القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والاربعون 47بقلم سيلا وليد

التنقل السريع

    رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والاربعون 47بقلم سيلا وليد






    رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والاربعون 47بقلم سيلا وليد


    رواية شظايا قلوب محترقة الفصل السابع والاربعون 47 الجزء الاول بقلم سيلا وليد



    الفصل السابع والأربعون جزء اول 


    "اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك "


    "على حافة العشق والهاوية..."


    كلّ الحكايات تبدأ بنظرة... ثمّ تنقلب قدرًا لا يُقاوم.

    نركض نحو الحب كالعطشى في صحراء الأمنيات، لا نبالي بحدود، ولا نخشى السقوط.

    لكن الحقيقة المؤلمة؟

    أنّ الحب لا يكون دائمًا خلاصًا... أحيانًا يكون الهاوية التي نُلقى فيها بأيدي من أحببناهم.

    نحاول الهروب، فنعود مُنهكين إلى حنينهم... إلى كلمةٍ عالقة، إلى ظلّ عناق لم يكتمل.

    نعود ونحن نعلم... أن البقاء معهم قد يُوجع، والبعد عنهم قد يُميت.

    وفي هذا الفصل، تتراقص القلوب بين شغفٍ يحتضر، ووجعٍ يشتعل...

    فاستعدّوا، لأنّ العشق هنا لا يُشبه القصائد... بل يشبه الحرب...


    قبل ساعةٍ من وصول إلياس إلى حي الألفي 


    غادر مكتبهِ وأجرى اتصالًا براكان البنداري.


    – إزيِّ حضرتك يامعالي المستشار؟

    جاءهُ صوتُ راكان من الطرفِ الآخر، هادئًا كعادته:

    – كويس الحمدُ لله...قدَّامي نصِّ ساعة ونقدر نتقابل.

    نظر الياس إلى ساعته، ثمَّ تنهَّدَ قائلاً:

    – لازم أكون في السويس بعد ساعتين، آسف جدًا، ممكن تبعتلي عنوان المكان؟ أنا هتصرَّف.


    ساد الصمتُ للحظات، ثمَّ قال راكان بنبرةٍ تحملُ شيئًا من الاستنكار:

    – ليه مستعجل؟ قولتلك إنَّها في أمان.

    – ليَّا شغل معاها، ياباشا.

    – أوعى تكون ناوي تموِّتها؟

    انعقد حاجباهُ وردَّ بنبرةٍ حاسمة:

    – أومال أنقذتها ليه؟ حضرتك معروف عنَّك الذكاء.

    – تمام ياإلياس، هبعتلك اللوكيشن، والمسؤول عنها هيكون مستنيك.

    – شكرًا ياسيادة المستشار.

    قالها وهو يُغلقُ الهاتف.


    لم تمر لحظاتٍ حتى وصلهُ العنوان برسالةٍ قصيرة..

    صعدَ إلى سيارتهِ وانطلقَ نحو الجهةِ المقصودة، غير مدركٍ أنَّ راجح يُراقبه من بعيد...


    وصل بعد مدةٍ إلى مدخلِ حيِّ الألفي، وأجرى اتصالًا بالرقمِ الذي زوَّدهُ به راكان.

    لم تمر دقائق حتى بلغ وجهته...ترجَّل من سيارته ومازال يتحدَّثُ عبر الهاتف، متَّجهًا نحو ياسين الذي كان ينتظره...وصل إليهِ ملقيًا السلام وعرَّفَ عن  نفسه: 

    -إلياس السيوفي.


    أومأ ياسين بترحاب، وابتسامةٌ هادئةٌ ترتسمُ على زاويةِ شفتيه:

    – أهلًا بيك في حيِّ الألفي.


    ردَّ الآخر بنبرةٍ مختصرة، وعيناهُ تتفحَّصُ المكانَ بيقظة:

    – متشكر...فين المدام الِّلي تحت حمايتك؟


    نظر ياسين في ساعتهِ سريعًا، ثمَّ رفع عينيهِ نحوهُ بنبرةِ اعتذارٍ مهذَّبة قائلًا:

    - آسف، هأخَّرك..حضرةِ المستشار جاي في الطريق.

    ثمَّ أشار له بيدهِ يدعوهُ للتقدُّم:

    - اتفضل اشرب حاجة، ماينفعشِ تدخل حيِّ الألفي ومانضيِّفكش.


    هزَّ رأسهِ رفضًا، وأجابهُ بنبرةٍ هادئة:

    – آسف، مشغول.


    جال ببصرهِ في المكان بحذر، وتحرَّك بخطواتٍ بطيئةٍ نحو ياسين يشيرُ على المكان:

    – هيَّ بعيد عن هنا؟


    لكن قبل أن يُجيبَ ياسين، توقَّفت سيارة بجانبهم، وترجَّل منها جواد بخطا واثقة، وعيناهُ تتنقلُ بينهما :

    – ياسين ليه واقف كده؟ ما دخَّلتش ضيفك ليه؟


    تغضَّنَ جبينُ إلياس، فبادر ياسين بالإشارةِ إلى جواد قائلاً بهدوءٍ حذر:

    – اللواء جواد الألفي..والدي.


    بسط إلياس كفِّهِ بأدب، وصوتهِ منخفضًا لكنَّه واثق:

    – أهلًا بحضرتك يافندم.


    تاهت نظراتُ جواد بينهما للحظة، ثمَّ أومأ برأسه :

    – أهلًا يابني.


    لاحظ ياسين نظراتِ والدهِ الصامتة، فسارعَ بالشرح:

    – المقدَّم إلياس السيوفي يابابا، ضابط في الأمنِ الوطني.


    هزَّ جواد رأسهِ باحترامٍ ظاهر، ثمَّ قال بنبرةِ ترحيبٍ دافئةٍ تُخفي حذره:

    – أهلًا يابني...نوَّرت حيِّ الألفي.


    لكن سرعان مااتَّجهَ بنظرهِ نحو ياسين، نبرةُ استغرابٍ تسلَّلت إلى صوته:

    -خير حبيبي فيه حاجة؟!..

    -لا يابابا، دا ضيف سيادةِ المستشار راكان البنداري. 


    – راكان البنداري؟

    تمتمَ الاسم بغرابة، ثمَّ تساءل:

    – وليه في حيِّ الألفي؟ بينكم شغل يعني؟


    وقبل أن يجيبه، توقَّفت سيارةُ راكان أمامهم، ترجَّل منها بخطا واثقة ونظرةٍ مباشرةٍ نحو جواد:

    – إزيِّ حضرتك ياسيادة اللواء؟..


    ردَّ عليه جواد بابتسامةٍ خفيفة:

    – إزيَّك ياراكان؟


    – الحمدُ لله...يارب تكون بخير..وآسف لإزعاج معاليك، عندي شغل مع حضرةِ الظابط ياسين، لو مش هنزعج حضرتك.


    قطبَ جواد حاجبيهِ قليلًا، ثمَّ أشارَ بيده:

    – طيب ماتدخلوا يابني جوَّا، ينفع في الشارع كده؟


    هزَّ راكان رأسهِ نافيًا، وأردفَ بنبرةٍ تشي بجديَّةٍ لا تقبلُ الجدال:

    – معلش ياباشا، الموضوع مهم...ما ينفعشِ داخل الأبواب.


    أومأ جواد بتفهُّمٍ بعد لحظةِ صمتٍ قصيرةٍ وقال:

    – هسيبكم تشوفوا شغلكم...لو احتجتوا حاجة، ياسين معاكم.


    ثمَّ نظر إلى ابنه، وأردفَ بنبرةٍ تحمل أمرًا مبطَّنًا:

    – هبعت لكم قهوة...بس فين؟ أكيد مش في الشارع..

    حمحم ياسين يشيرُ إلى مشتلِ الزهور: 

    -إحنا هنروح الحديقة الغربية يابابا..

    لحظةُ صمتٍ ونظراتٍ من جواد تخترقُ ياسين ثمَّ أومأ بتنهيدةٍ قائلًا:

    -ماشي يابابا..ثمَّ اتَّجه إلى راكان: 

    -الحيّ تحتِ أمرك ياراكان، بس متنساش الحيّ لُه باب..كان لازم تلجأ للبابِ الرئيسي، الفرعي ساعات بيتوَّه.

    فهم راكان مايشيرُ إليه من تراشقِ الكلمات فأومأ معتذرًا:

    -لسة بنتعلِّم منَّك ياجواد باشا..

    انسحب جواد بهدوءٍ من المكان ونظراتُ إلياس عليه، حتى اختفى من أمامه، استدار على كلماتِ راكان لياسين:

    -فين الأمانة يابني؟..أخدنا كلمتين من أبوك عظمة.

    ضحكَ ياسين يشيرُ إليه بالتحرُّك مع رنينِ هاتف إلياس، رفعهُ ليجدَ رسالةً من أرسلان: 

    -إلياس، إسحاق عرف رانيا عايشة، وجايين لحيِّ الألفي..اتصرَّف، رانيا جزء من المافيا لو وصلَّها قبل ماتخلص مش هتعرف تعمل حاجة.. 

    توقَّف للحظة ثمَّ حمحمَ وقال: 

    -آسف بس عاوز أفهَّم حضرتك حاجة ويارب تتصرَّف على المنظور دا.

    -الستِّ دي في إيدها كتير أوَّلهم دم أبويا، وعصابات مموِّلة للمنظَّمات، ومش عايز مخلوق يوصلَّها..

    ضيَّق راكان عينيهِ مستغربًا حديثه..تابع مستطردًا: 

    -إسحاق الجارحي عرف رانيا الشافعي عايشة؟..

    -يعني؟..

    -جاي في الطريق، هوَّ عمل تشريح لجثِّة رانيا من كام يوم ، ودوَّر، هوَّ مش متأكِّد، بس طبعًا أكيد ربط الموضوع بالتليفون.. 

    فهمَ راكان مايقوله، ثمَّ أخذَ نفسًا يشيرُ إلى ياسين: 

    -ياسين هتاخد الستِّ دي عندي في بيت المزرعة، يومين بالظبط وهاخدها، ثمَّ التفتَ إلى إلياس: 

    -إسحاق الجارحي مخابرات، ودا معناه أنُّه مش هيسكت، الستِّ مطلوبة أكيد عندهم، دلوقتي أنا بينك وبينهم.. 

    -بعد ماآخد حقِّي وأظن حضرتك وعدتني. 

    أشار لياسين: 

    -اتحرَّك ياسين، حاول تبعد عن كلِّ حد  يقرَّب منكم، متأكِّد الجارحي بدل وصل لهنا فهم اللعبة..

    -هوَّ مش متأكد..قالها إلياس: 

    -وإنتَ بقى هتتاكِّد إزاي، أنا وعدتك وهفضل معاك، بس الِّلي يخلِّ بالوعد صدَّقني ولا كأنِّي شوفتك.. 


    اقترب إلياس وعيناهُ تفترسُ ملامحَ راكان المتردِّدة:

    -أوصل لقاتل أبويا، آخد حقِّي من الِّلي عيِّشوني أنا وأخويا في كذبة، حضرتك وعدت، وأنا بوعدك تاني طول ماهوَّ تحت القانون مش هقرَّب منُّه، متخلِّنيش أندم إنِّي لجأت لحضرتك. 


    رفعَ هاتفه، وصوتهِ ينضحُ قلقًا:

    – إنتَ فين؟

    – مروَّح، في حاجة؟

    – أنا في حيِّ الألفي..عايزك ضروري، في أسرع وقت...


    أجابهُ جاسر وهو يدلفُ بسيارتهِ الحي، وردَّ بنبرةٍ ثابتة:

    – أنا قدَّامك فعلاً، وفيه حد واقف معاك..بس ضهره ليَّا، مش عارفه.


    استدار راكان، ونظرَ إلى الذي دخل بسيارتهِ متَّجهًا نحو البوَّابةِ الرئيسية، ثمَّ أوقفها وترجَّل منها بخطواتٍ واثقة، يقتربُ منهما..ومع اقترابه، انكشفت ملامحُ إلياس السيوفي، الذي بادرَ بالتحيَّة، تزامنًا مع وصولِ إسحاق، يتلفَّتُ حوله، وخلفهِ أرسلان...


    قال راكان، وهو يشيرُ بإيماءةٍ إلى جاسر:

    – فيه شركة أمن، علشان حضرةِ الظابط يأمِّن بيته بعد اللي حصل...


    قطع كلماتهِ وصولُ إسحاق، الذي حيَّا الجميع بنظرةٍ شاملة، ثمَّ ثبَّت عينيهِ على راكان:

    – حضرة المستشار...

    ابتسمَ راكان، وبسط يدهِ مُصافحًا:

    – أهلًا بيك ياباشا، خير إن شاء الله؟


    نظر إسحاق إلى إلياس نظرةً تحملُ مابين اللومِ والعتاب، ثمَّ قال:

    – مفيش حاجة..أرسلان اتَّصل وقال إنِّ إلياس هنا، وكان قلقان عليه.


    قالها مع وصولِ أرسلان، الذي بدا متردِّدًا..لم يعلِّق إلياس، ولكنَّهُ التزم الصمت، فيما تحدَّث راكان بخبرتهِ الثعلبية وتساءل:

    – خايف عليه؟ هوَّ قالِّلي أعرَّفه على ظابط شاطر يساعده يلاقي شركة أمن كويسة...ومصبرشِ لبكرة!..حتى أنا استأذنت من شغلي نصِّ ساعة، ومش فاهم ليه أرسلان قال كده!..


    تقدَّم أرسلان خطوة، ثمَّ قال بأسفٍ ظاهر:

    – آسف ياإلياس...قلقت عليك من ساعة الحادثة، خاصَّةً إنَّك مابتقوليش حاجة...تتبَّعت العربية واتأكدت.


    أدار إلياس وجههِ جانبًا، وحدَّق في نقطةٍ بعيدة، ثمَّ قال بنبرةٍ حادَّة:

    – أنا مش صغير ولا محتاج راعي، يا إسحاق باشا...وأعرف أدافع عن نفسي كويس.


    قاطعهم، وصولُ أحدِ الأفرادِ الذي وقف أمامهم بإجلال:

    – جاسر باشا، تحتِ أمرك...شركة الأمن أكِّدت علينا، خلال ساعتين هيكون عندنا أقوى العناصر المدرَّبة.


    تفحَّصَ إسحاق الوجوهَ بعينيه، ثمَّ أومأ برأسه، متحدِّثًا بحدَّةٍ خفيفة:

    – شركة أمن...وحضرتك بتتوسَّط له... هممم بها..


    ارتدى إلياس نظارتهِ الشمسية، وقال بهدوء:

    – نتواصل ياجاسر باشا...وشكرًا على تعبك.


    ثمَّ التفتَ إلى راكان بابتسامةِ شكر:

    – مش عارف أشكر حضرتك إزاي.


    ضحكَ راكان، وقال بمرحٍ مشوبٍ بالجدية:

    – النهاردة عندي، ياإلياس..وبكرة عندك، خُد بالك من نفسك.


    تحرَّكَ إلياس بهدوء، وتوقَّف أمام إسحاق مباشرة، وحدَّقَ فيه قائلًا:

    – الموضوع مش مستاهل كلِّ القلق ده معاليك، بلاش تحسِّسني إنِّي أرسلان...قدَّامك إلياس السيوفي.. اتعامل معايا بعقليِّتي، مش بعقلية "المخابراتي"، لأنَّك كده هتتعب معايا.


    ثمَّ أضاف بابتسامةٍ خفيفة:

    – ونسيت أقولَّك...شكرًا لاهتمامك وخوفك عليَّ.


    ارتفعت أنفاسُ إسحاق في صدره، والغضب يتكثَّفُ في ملامحه، وتحوَّلت عيناهُ في المكانِ كأنَّما يبحثُ عن شيء، ثمَّ التفتَ إلى أرسلان، الذي بدا وكأنَّه لم يكن موجودًا من الأصل.


    قاطعهم جاسر بلطافةٍ وذكاء :

    – اتفضل جوه ياباشا...مينفعشِ حضرتك تكون في حيِّ الألفي وما نعملشِ معاك واجب.


    عندي شغل..مرَّة تانية قالها وعيناهُ تتجوَّلُ بالمكان، إلى أن وصل إلى سيارته، استقلَّها وتحرَّك بهدوء، انسحبَ أرسلان معتذرًا وهو يومئُ برأسه، وتحرَّك خلفه، رفع هاتفه: 

    -إلياس عملت إيه؟..

    -راجح ماشي ورايا، بيراقبني، وإسحاق كان هيبوَّظ الدنيا، عرفت من بابا إن رانيا مطلوبة من المخابرات، معرفشِ مهبِّبة ايه، إسحاق طلب من آدم يعمل تحليل للجثَّة المدفونة، هوَّ شك تكون معانا، علشان كدا بيدوَّر، لو متأكد مكنشِ سكت، بقاله فترة بيراقب تليفوني متأكِّد من كدا.

    -كويس إنَّك غيَّرت الخط وعرَّفتني، عمُّو وعارفه شغله فوق أيِّ حاجة..المهم رانيا فين؟..

    سحب نفسًا ينظرُ من النافذة مرَّة، وإلى الطريقِ مرَّةً أخرى ثمَّ ردَّ عليه:

    -راكان وعدني هيحافظ عليها لحدِّ مانمسك راجح، بس أنا عايز أدلة لقتلِ أبوك، ماليش دعوة بشغله المشبوه، لأنُّه كدا كدا وقع، المهم أوصل أبوك مات ليه، ومين اللي قتله؟.. 


    طيب اقفل دلوقتي إسحاق وقف بالعربية وشكله هيتجنِّن..

    -تمام حاول ماتخلهوش يوصل لحاجة. 

    قالها وأغلقَ الهاتفَ يزفرُ بقوَّة...بينما توقَّف أرسلان بعدما وجدهُ واقفًا في منتصفِ الطريق..أخرج رأسه: 

    -خير ياإسحاقو، نسيت حاجة؟.. 

    اقتربَ منه بخطواتٍ نارية، ثمَّ فتحَ باب السيارةِ بقوَّةٍ يرمقهُ بنظراتٍ جحيمية:

    -من إمتى وإنتَ كدا، إمتى قولت لك على حاجة وروحت طلَّعتها برَّة؟!..

    زوى مابين حاجبيهِ وردَّ بجهلٍ تصنَّعهُ بخبرة:

    -مش فاهم تقصد إيه؟..

    -أرسلان...صاحَ بها غاضبًا..


    -مالك بس ياإسحاقو؟ خد اشرب ميَّة ساقعة، روَّق دمَّك.

    رمقهُ بنظرة، لو كانت النظراتُ تقتل لخرَّ صريعًا، ثمَّ استدارَ متَّجهًا نحو سيارته..لكن الآخر لم يسكت، أخرجَ رأسهِ من النافذة وقال:


    – لو مش قادر تسوق، تعالَ أوصَّلك... إحنا أهل.


    استدار إليه إسحاق بسرعة، وأشار إليه بسبَّابته، ونطق بنبرةٍ تحملُ تهديدًا صريحًا:


    – لو شوفتك قدَّامي هَموِّ...تك، سمعتني؟

    رفع زجاجةَ المياهِ وارتشفَ منها، ثمَّ نظر إليه شزَرًا:


    – هوَّ مين الِّلي دايمًا بييجي في طريقِ التاني؟ الزهايمر عامل شغله معاك ياإسحاقو...خايف عليك واللهِ على فكرة، سمعت دينا بتقول إنُّكم مسافرين شرم الشيخ...حلو، يمكن تهدِّي أعصابك هناك.


    هزَّ إسحاق رأسهِ عدَّةَ مرَّات، وعيناهُ تشتعلُ نارًا:


    – طيب ياأرسلان...قول لأخوك، مش هسكت.

    رفع حاجبهِ ورسم تهكُّمهِ قائلًا:

    -ماتتكلِّم، حد قالَّك اسكت هوَّ الكلام بفلوس.. 

    ثمَّ تابعَ حديثهِ مستطردًا:

    ــ ولَّا أقولَّك حاجة...استقيل، آه والله، ريَّحنا واستقيل..

    اقتربَ إسحاق ونيرانًا داخلية تلتهمُ كلَّ أعضاءه، فدفع البابَ بكلِّ ماأوتيَ من غضب، حتى كاد بابها أن يُهشَّم، ثمَّ اندفعَ نحو سيارته، قدماهُ تلتهمُ الأرضَ التهامًا، كالنيرانِ حين تحصدُ سنابلَ القمحِ بلا رحمة...وقادَ السيارة بسرعةٍ جنونية...بينما أرسلان الذي تابع تحرُّكاتهِ بعيونٍ حزينةٍ ثمَّ ألقى بجسدهِ داخل السيارة، زفرَ بحرارة، كأنَّ روحهِ نفسها تتآكلُ من فرطِ الألم.. 

    مدَّ يدهِ المرتجفةِ ليمسحَ شعرهِ المشعث، وتنهَّد تنهيدةً طويلة...كانت أثقلُ من أن يحملها صدرهِ قائلًا:

    ــ سامحني ياعمو...بس لازم نوصل للكلب الِّلي عمل فينا كده.

    استندَ برأسهِ المنهكِ على المقعد، وأغمضَ جفنيهِ بقوَّة، يرجعُ بذاكرتهِ من بئرِ الطفولة، إلى يومه هذا، ذكرياتٍ خُطَّت بالسعادةِ إلى أن وصل ماقضى على كلِّ مابناه، هنا لا يشعرُ سوى بالوجع ..

    تسلَّلت دمعةٌ متردِّدةٌ من طرفِ عينه، انجرفت إلى وجنتيهِ مع شهقةٍ خانقة، خرجت من حنجرتهِ كما تخرجُ الروحُ من جسدٍ يُحتضر.

    أسند رأسهِ على مقودِ السيارة، وصاحت أنَّاتهِ المكبوتة، شهقاتهِ كانت كالسكاكينِ تنهشُ صدرهِ بلا رحمة..

    بقبضتهِ المهتزَّة، لكمَ المقودَ بعنف، وصرخ صرخةً دوت في أرجاءِ السيارةِ المغلقة، شقَّت صدره، أنهكت حنجرته، وكأنَّ الصوتَ نفسهِ كان يستجدي خلاصًا...أو نهاية...


    بسيارةِ إلياس.. 

    تحرَّك متَّجهًا إلى منزله، استمعَ الى هاتفه:

    -عرفت إنِّ راجح مراقبك؟..

    نظر بالمرآةِ ورد:

    -عرفت، الحمدُ لله أخدت بالي في ِآخر لحظة.. 

    -بعتلك رسالة..

    شوفتها بس بالصدفة، لولا اتصال أرسلان مكنتش أخدت بالي.. 

    -عايز منَّك إيه؟.. 

    -معرفشِ ياشريف، بس شكله عايز ينتقم، سيبك منُّه هعرف أوقَّفه، المهم عايزك تراقب بيت راكان من بعيد، إيَّاك حدّ يشك، متنساش بتتعامل مع وكيل نيابة.. 

    -حاضر، وإنتَ خد بالك من نفسك، اللي طلبوا من راجح يقتلك هيحاولوا مرَّة تانية.

    -معتقدش، بعد تدخُّل إسحاق وفرضِ سيطرته معتقدش..المهم نفِّذ اللي بقولَّك عليه.. 

    قالها وأغلقَ الهاتف ينظرُ بالمرآة..

    -طيب ياراجح..نلعب مع بعض، بتراقبني.. 


    بمنزلِ المزرعةِ الخاصِّ براكان 

    دفعها بقوَّةٍ حتى سقطت على الأرض، تصرخُ به:

    -هدفَّعكم تمن اللي حصل دا.،

    انحنى بجسدهِ ورفعها من خصلاتها يجزُّ على أسنانه:

    -لو سمعت نفس، هدفنك مكانك، مبقاش غير الخونة اللي يتكلِّموا، إنتي هنا زيك زيِّ رباط جزمتي، أعوزه لمَّا أحتاجه..لسانك جوَّا بوقِّك ياخاينة..


    قالها ودفعها بقوةٍ ينفضُ كفَّيه، يطالعها مشمئزًّا 

    -مقرفة..تمتم بها وتحرَّك إلى الخارجِ مع رنينِ هاتفه..صمت للحظاتٍ يستعيدُ أنفاسه، ثمَّ رفع هاتفه:

    -أيوة ياعاليا..

    على الطرفِ الآخر أجابتهُ وهي تقفُ أمام المرآة:

    -اتأخَّرت ياياسين، هنمشي إمتى؟..أنا جهزت..تحرَّك إلى سيارتهِ قائلًا:

    -دقايق وأكون عندك..


    عند يزن.. 

    تحرَّك سريعًا خلف رحيل ولكنَّها كانت قد استقلَّت السيارةَ وتحرَّكت مغادرةً المكان دون أن تشعرَ بوجوده..توقَّف بأنفاسهِ المرتفعة، وصدرهِ الذي يعلو ويهبط، حتى قاطعهُ أحدُ الرجال:

    -سيد يزن هل أنتَ بخير؟.. 

    -نعم..قالها ومازالت نظراتهِ خلف السيارةِ التي اختفت بحبيبته.. 


    بعد فترةٍ جلس بغرفتهِ بالفندق: 

    -حاول ياكريم تعرف هيَّ في إنجلترا ولَّا لأ..شوف الظابط اللي تعرفه..صمتَ للحظةٍ ثمَّ قال:

    -أنا هتصرَّف..قاطعهُ كريم قائلًا:

    -مايمكن تخيَّلتها يايزن، رحيل في سويسرا، إيه اللي يجبها انجلترا؟.. 

    معرفش..قالها صارخا، بعدما توقَّف يدورُ حول نفسهِ بالغرفةِ وتابعَ كلماته:

    -أنا متأكد إنَّها هيَّ، ضحكتها، أنا شوفتها ماشية مع واحد..هنا توقَّف متذكِّرًا هيئتها مع ذلك الرجلِ فتحدَّث سريعًا: 

    -اقفل ياكريم وأنا هتصرَّف...دقائقَ وهو يحاولُ أن يصلَ إلى إلياس الذي وصل إلى منزلهِ وترجَّل من سيارتهِ تاركًت هاتفهِ بالسيارة، متَّجهًا إلى زوجتهِ وطفلهِ الذي يجري بخطواتهِ الطفولية بالحديقة..رأى الطفلُ والده، فهرولَ إليهِ يصرخ :

    "بابا..."

    نطقها بصوتهِ الطفولي المتَّقدِ بالضحكات، فانحنى يحملهُ بين ذراعيه، وطبع قبلةً دافئةً على وجنتيه، وهمسَ بابتسامةٍ واسعة:

    ــ حبيب بابا، عامل إيه؟

    أشار الصغيرُ بيديهِ الصغيرتينِ نحو والدتهِ الجالسةِ وسطَ ألعابه، وقال بحماس:

    ــ ماما...ماما العب كتييير.

    ابتسمَ الأب، وأنزلهُ برفقٍ على الأرض، ونظراتهِ على زوجته، ثمَّ التفتَ إلى مربيتهِ قائلًا:

    ــ جهِّزيه...هنخرج بعد ساعة.

    أومأت المربية بخضوع:

    ــ تحت أمرك ياباشا.

    ثمَّ اقتربت من يوسف تناديه:

    ــ يلَّا ياحبيبي ناخد شاور عشان نخرج مع بابي.

    تحرَّك يوسف إليها، وقبل أن يغادر، التفتَ بنظرةٍ متعلِّقةٍ إلى والده، وكأنَّه يستأذنه.

    ابتسمَ الأب بحنان، وأشار لهُ إلى الأعلى:

    ــ يلا..حبيبي، اطلع مع النانا.

    ظلَّ يتابعهُ بنظراتهِ المغمورةِ بالحب، حتى اختفى عن ناظريه.


    اقترب من زوجتهِ التي كانت منشغلةً بمكالمةٍ هاتفيةٍ وسطَ فوضى الألعاب، انتظرها بصمت، ثمَّ ماإن أنهت حديثها، حتى جذبها إليه، واحتواها بين ذراعيه...هامسًا فوق رأسها برقَّة:

    ــ مين مزعَّل ميرا خاصِّتي؟

    دفنت رأسها في صدره، علَّها تلتمسُ الأمان، وتمتمت بنبرةٍ مكسورة:

    ــ حبيبي الِّلي مزعَّلني... وعايزة أشكيه...أشكيه لمين؟

    رفع رأسها بين كفَّيه، ومرَّر نظراتهِ المتفحِّصة فوق ملامحها، قبل أن يطبعَ قبلةً قريبةً من شفتيها، هامسًا ببحَّتهِ الرجولية:

    ــ اشكي...أنا سامعك.

    ابتسمت بمرارة، وهمست بعتابٍ محبَّب:

    ــ هشكي لك منَّك.

    ضمَّ رأسها إلى صدره، وطبعَ قبلةً حانيةً فوق جبينها، وقال بصوتٍ خفيض:

    ــ اشكي حبيبك لحبيبك...بس مش مسموح تخرَّجي الِّلي بينا لأيِّ حد، حتى ماما.


    رفعت رأسها قليلًا، نظراتها تذوبُ في عينيه، وقالت بنبرةٍ خافتة:

    ــ طيب...عايزة أرجع شغلي، كفاية كده...يرضيك تعب السنين يضيع؟


    حاوطَ وجهها بأناملهِ الدافئة، وكأنَّما يحميها من وجعِ العالم، وعيناهُ تحتضنُ عينيها بشغفٍ لا يخفُت:

    ــ ميرال...لازم تاخدي فترة راحة كويسة...مش هتحمِّل أشوفك بتتعبي قدَّامي.

    همست بخجل:

    ــ بس أنا كويسة...

    ضمَّها أكثر إليه، وسند ذقنهِ فوق رأسها، وتمتمَ بإصرار:

    ــ وأنا شايف إنِّك محتاجة وقت ترتاحي...شهر، شهرين...لحدِّ ماأحس إنِّك فعلًا بخير، من غير ماتطلبي.


    ابتعدت عنهُ قليلًا، تسرقُ نظراتها الحائرةِ صوبه، وهمست بعنادٍ مكسور:

    ــ بس إنتَ نزلت شغلك رغم إنَّك كنت تعبان أكتر منِّي...

    تعمَّقت بنظراتها إلى عينيه، تضغطُ على ألمها:

    ــ بقالي تلات شهور، مسؤولياتي كلَّها بقت في إيد غيري...تعبي بيروح كده؟


    زفر بأنفاسٍ ثقيلة، حاول أن يتحكَّمَ بغضبهِ كي لا يجرحها، فقال بصوتٍ أخف:

    ــ مفيش تعب ضاع...ولا مكانك ممكن يتاخد.


    هزَّت رأسها بمرارة:

    ــ وتلات شهور هيستنوني إزاي؟


    نهضَ من مجلسه، ينفضُ عن ثيابه بملامحَ مشدودة، وقال بصرامة:

    ــ قومي اجهزي...هننزل السويس دلوقتي.

    تراجعت خطوة، وعيناها تتَّسعُ بدهشة:

    ــ السويس؟ دلوقتي؟ ليه؟

    رمقها بنظرةٍ خاطفة، ثمَّ نظرَ  إلى ساعته، وأردفَ بحزم:

    ــ نصِّ ساعة وتكوني جاهزة...علشان ما نتأخرش.

    تحرَّك مبتعدًا، لكنَّه توقَّفَ حين وصل إلى سمعهِ صوتها المنكسر:

    ــ مش عايزة...ماليش نفس أخرج... كان نفسي تعرَّفني قبلها.


    اقتربت منه، بخطواتِ دقَّاتِ قلبها المرتجف، حتى وقفت أمامه، رفعت كفَّيها المرتعشتينِ إلى صدره، تلامسُ أناملها موضعَ قلبه، كأنَّها تهمسُ له بصمت:

    ــ نبضِ قلبك ملكي ياإلياس...حياتي بين إيديَّ، زي ما قلبك ليَّا..ومفيش كلام...بس زى ماقلبك معاك، حياتي بين إيدي..يارب تكون فاهم قصدي...

    رفعت جسدها على أطرافِ أصابعها، وطبعَت قبلةً خفيفةً على وجنتهِ تهمسُ بحب:

    ــ بحبَّك...قالتها 

    ثمَّ تحرَّكت مبتعدة، تصعدُ إلى الأعلى، تتركهُ خلفها يشعرُ بشجنهِ ممَّا قالته، وقلبهِ يتبعها دون أن ينطق...

    اتَّجهَ ليصعدَ خلفها ولكنَّه تذكَّر هاتفه، أشار إلى رجلِ الأمن:

    -هات تليفوني من العربية. 


    بالنادي الخاص لأرسلان:

    ترجَّلَ من سيارته، فأسرعَ إليه أحدُ الرجال:

    -أهلًا ياباشا..أشار إليه بالتحرُّك، ثمَّ قال:

    عايز كلِّ المدربين قدَّامي في اجتماع.. 

    أومأ برأسهِ وتحرَّك سريعًا..


    بعد فترةٍ جلس أرسلان على طاولةِ الاجتماعات، وبدأ حديثهِ بتشجيعِ الجميعِ بالاهتمام وبذل أقصى ما لديهم من جهد، حتى يرتقي ناديهِ بالخبرةِ والشهرة، التفتَ إلى المسؤول عن الإعلام قائلاً:


    "عايز إعلانات في كلِّ مكان، أول تلات شهور نعمل خصم 30%، أيِّ أجهزة متطورة تحت أمركم، خلِّيك على تواصل مع المهندس يشيِّك على كلِّ الأجهزة أوَّل بأوَّل."


    ثمَّ اتَّجهَ إلى أحد الحاضرين وقال بلهجةٍ صارمة:


    "حمَّام السباحة الغربي..اقسمه، الصبيان تحت سنِّ العشرين لوحدهم، مش عايز أيِّ غلطة!"


    وقبل أن يُكمل، قطع رنينُ هاتفهِ حديثه، نظر إلى الشاشةِ للحظات ثمَّ أجاب بانفعال:


    "أيوة..."


    "أنا في الجهاز نصِّ ساعة وتكون عندي."


    -"أنا مشغول ياعمُّو، وقُولت لحضرتك إنِّي استقلت..."


    توقَّف إسحاق عن صعودِ الدرج، وصاحَ بغضب، غير مكترثٍ بنظراتِ الناس المحيطة:


    "أقسم بالله، نصِّ ساعة لو مالقتكش قدَّامي، ليكون النادي دا رماد على دماغك!"


    قالها ثمَّ أغلق الهاتفَ بعنف، وأنفاسهِ المتسارعةِ توحي وكأنَّه كان يركضُ بماراثون.


    عند أرسلان، شرد بحديثِ إسحاق مذهولًا بنبرتهِ الغاضبة، لأوَّلِ مرَّة من حالتهِ التي لم يرها من قبل.

    تساءلَ داخله: هل ضغط عليه فوق طاقته؟ أم أنَّهُ يعلمُ شيئاً وهو لا يعلمه؟ ولماذا يسعى لإنقاذِ راجح رغم معرفتهِ بنيَّتهِ الخبيثة؟

    تضاربت الأفكارُ بعقلهِ حتى قاطعهُ أحدُ المدربين قائلاً:


    -"أرسلان باشا، إيه رأي حضرتك في الِّلي قلته؟"


    أفاق أرسلان من شروده، وهزَّ رأسهِ بصمت، ثمَّ وقف يجمعُ أشيائهِ قائلاً:


    "اعملوا اللي اتفقنا عليه، و أنا هعدِّي بالليل وأطمِّن عالدنيا، متنسوش قسمِ الباليه...ده هيضيف للنادي شهرة كبيرة."


    ثمَّ نصب قامتهِ وأكملَ بحزم:


    "مش عايز النادي يكون مختصر على الرياضة وبس...كلِّ حاجة فيها حركة لازم نضيفها."


    تدخَّل أحدهم مقترحاً:


    "طيب، ما قولتلناش رأيك ياباشا...كلِّ شهر نعمل حفلة لمطرب مشهور عشان نرفع الترويج."


    ابتسمَ أرسلان ابتسامةً خفيفةً وقال:


    "هفكّّر في الموضوع...مبدئيًا الاقتراح متوسِّط، مش الحفلات اللي هتجذب الناس، تجدُّد الأفكار والعمل الكويس والنضيف، على العموم المندوب عنِّي موجود معاكم، وهوَّ اللي هيكمِّل تنفيذ الخطة."


    قالها ثمَّ لوَّحَ بيدهِ مودِّعًا:


    "سلام...عندي شغل دلوقتي، وهرجعلكم بالليل."


    بعد نصفِ ساعة، كان أرسلان يدلفُ إلى جهازِ المخابرات، يسير بخطواتٍ واثقة، محيٍّياً بعض من يعرفهم بإيماءةٍ هادئةٍ من رأسه..


    عند راجح.. 

    دلف إلى منزلهِ وهو يتحرَّكُ ببطء، تحرَّكت الخادمةُ خلفهِ سريعًا: 

    -محتاج حاجة ياباشا؟..

    التفت برأسهِ إليها وقال:

    -طارق هنا ولَّا خرج؟.. 

    -لا البيه نايم فوق..خطا بعدما أمرها: 

    -اعمليلي حاجة أكلها..


    بالأعلى بغرفةِ طارق.. 

    دفع البابَ بقوَّةٍ حتى انتفضَ طارق من نومهِ معتدلًا:

    -فيه إيه..؟!

    إنتَ لسة نايم!! دا الراجل اللي بعت نفسي علشانه؟!..فوق كدا، قوم خدلك شاور والحقني علشان نشوف هنعمل إيه..

    -طيب خلاص بتزعَّق ليه، متنساش إنِّي كنت في السجن، بعوَّض النوم الِّلي حضرتك حرمتني منُّه..

    اقترب منهُ وعيناهُ كتلةً ناريةً يريدُ أن يحرقه:

    -قوم يالا، قوم شوف هنعمل إيه بعد شركتنا مااتحرقت، واحدة بنتِ العامري إدِّتها لواحد صايع، والتانية ابنِ الجارحي حرقها. 

    نهض من فوقِ الفراش يجذبُ سجائرهِ وتحرَّك إلى النافذةِ وقام بفتحها وأردفَ بنبرةٍ حادة: 

    -كلُّه هيرجع متخافش، ومن بكرة كلِّ واحد هياخد حقُّه..

    طالعهُ راجح بتهكُّم ثمَّ استدارَ للخارج:

    -طيب ياأخويا، لمَّا أشوف أخرتك إيه..


    قالها وخرج بينما الآخرُ توقَّف يدخِّنُ سجائرهِ ينفثُ بالهواءِ الطلقِ وردَّ على حديثِ والده:

    -هتشوف،  والله لأعرَّف كلِّ واحد حدُّه، رفع هاتفهِ وقام بمهاتفةِ أحدهم:

    -أيوة ياأسامة..عملت إيه؟!

    أجابهُ الآخر: 

    -اتخطبت ياباشا، وفرحها بعدِ شهر.

    -اتخطبت للواد الميكانيكي؟.. 

    -لا..واحد شغَّال معاها. 

    شردَ للحظاتٍ وعيناهُ تطوفُ بكلِّ مكانٍ ثمَّ قال:

    -أنا عايز البنتِ دي ياأسامة، اتصرَّف شوف هتجبها إزاي، تكون عندي قبلِ فرحها، المهمِّ تجبها على نضافة، ممنوع أيِّ حد يشكّ، وعايزها تيجي برجليها يعني مش خطف، البتِّ دي بتحبِّ الفلوس اغريها بأيِّ حاجة.. 

    -تمام ياطارق باشا فهمت..إدِّيني يومين وتكون عندك. 

    -بانتظارك ياوحش...قالها وأغلقَ الهاتف، ثمَّ اتَّجهَ إلى جهازهِ المحمول وقام بفتحه، بحث به عن كلِّ مايخصُّ يزن..أوقفَ الصورة وعيناهُ تخترقها، كالفنَّانِ الذي يتأمَّلُ شيئًا لرسمه، دقائقَ وهو ينظرُ إليها بصمتٍ ثمَّ أردف: 

    -ياترى إنتَ حكايتك إيه يالا، ليه تعمل دا كلُّه؟..أكيد وراك حوار، بس شكلك لئيم، الموضوع يبان علشان خطيبتك القديمة، بس العيون دي وراها حكاوي يامزيِّت، خلِّيني وراك لمَّا أشوف أخرتها إيه..

    قاطعهُ رنينُ هاتفه: 

    -أيوة يامتر...على الطرفِ الآخر: 

    -أيوة ياطارق، دلوقتي أنا شوفت بنود الشركة كلَّها، للأسف إنتَ وراجح مفيش مايثبت إنِّ ليكم حاجة، حقِّ المرحومة بس هوَّ الثغرة اللي تعرف تدخل بيها الشركة.. 

    -وضَّح أكثر..قالها وهو ينثرُ رمادَ تبغهِ بإصبعهِ فأجابهُ الآخر:

    -مدام رانيا ليها 20% في الشركة منفصلين، الِّلي حضرتك اتنازلت عنُّه لخطيبتك دا خلاص مينفعشِ يرجع لأنَّها باعته لواحد تاني، وطبعًا راجح باشا اتنازل عن نصيبه لمالك العمري بنسبة مئوية علشان مايبنش، وبنته الوريث الشرعي فبالتالي كلِّ حاجة باسمها ومنهم جزء والدك الِّلي للأسف اتنازل بالنسبة كلَّها أيام قضيِّتك.

    -والعمل يامتر؟..

    ردَّ عليهِ بنبرةٍ جادَّة: 

    -تدخل بنسبة والدتك الله يرحمها ومحدش يقدر يمنعك.. 

    بااااس خلاص المهم الحتَّة دي، أدخل بنصيب أمِّي، وبعد كدا نرجَّع اللي ضاع.


    بمنزلِ إلياس.. 

    صعدَ للأعلى مع رنينِ هاتفه، نظرَ إليه.. وجدَ عدَّةَ مكالماتٍ من يزن، ردَّ سريعًا: 

    -يزن خير، آسف التليفون كان في العربية. 

    تحرَّك يزن إلى شرفةِ غرفتهِ وسحب نفسًا يزفرهُ بهدوءٍ بعدما أجابهُ إلياس فتحدَّث: 

    -إلياس طالب منَّك خدمة، ومحدش هيقدر يعملها غيرك. 

    -سامعك..إنتَ مش في لندن؟.. 

    هزَّ رأسهِ وعيناهُ تتجوَّلُ بالمكان: 

    -شوفت رحيل هنا..عايز أوصلَّها ياإلياس.

    -تمام يايزن، أنا هتصرَّف وأرد عليك، بس ليه عايزها بعد ماطلَّقتها، أنا معرفشِ إيه اللي حصل بينكم؟..قاطعهُ يزن: 

    -عايز مكانها ياإلياس ضروري..

    فهمَ إلياس أنَّه لايريدُ التحدُّث، 

    دلفَ للداخلِ يبحثُ عن زوجته، وجدها تجلسُ بالشرفةِ تنظرُ للخارج، اقتربَ منها إلى أن توقَّف خلفها وتحدَّث:

    -أفهم من كدا مش هتنزلي معايا السويس وعاملة زعلانة؟..

    رفعت رأسها وتعمَّقت بالنظرِ إليه قائلة:

    -عاملة زعلانة، تنهيدة شقَّت صدرها وتراجعت بنظرها للخارجِ مرَّةً أخرى قائلة:

    -أنا مش عاملة زعلانة ولا حاجة، بس ماليش نفس، أو تقدر تقول مش عايزة أكون مهمَّشة، أنا ميرال السيوفي لو إنتَ ناسي قولت لي عايزِك قوية، ومن شروط القوَّة دي أختار كلِّ مايناسبني ياحضرةِ الظابط..التفتت وغرزت عينيها بعينيهِ وتابعت: 

    -ولَّا القوَّة ليها معنى تاني، لو القوَّة أكون تابع لإلياس فأنا مش عايزاها..

    أمالَ بجسدهِ وسحبها إلى أن توقَّفت بمقابلتهِ وحاوط جسدها لتصبحَ بين ذراعيه، يسبحُ بعينها: 

    -لا حبيبتي، القوَّة بشخصيتك زيِّ ماقولتي، وأنا مش زعلان علشان إنتي رفضتي، حقِّك أنا آسف كان المفروض أعرَّفك بس والله نسيت، ومكنتش مرَّتب.. 

    رفعت نظرها واحتضنت عيناهُ بعيونها التي ترقرقت بها سحابةً من الدموع: 

    -إنتَ مانستش ياالياس إنتَ خلاص اتعوِّدت إنَّك تؤمر والكلِّ ينفِّذ، الأوَّل كنت بخاف أتكلِّم معاك، بحاول أتلاشى، علشان كدا كنت بلجأ لغيرك، بس أنا تعبت مبقاش ينفع أجري على غيرك، إحنا دلوقتي عندنا ابن ومينفعشِ نتخلَّى عن بعض علشان كلِّ واحد عايز يعمل شخصيِّته بنفسه، أنا عن نفسي مش هسمح لك تبعد عنِّي، ولا مسموح ليَّ أبعد لأنِّي خلاص عرفت حياتي فين وهتبقى إزاي لو بعدت، فإحنا لازم نعالج أخطاءنا مع بعض، أنا أتنازل مرَّة الدنيا مش هتتهد، وإنتَ تتنازل مرَّة هتلاقي حياتنا بيرفكت..اقتربت أكثر ورفعت كفَّيها واحتضنت وجههِ وأردفت بدموع:

    -أنا بلاقي نفسي معاك، رغم عصبيتك بس مقدرشِ أعيش بعيد عنَّك، أنا بحبَّك أوي، بس في نفس الوقت مش عايزة اكون مهشمة، تعالى نساعد بعض علشان ابننا، لازم ...انحنى يبتر حديثها بخبرته بعدما فاقت كل حدودها معه، نعم فهي الروح والحياة، هي النبض الدائم للشعور بالكمال ..لحظات ربما تكون دقائق وهو ينعم برحيق ثغرها، ينثر فوقه من العشق مااذابه، حتى انهارت الحواجز ليخطفها لعالم ناعم لا يوجد به سوى النبض ...النبض فقط

    تكملة الرواية من هناااااااا 

    لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

    بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

    متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

    الرواية كامله من هناااااااااا

    مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

    مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




    تعليقات