القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

روايه خطايا بريئه الفصل السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر بقلم الكاتبه ريم كريم

 

روايه خطايا بريئه الفصل السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر بقلم الكاتبه ريم كريم







روايه خطايا بريئه الفصل السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر بقلم الكاتبه ريم كريم



🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


السابع عشر 


‏"لم أُحبك يومًا لأن أيامي تجري بشكلٍ جيد، أو لأن في حياتي فراغًا بشكل أو بآخر. أحببتك بأكثر أيامي إحباطًا، أحببتك بمُنتصف يأسي، وفي إزدحام يومي، ومن بين جميع أفكار عقلي..كنت أنت دائمًا حيلتي الوحيدة التي أتمسك بها لأنجو من هلاك أفكاري."    


                      


----------------------    


                      


ودعته بنظرات تفيض بمكنون قلبها لعله يشعر بها ويشاركها إياها ولكنه كان ثابت بشكل حقًا احبطها وجعلها تظن كونه متلبد المشاعر غافلة أنه يجاهد ذاته من أجلها،     


                      


فكانت تسير بخطوات بطيئة وهي ساهمة تستعيد تلك اللحظات الرائعة التي كانت بها برفقته داخل رأسها  لولآ صوت أبيها الذي أجفلها:    


                      


-كل ده تأخير يا بنتي      


                      


أنتبهت لحديثه ونظرت لموقع جلسته على ذلك المقعد الوثير بزوايا الردهة وردت بنبرة آسفة وهي تسير نحوه:     


                      


-اسفة يا بابي الوقت عدى بسرعة ومحستش بيه    


                      


تنهد "فاضل" وقال بحنو:    


                      


-هدومك مبلولة من المطر طبعًا مش هتبطلي بقى العادة الغريبة دي، أنتِ خلاص كبرتي     


                      


نفت برأسها بمشاكسة وجلست  على أحد المقاعد بجواره قائلة:    


                      


-لأ أنا مش هكبر ابدًا      


                      


قهقه "فاضل" وشاكسها:    


                      


-ازاي بقى ده انتِ بقيتي عروسة وبعدين افرضي اتجوزتي جوزك يقول ايه جوزناه عيّله    


                      


رفعت "ميرال" منكبيها وأخبرته بنفس النبرة المشاكسة التي جعلت أبيها يشعر بالسعادة كونها استعادت بسمتها ومشاكستها من جديد:    


                      


-طب لعلمك بقى يا سي بابي أنا مش هتجوز غير راجل بجد يعرف يحتويني بكل حالاتي، ويشاركني فيها كمان، أصل انا  مش عايزة راجل ينتقدني ويقلل من أي حاجة بعملها بالعكس عيزاه يبقى فخور بيا و بأتفه انجازاتي    


                      


لتتنهد تنهيدة حالمة وهي تتذكر ذلك المتلبد صاحب البندقيتان وتضيف:    


                      


-والاهم من كل ده يكون بيحبني    


                      

                      


ربت "فاضل "على كتفها وقال بحنو شديد داعيًا:    


                      


-ربنا يصلح حالك يا بنتي و يكرمك بالزوج الصالح... عارفة يا "ميرال" أنا نفسي اشوفك مبسوطة وعندي أستعداد اعمل علشانك أي حاجة في الدنيا بس أشوف ضحكتك دي على طول     


                      


اتسعت بسمتها وقالت وهي تنهض تميل عليه و تحتضنه:    


                      


-ربنا يخليك ليا يا بابي وميحرمنيش منك     


                      


=ده ايه الحب ده كله؟؟    


                      


قالتها "دعاء" متهكمة وهي تنضم لهم، لتخبو بسمة "ميرال" وتقول  وهي تخرج من احضان ابيها:    


                      


-تصبح على خير يا بابي    


                      


احتدت نبرة "دعاء" وقالت متهكمة من تجاهلها لها في الآونة الأخيرة:    


                                  


              

                    


-إِذا جاءت الملائكة فرت الشياطين ولا ايه يا "ميرال"...    


حانت من "ميرال" بسمة ساخرة وأخبرتها وهي تتخطاها كي تصعد لغرفتها:    


- لو تقصدي نفسك بالشياطين  فعندك حق ...تصبحي على خير     


نظرت "دعاء" لآثارها بغيظ وقالت بحدة لزوجها:    


-عجبك كده ... خليك مدلعها ومقويها    


هز "فاضل" رأسه بعدم رضا وأخبرها بدفاع قوي نابع من عاطفته الأبوية:    


- دي بنتي الوحيدة اللي طلعت بيها من الدنيا يا "دعاء" ومعنديش أغلى منها علشان ادلعه      


=يوووه بقى... ما أنا كان نفسي اجبلك بيبي و اتحايلت عليك ألف مرة نروح للدكتور سوا نعرف المشكلة فين وانت اللي مش راضي    


أغمض" فاضل "عينه بإنفعال من إصرارها المقيت التي لا تكف عنه وقال بحدة قبل أن ينسحب هو أيضًا ويصعد لغرفته:     


-احنا اتكلمنا كتير في الموضوع واخدنا في قرار نهائي واظن ان ده كان واحد من شروطي قبل الجواز وانتِ وافقتي عليه ياريت بقى تقفلي السيرة دي ومتتكلميش فيها تاني     


دبت الأرض بقدميها وزفرت بقوة وهي تنظر لظهره وهو يبتعد عنها، فرغم أنها تملك سُلطة عليه و تتمكن بسهولة من إقناعه بأي شيء إلا أن ذلك الأمر فشلت به فشل ذريع فكلما تطرقت لهذا الأمر يرفض رفض قاطع دون سبب مقنع بالنسبة لها و رغم عطائه السخي معها إلا أن هيأ لها شيطانها أن تطمع في المزيد، لتهمس بعيون تلمع بوميض الخبث:    


-مش هيأس يا "فاضل" ومش هخلي بنتك تكوش على كل ده لوحدها    


----------------------------    


أما عن  صاحب القلب الثائر التي أنهكته تلك المتمردة فقد كان يسير بها إلى تلك الاريكة القريبة كي يضعها عليها بشكل مؤقت لحين استبدال ملابسها تحسبًا لعدم بل الفراش وقبل أن يضعها قال بأهتمام:    


-هنادي ماما تساعدك    


نفت برأسها التي تستقر على صدره بوهن وبعيون مغلقة وهي تتشبث به أكثر دليل على رفضها مما جعله     


يتنهد بعمق ويقول وهو يجلسها برفق دون أن تحل هي يدها عن عنقه:    


-أنا مش هعرف اتصرف    


نفت هي مرة أخرى وكادت تجهش بالبكاء وتزوم بطريقة جعلته يشعر بالضيق من تيبس رأسها فما كان منه غير أن  ينسل من بين يدها ويذهب كي يحضر ملابس جافة لها، وقبل أن يباشر بالأمر أغلق إضاءة الغرفة كي لا يشعرها بالحرج فيما بعد، ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه مطلقًا فنعم العتمة كانت تخيم على الغرفة وتحجب رؤيته ولكن ماذا عن شعوره بملمس جسدها  تحت يديه وماذا يفعل بتلك القشعريرة التي اجتاحت جسده ونشبت به نيران مستعرة تفوق حرارة جسدها بمراحل عدة فكان الإرتباك يسيطر عليه وحتى أنفاسه اضطربت حين داهمته الكثير من الأفكار العابثة، ولكنه كان يجاهد كي لا تخور ارادته نحوها لدرجة انه انهى ما يفعله بوقت قياسي ونهض بعدها يضيء الإضاءة مرة أخرى زافرًا بارتياح وهو يغلق عينه بقوة كي يستعيد رباط جأشه ويحملها مرة  أخرى كي  يضعها  على الفراش وحين فعل  دثرها جيدًا بالغطاء وقبل أن يقرر أن يبتعد عن هالتها باغتته هي وتمسكت بيده الممسكة بحافة الغطاء، تصلب جسده من فعلتها و وقف يتناوب نظراته بين يدها الممسكة بخاصته وبين عيناها التي بالكاد تكاد تفتحهم، ودون أن يصدر منها شيء وجد نفسه يطمئنها وكأنه يعرف ما تود قوله:    


            


              

                    


-هغير هدومي علشان اتبلت وارجعلك    


افلتت يده وهزت رأسها بحركة ضعيفة واغلقت عيناها وغفت من شدة وهنها بينما هو تنهد تنهيدة مثقلة بالكثير وغادر إلى غرفته كي يبدل ثيابه، وحين عاد لغرفتها من جديد و جد والدته تجلس بجوارها وهي تتمتم بالدعاء لها بصدق نابع من صميم قلبها، تحمحم هو وأخبرها بهدوء وهو يرمق تلك  التي تسقط في سبات عميق:    


-بقت أحسن    


أومأت" ثريا" وأخبرته بصوت خفيض كي لا تقلقها:    


-السخونية نزلت شوية الحمد لله بس كان نفسي أأكلها حاجة تسند قلبها وهي يا حبة قلبي غرقانة في النوم ومش هاين عليا اقلق منامها واصحيها    


هز رأسه بتفهم وقال:    


-إن شاء هتبقى احسن لما تصحى ليدلك مؤخرة عنقه ويقول بنبرة رغم ثباتها إلا ان "ثريا" تيقنت ما يغوص بها من قلق يحاول أن يخفيه:    


-تقدري تروحي ترتاحي يا ماما انا هقعد جنبها    


كانت تعلم أن ابنها يجاهد ذاته من أجل تلك الغافية ولذلك لم تعترض بل وافقت قائلة:    


-ماشي يا حبيبي ولو احتجت حاجة نادي عليا     


ابتسم بسمة عابرة وأومأ لها، لتتركه والدته و يجلس هو على المقعد بجانب فراشها ينظر لها أثناء نومها  بنظرات عميقة وبتنهيدات حارقة يستغرب تلك البراءة التي تشع من ملامحها الآن وتنافي أفعالها فمن يراها بتلك الهيئة الملائكية ينخدع بها مثله تمامًا.     


وأثناء شروده ومداهمة أفكاره تململت هي بوهن  وسعلت عدة مرات قائلة بضعف:    


-عطشانة     


هب واقفًا  وملأ كوب من الدورق الذي يعتلي الكومود وناولها إياه     


ولكنها حاولت ان تعتدل وفشلت، جلس بجانبها ومد ذراعه خلف ظهرها يرفع جسدها قليلًا كي يدعم جلستها بيد وباليد الآخرى قرب كوب الماء من فمها لترتشف هي منه وعيناها الواهنة  معلقة عليه وإن أنتهت وضع الكوب على الكومود وسحب يده من خلف ظهرها كي يمددها من جديد ولكن كان لها رأي آخر فقد مالت برأسها على صدره وتشبثت بكتفه وقالت بنبرة متعبة شديدة الأحتياج:    


-خليك جنبي    


تجمدت نظراته من طلبها ورد بنبرة هادئة نسبيًا خالية من أي لين وهو يظن أنها حيلة آخرى من حيلها الملتوية للتأثير عليه غافل كون أحتياجها صادق غير مصتنع:    


-ارتاحي يا "نادين" أنتِ تعبانة ومش في وعيك    


لم تستوعب حديثه وكانها بعالم آخر ولم تعي لشيء سوى قربه فقد رفعت نظراتها المسبلة الواهنة التي بالكاد تفتح وأخذت تنظر له بطريقة جعلته يلعن تحت انفاسه المضطربة فهو يعلم أنها ستلقي بثباته عرض الحائط  وخاصةً أن ذلك الخائن بين أضلعه مازال يتأثر بها و  يطعن به من أجلها؛ فحقًا كان الوضع مربك وخاصةً عندما صدر منها تلك الهمهمات الخافتة التي تتوسله بها و وخزت قلبه  فنعم، يعشقها، بل مهوس بها رغم بشاعة افعالها ولكن عزة نفسه وكبريائه كرجل أقوى من رغبته ومن ارادة ذلك اللعين الذي يود أن يتبرأ منه  لذلك دفعها عنه برفق وقال بنبرة ثابتة جاهد كي يتقنها:    


            


              

                    


-مش عايز...       


كانت هي رغم وهنها وكونها ليست بكامل وعيها إلا أنها أصرت عليه وترجته بضعف من جديد وكأنها كغريق يتعلق بـ طوق نجاة:    


- خليك علشان خاطري    


تعلقت بُنيتاه الثائرة بعيناها وهو يقسم انه لن ينخدع مرة أخرى وحاول بكل ما اوتي من قوة ان لا يضعف ويظل  يقاوم تأثيرها عليه ولكن تفاقم الأمر وزاده ارتباك حين همست بأسمه بتلك الطريقة التي تعبث بثباته بعدما مدت يدها تحاوط خصره :    


- "يامن" ....خليك    


تثاقلت أنفاسه وطلب منها بإضطراب وهو يحل يدها قبل أن يفقد سيطرته:    


-"نادين"...انتِ مش في وعيك     


لم تستوعب حديثه وكأنها بعالم آخر بين الوعي ولا وعي فقد  مالت أكثر وأكثر حتى أختلطت انفاسها المحمومة بأنفاسه الثائرة  وهمست من جديد:    


-متسبنيش انا محتجاك    


أغمض عينه بقوة وزادت وتيرة أنفاسه حين ثبتت هي جبهتها على خاصته ولامست شفاهه مما جعله لم يستطيع الصمود أكثر امام هالة فتنتها فقد فر ثباته وتلاشت عزيمته وتوارى عقله وما يحويه من غضب لدقائق وهو يشعر بشفاهها الدافئة تتحرك بنعومة على خاصته تقبله قبلات سطحية متقطعة وبين كل واحدة وأخرى كانت تهمس بأسمه راجية.

ودائمًا وابدًا عندما يتعلق الأمر بها لا يضمن ذاته فكيف الصمود أمام هالة فتنتها، ليجد ذاته يلبي رغبتها ولكن على طريقته فقد جذبها إليه من مؤخرة رأسها وتناول شفاهها الدافئة بنهم شديد وبطريقة قاسية وكأنه يود أن يؤلمها كما آلمته حين خذلته ولكن عندما آنت متألمة داخل فمه أخذت قبلته منحنى أخر فتباطأت حركة شفاهه بتناغم شديد وبحميمية جعلتها تذوب بين يديه وتبادله وهي مغيبة تحت وطأة هيمنته الطاغية عليها، ليجذب جسدها المحموم له بتملك شديد و يغرس يده بين خصلاتها وأخذ يداعب بأنامله فروة رأسها بحركات حسية جعلتها تأن مستمتعة بين شفاهه التي تدعم تلك الرغبات الدفينة بها لتتعلق بعنقه وتتشبث به بقوة وكأنها تخبره بطريقة حسية أن لا يبتعد  مما جعله يتعمق بقبلته أكثر فأكثر وكأن رحيق شفتيها هو ترياقه الوحيد؛ فكانت لحظات مميزة غاصو بها في أنهار جارفة من المشاعر التي تستثير الحواس الكامنة.

فقد شعر هو بناقوس الخطر يدق عقله ويخبره أنه سيفقد سيطرته إن استمر الوضع أكثر لذلك فصل قبلته بأنفاس مضطربة لاهثة بالكاد يستطيع تنظيمها واستند بجبهته على منحدر أنفها ثم مرر إبهامه على شفاهها المنتفخة أثر قُبلته قائلًا بتحشرج وهو يرى تبعثرها:    


-بتعملي فيا كده ليه حرام عليكِ؟    


لم يصدر منها شيء  مما جعله يتفهم ما أصابها ليجذب رأسها تتوسد صدره العريض ويسند ظهره للخلف ساحبها معه  يحاوطها بيد وباليد الآخرى  يمررها بين خصلاتها القصيرة بحركة حسية مطمئنة جعلتها تغفى من جديد بين يده بينما هو كان لا يصدق كل ماحدث للتو وظل يكرر المشهد برأسه لعدة مرات إلى أن غلبه سلطان  النوم هو ايضًا.     


            


              

                    


---------------------    


صباح يومً جديد داخل الحرم الجامعي     


كانت تخطو بخطى واسعة نحو كافتيريا الجامعة  كي تجلب أي شيء يساعدها على التركيز في بادئ ذلك اليوم العصيب المليء بالمحاضرات  ولكن اوقفها صوته :    


- أنسة" نغم "    


توقفت ترمقه بنفور ظهر بَين على ملامحها وهدرت بجدية شديدة :    


- أفندم     


تحمحم "طارق" بحرج من جديتها الزائدة  وسألها :    


- كنت هسألك على "نادو "أصل من فترة حصل مشكلة وكلنا قلقنين عليها     


جعدت ما بين حاجبيها وهي تضم كُتبها إلى صدرها واستفسرت بقلق:    


- مشكلة ايه ؟؟؟    


= طب ممكن نقعد واحكيلك اللي حصل     


- أسفة مش بقعد مع حد اتكلم وخلصني     


أخبرها "طارق "بما حدث ولكن بالطبع أخفى الجزء الذي يخصه فمنذ ما حدث وهو يكاد يجن و يحاول التواصل مع "نادين" بشتى الطرق لكن بلا جدوى حتى انه توصل به الحال إن يمكث أمام منزلها لعله يلمحها فقط ولكن كافة محاولاته باءت بالفشل    


وكونه يعلم أن جميع أفراد شلتهم لا أحد يكترث لها ولا يجرؤ للذهاب لمنزلها خوفًا من ردة فعل  ذلك الغبي ولذلك لم يكن أمامه غير الشيخة" نغم" كما يطلقون عليها:     


- هتساعديني نطمن عليها     


نظرت له شذرًا من أعلاه لأخمص قدمه وقالت بجدية شديدة :    


-أكيد أنتو اللي اقنعتوها تخرج معاكم وبسببكم حصل كل ده     


نفى برأسه قائلاً:    


-لأ...أنتِ فاهمة غلط    


قاطعته هي بنبرة آمرة وهي ترفع سبابتها بتحذير:    


- مش عايزة  اسمع حاجة وابعدوا عنها "نادين" مش شبهكم ...وانت بالذات ملكش دعوة بيها" نادين" مكتوب كتبها وجوزها بيحبها وصدقني كل اللي بتعمله ده مفيش منه فايدة     


هز رأسه يسايرها وهو يدعي البراءة :    


- صدقيني مفيش حاجة بيني وبينها بس هي زميلتنا ولازم نطمن عليها...ارجوكِ بلاش تفهميني غلط     


زفرت بنفاذ صبر وأخبرته قبل أن تغادر :    


-كنت بتمنى اكون فهماك غلط بس للأسف نواياك فضحاك وباينة في عينك…    


نفخ أوداجه وزفر بنفاذ صبر مما جعلها تخبره بحدة وبذات النبرة الآمرة:    


- ياريت تطلعها من دماغك و تدور على حد شبهك     


لتغادر هي تاركته يجلس على اقرب مقعد ويخرج هاتفه وينقر على شاشته إلى أن توصل لشيء بعينه، لتنمو بسمة آملة على محياه ويصر أكثر على ما برأسه فلن يبتعد مهما كلفه الأمر وحتى إن ضاقت به السُبل فا هو يملك بين يديه دليل قاطع كونها تخصه هو.     


            


              

                    


------------------------    


رفرفت بأهدابها الكثيفة وأفرجت عن سوداويتها ببسمة حالمة أفترت عنها شفاهها قبل أن تشعر بشيء يعيق حركتها و بأنفاس دافئة تداعب جانب وجهها،  مالت بنظراتها قليلًا لتجده يغط في سبات عميق بجانبها و يدفن أنفه بين خصلاتها  جحظت عيناها وتعالت وتيرة انفاسها عندما لاحظت ما ترتديه واتت ومضات متقطعة  من ليلة أمس أمام عيناها، لتشهق بخفوت وتتحسس شفاهها بصدمة عارمة فكم ظنت انه حلم ليس أكثر، لتلعن ذاتها وتلعن كل شيء، تقسم أنها  لا تعلم ما أصابها ولا تعلم لمَ طلبت منه أن يظل بجانبها حتى مبادرتها لا تجد لها تفسير بتاتًا كل ما تعلمه أنه يشتتها ويجعلها تتأرجح بين أنتقامها وذلك الشعور الغريب التي إلى الآن تستنكره...فكانت شاردة تسترجع كل ما حدث بوجه يشتعل لا تعرف هل من خجلها أم غضبها  غافلة عن  حبات قهوته التي كانت تشملها لبضع ثوان قبل أن يتحمحم بنبرة صوته المميزة المتحشرجة بعض الشيء بسبب نومه:    


- أنتِ كويسة    


نظرت له  ببهوت وهي مازالت ساهمة ليمد انامله يتحسس جبينها ويقول بارتياح حاول ان يخفيه عنها:    


-مفيش حرارة     


ليعتدل بنومته ويسألها بثبات وهو يتعمد أن لا يتطرق لمَ حدث بينهم كي لا يخجلها:    


-حاسة انك احسن     


ابتلعت غصة  بحلقها وردت عليه بأخر شيء توقعه منها وهي تجلس نصف جلسة:    


-هو أيه اللي حصل انا مش فاكرة حاجة     


تعمدت أن تتصنع جهلها  مما جعله      


يجعد حاجبيه ينظر لها يظن انه يهيء له ما سمع ولكن لكونه يعلمها تمام المعرفة تفهم أسباب ادعائها.    


لم تنتظر حتى رده واستأنفت وهي مطرقة الرأس كي تغير سير الحديث بنبرة مازالت تحمل لمحة من ذلك التمرد اللعين:    


-أنا عارفة إن اسبابي عمرها ما هتقنعك...بس عايزاك تعرف ان مكنش قصدي أأذي مامتك    


يعلم أن لا فائدة منها فرأسها يابس ولن تتغير على أي حال، ولكن شيء ما بداخله كان يخبره أن يوجد سبب خفي وراء أفعالها وترفض البوح به، وحتى إن باحت فذلك لم يغير شيء فخطئها فادح بالنسبة له مهما كان أسبابه وبالطبع يصعب عليه أن يمرره بتلك السهولة فإن كانت تظن أن تقاربهم ليلة أمس سيؤثر عليه ويجعله يتغاضى فحتماً هي مخطئة، فقد تنهد بعمق وهو يشملها بطريقة مبهمة لم تستشف هي منها شيء إلا حين تفوه قائلًا:    


-وفري اسبابك لنفسك علشان مستحيل اصدقك تاني ولو كنتِ فاكرة إن بطريقتك دي هتخلينى نرجع زي الاول فأنتِ غلطانة…    


رفعت سودويتها المشتتة له وإن كادت تتفوه مدافعة عن ذاتها باغتها هو بصرامة وبنبرة ثابتة وهو يوليها ظهره ويجلس على طرف الفراش ويسند مرفقيه على ساقيه:    


            


              

                    


-قراراتي مش هرجع فيها...    


لتعترض هي بتمرد وبنبرة اندس بين طياتها لمحة من العتاب الخفي:    


-بس أنت عاقبتني ومديت أيدك عليا لأول مرة واظن ده كفاية علشان تثبت سُلطتك عليا...     


زفر حانقًاوأخذ يفرك ذقنه ثم التفت ينظر لها نظرة مبهمة أربكتها وجعلت عيناها تغيم وهي تبحث عن دفء عيناه ولكن لم تجد شيء غير الجمود الذي جمد أطرافها حين قال وهو يهب واقفًا دون أي لمحة تهاون واحدة:    


-مش أنتِ اللي تقرري وأي حاجة صدرت مني  نحيتك فكانت رد فعل منطقي لمصايبك أنا عمري ما كنت همجي معاكِ وطول عمري بحترمك وعمري ما فكرت اهينك  بس انتِ اللي أضطرتيني لكده وخرجتني عن شعوري     


ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن يغادر تاركها تنظر لأثره بملامح بائسة حزينة بسبب تبريره للأمر حتى أنه لم يمهلها وقت كافٍ ليستمع لردها التي عجزت عنه  فكان من المفترض أن تثور عليه لتوها لتعنيفه لها وتنقم عليه أكثر ولكن شيء ما بداخلها كان يود شيء أخر، حقًا لا تعلم ما أصابها فهي مشتتة ضائعة لا تعلم أين الصواب أتتمرد عليه من جديد وتنقم عليه وتظل تتمسك بهواجس عقلها أم تنصاع لأنين قلبها و تصرخ بكل صوتها وتطلب منه أن يغفر لها خطيئتها،  حقًا هي في حالة صراع ترثى لها ولكن يا ترى متى ستتوقف تلك الحرب الطاحنة التي تفتك بها.     


-------------------    


أما عنه فقد اقنعها بصعوبة بالغة أن لابد من العودة وقطع عطلتهم  لأسباب تخص العمل فقد تعذر عليهم التواصل معه لذلك لجئوا ل "يامن" بالنيابة عنه وأخبره بضرورة حضوره لمقر الشركة، نعم كذب عليها ولكن ليس أمامه خيار أخر فقد وعدها أن يعوضها فيما بعد ورغم انها غاضبة منه إلا انه لم يلقي لها بال الآن فكان كل ما يشغله هو الآخرى التي تجرأت على فعل ذلك به، وهاهو يصل تحت بنايته للتو ويتوعد لها أشد الوعيد حتى انه صفع باب سيارته وأخذ يدك الأرض تحت قدمه، و حين فتح باب شقته بمفتاحه زعق بهياج شديد:    


-ررررررهف أنتِ فين يا هانم 

ررررررررررهف    


لم يأته رد مما جعله يستشيط أكثر ويخطو نحو غرفتها ولكن لم يجدها ليخطو نحو غرفة أطفالة وهو يزعق بأسمائهم أيضًا ولكن بلا جدوى فكان كمن أصابه نوبة هلع لتوه حين أخذ يبحث في كل أنش بالشقة ولم يجد لهم أي أثر، هاجس عابر اتى برأسه وكم تمنى أن يكون كاذبًا ولكن لسوء نكبته لم يجد أثر لأغراضهم  ايضًا .تنبأ عقله أن من كان يستخف بقدراتها قد  تركته وبكامل إرادتها لا والأنكى أنها سلبت منه أطفاله وكافة ماله، وحينها تصلب جسده وجحظت عيناه بصدمة عارمة  غير مستوعب أن "رهف" المنكسرة، الضعيفة خاصته استطاعت أن تتركه فطالما كان يثق في  قلة حيلتها ولكنها حقًا افحمته بفعلتها       


التي لم يتوقع حدوثها في أسوء كوابيسه، فما كان منه غير أن يعدو للخارج وهو يقسم أنه لن يدعها تتخلص منه بتلك السهولة وتسلبه كل شيء فلابد أن يجدها  مهما كلفه الأمر.    


            


              

                    


---------------------    


-صباح الخير يا بنتي     


قالتها "ثريا "وهي تدلف لغرفتها وبيدها صينية الطعام،    


في بادئة الأمر استغربت "نادين" كونه لم يوصد الباب كعادته ولكن "ثريا "اوضحت لها وهي ترى نظراتها مُسلطة على الباب:    


-متقلقيش مش هيحبسك تاني أنا حلفت عليه وهو وعدني    


لتستأنف وهي تجلس مواجهة لها على الفراش وتضع الطعام أمامها:    


- والله يا بنتي كان على عيني انا غُلوبت معاه بس أنتِ عارفاه على أد حنيته على أد ما زعله وِحش ولما بينشف دماغه مفيش حد بيعرف يقف قصاده    


كانت" نادين" تطالعها بنظرات مشدوهة تستغرب أنها تحدثها دون أن تبدي سوءها من فعلتها، ولكن" ثريا "أخبرتها وهي تدس بفمها ملعقة الحساء:    


-أنا عارفة انك غلطانة وغلطتي في حقي بس أنا مش هعاتبك دلوقتي انتِ دلوقتي في مِحنة ولازم ابقى جنبك ...هستنى لما تشدي حيلك علشان تعرفي تقنعيني بأسبابك...    


ابتلعت ما بفمها وقالت وهي منكسة الرأس بحرج:    


-مكنش قصدي أأذيكِ أنا...    


قاطعتها "ثريا "وهي تدس قطعة من لحم الدجاج بفمها:    


-قولتلك هنتعاتب بعدين... المهم دلوقتي انك تاكلي علشان تاخدي العلاج و تشدي حيلك    


أومأت لها "نادين" بطاعة لم تكن ابدًا من شيمها، وهي تحاول جاهدة أن تتغاضى عن أفعالها الحانية التي توقد تلك النيران المتأكلة بضميرها .       


----------------------    


- بتقولي ايه يا "نادين"معقول ؟    


هدرت بها "نغم" بتعجب بعدما ذهبت لزيارتها ولكن بالطبع لم تخبرها أن "طارق" هو من حثها على ذلك، لتؤكد "نادين":    


-بقولك انا اللي بادرت وخليته يبوسني يا "نغم" أنا مش عارفة عملت كده ازاي أنا مكنتش في وعي وهو استغل تعبي      


تنهدت "نغم" وأخبرتها بعقلانية:    


-يا بنتي ده جوزك ... هو اه مش مستحب لكن يحل ليه وبعدين بلاش تقولي استغل ضعفك وتعبك هو ممكن مشاعره اللي خلته يعمل كده انتِ عارفة انه بيحبك وبعدين ده راجل يا "نادين"وليه طاقة بلاش تظلميه ما انتِ بقالك سنين عايشة معاه في بيت واحد عمره ما فكر يلمسك من غير إرادتك      


لتتذمر هي بعدم اقتناع :    


-يووووه بقى مش عارفة انا من ساعتها وانا هتجن     


= اهدي يا "نادين" واحمدي ربنا انه ماقتلكيش بعد عملتك السوده دي     


تنهدت"نادين" وأخبرتها وهي تمرر يدها في خصلاتها:    


-بس هو مقصرش معايا ودغدغ العربية والتابلت وخد التلفون ومد ايده عليا ده حتى ما أعتذرش بعديها ولا هان عليه يقول أنه غلطان    


            


              

                    


لتجيبها "نغم" بكل واقعية:    


-هو فعلًا غلط وضرب الزوجة حرام شرعًا بس كمان عدم طاعتك ليه ومخالفة أوامره حرام ...    


وبعدين خليكِ واقعية شوية واعرفي أن أي راجل مكانه كان عمل كده متنسيش اننا في مجتمع شرقي والرجالة فيه دمها حامي    


هزت "نادين" رأسها وتلك المتمردة بداخلها تتولى الرد عنها:    


-بس ده مش مبرر مقنع بالنسبالي...كان يقدر يعاقبني بألف طريقة إلا انه يمد ايده عليا    


زفرت "نغم" بقوة وأخبرتها و هي تعكس الأمر وتوضح الصورة لها:    


-وأنتِ كمان كان في ألف طريقة علشان تكسبيه بيها... بس انتِ كنت بتستهتري وبتعاندي لمجرد العند...وهو كان بيتحملك وبيطول باله عليكِ       


تقدري تقوليلي ايه اللي كان غصبه  غير انه بيحبك و اوعي تقوليلي فلوسك ....فلوسك دي ملهاش قيمة قصاد كبريائه كالراجل ولا قدام أذية امه بسببك أنا لغاية دلوقتي مش قادرة اصدق انك عملتي كده    


لوحت "نادين" وعارضتها:    


- يوووووه بقى أنتِ متحاملة ليه عليا... قولتلك مكنتش عايزة أَأذيها... شكلي انا اللي غلطانة إني حكتلك من الاساس وبعدين يا شيخة "نغم" لو انا وِحشة كده مصحباني ليه ما تقطعي علاقتك بيا وتريحي نفسك    


نظرت لها "نغم" نظرة معاتبة لأبعد حد وردت بعقلانية وهي تكاد تنهض و تنوي المغادرة :    


-عارفة أنا كل مرة أقول أيه اللي مصبرني عليكِ ومخليني أصحبك لغاية دلوقتي رغم كل البلاوي اللي اعرفها عنك ...بس بقول يمكن ربنا عايزني أفوقك يا "نادين "وابقى مرايتك اللي اعريكِ قدام نفسك...انا نفسي تبطلي تتحاملي عليه وعلى الست الطيبة اللي ربتك هما مش سبب نكبتك يا "نادين" وملهمش دخل بالأفكار اللي في دماغك    


زفرت "نادين" بضيق وغامت عيناها وهي تتمسك بذراعها تمنعها قائلة بندم حقيقي :    


- آنا آسفة يا "نغم" والله مش قاصدي أزعلك أنتِ عارفة إني مش برتاح غير ليكِ...لتفر دمعاتها  وهي تسند ظهرها على جذع الفراش وتقول بتشتت وضياع طفلة فقدت أبويها ولا تعلم أين سبيل آمانها :    


- انا مش عارفة مالي متلخبطة وتايهة علشان خاطري بلاش تزعلي مني ....انتِ معاكِ حق ....وانا عارفة بس غصب عني بلاقي نفسي بعاند ......بكره تحكماته بكره سُلطته عليا ......فكرة أنه مفروض عليا دي بتخليني عايزة اهرب ....وأخرج عن المألوف ديمًا...وحتى لما بعاند معاه كان بيكسرني ويفرض سُلطته عليا وعمره ما سأل نفسه انا بعمل كده ليه... انا موافقاكِ على كل حاجة بس هو سبب نكبتي فعلًا هو و الست الطيبة اللي انتِ تقصديها سبب موت أمي ....لتشهق ببكاء مرير وتضيف بنبرة مختنقة تدمي القلب:    


-الست دي كانت اقرب واحدة لأمي ومع ذلك غدرت بيها و ضحكت على ابويا وطمعت فيه لنفسها واتجوزته لو مكنتش هي عملت كده مكنش زمان امي موتت نفسها...ومكنش زمانها سابتني ولا اتخلت عن حياتها    


            


              

                    


فرت دمعات" نغم" بتضامن معها وقالت وهي تجلس من جديد بجانبها ولكن تلك المرة تحاوطها وتربت على ظهرها قائلة بمواساة:    


-ده قدرها وآجالها كده وربنا سبحانه وتعالى قال: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)    


ادعيلها بالرحمة وأنسي كل اللي فات وابدأي صفحة جديدة مع نفسك وبصي لحياتك من منظور تاني متفضلش طول عمرك باصة وراكِ علشان عمرك ما هتيجي خطوة لقدام     


اومأت لها من بين نحيبها لتشدد "نغم " على احتضانها وتمسد على ظهرها وتظل تحفزها على العمل بنصيحتها غافلين عن تلك التي استمعت لجزء كبير من حديثهم دون قصد، فقد نخر الألم قلبها وتثاقل عقلها بالذكريات المريرة وقررت ان تخالف وعدها ل "غالية" فلامجال من أخفاء  الأمر أكثر  طالما الأمر ينغص عليهم صفو حياتهم فلابد أن تخبرها بكل شيء وتدعو أن يسامحها الله كونها ستنقض وعدها       


---------------------    


كان يعلم أنها لن تلجأ إلا لها ولذلك  كان يطرق على باب شقتها زاعقًا ما أن فتحت له:    


-هي فين....    


جعدت "سعاد" حاجبيها وادعت جهلها:    


-انت بتزعق ليه، ايه الهمجية بتاعتك دي     


أزاحها عن طريقه وهدر غاضبًا:    


-أنتِ لسة شوفتي همجية ده انا هفضحكم واخلي اللي ما يشتري يتفرج عليكِ انت وبنت عمك     


تأهبت "سعاد" بعدائية وهدرت بشجاعة لطالما كانت تميزها:    


- اعلى ما في خيلك أركبه ولو فاكر أني هخاف من واحد زيك تبقى غلطان...    


جز على نواجذه وصاح بغيظ:    


-لأ لازم تخافي علشان أنا متأكد مليون في المية ان ده من تدبيرك أنتِ، مراتي أضعف من أنها تعمل حاجة زي كده من نفسها    


حانت من "سعاد" بسمة متهكمة وأخبرته بتشفي واضح وهي تربع يدها على صدرها:    


-صدقني لو في حد ورا قرارها ده فهو أنانيتك وقهرك ليها    


لم يعجبه حديثها بالمرة حتى ان  معالم وجهه تقلصت وهدر بعروق مشدودة وبعيون يحتلها الغضب وهو يلوح بيده امام وجهها ساخطًا:    


- أنا مش ناقص مواعظ وحكم من جنابك... وبعدين ده انا اوديها في ستين داهية دي  سرقتني وخطفت ولادي    


رفعت "سعاد" حاجبيها وهدرت بغيظ شديد وهي تلوح بيدها امام وجهه دون أن تهاب غضبه:    


-"رهف" مش حرامية ومحدش بيخطف ولاده ...انت اللي .....    


كادت "سعاد" أن تسبه وتفش غليلها منه ولكن "رهف" قاطعتها بعدما خرجت لتوها من احد الغرف و استمعت لجزء من مشادتهم:    


-"سعاد" كفاية لو سمحتي    


كبحت "سعاد "رغبتها بصعوبة بالغة  عنه،  فكان هو جاحظ العينين يستنكر ما كانت تنوي أن تتفوه به، وما أن صدر صوت "رهف" اختصر المسافة بينه وبيها بخطوتان وجذبها من ذراعها هادرًا:    


            


              

                    


-عجبك الفضايح دي وقلة القيمة ماشي يا "رهف" بقى انا يتعمل فيا كده...    


شهقت "سعاد"وقالت بدفاع مستميت وهي تندفع نحوه:    


-انت اتجننت عايز تمد ايدك عليها كمان     


ليرد هو متجبرتٍ:    


- دي مراتي واكسر دماغها لو خرجت عن طوعي     


جذبت "رهف "ذراعها من قبضته وقالت بنفاذ صبر:    


- كفاية بقى... ياريت تتكلم بأسلوب احسن من ده علشان نوصل لحل    


ترك ذراعها و ولاها ظهره يمرر أنامله بخصلاته بطريقة فوضوية كي يهدأ، بينما هي طلبت من "سعاد" بعيون راجية:    


- سبيني معاه يا "سعاد" لو سمحتي     


كادت أن تعترض "سعاد" فهي تخشى ان يؤذيها ولكن "رهف" طمئنتها بعيناها وحثتها على تركها، لتنصاع لها قائلة بنبرة عدائية وهي تشمله بنظرة تحذيرية:    


-تمام انا هجيب حاجات من السوبر ماركت قبل ما الولاد يرجعوا من المدرسة... عشر دقايق ومش هتأخر عليكِ     


أومات لها"رهف"، وحين غادرت هدر هو بنبرة غاضبة للغاية:    


-سحبتي الفلوس كلها ليه ؟؟    


أجابته بنبرة ثابتة عكس ثورة دواخلها:    


-وايه المشكلة هو مش أنا وأنت واحد وأنت دايمًا  تقولي خدي اللي انتِ عايزاه...    


جز على نواجذه و صرخ بإنفعال :    


-رررررررررررررهف بلاش استفزاز وديتي الفلوس فين؟ وازاي في البنك محدش رجعلي ده انا هوديهم في داهية     


وضحت  وهي ترفع منكبيها ببرود تعمدته و استفزه بشدة :    


-هما نفذوا تعليماتك انت نسيت انك أنت بنفسك قولتهم ينفذوا كل أوامري و ميرجعوش ليك.    


جذبها من ذراعها الاثنين بعنف  وصرخ أمام وجهها وهو يأرجحها بين يده :    


- انتِ مخططة بقى لكل حاجة...    


أد ايه أنتِ خبيثة...أنا ازاي كنت مخدوع فيكِ!!     


نفضت يده التي تعتصر ذراعها وقد تخلت أخيرًا عن دور الثبات التي تدعيه وهدرت موضحة بكل ثقة:    


- انا مش خبيثة...دي فلوسي وفلوس ولادي وانا أخدت حقهم...     


زئر بقوة من استفزازها وتناول أحد المزهريات القريبة وقذفها بالحائط خلفها مماجعلها تنكمش وتحمي رأسها كردة فعل تلقائية منها.    


ليثور هو وكأن عقله يرفض الاستيعاب بعد:    


-أنا مش قادر أصدق ازاي يجيلك الجرأة وتعملي كده ... اكيد ده تخطيط "سعاد" هانم بنت عمك هي اللي عصتك عليا وخلتك تسرقيني     


رفعت جانب فمها هازئة من اتهامه، وحقًا أصبحت تمقت دور الضحية التي يتقمصه وكأنه ملاك اُنزل و لم يخطئ مطلقًا فسابقًا كانت تتركه يتحامل عليها ويعلق عليها كافة اخطائه وينسبها لها ولكن الأن قد زالت تلك الغشاوة التي تحجب رؤيتها ولن تسمح له أن يؤذيها أكثر لذلك رشقته بنظرات متخاذلة كي تذكره بفعلته وردت بنبرة مفعمة بالثقة:    


            


              

                    


-أنا مش محتاجة حد يعصيني كل الحكاية إني عرفتك على حقيقتك     


-ومالها حقيقتي بقى يا هانم مش عجباكِ دلوقتي علشان قررت اعوض النقص اللي أنت مش عارفة تكمليه بزوجة تانية    


كفى ... حقًا اكتفيت... ذلك ما صرخ به عقلها وجعلها تهاجمه بحديثها بشراسة قتالية فاجأته كثيرًا وجعلت نيران غضبه تتأجج أكثر:    


-النقص في دماغك وفي رجولتك مش فيا.     


جز على نواجذه من اهانتها و وهدر من بين اسنانه وهو يربت على وجنتها بشيء من القسوة و بطريقة مستخفة:    


-احترمي نفسك أحسنلك انا بس عامل اعتبار أنك حامل ومش عايز اتغابى عليكِ...خليكِ عاقلة يا "رهف" ورجعي الفلوس وارجعي بيتك ويا دار مادخلك شر    


تراجعت برأسها لتبتعد عن مرمى يده بملامح متقلصة نافرة و لوهلة أخذت تتأمل وجهه  بنظرة مطولة وكأنها تراه لأول مرة. شعر بالريبة من نظراتها وضيق قاتمتيه وهو لا يستسيغ ردود أفعالها التي تجرأت للتو وانفجرت به قائلة بكل ثقة وهي تتعمد أن تنظر داخل عمق عينه بتحدي بائن وكأنها أرادت أن تكشف الستار عن تلك القناعات التي تبدلت بداخلها بفضله:     


-انت عارف ايه مشكلتك  أنك حد تفكيره محدود عمره ماعرف ازاي يرضى باللي ربنا قسمه له، ده غير انك كنت بتضغط عليا بكل قوتك وأنت عارف إني هتحمل... كنت بتستغل حبي ليك وإن مليش حد غيرك  وبتستقوى عليا… ونسيت أن ليا طاقة وكنت دايمًا بتتحامل عليا وتطلعني مذنبة لغاية مخلتني فعلاً اصدق اني حد وِحش وميتعاشرش... خليت ثقتي في نفسي معدومة من كتر ما بتنتقضني وتعدل عليا حتى ولادي مسلموش من أذاك  وتصرفاتك أثرت بالسلب على نفسيتهم وسلوكهم    


لتتناول نفس عميق مثقل بالكثير وتضيف وهي تهز رأسها ببسمة ساخرة تحمل الكثير من الخذلان:    


-وكأن كل ده مكنش كافي ليك علشان تأذيني و دوست على كرمتي بجزمتك واتهمتني بالنقص علشان تروح تترمى في حضن واحدة تانية و معملش حساب لأي حاجة  غير انك ترضي غريزتك وبس... والمفروض إني اتحمل برضو وأصبر علشان مليش غيرك…. لأ ….انا بعترفلك انا السبب كنت مغيبة وخليتك تستغل نقط ضعفي و اديتك الفرصة أنك تطعن انوثتي وتدوس عليا  لكن دلوقتي انا فوقت واتشالت الغشاوة من على عيني  و مستحيل اسيبك تاخد حقي وحق ولادي وتضيعه على واحدة تانية... بأكدلك بعلو صوتي لهنا.... ولأ.... وألف..... لأ كمان...... أنا مش هرجع قرش واحد ليك ...وعمري ما هرجع بيتك تاني ولو كنت طلبت الطلاق مرة عمري ما هتذللك تاني وهعرف ازاي اخلص منك     


كانت تتحدث بتشنج و دفعة واحدة وبنبرة رغم ثباتها ولكنها كانت محملة بالألم والخذلان بين طياتها فكل انش بداخل هشيمها يحفزها على الصمود حتى عيناها كانت أبية ترفض أن تذرف الدموع هدر من أجله فيكفي ما فاضت به في الأيام السابقة ونعت به حظ قلبها   فكانت في صميمها تقرر أن تثأر لكبريائها وتتخلى عن لين قلبها وتتحلى بالقوة التي كانت تتوارى دائمًا خلف رداء الطاعة والولاء له  فيبدو أنها كانت تدخرها ليوم كذلك كي تواجهه بما كان يغوص بقلبها ويثقل خفقاته حد العناء.    


            


              

                    


حديثها كان متحدي له و مهين لكبريائه كرجل ولذلك صرخ بها بهياج شديد وبجبروت مقيت سيندم عليه:    


-عمرك ما هتعرفي تخلصي مني و اسمعي بقى... طلاق مش هطلق وهسيبك كده زي البيت الوقف وغصب عنك يا "رهف" لازم ترضي بالأمر الواقع.    


نفت برأسها برفض قاطع  وبعيون متحدية، وإن كادت تعترض باغتها هو:    


-بلاش تتسرعي وفكري في ولادك وعلشان خاطر العِشرة اللي بينا هطلع معاكِ جدع و هديكِ مهلة تهدي وتشيلي الافكار المسمومة دي من دماغك وفي ظرف يومين أتنين تكوني   رجعتي بيتك ومعاكِ الفلوس يأما قسم بالله ليكون ليا تصرف عمره ما هيعجبك ابداً    


اجابته بإصرار وبكل ثقة دون أن تفكر حتى بوعيده  وكأنها خططت لشيء آخر يردعه:    


-مش هرجع أنا مستحيل اعيش تاني مع واحد زيك    


زمجر من جديد بنفاذ صبر وهو يحكم قبضته على ذراعها بغضب أعمى وشيطانه مازال مُصر كونها أضعف من تلك القوة التي تدعيها وأهون من ذلك الإصرار المقيت:    


-هوريكِ الحقير ده هيعمل ايه؟     


لما تنزلي ولادك وميرجعوش لحضنك تاني و وقتها وحياتك لهخليكِ تبوسي رجلي علشان ترجعيلي تاني     


عند ذكر ابنائها احتل الخوف عيناها و شعرت بغريزتها الأمومية تنهش بها وتحثها على شيء ترتعب أن تضطر له ليصدر صوتها مهزوز بعض الشيء حين قالت:    


-متقدرتش تاخدهم....    


صدر من فمه صوت ساخط كعادته عندما يستخف بشيء وهسهس أمام وجهها:    


-لأ اقدر وهتشوفِ ازاي هقنع الدنيا كلها انك حرامية وقليلة الأصل و ولادك ساعتها هما اللي هيتبرو منك ويستعرو أن أنك أمهم واحدة شبهك     


نفت برأسها بعدم استيعاب وصرخت به:    


-انت ازاي حقير كده     


غضبه أعماه على الأخير من تطاولها معه فكان يشعر بغلّ وغيظ شديد جعله لم يتحكم بردود فعله حين دفعها بكل غلّ واسقطتها على تلك الأرض الصلبة القاسية التي ما إن ارتطمت بها صرخت صرخة مدوية من شدتها جعلت "سعاد" التي كانت تتسلق درج البناية بروية تهرع لها... وإن فتحت باب الشقة و وجدتها طريحة بالأرض صرخت به ودفعته بقوة خارج منزلها قائلة بعدائية شديدة:    


-منك لله يا حيوان  ... اطلع برة ومتورناش وشك تاني    


حانت منه بسمة متجبرتة وصدر من فمه ذلك الصوت الساخر الذي يشتهر به وهسهس بوعيد قبل أن يغادر:    


-همشي ... وهما يومين بس يا "رهف" وتنفذي اللي قولت عليه أحسن ما هوريكِ الحقير اللي مش عجبك ده هيعمل فيكِ ايه    


ذلك أخر شيء تفوه به قبل أن تدفعه" سعاد" دفعة أخيرة خارج باب شقتها وتغلق الباب بوجهه بكل قوة جعلته يستشيط أكثر وأكثر وهو يغادر بخطوات واسعة يتأكلها الغضب.    


بينما هي كانت مازالت طريحة بأرضها حين هرولت لها "سعاد" قائلة بنبرة نادمة متحسرة على ما أصابها وهي تحاول أن تساعدها كي تنهض:    


-مكنش لازم اسيبكم سوا بس أنتِ اللي اصريتي    


لم تعقب بل كان وجهها يشحب تدريجيًا وهي تشعر بمغصة قوية ببطنها لتثني ساقيها وتحتضن أسفل معدتها بذراعها وكأنها تواسي ساكن احشائها على الصمود مثلها ولكن هو كان له رأي أخر.    


فقد قطمت شفاهها السفلية بقوة وأغمضت عيناها و هي تشعر بالألم يزيد رويدًا رويدًا    


وحينها تفسد جبينها بالعرق و انهمرت دمعاتها بقهر لا مثيل له وهي تشعر بأنسلاخ قطعة من روحها.    


لتصرخ صرخة ممزقة نابعة من أعماق أحشائها التي يبدو انها حتى هي رفضت أن تحتفظ بشيء يخصه .    


لتغمغم بقهر وبنبرة مرتعشة واهنة من شدة الألم:    


-اه ه ه ه ه ه ه ه ه ألحقيني يا"سعاد"....    


----------------------


♥ 🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


الثامن عشر 


                                    

                                          


“ما قد يبدو لك خسارة قد يكون هو بالتحديد الشيء الذي سيصبح فيما بعد مسؤولاً عن إتمام اعظم إنجازات حياتك”.

(أحلام مستغانمي)      


-----------------    


بعد صرختها المدوية شهقت "سعاد" بقوة وبرقت عيناها وصاحت بجزع وهي ترى بقعة من الدماء تلوث ملابسها:    


-"رهف"... انتِ بتنزفي!    


نفت "رهف" برأسها بضعف وكأن عقلها يرفض أن يستوعب أن تلك الخيوط الدافئة التي شعرت بها تنساب على فخذيها ماهي إلا بشارة خسارتها. فما كان منها غير أن تغمغم بقهر وهي تحتضن اسفل بطنها وكانها تحاول أن تتمسك بما كان يسكنها:    


-البيبي هيروح يا "سعاد" أه ه ه ه    


ه ه ه ه ه ه    


تأوهت بقوة وهي تشعر أن الألم يتعدى قوة احتمالها، فكانت حرفيًا تشعر بأن شفرات حادة تمزق أحشائها فما كان منها غير أن تستسلم لذلك الظلام الذي سحبها بداومته وأسقطها فاقدة للوعي، تاركة "سعاد" في حالة من الهلع تصرخ بإسمها وتربت على وجنتها ولكن دون جدوى فكانت هامدة وملامحها  شاحبة تحاكي الموتى مما جعل "سعاد" تهب بأعصاب تالفة تتناول الهاتف لطلب المساعدة ودمعاتها تنهل من عيناها تشوش رؤيتها. طرقات قوية على باب الشقة فزعتها واسقطت الهاتف من يدها بعدما حاولت جاهدة السيطرة على ارتجاف يدها كي تتحكم بشاشته ولكن لم تفعل لتهرول راكضة تفتح الباب بتلهف شديد لتجد حارس البناية يقف أمام باب شقتها  وعدة أشخاص من جيرانها  يقفون على مقربة منه وقبل أن تطلب المساعدة صدر صوت الحارس قائلًا:    


-لامؤاخذة يا ست "سعاد" السكان سمعوا صوت زعيج وصراخ من حداكم خير في حاجة     


هزت رأسها بقوة واندفعت بالحديث مستنجدة:    


-ايوة حد يلحقني بنت عمي قاطعة النفس    


وقبل أن تستأنف حديثها اندفع شخص من بين الحاضرين وأخبرها أنه طبيب  وبعد أن تخطاها للداخل جثى على ركبتيه وتحسس نبض "رهف "وعاينها معاينة سريعة بعيون خبيرة وقال بعملية:    


-لازم تتنقل للمستشفى فورًا النبض ضعيف والنزيف لازم يوقف    


وافقته "سعاد" بحركة من رأسها وهي تنتحب بقوة على حال رفيقتها،    


لتندفع سيدة من جيرانها وتدعى "كريمة " وتقول بتعاطف:    


- يا حول الله يارب ... مستني  أيه يا ابني البنت هتروح مننا اتصرف    


أجابها بسرعة بديهية:    


-انا عربيتي تحت البيت هخدها على المستشفى فوراً     


قالها وهو ينظر بعينه على ارجاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء بعينه وإن وجد غايته خطى نحو طاولة الطعام التي تتوسط الردهة وسحب ذلك المفرش الثقيل ووضعه على جسدها المسجى ارضًا ثم انحنى بجذعه وحملها برفق و هرول مسرعًا إلى الخارج وقد تبعته "سعاد" باكية لا تفكر بشيء فقط تدعو لها تاركين خلفهم تجمع جيرانهم الذي انتشر بينهم الكثير من الهمهمات والأقاويل المتعاطفة.    


                                  


              

                    


-------------------     


-ممكن تهدى علشان أفهم     


قالها "يامن"بنفاذ صبر بعدما حضر   "حسن"  لتوه وظل يدور حول نفسه كالثور الهائج     


ليجيبه هو بانفعال :    


-أنا ازاي كنت مغفل كده...دي خططت ونفذت وأنا شبه الأهبل مخونتهاش    


= يا اخي اهدى بقى خَيلت امي فيها ايه يعني لما خدت شوية فلوس من حسابك     


_أنت هتقولي فيها ايه بقولك الهانم سرقتني وسحبت كل فلوسي ده غير أن بنت عمها مقويها ومخلياها عايزة تتطلق    


تناول "يامن" نفس عميق وقال باستغراب شديد:    


-انا مش مصدق أنك بتتكلم عن "رهف"!    


ليتهكم "حسن" بعدما صدر من فمه ذلك الصوت الساخر المعتاد:    


-لأ صدق"رهف" الطيبة المنكسرة اللي كلكم كنتوا بتيجو عليا علشانها طلعت خبيثة وسرقتني لأ وكمان سابت البيت وبتقولي مستحيل ارجع اعيش مع واحد زيك...    


زفر "يامن" بقوة وقال بفطنة وبنبرة ماكرة:    


-بقولك ايه متلفش وتدور عليا أنا حافظك كويس ...هات من الأخر وقولي عملت أيه وصلها لكده!    


زاغت عين "حسن" بتوتر ومرر يده بخصلاته الفحمية وهو يتيقن أن لا مفر من إخباره بالحقيقة كاملة، ولذلك تحاشى النظر له وقال بنبرة مهتزة بعض الشيء:    


-ما أجرمتش ...انا عملت زي ما شرع ربنا قال واتجوزت...    


جعد"يامن" حاجبيه وكرر بعدم استيعاب:    


-اتجوزت ...    


أكد "حسن" باقتناع تام:    


-ايوة اتجوزت ده حقي وبعدين هي اللي كانت مقصرة معايا و اضطرتني لكده    


ضرب "يامن" كف على آخر وتمتم بعدم رضا موبخًا اياه:    


-مقصرة ايه يا ضلالي دي مراتك قايدة صوابعها العشر شمع علشانك...بطل بقى ترمي عليها واتقي الله واعترف أنك أنت اللي دنيِ وميملاش عينك غير التراب    


لوح "حسن" بيده وقال وشيطانه يغشى على عينه وهو يشعل أحد سجائره كي ينفث بها غضبه:    


-انا مش دنيِ انا حبيت "منار" وبعدين مبسوط معاها و"رهف" غصب عنها لازم تتقبل الوضع برضاها او غصب عنها خلاص اللي حصل حصل مفروض تعيش وترضى وتربي عيالها     


تأفف "يامن" من طريقة تفكير ابنة خالته العقيمة وقال بجدية شديدة:    


-أنت قررت تتجوز وتستغل اللي الشرع حلله ليك بس هي  كمان من حقها تختار يا تقبل او متقبلش وصدقني في الحالتين انت اللي خسران لأن لو قبلت هتفضل تنغص عليك عيشتك و عمرها ما هتنسى أنك كسرتها واتجوزت عليها ولو مقبلتش وصممت على الطلاق يبقى شتت عيالك و خربت بيتك وضيعت الست الأصيلة اللي طول عمرها مستحملاك رغم طباعك الزفت     


            


              

                    


فارت الدماء برأسه من حديثه ليجد نفسه يصرخ بهياج شديد بعد أن خُيل الأمر برأسه:    


-مش هيحصل ...ولادي هاخدهم منها غصب عن عينها، وهجبرها ترجع بيتها وترضى بالأمر الواقع بس طبعًا بعد ما تبوس رجلي وتعتذرلي وترجعلي كل قرش خدته     


زفر "يامن" بقوة من تَجبرت ابن خالته وهدر قائلًا بحدة:    


-أنت باين عليك اتجننت عايز تغصبها وتلوي دراعها بالعيال علشان تتقبل جوازك ده إيه الجبروت اللي أنت فيه ده يا اخي! وبعدين ما الفلوس بتاعتها وكل اللي انت وصلتله ده كان بفضلها ولا أنت نسيت     


لم يعجبه الحديث وانفعل قائلًا بحمئة غبية:     


-يوووه بقولك ايه انا غلطان اني جتلك وأنا عارف أنك عمرك ما هتفهمني ولا هتقف في صفي...ليصدر من فمه ذلك الصوت المتهكم ذاته ويقول بفظاظة أثارت اعصاب"يامن" على الأخير:    


-وبعدين محموق اوي وعامل فيها حامي الحمى واللي يشوف كده ميقولش أن العز اللي أنت فيه ده مش من فلوس مراتك اللي  اتجوزتها وهي مغصوبة عليك ومبتقبلكش ورغم كده لسة عندك أمل تبصلك نظرة رضا واحدة  علشان تترمي تحت رجليها    


شعر أن بركان نيرانه مستعرة تنهش به بعد حديثه وزمجر بطريقة تدل على أنه يحاول كظم غيظه حين قال وهو يرفع سبابته أمام وجهه بتحذير:    


-كلمة كمان يا "حسن" وقسم بالله مهيحصلك طيب    


صدر ذلك الصوت المستخف من فم "حسن"وقال وهو يجذب الأخر من حاشية ملابسه بطريقة مستفزة:    


-متعرفش تعمل حاجة و ده أخرك     


وبعدين متعملش عليا راجل وروح اتشطر على اللي أنت مش قادر تحكمها الأول    


لكمة عاتية كانت رد "يامن" الرادع له بعد حديثه المقيت الذي أصاب صميم كبريائه ببراعة وتلاها صراخه به بنبرة حادة منفعلة للغاية:    


-أنا راجل غصب عنك على الأقل انا عمري ما هقبل على نفسي ولا على كرامتي أخد قرش واحد من فلوسها وحقها هرجعه على داير المليم لكن الدور والباقي عليك اللي أخدت فلوسها وروحت اتجوزت عليها بيهم... ولأ كمان مش عاجبك وبتبجح وعمال تجرح يمين وشمال ومش عامل حساب لأي حاجة...يا جبروتك يا اخي    


كان "حسن" مشدوهًا من ردة فعله غافل أن بحديثة ذلك كشف الستار عن بواطن الألم بقلب "يامن" وعزز سبب شقائه.    


ليقول بتأهب وهو يدلك فكه ويحركه يمينًا ويسارًا كي يخفف من وطأة الألم الذي احتله أثر لكمته:    


-هي حصلت تمد ايدك عليا طب واللي خلقك لقطعهالك يا(***)    


سبه بلفظ نابي جعل "يامن" يستشيط غضبًا ولكن الأخر لم يكتفي بذلك بل اندفع     


كي يهجم عليه ليتمسك كل منهم بملابس الأخر وإن كاد الشجار يحتد أكثر بينهم صرخت "ثريا" واندفعت تحيل بينهم:    


            


              

                    


-يالهوي ... يالهوي هي حصلت تمدو ايدكم على بعض صلوا على النبي يا ولاد ايه اللي حصل    


صاح "يامن" بحنق وهو يؤشر بيده على الأخر:    


-اسألي الحيوان ده وشوفيه قال ايه…    


تسألت "ثريا" بجزع وهي توجه نظراتها ل "حسن":    


-ايه اللي حصل يا بني ليه تقفوا لبعض كده ده انتوا طول عمركم اخوات    


تأفف "حسن" وأخبرها بحدة:    


-ابنك اللي استفزني لما نسى إن أنا اللي ابقالو و واقف في صف الخبيثة مراتي اللي سرقتني    


لم تستوعب "ثريا"ماتفوه به وتساءلت من جديد:    


-ازاي يا ابني "رهف" سرقتك فهمني    


لم يمهله "يامن" الفرصة لكي يوضح لها بل اندفع قائلًا:    


-البيه اتجوز عليها وزعلان علشان خدت فلوسها اللي ادتهالو وطالبة الطلاق…    


لطمت "ثريا" اعلى صدرها وشهقت متفاجئة بينما استأنف "يامن" وهو يوجه حديثه له بحدة:    


-تصدق وتؤمن بإيه انت مش بني ادم انت انسان براس تور ومراتك خسارة فيك وليها حق تطفش من بجاحتك و(***) وكلامك اللي زي السم     


قالها بإنفعال وهو يغادر المنزل بأكمله كي لا تثور ثائرته أكثر...    


تارك "ثريا" تعاتب الأخر الذي كان يقف بعيون تقدح بنيران الغضب:    


-اللي بيقوله "يامن" ده صح يا ابني     


تأفف هو ساخطًا ولوح بيده هادرًا بتبجح دون أي لباقة او احترم لتلك السيدة الماثلة أمامه:    


-يووووووه أنتوا فلقتوني ....اه صح، ومحدش ليه فيه، وانا غلطان اصلًا إني جيت البيت ده     


قالها وهو يخطو نحو الخارج بخطوات واسعة يتأكلها الغضب وكأنه فقد تقدير الأمور وترك لتلك الغريزة الذكورية بداخله أن تسيطر على كافة قراراته وتلغي عقله؛ فهو يظن أنه لم يخطئ بتاتًا وأن خطيئته مبررة غافل كونه فعل كل ذلك فقط كي يرضي غرور الذكر الذي بداخله ويشعره بالكمال.     


-------------------    


أما في المساء فكانت مازالت تلازم الفراش ولم تتعافى كليًا حين أتت "ثريا" واحضرت معها الطعام ووضعته بجانبها،     


لاحظت "نادين" وجوم وجهها واستغربت كونها لم تتحدث معها فقد كانت تجلس بذلك المقعد القريب من فراشها وتحاول جاهدة أن تهاتف "رهف" لتطمئن عنها ولكن بلا جدوى فهاتفها مغلق مما جعل القلق ينهش بقلب "ثريا" التي كانت ملامحها متهدلة ورأسها منكس بحزن بَين أثار فضول "نادين" وخاصًة انها استمعت لصراخ "يامن" خارج غرفتها ولصوت "حسن" ايضًا ولكنها لم تستشف شيء محدد      


لذلك تساءلت بعيون زائغة:    


-خير يا مرات بابا هو ايه اللي حصل؟    


            


              

                    


تنهدت "ثريا" وأخبرتها بأسى:    


-مش خير يا بنتي "حسن" اتجوز على مراته و"يامن" ما رضهوش الوضع    


حانت منها بسمة ساخرة وقالت مستخفة:    


-وفيها ايه؟؟    


تعجبت "ثريا"وقالت بتلقائية شديدة دون أن تفكر بتبعات حديثها:    


= ازاي بس يا بنتي ده خرب بيته بإيده ومفكرش في ولاده ولا في مشاعر مراته اللي طول عمرها سنداه و واقفة جنبه دي غلبانة و متستاهلش كده ابدًا    


دفاعها المستميت عن "رهف" ورؤيتها لها كضحية كان بمثابة نزع فتيل لذلك البركان الخامل من الذكريات البائسة بداخلها، فكيف تدعي المثالية الآن وهي ارتضت على أمها نفس المصير من قبل لذلك باغتتها متهكمة:    


-وأمي هي اللي كانت تستاهل مش كده يا مرات بابا     


رغم تهكمها ولكن صدر سؤالها بقهر وبنبرة متخاذلة جعلت "ثريا" تنفي برأسها وتغيم عيناها قائلة بأسى:    


-أمك دي كانت ست الناس كلها وكانت تستاهل كل خير وربنا يعلم كنت بعزها أد أيه    


يالكِ من سيدةٍ عطوف ذو قلب حاني حقًا إن لم أكن على يقين تام أنك سبب نكبت والدتي لكُنت صدقت تلك البراءة التي تقطر من حديثك    


ذلك ما كان يدور برأسها وهي تطالعها بعيون لائمة احزنت "ثريا" وجعلتها تتيقن أن تلك هي اللحظة المناسبة لتبوح لها.    


بينما "نادين" لم تصمت واستأنفت   بنبرة كارهة يحفها لوم مقيت نهش قلب "ثريا":    


-وعلشان كده خطفتي جوزها وموتيها بحسرتها    


دافعت "ثريا" عن ذاتها:    


-انا يا بنتي حرام عليكِ انتِ ظلماني    


احتدت نبرة "نادين" وهي تفرغ ما بجعبتها:    


-محدش اتظلم غيري انا وامي يا مرات بابا ....امي كانت بسببك مش بتنام ودمعتها مكنتش بتنشف على خدها...أنتِ اللي كرهتيها في الدنيا لما عصيتي ابويا عليها وخلتيه كل يوم يتخانق معاها بسببك    


فرت دمعات "ثريا"هاربة على وجنتها واستنكرت:    


- محصلش... مكنش بسببي ... في حاجات كتير أنتِ متعرفهاش يا بنتي    


نفت "نادين" برأسها وقالت وهي تضع صنية الطعام اعلى الكومود و تحاول أن تنهض من الفراش:    


-مش عايزة أعرف  ومعنديش استعداد اسمع منك حاجة وحتى لو سمعتك مش هصدقك    


تمسكت "ثريا" بيدها تحاول أن تستعطفها قائلة:    


-علشان خاطري يا بنتي اسمعيني انا عمري ما كُنت وِحشة كده ربنا وحده اللي يعلم أمك كانت زي اختي ومن يوم ما عرفتها وانا واقفة جنبها وعمري ما أذتها ولا شافت مني حاجة وِحشة...اسمعيني يا بنتي وانتِ حرة يا تصدقي يا لأ بس المهم إني أكون ريحت ضميري    


            


              

                    


حانت من" نادين" بسمة متألمة لابعد حد فعن أي ضمير تتحدث هي،وتعمدت أن تترك الفراش كي تبتعد وتوفر عليها عناء أن تحيك كذبة واهية تقنعها بها وتدافع بها عن ذاتها، ولكن "ثريا" لم تيأس وقالت بصدق شديد:    


-انا كنت اقرب واحدة لأمك قبل ما تموت مكنتش بترتاح لحد غيري... وعلشان كده انا أول حد عرف بخبر مرضها اللي كانت رافضة تقوله لحد حتى لأبوكِ وقتها     


جعدت "نادين" حاجبيها المنمقين وقالت مستنكرة:    


-أنتِ بتقولي ايه امي مكنتش تعبانة    


نفت"ثريا" برأسها وتقدمت منها عدة خطوات تسحبها معها كي تجلسها بجوارها واستأنفت:    


-صدقيني يا بنتي انا مش هكدب عليكِ ...لتتنهد بعمق وهي تتذكر تلك الذكريات الحزينة التي كلما تذكرتها تشعر بلأسى على رفيقتها وتستأنف بعيون باكية:    


-امك كانت ست مفيش منها اتنين وكانت علاقتنا ببعض زي الأخوات كنا بنزورها وبتزورنا كان بينا ود زي الأهل بالظبط لغاية ما جه فترة عليها حالها اتقلب و مبقناش عارفين مالها وزنها كان بيقل وعلطول حزينة وسرحانة ده غير انها بقت منعزلة وحابسه نفسها في البيت  ولما كنت اروح ازورها كانت تقعد تعيط وتقولي انها حاسة بالذنب علشان مقصرة مع "عادل" و محملاه فوق طاقته وهو مستحملها...حالتها كانت مطمنش ابدًا بس أنا فضلت وراها ومكنتش بسيبها لغاية ما في مرة كنت عندها وتعبت اوي ولقيتها بتاخد مسكنات وحبوب تانية  كانت بتخبيها من "عادل "  ولما اصريت عليها وحلفتها إني مش هفتح بوقي قالتلي أن عندها المرض الخبيث وفي مرحلة متأخرة وإن الحبوب دي هي اللي بتخليها تعرف تتحمل الوجع وتتعايش معاكم من غير ما تتحسسكم أنها تعبانة ...وقتها  حاولت اقنعها تتعالج بس هي  كانت رافضة وبتقول انها أضعف بكتير انها تخوض مراحل العلاج على الفاضي.    


نفت "نادين" برأسها بجنون وصرخت قائلة وهي توجه لها أصابع الاتهام:    


-كدب... كدب أنتِ بتقولي كده علشان تبرأي نفسك ...أمي مكنتش تعبانة    


هزت" ثريا "رأسها وأخذت تربت على خصلاتها القصيرة بحنو شديد مسترسلة بلا يأس كي تقنعها:    


-ميهمنيش أبرء نفسي في عينك أد ما يهمني أنك تعرفي الحقيقة. أمك كانت بتحبك وكُنت أنتِ نقطة ضعفهاوكانت دايمًا تبرر أن معندهاش استعداد تقضي الباقي من عمرها في المستشفيات ومع العَينين  كانت شايفة أن وجودها جنبك بالدنيا كلها وكأنها كانت عايزة تشبع منك قبل ما ربنا ياخد أمنته…    


نفت برأسها من جديد وهي في حالة صدمة عارمة تحاول أن تستوعب تبعاتها بعيون تغرغر الدمع بهم وبقلب ممزق ينعي فراقها.    


لتستأنف "ثريا" وهي تتناول كفوف يدها وكأنها تدعمها وتأذرها:     


-حالتها النفسية كانت بتسوء يوم عن يوم،  وفي الوقت ده ابوكِ كان هيتجنن ويعرف فيها أيه وكان دايمًا بيلتمسلها الأعذار بس هي كانت مصممة أن مفيش حد يعرف علشان ميتهمهاش بالجُبن والضعف انها رافضة العلاج.    


            


              

                    


 وفي مرة كنت بزورها طلبت مني... صمتت لبرهة تتطلع لملامح "نادين" المستنكرة تتوجس خِيفة من مدى استيعابها للأمر، ولكن الأخرى أخبرتها بنبرة مختنقة متحشرجة على حافة البكاء:    


-كملي طلبت منك أيه؟     


أجابتها "ثريا" بتلعثم بعض الشيء:    


- اني اتجوز أبوكِ واربيكِ.    


نزعت يدها من بين راحتها بعنف  وانتفضت من جلستها وهي تنفي بسبابتها مستنكرة الأمر بكامل صوتها:    


-لا لا لا لا لا لا لا مستحيل أصدق انتِ بتكدبي عليا صح ...كل ده من نسج خيالك أمي اكيد مكنتش بالسذاجة دي    


أنتِ كدابة وانا مستحيل أصدقك     


تنهدت "ثريا "بعمق وقالت بنبرة حزينة بائسة:    


-الله يسمحك يا بنتي ...بس ربنا يعلم إني مكدبتش عليك ولا عمري قصرت معاكِ أنا رعيت ضميري وحافظت على امانة أمك ليومنا ده ومفيش يوم فرقت فيه بينك وبين ابني     


لا تعلم لمَ استشعرت الصدق من حديثها و وجدت ذاتها تود أن تعرف المزيد ولذلك قالت بنبرة مختنقة مغلفة بأنين قلبها:    


-كملي…    


هزت "ثريا" رأسها واستأنفت:    


-انا عارضتها موافقتش وحتى ابوكِ رفض وقتها وكان هيتجنن لما اضطرت تقوله وحلفته ميجبلكيش سيرة عن مرضها كانت فاكرة أنها لم قالتله هتخليه يقبل بس هو رفض وكان علطول بيحاول يأثر عليها انها تتعالج بس هي خيرتنا يأما نتجوز انا وهو يأما مش هتتعالج ... وقتها كنا عملنا كل حاجة علشان ترجع في كلامها بس هي كانت دماغها ناشفة ومكنش قدامنا غير نوافق علشان بس نريحها وتقبل تتعالج     


لتفر دمعة من عين "ثريا" وتستأنف بألم:    


-لكن هي مكنتش أد كلمتها ومقدرتش تتغلب على خوفها وده كان خلاف دايم بينها وبين ابوكِ       


لغاية ما في يوم جالي وقالي أنه  اتخانق خناقة كبيرة معاها  بسبب رفضها وأن يأس من اقناعها واضطر انه يتهمها بالأنانية ويهددها انه هيقولك علشان يأثر عليها مجاش في باله ابدًا أنه هيخسرها بعدها.     


مهلًا الآن ترابطت خيوط الحقيقة مع بعضها فما قصته هي لتوها هو ذاته ما استمعت له بتلك الليلة المشؤومة التي لا تنساها مهما حيت، فكانت تستمع لها بأنفاس متعالية وبعيون دامية يهطل منها دمعات حارقة متألمة تنعي بها سنين عمرها التي اضنتها وهي تسعى لأنتقام واهي ليس له أي أساس من الصحة، أيعقل!     


لا محال أن تستوعب كم الحقائق تلك دفعة واحدة فحقًا قد تلفت اعصابها على الأخير ولم يعد باستطاعتها غير البكاء لتقترب "ثريا" منها كي تواسيها وتشاركها  بؤسها ضامة إياها بقوة لدفء أحضانها، ودمعاتها تنسل تضامناً معها، فما كان من "نادين" غير أن تتشبث بها و       


            


              

                    


يتعالى على أثر ذلك الحضن الحاني نحيبها الحارق التي كانت تكتم صرخاته وشهقاته المتقطعة بصدرها، وكأنها تنعي بتلك الطريقة كل شيء حتى نفسها.    


----------------------    


كانت تقف مفطورة من البكاء أمام غرفة العمليات لا تستوعب ما آل له حال رفيقتها، فجارهم الطبيب اتى بها إلى المشفى التي يعمل بها وقام بإسعافها بنفسه.  تأهبت عندما وجدت بابها يفتح ويظهر الطبيب، لتهرول له متسائلة:    


-طمني عليها الله يخليكِ    


تنهد وأخبرها بملامح آسفة:    


-هتبقى كويسة بس للأسف البيبي نزل ربنا يعوض عليها     


شهقت "سعاد" وزاد بكائها بينما هو واساها قائلًا:    


-قدر الله وما شاء فعل المهم انها بخير ولسه العمر أدامها    


أومأت "سعاد" وشكرته من بين دمعاتها:    


-ونعم بالله ...انا متشكرة اوي يا لمساعدتك مش عارفة من غيرك كنت عملت أيه      


أجابها برحابة:    


-انا معملتش حاجة غير الواجب     


حمد الله على سلامتها تقدري تدخليلها بعد ما ينقلوها أوضة عادية ولو احتجتوا حاجة انا موجود وهتلاقيني في مكتبي     


اومأت له بامتنان وتساءلت وهي تكفكف دمعاتها:    


-بس انا متشرفتش بأسمك    


أبتسم بسمة عابرة وعرف عن ذاته وهو يعدل من وضع نظارته الطبية:    


-أنا دكتور "نضال توفيق"     


-اهلًا بحضرتك انا "سعاد العشري"    


هز رأسه بمجاملة وببسمة عملية غادر ليباشر عمله، تاركها تحاول أن تتمالك اعصابها كي تهون على "رهف" وتواسيها في خسارتها    


-------------------    


بعد مرور ساعات الصباح الأولى  التي قضتهم صاحبة الفيروزتان في جلسة علاج  مع طبيبها النفسي الذي كان يسعى جاهدًا أن يحفزها على الصمود ويساعدها كي تغير مسار أفكارها وأولوياتها.    


فكانت تشعر براحة عارمة في كل مرة عن ما قبلها. حتى انها تعودت أن تذهب دون أبيها وقررت أن تعتمد على ذاتها فقرار التغير نابع من ذاتها ولابد أن تتحمل تبعاته وحدها،     


أما هو فكان ينتظرها بلا كلل أسفل بناية الطبيب وعندما أتت لموضع السيارة  وصعدت بجانبه تساءل بنبرة مهتمة:    


-إيه الأخبار طمنيني؟    


هزت رأسها ببسمة واسعة وأخبرته وهي تجلس بزاوية المقعد بمواجهته:    


-كله تمام ...مقدرش اقولك ببقى مرتاحة أد ايه بعد ما باجي هنا وبيبقى عندي طاقة إيجابية تكفي العالم كله    


بادلها بسمتها وعقب بتحفيز:    


-طب ياريت بقى نوفر الطاقة الإيجابية الجميلة دي للمذاكرة علشان خلاص الأمتحانات على الأبواب     


            


              

                    


أجابته هي بنبرة مفعمة بلأمل:    


-انا فاتني كتير بصراحة بس هحاول أعوض الأيام اللي جاية     


اومأ لها وإن كاد يشعل موقد السيارة تساءلت بريبة:    


-هتوديني فين؟    


رفع منكبيه وقال بإعتيادية:     


-هروحك...    


نفت برأسها وأخبرته وهي تلملم خصلاتها خلف أذنها بخجل:    


-مش عايزة أروح...    


لتتلجم لهنيهة تحت وطأة نظراته المتأهبة لباقي حديثها وتستأنف بعدها:    


-انا عايزة اروح معاك البيت    


صُدم من مطلبها، وخُيل له أنها تمزح ليس أكثر فمن المؤكد أنها ليست بتلك الوقاحة كي تقصد ما وصله، ولذلك تدخل عقله و هدر قائلًا بكامل صوته الأجش وبحدة أجفلتها:    


-بيت مين...أنتِ أكيد بتهرجي صح ...هو عادي كده تروحي مع أي حد بيته فوقي الله يخليكِ وقولي كلام منطقي انتِ بنت ناس وميصحش    


شهقت بتفاجئ من ما استشفه بالخطأ من مطلبها وهدرت بغيظ شديد تدافع عن ذاتها وهي ترفع سبابتها بوجهه:    


-انت بتقول إيه ... يظهر أنك أنت اللي اتجننت انا مكنش قصدي اللي وصلك كل الحكاية أن طمطم وحشتني وكنت عايزة أشوفها واقعد معاها و اتعرف على أختك ... بس يظهر أنك فسرت كلامي غلط وبجد ندمانة إني طلبت طلب غبي زي ده...واتفضل تقدر تروحني     


قالت أخر جملة وهي تعتدل بجلستها وتشيح بنظراتها عنه، مما جعله يزفر حانقًا ويلعن تسرعه، ويعتذر قائلًا:    


-أنا آسف..بس اصل انتِ ساعات بتعملي وبتقولي حاجات بتطير برج من عقلي ..يعني مينفعش تقولي لشاب هروح معاك البيت اكيد لازم يفهم غلط    


نظرت له نظرة مطولة ثم قالت بنبرة معاتبة:    


-أنا عفوية ومش متعودة أفكر في الكلام قبل ما اقوله ومش ذنبي أن تفكيرك رجعي    


-رجعي ده ابن اختك صح     


رفعت حاجبيها تستغرب انه يمزح  بينما هو كان يحاول أن يسخر من ذاته ليس منها فهنا تكمن نكبته فتلك الفوارق الطبقية بينهم وطبيعة نشأتهم تجعل الكثير من الأمور لا تتوافق بينهم وهو كان يعلم ذلك جيدًا ولذلك لم يتجرأ ويمنى نفسه بحلم يستحيل تحقيقه. نفض أفكاره المنطقية بعيدًا وأجابها بقناعة تامة:    


-"ميرال" انا تفكيري مش رجعي انا اتربيت على كده في أصول الواحد مينفعش يتعداها    


زفرت حانقة ثم قالت بكل ثقة:    


-"محمد" انت ليك منطق غريب بحاول استوعبه على أد ما اقدر بس أنا بعيد عن منطقك وبعيد عن الأصول وعن اللي أنت اتربيت عليه؛ انا بثق فيك لدرجة إني أأمنك على حياتي كلها وعارفة ومتأكدة  أنك مستحيل تأذيني او تخذلني  ابدًا.    


اتوسلك كفى ... قلبي لم يعد يحتمل. ذلك ما صرخ به عقله ولكن ما تفوه به كان:    


-هروحك…    


قالها وهو يجاهد كي يفر هاربًا من فخ عيناها ويتصنع الثبات بينما هي      


تنهدت وهزت رأسها بطاعة حين  شرع بالقيادة وأخذت تنظر عبر زجاج نافذتها للطريق بملامح محبطة وعيون اندثرت بها تلك اللمعة الشغوفة بفضله.    


أما هو فكان يمسد جبهته بأبهامه وسبابته وعقله يخبره  بمنطقية باحتة أن لا يجوز أن تتواجد بمنزله ويسمح لها أن تقتحم حياته البسيطة لذلك الحد، ولكن برر قلبه أنه يضخم الأمور فهي تود الذهاب من اجل ابنة شقيقته ولا مانع من زيارة عابرة لا ضرر منها وخاصًة أنه محال أن ينفرد بها مع وجود شقيقته والصغيرة وعند تلك الفكرة وجد ذاته يضرب بقرارات عقله وبحدود منطقه عرض الحائط،     


وهمهم قائلًا دون أن يحيد نظراته عن الطريق:    


-بتحبي البامية…    


استغربت سؤاله ونظرت له بطرف عيناها دون ان تجيب، ليباشر هو حديثه بنبرة مشاكسة:    


-براحتك أصل البت" شهد" عليها طاجن بامية أنما أيه تاكلي صوابعك وراه وياسلام بقى لو بالليمون ... بس ياخسارة مفيش نصيب وطلعتي مش بتحبيها    


جاهدت كي تكبح بسمتها وقالت وهي تدعى الخصام:    


-بحبها واوي كمان بس يظهر أنك بخيل ومش عايز حد يشاركك في الطاجن    


قهقه بقوة بتلك الضحكة الخشنة المفعمة بالرجولة التي تعبث بثباتها في كل مرة وتبث قشعريرة لذيدة بأوصالها وخاصًة عندما صدر صوته الضاحك مشاكسًا:    


-نبيهة بسم الله ما شاء الله عليكِ وبتفهميها وهي طايرة وبصراحة، اه انا طفس واوي وحاسبي بقى لحسن جوعت على السيرة     


عقدت حاجبيها وناوشته وهي تنكمش على ذاتها:    


-ايه هتتحول وتاكلني!    


قهقه من جديد وقال بغمزة عابثة من بندقيتاه:    


-متقلقيش مليش في الحلو.    


نكست رأسها كي تخفي أشتعال وجهها من إطراءه المحسوس لها ولم تعقب فقط تبتسم وتنظر لكل شيء عداه بينما هو كان يشعر أن على حافة الهاوية وأن صموده بدأ يتلاشى شيء فشيء وجعلته يسير في درب من دروب الجنون فتصرفه ذلك لم يكن راضياً عنه  ولكن ماذا يفعل أمام فتنتها وتأثيرها عليه. تنهيدة ثقيلة محملة بالكثير صدرت منه عندما تذكر شقيقته  فبماذا سيبرر تلك الزيارة المفاجأة يقسم أن أي شيء سيخبرها به لن يخيل عليها.    


ليزفر بقوة ويدعو الله بسره أن يمر الأمر بسلام فهو لا يضمن ردود فعل شقيقته.

ترى هل ستتقبل وترحب بها أم ستجن كعادتها وتطردهم معًا

-------------------

متنسوش الڤوت وبتمنى تشاركوني

بتوقعاتكم ❤

تفتكرو حسن هيكون أيه رد فعله لما يعرف  ان رهف أجهضت البيبي بسببه؟؟    


ويا ترى نادين كده صدقت خلاص واقتنعت بكلام ثريا ولا لسة ؟    


وتفتكروا شهد هيكون أيه رد فعلها لما تشوف ميرال؟    


       

🌺🌺روايه خطايا بريئه🌺🌺        


     بقلم الكاتبه       ♥ ريم كريم ♥ 


التاسع عشر 


                                    

                                          


ليس من الصعب أن تعثر على الحقيقة، و لكن المشكلة الكبرى هي ألا تحاول الهروب منها إذا وجدتها    


- إتيان جلسوت    


----------------    


مرت ساعات النهار الأولى وهي نائمة كمدًا لم تشعر بشيء غير انها تود أن تمنح عقلها هُدنة ليستعيد عمله، رفرفت بأهدابها الكثيفة بتثاقل شديد تحاول أن تستفيق بالكامل وتنهض ولكن كان الأمر عسير عليها و الصداع يفتك برأسها وعينها متورمة أثر بكاء أمس فكانت تنتحب إلى أن غلبها النوم من شدة الوهن بين احضان "ثريا" التي ظلت ملازمة لها طوال الليل ولم تتركها إلا عندما تأكدت أنها بخير     


مسدت جبهتها لعلها تخفف من حدة ألم رأسها ولكن بلا جدوى تحاملت على ذاتها كي تنهض من الفراش وأخذت عيناها تدور بمحيط غرفتها وهي تنعي وحدتها فكم كانت تأمل ان تستيقظ وتجد أحد بجانبها يطمئنها ويخبرها أن كل ما حدث ما هو إلا كابوس مزعج يستحيل تحقيقه وأن كل شيء سيكون على مايرام وعلى ذكر الحاجة لم يأتي أحد بخاطرها سواه لتجد عيناها تتركز على ذلك المقعد القريب ببأس شديد وبعيون حزينة ذابلة تتذكر حين كانت تجده في السابق يجلس عليه يطالعها بتلك البسمة الهادئة المريحة التي تقطر بمكنون قلبه  حقًا هي بآمس الحاجة له ولكن اين هو؟ فقد تبدل حاله بفضل أفعالها ورغم أن مازالت هواجس عقلها لم تتبدد نهائي إلا أن حاجتها له في كل وقت عصيب يمر عليها أكدت لها أنها تكن له الكثير ولم تملك الجرأة ليومنا هذا كي تعترف بذلك، حاولت نفض افكارها وهي تنهض من الفراش تعاند تلك الحرب الضارية التي تود أن تنشب من جديد بداخلها و    


قبل أن تخطو خطوة واحدة     


لفت نظرها ذلك المغلف الكبير الموضوع أعلى الكمومود بجانب فطورها، مدت يدها تسحبه لتجد ورقة بخط يد "ثريا" تعتليه وتخبرها بها أن ذهبت للاطمئنان عن "رهف" وان ذلك المغلف يحتوي على إثبات حديثها     


وعليها أن تطلع عليه، وبالفعل ذلك ما فعلته فقد فضت محتواه على الفراش وأخذت تتناول كل ورقة على حدى تمرر عيناها على محتواها، واحدة تلو أخرى برويه شديدة و حينها تملكتها صدمة عارمة  فقد وجدت فحوصات طبية بأسم والدتها وتقارير توضح حالتها لا والأنكى أن يوجد تقرير موثوقة من طبيب نفسي يؤكد إصابتها بإكتئاب حاد بتاريخ مسبق لوفاتها بعدة أشهر...     


كل ذلك كان بمثابة انتفاضة لعقلها واختزال قوي لهواجسها البالية؛ فبين يدها دلائل قاطعة لا تقبل الشك مطلقًا.    


فقد حاوطت رأسها وانهمرت دمعاتها البائسة وأخذت تهز رأسها وكأنها تدعم استيقاظ عقلها من غفوته ومداهمته لها بتلك التساؤلات دون هوادة.    


هل مقتها لهم كان هباءً؟    


هل حقًا نواياهم نحوها كانت بريئة؟    


هل تلك السيدة التي حقدت عليها طوال سنوات كانت ضحية ظنونها وهواجسها الواهية    


فهل تلوم ذاتها أم تلوم والدتها على قرارها المجحف الذي شتتها وجعل الشيطان يعبث برأسها لسنوات، حقًا كانت ضائعة تنهمر دمعاتها ببأس لا مثيل له فليس من اليسير عليها أن تقتنع كون كل قناعتها السابقة بالية و كانت جميعها لا محل لها.    


                                  


              

                    


---------------------    


علمت من"يامن" أنها تركت منزلها وتقبع مع "سعاد" بمنزلها القديم لذلك توجهت إلى هناك كي تطمئن عليها ولكن عندما وصلت لهناك وطرقت على باب الشقة عدة مرات لم يأتيها جواب وحينها أحتل القلق قلبها وكادت تخرج الهاتف من حقيبتها كي تهاتفها ولكن صوت الحارس  أنبهها:    


-الست"سعاد" مش هنا     


=خرجوا يعني؟    


-لأ يا ست هانم دول في المستشفى من ليلة إمبارح والست "رهف" كانت بعافية    


لطمت"ثريا" اعلى صدرها وتساءلت بجذع:    


-يالهوي..."رهف"...طب مستشفى ايه وانا أروحلها     


أجابها الحارس:    


-والله يا ست هانم ما اعرف بس ست "كريمة" جارتهم اكيد عارفة علشان ابنها الدكتور هو اللي وداهم هناك وحتى الولاد الصغار عندها    


=تعالى وصلني لشقتها     


أومأ لها بطاعة واتبعها لهناك لتخبرها "كريمة" بكل شيء وتطمئنها على الأطفال أنهم بامانتها لحين عودتهم لتذهب "ثريا" بعدها للمشفى بعد أن هاتفت "يامن" وأخبرته بتعب "رهف" لكن دون ذكر تفاصيل واوصته أن  يترك عمله ويعود للمنزل كي ينوب عنها برعاية "نادين" فهي بحاجته الآن دون عن أي وقت سبق.     


--------------------

أما عن ذلك الساخط فقد كان يتعالى رنين هاتفه مرة بعد مرة وفي كل مرة يتعمد أن لا يجيب مما جعلها تزفر حانقة وتصيح به:    


-يوووه تليفونك ده صدعني مش معقول كده ماترد يمكن حاجة ضروري    


لوح "حسن" بيده وأخبرها ببسمة ماكرة وهو يتأمل رقم "يامن" الظاهر على شاشته يظن أنه يهاتفه كي يعتذر منه غافل كونه يريد أن يعلمه بشأن زوجته ولكن الأخر كان الأمر أبعد ما يكون عن تفكيره لدرجة أنه ألقى بالهاتف على المقعد بجانبه دون أي أهمية لتجلس هى على ساقيه و تتعلق بعنقه متسائلة بخبث كي تسبر أغواره:    


-مالك يا "سُونة" انت من ساعة ما رجعنا وأنت مش طبيعي خالص معقول كل ده بسبب الشغل    


تنهد بعمق وأخبرها وهو يداعب وجنتها ببسمة باهتة كي يسايرها:    


-أنا عارف إني قطعت شهر العسل بس اوعدك هعوضك وهاخدك أي مكان تشاوري عليه بس كام يوم كده أخلص من مشاكل الشغل    


أومأت له وقالت بدلال أنثوي ماكر وبنظرات معاتبة:    


-لما أشوف يا "سُونة" أصلك بصراحة بقيت بتوعد ومبتوفيش    


يعني قولتلي هنسيكِ أسمك ومش هنشغل عنك وأديك اهو سبتني أمبارح لوحدي ولما جيت بليل كنت متعصب ونمت علطول    


حقًا أخر ما ينقصه هي فلم يستطيع مسايرتها أكثر لذلك هدر متأفف:    


-يوووووه خلاص بقى يا "منار" أنا مخنوق و مش ناقصك     


            


              

                    


تفاجأت من حدته الغير مبررة معها ولكنها تداركت الأمر بدهاء  حين مالت عليه وحاوطت وجنته وقالت بنبرة مفعمة بالإثارة تعلم تأثيرها عليه:    


-بس أنا ناقصاك يا "سُونة" وعايزاك...وعندي استعداد انسيك كل اللي مضايقك       


تفهم إلى ماذا ترمي فما كان منه غير أن يتفرس بمفاتنها التي تظهرها ببزخ أمام عينه التي غامت بالرغبة لتوها حين بادرت هي بتقبيله... ليجد ذاته كالمغيب تحت وطأتها يبادلها ولكن كانت قبلته لا تعرف اللطف ابدًا ولا تمت للحميمية بشيء فكانت  قبلة عنيفة آلمتها و سلبتها أنفاسها غافلة كون عقله ليس معها بل مع الأخرى و يتخذها هي وسيلة  كي يفرغ بها شحنة غضبه من تلك التي يظنها خبيثة وخدعته وهي أبعد ما يكون عن الخداع.    


دفعته هي بصدره بعنف عندما زادت قسوته وتعدى حدود احتمالها وصرخت به وهي تتحسس شفاهها التي تقطر دمًا:    


-انت اتجننت ايه اللي حصلك!    


مرر يده بخصلاته بعصبية بعدما نظر لشفاهها المدمية وقال  بأنفاس ثائرة  وبكل تبجح:    


-قولتلك مش في المود وأنت اللي اصريتي اتحملي بقى     


جعدت حاجبيها من تبجحه وقالت بغيظ شديد وبنبرة واثقة وهي ترفع سبابتها بوجه :    


-أنت أيه الأسلوب الغريب ده المفروض تعتذر على الأقل، مش انا اللي اتعامل كده      


واعمل حسابك أخر مرة هسمحلك تعاملني بالوحشية دي    


ذلك آخر ما قالته قبل أن تتركه يستشيط غضبًا من كل شيء حوله ويركل أحد المقاعد بقدمه ويدور حول نفسه وهو يشعر انه على حافة الجنون إلى أن تعالى رنين الهاتف مرة أخرى، ليتناوله ويرد  بنبرة متعجرفة خالية من أي لباقة:    


-عايز ايه انت كمان ؟    


لهنيهة لم يأتيه رد حتى ظن أنه أغلق الخط ولكن الأخر كان يحاول تحجيم اعصابه قدر المستطاع فالغرض من مهاتفته هو إرضاء ضميره ليس أكثر لذلك قال بإقتضاب ومن بين أسنانه:    


- وانت اللي زيك بيتعاذ منه أيه يا بجح...انا مش هعتبك دلوقتي أنا بس بكلمك علشان ارضي ضميري واعمل بأصلي؛ مراتك تعبانة و في المستشفى من امبارح    


احتدت نظرات "حسن" وتساءل باستخفاف:    


-مستشفى ايه وتعبانة مالها ما كانت مِفرعنة امبارح؟      


اجابه "يامن" بنفاذ صبر:    


-مستشفى (.......) و معرفش حاجة تانية...سلام    


ذلك أخر ما تفوه به قبل ان يغلق الهاتف بوجهه مما جعل "حسن" يستشيط غيظًا منه  وهو يأخذ متعلقاته ويهرول ليذهب لها تارك شيطانه اللعين يحيك برأسه العديد من السيناريوهات    


---------------    


لم تنبس ببنت شفة فقط دمعاتها تنسل من عيناها دون أي رد فعل يذكر حاولت "سعاد" و "ثريا"التخفيف عنها ومواساتها ولكنها لم تنتبه لكلمة واحدة منهم بل كانت ساهمة بعيون فارغة وكأنها فقدت كافة شغف الحياه بعد خسارتها.     


            


              

                    


-"رهف" علشان خاطري بلاش تعملي في نفسك كده...طب ردي عليا  او عيطتي وخففي حمولة قلبك هترتاحي    


قالتها "سعاد "بمحاولة بائسة منها أن تجعلها تخرج عن حالة الجمود تلك ولكن بلا فائدة  فلم تجيبها، لتغمغم "ثريا" بأسى وبملامح متهدلة شديدة الحزن:    


-لا حول ولا قوة إلا بالله كان مستخبيلك فين ده بس يا بنتي    


لتعقب "سعاد" بحمئةٍ:    


-أبن أختك هو سبب كل ده منه لله ربنا ينتقم منه    


نكست "ثريا" رأسها ولم تجد حديث مناسب ترد به لذلك ألتزمت الصمت وايضًا "سعاد" التي كان يصعب عليها رؤية رفيقتها بتلك الحالة وكم تمنت لو تستطيع أن تخفف عنها ...    


كان ذلك الصمت الذي ساد أجواء الغرفة ما هو إلا هدوء ما قبل العاصفة فقد شهقوا بقوة مفزوعين عندما اندفع الباب  وظهر ذلك الساخط قائلًا بحمئة ليست ابدًا بمحلها:    


-عملتيها يا "رهف" ونزلتي اللي بطنك وفكرك هتخلصي مني     


ده انا هسود عيشتك    


اندفعت "سعاد" كي تردعه عنها صارخة وهي تدفعه بصدره:    


-أبعد عنها مكفكش اللي حصلها بسببك... منك لله     


دفعها عنه بغل قائلًا بوعيد احمق وهو يحاول أن يتهجم على تلك المسكينة التي لا حول لها ولا قوة:    


-هي لسة مشافتش حاجة مني وانا هعرفها ازاي تعند معايا    


لتدخل "ثريا" ناهرة إياه:    


-اتهد بقى هتعمل فيها أيه أكتر من اللي عملته    


اشتد الحوار بينهم ما بين لوم و وعيد غافلين كونها تخلت عن حالة الجمود التي عليها بمجرد رؤيته وكأنها استوعبت الأمر الأن فقد تعالت وتيرة انفاسها واتسعت عيناها بهلع  عندما مر ذلك المشهد الأليم وهو يدفعها ويهددها أمام عيناها من جديد لتنطلق صرخة حارقة متألمة من أعماقها الممزقة و تضع يدها على وجهها تخفي عيونها وتهز رأسها بطريقة هستيرية وكأنها فقدت صوابها صارخة بكامل صوتها:    


-مش عايزة أشوفك...ابعد عني  بكرهك ...بكرهك...بكرهك    


في تلك الأثناء كان "نضال" في طريقه لمغادرة المشفى بعد انتهاء وقت عمله ولكن تناهى إلى مسامعه صراخ يصدر من غرفتها ليهرول لهناك ويصيح بحده ما أن رأى حالة الانهيار التي هي عليها وتجمهر بعض العاملين أمام باب الغرفة يحاولون ردعه الأخر:    


- هو في ايه بالظبط انت فاكر نفسك في بيتكم دي مستشفى يا استاذ يا محترم وميصحش تعلي صوتك ولا تتصرف بالهمجية دي     


أجابه "حسن" بتبجح وهو يزيح بيده أحد العاملين الذين يحيلون بينهم:    


-أنت مالك انت انا ازعق في المكان اللي يعجبني وبعدين الهانم اللي قدامك دي مراتي وسقطت من غير علمي وانا عايز المسؤول هنا علشان هخربها على دماغكم كلكم    


            


              

                    


تجهمت معالم "نضال" وهو ينظر له نظرة مشمئزة مستنفرة وهدر بإنفعال:    


-مراتك سقطت بسبب تعنيفك ليها وده اللي هكتبه في التقرير الطبي ده غير محاولتك دلوقتي بالتعدي عليها     


تجاهل ذلك الوعيد المبطن بحديثه ولم يفكر سوى بجملة تعنيفك لها مما جعله يعقد حاجبيه ويتسأل بعدم استيعاب:    


-يعني ايه مش فاهم؟    


لوح" نضال" بيده وتوجه لها وقال  بصوت جهوري للممرضين الذين هرولوا على صوت صراخها ولم يتمكنوا من تهدئتها:    


-حد يجبلي حقنة مهدئة واقفين تتفرجوا على أيه!    


وبلغو الأمن يطلعوا الأستاذ ده بره    


احتدت نظرات "حسن" بغيظ وهدر معترضًا:    


-انا مش هتحرك من هنا غير لما أفهم     


أجابته "سعاد" بنفاذ صبر وبهجوم شرس:    


-انت هتستهبل كل اللي حصلها ده بسببك "رهف" سقطت لما زقتها أنت السبب في إجهاض البيبي...    


نزل حديثها عليه كالصاعقة، وفرغم أنه لم يسعد بخبر حملها ولكنه لم يتعمد ابدًا أن يكون سبب في خسارته.    


فقد أبتلع رمقه بحلق جاف وزاغت نظراته بين تلك المسكينة التي تنتحب وتصرخ به كي يغادر وبين الجميع ثم تراجع عدة خطوات للخلف وكأن الأرض تميل به تزامنًا مع صراخها المتكرر الذي رج أرجاء المشفى:    


-أخرج مش عايزة اشوفك تاني بكرهك يا"حسن" ...بكرهك وعمري ما هسمحك...    


نظر لانهيارها بعيون زائغة وبقايا ضميره ينهش به يخبره أنه بفعلته تلك قد يخسرها للأبد لذلك برر قائلًابنبرة مهزوزة متلجلجة:    


-"رهف"... انا مكنش قصدي...    


لتدخل "ثريا" آمرة إياه بحده:    


-مش وقته الكلام ده امشي البِنية مش طايقة تشوفك    


=يا خالتي انا مكنش قصدي هي اللي استفزتني وقتها و....    


كاد يستأنف تبريره المقيت وكعادته يحمل تلك المسكينة عبء ما حدث لولآ أن "ثريا" قاطعته بحدة وبنبرة صارمة:    


-اخرس ومتفتحش بؤك ومن النهاردة تنسى أن ليك خالة والمسكينة دي ذنبها في رقبتك و ربنا  اسمه العدل وهينتقملها منك  علشان انت خسيس و متستاهلش ضفرها      


مرر يده بخصلاته وهو يشعر بأن الدماء تغلي برأسه ويعجز عن التفكير ليمنح انهيارها نظرة مطولة وشيء من بقايا ضميره ينهش به فلم يتوقع في أسوء كوابيسه أن يتوصل به الأمر لهنا. ليسعفه عقله العقيم ويتدخل شيطانه كعادته ويبرر له أنها هي من استفزته وجعلته يفقد سيطرته على ذاته لذلك الحد الذي جعله يتسرع ويدفعها دون أن يفكر في عقبات للأمر     


            


              

                    


قطع تفكيره تكرار "نضال" وهو يحاول جاهدًا أن يسيطر على حالة تشنج جسدها كي يوخزها بإبرة المهدئ ولكن كان الأمر عسير عليه فكانت نظراتها الكارهة مصوبة نحو ذلك المقيت وتصرخ بحرقة لا مثيل لها:    


-قولت طلعوه بره علشان تهدى    


كان يود أن يعترض من جديد لولا أن "ثريا" زجرته وحثته على المغادرة ليهز رأسه بمسايرة ويقول وأحد أفراد الأمن يقبض على ذراعه:    


-تمام همشي بس برضو مش هتعرفي تخلصي مني يا "رهف" وهرجعلك تاني     


دفعه اثنان من أفراد الأمن للخارج فلم يقاومهم بل تركهم يسيروا به خارج المشفى دون أي مقاومة وكأنه هو من طمح بالهروب وقد ساعدوه دون أن يشعروا    


بينما هي خار جسدها ومقاومتها تدرجيًا مع تسربل العقار الطبي بوريدها وتهدلت جفونها ساقطة في حالة من السبات المؤقت    


وعندما اطمئن الجميع عليها اجتمعت "سعاد" ب "نضال" بمكتبه وهي تنوي أن تتخذ إجراء رادع لذلك المقيت كي تحمي ابنة عمها من بطشه.    


--------------------     


-يالهوي هي حصلت جيبلي نسوان البيت يا "محمد"     


قالتها "شهد" بتسرع عندما سحبها "محمد" لأحد الغرف الجانبية بعدما دلف ب"ميرال" من باب شقتهم وترك الصغيرة هي من تستقبلها    


كتم "محمد" فمها بكف يده كي لا تتفوه بالمزيد ناهرًا إياها بحده:    


-انا قولت مجنونة ...نسوان مين يا "شهد"عيب عليكِ هو اخوكِ بتاع الكلام الفارغ ده اهدي علشان أفهمك     


اومأت له بعيون متسعة وما أن زحزح يده عن فمها قالت بتسرع دون تفكير:    


-تفهمني ايه...اوعى تكون ضارب ورقتين عرفي وجاي هنا لأ البيت ده طاهر وهيفضل طول عمره طاهر     


نفخ "محمد" أوداجه وباغتها بقرص اذنها قائلًا بغيظ وهو يجذبها منها:    


-اتكتمي الله يخرب بيتك ايه اللي بتقوليه ده    


تأوهت بقوة وجذبت راسها كي يفلت اذنها قائلة بألم:    


-ودني هتطلع في ايدك  وبعدين اعملك ايه ما هي ملهاش تفسير غير كده     


أجابها بنبرة جدية وهو يخفف ضمة أنامله على أذنها شيء فشيء:    


-لأ ليها بس اتهدي واسمعي وشغلي عقلك الأول    


هزت رأسها تحثه على تركها وكتمت بيدها فمها كي تقنعه أنها ستستمع له، ليتنهد هو ويترك اذنها ويقول بنبرة هادئة حاول أن يخفي بها ارتباكه:    


-دي بنت الراجل اللي شغال عنده      


دماغك مترحش لبعيد كل الحكاية أنها كانت عايزة تشوف "طمطم" وتتعرف عليكِ     


تساءلت" شهد" بحاجب مندهش:    


-وهي تعرفنا منين؟    


أجابها "محمد" وقد بدأ الارتباك يسيطر عليه:    


            


              

                    


-كنت واخد بنتك الملاهي وكانت معانا...    


شهقت "شهد"بتفاجئ وقالت ببسمة واسعة:    


-يعني دي "ميرال" اللي البت "طمطم" حكتلي عليها طب ما تقول كده من الصبح     


أومأ لها بتأكيد وأضاف برجاء محسوس:    


-علشان خاطري يا "شهد" استقبليها كويس ورحبي بيها وبلاش جنانك ده    


تنهدت "شهد" وأجابته وهي تضيق عيناها:    


-من عيوني يا اخويا انت تأمر بس لو طلعت معوجة ومناخرها في السما هكرشك أنت وهي و"طمطم" ذات نفسها      


هز رأسه بلا فائدة وقال مشاكسًا وهو يسحبها من مؤخرة ملابسها كي تستقبل ضيفته:    


-لا من الناحية دي انا مطمن...انجري بقى قدامي يا مجنونة اتأخرنا عليها وعيب كده.    


-----------------    


عاد كما اخبرته والدته وهو يستغرب لمَ طلبت منه ذلك الطلب الغريب في ذلك التوقيت بالذات ولمَ أصرت عليه بالهاتف أن يظل بجوارها، لمَ قالت له أنها بحاجته الآن! فمنذ متى وهي تكون بحاجته هي لم تلقِ بال له من الأساس وإن كانت تفعل لم تكن ارتكبت تلك الأفعال المشينة بحق والدته وبحقه،     


تنهد بعمق عندما تناهى إلى مسامعه صوت بكاءها وأخذ يجول بعينه في محيط المنزل يبحث عنها ليزفر بقوة كي يمهد ذاته لأحد حيلها التي يظن أنها تفتعلها كي تؤثر عليه وتجعله يحيد عن قراراته ويتبع الصوت وصولًا لمرحاض غرفة والدته استغرب ما الذي أتى بها هنا ولكنه طرق على الباب وقال بجمود أصبح يتقمصه بالآونة الأخيرة معها:    


-"نادين" اخرجي؟ انا عارف انك بتمثلي وعارف انك أنتِ اللي خليتي أمي تكلمني    


لثوان سكت صوت نحيبها وظن أنه نجح في كشف حيلتها وقبل أن يدرك الأمر كاملًا اتاه صوت فوضى بالداخل لم يخمن مصدرها وقبل أن يستكشف الأمر بنفسه فتحت هي الباب برأس مطرقة وحاولت أن تتخطاه، نظرة خاطفة بالداخل لأرضية المرحاض كانت كفيلة أن تجعله يجن جنونه ويظن كونها كان تود أن تلحق بنفس مصير والدتها ليهرول خلفها يجذبها من ذراعها صارخًا بحدة:    


-كنتِ بتحاولي تعملي ايه؟    


حمت وجهها بذراعها الآخر تخوفًا أن تنال أحد صفعاته وهزت رأسها كونها لم تفعل شيء، وغر قلبه عندما فعلت ذلك وكم لعن ذاته كونه جعلها تخاف بطشه لهذا الحد فحقًا هو الأن نادم كونه شيد بيده عائق أخر يجعلها تتحامل عليه وتنفر منه، ليبتلع غصة مريرة بحلقه وتتهدل ملامحه و ينظر لها بعيون اندثر جمودها و تسربل بها الدفء من جديد حين ترك ذراعيها وتسأل:     


-امال علب الدوا اللي في الأرض دي ايه؟     


انزلت يدها بترقب ثم أجابته بنبرة مختنقة وبعيون منكسرة واهنة تفر منها دمعات متباطئة:    


            


              

                    


-عندي صُداع وكنت بدور على حاجة تضيعه بس ملقتش...ولما أنت خبطت العلب وقعت من ايدي على الأرض    


الإنكسار الذي كان  يظهر جليًا على هيئتها وعيونها الدامية التي تأكد كون بكائها استمر لوقت كبير وغير مفتعل وجعل قلبه يتوسله كي يعود ل لينه ويرأف بها، وقبل ان يصدر منه كلمة واحدة كانت تتحرك بتؤدة مبتعدة عنه وهي تمسد جبهتها وتسير نحو غرفتها،    


ليتنهد هو تنهيدات عميقة مثقلة ويرفع نظراته لأعلى وكأنه يناجي ربه كي يعينه على نكبة قلبه.    


أما هي فبعد عدة دقائق كانت تجلس على طرف فراشها وهي تشعر بالخزي من ذاتها بعدما رأت  بأم عيناها كيف أصبح يشكك بكل افعالها بسبب غباءها، نكست رأسها وأغمضت عيناها تتوسل ذلك الألم أن يحل عنها ولكن كان يشتد ويشتد لدرجة انها وجدت دمعاتها تفر  متألمة معها، يده الممدودة جعلتها تنتبه لوجوده معها بالغرفة فقد رفعت نظراتها الباكية إليه حين صدر صوته ذات البحة المميزة الذي يزعزع ثباتها قائلًا:    


-جبتلك حبوب مُسكنة هتريحك وعملتك قهوة ...    


هزت رأسها بأمتنان وتناولت الحبوب اولًا من يده ووضعت اثنان منها بفمها  ثم ارتشفت بعدها الماء، اخذ هو الكوب من يدها حين انتهت  ثم أعطاها قدح القهوة لترفعه هي على فمها ترتشف منه بضع رشفات صغيرة مستمتعة فكم اشتاقت القهوة الممزوجة بالحليب من صنع يده، بينما هو توجه يغلق ستائر الغرفة كي يكبح حدة الضوء عن عيناها ويساعدها على تخطي الألم ثم ذهب واغلق نور الغرفة وقبل أن تصيح وتذكره انها تكره الظلام وتكره أن تكون بمفردها به شعرت به يجلس خلفها على طرف الفراش ويده  أخذت طريقها لمؤخرة عنقها يدلكها بحركات دائرية حسيسة  تعرف كيف تصل لمراكز الألم، بينما هي أغمضت عيناها بقوة واستسلمت لمحاولته في مساعدتها ورغم أن الصُداع مازال يفتك بها إلا أن لمساته الحانية جعلتها تستجمع شجعتها وتهمس بأسمه بنبرة مغلفة بالاحتياج جعلت طبول قلبه تقرع من أجلها:    


-"يامن"...    


لم يمنحها فرصة لقول شيء بل قاطعها بنبرة حانية مطمئنة افتقدتها منه بشدة:    


-ششششش متتكلميش ...مش وقت كلام وحاولي ترخي اعصابك هتبقي أحسن    


هزت رأسها بطاعة جعلته يتنهد تنهيدة ثقيلة محملة بالكثير وهو يستمر بما يفعله إلى أن سَكن الألم وحل محله الطمأنينة التي عبرت عنها دون كلمات حين تراجعت بجسدها حتى جعلته يلتصق بجذع الفراش ومالت برأسها على صدره  العريض تود أن تستمع لدقات قلبه كي تتأكد كونها مازالت تنتمي لها، ثم تشبثت به بقوة وانكمشت بين أحضانه وكأنها مازالت تلك الطفلة الصغيرة صاحبة الضفائر الطويلة التي كلما فعلت كارثة او افتعلت شيء خاطئ تفر إليه وتستنجد به وكأنها كانت لا تدرك مسبقًا كونه هو مأواها الحصين ومصدر أمانها وأدركت ذلك الآن فقط، بينما هو دون حاجته لأسبابها فكان دائمًا وابدًا يعشق ذلك الشعور التي منحته اياه الأن دون مجهود منه كالسابق فطالما كان يتعمد أن يرهبها كي يناله منها، ولكن بعد أن حمت وجهها اليوم وتخوفت من بطشه أقسم أنه لن يرهبها بعد الأن ولن يقسوا عليها مرة أخرى مهما فعلت سيتركها هي من تقرر كل شيء فإن أرادت ملجأه تأتي له كما حدث الأن بكامل ارادتها .      


            


              

                    


------------------------    


كانت ساهمة وكأنه أتى بها لعالم موازي لا يمت لعالمها بشيء فكانت نظراتها منبهرة تتأمل كل شيء بتمعن شديد بدءٍ من منطقتهم الشعبية التي تضج بالضجيج إلى كل ركن تقع عيناها عليه  بمنزلهم المتواضع فكان الأثاث والفرش رغم بساطته إلا انه اشعرها براحة غريبة ودفء لم تشعر به قط بقصر أبيها    


-ما تاكلي يا "ميرال" ولا اكلي مش عجبك     


قالتها "شهد" وهي تقدم لها الطعام بحفاوة كبيرة و بترحاب  اشعرها بالألفة وانتمائها لحيث يكون.    


لتبتسم بأمتنان و تنفي برأسها  وتقول بعفوية:    


-لا ابدًا يا "شهد"... يسلم ايدك الأكل طعمه حلو أوي أنا كنت فاكرة "محمد" بيبالغ لما قالي أكلك حلو بس بصراحة طلع معاه حق    


تنهدت "شهد" وقالت بمحبة خالصة لأخيها الذي يجلس بجانبها وهي تربت على يده المسنودة على الطاولة:    


-ده قلب أخته ومليش في الدنيا غيره وعلطول كده طالع بيا السما ورافع من روحي المعنوية    


تناوبت "ميرال" نظراتها بينهم وبين يد شقيقته التي تستقر فوق يده وكم تمنت أن تكون محلها فهي تقسم إن فعلت وتشبثت  بها لن تفلتها مداد الدهر ولكن متى، وكيف، وهو يتجاهل كافة تلميحاتها ويتعامل معها بثبات غريب حتى جعلها تظنه متلبد المشاعر و بلا قلب،     


كانت تتطلع له أثناء شرودها  بطريقة جعلت "شهد" تشعر بالريبة منها وخاصةً عندما وجدت شقيقها يرتبك ويدعي انشغاله بالطعام حين قالت:    


-"محمد" جدع وراجل بجد يُعتمد عليه ربنا يخليكم لبعض يا "شهد" وميحرمكوش من بعض ابدًا    


اجابتها "شهد" بمجاملة تحمل رسالة مخفية بين طياتها:    


-يارب يا حبيبتي ... ويرزقك بأبن الحلال اللي بتتمنيه     


اندثرت بسمتها لثوانِ  و تعلقت عيناها به وكأن كافة امنيتها تختصر عليه ، بينما هو شعر بانقباض قلبه عندما خيل برأسه انتماءها لرجل آخر ليحتج قلبه بين احشائه صارخًا  عندما منحته تلك النظرات الناطقة التي تزلزل قاع قلبه وتطيح به ورغم انه قاوم وجاهدًا ذاته كي يخفي ما يختلج بداخله ولكن عينه آبت أن تتهرب منها ككل مرة بل أخذت مداد من بحر عيناها جسر طويل المدى كي يروي قلبه الذي اصبح يهيم بها.    


دام تشابك نظراتهم لثوان معدودة قبل أن تدس "شهد" بفمه ملعقة ممتلئة بالأرز قائلة:    


-كُل يا حبيبي دي مش اكلتك    


تفاجأ من فعلتها لا والأنكى أنه غص بالطعام وسعل بقوة على آثارها، لتشهق "ميرال" وتناوله كوب الماء الموضوع أمامها ويتناوله ويرتشف عدة رشفات منه بينما "شهد" هبت واقفة  تضرب على ظهره بقوة قائلة:    


-يالهوي يارتني ما نطقت باين عليا حسدتك     


زجرها "محمد" كي تكف عن مزاحها وابعدها عنه منزعج:    


            


              

                    


-يا ستار عليكِ خلاص بقيت كويس وبطلي هزار البوابين ده كُنتِ هتموتيني    


لوحت "شهد" بيدها وجلست قائلة وهي تغمز له بعيناها:    


-يعني ده جزاتي كنت هتروح في شربة ميه قولت ألحقك     


هز رأسه بلا فائدة  فهو يعلم ماذا تقصد بحديثها لذلك زجرها وقال ببسمة متوعدة تعلم ما يحل بعدها:    


-خلاص يا "شهد "حصل خير بَطلي رغي وكُلي وسيبي الضيفة تاكل    


بدل ما أقسم بالله هعلقك زي ما بعلق بنتك في النجفة    


قهقت الصغيرة بينما تراجعت "شهد" ومطت فمها وأنبته وهي تدعي الحزن:    


-كده يا "حمود" اختك حبيبتك تهون عليك تهزقها قدام المفعوصة دي      


حانت منه بسمة مشاكسة وقال بحنان اخوي يكفي العالم أجمع وهو يميل يقبل جبهتها:    


-لا متهونيش طبعًا ده انتِ تاج راسي يا ام الاوزعة    


امتعض وجه الصغيرة  واعترضت وهي تربع يدها بنزق طفولي:    


-يوووه أنا مش اوزعه     


رفع حاجبيه وقال مشاكسًا وهو ينهض :    


-حقك عليا يا ام نص لسان...انا شبعت هقوم اعملكو كوبيتين شاي كُشري أنما أيه عجب     


أيدته "شهد" بينما هي تساءلت بكل عفوية:    


-شاي وكُشري طب ازاي بتحط بدل السكر عدس و رز    


قهقه بكامل صوته وشاركته "شهد" وحتى الصغيرة مما جعلها تشعر بالحرج الشديد وتقول متلعثمة:    


-هو يظهر انا فايتني كتير ... مش كده!    


اجابها هو مشاكسًا:    


-كده ...بس معذورة أصلك من كوكب تاني بس هفهمك وامري لله هو مش كُشري بالمعنى الحرفي هما سموه كده علشان بيتحط الشاي والسكر وبعدين يتحط عليهم الميا المغلية على البارد كده من غير ما يغلوا مع بعض لكن طعمه شاي عادي زي بتاعكم     


أومأت له بتفهم بينما الصغيرة عقبت في لماضة:    


-ده انتِ باين عليكِ ابيضة خالص يا طنط "ميرال"ومتعرفيش حاجة     


برقت عين "ميرال"وعاتبتها بلطف عفوي وهي تقرصها من وجنتها:    


- حتى انتِ يا "طمطم" ده أنا بحبك    


مطت الصغيرة فمها وهبت تجلس على ساقيها وتتعلق بعنقها قائلة بتضامن عاطفي:    


-وانا كمان بحبك ... لتؤشر على "محمد" وتستأنف بخفة:    


-هو أبو رجلين طويلة ده هو اللي وِحش وبيغلس علينا كلنا    


ضيق عيناه بغيظ وتقدم من جلستها قائلًا وهو يقبض على منكبيها و يرفعها لأعلى تزامنًا مع شهقة "ميرال" ومحاولتها التمسك بها وبين صراخ "شهد":    


            


              

                    


-تعالي بقى مين ده ابو رجلين طويلة يا اوزعة يا ام نص لسان ده أنا ساكتلك من الصبح    


ردت "طمطم"بشجاعة ليست بمحلها:    


-أنت يا "حمود" يا حبيبي أبو رجلين طويلة ومفيش في البيت أطول منك    


اعتلى حاجبيه بشقاوة  وسار بها رافعها لأعلى بيد وبالأخرى أخذ يدغدغها بها لتقرقر هي ضاحكة وترجوه كي يتوقف بينما هو قال مشاكسًا وبسمته مازالت تزين وجهه:    


-هتقولي حرمت ولا اعلقك بدل النجفة    


لتصيح الصغيرة مستسلمة:    


-حرمت ...حرمت مش هعمل كده تاني     


لينزلها وتفر لأحضان "ميرال" من جديد قائلة:    


-برضو رجليك طويلة    


قهقهوا جميعًا على مشاغبتهم سويًا     


بينما ضرب هو كف على آخر  متمتًا بغيظ:    


-ماشى يا طمطم الكلب مش هسيبك غير لما اقصرلك لسانك ده... بقى انا رجليا طويلة ...ولا التانية اللي بتقولي عدس ورز وبتقولي فايتك كتير  ده فاضل شوية وتقولي متنساش الكمالة وبتزعل لما بقولها أنتِ من كوكب تاني.    


عن زعل يتحدث هو! كل ما في الأمر أنها لا توده دائمًا يشعرها باختلافها عنه  لذلك بررت وهي تدثر "طمطم" بأحضانها:    


-انا من نفس الكوكب بس أنت اللي ليك مصطلحات غريبة بحاول أفهمها     


كاد أن يرد لولآ أن "شهد" قاطعته:    


-خلاص يا"محمد " وهي هتعرف منين كلامك ده بَطل و روح اعمل الشاي ومتنساش القرنفل    


هز رأسه بشكل درامي  وقال وهو مازال محتفظ ببسمته المشاكسة :     


-أمري لله انا هروح بس حقنٍ للدماء وعلشان خاطر الحلو     


انفجروا ضاحكين على دعابته أما هي فكانت تعلم انه يقصدها هي بالحلو لذلك كانت تشعر بسعادة عارمة كونها لأول مرة ترى ذلك الجانب المشاكس من شخصيته مما جعلها تهيم بأثره دون قصد    


غافلة عن عيون "شهد"التي لاحظت ما يفيض من نظراتها وكم تمنت أن يكون حدسها صادق نحوها فقد أحبتها كثيرًا وراقها تواضعها وعفويتها الصادقة في التعامل معهم.     


---------------------    


كان في حالة من حالات الصراع النفسي تارة يعاتب ذاته على ما بدر منه بحقها وتارة يغشم حاله انه لم يخطأ وما حدث كان رد فعل لاستفزازها فهو لم يتعمد بتاتًا ما حدث ولكن عقله العقيم  تناسى حديثها و مواجهتها الصريحة له بقناعتها التي تبدلت حتى حديث ذلك الطبيب له لم يعطيه اهتمام  و هيأ له أنها سوف تتفهم أعذاره من أجل استقرار أطفالهم فهناك يقين راسخ داخله يخبره أنها مازالت تعشقه وسيصعب عليها تخطيه رغم ادعائها عكس ذلك    


زفر حانقًا دخان سجارته التي لا يعلم عددها لليوم واستند بجذعه  على أحد الارائك التي تتوسط ردهة منزله وقد قرر أن يبيت عليها  اليوم ويفر من "منار" فلا ينقصه دلالها وحقًا لم يكن بمزاج راق كي يتودد لها او يراضيها الآن فعقله يضج بالكثير واخر ما ينقصه هي لتشتد مداهمة تلك الحرب الطاحنة برأسه وتكاد تفتك به، ويقرر أن يذهب في الغد بحجة أن يطمئن على أطفاله ويتسأل اين يمكثون أثناء تواجدها بالمشفى ويحاول أن يؤثر عليها ويقنعها بأعذاره وهو يعتقد أنها ستغفر له كما تفعل على الدوام عندما يقنعها انه لم يتعمد الأمر     


            


              

                    


غافل كون الحريق الذي انشبه بقلبها ألتهم كل شيء بأحشائها له ولم يتبقى حفنة  واحدة كي تتشفع له.    


-------------------------    


عاد بها لقصر أبيها دون أن تتفوه بشيء طوال الطريق فقط بسمة هادئة تعتلى ثغرها وهي تتذكر تفاصيل يومها معه فلأول مرة تنعم بدفء اسري وترى ترابط صادق مفعم بالمحبة بهذا الشكل وكيف تفعل وهي ربيت وحيده وبين اسرة مفككة لم تحظى ابدًا في كنفهم بالاهتمام والدفء والسَكينة التي شعرت بها بمنزله البسيط. انتشلها من شرودها صوته الأجش:    


-وصلنا يا "ميرال"    


رفعت نظراتها له بتيه قبل أن تلحظ توقف السيارة بها أمام بوابة القصر لتجلس بزاوية المقعد  كي تكون بمواجهته وتقول بإمتنان:    


-شكرًا على اليوم الحلو ده بجد انبسطت معاكم اوي     


هز رأسه ببسمة هادئة ثم تمتم بتلقائية:    


-فعلًا كان يوم حلو و"شهد"  اتبسطت انها اتعرفت عليكِ أصل من يوم الملاهي و"طمطم" مبطلتش كلام عنك     


اتسعت بسمتها وهمست بعفوية شديدة بعدما تذكرت ذلك اليوم الذي طبع في ذاكرتها للأبد:    


-يااااه اليوم ده كان حلو بشكل ...تعرف إني عمري ما هنساه ابدًا    


أَيدها بحركة من رأسه بينما هي استأنفت     


بنبرة صادقة مفعمة بمكنون قلبها:    


-أي حاجة بشاركك فيها بتبقى مميزة بالنسبالي و أي حاجة ليها علاقة بيك لازم احبها حتى أختك وبنتها حبتهم جدًا و كنت مبسوطة معاهم وكأني اعرفهم من سنين  واتمنيت لو كُنت بنتمي ليك زيهم  يا "حمود"    


تلجم لسانه عندما خصته بذلك اللقب المحبب على قلبه وابتلع ريقه بحلق جاف لم يصدق أن تلميحها له أصبح أكثر وضوحًا بهذا الشكل، أتظنه غبي لهذا الحد! لا هو ليس كذلك فقد غرق بها منذ الوهلة الاولى ولكنه كان يجاهد كي يبدو عكس ذلك ولكن الآن تداعت عزيمته على الأخير ولم يبقى بها ذرة ثبات واحدة فلو عليه كان يود أن يصرح الآن ويعلن للعالم أجمع كونها هي من زلزلت قاع قلبه ونسبت ملكيتها له،  ولكن ماذا يفعل إن تفوه بمشاعره ستكون بمثابة وعد صريح لها ولم يتعود أن ينقض الوعود وكيف لا يفعل وتلك الفوارق اللعينة تعيقه وتحيل بينه وبينها      


أما هي فقد اصابها إحباط من عدم رده فكم ودت لو صرخت الآن بوجهه وأخبرته أنها لا تطيق حالة التلبد التي هو عليها ولكن خشيت ردة فعله فماذا لو لم يبادلها حقًا!  هل سيظل صديقها كما يطلق على تقاربهم أم  ستخسره  حينها! حقًا هي تخشي أن تفقده لذلك تتعمد أن تلمح له وتنتظر ليبادر هو     


ولكن يا ترى إلى متى سيدوم انتظارها    


تنهدت تنهيدة مُسهدة بضجيج مشاعرها ثم قالت والإحباط يحتل معالم وجهها:    


            


              

                    


-تصبح على خير يا "حمود"     


لم تنتظر أن يجيبها وتدلت من السيارة لتجد    


زوجة ابيها تتربص بهم و تقف تربع كتفيها اعلى صدرها وتنظر لهم نظرات حادة  مشتعلة أثناء اقترابها من موضع السيارة متسائلة بخبث:    


-كنتِ فين وراجعة منين ولا هو علشان باباكِ مشغول بتستغلي الوضع وعايشه حياتك    


قلبت "ميرال" عيناها واخبرتها بسام فأخر شيء ينقصها هي:    


-ملكيش دعوة بيا لو سمحتي واظن بابي بنفسه قالك قبل كده متدخليش في اللي يخصني    


قبضت "دعاء" على ذراعيها قائلة بحدة ما أن حاولت "ميرال" تخطيها:    


-تعالي هنا عيب لما تسيبني وتمشي وانا بكلمك    


نفضت "ميرال" يدها وصاحت بغيظ وهي تسير للداخل بخطوات واسعة:    


-قولتلك ملكيش دعوة بيا    


كان يشاهد ما يحدث من جلسته خلف الموقد ولكنه لم يشأ أن يتدخل فتلك الصفراء لا يروقه طريقة حديثها بتاتًا ويغشى أن يزلف لسانه معها    


ولكن لسوء حظه أنها بادرت بفتح باب السيارة وقالت بنبرة آمرة استفزته:    


-انزل وقولي الهانم دي كانت فين؟    


تدلى من السيارة وهو يلعن ذلك الموقف الغبي الذي وضعته به، فماذا يخبرها الان أيخبرها انها كانت بمنزله! لا بالطبع لن يفعل بل حاول ان يتصنع الجهل قائلًا:    


-انا سواق مش دادة حضرتك وكل اللي بعمله إني استناها في المكان اللي بتقولي عليه لكن معرفش بتروح فين     


اعتلى حاجب "دعاء" بغيظ وحذرته:    


-اسمع أنا مش مرتحالك واظن أمرتك قبل كده توصلي كل تحركاتها بس أنت طنشت وانا صابرة عليك بس علشان اختك لكن قسم بالله لو ما تكلمت وقولتلي الهانم دي بتعمل ايه من ورانا لكون طرداك وقاطعة عيشك    


جز على نواجذه بقوة كي يتحكم بلجام نفسه ولكن كان الأمر ليس بيسير عليه فقد وجد كبرياءه يصرخ قائلًا دون أي تفكير بعقابات شيء:    


-قولتلك قبل كده الأرزاق على الله يا هانم وبعدين انتِ مش ولية أمرها ولو في حاجة أنا بنفسي هبلغ "فاضل" بيه ابوها     


اغتاظت من حديثه وهدرت:    


-بس أنا مرات باباها ومن حقي...    


-لأ مش من حقك ...انتِ مش أمها بلاش تعيشي دور مش بتاعك يا هانم...    


قاطعها هو بحمئهةٍ ودفاع مستميت جعلها تهدر بتعالي وهي تستشيط  غيظًا منه :    


-انت واحد وقح وانا غلطانة إني عطفت على أمثالك أتفضل أنت مطرود واستغنينا عن خدماتك  وياريت متورناش وشك تاني...    


استغفر ربه بسره ثم قال وعينه يشتعل بها الغضب:    


-تعرفي لو مكنتيش واحدة  ست أنا كنت عرفت ارد عليكِ     


            


              

                    


شملته بنظرة متدنية وقالت باشمئزاز وهي تؤشر بسبابتها صعودًا وهبوطًا على هيئته:    


-انا اللي غلطانة إني عملت قيمة لأمثالك    


جز على نواجذه بقوة فلأول مرة يتعرض لموقف مشابه فقد تم اهانته والتقليل منه بشدة حتى أنها أشعرته بمدى ضئالته، لذلك رد بحمئةٍ شديدة وبدماء حامية:    


-امثالي يا هانم اللي مش عجبينك كنتِ انتِ واحدة منهم ياريت متنسيش اصلك وإذا كان على الشغل يغور مبقاش يلزمني اصلًا     


ليخرج مفتاح السيارة ويفتح التابلوه الخاص بها يخرج رخصتها  ثم بكل كبرياء وعزة نفس ناولها إياهم قائلًا بنبرة قوية اجفلتها:    


-شكرًا لعطف سَعادتك الله الغني يا هانم...    


ذلك آخر ما تفوه به قبل أن يغادر ويقرر أن لا عودة من جديد بعد إهانته فحديث تلك الصفراء له كان بمثابة صفعة قوية ليعرف حجم ذاته.    


ورغم صرخات قلبه بعدم ترك من ملكته إلا أنه أخذ يقنع ذاته أن ما حدث  كان صائبًا ولابد أن يبتعد فتلك الفوارق الطبقية بينهم اسوارها عالية يصعب عليه تخطيها لذلك لايجب أن يغشم حاله اكثر ويغرق بها دون أمل.    


---------------------    


استيقظ في صباح اليوم التالي بمزاج عكر للغاية فأخذ حمام دافئ يساعد عضلاته المتشنجة وأعصابه المشدودة على الاسترخاء وحين انتهى لف خسره بأحد المناشف العريضة     


ثم خرج لينتقي ملابس له كي يذهب ل "رهف" كي يبرر فعلته،  ولكن عندما فتح الخزانة  لم يجد شيء بها مما أثار حنقه للغاية وجعله يصيح بأسمها ولكن لم يأتيه رد لذلك خطى نحو غرفة نومهم وما أن فتح بابها وجدها تسقط في سبات عميق ولم تلقِ بال لشيء، وكزها بغيظ قائلًا:    


-"منار" فين هدومي؟    


تأففت هي اثناء نومها وسحبت الوسادة تضعها على وجهها قائلة  والنعاس يسيطر عليها:    


-افففف بقى عايزة انام بتصحيني ليه    


احتدت نبرته وقال بحده وهو ينزع الوسادة عنها:    


-قومي وكفاية دلع فين هدومي؟    


تأففت من جديد ولوحت بيدها بلامبالاه واخبرته:    


-يوووه لسة في الشنط     


-بيعملوا ايه في الشنط لسه مش المفروض يترتبوا في الدولاب     


نفخت هي أوداجها وقالت وهي تنفض الغطاء عنها كاشفة عن ذلك القميص النبيذي الذي يكشف منحنياتها ببزخ أمام عينه أثناء جلستها الموحية وكأنها توريه ما فات عليه عندما تركها بالفراش وحدها:    


-ده مش شغلي انا يا "سُونة" ده شغل الخدامة وأنت لغاية دلوقتي مجبتليش حد اعملك ايه يعني     


لم يكن بمزاج يسمح له أن يلق بال لهيئتها، بل استغرب حديثها وقال وهو يعقد حاجبيه:    


-افندم ...أنتِ مراتي و ده شغلك وبعدين خدامة ليه انا متعودتش إن يكون حد غريب وسط بيتي ويقيد حريتي     


تنهدت ثم قالت بعتاب وبنبرة متصنعة تدعي الحزن:    


-انت مش بتحبني ومش بتفكر في راحتي...وبعدين مش كفاية مزعلني ومنكد عليا وانا لسه في شهر العسل      


قالت آخر جملة وهي تخفي وجهها وتتصنع البكاء مما جعله يزفر حانقًا و يجاورها مبررًا:    


-انا مش ناقص نكد واللي فيا مكفيني وبعدين انا جوزك مفهاش لو امتصيتِ غضبي واتحملتيني    


رغم تبجحه حتى في تبريره ولكنها تداركت الأمر بدهاء بعدما ازحت يدها عن وجهها وراحت تجلس بين ساقيه هامسة بنبرة باكية:    


-انا مش بحب العنف اوعدني متكررش اللي حصل ده تاني و تزعلني منك انا بحبك يا "سُونة"    


قالت أخر جملة وهي تحاوط خصره  وتستند برأسها على صدره العاري فما كان منه غير أن  يشملها بذراعيه قائلًا:    


-خلاص حقك عليا    


هز رأسها على صدره وهمست من جديد ولكن بنبرة مغوية وهي تعبث بأناملها المطلية بين شعيرات صدره:    


-خلاص سامحتك... اصلك وحشتني اوي يا "سُونة" ومش قادرة وانت بعيد عني     


ابتلع ريقه بتوتر وامسك يدها العابثة بين قبضتيه قبل أن تضطره أن ينجرف معها وتحجج قائلًا :    


-انتِ كمان يا قلب "سُونة" وحشتيني بس أنا لازم انزل علشان عندي مشوار مهم     


خرجت من بين يديه واعتلى حاجبيها بتساؤل:    


-مشوار ايه إن شاء الله    


أجابها وهو يحاول أن يبدو ثابت في رده كي يقنعها:    


-هروح اشوف الولاد واطمن عليهم ومش هتأخر    


التوى ثغرها وزفرت قائلة:    


-ماشي بس متتأخرش عليا علشان بتوحشني    


أومأ لها ونهض من جانبها هادرًا:    


-طب انا هروح اشوف فين الشنط وانتِ حضري الفطار     


نفت برأسها واخبرته بلا مبالاة:    


-انا مش بحب افطر لو انت عايز اعملك ساندوتش أنا هكمل نوم      


قالتها وهي تتمدد من جديد وتواليه ظهرها ليزفر هو حانقًا ويتوجه للغرفة كي يفض الحقائب ويرتدي ملابسة وإن انتهى اتاه صوت جرس الباب وتلاها خبطات قوية عليه جعلته يهرول متوعدًا :    


-في ايه يا اللي بتخبط ما براحة...    


ابتلع باقي صراخه بجوفه عندما فتح الباب و وجد اثنان من العساكر يرتدون الزي الرسمي ويقفون أمام باب منزله وقبل أن يسأل ماذا يريدون بادر واحد منهم قائلًا بنبرة قوية اجفلته:    


-أنت "حسن طايل"    


جف حلقه واجابه بعيون زائغة:    


-ايوة أنا في ايه ...    


أجابه العكسري برسمية شديد وهو يباغته ويقبض على ذراعه ويسحبه للخارج:    


-اتفضل معانا عندنا أوامر بظبطك وإحضارك للقسم فورًا    


------------------------          


تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا

تعليقات

التنقل السريع