رواية رحيل العاصي الفصل التاسع وعشرون والثلاثون للكاتبة ميار خالد حصريه
رواية رحيل العاصي الفصل التاسع وعشرون والثلاثون للكاتبة ميار خالد حصريه
رواية رحيل العاصي الفصل التاسع و العشرون 29 - بقلم ميار خالد
نظرت لها مريم للحظات ثم حركت عينيها ونظرت إلى عاصي نظرة مطولة، كانت تبعث له آلاف الكلمات والمشاعر، وفجأة تحولت تلك النظرات إلى الاصرار والتحدي فقالت بقسوة:
– هتكلم ومش هخاف من حد كفاية كده
نظرت لها رحيل بخوف ولكن الأخرى قالت:
– عاصي هو اللي حابسني هنا من خمس سنين ورفض إني أخرج وأنا كويسة تماماً..
ووقتها أغمض عاصي عينيه باستسلام وانتظر كلماتها التي قد تكون مثل السكاكين التي سوف تمزق قلبه وحياته وشركته ..
نظرت له منى بانتصار وقالت:
– جدعه كملي كلامك
وبعدها نظرت لها مريم وقالت:
– بس مين حضرتك؟؟
قالت منى:
– أنا من مؤسسة حقوق الإنسان أنا هنا عشانك لما جالي خبر أن عاصي القاضي حابسك هنا جيت عشان أساعدك علطول
ابتسمت مريم بثقة وقالت:
– وطبعاً لما أنا قولت كده أنتِ فرحتي جدًّا، بس مش دي الحقيقة
نظرت لها منى بدهشه وقالت:
– يعني إيه مش فاهمه؟
– يعني أنا محدش حابسني هنا أنا موجودة هنا بإرادتي
فتح عاصي عينيه بدهشه ونظر إليها ثم طالع رحيل ليجدها تناظره بدهشه أيضاً، قالت منى باعتراض:
– قولتلك متخافيش واتكلمي محدش هيقدر يعملك حاجه أنا معاكي! عاصي هو اللي حابسك صح؟؟
– ما أنا بتكلم أهو وقولتلك اللي عندي، عاصي مش حابسني أنا هنا بإرادتي
قالت منى بانفعال:
– يعني إيه موجودة هنا بإرادتك؟! أنتِ كويسة وبتتكلمي زي أي إنسان سليم يعني ملهوش داعي وجودك هنا غير كده أنا متأكدة أن عاصي القاضي هو اللي حابسك هنا بلاش تنكري، هو حابس أخته في مصحة!
تقدم عاصي قليلاً وعيونه مُعلقة على مريم وقال محدثاً منى:
– أنتِ جايه هنا عشان تاخدي إجابات مش كده، وأنا هديكي الإجابات اللي أنتِ عايزاها
وقبل أن يُكمل كلامه قالت مريم بسرعه:
– أنت مش مضطر تبرر لحد حاجه، وأي حاجه حصلت أو هتحصل فى دي بيني وبين أخويا وبس!
نظرت لها منى وقالت:
– وأنا مش مصدقة كلامك ومتأكدة إنك محطوطة تحت ضغط عشان كده مش هسيبك وامشي
وقبل أن تتكلم مريم قال عاصي:
– للأسف مريم هي اللي هتسيبك وتمشي
نظرت له مريم بتساؤل فاتجه عاصي إليها حتى وقف أمامها وقال:
– أنا جاي عشان أخد مريم معايا وبمجرد ما تخرج من المصحة دي مش هترجع لها تاني حتى لو بإرادتها
قالت منى بسرعه:
– يعني أنت معترف أهو إنك أنت اللي حبستها هنا !
نظرت لها مريم بعنف وغضب ثم قالت:
– قولتلك أني هنا بإرادتي أنا محدش أجبرني، عاصي جه أكتر من مره عشان يخرجني وأنا اللي كنت رافضه، حالتي مكنتش تسمح أني أشوف ناس تاني
قالت منى بإصرار:
– فاكره نفسك بتضحكي على مين، مين يقرر أنه يعيش سنين في مكان زي ده بإرادته
نظرت لها مريم بجمود وقالت:
– المكان ده بنسبالي أرحم من العالم، أرحم من إني اشوف بشر زيكم والتعامل معاهم، بشر كلهم خبث وحقد وحسد وغدر وكل حاجه وحشه، حتى دلوقتي أنتِ مش جايه عشان تساعديني زي ما بتقولي أنتِ جايه تاخدي اللقطة مش أكتر زيك زيهم، تخيلي بقى لما يكون مكان زي ده رحمه بنسبالي عن البشر!!
نظرت لها منى بعيون متسعه ولم تقدر على الرد عليها، كان جميع من في الغرفة ينظرون لها بصدمة وعيون متسعه من كلماتها، نظرت مريم إلى عاصي بدموع وقالت:
– أنا مش عايزه أخرج عايزه أفضل هنا
أمسك عاصي يدها ثم قال بصوتٍ عالٍ:
– كلوا يطلع بره عايز أتكلم معاها على انفراد
لم يتحرك أحد من مكانه وظلوا يطالعوهم بتساؤل حتى صاح بهم شادي وأخرج كل من في الغرفة ولم يتبقى سوا مريم وعاصي..
