد.


فقد "سليم" السيطرة على نفسه، وصرخ بصوت حاد يحمل تهديدًا ناريًا:


-وطي صوتك وانت بتكلمني، انت بتزعقلي؟!


نهضت "منال" من جلستها تمسك بيد "سليم" المتشنجة من فرط غضبه، ثم التفتت إلى "يزن" تمسك يده هو الأخر برجاء خاص:


-خلاص يا سليم اهدا عشان خاطري، وانت يا ابني روح للصاحب البرج ده وكلمه بالادب وفهمه مثلاً إن في مصلحة بتقضيلها وخلاص.


أبعد يد والدته بهدوء ونبرته الخشنة تزداد شراسة وتحدٍ:


-مايتفلق، اقسم بالله ما ارضى اعبره، ده راجل حشري اصلاً.


استُنفدت طاقة "زيدان" فرد بنزق وضيق:


-ومنظر اخوك ومنظرنا عاجبك يعني!، انت اتجننت يا ابني.


تهكم "سليم" بنبرته الخشنة الصلدة وهو يشير نحو نفسه:


-لا عادي يا زيدان، عادي اخوه الكبير يتهزء بسبب اسلوبه اللي زي الزفت.


عادت "منال" تتدخل برجاء أكثر قوة:


-يزن اسمع كلام اخوك زيدان، وماتتعرضش للبنت دي تاني، وروح للراجل...


قاطعها "سليم" بحدة وهو يركز ببصره على "يزن" الذي كان متأهبًا لقرارات سليم، معلنًا بوادر عصيانه بعينيه الرافضتين لكل كلمة "سليم" يتفوه بها:


-لا مش هيروح، أنا خلصت الحوار، وقولتله إن هو كان بيطلب منها رقم أبوها عشان عايز يتقدملها، والراجل اقتنع وسكت.


لم يعقب على حديث "سليم" واكتفى بإلقاء نظرة عدم رضا، ثم توجه نحو باب الشقة، إلا أن "سليم" أوقفه مستنكرًا رد فعله:


-انت رايح فين، هو أنا خلصت كلام؟


استدار "يزن" إليه يقابل استنكاره الطفيف بنبرة هجومية حادة تحمل استنكارًا لاذعًا:


-انت مش لسه قايل إنك خلصت الحوار!


-خلصته معاه بس مش خلصته معاك.


تلون وجه "يزن" بحمرة غاضبة، وهو يخرج شحنات غضبه المكتوم في صورة اندفاعية تحمل شراسة ممزوجة بالسخرية:


-وأيه المفروض يحصل، افتح ايدي تضربني ولا تمدني على رجلي عشان اتعلم الادب!


اقترب منه "سليم" والشر يقطر من كلماته المتوعدة:


-لا العقاب ده سهل بس انت كبرت على الضرب، مش أنا آخر مرة قايلك لو غلطت أنا هتصرف في حياتك بالطريقة اللي هتعجبني!


صمت "يزن" عن قصد ولم يُجِب بأي شيء منتظرًا استكمال "سليم" كلماته التي استنبطها بفطنته، لذا ظهر على جانب فمه بسمة ساخرة:


-انا جبت اسم ابو البنت واخدت منه معاد وهنروح وتتقدملها.


أظهر "يزن" اعتراضه في صورة ضحكة ساخرة تحمل رفضًا قاطعًا، بينما نظر الجميع لبعضهم متعجبين من تطور الأحداث السريع:


-نعم!


تناثرت شظايا كلمات "سليم" في وجه "يزن" على مرأى ومسمع الجميع:


-اللي سمعته وده قراري ومفيش رجوع فيه، طالما مشيت وراها وبتحاول تتعرضلها يبقى تشرب نتيجة تصرفاتك.


صب "يزن" جام غضبه في صورة كلمات مستنكرة منسوجة بخيوط التحدي القوية:


-اشرب! طيب ما سهل اوي اقولك مش هعمل كده، واللي عايز تعمله اعمله واقلب الترابيزة في ثانية!


حاول "سليم" كبح طوفان غضبه، ولكنه فشل بعد تمرد أخيه الأصغر عليه كطير أبى الانصياع لباقي السرب، فحلق بعيدًا متجاهلاً بشاعة قراراته المتهورة: 


-وانا سهل اوي اكسر الترابيزة فوق دماغك، لو ما نفذتش اللي قولت عليه، البت دي هتخطبها يعني هتخطبها أنا مش هطلع عيل قدام الراجل فاهم ولا لأ.


أشاح "يزن" بيده في لا مبالاة مقصودة وتحرك للأمام، متجاهلاً نظرات الجميع إليه، فرد بعدم رضا وغيظ:


-لا مش فاهم ولا عايز افهم.


حاول "زيدن" إيقافه عندما اعترض طريقه عدة مرات ولكنه فشل: 


-يزن، خد انت يا ابني، انت مجنون، اقف كلمنا.


-اوعى من وشي.


وضع "سليم" يده في جيب سرواله، وهو يلقي بأوامره التي استفزت "يزن" كثيرًا:


-سيبه، في الآخر اللي قولته هيتنفذ.


وقبل أن يغلق "يزن" باب الشقة خلفه، اندفع بانزعاج تام يلقي ببدايات رفضه للأمر برمته: 


-على جثتي يا سليم، أنا مش لعبة في ايدك، ولو عايز تطلع قد كلمتك، روح اخطبها انت.


وضع "زيدان" يده فوق وجهه عندما شهقت "شمس" بصدمة من رد فعله:


-يا حيوان!


رفع "سليم" رأسه وكأن العالم بأسره يقف تحت قدميه، وعيناه ثابتتان على باب الشقة لا تزيغان أبدًا، هتف بتحدٍ قاسٍ:


-اقسم بالله ما في حد هيتجوزها غيرك يا يزن، وهنشوف كلام مين فينا هيمشي.

_____________

تكملة الرواية من هناااااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااا


تعليقات

التنقل السريع