القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية مرايا الحب الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر بقلم نورا عبد العزيز

 


رواية مرايا الحب الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر  بقلم نورا عبد العزيز 





رواية مرايا الحب الفصل الحادى عشر والثاني عشر والثالث عشر  بقلم نورا عبد العزيز 




#مرايا_الحب

___ الفصل الحــــادي عشـر ( 11 ) ___

بعنــــوان " مشـــاعـر مُختـلطــة "


أتسعت عيناها على مصراعيها بذهول تام من سؤاله الغير متوقع ولم يأتي ببالها يومًا، وقفت من أمامه هاربة من الجواب فحتى قلبها لا يعرف الجواب، كانت تعتقد بأنها تكمل ناقصه وأنهما فقط بحاجة بعضهما فلن يتقبلهما أخر بأمراضهما، مسك "يونس" معصمها بلطف قبل أن ترحل لتنظر إلى يده التى تحتضن معصمها بلطف شديد ثم إلي وجه "يونس" وعينيه تتطلع بها بشغف لمعرفة الجواب وأن كانت تكن له الكثير أو القليل حتى من المشاعر الحسنة، تصنعت الشجاعة والغلاظة معًا ثم قالت:-

-حب أيه؟ إحنا أتفقنا نكون صحاب بس مش أكتر


وقف أمامها وهو ما زال مُتشبثًا بمعصمها ثم سأل بفضول شديد وعقله على وشك الجنون من التساؤل:-

-واللى حصل من شوية؟


نفضت "فلك" ذراعها من يده  بقوة غيظًا من كلماته وشعرت بحرج شديد منه وعينيه تكاد تلتهمها بشراسة وقالت بنبرة مُرتفعة حادة مُحاولة جاهدة فى تصنع القوة:-

-كنت خايفة متفسرهاش حاجة تانية وأنت اللى بدأت كمان

 

أستشاط غيظًا منها وألتف مُتأففًا بقوة ليرى "غزل" تقف فى الخلف غاضبة بوجه عابس وحاد تعقد حاجبيها وتضمهم بقوة ليبتلع ريقه بصعوبة بالغة خوفًا من غضبها وقال:-

-غزل أنا..


تمتمت "غزل" بنبرة قوية ساخرة منه وهى تقترب بخطوات ثابتة:-

-أنت وقعت فى الحب يا يونس


تنحنح بحرج شديد من كلماتها ولم يجيب، وصلت أمامه لتمسكه من لياقته بقوة وتحدثت بنبرة قوية غاضبة من أفعاله:-

-أنا حذرتك يا يونس، أنت مش هتحب حد غيرى ولا هتكون لغيري، متفكرش أن فلك أو غيرها ممكن يأخدوك منى، أنت ليا أنا وبس 


تتطلع بعينيها الجريئة وقوتها الحادة التى لطالما غمرته قوتها وغلبته شجاعتها ليشعر بضربات قلبه تتسارع وعينيها يغلبه جمالها دومًا، كجمال فلق الصباح الذي يُنير السماء ويجذب الأنظار إليها وقال بصوت خافت:-

-غزل أنا مبطلتش أحبك


ضحكت "غزل" بسخرية منه وهى أكثر من يعرف ما بداخلها فهى نسيج من باطنه، تمتمت بعيني تملأها غرغرة دموعها الحارة التى تحرقها مع حرارتها ثم قالت:-

-تُحبنى وقلبك نابضًا بغيري ويهرع إليها، قول كلام غير دا يا يونس


لمس وجنتها خائفًا بقلب مُرتجف خوفًا من دموعها التى ذرفت على وجنتيها، خائفًا من فقدها للأبد أو أن تعاقبه وتتلاشي وهى صديقته الوحيدة، مُنذ ظهورها فى حياته وهو أبتعد عن جميع الأصدقاء ولم يعد يملكها سواها وغيرها، هى تغنيه عن الجميع وتحميه من الخذلان والغدر، يقن بأنها الوحيدة التى لن تفارقه كما حدث مع حبيبته المتوفية، التي أخذها الموت منه، "غزل" الوحيدة التى لن تفارقه إلا بمفارقته للحياة، ستغادر معه الحياة، جفف دموعها بسبابته وقال بنبرة هادئة:-

-أنا محتاجاك يا غزل وبحبك وأنتِ عارفة دا


جهشت باكية بأنهيار تام وهى تجلس على الأرض، جلس معها وهو يطوقها بذراعيه ويُضمها إليه بحنان وقلب دافيء ممتليء بالحب والإحتياج الشديد إليها، فُتح باب المكتب ودلفت "قدر" لتراه جالسًا أرضًا ويفتح ذراعيه للأمام لتضحك بسخرية شديدة من مرضه وقالت:-

-أيه دا؟ هو أنا جيت فى وقت مش مناسب ولا أيه؟  


 تلاشت "غزل" مع صوتها التى ضرب أذنيه بقوة ليتنهد بهدوء شديد وهو يفك ذراعيها المتشابكين للأمام ثم نظر إلى الأعلي نحو "قدر" التى تخطو نحوه بخطوات ثابتة مُرتدية تنورة طويلة تصل إلى لأسفل ركبتيها سوداء اللون وبلطو سماوي اللون طويل يصل إلى ركبتيها مفتوح ليظهر قميصها الصوفي الأسود الذي تدخله فى تنورتها ليظهر نحافتها وتحمل حقيبة صغيرة بحجم كف يدها فقط بسلسلة على كتفها وكعب عالي صوت طقطقته تطرب أذنيه، تتطلع "يونس" بعينيها الخضراء أثناء وقوفه مُستقيمة ووضع يديه فى جيوبه بغرور ثم قال بغضب مكبوح من كلماتها:-

-أيه اللى جابك هنا يا قدر؟


وقفت قُربه وأمامه مباشرة وأنفاسها تلطم وجهه وترمق عينيه الرمادية كالخنجر المغروس به وقالت بتهكم:-

-وحشتني يا يونس ومقدرتش على فراقك فقُلت لازم أجي أشوفك بنفسي


أخذ "يونس" خطوته الأخيرة نحوها ليتصلق بها وهى تصطنع الصمود أمامه وتتشبث بكبريائها الطاغي على أنوثتها وهمس بثقة بنبرة دافئة تُربكها وتُهزم قوتها الهشة:-

-على الرغم من أنك بتقوليها بسخرية واضحة جدًا لكنها الحقيقة يا قدر، أنا فعلاً وحشتك وشوقك هو اللى غلبك وجابك هنا، شوقك ليا هو اللى خليك واقفة قدامي دلوقت هنا وشايفاني


تحاشت النظر إلى عينيه بأرتباك وتوتر شديد من كلماتها الصائبة فلم يخطي بأى كلمة تفوه بها، هتفت بضيق شديد وهى تراه على وشك الانتصار عليها:-

-متسرحش بخيالك كتير يا يونس


تبسم بخبث شديد وهو يرى ربكتها وتوترها أم عنه فلا يعرفها أحد ولا يحفظها عن ظهر أحد مثلما يعرفها "يونس" فتحدث بثقة وجراءة:-

-عارفة مشكلتك أيه يا قدر، مشكلتك أنك عايزانى وبتحبنى لكن يا حرام كبريائك وغرورك مش سامحين لك أنك تحبي وتتعلق وتربطي حياتك بواحد مجنون، لأن فى نظرك مرضي هو الجنون وأنا واحد محتاج مصحة ومستشفي مجانين ميستاهلش الحب والحياة عادي كدة، مشكلتك يا قدر هو غرورك وكبريائك اللعين وصدقينى لو فى حاجة واجعاكي فهى غرورك، أنا إنسان طبيعي راضي بمرضي ومُتقبل دا، ولاقيت اللى ترضي بيا كدة وتقبل مرضي وتعاملنى على أني إنسان طبيعي من حقي الحب والحياة وأستمتع بكل حاجة فيها لأني هعيش مرة واحدة... ودا اللى قهرك يا قدر أني بدأت أسيبك وأروح لفلك 


ألتفت تنظر نحوه أثناء حديثه وتستمع لكل ما يتفوه به بهذا الهدوء لتصرخ به بأنفعال فور أتمام كلماته وقبضتها تضربه بقوة على صدره مُستشاطة غيظًا وقهرًا من كلماته التى حرقت قلبها للتو:-

-روحلها يا يونس ، ما تروح لفلك ولا لغزل ولا أى واحدة، أنت كدة طول عمرك بتجرى وراء أى حاجة مونثة، حُب ... حُب أيه أنت اللى زيك ميستاهلش الحب، ما أنا حبيتك قدرت دا ولا أحترمته، لا بالعكس أنت دوست عليا وعلى قلبى اللى حبك، بحبك أه ..لا بكرهك فى نفس الوقت، وبكره نفسك وراحتك، بكره صوتك وبكره لمستك ليا، مبقتش طاقية أيدك تلمسنى ولا حتى تضمني لصدرك، أنا بقرف منك يا يونس


كانت كلماتها تفتت قلبه، تمنى لو ندمت على قتلها لأبنه برحمها، أو جاءت لتطلب السماح والعفو عما بدر منها إليه من إساءة وقسوة وذل لكنها جاءت لتزيد أوجاعه وغضبه منها، جاءت لتنتشل من قلبه أخر ذرة حُب موجودة بقلبه إليها، شعر بأنتزاع حُبها من قلبه وهو يصرخ بالداخل، لا يعلم متى تحولت "قدر" لهذه المرأة الشيطانية اللعينة؟ تساءل كثيرًا أن كان هو السبب فهذه النسخة الخبيثة البغطاء التى يراها؟، مسك ذراعها بقوة وهو يجذبها نحوه بغضب شديد على وشك ألتهامها وقال بعيني حادة تقتلها أمامها بنظراتها:-

-أكرهنى يا قدر وكرهني فيكي كمان وكمان، عشان لما أروح لفلك بجد بقلبي وروحي مبقاش شايل ذنبك، أكرهني يا قدر وخلي قسوتك تسرق كل حاجة حلوة جوايا ليكي


-وأنت أيه مقستش عليا بخيانتك؟ دا انت أتجوزت عليا يا يونس فى أكتر من كدة قسوة


صرخ فى وجهها بأنفعال شديد لا يُصدق أتهامها إليه قائلًا:-

-صورى، أتجوزت جواز صورى يا قدر عشان ذُلك ليا وقسوتك عليا، لحد النهاردة مش عارف ألمس واحدة غيرك ولا أحب غيرك وأنتِ مبتعمليش حاجة غير كسرتك ليا وإهانتك ليا


ضربته بقوة فى صدره بأنتصار بعد أن سمعت كلماته وقالت بتحدي:-

-ولا هتلمسنى تاني يا يونس فى حياتك كلها، نجوم السماء أقرب لك


لم يتمالك أعصابه أمام تهديدها المباشرة له فأنقبض عليها يقبلها بقوة ويديه تعتصر معصمها والأخرى تحيط مؤخرة رأسها حتى لا تفر هاربة منه، حاولت الفرار منه والأبتعاد عنه لكن زحزحته بعيدًا عنها بقوته البدنية كان مُستحيلًا لتدمع عينيها بضعف وبدأت تتوقف عن مقاومته شيئًا فى شيء وتهدأ من روعتها، شعر بأسترخاء جسدها ومُبادلتها لقبلته ليبتعد عنها فى هذه اللحظة فنظرت إليه بعينيها الباكية تتطلع به بشوق وشغف شديد بعد أن شعرت بضربات قلبها تتسارع بجنون إليه وقد غلبها العشق فى هذه اللحظة وتخلت عن كبريائها وغرورها السافر، أخذت خطوتها التى أبتعدها هو للخلف ورفعت يدها تلمس لحيته وهى تمتم بخفوت قائلة:-

-طلقها يا يونس، ونرجع زى ما كنا مع بعض


ألتف غاضبًا من كلمتها قبل أن تلمس يدها لحيته وكأن يخبرها أن لا يحق لها لمسه إلا بإرادته لكنه صُدم وتوقف مكانه عندما رأى "فلك" تقف بمنتصف الغرفة وقد رأت كل ما حدث، لا يعلم مُنذ متى وهى تقف هنا؟ لكنه أيقن تمامًا أنها سمعت طلب "قدر" الأخير، كادت "قدر" أن تُحدثه لكن أستوقفها صوت "يونس" يقول:-

-فلك!!


نظرت إلى الباب لترى "فلك" واقفة مكانها بوجه مُتجمد خالي من المشاعر على عكس قلبها المُحترق من الداخل بعد أن رأته بهذا الوضع مع أخرى حتى وأن كانت زوجته، كزت على أسنانها وهى تسير نحوه وقبل أن تتحدث، بدأ "يونس" بالحديث مُبررًا ما حدث لها قائلًا:-

-قدر كانت جاية..


أستوقفها صوتها بنبرتها الباردة تقول:-

-ميخصنيش، أنا جاية أقولك أني ماشية

 

ألتفت لكي تخرج من المكتب فمسك يدها قبل أن ترحل بكل هذا القدر من الغضب الذي تحمله فى نبرتها ونظرتها إليه ليقول:-

-هتروحي فين؟


رفعت نظرها إليه بغضب شديد ولو كانت العيون تقتل لقتلته نظرتها للتو، تحدثت بنبرة جادة صارمة:-

-ميخصكش وأفتكر أنه جواز صورى


غادرت بعد أن أخبرته بطريقة غير مباشرة أنها كانت تقف من البداية، دون أن يشعر ترك يدها بأستسلام فغادرت كما هى هادئة وأحتفظت بعاصفتها الكامنة بداخلها قبل أن تلتهمهم الأثنين، ألتف "يونس" كي ينظر إلى " قدر" فقالت بغضب كامن:-

-لو طلقتها أنت عارف طريقى يا يونس


غادرت لكن توقفت كالصنم فى الأرض عندما أتاها صوت "يونس":-

-وغزل!!


ألتفت إليه ليتابع حديثه بحدة قائلًا:-

-أنتِ مشكلتك مش مع فلك يا قدر ، أنتِ كرهك لغزل ولمرضي أكبر ومالهوش علاج، لما تلاقي نفسك مُستعدة للأنفصال أبقي بلغينى


غادرت من أمامه هاربة من هذا القرار فرغم كل شيء لم تطلب الانفصال عنه نهائي ولم يخطر هذا القرار على قلبها نهائيًا... 


********************


خرجت والدة "هالة" من الداخل و"فلك" تنتظرها فى الصالون لتقول بهدوء:-

-معلش يا بنتى هى تعبانة لو مفهاش إساءة أدب تيجي مرة تانية

 

وقفت "فلك" بحيرة وهى لا تعلم ما حدث وسبب تغير "هالة" هكذا فجأةً، أومأت إليها بنعم ثم غادرت بأستسلام فبعد ما حدث مع "يونس" من قليل، أصبح قلبها ثقيلاً لا يستطيع حمل الكثير الآن، خرجت من المنزل مُستاءة وخصيصًا  ومشهد "يونس" قُرب أخرى بهذه الحميمية أثقلت قلبها وجعلته يرتجف حُزنًا، ظلت تسير فى الطرقات وحدها تضم ذراعيها إلى صدرها بحزن شديد يتملكها، مُستمتعة بهذا الهواء البارد ليلًا ربما يخفف من ثُقل قلبها، رن هاتفها مرة وأخرى وكثيرًا لكنها لم تكلف نفسها تعب أخراجه من حقيبتها فهى تعلم بأنه المتصل من رنة الهاتف المُخصص إلي رقمه وحده، لم تُجيب عليه، دلف إلى مطعم دجاج مقرمش وطلبت طعامًا إليها لتتناوله ربما يخفف من ألمها ويُشعرها بالسعادة وطريق سعادتها دومًا يختصر فى الطعام المُفضل إليها، بعد يومها الثقيل اليوم ربما تحتاج إلى هدوء وسعادة تغمرها...


********************


كان "يونس" على وشك أن يهدم المنزل الآن وهى لا تُجيب عليه، نظر إلى ساعة الحائط وكانت الحادية عشر مساءًا مما جعله لا يتحمل أكثر، فتح باب الشقة ليخرج لكنه رأها تقف أمامه على وشك الدخول، كز على أسنانه بغضب سافر ثم أفسح الطريق إليها لكى تدخل، دخلت وأغلق الباب ليلتف إليها لكنه لم يجدها فسار مُسرعًا إلى غرفتها وكان الباب مُغلق، طرق الباب مرة وأخرى لكن لم يجد الجواب وبعد دقائق فُتح الباب وخرجت "فلك" مُرتدية بيجامة بيتى قطنية زرقاء فقالت:-

-وسع، عدينى


وضع يديه على باب الغرفة يمنع كل طرق خروجها وحدق بعينيها بغيظ شديد من تجاهلها إليه وقال:-

-كنتي فين؟ وأتاخرتي ليه؟ هو أنا مش محذرك من التأخير


ضربت يده بقوة ومرت للخارج ليخرج خلفها ومسكها من ذراعها وهو يُديرها إليه ويقول:-

-أنا بكلمك يا فلك؟


صاحت به بأنفعال شديد قائلة:-

-وياترى قررت هتطلقنى ولا لسه بتفكر؟


تتطلع بها بأختناق شديد من حديثها ليقول:-

-لما اعوز اطلقك هطلقك يا فلك، أنا مبمشيش وراء ستات


ضحكت "فلك" بسخرية على كلماته وقالت:-

-لا فعلًا مبتمشيش وراء ستات، روحها يا يونس رابط نفسك بالجواز الصورى دا ليه؟


كاد أن يفقد أعصابه عليها وقال:-

-متغيريش الموضوع يا فلك، وبعدين أنتِ بتزعقي ليا قدامها وتقولي ميخصكش


رفعت حاجبها إليه بخبث شديد وقالت:-

-أيه وجعك ردي قدامك، لكن أنت تعمل اللى عملته دا فى مكان شغلنا دا عادي، دا الشركة كلها كانت بتتفرج عليك من الأزاز عادي فين أحترامك ليا ولكرامتى قدام الناس اللى أنا بشتغل معاهم ها... ولا البيه مبيشوفش غير عمايلي أنا، من النهاردة بقى متسألنيش أنا بعمل أيه؟


جذبها إليه بقوة غاضبًا خوفًا من كلماتها الأخيرة وقال بأنذار:-

-قصدك أيه؟


تبسمت بخبث شديد وهى تقول:-

-قصدي أضحك مع اللى أضحك له وأكلم اللى أكلمه ميخصكش بقي


لم يصدق ما سمعه منها للتو ليمسك ذراعها بقبضته بقوة وقال:-

-أنتِ بتعانديني يا فلك

 

كزت على أسنانها بأختناق شديد من قبضته القوية على ذراعه وهو على وشك اعتصره بين أنامله وقبضته الحادة كأنها خُلقت من الحديد، تطلعت بعينيه بحدة وتحدي معًا ولا تبالي بالم ذراعها وقالت بنبرة قوية صارمة:-

-هو يا يتعاملنى بإهانة وتقلل من أحترامي لنفسي قدامها وأقول حاضر يا أم أكون بعاندك، دا ببُعدك يا يونس


جذبها إليه من ذراعها لتلتصق به بقوة وخرجت منها صرخة مكبوحة خوفًا من غضبه، تتطلع بعينيها العسليتين اللتان يشبهان فلق الفجر حين يغتصب عتمة الليل وضوء القمر ليُنير السماء بأشعة ذهبية، أبتلعت ريقها بأرتباك شديد من نظرات عينيه المُسلطة عليها ولم تحتضن عينيها فقط بل تلتهمهما بشوق وشغف شديد كأنه يضمها فقط بنظرته دون أن يتحرك له ساكنًا، تمتم "يونس" بهمس شديد وعينيها على وشك أن تغلبه وتُسقطه فى وكر الهوي قائلًا:-

-غيرانة!!

 

ضحكت بتهكم وهى لا تصدق كلمته التى أشعلت نيران قلبها وإيقظت دقاته المتسارعة النابضة باسمه، قالت بحدة مُصطنعة:-

-مستحيل أكون غيرانة، وعلى مين؟ أنت يا يونس


ترك ذراعها شيئًا فشيء على الرغم من عينيه التى لم تتركها أبدًا وحرك شفتيه بزمجرة شديد من كبريائها الذي يمنعها من الأعتراف بما تبوح به أفعالها وغضبها هاتفًا إليها:-

-غيرانة يا فلك، وغيرتك بتأكل في قلبك من جوا وكمان غيرتك هتخلي عقلك هطير من مكانه

 

لم تستطيع الصمود أمام جرائته ونظراته المُثبتة عليها بقوة وشجاعة دون خجل منها فألتفت هاربة من أمامه للداخل ليأتيها صوته الخشن يقول بجدية:-

-مصيرك يا فلك تعترفي باللى عينيكِ فضحاه

 

استشاطت غيظًا منه لتعود مرة أخرى أمامه ورمقته بجراءة وتحدي وعينيها تعتصر عينيه بنظراتها القوية وقالت بجدية:-

-هقولهالك وعيني فى عينك عشان متكدبنيش يا يونس، أنا مبحبكش ولا بغير عليك، أنـ........

 

اسكتها هذه المرة بشفتيه وهو يحتضن شفتيها بدفء وعفوية، صُدمت من رد فعله وأتسعت عينيها على مصراعيها وجسدها توقف بتلجلج وتجمد فى أرضها كقطعة ثلجية صلبة ساكنة، تبسم بعفوية وهو يبتعد عنها بعد سرقته لقبلتها الأولي التى تسللت لقلبه كتعويذة أسقطته فى عشقها أكثر وجعلته أسيرًا لهذه الفتاة، نظر "يونس" لصدمتها وهى كجبل صامدًا أمام لا تشعر بشيء ليبعد عنها ضاحكًا بعد أن غلبها بلمستها وتخلص من تحديها وأربكها تمامًا، فاقت من صدمتها لتجده رحل بالفعل من أمامها لتصرخ بانفعال شديد وهى تضع يدها جوار اذنيها قائلة:-

-يـــونــــــس........

 

********************


كان "أنس" جالسًا فى الزنزانة مُكتئبًا يائسًا وكأن الحياة غدرت به وأعطت ظهرها، ما زال لا يُصدق ما فعله مع "هالة" وصدمته لم تتخلي عنه كل هذه الأيام، أعتقد بأن الأيام والوقت كافيا لنسيان لكن بعض الأخطاء والندم لم يكفى الوقت لنسيانها، فتح باب الزنزانة ودلف العسكري يقول:-

-أنس النور 


وقف لكي يخرج معه ليأخذه إلى مكتب الضابط فوجد "يونس" فى أنتظاره، تركهم الضابط معًا وأيضًا خرج المحامي ، نظر "يونس" إلى باب المكتب وهو يُغلق ثم إلى أخاه الذي جلس أمامه صامتًا ولحيته أحتل وجهه وهو لم يتحمل لحيته يومًا فى وجهه فقال بهدوء:-

-مش هسألك عامل أيه؟ لأن باين عليك؟ أنا عندي سؤال واحد بس لك ولازم تجاوبنى عليه يا أنس


نظر "أنس" إليه بصمت مُنتظر سؤاله بيأس وإحباط شديد تمكن منه، كأنه أستسلم لهذه التهمة كى يُعاقب نفسه على ما فعله بـ "هالة" هذه الفتاة المسكينة، سأل "يونس" وهو ينظر إلى عيني أخاه:-

-الخادمة قالت أنك رجعت البيت تاني يوم لأول مرة فى حياتك تبات برا البيت كان يوم الجريمة، كُنت فين يا أنس؟ 


صمت ولم يُجيب، كيف يخبره بأنه كان معها، تحديدًا بهذا التوقيت الذي حدث به الجريمة كان معها وكانت بين ذراعيه يضمها إليه، كيف ينطق بأنه كان مع "هالة" ليخلص نفسه من جريمة القتل سيدهس سمعتها وشرفها أكثر، فما زال لا يعلم أحد بما حدث إليها وما زالت تحت عباءة الستر من حديث الناس على الرغم من أنه دهس شرفها بالفعل لكن إذا تحدث سيعلم الجميع أنها كانت معه فجرًا وسيبدأ الجميع بالحديث عنها أما أن يدهس شرفها بألسنة ونظرات البشر أم أن يلحق بنفسه جريمة أنتهاك عرض وحينها سيعلم الجميع، ومن يدرى بأن "هالة" ستشهد بأنها كانت معه وترفع عنه تهمة القتل؟ من أين يثق بأنها ستدعمه فربما تنكر هذا وتلحق به التهمة أكثر لتنتقم منه بسبب ما فعله به، مُنذ أن قبض عليه وهو يعلم بأن خلاصه ودليل برائته مع "هالة" ومتعلق بكلمة واحدة منها أمام النيابة لكن كيف ولماذا ستفعل هذا؟.......


يُتبــــــــــــــع .................



#مرايا_الحب

___ الفصل الثـــانـي عشـر ( 12 ) ___

بعنــــوان " بحاجـــة للحُــب "


تحدثت "فلك" وهى تقف فى شرفة منزلها وتضع الهاتف على أذنها اليسري بنبرة حماسية وفرحة عارمة تغمرها قائلة:-

-أخيرًا ردتي، فينك يا هالة بقالك أكتر من شهر مُختفية ومش عارفة أوصلك؟


أتاها صوت "هالة" عبر الهاتف بنبرة واهنة مبحوحة قائلة:-

-أنا كويسة يا فلك، أنتِ عاملة أيه؟

 

أجابتها "فلك" وهى تجلس على المقعد البلاستيكي الموجودة بالشرفة قائلة:-

-أهو تمام حالي زى ما هو متغيرش كتير مع يونس


تنهدت "هالة تنهيدة مُحملة بالكثير من الإنكسارات والإحباط الذي أصابها ثم تمتمت ببرود شديد :-

-هتعدي يا فلك وربنا يهديلك الحال


شعرت "فلك" بضعفها وإنكسارها كأن روحها سُلبت منها، دائمًا ما كانت "هالة" كفراشة المحلقة فى سماء الشركة بعفويتها وحركتها المُفرطة، كانت جميلة بمرحها وعفويتها التلقائية وبسمتها التى تنشرها بكل مكان لكن الآن كان قد تبدل بها الحال تمامًا وأمست نبرتها كنبرة رفيق على وشك الأنتحار وحافة الموت، شخص أستسلم للحياة وقد أودت به وغدرت به، تملك "فلك" القلق الشديد على "هالة" وكأنها شخص ينتظر الموت فتساءلت كثيرًا ماذا حدث لها كي تتبدل هكذا، تحدثت بهدوء قائلة:-

-مُتأكدة أنك كويسة يا هالة


ضحكت "هالة" بسخرية من حالها وما حدث إليها وكيف لها أن تخبر أحد بما جرى وما ألت إليه الأمور معها لتقول:-

-كويسة أعتبرني كدة

 

تنهدت "فلك" بضيق شديد من حياتها المملة ثم قالت:-

-أنا هجيلك لازم أشوفك بس لما يجي يونس هو راح لأنس القسم يمكن يعرف يثبت برائته


أنتفض قلب "هالة" رعبًا وبذكر أسمه عادت للحظة الجحيم التى مرت بها بين ذراعيه وهو يمزق ملابسها بالقوة وهى تصرخ ربما يتقذها أحد من بين يديه وتحاول دفعه بعيدًا عنها بكل قوتها لكنها لم تقوى على زحزحة جسده بعيدًا عنها بجسدها الذي يزن أكثر منها بكثير وهى أمامه كطير صغير، دمعت عينيها وهى تبكى بأنين مكبوح وترتعش خوفًا مع ذكرياتها لهذه الليلة التى ذهبت فيها للجحيم، سمعت "فلك" صوت أنينها لتتعجب من هذه الفتاة ثم قالت:-

-أنا هعدي عليكي يا هالة 


أومأت إليها بنعم ثم أغلقت الاتصال معها، خرجت "فلك" من الشرفة لترى "يونس" يفتح باب الشقة ويدخل مُنهكًا ومُحبطًا فقالت وهى تسير نحوه بقلق:-

-مالك؟ هو أنس كويس؟


جلس على الأريكة بتعب وأرهاق شديد وقال:-

-زى ما هو ساكت ومفيش أى رد فعل منه، كأنه راضي وقابل الوضع اللى هو فيه، أنا بدأت أشك أن فعلا أنس أرتكب الجريمة دى، بقاله شهر وأسبوع وحاله متغيريش دا حتى مقالش أنا معملتش كدة، مبيصرخش ويقول أنا بريء


جلست "فلك" بجواره بحزن على حالته وإشفاق على قلبه المُنهك وعقله الذي على وشك الأنفجار فى البحث عن البراءة وحده، ربتت على كتفه بلطف وحنان ثم قالت:-

-هتعدي يا يونس، يمكن يكون مصدوم من اللى حصله أو اللى بيشوفه جوا السجن وقعدته مع المجرمين، أنا متأكدة أنه هيفوق قريب


نظر "يونس" إليها بحزن شديد وقد وقف على حافة الاستسلام والتخلص من حماسه فى البحث، تبسمت "فلك" بوجهه بسمة هادئة مُشرقة تزيل عنه أعباء الحياة وتخلصه من هموم حياته الثقلية على عاتقه، شعر ببسمتها بأرتياح كأن الحياة تبتسم إليه وقد تبخر حزنه ووجعه مع الهواء وهرب من النافذة بعيدًا عنه ليقول "يونس" بهدوء:-

-خليكي معايا يا فلك


أومأت إليه بنعم لتشعر بيده تلمس يدها الصغيرة ويحتضنها بلطف شديد ثم تابع حديثه قائلًا:-

-متسبنيش حتى لو قسيت عليكي بكلمة أو ضايقتك بموقف مع قدر أشكي ليا اللى يضيقك منى وأنا هراضيكِ والله


رفعت "فلك" يدها الأخرى تربت على يديهما بلطف شديد وبسمتها لم تفارق شفتيها بل كبرت أكثر بأرتياح وسعادة تغمر قلبها ظهرت بوضوح فى عينيها وعلى شفتيها ثم قالت:-

-أنا معاك يا يونس وماليش غيرك، هسيبك وهروح فين يعنى 


وضع رأسه على قدميها لتبتسم على فعلته رغم أرتجافها خجلًا من هذا التلامس فلم تقصر علاقتهم على الحديث والعيش معًا تحت سقف واحد بل لمساته القليلة لها تُربكها بشدة وتكاد تُغلبها وتجعلها تطمع بالمزيد بكل أنانية منها، أغمض عينيه بتعب رغم بسمته التى تنير وجهه فتمتم بضيق قائلًا:-

-مش عايز يقولي كان فين يومها، تفتكري أنس فعلًا قتل البنت دى؟


شردت "فلك" فى موقف "أنس" وأستسلمه للسجن فى جريمة قتل ليخبرها جزءًا بداخلها أنه لربما فعل هذا حقًا وندم مُستسلمًا للعقاب، ظلت صامتًا لا يتفوه بأى كلمة لكنه ألتف قليلًا ليضم ذراعيه إلى صدره يعقدهما بأحكام وما زالت رأسه على قدميها فقالت "فلك" بهدوء:-

-أنا هنزل أروح لهالة أزورها

لم يُجيبها فنظرت إلى رأسه أكثر بتركيز لتراه غارقًا فى سبات نومه العميق، تزحزحت برفق حتى لا تقظه ووضعت الوسادة أسفل رأسه ودلفت إلى غرفته لتجلب غطاء ووضعه فوق جسده بحنان حتى لا يُمرض بأصابة نزلة برد، بدلت ملابسها وأرتدت بنطلون جينز أزرق وبلطو أسود مغلق ولفت حجابها ثم خرجت من الشقة ذاهبة إلى "هالة".......


*******************

خرج المريض من العيادة لتخرج "قدر" خلفه تاركة العيادة ليستوقفها صوت امرأة مُسنة تقول:-

-أنا مكشفتش ليه يا بنتى


نظرت "قدر" إليها بأشمئزاز من حالتها الفوضوية التى تظهر وضعها المادية وكونها من طبقة الفقراء وقالت:-

-وأنا وقفتى خلص، روحي شوف ليكي مستشفي حكومة تكشفي فيها


مرت من أمامها بغرور شديد وهى تقول بسخرية من هذه المرأة:-

-مبقاش إلا دول كمان هو الواحد ناقص قرف


أقتربت الممرضة تأخذ بيد المرأة العجوزة بحزن شديد مُشمئزة من غرور هذه الطبيبة اللعينة، ساعدتها فى الجلوس وقالت بلطف:-

-أنا هشوفلك دكتور تاني يا أمى، أستنيني هنا 


غادرت الممرضة إلى مكتب الاستقبال كى تبحث عن طبيب أخر متواجد الآن ليفحص هذه المرأة، كانت "صفاء" واقفة بقسم الأستقبال تراجع جدولها اليومي وعندما سمعت طلب الممرضة فقالت بجدية:-

-ما دكتورة قدر موجودة


ألتفت الممرضة إليها بغضب مكبوح بداخلها من هذه الطبيبة وقالت بجراءة دون أن تخشي "صفاء" صديقتها أن تذهب وتخبرها:-

-والله الدكتورة المغرورة اللى حضرتك بتتكلمى عندها اللى معندهش لا قلب ولا ضمير لمهنتها رفضت تكشف على ست عجوزة فى سن جدتها عشان بس فقيرة، بس اللى متعرفهوش أن الفقر مش عيب لكن فقر المشاعر عيب وعديم الرحمة عيب، أنا مش مستغربة أن جوزها أتجوز عليها اللى زى دى متتعاشرش أصلًا مغرورة وغرورها هيقتلها فى يومها 

صمتت "صفاء" وهى تستمع لهذا الحديث فهى لديها كل الحق فى كل كلمة تتفوه بها، منذ متى والطبيب يختر من يُعالجه ويقدم له الداء...

صعدت إلى الأعلى غاضبة من "قدر" لتفتح باب المكتب بانفعال شديد ورأت "قدر" بدلت ملابسها وعلى وشك المغادرة لتقول "صفاء" بأختناق شديد:-

-أيه اللى عملتي فى العيادات دا قدر


نظرت "قدر" إليها ببرود شديد ثم قالت:-

-وفيها أيه؟ هى المستشفي دى مفيهاش حاجة بتستخبي، لحقوا ينشروا الخبر، أنا حرة فى طريقتى وتعاملي، اللى مش عاجبه ميتعاملش معايا ونخلص


أقتربت "صفاء" منها بضيق شديد ثم قالت بحزم صارمًا:-

-بطريقتك دى فاكرة أنك صح والناس غلط، أقولك حاجة له حق يونس أنه يسيبك ويروح لغيرك، غرورك قاتلك وبيخسرك كل الناس يا قدر حتى اللى بتشتغلي معها محدش من الممرضين عايز يتعامل معاكي وحتى بتاع الكافتريا مبقاش بيحب خدمتك، أنتِ بتبعدي كل الناس عنك وترجعي تعيطى ، فوقي يا قدر غرورك بيقضي عليكي


لم تتحمل "قدر" حديثها الغليظة أكثر ولم تقبل بحرفًا واحدًا منه فغادرت المكتب دون أن تُجيب بكلمة واحدة عن هذا الحديث.....


**********************

كانت "فلك" جالسة على الفراش بغرفة "هالة" وتحدثها عن حياتها لتقول:-

-حتى يونس مبقاش مبسوط وقلق، أنا كمان بقيت حاسة أن أنس قتل البنت دى وإلا مكنتش قبل بكل دا يحصله ويترمي فى السجن وسط المساجين والمجرمين 5 أسابيع بحالهم


نظرت "هالة" إليها بصمت شديد ولم تجيب فوحدها من تعلم أنه لم يرتكب هذه الجريمة وتعلم جيدًا أن بكلمة واحدة منها ستعطيه حريته لكنه بنظرها لا يستحق هذه الحرية، سألتها بخفوت شديد:-

-الصراحة من كلامك أنا كمان مستغربة صمته دا


تأففت "فلك" بضيق وهى تشعر بالعجز والحيرة من هذا الأمر لتقول:-

-هو موقفه محيرنا كلنا، أزاى فعلًا يكون بريء وراضي وقابل بدا


لم تجيب "هالة" على كلماتها وظلت صامتة فهى تحمل ثقلًا على عاتقًا كافيًا لها، لا تملك الطاقة للحديث مع أحد أو التفكير فى هذا الذئب البشري الذي حول حياتها للجحيم فى لحظة سُكر دون أن يشعر سلبها كل وأعز ما تملك، فاقت من شرودها عندما شعرت بيد "فلك" الدافئة تلمس يدها بحنان ثم قالت:-

-أنا عارفة أن فيكي حاجة، وحاجة كبيرة كمان يا هالة ومقدرة ومحترمة رغبتك فى أنك مش قادرة ولا عايزة تحكي لحد، بس دموعك ونفضتك ورعشتك دول مش حلهم الصمت، بلاش تحكي ليا، قومي صلي وأشتكي همومك لربك هو قادر يحل مشكلتك ويخفف عنك أكتر من أى مخلوق وهو خالق، دموعك اللى بتخبيها رغم تجمعها فى عينيك عشان مكسوفة منى، متكسفيش وأنتِ بتشكي له أمرك يا هالة


أومأت "هالة" لها بنعم ودموعها قد ذرفت من عينيها أخيرًا ونالت حريتها بعد أن سجنتهم "هالة" قدر المُستطاع، ضمتها "فلك" إليها بحنان فرغم ما تحمله من ثُقل فى قلبها إلا أن هذا القلب المريض يملك من الدفء والحنان سحرًا وبئرًا كفيلة ليطمئن الجميع ويخفف عن أحبته همومه، جهشت "هالة" فى البكاء ولأول مرة تبكي بأرتياح دون خوف مُنذ ما حدث معها، كبحت كل ألمها فى صدرها وقلبها المُفطور من الوجع بداخلها خوفًا من أهلها وعائلتها، ظلت "فلك" تربت عليها حتى هدأت تمامًا فقالت بهدوء:-

-أنا همشي دلوقت وهسيبك ترتاحي وهكلمك أطمن عليكي ولو أحتجتينى فى أى وقت أنا موجودة معاكي وجنبكِ يا هالة


أومأت إليها بنعم لتغادر "فلك" بقلق شديد على هذه الفتاة وصديقتها الوحيدة، دلفت "هالة" إلى المرحاض وبدأ فى الوضوء ثم خرجت إلى غرفتها وأرتدت إسدال الصلاة الخاص بوالدتها وبدأت تصلي ركعتين راجية من الله أن يخفف من ثقل قلبها وينير طريقها للحل الأنسب لما حدث إليها، ظلت ساجدة لأكثر من نصف ساعة تبكي وتترجي الله أن يرحم روحها المُعذبة بالألم ونيران الجحيم التى تلبست بها وأستحوذت عليها...


*********************


أستيقظ "يونس" من نومه العميق ليجد الغطاء عليه فأستغرب بشدة من نومه على الأريكة لكن سرعان ما تبسم لفعلتها اللطيفة ووضع الغطاء عليه ثم رأى ورقة وردية اللون صغيرة على الطاولة أمامه ليلتقطها وهو يفرك عينيه بأصابعه وكانت رسالة من "فلك" محتواها 

(أنا نازلة أشوف هالة وهجيب عشاء وأنا جاية متأكلش وأستناني ) أنهتى رسالتها ودونت اسمها فى النهاية وبجواره رسمت وجه مبتسم ليضحك على طفولتها وترك الرسالة ثم دلف إلى المرحاض أخذ حمام دافيء وأرتدي بنطلون قطني أسود وسويت شيرت أسود اللون ثم صفف شعره المبلل ودخل للمطبخ وكانت "غزل" جالسة على رُخام المطبخ وتهز قدميها بدلال ثم قالت:-

-حمام الهنا يا حبيبى

تبسم إليها وهو يضع الماء فى الغلاية ثم ضغط على الزر وجلب كوب أبيض اللون من البُرسلين فسمع صوت "غزل" تقول بعفوية:-

-مهموم ليه يا يونس؟ 


أتكأ بظهره على الرُخام التى تجلس عليها ووضع يديه فى جيوب بنطلونه بهدوء ثم قال:-

-مش هم يا غزل بس عاجز عن براءة أنس، أنا عمر ما في حاجة أستعصت عليا كدة، دايمًا كنت بلاقي حل لكل مُشكلة


وضعت يدها على كتفه بدلال وقالت بحب واثقة بقدرته :-

-هتلاقي حل يا يونس أنا واثقة فيك، أنت بس أهدي وفكر بهدوء من غير أنفعال وأنا معاك


ذهب نحو الغلاية هاربة من التقرب منها، لأول مرة يشعر بضيق من لمس "غزل" إليه، فور وضع يدها على كتف أنتفض قلبه ضيقًا وذهب بعيدًا ليسكب الماء المغلي فى الكوب وقال:-

-أكيد هلاقي حل للمشكلة دي


أخذ الكوب وخرج من المطبخ، جلس على الأريكة وهو يأخذ ورقة "فلك" بين أصابعه بعفوية وظل شاردًا فى كلماتها وكأنه يُحفر خطها الجميل فى عقله، رفع نظره لكي يرى "غزل" لكنها لم تأتى ولم يرى لها أثر، ترك الكوب وذهب للمطبخ وكان فارغًا وقد توارت "غزل" عن نظره ولم يجد لها مكانًا فى شقته ومازالت يده تحتضن ورقة "فلك"، كان مُستغربًا الأمر تمامًا ليلتف على صوت الباب وكانت "فلك" قد وصلت للمنزل وتحمل فى يدها علبتين من الكرتون الخاصة بالبيتزا، تبسمت بعفوية فور رؤيته واقفًا بمنتصف البهو وقالت:-

-كويس أنك صحيت أنا جبت بيتزا سخنة وجميل 


وضعت الطعام على الطاولة الخاصة بالصالون وجلست وهى تشير إليه بحماس شديد وتناديه قائلة:-

-تعالي يا يونس، أنا مش قادرة أستني أكثر من كدة


خلعت حجابها ونزعت البلطو عن أكتافها لتجلس بتي شيرت أبيض اللون بنصف كم وبدأت تأكل بشرارة، جلس "يونس" جوارها يراقبها عن كثب وهى تأكل بعفويتها وتلقائيتها الساحرة، رفعت نظرها وفمها ممتليء بالطعام وتحمل قطعة البيتزا فى يدها، خجلت من نظراته المُسلطة عليه بيقول بدلال:-

-كُل متتكسفيش


تبسمت وهى تبتلع لقمتها وتمد يدها إلى فمه تُطعمه قطعتها الخاصة من البيتزا، تناول من يدها برحب شديد لتبتسم بلطف خجلًا منه لكن قلبها يرفرف فرحًا رغم أحمرار وجنتها خجلًا ولم يكتفي "يونس" بهذا القدر ليزيد من خجلها أكثر عندما وقف على ركبته ليجذب الغطاء الموجود خلف ظهرها ووضعه على أكتافها مرة أخرى، أرتفعت حرارتها وهى تقن أن هذا الرجل لن يتركها سالمة هادئة قبل أن يفعل كارثة بقلبها حتمًا، رفعت نظرها إلى الأعلى وهو وقفًا أمامها على ركبتيه ترمقه بعينيها العسليتين اللتان يفيض منهم الدفء والحب الذي يُقلبها الآن ببطيء شديد قبل أن يُسقطها فى الهوي، تبادل النظرات فى هدوء وصمت سيد المكان فقط صوت أنفاسهما المختلطة بسبب قُربهما ليترك الورقة الوردية من يديه تسقط أرضًا وهو يدرك أن أختفاء "غزل" عن حياته شيئًا فشيء له علاقة بهذه الزوجة الدافئة، أبتلعت "فلك" ريقها بصعوبة من خجلها وعينيه الرمادتين يأسروها فلم تستطيع إبعاد عينيها عنهما وسحرهما يغلبها أمامه ويجعله كقطعة من العجين اللين ليُشكلها "يونس" كما يُريد دون أن تناقشه أو تعارضه، تمتم "يونس" بنبرة خافتة مسحورًا بعينيها ونظراتها التى تحتويه كأنها تعانقه بحُب شديد:-

-هتبردي وأنتِ لابسة خفيفة


أومأت إليه بنعم دون أن تتفوه بكلمة ليعتدل فى جلسته أمامها ويتناول الطعام معها وهى تتحاشي النظر إليه بخجل وبعد أن أنهت طعامها فرت من أمامه راكضة للداخل قبل أن يُغلبها قلبها المُتراقص أمامه، تنهد "يونس" تنهيدة قوية بعد رحيلها وكأن وجودها كأن يُقيده أو يُربكه، دومًا ما يشعر بشيء من الحيرة أمام عينيها وحديثها، كل شيء بهذه الفتاة يأخذه إلى عالم جديد لا يعلم عنه شيء ولم يفهمه...

ظل فى حيرته طول الليل حتى أشرقت الشمس فبدل ملابسه وغادر للعمل لكن "فلك" ظلت بمنزلها هذا اليوم ولم تذهب للعمل، أنهى "يونس" عمله فى تمام الساعة الخامسة عصرًا وذهب إلى عيادة طبيب نفسي مختص، أستقبله الطبيب برحب شديد وبدأت يقصي له "يونس" ما يحدث معه وكيف تتلاشي "غزل" من حياته دومًا بعد أن كانت تلازمه بساعات طويلة، نظر الطبيب إليه لثواني صامتة ثم قال بنبرة جادة:-

-أسمح ليا اسألك سؤال يا يونس


أومأ "يونس" إليه بنعم فسأل الطبيب بفضول شديد:-

-أنت مضايقك أختفاء غزل أو تلاشي وجودي فى حياتك بعد ما كانت ساعات بقيت بتشوفها مرة كل يومين ؟


تنهد "يونس" بحيرة من الجواب الذي لا يملكه ثم قال بتلعثم:-

-مش عارف، ممكن أكون مستغرب دا، مستغرب أن بعد السنين دى كلها معايا فجأة وبدون مقدمات بدأت تختفي، على الرغم من أنها وهم ومش حقيقية إلا أن حتى لمستها الوهمية ليه بقيت بهرب منها بس فى نفس الوقت مقدرش أعيش من غيرها لو أختفت لأكثر من ثلاثة أيام ببقي هتجنن عليها


عاد الطبيب بظهره للخلف أكثر ثم قال بثقة جادة ونبرة ثابتة:-

-أنت مش هتجنن عليها يا يونس أنت مش هتموت من غير غزل، أنت هتعيش حياتك طبيعي زى أى إنسان، اللى قدر أقولهولك أنك بدأت بالفعل تخف من مرضها، غزل بتتلاشي لأنك فى طريق للعلاج 


نظر "يونس" إليه بخوف شديد من إختفاء "غزل" من حياته وهي صديقته الوحيدة ليتابع الطبيب بعد أن قرأ الخوف والحيرة على وجه "يونس" مُحدثه:-

-وخلينى أقولك أن فلك هى السبب


أتسعت عيني "يونس" على مصراعيها بذهول تام من كلمته وقال بتلعثم شديد مُستغربًا:-

-فلك!!


أومأ الطبيب بنعم مع بسمة خافتة على شفتيه ليقول:-

-فلك يا يونس، غزل بدأت تظهر لما أنت فقدت الشخص الوحيد اللى بيقدم لك الحُب، لما خسرت حبيبتك اللى بتحتويك وبتحبك .. غزل ظهرت تقدملك الحب فى مكانة حبيبة ليك تحبك وتحبها وتحتويك وتسمعك، شخص يحبك من غير ما يكون له أى مصلحة من وراء الحب دا، شخص صنعه عقلك الباطن عشان يحمي قلبك من الغدر والخسارة 


سأل "يونس" بفضول شديد وهو لا يفهم شيء قائلًا:-

-وفلك علاقتها بكل دا أيه؟


تبسم الطبيب وهو يقف من مكانه ويلتف حول المكتب حتى جلس على المقعد المجاور لـ "يونس" ثم قال بحماس شديد سعيدًا لهذا الرجل الذي نال حريته أخيرًا:-

-علاقتها أنك حبت يا يونس، أنت بدأت تحب فلك وفى وقت محدد ولحظة معينة من غير اى ترتيب هتلاقي غزل أختفت تمامًا حتى من غير وداع بينكم، ويمكن اللحة دى اللى هتعترف أنت فيها لنفسك انك حبيت فلك، الموضوع ببساطة أن عقلك بدأ يتنازل عن حمايته لقلبك لأن قلبك خلاص أختار حبيبة له ، أنت علاجك كان الحب يا يونس وأديك لاقيت اللى يحبك، لاقيت الحُب....

خرج "يونس" من مبنى العيادة وبدأ يسير فى الطرقات شاردًا بهذا الحديث، كيف له أن يكن الحب بداخله إليها وهى له مجرد صديقة وشريكة فى السكن، لم يتخلي يومًا أن علاجه كان الحب ليجلس أرضًا فى الشارع بصدمة ألجمته وتساءل كثيرًا هل كل هذه اللحظات التى اوهم نفسه بها بحبه لـ "قدر" كانت كذابة، إذا لم يكن يحب "قدر" فلم تحمل كل هذه الإهانة والذل منها، تساقطت الدموع من عينيه على وجنتيه بضعف شديد وأنهيار تام ورفع يديه يضعها على رأسه نادمًا على كل هذه السنوات التى قاضها مريض وعلاجه كان الحب والآن عثر عليه لكن أهم سؤال ضرب عقله الآن كان هل  تحبه "فلك" وسترضي بالبقاء معه للأبد أما ستهجره كما حدث فى الماضي ويعود للمرض من جديد مع شخصية جديدة غير "غزل" ويبدأ من الصفر ......


********************


كانت هالة تقف بداخل مرحاض فى أحد المولات تبكي بهلع شديد وهى تغلق قبضتها بقوة على أختبار حمل بعد أن رأت النتيجة ولم يكتفي "أنس" بجريمته وما سلبه منها ليضع بداخله قطعةً منه، الآن تحمل بأحشائها جنينًا منه فماذا ستفعل بهذا الكارثة التى حلت بها؟.....


يتبــــــــــــــع .................


#مرايا_الحب

___ الفصل الثــــالــث عشـر ( 13 ) ___

بعنــــوان " ذنــب لم ينتــهي "


دلف "أنس" إلى مكتب الضابط وصُدم عندما رأى وجهها وهى الزائرة التى جاءت لزيارته، كانت "هالة" جالسة فى صمت بوجه ملتهب كجمر من النار مُرتدية بنطلون أسود وجاكيت جلدي أسود طويل يصل لأعلى ركبتيها وتلف حجاب أسود ليُدهش "أنس" من حجابها، غادر العسكرى ليبقيا الأثنين فى المكتب ليقول:-

-جاية ليه؟


لم تُجيبه على هذا السؤال بل وقفت من مكانها لتذهب أمامه، رفعت عينيها به لأول مرة مُنذ ما حدث، تطلعت به على عكسه لم يجرأ على النظر بها ليُصدم عندما نزلت لطمة قوية من يدها الصغيرة على وجهه فرفع نظره بها بصدمة لتقول:-

-يا ريت القلم دا يصلح اللى خربته، واللى كسرته وخربته جوايا مبتصلحش يا أنس بيه، بس تعرف أنت تستاهل اللى أنت فيه ويمكن دا يكفر شوية عن اللى عملته فيا، أنا مش هطلعك من هنا حتى لو أتحكم عليك بالإعدام ...


صمت ولم يُعقب على حديثها أو يُجادلها حتى أنه لم يطلب منها النطق بشهادة كفيلة لإخراجه من هنا ونيل حريته التي لا يستحقها، أتاها صوته المبحوح فلم يلفظ بكلمة واحدة مُنذ ان قبض عليه يقول:-

-وأنا مطلبتش أن أخرج من هنا


بكت بأنهيار شديد وهى تقول بضعف وإنكسار بينما يديها تضرب صدره بقوة بقدر قلة حيلتها وعجزها:-

-أنت فى داهية بس اللى فى بطني هعمل فيه أيه؟ أنا حتى مش عارفة أروح لدكتور ينزله ... منك لله يا أنس حسبي الله ونعم الوكيل فيك على اللى عملته فيا، ربنا ينتقم لي منك أشد أنتقام


جلست على المقعد بتعب وأنهيار وهو يقف أمامها مصدومًا لا يُصدق ما سمعه للتو منها وأتسعت عينيه على مصراعيها جريمة لم تنتهى بهذه الليلة المظلمة وجحيمه الذي صُنعه لها لم يكن لليل طويل معتم ومُرعب، لم يقتصر أبدًا على لحظة ثمالة بل الآن يوجد بذرة جحيمه وكرهها له بداخلها، تحمل طفلًا منه، أقترب منها مصدومًا وهى جالسة على المقعد وتضع يديها الأثنين على وجهها تبكي بأنهيار وضعف شديد ليجثو على ركبتيه أمامها وسأل بنبرة واهنة خوفًا مما سمعه للتو منها:-

-أنتِ حامل؟


رفعت يديها عن وجهها لتحدق به بقوة وأشمئزاز شديد ثم قالت:-

-ناقص تقولي دا منى ولا من واحد تاني، أنت دمرت حياتى يا أنس وحطت رأس أهالي فى الأرض وبسببك أنا حياتى بقيت جحيم، بس أنا مش هعيش فى الجحيم دا كتير أنا جاية أقولك أن ذنبي فى رقبتك يا أنس، أنا كنت مستنية الموت وأن ربنا يخفف عنى عشان مكفرش وأبقى موت نفسي بس بعد اللى فى بطني دا واللى هيزود فضحتي وسط الناس ويخلي الكل يدوس على شرفي ويخلي سيرتى على كل لسان.. لا يا أنس أنا هموت نفسي وأخفي عارى بأيدي وذنبي فى رقبتك أنت وربنا يسامحنى على اللى هعمله بقي 


وقفت من أمامه لتغادر لكنه أستوفقها عندما مسك معصمها مُصدومًا مما هى قادمة على فعله وأنهاء حياتها بسببه، قبل أن يلفظ بشيء زاد صدمته صفعة قوية من يدها الأخرى وهى تصرخ به بأشمئزاز قائلة:-

-أياك تلمسنى مرة تاني يا حيوان


غادرت باكية رغم صرامتها وهو هنا سجينًا بين أسوار السجن لا يستطيع فعل شيء، وبعد نهار طويل فى التفكير داخل زنزانته ولأول مرة يقرر أن يتحدث، وقف قرب باب الزنزانة وتحدث مع العسكرى طالبًا منه الهاتف مقابل مبلغ من المال ليعطيه العسكرى الهاتف....


********************


كان "يونس" يقف تحت صنوبر الماء شاردًا فى حديث الطبيب ويفكر ماذا سيفعل عندما يرى "فلك"، مُتكأ بذراعيه على الحائط مهمومًا على عكس غيره فمن يجد الداء والعلاج يكن فى قمة سعادته، لكنه كان خائفًا من هذا العلاج، خائفًا من فقد "غزل" وبالوقت نفسه كان مذهولًا لم يُصدق أبدًا كون "فلك" حبيبة لقلب وقد أختارها قلبه يطمئن معها ويعشقها مُسلمًا إليها نبضاته ودقاته، كأن هذا القلب لم يتعلم شيء من ألم الفقد والخسارة سابقًا...

فتحت "فلك" باب الشقة بسرعة وهى تلهث بتعب من سرعة خطواتها التى أشبه بالركض وتحمل الهاتف فى يدها لتبحث عنه فى كل مكان ومع مرورها من أمام المرحاض لتسمع صوت الماء فوقفت "فلك" أمام باب المرحاض وقالت بصوت خافت بعد أن طرقت الباب قليلًا

-يونس.. أنس على التليفون عايزك ضروري


لم يصدق "يونس" ما سمعه وأسم أخاه التى لفظه، فتح "يونس" باب المرحاض وخرج منه يلتقط الهاتف من يدها مُرتديًا ببنطلون أبيض فقط وصدر عاري وعلى وجهه هلع ودهشة كبيرة بعد أن سمع اسم أخاه فمُنذ أن قبض عليه ولم يتحدث أبدًا فى كل زيارة والآن يتصل هو، أخذ الهاتف منها ووضعه على أذنه ليقول:-

-أنس


تحدث "أنس" بنبرة جادة صارمة يقول:-

-للتوضيح مش اكثر .. مش بعاكس مراتك بس مش حافظ غير رقمها


تجاهل "يونس" كلماته بعفو وكأنه سمح بهذا الشيء مقابل أخاه وقال بجدية:-

-عارف يا أنس.. فى أيه؟


تنهد "أنس" بتعب شديد وحيرة مُترددًا فى التحدث لكنه حسم أمره وقال:-

-أنا كُنت فى الشركة يومها ولازم أطلع من هنا قبل بكرة يا يونس، موضوع مهم حياة اوموت لازم أطلع


أومأ "يونس" بسعادة وحماس شديد وهو يقول:-

-الشركة، تمام متقلقش يا أنس كدة أتحلت، كل ركن فى الشركة فيه كاميرا مراقبة سهل تطلع


أنهي الاتصال معه وأستدار "يونس" ليراها تقف بجوار باب المرحاض مُغمضة العينين كالصنم لينظر إلى صدره العاري فألتقطت قميصه المتسخ الموجودة على السفرة ولبسه مُسرعًا بحرج وقال وهو يغلق أزرار القميص بتعجل :-

-أنا أسف معلش أتخضيت لما قولتي أنس


أومأت إليه بنعم وما زالت تغمض العينين ليتنحنح بحرج شديد وقال:-

-انا لبست فتحي


فتحت عينيها بخفوت وبطيء شديد خجلًا ووجنتيها مُتوردة بلون الفراولة كفراولتين جميلتين، تحاشت النظر إليه بينما هو يُحدق بها ويتذكر كل كلمة قالها الطبيب عنها، أصابته القشعريرة فى أطرافه وتسارعت نبضات قلبه بجنون مُسحورًا بها رغم عشوائيتها وحجابها الغير مُرتب من الشارع ووجهها الخالي من كل مساحيق التجميل، لكنها بعينيه كانت جميلة وعفوية تشبه أميرة بلدته وعالمه كاملًا، أيقن بهذه اللحظة والربكة التى أصابته أمامها للتو بكل كلمة تفوه بها الطبيب وبذرة حُبها التى زُرعت فى قلبه قد بدأت تنمو، حاول السيطرة على مشاعره وقلبه الخافق بجنون إليها وقال بهدوء مُتجاهلًا حياته وهدفه فى هذه اللحظة حرية أخاه:-

-أنا هطلع على الشركة وأخيرًا حلت موضوع أنس، أدعيله انه يطلع يا فلك، والمشكلة دى تتحل


تبسمت بخفوت إليه وهى تقول:-

-أن شاء الله خير يا يونس


دلفت لغرفته لكى يبدل ملابسه وخرج رأها تقف أمام المرة المُستطيلة بحجمها ذات اللمبات البيضاء الكثير وهندمت حجابها جيدًا فسأل بتعجب:-

-أنتِ خارجة تانية؟


أومأت إليه بنعم وهى تبدل حذائها ذو الكعب العالي وترتدي حذاء أبيض رياضي مُريح وقالت بحماس:-

-هجي معاك


نظر إليها بدهشة من كلماتها وهو يقول:-

-نعم!!


أخذت يده سريعًا وهى تخرجه من دهشته وتقول:-

-مش وقت أندهاش يا يونس، يلا وبعدين أنا هركب جنبك يعنى مش هتشلني على كتفك


تبسم بخباثة وهو ينزل الدرج معها ويغازلها بعفوية:-

-طب ما تيجي أشيلك بجد يا عيوني


ضربته على كتفه بمرح وبسمتها تُنير وجهها الشاحب من التعب لتقول:-

-أتوكس يا يونس، أنت لو شلتني هتقعد أصلًا


ألتف لكي ينظر إليها وهو يرفع حاجبه بغرور شديد قائلًا:-

-أنتِ كام كيلو يا عقلة الأصبع أنت 20


ضربته بغضب سافر من سخريته عليها وتقول بنبرة غليظة:-

-49 يا يونس وأتلم 


ضحك وهو يسبقها على الدرج وقال بكبرياء شديد قائلًا:-

-طب دا قدر 56 وبشيلها بدراع واحد يبقي أنتِ بقي أشيلك بصبع رجلي الصغير


أشتعلت نيران الغيرة فى قلبها وأوشكت على حرق صدرها كاملًا وهو يتحدث عن زوجته الأخرى، لم يأتيه جوابًا منها فضحك وهو يسبقها على الدرج لكن جوابها لم يكن كلمة تتفوه بها بل ضربة قوية على ظهره بيديها الأثنين فكاد أن يسقط على الدرج ليصرخ بصوت خافت قائلًا:-

-يا مجنونة!


نظر إليها لتدفعه بغضب شديد ومرت من أمامه ودفعته بعيدًا عن طريقها لتسبق هى على الدرج وتصل للسيارة قبله، ضحك عليها فقد نال مُراده بكلماته وحقق هدفه من ذكر أسم "قدر" فهذه الفتاة حقًا تكن له المشاعر وتغار بجنون عليه لكنها ترفض بأستماتة الأعتراف بهذا الأمر، أخذها معه إلى الشركة وكان المحامي بأنتظاره بعد أن حدثه "يونس" فى الهاتف وبعد مشاهدة تسجيل الكاميرات رأوا "أنس" يدخل الشركة سكيرًا ويتأرحج وذهبت إليه "هالة"، نظر "يونس" إلى "فلك" بأستغراب شديد وكانت "فلك" مُستغربة جدًا وجود "هالة" رغم أنها لم تتحدث عن هذا الشيء أبدًا ولم تخبرها بوجودها فى الشركة ولا معرفتها بمكان "أنس"، تسجيل توقيت دخول وخروج "أنس" من الشركة كفيل بأن يثبت برائته، تنحنح "يونس" بتوتر شديد وهو يقول:-

-أستنوني برا دقيقة


نظرت "فلك" إليه بحرج شديد من طلبه ثم خرجت مع المحامي للخارج، أدخل "يونس" كلمة السر الخاصة بكاميرا مكتب "أنس" حيث دخل الأثنين بعد أن بدأ يُشك فى موقف وصمت "هالة" طيلة هذه القترة ويأس اخاه الذي جعله يعلم بأنه أرتكب جريمة حقًا ليُصدم مما رأوه وأخاه يعتدي على هالة بالقوة فأتسعت عيني "يونس" على مصراعيها بصدمة قاتلة ألجمته فى عقله لتوقف عن التفكير وأغلق الكاميرا سريعًا قبل أن يرى هذه الجريمة الشنيعة وحمل التسجيل على فلاشة ثم مسحه تمامًا من تسجيلات الكاميرا وغادر من الشركة غاضبًا مُشمئزًا من أخاه الذي يستحق العقاب بحق، أوقف السيارة على الطريق وتنهد بأختناق سافر ثم قال:-

-أشمعنا النهاردة بالذات قرر يخرج ؟


نظرت "فلك" له بتعجب من مُحادتثه المُتمتمة لتقول:-

-بتقول أيه يا يونس؟


نظر إليها بحيرة شديدة لا يعلم أيستحق أخاه الخروج حقًا بعد ما فعله أم يبقي بالسجن بقية حياته جزءًا على ما فعله بفتاة مسكينة كنت تسعى فى عملها لأجل والدتها وأسرتها التى تعولها وحدها، فتح هاتفه وطلب سيارة من التطبيق وقال بجدية:-

-أنزل يا فلك، روحي لهالة أقعدي معها لحد ما اخلص موضوع أنس دا ومتروحش فى حتة تانية غير عند هالة ومتسبهاش لوحدها


نظرت "فلك" له دون أن تفهم شيء أبدًا من كلمات ولما أختر "هالة" وقالت:-

-طب خلاص أروح أحسن


ترجل من سيارته وفتح باب السيارة لها وهو يقول:-

-قولت تروحي لهالة، أنا عرفت أنها تعبانة روحيلها وأنا هعدي عليكي بعد ما أخلص عشان عايزها فى حاجة


لم تفهم شيء من ألحاح زوجها لكن فعلت كما طلب خصيصًا بعد وصول السيارة، أعطي مبلغ من المال أحتياطيًا وفتح لها باب السيارة لتصعد وقبل أن يغلق الباب، نظر إليها بقلق خوفًا من أن يُصيبها شيء وهى بعيدًا عنه ويصلها غضب ومكر "قدر" وقال بلطف:-

-خلي تليفونك مفتوح دايمًا ولو حسيتى بحاجة غريبة أو حد بيضايقك كلمنى على طول


أومأت إليه بنعم وهى ترى قلقه فى عينيه ثم قالت:-

-متقلقش يا يونس 


أومأ إليها بنعم ثم أغلق الباب لتنطلق السيارة ثم صعد بسيارته وأكمل طريقه إلى القسم وطلب رؤية أخاه، وضع الفلاشة أمامه على الطويلة ليقول:-

-أنت ممكن تكون بريء يا أنس من جريمة القتل لكن جريمة الأغتصاب هتطلع منها براءة أزاى، جريمتك اللى هنا هتكفر عنها أزاى..


قاطعه "أنس" بخوف شديد قائلًا:-

-أنا عارف، بس لازم أطلع من هنا يا يونس، قدر ناوية تنهى حياتها وجاتلى النهاردة تقول أنها هنتنحر بسببي


أتسعت عيني "يونس" على مصراعيها مصدومًا من مجيء "هالة" إليه ولم يُصدق أبدًا أنها قررت أنهاء حياتها ليقف من مكانه مُسرعًا وأتصل بـ "فلك" خائفًا مما ستفعله هذه الفتاة المسكينة ضعيفة الحيلة وفور استقبالها الاتصال قال بقلق:-

-أيوة يا فلك أنتِ فين؟


أجابته بعفوية وهى تدرك كما هو قلقان عليها قائلة:-

-على السلم أهو طالعة


تحدث بذعر شديد قائلًا:-

-بسرعة يا فلك، أطلعي شوفي هالة وطمنيني أنها كويسة


أجابته "فلك"ب ضيق شديد وقد بدأت تشعر بأنه يخفي شيئًا عليها قائلة:-

-هو فى أيه يا يونس؟


تحدث بانفعال من مماطلتها للحديث وهناك فتاة على وشك الموت بسبب ذنب لم تقترفه:-

-أخلصي يا فلك أطلعي 


قوست شفتيها للأسفل حزنًا من صراخه بها وأجابته بضيق شديد واضح فى ملامحها قائلة:-

-طالعة يا يونس أهو ما تيجي تضربني أحسن


أغلق الاتصال فى وجهه غضبًا منه ولم تصدق انفعاله، دقت باب الشقة وفتحت والدة "هالة" لها ولم تدخلها بل قالت:-

-هالة مش موجودة يا بنتى


سألت "فلك" بهدوء وحرج من تدخلها فى حياة صديقتها أكثر قائلة:-

-أمال هى فين؟


أعطتها السيدة ورقة بها عنوان تركته "هالة" لتأخذها "فلك" وترحل ووقفت تنتظر سيارة أجرة وهى تتصل بـ "يونس" كان واقفًا فى البهو مُنتظر المحامى و"أنس" وفور أتصال "فلك" أستقبال الأتصال سريعًا وقال:-

-عملتى أيه؟


أجابته بأنفعال وهى تفتح باب السيارة الخلفي:-

-مش موجودة بس مامتها ادتينى عنوان معرفش بتاع أيه؟ أنا هروح على البيت بقي


قبل أن يتحدث رأى المحامي يخرج ومعه "أنس" بعد أن نال حريته وخرج حرًا معه فقال "يونس" بجدية:-

-هالة مش فى البيت؟


أتسعت عيني "أنس" على مصراعيها وقال:-

-أمال فين؟


وضع "يونس" الهاتف على أذنه ليقول:-

-فين العنوان اللى معاكي يا فلك؟


أعطته العنوان فى الهاتف ثم اغلقت الهاتف معه، خرج "أنس" مُسرعًا مُتجهًا إلى العنوان المذكور فى بولاق، وكان معه "يونس" ولم يفهم شيء وعلى ماذا يحتوى هذا المكان؟ ولما ذهبت "هالة" إليها وهى تسعى للأنتحار، وصل "أنس" للمكان ولا يعلم أين يجدها هنا لكن لمح لافتة طبيب نساء وتوليد ليشعر بشيء بداخله يخبره بأنها هنا، دلف إلى المكان بهلع شديد و"يونس" يركض خلفه ليعتقد بأنها جاءت لهذا المكان ربما تستطيع إصلاح ما أفسده أخاه، لكن "أنس" كان وحده يعلم بأنها جاءت لتتخلص من الطفل، دلف بقلق شديد ورأها تجلس هناك مُنتظرة دورها وفور رؤيته أمامها حرًا وتخلص من السجن والعقوبة كاد قلبها أن يتوقف غضبًا وضيقًا مما حدث......


***********************


صعدت "فلك" الدرج غاضبة تمامًا من حديثه وصراخه بها ووقفت أمام باب شقتها وهى تضع المفتاح به فشعرت بأحد يقف خلفها وأنفاسه قريب منها جدًا لترتجف يدها خوفًا ليقطع صوت أنفاسها المُرتجفة رعبًا رنين هاتفها الذي تحمله فى يدها الأخرى ويضيء شاشته باسمه "يونس" لتزدرد لعابها الواقف فى حلقها بصعوبة مذعورة وهى تلتف بقدمي تكاد تُسقطها أرضًا من الخوف وكأن الموت جاء ليواجهها مرة أخرى وقبل أن ترى وجه هذا الشخص سقطت على الأرض فاقدة للوعي ويدها تحتضن الهاتف المُضيء باسمه، ليدهسه حذاء رجالي بقوة حتي كُسر ثم حملها الرجل على كتفه بسهولة من خفة جسدها.......


يتبــــــــــــــع .................


تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا




تعليقات

التنقل السريع