***
صعد بدر إلى بيته ووضع المفتاح في الباب وعندما فتحه ودلف اتجهت إليه أمينه بسرعه وقالت:
– فين رحيل؟
نظر لها بدر بفتور وقال:
– راحت مشوار مهم مع عاصي
– عاصي تاني!! مش كفاية المشاكل اللي اتحطينا فيها بسببه غير كده البنت تعبانة مشوار إيه ده
طالعها بدر بلامبالاة وقبل أن يتحرك أمسكته هي وقالت:
– في إيه؟ أنت بتبصلي كده ليه
قال بدر بانفعال:
– ببصلك كده عشان قبل أيام بس مكنتيش طايقة رحيل وفجأة بقت بنت أخويا مش بنتك وأنها سبب كل المصايب اللي بتحط علينا مش كده
– ده كان كلام وقت عصبية
– ده أصدق كلام بيخرج من البني آدم، وأنتِ مش صغيرة يا امينه أنتِ واعيه ومدركه لكل حاجه بتقوليها، وعموماً أنا لو رجعت رحيل من المستشفى عشان أنا اللي أخد بالي منها مش عايز خدمات منك لرحيل شكراً
الكاتبة ميار خالد
قال تلك الكلمات ثم تحرك من مكانه وذهب إلى غرفة داليا، وقفت أمينه مكانها بعيون حزينة وندم قاتل بسبب ما تفوهت به أمام بدر، ولكنها قالت تلك الكلمات في لحظة غضب منها، وقد رفضت كلماته تلك وعزمت على الاهتمام برحيل، حتى إذا رفض هو..
دق بدر على باب غرفة داليا وعندما سمع صوتها دلف إليها فنهضت الأخرى من مكانها وقالت باهتمام:
– حمدالله على السلامة يا بابا، رحيل بره صح عايزه اطمن عليها
قال بدر بتعب:
– سيبي رحيل دلوقتي أنا عايزك في موضوع
نظرت له بتساؤل وقالت:
– موضوع إيه؟
ابتسم بدر ثم أمسك يدها وجلس الاثنان على سريرها، قال:
– في حد طلب ايدك مني أنتِ تعرفيه كويس
نظرت له بتوتر وأدركت أنه موضوع فارس فأردفت:
– مين؟!
– فارس
حاولت داليا أن تتفاجأ فنظرت له بعيون متسعه وصمتت بخجل، ابتسم بدر وقال:
– إيه رأيك؟
– رأيي في إيه؟
– رأيك فيه يا بنتي هو أنا اللي هتجوز ولا أنتِ!! أنتِ تعرفيه أكتر مني فقوليلي رأيك قبل ما أسأل عليه برضو
صمتت داليا بخجل وظلت تفرك بيدها بتوتر، نظر لها بدر بخبث وقال:
– ارفضه يعني؟
قالت داليا بسرعه:
– لا!!
أبتسم بدر وقال:
– اديله فرصه يعني أنتِ موافقه؟
ابتسمت داليا بخجل وقالت:
– اللي تشوفه يا بابا
ضحك بدر بسبب خجل داليا وأخذها في أحضانه، قال:
– أنتِ عارفه إنك أنتِ ورحيل عيوني الاتنين، لو جرالي حاجه عايزكم أنتم الاتنين تفضلوا مع بعض وبتحبوا بعض بلاش تسمحي لحد أو حاجه أنها تخش بينكم رحيل أختك مش كده
قالت داليا بتأكيد:
– طبعاً يا بابا، أنا كنت طفلة في تفكيري وبجد كل ما أشوف رحيل بتأسف لها على أي حاجه عملتها ضايقتها، بس بلاش الكلام ده بعد الشر عليك
أبتسم بدر ثم قال:
– خلاص أنا هتصل بفارس دلوقتي وأبلغه أنه يقدر يجي، الولد ده طلع عينه معايا مكالمات والله بس أنتِ كنتِ شايفه الوضع اللي إحنا فيه، بس شكله جدع ومحترم أنا مرتاحله جدًّا
ابتسمت داليا ثم قبّلها بدر في جبينها وخرج من غرفتها، وقد أتصل بفارس واتفق الاثنان على أنه سوف يأتي لكي يطلب يدها مع عائلته بعد يومين، كانت داليا تبتسم بفرحه كلما تذكرت كلمات والدها عن فارس، وعكر صفو جلستها تلك هي الرسائل التي جاءتها من حازم..
أمسكت هاتفها وفي تلك اللحظة أتصل الآخر بها فردت عليه وقالت:
– أنا سبق وقولتلك أن علاقتنا انتهت بس برضو أنت مش عايز تفهم وده مش ذنبي، كمل حياتك يا حازم زي ما أنا هكمل وأنا بتمنالك الخير وأنت كمان اتمنالي الخير
قال حازم بسخرية:
– ده بجد؟؟ يعني بعد اللي الواد ده عرفه برضو مصمم عليكِ ده مفيش كرامة خالص!
انفعلت داليا وهي تقول:
– أولا هو ليه أسم أسمه فارس ثانياً لو أنت شايفني وحشه اوي كده أبعد عني يا سيدي هو قابلني بكل حاجه
قال حازم برجاء:
– داليا أنا عارف إنك بتعملي كده عشان تغظيني بس أرجوكِ كفاية أحنا كُنا كويسين حصل إيه، كل ده بسبب رحيل يعني
– رحيل كانت سبب من ربنا إنك تظهر على حقيقتك، وأنا مش عايزه أتعب وبندم على علاقتي بيك كل يوم، بندم على كل لحظة قضيتها من عمري معاك، بندم أني مصبرتش على اختيار ربنا ليا واختارت بنفسي واختياري آذاني جدًّا، بندم إني مصبرتش على الحلال والنور واختارت الحرام والسر، الحمدلله إني لحقت نفسي وفوقت قبل ما كل حاجه تبوظ بجد، الحمدلله أنه ربنا رزقني بيه عشان يكون أكتر حاجه صح حصلت في حياتي
قال الآخر بصوت مرتجف:
– وهو بقى الاختيار الصح ليكِ، هو اللي هيخليكي مبسوطة؟
قالت داليا بإصرار:
– هو اختيار ربنا ليا، واختيار ربنا دايماً من غير تفكير بيكون الأحسن، ما يمكن عشان إحنا علاقتنا من الأول كانت غلط ربنا مباركلناش فيها
قال هو بانفعال:
– بس إحنا معملناش حاجه غلط!! إحنا حبينا بعض بس من أمتى الحب كان حرام، حتى لما كنت بمسك إيدك كانت نيتي اتجاهك خير أنا في نيتي إني أكمل معاكي فعلاً فين الغلط في اللي إحنا عملناه
قالت بسخرية:
– أنت بتضحك على مين؟ الأعمال بالنيات فعلاً بس لو زي ما بتقول مكنش حد غُلب بقى، كان كله هيغلط ويقول بس أنا نيتي كانت غير كده
تنهد حازم وقال:
– يعني أنتِ عايزه إيه دلوقتي
– متتصلش بيا تاني ولا تبعتلي رسايل، وعموماً أنا قرايت فاتحتي كمان أيام خلاص، ياريت تتمنالي الخير
قال بصوتِ حزين:
– مش هعرف، للأسف مش هعرف اتمنالك الخير
ثم أنهى المكالمة في وجهها وجلس يبكي بحزن وكل ما ظهر في رأسه هو أنها انانيه، ولم تكن تستحق حُبه لها، لم تستحق مشاعره تلك، وقرر أنه كما انتزعت منه قلبه هكذا سوف يرد لها هذا الأذى ولكن بطريقته..
في بيت عاصي..
الكاتبة ميار خالد
وخصوصاً في غرفة ليلى التي كانت تجلس بها الصغيرة بحزن وانكسار، وكأن الحياة لم تكتفي أن تضع حِملها على الرجال والنساء فاتجهت إلى الأطفال أيضاً لتضع على قلوبهم هموماً وحزن قادر على مسح الابتسامة البريئة عن وجههم، كانت ليلى تتذكر كلام سلمى عن والدتها وتبكي بصمت، كانت تشعر كل يوم أنها غير مرغوبة في تلك الحياة كانت تشعر أنها مجرد رقم زائد في تلك العيلة، قالت بدموع:
– حتى ماما دلوقتي برضو مش عايزاني طب يارب أنا ليه هنا أنا مش مبسوطة خدني عندك في الجنة هبقى هناك مبسوطة
ثم مسحت دموعها بسرعه عندما أحست بباب الغرفة يُفتح عليها، وكانت سلمى التي أرادت أن تطمئن عليها، دلفت إلى الداخل وجلست بجانبها وقالت:
– قاعده لوحدك ليه؟
اشاحت بوجهها عنها وظلت تفرك في عينها وهي تقول:
– عايزه أنام
ثم نزلت تحت غطائها واغمضت عينيها بتصنع فنظرت لها سلمى بحزن على حالتها ثم خرجت من الغرفة، وعندما تأكدت الصغيرة أنها خرجت نهضت من تحت الغطاء وعادت إلى جلستها الاولى، وعندما خرجت سلمى اتجهت إليها حنان وقالت:
– هو في إيه ليلى مش بتتكلم مع حد ليه؟!
نظرت لها سلمى بضيق وقالت:
– هي مضايقة شوية بسبب موضوع مامتها بس
نظرت لها حنان بقلة حيلة وقالت:
– ومين مش مضايقة الموضوع بس نعمل إيه، لو مريم تتشجع مره بس وترجع مصر وتكسر كلام عاصي بس أقول إيه الاتنين أعند من بعض
نظرت لها سلمى بتوتر وقالت:
– مريم غصب عنها
وصمتت بقلق، نظرت لها حنان بشك وقالت:
– يعني إيه غصب عنها؟! أنتِ مخبيه حاجه عليا؟
– قولتلك لما عاصي يجي
وقبل أن تتحرك أمسكت بها حنان وقالت بقلق كبير:
– مش هستنى لما عاصي يجي أنتِ لو مقولتليش دلوقتي مريم بنتي فين هتزعلي مني اوي! ردي عليا مريم فين هي مش مسافره صح
نظرت لها سلمى بخوف من ردة فعلها وقالت:
– عارفه الرسايل اللي كانت بتجيلك من كندا
نظرت لها حنان بدهشه وتفاجُئ وقالت:
– وأنتِ عرفتي منين بموضوع الرسايل ده؟
– عشان أنا اللي كنت ببعتهم!
ناظرتها حنان بصدمة وقالت:
– يعني إيه؟! يعني أنتِ اللي كنتِ في كندا مش مريم!!
أومأت سلمى برأسها وقد تجمعت الدموع في عيونها، اتسعت عيون حنان وطالعتها بصدمة ثم قالت بأنفاس محبوسة:
– مريم ماتت؟ عملت حاجه في نفسها وأنتم مش عايزين تعرفوني صح
أشارت سلمى برأسها بالنفي وقالت:
– لا
بكت حنان وهي تقول:
– أنتِ بتضحكي عليا بنتي ماتت وأنتم مخبين عليا، مريم بنتي ماتت
وفي تلك اللحظة جاء صوت فتاة من خلفهم وهي تقول:
– أنا عايشه يا ماما
نظرت حنان أمامها بصدمة وعيون متسعه، هذا الصوت التي تمنت لسنوات أن تسمعه، تلك الكلمه التي قد اشتاقت لها من فوهتها، لم تدرك للحظات هل ما سمعته حقيقة أم مجرد تخيل من عقلها الباطن، وعندما نظرت إلى سلمى ووجدتها تضحك بدأت في تصديق ما يحدث حولها، التفتت برهبه ونظرت إليها لترى ابنتها، صغيرتها، حياتها، صديقة دربها، مريم.. ولكنها كانت بوجه شاحب وبنيه نحيلة، اقتربت منها بلا وعي وامسكت وجهها بين كفوفها وقالت:
– أنتِ واقفه قدامي بجد يعني أنا مش بحلم!
نظرت لها مريم بابتسامة وأومأت برأسها تأكيداً لكلامها، ثم التفتت مريم ونظرت إلى عاصي ورحيل الواقفين خلفهم وكانت رحيل تضحك بفرحه كبيرة، وبدون تفكير أخذت حنان ابنتها في احضانها، للحظة كانت على وشك أن تعتصرها بين ذراعيها من قوة ذلك العناق، استنشقت رائحتها باشتياق وظل الاثنان هكذا حتى عرفت الدموع طريقها إلى عيونهم وظلوا يبكوا..
نظر عاصي إلى رحيل بعيون لامعه وغارقة بالحب وعندما وجدها تضحك هكذا سرح بضحكتها للحظات حتى نظرت إليه بعيون ضاحكة ووجه يشع بالأمل، قال عاصي بابتسامة:
– لحد دلوقتي محدش قدر أنه يخليني أعمل حاجه أنا مش عايزها، إلا أنتِ
ابتسمت رحيل وقالت:
– طلع فيا شوية عقل صغننين فعلاً
ضحك عاصي وظل ينظر لها بعيون تلمع وبهم تلك النظرة التي تتمنى كل فتاة أن تراها بعيون من أحبت، تلك النظرة التي تجعل العيون وكأنها لؤلؤتين مقيدتين في عشق إحدى الحوريات، وهنا لا أتكلم عن اللؤلؤ أو الحور بل عن عاصي ورحيل..
ابتعدت مريم عن حنان فمسحت الأخرى دموعها وقالت:
– أنتِ كنتِ فين ووشك تعبان كده ليه خسيتي أوي
التفتت مريم ونظرت إلى عاصي فتقدم الاثنان منهم وقبل أن يتحدث عاصي قالت سلمى وهي تنظر إلى رحيل:
– هتتكلم قدامها؟
نظر عاصي إلى رحيل بعيون مُحِبه وقال:
– هي السبب أننا كلنا نكون هنا دلوقتي
نظرت له حنان وقالت:
– أنت ممكن تفهمني في إيه؟ مريم كانت فين هي مكانتش في كندا صح
تنهد عاصي ثم قال:
– مريم كانت في مصحه نفسية من خمس سنين
نظرت له حنان بعيون متسعة وشهقت بفزع، فأكمل الآخر:
– يوم ولادة ليلى مريم حاولت تقتلها وبعدها حاولت تقتل نفسها، للأسف ده كان الحل الوحيد وقتها لو فضلت برا المصحه كان زمانها ميته دلوقتي
اتجهت إليه حنان وامسكته من ملابسه بعنف وقالت:
– أنت إزاي تخبي عني السر ده كل السنين دي !! إزاي فكرت تعمل كده
صمت عاصي فنظرت له رحيل وقالت:
– أحكي إيه اللي حصل في المصحة
وقبل أن يتكلم ويقول لها ماذا حدث في المصحة وكيف أقنع مريم أن تعود معه دق الباب بعنف فشعروا جميعاً بالفزع، ذهب عاصي بسرعه وفتح الباب ليظهر أمامه حارس العقار منصور وعلامات القلق والفزع على وجهه، نظر له عاصي بتساؤل وقال:
– في إيه؟!
كان منصور يبكي بحسرة ولم يقدر على الكلام فزاد قلقهم كلهم، صاح به عاصي:
قال منصور بدموع:
– الهانم الصغيرة
نظر له عاصي وقد تغيرت ملامحه إلى الخوف:
– مالها ليلى!!
بكى منصور للحظات ثم قال بصعوبة:
– وأنا رايح الجنينة لقيتها مرميه على الأرض وحواليها دم شكلها وقعت من شباك الاوضة بتاعتها، أنا طلبت الإسعاف يارب تكون عايشه
وبعد كلماته تلك تجمدوا جميعا مكانهم، وكأن هناك قوى خفيه تمسك بأجسادهم فمنعتهم من الحركة..
أيعقل أن تترك تلك الصغيرة الحياة قبل أن تلتقي بوالدتها التي حلمت لسنوات أن تأخذها في احضانها، أيعقل أن تكون الحياة ظالمة لتلك الدرجة؟؟
يا ترا ايه اللي هيحصل
#رحيل_العاصي
#الكاتبة_ميار_خالد
#الفصل_الثلاثون
بكى منصور للحظات ثم قال بصعوبة:
- وأنا رايح الجنينة لقيتها مرميه على الأرض وحواليها دم شكلها وقعت من شباك الاوضة بتاعتها، أنا طلبت الإسعاف يارب تكون عايشه
وبعد كلماته تلك تجمدوا جميعاً مكانهم، وكأن هناك قوى خفيه تمسك بأجسادهم فمنعتهم من الحركة..
وكان أول من تحرك منهم هو عاصي، وبعده رحيل وحنان ثم سلمى وظلت مريم مجمدة مكانها لا تقدر على الحراك، تحرك عاصي بجنون حتى وصل إلى الجنينة وبحث بعيونه عنها حتى رآها مكومه على وجهها على الأرض ورأسها ينزف دماً بغزارة، ولم يشعر بنفسه إلا وهو ينتشلها من على الارض ليظهر وجهها أمامه والذي كان غارقا بالدماء، شهقت رحيل بفزع ثم أمسكت رأس ليلى بسرعه وضغطت على الجرح، كانت حنان تبكي بفجعة وعاصي ينظر لها بعيون مجمدة، يشعر وكأن الحياة قد تجسدت في شكل كابوس مرعب لا يعرف كيف يهرب منه، لماذا تتلذذ بأن تجعله يذوق العذاب بشتى الطرق.. لماذا؟!
وبعد دقائق وصلت سيارة الإسعاف وأخذت ليلى وصعدوا جميعاً معها وبقت سلمى في البيت من أجل مريم، وعندما وصلوا إلى المستشفى دخلت ليلى إلى العمليات فوراً..
جلس هو أمام الغرفة ووضع رأسه بين يديه ولأول مره يشعر بكل هذا العجز، حتى عندما كانت مريم في تلك الأزمة لم يشعر بكل هذا العجز، مشاعر كثيرة لا يمكن وصفها من الألم والقلق والخوف والندم..
جلست رحيل بجواره وأمسكت يديه وانزلتهم عن رأسه لتجد الدموع قد ترقرقت بعيونه ووجهه قد تلوث بدماء ليلى التي كانت على يديه، أخرجت منديل من حقيبتها ومسحت الدماء عن وجهه برفق وكذلك عن يده، نظر لها عاصي بعيون دامعة وقال:
- هي هتعيش صح
ابتسمت رحيل برفق وقالت:
- هتعيش، ليلى متقدرش تسيب خالها وتمشي
قال بلا وعي:
- كانت غرقانه في دمها وهي بين أيدي، أنا السبب لو كنت جنبها مكنش حصل كده أنا وعدت نفسي إني احميها من كل حاجه حتى من نفسها..
أدمعت عيون رحيل فحركت يدها وربطت على كتفه وقالت:
- أنت ملكش ذنب في حاجه بلاش تعاقب نفسك ده قدر ونصيب وهي هتبقى زي الفل خليك قوي وأنا معاك صدقني هنعدي كل ده
ابتسم لها عاصي بحزن ثم نهض من مكانه واتجه إلى والدته وجعلها تهدأ قليلاً، وبعد ساعة ونصف خرجت لهم إحدى الطبيبات من غرفة العمليات واتجهت إليهم بوجه عابس، اتجهوا إليها وقال عاصي بقلق:
- ليلى كويسة؟!!
صمتت الطبيبة للحظات ثم قالت:
- للأسف الوقعة كانت قوية جدًا لبنت في عمرها، فيه كسر في أيديها ورجلها وبسبب الخبطة حصلها نزيف داخلي في المخ، إحنا الحمدلله عرفنا نسيطر على الوضع بس احتمال كبير يحصل مضاعفات وطبعاً مش هنقدر نعرف هي إيه غير لما تفوق للأسف لو فاقت..
نظر لها عاصي بدون تصديق وقال:
- يعني إيه لو فاقت؟!
- بندعي أنها تتخطى مرحله الخطر، بندعي أنها متدخلش في غيبوبة، ادعولها لأن وضعها صعب فعلاً بس مفيش حاجه بعيدة عن ربنا..
قال عاصي بلا وعي:
- عايز أشوفها
قالت الطبيبة:
- للأسف الزيارات ممنوعه دلوقتي، حالياً هننقلها للعناية المركزة وخلال ٢٤ ساعة ندعي أنها تتخطى مرحلة الخطر وتستعيد وعيها
ثم تحركت من مكانها وتركتهم في حالة يرثى لها، قالت رحيل بتفاؤل:
- هتكون كويسة صدقني ليلى بنت قوية وهتستحمل
التفت لها عاصي بعيون قد التهبت وتلونت باللون الاحمر، كان وجهه شاحب، قلق، يكسوه التوتر، الخوف، الكثير من المشاعر الكافية لتنتزع الطمأنينة من أي إنسان، لم يشعر بنفسه إلا وهو يتشبث بيد رحيل فتمسكت الأخرى بيده بقوة وقالت:
- هتكون كويسة صدقني، أنا معاك أهدي واتمالك نفسك ليلى محتاجاك جداً دلوقتي
نظر لها عاصي وقال بدموع:
- لو جرالها حاجه مش هسامح نفسي
ووقتها جاءت حنان وعانقته بألم وحزن وظلت رحيل ممسكه بيده بقوة ورفضت أن تتركها للحظة..
في بيت عاصي..
وقعت مريم مكانها ولم تستوعب ما حدث، أهذا عقاب جديد لها؟! الم يكفي ألمها وعقابها كل تلك السنوات، هل علمت الحياة أن قلبها قد ولِدَ فيه ذرة تحمل جديده فقررت أن تختبرها مجدداً؟ لماذا تحدث كل تلك الأحداث معها..
اتجهت إليها سلمى وساعدتها فنهضت من مكانها، قالت سلمى:
- متخافيش ليلى هتكون كويسة وترجعلك أهدي
- ده اختبار جديد مش كده، كفاية اختبارات أنا تعبت!!
- أهدي أرجوكِ
وفي تلك الأثناء دق أحدهم على الباب فتحركت سلمى بسرعه وفتحت الباب ليطل عليها شادي الذي نظر لها بقلق وقال:
- مريم موجودة؟
طالعته سلمى للحظات وقالت:
- أنت دكتورها شادي؟
أومأ برأسه بدهشه فقالت الأخرى:
- جيت في وقتك الحمدلله
طالعها بقلق فقصت عليه سلمى ما حدث معهم فاتسعت عيونه بقلق شديد ودلف بسرعه ليجد مريم على الأرض تبكي بعدم تركيز بسبب ما يحدث، جلس بجانبها على الأرض وأمسك يدها فنظرت له بعيون دامعه، وعندما تلاقت عيونهم قالت له ببكاء:
- ليلى راحت، فرصة أني أصلح كل حاجه راحت مني، كل حاجه ادمرت من قبل ما تبدأ
وضع شادي يده على فمها وقال بإصرار:
- ممكن تهدي! مفيش حاجه باظت ده أكتر وقت ليلى محتاجاكِ فيه ده الوقت المناسب عشان تصلحي فيه كل حاجه وترجعي بنتك لحضنك
ناظرته بعيون دامعه ورموش ملتصقه ببعض من كثرة الدموع، أردف شادي:
- حصل إيه في المصحة وعاصي قالك إيه عشان ترجعي معاه ؟!
طالعته بصمت ثم تذكرت ما حدث وقصت عليه..
الكاتبة ميار خالد
فلاش باك..
لم يتحرك أحد من مكانه وظلوا يطالعوهم بتساؤل حتى صاح بهم شادي وأخرج كل من في الغرفة ولم يتبقى سوا مريم وعاصي..
مرت لحظات كساها الصمت حتى قال عاصي:
- مقولتيش الحقيقة ليه؟
- لو أنت تقدر تأذيني أنا مش هقدر اسببلك أذى
- برضو لسه بتقولي أذيه!
تنهدت مريم وقالت:
- متقلقش على موضوع الناس دي أمشي دلوقتي وأنا هحله مكنش لازم تيجي صدقني مكنتش هستغل الموضوع واسببلك أذى
- بس أنا مش جاي عشانهم
طالعته مريم بسخرية وقالت:
- أكيد مش جاي عشان تاخدني معاك بجد
أبتسم عاصي وقال:
- جاي عشان نفتح صفحه جديدة ننسى فيها اللي فات ونبدأ من جديد، الوقت عدى وكل واحد فينا كبر، مش عايز نكبر أكتر وإحنا جوه الدوامة دي، كفاية بُعد ومشاكل
ابتسمت مريم بسخرية وقالت:
- والله؟ ده أنت اللي بتقول الكلام ده مش مصدقه، طب وبنتي اللي حرمتني منها، هتسمح إني اشوفها تاني؟
- أنتِ اللي مكنتيش عايزه ليلى أصلًا، ولو كنتِ بره وقتها كنتِ قتلتيها وقتلتي نفسك المفروض تُشكريني عشان انقذتك من اللي كنتِ هتعمليه
صمتت مريم ثم ترقرقت الدموع في عيونها وقالت:
- ودلوقتي مش خايف أني اكرر ده تاني
ابتسم عاصي وقال:
- مش خايف لأني متأكد إنك مستحيل تكرري ده تاني، أنا قولتلك قبل كده مش هخرجك من هنا غير لما أحس إنك اتغيرتي فعلاً وده اللي أنا شايفه فعلا، أنتِ بقيتي أقوى من الأول دلوقتي أنا مش خايف عليكِ، بلاش تبقي غبية وتضيعي يوم تاني من عمرك في إنك تستوعبي اللي بيحصل، أنا بديكي الفرصة إنك تصلحي كل حاجه وبديكي الفرصة إنك تكسبي ليلى، كفاية السنين اللي هي عاشت فيها من غير أم ارجعي وعوضيها عن كل السنين دي
أردفت وهي تطالعه بعيون دامعة:
- بس أنا أم مش كويسة أنا كنت هقتل بنتي وهي لسه عندها ساعات
- مكنتيش في وعيك، كنتِ في صدمه ولسه صغيرة طبيعي كان يبقى ده رد فعلك، دلوقتي أنتِ اللي بتعاقبي نفسك وبترفضي تكملي في حياتك، كفاية كل التعقيد ده الدنيا أبسط من كده
نظرت له مريم بتساؤل ودهشة ثم قالت:
- وأنت من أمتى كنت بتشوف الدنيا بالبساطة دي
- لو وافقتي ترجعي معايا هحكيلك إيه اللي غيّر نظرتي دي
ثم مد يده لها وانتظر جوابها، ظلت تطالعه بعيون خائفة نوعاً ما ولكن في لحظة نفضت هذا الخوف وامسكت يده بإصرار وقالت:
- موافقة..
باك..
قالت مريم بدموع:
- وبعدها خرجنا من المستشفى زي ما أنت شوفت
طالعها شادي بصمت ثم قال جملة وانتظر ردها عليه و تلك الجملة سوف تُظهر له شيئاً ما، وكانت تلك الجملة:
- هتعملي إيه دلوقتي ؟
نظرت له مريم بضياع ولكن فجأة تغيرت نظراتها ونهضت من مكانها ثم قالت بعيون حاده:
- لازم أفضل جنب ليلى، أنا مش هسمح إني اخسرها تاني حتى لو هي تعبانة أكيد لما تحس بيا جنبها هتخف وتبقى كويسة صح
أبتسم شادي وقال:
- هتكون كويسة
وبعدها أتصل شادي بعاصي وطلب منه أن يُخبره بأسم المستشفى حتى يأتي بمريم إليهم ولكن عاصي رفض وبشدة وخصوصاً بسبب حالة ليلى الغير مستقرة، ولكن شادي لم يخبر مريم بالحقيقة لذلك أخبرها أن ليلى مازالت في العمليات وانتظارها هناك لن يشكل أي فرق وبصعوبة أقنعها أن تظل في المنزل..
***
الكاتبة ميار خالد
كان أحمد يجلس بجوار شريف عندما أتى للآخر إتصال حتى يعرف ماذا حدث في المصحة، وانزعج وبشدة عندما عَلِم أن الأمور لم تسير كما كان يرغب، ولكن عندما أتاه خبر تلك الصغيرة التي تنازع في المستشفى حتى تتمسك بالحياة ابتسم بشماته وكأنه نسى أن ليلى ما هي إلا طفلة صغيرة ليس لها ذنب بكل هذا الخبث والحقد..
أنهى المكالمة فقال له أحمد بترقب:
- حصل ايه؟
- كالعادة هرب منها، مريم متكلمتش تضده وقالت إنها قاعده في المصحة بإرادتها
لم يتكلم أحمد وكأنه قد شعر بسرور بسبب كلمات شريف، كان يساعد في تدمير عاصي ولكن بأي طريقة تكون بعيدة عن ليلى ومريم وحتى الآن لم يفهم أحمد تصرفاته تلك، هل شعوره بالذنب اتجاههم هو الذي يتحكم به، لا يعرف..
ولكنه شعورة بالسرور هذا انتهى حين أكمل شريف:
- في خبر بالنسبالك هيبقى وحش بس بالنسبالي لا، ليلى في المستشفى
انتفض أحمد من مكانه وقال:
- ليه جرالها إيه؟!
- إحتمال تكون ماتت، اللي وصلي أنها رمت نفسها من شباك أوضتها، هو الشباك مش عالي اوي بالنسبة لينا ككبار بس ليها عالي اوي، مسكينه البنت لسه صغيرة، شوف عاصي وصل بنت صغيرة أنها تموت نفسها، ربنا العالم هي كانت حاسة بأيه ولا فكرت في إيه عشان تتصرف كده
لم يصدقه أحمد للحظات فظل يطالعه بعيون متسعة وصدمة ظهرت في ملامحه، لم يستوعب هل من يتكلم عنها تلك ويقول إنها من المحتمل أن تكون ماتت هي ليلى؟! أبنته التي لم يشعر يوماً أنه أبًا لها، أبنته التي قد ندم على تخليه عنها، ولكن لِما الندم فهو من تخلى عنها باختياره وإرادته..
ربّت شريف على كتفه وقال:
- أنا كنت فاكرك هتضايق بس في إيه مش مستاهله كل ده
نظر له أحمد بعنف ثم قال:
- بتقولي إحتمال تكون ماتت ومش مستاهله كل ده أنت اتجننت!!
طالعه شريف بتهكم وسخرية وأردف:
- ما تفوق بقى من العالم اللي أنت عايش فيه ده، شوية تقولي بنتي وشوية تقولي خرّج مريم من أي حاجه، أنت نسيت إنك أنت اللي دمرت حياتهم؟! أنت بتضحك على مين بالظبط؟! عشان كده أنا مش مصدقك ولا هصدقك
وبدون أن ينتبه أحمد لكلماته تلك طلب منه أن يعطيه أسم المستشفى الموجودة بها ليلى وقد ماطل شريف في الحوار قليلاً حتى أخبره في النهاية عن أسمها فخرج الآخر وبسرعه واتجه إليها..
ولكن شريف لم يعجبه ما يحدث وقد شعر أن بعد أيام أحمد سوف يصبح مصدر أذي بالنسبة له لذلك شعر ببعض القلق..
***
الكاتبة ميار خالد
مرت ساعات..
وتم نقل ليلى إلى غرفة العناية المركزة، وعندما عَلِم بدر بما حدث جاء إليهم المستشفى وحاول أن يقنع رحيل أن تعود معه بسبب مرضها ولكنها رفضت وبشدة، وقد احضر معه بعض الطعام التي جهزته أمينه لهم، كان عاصي يقف أمام الغرفة ينظر إليها وهي بين كل تلك الأجهزة الطبية ويدها ورجلها المحاطين بجبيرة طبية، اتجهت إليه رحيل ومدت يدها إليه ببعض الطعام بعد أن أعطت حنان أيضًا والتي قد رفضت في البداية ولكنها صممت فتناولت بعض اللقيمات في النهاية، نظر عاصي للطعام ثم قال:
- مش عايز
قالت رحيل وهي تنظر له بابتسامة:
- كنت عارفه إنك هتقول كده بس على فكرة أنا كمان مكلتش لحد دلوقتي ومش هاكل غير لما تاكل أنت حر بقى
زفر عاصي بحنق وضيق و رد:
- رحيل بالله عليكِ أنا على أخري، كُلي أنتِ وملكيش دعوة بيا
- وربنا ما يحصل لو مكلتش أنا مش هاكل
نظر عاصي أمامه بصمت ثم قال:
- أنتِ تعبانة روّحي مع باباكِ
- لا أنا كويسة
صاح بها عاصي:
- أنتِ ليه مش بتسمعي الكلام قولتلك روّحي مع باباكِ!!
تجاهلت رحيل صياحه هذا وقالت:
- لما اطمن على ليلى وعليك هبقى أمشي
صمت الآخر ولم يعرف كيف يرد على اهتمامها هذا، ولأول مره يعيش مشاعر من هذا النوع، ولم تعطيه رحيل فرصة أن يفكر فقد سحبته من يده وجعلته يجلس على أحد المقاعد الموجودة أمام الغرفة، ثم جلست بجواره وفتحت عُلبة الطعام واطعمته بيدها، نظر لها عاصي بذهول فقالت هي:
- هو أنت ليه كنت بترفض تاكل معايا في الشركة مع أن الأكل جميل وبسمسم أهو
أبتسم عاصي رغماً عنه وظل يطالعها بعيون تلمع فأكملت هي بضحكة:
- كنت خايف لأكون عملالك مقلب في الاكل وحاطه سكر بدل الملح ولا إيه، أنا عبيطة آه بس مش للدرجادي يعني ده أكل مستحيل إني....
كانت تتكلم بمرح وتضحك بين الحين والآخر، وكان عاصي في عالم آخر هي المسيطرة فيه على عقله، شريط يُعاد أمام عينيه منذ أول لحظة رآها فيها حتى تلك اللحظة، كان يدعي في بداية الأمر أن تختفي من حياته والآن أصبحت هي محور حياته..
جلس أمامها مسلوب الإرادة، هي تطعمه في فمه وهو في عالم آخر من التفكير والشرود، ولم يفق إلا على صوت سلمى التي جاءت بمفردها إلى المستشفى، قالت بقلق:
- ليلى فين؟
ثم نظرت إلى رحيل بدهشه وتساؤل، من تلك الفتاة التي كانت السبب الرئيسي في إصلاح الأمور كلها، قد فعلت ما لم تقدر سلمى نفسها على فعله، من تلك الفتاة التي تمكنت من سلب عقل عاصي واخضاعه لها فأصبح يتصرف بطريقة لا يُصدق أحد أن عاصي من يفعلها..
تنهد عاصي ثم نهض من مكانه وقال لها:
- في العناية، جيتي ليه مش قولتلك خليكِ مع مريم
- شادي هناك معاها فى أنا قولت اجي اطمن على ليلى بسرعه بعد ما عرفت المستشفى من ماما حنان
قال عاصي بانفعال:
- شادي الدكتور بتاعها وكل حاجه بس مينفعش يكون معاها في نفس البيت لوحدهم!! ولا أنتِ العيشة في كندا خليتك تنسي الاصول
قالت سلمى بهدوء:
- هرجع لهم دلوقتي حالًا وهاخد طنط حنان معايا كمان بس طمني على ليلى حالتها إيه
- حالتها مش مستقرة وبندعي أن ال٢٤ ساعه دول يعدوا على خير
رفعت سلمى يدها ووضعتها على كتف عاصي وقالت بتهوين:
- هتكون كويسة، هي بس لما تحس أن مامتها جنبها هتتحسن
نظرت رحيل إلى يدها التي هي على كتفه وشعرت وكأن شعله من النار قد أوقِدت بداخلها، وبحركة لا إرادية منها وجدت نفسها تمسك يد سلمى الموجودة على كتف عاصي وقالت مغيره الموضوع:
- بس ليلى عملت كده في نفسها بسبب مامتها وخصوصاً اللي سمعته منك يعني هتاخد وقت كبير لحد ما تعرف تحبها تاني
نظرت سلمى إلى يدها التي أصبحت في يد رحيل وقبل أن تتكلم قال عاصي بتساؤل:
- ليه هي ليلى سمعت إيه بالظبط؟! سمعت منك إيه
قال تلك الجملة ثم نظر إلى سلمى بتساؤل، وللحظة قد ندمت رحيل على ما قالته، وقبل أن تتكلم سلمى سبقتها رحيل بقولها:
- بصراحه في حاجه أنت متعرفهاش أنا عملتها
ثم نظرت له بخوف وقلق، طالعها عاصي لثواني ثم تنهد ووضع يده على وجهه حتى يمتص بعضاً من غضبه وقال بهدوء:
- عملتي إيه؟ أنهي مصيبة المرة دي
وضعت رحيل إصبعها أسفل أسنانها ثم قصت عليه ما حدث معهم منذ أن رأت الصورة على هاتفها ثم سلمى أمامها و أنها قد وعدت ليلى أن تأخذها إلى والدتها ظناً منها أنها هي، كان عاصي قد استنتج كل هذا منذ وقت وخصوصاً بعدما قالت له سلمى أن ليلى قد سمعتهم..
ولكن مفاجئته الحقيقة عندما أدرك السبب وراء تصرف ليلى هذا، قد أدرك كم الاكتئاب التي أصاب تلك الطفلة لتقرر أن تنهي حياتها وهي بهذا العمر، قالت رحيل:
- صدقني أنا مكنش قصدي أن كل ده يحصل أنا مكنتش أعرف إن ليلى ممكن تعمل كده في نفسها أو أنها ممكن تسمعنا أصلاً، أكيد هي عملت كده بسبب كلامنا
طالعها عاصي بعيون متعبه ومرهقه وقال:
- حرام عليكِ، ليه اتصرفتي من دماغك حاجه زي كده المفروض ترجعيلي الأول
قالت رحيل بخوف:
- خوفت إنك تمنعني أوصّل ليلى لمامتها
- تقومي مخبيه وتعملي اللي في دماغك وادي نتيجة أفعالك! ليلى بين الحياة والموت برافو
ثم صفق لها بغيظ، ظل يطالعها بغضب حتى و جد نظراتها تتغير إلى الرعب وكانت تنظر إلى شخصاً ما يقف خلفه، وفجأة أمسكت يد عاصي بخوف ونظرت له بعيون دامعه، طالعها عاصي بدهشه ثم استدار هو وسلمى لينظروا إلى الشخص التي تطالعه رحيل بكل هذا الرعب..
وكان هذا الشخص هو أحمد..
الذي كان يقف أمامهم بثبات وسط نظراتهم المصدومة..
يا ترا ايه هيكون رد فعل عاصي وليه أحمد ظهر قدامهم؟؟
آراءكم ؟؟ توقعاتكم ؟؟
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق