رواية جبل النار الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم رانيا الخولي
رواية جبل النار الفصل الثالث والثلاثون 33بقلم رانيا الخولي
الفصل الثالث والثلاثون
عاد داغر إلى منزله بعد أن بحث كثيرًا ولم يجدها
غضب عارم يكاد يحرق كل ما حوله وقد غدر به قلبه وجعله يسقط مرة اخرى في براثينها
الآن فقط علم لما هربت من أهلها ولما تخفت في ذلك الإسم ولما أيضاً عادت إليه
عادت عندما علمت بعماه وانه اصبح فرصة توقعه في شباكها والادهى من ذلك مشاركة عمه لها.
تذكر عمه
والذي شاركها في تلك الجريمة، من الممكن ان يكون قد علم اين هي.
اخرج هاتفه من سترته وقام بالاتصال عليه
لكن لم يجيبه
كررها كثيرًا حتى شعر بأن عمه يتهرب منه
إذا كان يتهرب منه بعدم الرد فالأفضل المواجهة وجهاً لوجه.
قام بالاتصال بالمطار كي يحجز على أول طائرة والتي ستقلع في الصباح
لكن انتبه لوصول رسالة من عمه
قام بفتحها وكان محتواها
"شوف الفيديو الأول وبعدين أرد عليك"
قطب جبينه بحيرة لكن فضوله جعله يرى على ماذا يحتوي ذلك المقطع
انتبه لعمه جالساً على المقعد في الردهة والعاملة تضع أمامه القهوة
عقد حاجبيه بحيرة وهو لا يعرف لما يرسل له عمه ذلك التصوير، تابع ما يشاهده عندما اجاب عمه على الهاتف ثم خرج من المنزل
مازال لا يعرف معنى ذلك
هم بغلقه لكنه تفاجئ بدخوله هو وأسيل
هدر قلبه بنبضات تكاد تخرج من ضلوعه عندما تذكر ذلك المشهد
نعم تلك الليلة التي ذهب إلى منزل عمه بالقاهرة والتي لا يتذكر شيئاً منها.
نعم يتذكر عندما اخذ القهوة من العاملة وعندما جلس مع أسيل يتسامران بالحديث
حتى انهى قهوته.
عند تلك النقطة انمحت ذاكرته لذا انتبه لكل ثانية تمر منه.
فقد فقد ذاكرته بعد تلك اللحظة
رآى كيف أنه أصبح صامتًا تحدثه وهو ساكناً حتى لا يجيب عليها
رأى انتفاضة جسده عندما قامت بلمس يده وقد ظهر عليها القلق كأنها تسأله عن سبب حالته.
اتسعت عينيه ذهولا عندما جلست هي قبالته كأنها تسأله عن سبب وجومه
فينقض هو على شفتيها يقبلها
قطب جبينه بصدمة مما يرى لا يصدق ما يراه
كانت أسيل تحاول الإفلات منه وهو يحكم قبضته عليها..
هز رأسه بنفي لما يحدث أمامه
فسقط على ركبتيه وقد اهتزت عينيه بذهول حينما رآها وقد استطاعت الإفلات منه لكنه وصل إليها وقام باخضاعها اسفله
رمش بعينيه لا يصدق ما يراه
كيف ذلك؟
كيف استطاع فعل ذلك في حبيبته؟
رآى قوة الصفعة التي صوبها تجاه وجهها حتى انهارت
رآى كيف قام بحملها بكل جبروت صاعدًا بها للأعلى
سقط الهاتف من يده وقد خارت قوته واستند بظهره على المقعد خلفه
لا يصدق ما رآه
مؤكد ان كل ذلك كابوس مزعج وسوف ينتهى باستيقاظه
كانت أنفاسه متسارعة كأنه قدعاد لتوه من سباق ركض.
هز رأسه ينفى ما يراه
يتضرع إلى ربه أن يكون ذلك مجرد كابوس
حتى لو كان عودت نظره من ضمنها لا يبالي.
إذا كان عودة نظره تجعله يرى تلك الحقيقة فليبقى ضريراً أفضل من ذلك العذاب الذي يفتك به الآن
قطب جبينه بعدم استيعاب لكل ما يحدث عندما وضح كل شيء أمامه
قام باغتصابها لذا هربت إلى حازم ليحميها
وهو بالمقابل ماذا فعل
لم ترى منه سوى كل جحود وهو يعاملها كالخادمة
وبعد ذلك….أغمض عينيه بشدة عندما تذكر ما فعله منذ قليل.
لقد اضعفها حبها له وجعلها تسمح له بلمسها وهو ….
وضع رأسه بين يديه وقد شعر بالانهيار
ليس فقط اعصابه بل كل شيء شعر به ينهار من حوله
اضاعها منه بعد ان اصبحت بين يديه.
ليته واجهها بالحقيقة فور عودتها
لكن ماذا يفعل بعناده وعنادها هي أيضاً
لو كانت ألقت ما بجبعتها فور رؤيته لكان خر راكعاً تحت اقدامها يطلب منها الصفح
لكن عنادهما هو من اوصلهم لتلك المرحلة والتي لا عودة لهما منها
تساقطت دموعه وهو يرى توسلاتها له أن يتركها وهو لم يأبى لرجاءها
لم يكن بوعيه وهو متأكد من ذلك
محال ان يفعل ذلك وبأسيل خاصة
فهي روحه ولن يستطيع أحد أن يأذي قطعة منه.
لكن هو على ثقة بأنه لم يتعاطى شيء ولم يفعلها يومًا، ناهيك عن وضع الكاميرا في ذلك المكان
عاد لهاتفه يعيده مرات متتالية نعم لم يكن بوعيه لكن كيف؟؟!
أعاد المقطع من بدايته
جلوس عمه ومجيء العاملة بالقهوة وقد وضح عليها الارتباك
ثم اتصال عمه وخروجه تلاه دخوله مع اسيل وأخذ القهوة منها
تذكر بأنها رفضت في البداية ان يأخذ القهوة وكيف طلبت منه ان تعد غيرها لكنه أصر عليها
رآى كم السعادة التي كانوا يتسامرون بها
وهو يذكر كل ذلك
وانتهى كل شيء يتذكره مع وضع الفنجان الفارغ
رآى كيف كان ينظر لأسيل
نظرات لم يفعلها معها يوماً.
نعم كان يرغبها بشدة لكنه لم ينظر إليها تلك النظرات يوماً
رآى أيضاً قلقها عليه وجلوسها أمامه بقلق بالغ عندما وضع رأسه بين يديه
وكيف جذبها ليقبلها عنوة رغم تمنعها
اعاد المقطع مرة أخرى ليتأكد الآن بأن القهوة لم تكن عادية.
ولم تكن له أيضاً
المقصود هنا عمه وليس هو
لما؟ ومن وراء ذلك؟
الإجابة مع عمه إذًا
أسرع بالاتصال على عمه والذي أجابه تلك المرة لكن باقتضاب
_نعم.
قال داغر بلهفة
_عمي انت وصلت للفيديو ده ازاي؟
أشار خليل لمديرة مكتبه بالانصراف حتى يتحدث بحرية وقال
_بتسأل ليه؟
رد برجاء
_أرجوك يا عمي رد عليا وصلت له ازاي.
تنهد خليل بتأثر على صوت ابنه الذي ظهر عليه الألم
_العاملة لقيته واقع في الارض.
عقد حاجبيه بحيرة
_يعني انت متعرفش حاجة عن الفيديو ده؟
قطب جبينه بدهشة
_انت بتقول ايه؟ وانا ايه اللي يخليني اعمل كدة؟
تابع بجدية
_شوف يا داغر لو كنت عملت كدة…..
قاطعه داغر بصوتٍ حاد
_معملتش…..
كررها بكل الألم الذي سكن روحه
_معملتش ومستحيل اعملها وانت عارف كويس إني مستحيل اعمل كدة وفي أسيل بالذات.
تأكد شك خليل الآن لكن اراد أن يستفهم أكثر
_اومال ايه اللي شوفته في الفيديو ده؟
وضع داغر يده في خصلاته ويشدد عليها
_مش عارف.
ابعد الهاتف عن أذنيه وقام بفتح السماعة ليشاهد المقطع وهو يحدث عمه
_عمي افتح المقطع من عندك.
طاوعه خليل وقام بفتح الفيديو الذي كان على وشك حذفه لولا اتصاله فقال داغر
_عمي انت طلبت القهوة الاول وبعدها جالك فون خلاك تسيب القهوة من غير ما تشربها صح؟
أومأ خليل دون ان يفهم مقصده
_صح، وبعدين ؟
تابع داغر
_بعدها انا دخلت مع أسيل وأخدت القهوة من البنت دي، لاحظت ارتباكها لما اخدتها منها.
ضيق خليل عينيه وهو يلاحظ حقاً ارتباك الفتاة
_واضح.
تابع داغر
_بعدها كنا بنتكلم عادي جداً وبنتفاهم على المكان اللي هنعيش فيه
من وقت ما حطيت الفنجان الفاضي على الترابيزة مش فاكر حاجة من وقتها.
اتسعت عين خليل بذهول مما يسمعه
_تقصد إن القهوة كان فيها حاجة؟
_مؤكد بس مكنتش انا المقصود.
قطب خليل جبينه بدهشة وسأله
_تقصد مين؟
رد داغر وهو يغمض عينيه بألم
_انت اللي كنت مقصود يا عمي مش انا.
أصيب خليل بالصدمة من قول ابن أخيه
وأعاد المقطع من بدايته فتأكد من قوله
هو المقصود من ذلك حقاً
لكن لما؟ ومن وراء ذلك
تذكر عندما رآى تلك العاملة تقف أمام اللوحة المعلقة على الحائط في وقت متأخر
وتذكر مدى ارتباكها عندما سألها ماذا تفعل في مثل ذلك الوقت وهنا تأكد من حديث داغر وافقه قائلاً
_فعلاً واضح أوي إن انا اللي كنت مقصود مش انت لان الكاميرا دي اتحطت مكانها قبل انت ما ترجع من السفر.
بس مين اللي عمل كدة وليه؟
لم يكن داغر منتبهاً لشيء كي يجيب عليه
فهيئة أسيل وهي تحاول الفرار منه وضربه لها لا تفارق مخيلته.
شعر خليل بالذنب تجاه ابن أخيه
والذي تحمل ذلك المصير بدلاً منه
لذا اغلق الهاتف كي يستطيع هو الوصول لمن خلف ذلك.
❈-❈-❈
في المشفى
تطلع إليهم الطبيب بأسف وقال
_الفحوصات كلها أكدت أنها مصابة بورم دموي أصيبت به جراء ضربة قوية على الرأس وقد ضغط على مناطق حيوية في المخ لذا علينا الإسراع بإجراء جراحة في أقرب وقت.
انصدم سليم من هول ما سمعه
وشعر بالدنيا تلتف من حوله
تطلع إلى الطبيب بصدمة وكرر كلمته بعدم استيعاب
_ورم؟
رفع الطبيب حاجبيه مؤكدًا مما جعل قلب سليم ينبض بعنف ولم يستطيع التفوة بكلمة أخرى.
لكن وعد من اعادته لرشده عندما سألت الطبيب
_هل هذه العملية تعد خطرة على حياتها؟
اجاب الطبيب بعملية
_في الحقيقة لن نتكهن بشيء الآن إلا بعد انتهاء العملية والتأكد من مؤشراتها لكن لا داعي للقلق هنا طبيب مختص بهذه الجراحة وسأطلب منه إجراؤها
خرج سليم من مكتب الطبيب في حالة يرثى لها
لما القدر يضغط عليها بتلك الحدة وكأنه لم بجد غيرها لينحرها بعذابه
ماذا فعلت أخته حتى تستحق كل ذلك
تلك البريئة التي سقطت في براثين تلك الدنيا الغادرة لا تعرف شيئاً عن غدرها لذا سحقتها بكل قسوة
ربتت وعد على كتفه وتمتمت بألم
_سليم مينفعش تضعف كدة أسيل محتجالك دلوقت اكتر من اي حد
لازم تشوفك قوي قدامها ويمكن ده حصل عشان تعوضها بحنانك اللي في امس الحاجة له
تطلع إليها بألم فأكدت هي
_لو كانت لسة مجروحه منك مكنتش اتحامت فيك، تعالي نشوفها فاقت ولا لأ، لازم تلاقينا جانبها.
اومأ لها رغم آلامه وتوجه إلى غرفتها
❈-❈-❈
لم يترك داغر مكان إلا وقام بالبحث فيه
حتى انه سأل بالمطار لكن تأكد بأنها لم تخرج من هناك.
إذًا اين هي؟
ازداد خوفه عليها عندما وصل الأمر لمراكز الشرطة والمستشفيات لكن لا فائدة.
عاد لسيارته وقد أخذ التعب منه مبلغه
مر يوم كامل يبحث في كل مكان لكن لا فائدة
لم يستطيع العودة إلى منزله دون ان يعثر عليها
حتى عمه بعلاقاته لم يستطيع معرفة مكانها
مسح وجهه بكفيه يحاول تهدئة ذلك الخوف الذي تمكن منه
ماذا سيفعل إذا تم خطفها.
تذكر امر الكاميرات الخاصة بالبناية هي وحدها التي ستساعده في تحديد اتجاهها.
قاد سيارته بأقصى سرعة إلى البناية حتى أنه لم يهتم بركنها ونزل مسرعًا حيث يقطن الأمن
قال لأحدهم
_أريد أن تراجع لي الكاميرات لأمر هام.
تطلع حارس الأمن لزميله الذي أشار له بالرفض فقال بأسف
_لا يجوز ذلك إلا…
قاطعه داغر برجاء
_أرجوك لابد من ذلك فزوجتي خرجت منذ الأمس ولم تعود حتى الآن
فكر الحارس قليلًا عندما رأى مدى قلقه فسأله
_متى خرجت زوجتك؟
رد داغر بتلهف
_أمس في الساعة الواحدة صباحاً.
تطلع الرجل إلى الشاشات الموضوعة أمامه وأخذ يراجع الكاميرات في ذلك الوقت حتى ظهرت أسيل وهي تخرج من البناية بحالة يرثى لها
كان قلبه يتمزق وهو يراها تستند على الجدران وتخرج من المبنى
انتقل الرجل للكاميرا الخارجية فوجدها وهي تدلف البناية المقابلة.
تعجب داغر عندما وجدها تدلف هذه البناية.
شكر رجال الأمن وخرج مسرعًا إلى البناية الأخرى
❈-❈-❈
عادت أسيل لوعيها وهي تشعر بألم شديد يجتاح كامل جسدها لكنه كان أشد في رأسها
فتحت عينيها بتثاقل فتتفاجئ بها داخل غرفة العناية المركزة والاجهزة تحيطها من كل جانب
انتبهت لدخول سليم للغرفة يتطلع إليها بابتسامة
_أخيراً فوقتي.
اومأت بعينيها بوهن وقد شعرت بالأمان يكتنفها بعد تلك الابتسامة التي تراها لأول مرة منه.
وخاصة عندما تقدم منها ليطبع قبلة على جبينها وتمتم بحب
_عاملة ايه دلوقت.
ازدردت جفاف حلقها وردت بتيهة
_حاسة بصداع شديد أوي.
لاح الحزن بعينيه لكنه اخفاه بابتسامته وقال
_هخلي الممرضة تديكِ مسكن وهيروح على طول.
ابتسمت بوهن وقد فهمت من الحزن الظاهر بعينيه أن الأمر أكثر بكثير لسبب تواجدها في العناية وألم رأسها الذي لا يجدي معه اي من المسكنات التي تناولتها في الفترة الأخيرة فسألته بصوتها الواهن
_انا عندي ايه؟
اختفت ابتسامته التي تعب من تزييفها وقال بكذب
_مفيش مجرد ارهاق مش أكتر.
هزت راسها بنفي
_متحاولش تخبي لإني شكه من فترة بس مكنش عندي وقت اهتم.
أمسك يدها بين يديه وتمتم بروية
_صدقيني الموضوع بسيط خالص هينتهي بعملية صغيرة أوي.
اغمضت عينيها من شدة الألم الذي اجتاحها مرة واحدة وبدئ يهدئ تدريجياً فشحب وجهه اكثر عندما سمعها تتمتم بخفوت
_انا خلاص مبقتش خايفة من الموت بعد ما شوفتك.
قاطعها بخوف
_متقوليش كدة صدقيني الموضوع بسيط اوي….
قاطعته هي بوهن
_اسمعني الأول لإني حاسة إني مش هقدر اتكلم تاني
بدأت أسيل بحكي كل شيء منذ ان تعرفت على داغر حتى ما حدث بينها وبينه في الأخير وسليم يستمع إليها وهو يضغط على قبضته بغضب عارم فتابعت بصعوبة في النطق وعينيها شبه مغمضتين عندما شعرت ببوادر غيابها عن الوعي بسبب المجهود الذي بذلته في الحديث
_ابني يا سليم هات ابني وخليه يعيش معاك مش لازم ابوه يعرف بوجوده.
زم شفتيه يحاول التحدث بثبات
_متقلقيش على ابنك بس محدش هيربيه غيرك.
بدأ لسانها يثقل بالحديث وهي تمتم
_عوضه…عن الحنان….اللي اتحرمنا احنا منه….وعوضه عن غيابي…..متخلهش يعمل زينا…ويدور على الحب بر……
توقفت أسيل عن الحديث عندما عادت تلك النوبة إليها واخذ جسدها يتشنج بشكل مهيب.
ضغط سليم على الزر فاسرع الطبيب ومعه ممرضة يقتحموا الغرفة واخرجوا سليم للخارج.
لم يسمح سليم بتأجيل العملية أكثر من ذلك
لذا تم اسدعاء الطبيب والذي أمرهم بتجهزيها فوراً
ظل داغر مع حارس المبني ليعرف اسماء المقيمين العرب بها
وبعد محاولات عديدة استطاع العثور على الاسماء فينقبض قلبه عندما قرأ اسم سليم حسين النعماني مدون أمامه.
لم يمهل نفسه لحظة واحدة وأسرع بالذهاب للطابق الذي به شقة سليم
اوقف المصعد وخرج منه يسير في الرواق يبحث عن رقم الشقة حتى استطاع إيجادها
كان قلبه ينبض بعنف وهو يطرق على الباب الذي يخفي عنه حبيبته
لكن لا من مجيب
أعاد الكرة مرة وأخرى حتى خرجت داليدا على ذلك الصوت تسأله
_مين حضرتك؟
التفت داغر باتجاه الصوت فيجد فتاة تتحدث العربية
سألها بلهفة
_فين صاحب الشقة؟
ردت داليدا
_تقصد أبيه سليم؟، مش موجود.
_طيب مفيش حد جوه؟
هزت راسها بنفي
_لأ هو من امبارح في المستشفى لأن أخته تعبانة ومعاها هو ومراته.
توقف قلبه عن النبض للحظات ثم سألها بتوجس
_مالها؟
_معرفش بس بابا لما كلمه قاله انها هتعمل عملية الليلة دي.
رمش بعينيه يحاول استيعاب ما سمعه وردد الكلمة كانه يحدث نفسه
_عملية؟
رفع بصره إليه يرجوها ان تطمئنه
_عملية ايه؟ وانهي مستشفى
هزت دليدا كتفيها قائلة
_معرفش.
لم ينتظر لحظة واحدة واسرع بالذهاب وهو يهاتف الطبيب المعالج لها والذي وجد اتصالات عديدة منه
دلف المصعد وضغط على الزر مرات عديدة باستعجال
اجابه الطبيب
_اين انت سيد داغر زوجتك على وشك الدخول للعمليات.
ازدادت حدة انقباضة قلبه حتى اشعره بالألم
وسأله بصوت مهزوز
_عملية ايه؟
اندهش الطبيب من عدم معرفته بالنتيجة
_الم يخبرك سيد سليم.
اغمض عينيه بضجر وعاد يسأله
_عملية ايه؟
رد الطبيب رغم حيرته
_ورم دموي.
لم يستمع داغر سوى لكلمة ورم والتي جعلت الدنيا تسود أمامه
حتى شعر بأن قدميه أصبحت كالهلام لا تقوى على حمله
توقف المصعد مما جعله يتحامل على نفسه وخرج متوجها إلى سيارته يقودها بأقصى سرعة
لا لن يجعلها تدخل قبل ان يعتذر لها
لا يقبل بدخولها حتى تغفر له وتسامحه
لن يقبل
كان يقود سيارته والتي برغم سرعتها التي ستعرضه للمسائلة إلا إنه شعر بأن السيارة ثابتة لا تتحرك
تدحرجت دموع الندم من عينيه يدعوا ربه ألا تدخل قبل أن يراها.
إن حدث لها شيء فلن يسامح نفسه ولن يستطيع العيش بدونها لحظة واحدة
أصدرت السيارة ضجيج عالي عندما توقف بها أمام المشفى وترجل مسرعًا للداخل يسأل الاستقبال عن مكان غرفة العمليات
ترك المصعد عندما وجده في الدور الاخير لن ينتظر هبوطه لذا اسرع الصعود باستخدام السلالم حتى وجدها موضوعه على الحامل ويدلفوا بها الغرفة هز رأسه برفض وقد اتسعت عينيه متمتمًا باسمها بدون وعي
_أسيل.
ركض باتجاه الغرفة وهو يناديها بأعلى صوته مما لفت انتباه سليم فعلم أنه هو
هم باقتحام الغرفة لكنهم أغلقوا الباب خلفهم فصاح بأعلى صوته وهو يراه ينغلق أمامه
_أسيل.
رفض أن يتركها دون أن تسامحه فهم باقتحام الغرفة لكن منعته تلك الأيدي الحازمة بلكمة شديدة كادت تسقطه أرضًا
❈-❈-❈
لم يكف الطفل عن البكاء وكأنه يعلم ما تعانيه والدته
توقفت هايدي عن السير به وقد يأست حقاً من تهدئته
فقالت لأمينة
_الولد كأنه حاسس بها مش راضي يبطل عياط.
لم تكف أمينة أيضاً عن البكاء منذ ان هاتفهم سليم كي يخبرهم بما حدث ويطمئن على ابنها
_وانا كمان قلبي بيتقطع عليها، صعبانة عليا اوي.
دلف حازم من الخارج في وجوم تام
_السلام عليكم.
رد الجميع السلام ثم جلس على الأريكة فتسأله هايدي
_مفيش أخبار عن أسيل.
هز رأسه بنفي وتحدث
_لا مفيش سليم قالي لما تخرج من العمليات هطمنك ولحد دلوقت مكلمنيش.
تنهد بتعب وتابع
_بس العملية دي مش سهلة ربنا يستر.
تطلع إلى إياد الذي هدئ نحيبه وغفى من شدة التعب.
_سليم طلب مني أسفرله إياد بس مش عارف ده هيحصل ازاي.
سألته أمينة بتوجس
_ليه هي مش هترجع؟
نفى حازم
_لأ سليم قالي انها مش هترجع تاني وانها هتفضل معاه.
❈-❈-❈
في المشفى
وقف سليم امام داغر يمنعه من الدخول وهو يقف أمامه يرمقه بسخط
مسح داغر جانب فمه من الدماء وقال بتحذير
_أوعى من قدامي.
رمقه سليم بسخط وغمغم بانفعال
_احمد ربنا إننا في مستشفى وإلا كنت موتك بايدي.
تطلع إليه داغر بازدراء وقال ببغض
_زي ما عملت في اختك والاخر رمتها لغيرك.
ازداد انفعاله ورغبة ملحة بأن يقتله بيده على ما فعله بأخته لكنه أحجم تلك الرغبة حتى يطمئن عليها وتمتم بغضب
_وانت بتتكلم بأي صفة بعد اللي عملته فيها.
رد داغر بهدر يدل على مدى عذابه
_مكنتش في وعيي ومش فاكر اي حاجة من اللي حصل وبدل ما حضرتك تسمعها وتقف جنبها رمتها لغيرك
أشار باصبعه على نفسه وتابع
_انا اللي حبتها وعملت المستحيل عشان اسعدها واعوضها عن العذاب اللي شافته معاكم.
و لولا اللي حصل واللي كان غصب عني كان زماني مخليها أسعد واحدة في الدنيا.
انا بحب أسيل ولو الدنيا كلها وقفت قدامي مش هتقدر تمنعني عنها.
تقدمت منهم احد الممرضات وقالت بتهذيب
_ارجو عدم الازعاج والتحدث بخفوت.
اومأت لها وعد وردت
_حسناً نأسف للازعاج.
انصرفت الممرضة وقالت وعد
_اللي انتو بتعملوه ده مش وقته خالص خلينا نطمن عليها الأول ونسيبها هي اللي تقرر.
جلس داغر على الأرض بأرهاق وأسند ظهره على الجدار خلفه
أغمض عينيه بندم يكاد يفتك به وازداد تضرعه لله أن ينجيها.
❈-❈-❈
في منزل شاهي
عادت من الخارج تسير بتبختر بعد أن استولت على كل شيء كان لوالدها يومًا
لا يهم الطريقة التي حصلت عليه بها المهم أنها بالنهاية أنه عاد إليها
قامت بتغيير كل العاملين في المنزل لا تريد أن يذكرها أحد بهم
نادت على احد العاملات الجدد
_سامية..
خرجت الفتاة من المطبخ وهي تقول بتهذيب
_حمد لله على السلامة يا هانم.
تحدثت شاهي بأمر
_حضري الغدا بسرعة عشان عندي مشوار ضروري.
اومأت لها بمكر
_تحت امرك دقيقة وهتكون السفرة جاهزة.
صعدت شاهي إلى غرفتها كي تبدل ملابسها وتستعد للخروج مرة أخرى.
وضعت العاملة الطعام أمامها ثم انصرفت لتعود إلى المطبخ ومنه للخارج بعد ان اجرت مكالمة أخيرة.
كانت شاهي تتناول طعامها على عجاله ولم تعير هاتفها الذي يصدح منذ فترة اي إهتمام
زفرت بضيق عندما علمت بأنه لن يكف عن الرنين لذا ردت باحتدام
_وبعدين قولتلك ستين مرة لما مردش من اول مرة اعرف اني مشغوله.
ضحك وائل من الجانب الآخر وسألها بمكر
_مشغولة في ايه عرفيني يمكن اشيل عنك شوية.
نهضت شاهي من السفرة وقالت بضيق
_عايز ايه إخلص.
_عايز سلامتك يا حبيبتي انا قلت بس اكلمك مكالمة أخيرة عشان متموتيش وانا مقصر معاكي، سلام بقا عشان يادوب الحق الطيارة اللي راجعة مصر عشان اخد العزا بنفسي.
وقبل ان تفهم شاهي مقصده شعرت بألم حاد بمعدتها فتتأوه بألم وهي تضع يدها عليها
استندت على المقعد عندما ازداد الألم وحاولت ان تصرخ لتستنجد بأحد لكن لم تساعدها قوتها على ذلك
هوت على ركبتيها تصرخ بألم لكن صرخاتها واهنة لن يسمعها أحد
حاولت النهوض والتحرك كي تخرج من المكان تستنجد بمن بالخارج لكن هوى جسدها على الأرض وبدأت تتقيء دماً وجسدها ينتفض بحدة حتى خرجت روحها.
❈-❈-❈
ظلت العملية لأكثر من ساعتين وداغر يجلس على الأرضية مستنداً برأسه على الحائط خلفه
ينعاد المشهد أمامه مراراً وتكراراً
فينكوي قلبه بألم لا يستطيع أحد تحمله
ظل يتضرع إلى ربه أن ينچيها وسيعمل بكل الطرق على تعويضها
فقط تعود إليه.
اغمض عينيه بألم شديد عندما تذكر اتهامه لها وكيف كان يضربها بكل قسوة غير عابئ بحالتها
أما سليم فقد عراه داغر أمام نفسه حتى شعر بالخجل من نفسه.
ماذا كان دوره بحياتها؟
والإجابة الوحيدة بأنه لم يكن له اي دور.
فمنذ طفولتها وهو بعيدًا تمام البعد عنها
وتركها لحازم هو من يعوضها عن ذلك الجفاء
وكيف يعوضها وفاقد الشيء لا يعطيه
لم يشعر يوماً بالحنان التي تطالب هي به
ولا الاهتمام التي تنتظره منه
لا يعرف كيف يقدم حنانًا ولا حتى اهتمام
كل ما يعرفه هو الجمود وعدم الاعتراف بالمشاعر.
هو حتى لا يستطيع اظهار حبه لزوجته والتي يعشقها حد الجنون
ويعلم جيدًا بأن غيرها لم ولن تتحمل ذلك
لكن هذه أصبحت طبيعته ولن يستطيع تغييرها
وقد يتطلب الأمر مجهود مضني منه حتى يستطيع التعبير عمّ بداخله.
قاطع شرودهم خروج الطبيب من الداخل
فاسرع إليه الجميع يسألونه بقلوب تلتاع خوفاً فقال مطمئناً
_لا داعي للقلق لقد تمت العملية بنجاح وهي الآن بافضل حال.
سقط داغر بركبتيه على الأرض ويردد لله شكرًا حتى ادمعت عيناه
أما سليم فقد سأل الطبيب
_هل نستطيع رؤيتها الآن؟
نفى الطبيب
_لا ليس الآن، سوف يتم نقلها إلى غرفة العناية المركزة تحت الأجهزة حتى تفوق، ونأمل ان يتم ذلك بأسرع وقت.
مر يومان وأسيل تحت الأجهزة لا يصدر منها أي حراك وداغر بجوارها لا يتركها لحظة واحدة
لم يستطيع أحد منعه من البقاء معها حتى رضخوا له بالأخير وتركوه معها
لم يقبل أن يدع أحد يهتم بها غيره
وكان يعتني بها في كل شيء
كان دائم الحديث معها يخبرها عن العذاب الذي آلمه وهي بعيدة عنه
يعدها بأن يعوضوا تلك السنين التي عانها كلاهما
كان كل من بالمشفى يشعر بالآسى على ذلك الزوج الذي لم يترك زوجته لحظة واحدة ويقوم هو بعمل كل شيء لأجلها
لم يغمض عينيه سوى لحظات قليلة ثم يفتح عينيه بلهفة كأنه غاب عنها الكثير أو يخشى يومًا أن يستيقظ فلا يجدها أمامه.
كان يتطلع إليها بمشاعر تحمل بين طياتها الكثير والكثير من المشاعر
ما بين قلب ملتاع وبين عقل يشعر بالندم وأعصاب على وشك الإنهيار
كان دائم الحديث معها عن ذكرياتهم وعشقهم الذي مازال حيا في قوبهم
بيد حانية أخذ يمسح على وجهها بمنشفة عطرة كما يفعل كل يوم
لم يسمح بأن تقوم الممرضة بفعل ذلك
بل كان يرفض أن يهتم بها غيره
لم تشعر تلك الحبيبة النائمة بما يقاسيه ذلك الحبيب وهي مستلقية أمامه دون حراك
فقط أنفاس تخرج وتدخل تدل على انها مازالت على قيد الحياة
هزل جسده وشحب وجهه ولم يعد ذلك الشاب المفعم بالحياة
بل رجل كُسر خاطره مع كسرت روحه
كان يمرر المنشفة على ذراعها بعيون دامعة
وقلب يأن ألماً عليها
ومشاعر الحزن والألم والندم تتضارب في صدره
ما ذنبها في كل ذلك
ما ذنبها ان تتحمل خطأ المقصود به غيرها
ولما هي من تلقيها الدنيا في وجه الطوفان.
أقسم في تلك اللحظة ان يعوضها عن ذلك العذاب وألا يكون سبب في حزنها بعد اليوم
رفع أناملها إلى فمه ليقبلها بحب وشوق وتمتم بعيون رطبة
_آسف حبيبتي.
كلمات مقتضبة لكنه لم يجد أبلغ منها كي يعبر بها عن مدى ندمه.
يريد أن يعود به الزمن ويقوم بخطبتها في اليوم الذي رآها فيه ولا يأجل ذلك لثانية واحدة.
متحاشياً ما حدث.
مازال ذلك المشهد يعاد أمامه مراراً وتكراراً ليزيد من عذابه
اغمض عينيه عندما وصل الألم منه مبلغه عندما تذكر كيف قام بضربها وإهانتها واتهمها بالخيانة.
مال على جبينها يقبله بأسف وتمتم بندم
_إرجعي يا أسيل واوعدك إني انسيكي العذاب اللي عيشتيه بسببي…إرجعي وسامحيني
مد يده ليحتضن يدها ومازال واضعاً جبيبنه على خاصتها وغمغم ببكاء
_إرجعي يا أسيل مش هقدر اعيش وأكمل من غيرك، انتِ أحلى حلم حلمت به ولو اديتك عمري كله مش هيعبر عن مدى حبي ليكِ.
انهمرت دموعه أكثر وهو يردف بضياع
_أرجعي يا عمري أرجوكي إرجعي.
رفع وجهه عنها عندما شعر بحركة أناملها بين أنامله…
مما جعله يتطلع إليها بأمل
رمشت بعينيها قبل ان تفتحها……
يتبع...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق