رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الثاني عشر 12بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الثاني عشر 12بقلم سيلا وليد
رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الثاني عشر 12بقلم سيلا وليد
"اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك"
أعترف وربّي شاهد أنّي أحببته عدوًّا لسلامي، وصديقًا لأحزاني، وأقسم أنّه كان دواءً لروحي وعلّةً لعقلي…
فأيّ قلب هذا الذي يُحب قاتله؟
قلبٌ يرى في حضوره فوضى، وفي غيابه فراغًا، قلبٌ يشتاق حتى وهو ممتلئ، ويحنّ حتى وهو بين يديه.
كنتُ أراه ويهدأ كل ضجيجي، ثم يثور قلبي من شدّة ما أشعر… كنت أبحث عنه في الوجوه، وأسمع صوته في الصمت، وأتلمّس وجوده في كل تفصيلة حولي، كأن الحياة لا تُكتمل إلا به.
كان حضورُه مثل المطر… لا يأتي كل حين، لكنّه حين يجيء، يملأ الأرض خصبًا، والروح حياةً.
ومع ذلك، ظلّ عقلي يذكّرني بأنه عاصفة، بينما قلبي يصرّ على أنه سمائي الوحيدة.
فأخبروني… كيف لقلبي أن يتوقف عن حبّه، وهو أوّل من علّمه النبض؟
ابتعد عنها بعد لحظات، وكأنَّ كلَّ خطوة يبتعد بها يخلع جزءًا من قلبه، ثم نهض من الفراش بوجهٍ مثقلٍ بالغيوم، التقط علبة سجائره وتحرَّك إلى الشرفة، يصفع قلبه الضعيف، نعم أمامها تسقط حصونه بالكامل بعد وعوده لنفسه
اعتدلت تجمع خصلاتها بعصبية، وعيناها تتبعه في صمتٍ ثقيل، لا يقطعه سوى أنفاسها الناعمة وهي تراقب احتراق سجائره كما لو كان يحرق ما تبقَّى بينهما..ضمَّت ركبتيها إلى صدرها وتراجعت تستندُ على ظهر الفراش، وهي تدرك أنَّ القادم معه لن يكون يسيرًا، وأنَّ خطأها قد جعله يزن افعاله ألف مرة قبل أن يمنحها الغفران. كانت ترى في عينيه معركةً ضاريةً بين قلبٍ يصرخ بها وعقلٍ يكمِّمه.
سحبت قميصه وارتدته، نزلت من الفراش بخطواتٍ حذرة نحو الشرفة، توقَّفت خلفه لحظة وكأنَّها تبحث عن شجاعة للمسه، ثم تقدَّمت حتى صارت بجواره..
– ما قولتش مين كان بيتِّصل؟
استدار إليها ببطء، رمقها بنظرةٍ صامتة قبل أن يعود لينفث دخان سيجارته كأنَّه يطرد معها مايعجز عن قوله.
اقتربت حتى التصقت به، وذراعاها تحاصر جسده محاولةً التسلُّل إلى دفئه:
– أنا حاسة بيك، وعارفة قدِّ إيه بتعاني بسببي، بس أنا مش هغصبك تكمِّل معايا، لو…
استدار إليها فجأة، قبض على ذراعها وجذبها بقوَّة إليه، ونطق بصوتٍ حادٍّ و
عينيه ترتجفان:
– مش عايز أسمع صوتك علشان
ماتزعليش..اللي حصل حصل، ولو خايفة عليَّا بجد، بلاش كلامك الِّلي بيحسِّسني إنِّي راجل بلا كرامة.
هزَّت رأسها سريعًا، والدموع تتسابق على وجنتيها:
– لا، مقصدش..أنا عند وعدي، مستعدة أضحِّي بكلِّ حاجة علشانك.
– اسكتي ياميرال، لأنِّك مابتضحيش إلَّا بيَّا أنا.
رفعت أناملها المرتجفة على شفتيه:
– ولا عمري فكَّرت كده..الِّلي عرفته إنِّي ماكنتش حاسة بنفسي، إلياس… سامحني، وحياة ميرال عندك، وحياة الحبِّ اللي لسه في قلبك…سامحني.
أشاح بوجهه ولوَّح بيده، وعينيه معلَّقتين بالفراغ أمامه:
– أنا بحاول…مش منتظر منِّك تطلبي، بحاول أدوس على كرامتي وأسـامح، بس خايف أصحى على كابوس أبشع من الِّلي فات.
انكسرت أمامه، تعلَّقت بعنقه وأغرقت شفتيه بقبلاتٍ دامعة:
– خلاص…اتأكِّدت إنِّي من غيرك بضيع، أنا من غيرك ضعت..حبيبي مقدرش أعيش بعيد عنَّك.
رفعت كفَّيها على وجنتيه ثم قبَّلته وتعلَّقت عينيها بعينيه:
-لو حاسس إنِّي بضحِّي بيك ومبحبكش ارميني.
أزال دموعها العالقة بوجنتيها..وهناك حرب شعواء دامية، يريد ولا يريد، كلمات الطبيب ترنو باذنه، وكرامته عقله يصفعه بها ..ولكن كيف للعقل التحكم في القلب..افلتت شهقة باكية بعدما وجدت عيناه الباردة بالنظرات
رفع ذقنها وحاوطها بنظراته
ياالله…كيف له أن يحتمل دموعها وهي تتساقط على قلبه فتحرقه؟..
أحاطها بذراعيه، جذبها إلى حصونه المنيعة محاولًا كبت صراعه:
– إنتي روحي…عايزة أكتر من كده؟
رفعت عينيها الباكيتين وابتسمت من بين دموعها:
–بجد ...!!
-بعد اللي حصل بينا امبارح لسة عندك شك
رفعت كفيه تضعه على وجنتيها تقبله، وهمست:
- وإنتَ حياتي…وروحي…وكلِّ حاجة عند ميرال.
مرَّر أنامله على وجهها، وعيناه تلمعان بعشقٍ عصيٍّ على الانطفاء:
– طيب…على فكرة أنا جايبك شهر عسل..في عروسة تبكي في شهر عسلها ومعاها راجل زيي؟
ضحكت بين دموعها:
-بحبَّك أوي، ومهما يحصل بينَّا هفضل أحبَّك.
نزل برأسه لمستواها:
-تفتكري مين بيحبِّ مين أكتر ياأمِّ يوسف؟.
أفلتت ضحكةً من بين دموعها ثم التفَّت حول عنقه وقبَّلته عدَّة قبلات:
-هتغرّ أوي لو أبو يوسف بيحبِّني أكتر..
حرَّكت أناملها على شفتيه وتابعت حديثها:
-بس أمِّ يوسف عندها عشق كبير أوي محوشاه بقالها سنين، ونفسها تقول له، انحنى إليها ورفعها بين ذراعيه:
-وأنا فاضي ومش ورايا حاجة، عايز أسمع وبعد كدا أقيِّم.
-تسمع إيه؟..نظر لجسدها الصغير بين ذراعيه:
-قصة العشق اللي محوِّشاه، حبيبك كان في صحراء ومحتاج اللي يبلِّ ريقه..ضحكت بنعومة فاستدار ليكتب معها فصلًا جديدًا من قصَّة غرامه التي لم يبح بها كاملةً بعد.
بمنزل إسحاق..
دلف بخطواتٍ هادئة إلى غرفة نجله الأكبر، كأنَّه يخشى أن يوقظه من أحلامه..اقترب من الفراش، وجلس على طرفه يتأمَّل ملامح وجهه النائم، فارتسمت على ثغره ابتسامةً دافئة حين تسلَّلت إلى ذاكرته صور طفولة أرسلان، ضحكاته، وعينيه حين كان يركض نحوه بأذرعٍ صغيرة..مدَّ يده يمرِّر أصابعه على خصلاته بلمسة أبٍ، ثم همس قرب أذنه:
– حمزة، قوم حبيبي…يلَّا الساعة تمانية، عندك سومينج.
رفرف جفنيه ببطء، فتح عينيه متثاقلًا، ثم اعتدل فجأةً حين رأى والده:
– بابا…حضرتك اللي بتصحِّيني؟.
ابتسم إسحاق وربت على رأسه مداعبًا:
– إيه، كبرت على أبوك ومش عايزني أصحِّيك؟
هزَّ حمزة رأسه بالنفي:
– أبدًا حبيبي…بس دي أوَّل مرَّة من زمان
انحنى اسحاق وقبَّل وجنته:
– آسف يابابا، كنت مشغول…لكن طبعًا أنا مخلِّف راجل بيعرف يحكم..
– طبعًا يابابا، ربِّنا يبارك لنا في حضرتك.
نهض إسحاق وأشار له:
– قوم نفطر مع بعض قبل ماتنزل النادي.
استدار ليغادر، لكن خطاه توقَّفت عند الباب، فعاد بنظره إلى ابنه:
– حمزة، إنتَ مواظب على صلاتك ولَّا لأ؟
خفض رأسه هامسًا:
– بصلِّي يابابا…بس ساعات بتفوتني صلوات غصب عنِّي.
عاد إسحاق إليه بخطوةٍ ثابتة، ووقف أمامه صامتًا للحظات، ثم قال بصوتٍ هادئٍ لكنَّه نافذ:
– ينفع تنسى تنزل النادي، أو تكلِّم صحابك، أو تمسك تليفونك؟
– بابا…أنا أصلي.
رفع إصبعه إشارةً للتوقُّف:
– أنا مش هقولَّك غير حاجة واحدة… بين المسلم والكافر الصلاة ياابنِ إسحاق..إنتَ كبير وفاهم كلامي… قدَّامك طريق للجنَّة وطريق للنَّار.. عقلك وقلبك همَّا اللي هيختاروا، مش أنا ولا مامتك..أنا عليَّا أنصحك، لكن مش هضربك وأقولَّك صلِّي…إنتَ مش صغير.
نهض حمزة واقترب منه، وعيناه تعكسان وعدًا:
– وأنا بوعدك يابابا، مش هقصَّر في ديني.
سحب رأسه وقبَّله بحنان:
– ربِّنا يهديك ياحبيبي.
تحرَّك إسحاق للخارج، فإذا بعمران يقابله:
– صباح الخير ياداد.
– صباح الخير يا حبيبي…صحيت إمتى؟
– لسه من شوية، يادوب صلِّيت بس.
ابتسم إسحاق بفخر، حاوط كتفيه وسار به نحو طاولة الطعام:
– تعالَ، احكي لي عملت إيه في اليومين اللي غبت فيهم.
جلسا معًا، وإسحاق ينصت لكلِّ كلمةٍ تخرج من فم صغيره باهتمام لا يشغله عنه شيء، حتى دخلت دينا وهي تقول:
– حبيبي، هتشرب القهوة هنا ولَّا في المكتب؟
– لا، مش هنزل الشغل النهاردة… هنزل مع الولاد النادي، ونرجع على فاروق نتغدا معاه.
أومأت بتفهُّم، وأشارت إلى الخادمة:
– هاتي الفطار.
ثم نظرت لزوجها:
– هروح النهاردة لأرسلان، أقضي اليوم معاه ومع صفية.
– تمام.
وضعت الطعام أمامه وأمام طفلهما، ثم تمتمت وهي تتأمَّل ملامحه:
– بقولَّك، ماتحاول تصلَّح علاقة فاروق بصفية؟..صعبانة عليَّ أوي.
رفع إسحاق نظره إلى ابنه، ثم إليها وهو يقول بهدوءٍ قاطع:
– حبيبتي، عايزين نفطر.
أومأت، وابتلعت كلماتها بصمت..
وصل حمزة إلى المائدة، ألقى تحية الصباح بصوتٍ هادئٍ وجلس في مكانه المعتاد..رفع عينيه نحو والده وهو يتمتم:
– بابا، حضرتك مش ناوي تركَّبني عربية بقى؟
ارتشف إسحاق من فنجان قهوته، ثم وضعه على الطاولة، وألقى عليه نظرة تلتقط ملامحه كما لو كان يقرأ ماوراء كلماته:
– لمَّا تخلَّص الثانوية ياحمزة… مينفعشِ تركب في السنِّ ده.
اعترض حمزة بابتسامةٍ متردِّدة:
– بس يابابا…صحابي بيركبوا عربيات.
أجاب إسحاق بثبات:
– أنا قلت إيه؟…إنتَ مش طفل علشان أقعد أقنعك، لكنَّك برضه مش مؤهَّل حاليًا..العربية مش لعبة…الأهم عندي مذاكرتك..وحط في بالك، أنا مش هدخَّلك كلية إلَّا لو كنت تستحقها، حتى لو هيَّ نفس الكلية اللي نفسك فيها…الأهم تكون قادر على مكانك، مش بس موجود فيه..تمام ياحبيبي؟
أومأ حمزة بخضوع:
– حاضر يابابا…بس عايزك تثق في ابنك.
ابتسم إسحاق بهدوء وهو يميل قليلًا نحوه:
– وأنا واثق ياحمزة…لكن لازم تفهم وجهة نظري.
– شكرًا لحضرتك.
قطع رنين الهاتف لحظة حديثهم، فأشار إسحاق:
– كمِّلوا فطاركم، هنزل معاكم النادي.
هتف عمران ضاحكًا:
– أيوة بقى…إسحاق باشا هينوَّر النادي.
ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغر اسحاق وهو ينهض مجيبًا على هاتفه:
– أيوة…
صمت يستمع للطرف الآخر، ثم شدَّد نبرته:
– ساعة وأكون عندك…وعايز مسح كاميرات كامل.
بفيلا السيوفي…
كانت فريدة تقف بالمطبخ، تُشرف على إعداد الإفطار، والخادمة بجوارها تتلقى الأوامر في صمت..دلفت ملك بخطواتٍ متردِّدة، تُلقي تحية الصباح بصوتٍ بدا أضعف من المعتاد:
صباح الخير ياماما فريدة.
التفتت إليها فريدة مبتسمة:
صباح النور ياحبيبتي.
اقتربت ملك من الخادمة وأشارت إلى فنجان القهوة:
اعملي قهوة لإسلام ياهدى.
أومأت الخادمة:
- عنيَّا يامدام ملك.
سحبتها فريدة برفق نحو طاولة المطبخ، وأشارت لها بالجلوس، وهي تتمعن في ملامحها المرتبكة:
فيه حاجة يابنتي، مالك واقفة كده ووشِّك مش طبيعي؟.
ابتلعت ملك ريقها بصعوبة، وحمحمت قبل أن تنطق بصوتٍ منخفض:
- ماما…أنا حامل.
اتَّسعت عينا فريدة، وارتسمت على وجهها فرحة عارمة، وضمَّت كفَّيها بحنانِ الأم:
ألف مبروك يابنتي..طب إيه مالك خايفة كده ليه؟
جزَّت ملك على شفتيها، وأطرقت رأسها خجلاً:
- ماما…أنا و إسلام كنَّا عايزين نأجِّل لحدِّ ماأخلَّص الدكتوراه، وأنا باخد المانع بانتظام…معرفش إزاي حصل الحمل.
ضمَّت فريدة وجهها بين كفَّيها، تحدِّق في عينيها بثبات:
علشان ده رزق من ربِّنا…جه في وقته ومينفعش يتأجِّل ياحبيبتي، افرحي بالبيبي وفرَّحي جوزك، إسلام كان خايف عليكي من التعب، بس خلاص… ربِّنا أمر، يبقى نحمده ونشكره.
فركت ملك كفَّيها بتوتر، وارتجفت شفتاها:
- بس أنا مش جاهزة للأطفال دلوقتي، عايزة أخلَّص رسالتي…وبعدها أفكَّر.
تنهَّدت فريدة، وحاولت أن لا تدعها لضعفٍ يهزُّها، فأحاطت كفَّيها بين راحتيها:
أنا فاهمة كلِّ ده ياملك…بس مش فكَّرتي إزاي رغم المانع، ربِّنا أراد يكون عندك طفل؟
رفعت ملك عينيها بارتباك، وكأنَّها لا تجد ردًّا، فأكملت فريدة:
اعرفي يابنتي…الطفل ده قدر، ومحدش يعرف الخير اللي جاي وراه.. احمدي ربِّنا عليه، وادعي إنُّه يكمِّلك على خير.
هزَّت ملك رأسها بتردُّد، وعيناها تهربانِ من مواجهتها:
بس أنا مش هقدر ياماما…أو بمعنى أصح، أنا مش في وقت يسمحلي أكون أم.
ابتسمت فريدة برفق، رغم وخز القلق في قلبها:
ملك…ده لو كان الحمل محصلش، لكن دلوقتي إنتي حامل…يعني لازم ترضي بنصيبك، وتفهمي إنُّه خير.
حلَّ الصمت بالمكان حتى قطعته الخادمة بدخولها وهي تحمل فنجان القهوة:
- مدام ملك…القهوة جاهزة، هطَّلعيها ولَّا أطلَّعها أنا للباشمهندس؟
ربتت فريدة على كتفها برفق، وأشارت نحو الفنجان:
- طلَّعي قهوة جوزك، وفكَّري في كلامي…ربِّ الخير لا يأتي إلَّا بالخير.
نهضت ملك وهي تحمل الأكواب بخطواتٍ متثاقلة، شاردةَ الفكر، ثم صعدت إلى الطابق العلوي..
في الأعلى..كان إسلام يقف أمام المرآة، يسرِّح خصلات شعره بعناية..دلفت تحمل القهوة، تتحرَّك بخطواتٍ تحاول أن تبدو واثقة..
التفت إليها مبتسمًا:
أنا كنت نازل حبيبتي…مكنش له داعي.. المهم، هتأخَّر النهاردة في الجامعة، يبقى اتغدي مع ماما وبابا.
اقترب منها وطبع قبلةً سريعةً فوق رأسها..لاحظ شرودها، فرفع ذقنها برفقٍ وتمعَّن في ملامحها:
- مالك ياملك، سرحانة في إيه؟
- آه…لا، مفيش، بس افتكرت حاجة.
ابتسم وقبَّلها سريعًا، ثم غمز وهو يضغط على خصرها:
متفكَّريش غير فيَّا وبس ياملاكي.. المهم، لازم أتحرَّك…عندي محاضرة بعد ساعة إلَّا ربع والطريق زحمة، هشرب القهوة في العربية.
مدَّ يده ليأخذ كوبه، لكنَّه توقف حين سمعها تقول:
إسلام…عايزة أخرج النهاردة، مشفتش بابا وتيتا من زمان، آخر مرَّة كنت عند أرسلان وماما صفية، عايزة أزور بابا.
عاد إليها، يمرِّر أصابعه في خصلاتها بحنان:
تستني لمَّا أرجع نروح سوا، ولَّا عايزة تروحي لوحدك؟
- لا، لا ياحبيبي، متعطلش نفسك…أنا هزروهم وأقضي اليوم عندهم، وإنتَ لمَّا تخلَّص تعالَ خدني.
تمام، وقت ماتخلَّصي كلِّميني وأنا أعدِّي عليكي.
ثم أشار إلى وجنته بابتسامةٍ مشاكسة:
- أنا ماشي…مفيش وداع؟
اقتربت منه لتطبع قبلةً على وجنته، لكنَّه جذبها إلى أحضانه، يخطف ثغرها بقبلةٍ عميقةٍ قبل أن يتراجع مبتسمًا:
تصبيرة لمَّا أرجع.
غادر بخطواتٍ واثقة، بينما جلست هي على طرف السرير، عقلها يتخبَّط في دوَّامةٍ من الأفكار… "ماذا سأفعل بحياتي القادمة؟". فجأة، تذكَّرت أمرًا، فهرولت إلى الأسفل، لتجده واقفًا يودِّع والدته..حاولت أن تسرع قبل أن تتحدَّث فريدة، لكن إسلام كان قد غادر بالفعل.
اقتربت من فريدة، تلتقطُ أنفاسها:
ماما فريدة…إنتي قولتي حاجة لإسلام؟..
صمتت فريدة تراقب خوفها، فهزَّت رأسها بالنفي دون حديث، اقتربت ملك قائلة:
-ممكن ماتقوليش حاجة عن الحمل، لحدِّ ماأشوف هعمل إيه، وبعد كده أخبَّر إسلام.
أومأت فريدة برأسها، وطالعتها بنظرةٍ متفهِّمة لكنَّها مشوبةٌ بالتحذير:
دي حياتك يابنتي، وأنا مليش أدخل فيها…ربِّنا يسعدكم، بس وإنتي بتشوفي هتعملي إيه، أوعي تفكَّري تغضبي ربِّنا ياملك، افتكري…في ناس بتدفع ألوفات علشان ضفر عيِّل،
يابنتي.
بعد فترة وصل مصطفى إلى فريدة الشاردة، اقترب منها بهدوء، وربت على كتفها بحنان:
– صباح الخير يافريدة.
رفعت رأسها نحوه، وعلى شفتيها ابتسامة واهنة :
– صباح الخير يامصطفى.
جلس بجوارها، يلتقط بنظراته ملامحها المرهقة، وكأنَّه يقرأ
ماتخفيه:
– مالِك يا أمِّ إلياس…فيه حاجة ولَّا إيه؟
تراجعت قليلًا، وأسندت رأسها إلى كتفه، وعينيها تهيمانِ على الحديقة الممتدَّة أمامهما:
– مفيش ياحبيبي…بس قلبي مش مطمِّن، قلقانة اوي على ميرال.
حاوط جسدها بذراعيه، وطبع قبلةً دافئة على جبينها، ثم مال برأسه:
– طيب اللي يفرَّحك ها، هتعملي إيه بقى لو قلتلك خبر حلو؟.
رفعت رأسها نحوه بسرعة، كأنَّها تتشبَّث بأي خيط أمل:
– كلِّمت إلياس؟.
ابتسم، وسحب رأسها برفقٍ إلى كتفه من جديد:
– أيوه..لسه قافل معاه قبل ماأنزل..
اعتدلت فجأة، وعينيها تبحثُ عن طمأنينة لقلبها، فارتسمت على وجهه ضحكةً دافئة وهو يمدُّ أصابعه يداعب خصلاتها التي تسلَّلت إليها خطوط الفضة:
– كلُّه تمام…متقلقيش، الخطَّة ماشية زي مارسمنا بالضبط.
ارتجفت شفتاها بابتسامةٍ خافتة:
– يعني..يعني إلياس سامحها، هيرجع يعاملها زي الأوَّل؟
توقَّفت لحظة، كأنَّ قلبها يخشى الإجابة، قبل أن تكمل بصوتٍ متهدِّج:
– ولَّا هيبقى زي ماهو…قلبه مقفول؟.
اقترب منها أكثر، وقبّل جبينها مرَّةً أخرى بينما الدموعُ تنساب على وجنتيها:
– فريدة…إنتي مش واثقة في جوزك ولَّا إيه؟
هزَّت رأسها وهي تحبس شهقة:
– أنا مش واثقة في تقلُّبات ابني… وعارفة كويس إنُّه مش هيسامح بسهولة، ولا هيرجع يعاملها كزوجة تاني، هوَّ أنا اللي هقولَّك على شخصية إلياس..
احتضن وجهها بيديه ومسح دموعها، وصوته يقطر حنانًا:
– بس دا مش مع مصطفى..أنا وعدتك، زي مافرَّقتهم، هجمَّعهم تاني.
أشاحت ببصرها، تحاول حبس شهقاتها:
– خايفة…خايفة يعرف يامصطفى، وقتها مش هيسامحني أنا كمان..
ضمَّها إلى صدره، يُربت على ظهرها بحنان:
– مش قلتلك متخافيش؟ أنا عارف بعمل إيه…ولسه مفكَّر إنِّي ماعرفش الدكتور اللي اتعامل معاه..ابنك مش عايز حد يعرف حاجة عن حالة مراته، وأنا احترمت خصوصيته، لكن برضه كان لازم أستعمل دوري كأب.
رمقته بعينيها المبلَّلتين:
– تفتكر…اقتنع بكلام الدكتور؟
أومأ بثقة:
– أيوه، بدليل إنُّه سافر بيها دلوقتي.
زفرت ببطء، لكن الخوف مازال يتسلَّل إلى قلبها:
– يارب…يارب مايعرف إنِّنا السبب في سفره..لو الدكتور غلط، مش هيكون خير أبدًا.
قهقه مصطفى بخفَّة، يحاول انتشالها من قاع قلقها:
– فريدة…سيبيها على الله، وبطَّلي تشاؤم.
هزَّت رأسها والقلق يزحف على ملامحها ببطء، يُثقل كتفيها ويجعل عينيها غائرتين..قطب مصطفى حاجبيه وهو يراها غارقةً في مخاوفها، واقترب أكثر:
– ليه بتحسِّسيني إنُّه هيدبحنا إحنا وبعدين تعالي هنا، ابنك ممكن يعمل حاجة من غير مايكون مقتنع بيها؟!.. متخافيش…الدكتور أوَّلاً كلامه في نطاق شغله، وميرال فعلاً محتاجة تبعد وهوَّ يقرَّب منها..لازم الحاجز ينكسر، ومكنش هيعمل دا من غير الدكتور ومحاولة إقناعه بكدا.
رفع ذقنها برفق، وطالعها بعينين ثابتتين:
– حبيبتي…متقلقيش، حتى لو عرف أنا طلبت من الدكتور كدا، هوَّ أصلاً كان لازم يعمل كدا، متنسيش الأهم إنُّه لسه بيحبَّها، لكن زي ماقولتي كرامته مجروحة، وعلشان كدا الدكتور أقنعه إنُّه طول ماهوَّ بعيد عنها، حالتها ممكن تسوء…أو حتى تقتل نفسها، أو ترجع للدوا تاني، ودا اللي حاولت تعمله فعلاً قريب..إحنا ماعملناش حاجة من فراغ..كلِّ الموضوع إنِّ كلام الدكتور كان أكثر إقناع منِّي..علشان كدا ماحاولتش أدخل أو أظهر له حاجة…حتى ماسألتوش ليه غيَّر الدكتور.
سحبت نفسًا عميقًا وزفرته ببطء، وكأنَّ الهواء كان يخنقها قبل أن يتحرَّر من صدرها:
– دلوقتي أهمِّ حاجة عندي…إنُّه فعلًا يكون خد مراته في حضنه وحسَّسها بالأمان..ميرال حياتها في إلياس، وطول ماهوَّ بيعاملها كغريبة عنُّه… هتتعب، إنتَ ماشفتهاش ولا سمعتها وهيَّ بتحكي..أنا فعلاً مرعوبة من فكرة إنَّها تئذي نفسها..ميرال بنتي
يامصطفى…وماصدَّقت إنَّها رجعتلي تاني، أنا متأكدة إنِّ إلياس بيحبَّها… وكتير كمان، بس هوَّ بيصارع نفسه، وصراعه دا ممكن يقضي عليهم همَّا الاتنين.
أومأ مصطفى بتأكيد، وعينيه تلمعُ بالألم:
– دي حقيقة للأسف…بس هوَّ معذور يافريدة.
– عارفة…ومن حقُّه يطلَّقها كمان..
بس أنا ماأقدرش أقف وأتفرَّج على حياته وهيَّ بتضيع، أنا متأكدة إنُّه مش هيقدر يعيش بعيد عنها..وممكن يحوِّل حياتهم لجحيم بس من فكرة إنَّها مش ملكه، لأنُّه مضطر لكدا..
عرفت ليه طلبت منَّك تساعده؟.
زفر مصطفى تنهيدةً عميقة، كأنَّها تحمل كلَّ مافي قلبه من إدراك لحقيقة كلامها، ثم قال:
– بس أنا متأكد إنُّه هيحميها من نفسه قبل أي حاجة، الراجل لمَّا بيحبِّ قوي…ممكن يدوس أي حد علشان حبيبته، متخافيش..أنا واثق في ابني.
همست بصوتٍ مرتجف:
– يارب يامصطفى…ربِّنا يهديك يابني… يارب.
نهض من مكانه وسحب كفَّها بحنان:
– تعالي نفطر…وبعدين نتمشَّى شوية في الجنينة.
بمنزل يزن…
خرجت رحيل من غرفتها متَّجهةً إلى غرفة أولادها، وصوتها يعلو :
– آسر، يلَّا ياحبيبي علشان الباص… هنتأخَّر..
تحرَّك آسر بتكاسل، يجرُّ قدميهِ ويحمل حقيبتهِ على كتفه:
– يارب ياماما المدرسة تموت…هيَّ مش راضية تخلص ليه؟
ضحكت رحيل وهي تقرص وجنتيه:
– إنتَ لسه شوفت إيه يابتاع موت المدرسة إنتَ…يلَّا علشان نفطر مع بابي قبل الباص.
تحرَّكت إلى غرفة ابنتها، طرقت الباب بخفَّة:
– رولين، يلَّا ياقلبي، أنا خلَّصت كلِّ حاجة…
خرجت الصغيرة وهي تجمع خصلاتها على كتفها، لكن أوقفتها رحيل بنبرةٍ حادَّة:
– وبعدين يارولا، إحنا قولنا إيه، ليه فردتي شعرك كده، عايزة بابي يزعل على الصبح؟..
تأفَّفت رولا، تنفخ وجنتيها بضجر:
– مامي، صحابي كلُّهم بيفردوا شعرهم…وبعدين مفكَّرين شعري وحش، مع إنِّي أحسن شعر فيهم.
ابتسمت رحيل، قبَّلت رأسها وأمسكت فيونكة الشعر، تجمعهُ بحزم:
– مالناش دعوة بحد…وبعدين إحنا رايحين نتعلِّم ياقلبي، مش نعمل مزاد على الشعر..أنا بحذَّرك لآخر مرَّة، لو شفت شعرك كده…صدَّقيني هقصُّه، ومش هيفرق معايا حتى لو باباكي زعل..فهماني؟..بابي نفسه حذَّرك، وأنا عارفة إنُّكم متَّفقين قدَّامي..شعرك يتفرد في حفلة أوكي، في البيت أوكي… إنَّما المدرسة لأ.
– حاضر يامامي.
حملت حقيبتها وتوجَّهت للخارج، لتجد يزن يجلس على المائدة، يقرأ جريدته ويرتشف قهوته في هدوءِ الصباح.
– صباح الخير يابابي…قالتها وهي تنحني لتقبِّله على وجنته..
ابتسم:
– صباح الخير ياروح بابي، أميرة بابي مالها زعلانة ليه؟.
لم تجبه رحيل، قاطعهم صوت الحارس معلنًا قدوم الباص..أسرع الطفلان إلى الخارج، ولوَّحوا بأيديهم.. صرخ أسر قبل أن يخرج:
– بابا، ماتنساش وعدك…النهاردة هتودِّيني عند عمتو وعمُّو معاذ.
– أوكي ياحبيبي…يوم دراسي سعيد
ياحبايب بابي.
وقفت رحيل تتابعهم حتى صعدوا، ثم عادت تسحب مقعدها بقوَّة، تنفخ بضيق..
– مالك ياحبيبتي، مين مزعَّلك؟.
– يزن، لو سمحت، بنتك رولا مش عاجبني حالها…كلِّ ماتكبر عايزة قراراتها هيَّ اللي تمشي، وحضرتك كلِّ اللي يهمَّك زعلها وبس.
ابتسم، وضمَّ رأسها إلى صدره بحنان:
– أقدر أقول دي غيرة من بنتك ولَّا إيه؟
– يزن، مش وقت هزار…البنت لازم نعلِّمها حاجات مفيدة.
صمت يستمع لها حتى أنهت كلامها:
– البنت لسه صغيرة يارحيل…وبعدين أنا عارف بعمل إيه..أنا مربِّي قبلها اتنين، يعني مش هعرف أربِّي ولادي؟
أمسكت كفِّه، تحدِّق في وجهه بجديَّة:
– حبيبي، كلِّ جيل وله وضعه…وإنتَ شايف اللي بيحصل في المدارس.. البنت لسه ماكمِّلتش عشر سنين وبتعرف ترقص، يامصيبتي…دا أنا
ماعملتهاش وأنا كبيرة..
5
قهقه يزن، وداعبها بغمزة:
– شوفتي أنا مظلوم إزاي؟
– شوف أنا بقول إيه وإنتَ بتقول إيه!..
– طيب، على فكرة اللي بقوله دا في صلب الموضوع…ولازم أقاضيكي، إزاي تضحكي عليَّا ولحدِّ دلوقتي مابترقصيش؟.
ارتبكت نظراتها:
– إنتَ بتتكلِّم جد؟!.
نهض فجأة، سحب كفَّيها:
– هوَّ فيه جد أحلى من كده، يعني متحمِّل وساكت…لا تلييف بتعرفي، ولا رقص…حتى كلام الحبِّ باخده منِّك بالقطَّارة..أنا مظلوم في الجوازة دي.
– هتقول إيه يابتاع الليفة غير كده؟ الجواز عندك ليفة وحزام وسط..
ارتفعت ضحكاته، فجذبها نحوه حتى سقطت فوقه، حاوطها بذراعه:
– عايز حقِّي اللي هدرتيه يابنت العامري…عندك حلِّين، تدخلي تدِّيني تلييف ومسَّاج لظهري، ولَّا بدلة رقص من اللي بشوفهم في شوارع المحروسة…نفسي أشوفها عليكي.
– ياااه…إنتَ مش طبيعي.
حاولت الإفلات من قبضته حين رنَّ هاتفه، فاعتدل فجأة:
– أيوه ياطارق؟
– الحق يايزن…مالك اللي شغَّال مع إلياس وصل لرؤى.
هبَّ واقفًا، وخطف مفاتيحه، وانطلق إلى الخارج دون أن يلتفتَ ورائه..
بروسيا عند إلياس وميرال
وقفت أمام البحر، تحدِّق في أمواجه الثائرة، وكفَّاها تحتضنانِ كوب قهوتها الدافئ..تبسَّمت وهي تضغط على شفتيها، وقد ارتسمت الفرحة على ملامحها التي استعادت بهاءها، وكأنَّها عادت فتاة السابعة عشرة، حين كان جنونه بها يخرج عن كلِّ مألوف..
حدَّثت نفسها بصوتِ قلبها:
"أهذا إلياس الذي تزوجته؟..نعم، لقد تغيَّر…
تغيَّر كثيرًا."
أغمضت عينيها، فارتسمت على وجهها ابتسامة أحيت كلَّ مابهت فيه، وخرجت من أعماقها آه دافئة، كأنَّها نفَسُ حبٍّ عالقٍ منذ زمن.
لم تمضِ لحظات حتى شعرت بذراعينِ تحيطانِ جسدها من الخلف، وصوته يهمسُ عند أذنها:
بتعملي إيه؟
أسندت رأسها إلى صدره، وأشارت نحو الموج:
الموج بيفكَّرني بيك..فاكر لمَّا قلتلي إنَّك مابتحبش البحر علشان بيغدر؟.
أدارها إليه، وتعمَّقت نظراته في عينيها:
يعني أنا بغدر زي البحر؟
هزَّت رأسها نافية، وعادت تحدِّقُ في الأفق:
مش قصدي كدا..قصدي إنَّك على قدِّ هدوءك، بس وقت الغضب..بتكون زي ثورة البحر.
ابتسم وقد فهم ماترمي إليه، ثم سحب كفَّها نحو الشاطئ..جلس، وأجلسها بجواره، وعيونه معلَّقة بأمواجه..
قال وعينيهِ معلَّقة بأمواجِ البحر:
أنا مابغضبشِ من الشخص اللي ماشي صح…والبحر عمره مابيغدر بالواقف على الشط.
تأمَّلته ميرال لحظة، ثم سألت بنبرةٍ حائرة:
مش فاهمة قصدك ياإلياس..إيه اللي بيحصل؟.
رفعت بصرها إليه، تساءلت بهدوءٍ يشوبه القلق:
الدكتور قالَّك إيه، إيه اللي خلَّاك تسفَّرني بالطريقة دي، وتقرَّب منِّي وتعمل حاجات عكس شخصيِّتك؟
أومأ برأسه عدَّة مرَّات، وأبعد نظره عن عينيها..كان يعلم أنَّها ستواجهه، ويعلم أنَّها سوف تستفسرُ الأمور على طريقتها.
مدَّت يدها، وأدارت وجههِ نحوها، وغاصت بنظراتها في عينيه:
الدكتور قالَّك إيه ياإلياس، وليه بتحاول تعاملني كأنِّي طفلة لازم أقبل الأمر الواقع؟
إنتي مش بتقولي بتحبِّيني؟
إيه السؤال دا؟!.
أنا بسأل..ومش عايز سؤال مقابل سؤال..
ماإحنا لسه من ساعات اتكلِّمنا في دا.
يبقى متسأليش تاني.
صمتت تحدِّقُ به في تشتُّت، ثم همست باعتراض:
يعني إيه مش عايزني أعرف الدكتور قالَّك إيه؟.
أيوه..مالكيش حق تعرفي حاجة، حقِّك عندي إنِّك في حضني وبس، حقِّك أعاملك حبيبة قبل ماتكوني زوجة.
أدار عينيه نحوها، واستطرد:
حقِّك تعرفي إنِّي لسه بحبِّك رغم حاجات كتير غلط عملتيها..وزي ماقولتي من شوية، بعمل حاجات عكس شخصيِّتي، إنتي الِّلي حكمتي… وعقابي لازم تستحمليه.
تمام ياإلياس انا مستعدة اتحمل عقابك، وانا اللي طلبت منك دا، بس من حقِّي أعرف حالتي الصحية وصلت لإيه..آخر مرَّة الدكتور قال لسه شوية، وطبعًا حضرتك غيَّرت كلِّ دكاترتي علشان ماعرفش أوصل لحاجة.
طيب لمَّا إنتي ذكية وبتفهمي كدا… بتسألي ليه؟
بتحرق دمِّي..صح؟.
طالعها مذهولًا ثم قال:
شوف البت اللي كانت بتعيط من
شوية علشان اسامحها
-اعمل ايه ماهو انت صعب الواحد يتفاهم معاك
قهقه على غير عادته، ثم جذبها إلى حضنه:
مش يمكن بحب كدا ..أصل الهدوء دا مش لايق عليكي، بحسِّ فيكي حاجة غلط.
لكزته في جنبه بقوَّة، فابتعد عنها وهو يضحك، وضحكاته تتداخل مع صوت الموج..
أغمضت عينيها تحاول كبح غضبها، وكادت أن تصفعه:
إنتَ بتضحك على إيه؟ فرحان أوي بعصبيِّتي؟
سحبها فجأة فسقطت عليه، فتراجع بجسده على الرمال وهي فوقه…حاوطها بذراعيه، ومازالت ابتسامته تضيءُ وجهه:
هتصدَّقي لو قلت لك…وحشتني عصبيِّتك جدًّا..
طافت بعينيها على كلِّ تفاصيل وجهه.. رغم عودتها منذ فترة، ورغم ليلتهما الأخيرة المشتعلة، واقترابهما من بعض منذ قليل إلَّا أنَّها لم تنتبه لهذا التغيُّر في ملامحه..
مدَّت أناملها تمسحُ على وجهه، ثم همست:
شكلك اتغيَّر أوي.
ابتسمت عيناه، ونظر مباشرةً في عينيها:
- للأحسن ولَّا للأوحش؟.
وضعت رأسها على صدره، وعانقته..
لم يكن يهمُّها إن تغيَّرت ملامحه للأفضل أو للأسوأ، مادام قلبه ينبض باسمها، ومادامت عيناها تراه الرجل الأوحد في حياتها..لكن شيئًا ما في ملامحهِ كان مختلفًا، ربما تلك الدموع الخفية التي تختبئُ خلف ابتسامته، أو ذلك العمق الموجع في نظراته..ظلَّت تمشِّطُ وجههِ بأناملها، وتعلَّقت بعينيه:
- مش مهم للأحسن ولَّا للأوحش… المهمِّ إن قلبك بينبض باسمي، وعينيَّا شايفاك أحسن راجل في الدنيا.
اقترب منها أكثر، وضغط بذراعيه حولها وهمس بصوتٍ منخفض، ممزوجًا بحشرجةٍ مكتومة:
احكي لي..من أوَّل ماخرجتي من هنا..
أنا عايز أعرف كلِّ حاجة.
رفعت رأسها إليه، وعينيها خليطًا من التحدِّي والحذر:
ماأنا قلت لك كلِّ حاجة.
أبعد خصلةَ شعرٍ عن وجهها، وعيناه لا تفارق عينيها:
عايز أعرف كلِّ حاجة بجد..ليه سافرتي إسكندرية، ليه غيَّرتي اسم البنت، إزاي اشتغلتي في مدرسة يوسف، وليه كنتي بتيجي عند الشركة وأنا شوفتك أكتر من مرَّة؟..
ارتجف صدرها وهي تحاول أن تعتدل، لكن الألم تسلَّل إلى ملامحها، فأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تبدأ الحكاية…
كانت كلماتها تخرج ببطء، تفيض بالمرارة، وهي تروي له رحلتها منذ أن غادرت، وحتى ولادة شمس، ثم وقع الخبر الذي مزَّق قلبها…الصورة التي جمعته مع غادة واعتقادها بزواجه، ومكالمتها مع يزن.
يعني رجعتي من إسكندرية ومكنتيش بتتكلِّمي؟!.
أومأت برأسها، ونظرتها غارقةً في عينيه التي تجمَّعت بها الدموع:
مقدرتش أتحمِّل خبر جوازك من غادة…كنت حاسَّة الدنيا قفلت في وشِّي..فضلت فترة مش بنطق، لحدِّ مارحت للدكتور…كام جلسة وابتديت أتكلِّم، لكن حالتي النفسية انهارت بكلامه عنَّك…والباقي إنتَ عارفه.
رفع ذقنها برفق، ولمس وجنتيها بحنان:
-ليه شكِّيتي في حبِّي وخلَّاكي تفكَّري كدا؟.
-معرفش..عقلي كان مشوَّش، أو يمكن أنا اللي كنت عايزة أحط لك ذنب وخلاص.
ضمَّ رأسها إلى صدره:
-طيب اهدي، وانسي أي حاجة دلوقتي، عايز أسألك عن حاجة..
قالها وفي عينيه قلق مشوب بالغضب:
-نعيمة كانت تعرف الدكتور ده منين؟
- مكنتش تعرفه…دي كانت ممرضة عند دكتورة أنا رحت لها علشان..أنزِّل البيبي، سألتها عن دكتور نفسي كويس، قالتلي عليه.
مين الدكتورة دي؟
مش فاكرة اسمها…بس كانت كويسة، نصحتني أرجعلك وأحافظ على البيبي.
ارتسمت على وجهه نظرة اتِّهام حادَّة:
ليه وثقتي فيها بالشكلِ ده؟
علشان كانت طيبة أوي…أوَّل مادخلت بيتها شوفت بنتها حاضنة المصحف، حسّيت بأمان..المشكلة مش في نعيمة، أنا معرفش ليه الدكتور عمل كده…حتى عمُّو إسحاق قال هيعرف ويقول لي.
صمت لحظة، ثم سأل بصوتٍ غليظ:
ليه مارجعتيش بعد ماحسيتي إنِّك كويسة؟
خفضت رأسها، وهمست بتقطع:
كنت ناوية…لكن خوفت، خوفت أووي لمَّا تعرف تاخد ولادي وتدخَّلني مصحة، ورؤى زوِّدت خوفي…لمَّا قالت لي إنَّك اتجوِّزتها، ويوسف أكِّد لي كلامها، علشان كدا بعت لك الرسالة، بس جالي تاني يوم وقالِّي إنِّه كذب عليَّا في حاجة، وإنتَ كنت معرَّفه اللي يكذب بيروح النار..فرحت أوي وكنت راجعة وناوية أروح جلستي وأقول للدكتور أنا خلاص مش محتاجة علاج، كلِّ الِّلي عايزاه أوصلَّك وبس، وأفرَّحك بشمس..صمتت وارتعشت أنفاسها وهي تواصل:
فرحت شوية…لكن وأنا راجعة شوفت رانيا مع الراجل اللي قلت لك عليه، وعرضت عليَّا أطلع في برنامج وأقول إنَّك السبب في اللي حصل لي، ولمَّا رفضت هدِّدتني بيوسف…وفيك إنتَ،
وأكدت لي دا لمَّا رحت لعندك الشركة علشان أحذَّرك من الراجل دا، شوفته مرَّة عندك في الشركة..
بس همَّا حاولوا يموِّتوك قدَّامي..رفعت عينيها الباكية تهزُّ رأسها:
-أيوة همَّا اللي ضربوك، لأنُّهم قبلها بيوم كانوا عندي، وأكيد رانيا راقبتني، هيَّ حاولت تاخدني بالغصب، بس أهل الحارة طردوهم..بس هيَّ حاولت تردي لي القلم ورفضي ليها..
انكسرت دموعها وانفجرت شهقاتها، حاول أن يضمَّها لكنَّها دفنت وجهها في كفَّيها:
أنا كنت خفِّيت، والله كنت خفِّيت… بس لمَّا شوفتك غرقان في دمَّك، مالقيتش قدَّامي غير إنِّي أرجع آخذ الدوا تاني.
نظر إليها في ذهول:
جبتي الدوا منين؟!.
من الممرضة اللي كانت عند الدكتور..
صكَّ بأسنانه، وصوته ارتجف بالغضب:
ليه عملتي كده؟
كنت بكره نفسي…عايزة أختفي، رانيا كلِّ همَّها تدمَّرك، مافكَّرتش فيَّا.
ارتعش جسدها فجأة، وصوتها انخفض حتى كاد يضيع في هدير البحر:
الراجل ده نظراته بتخوِّف، قال لي كلام غريب…دين راجح عند ولاده، وبدأ بالبنتِ الطمَّاعة…بس ماكنتش أعرف إنِّ عنده بنت حلوة بالشكلِ ده.
سال الدمع من عينيها كالنهر، وأغمضت جفونها بقوَّة:
رحت للدكتور بعدها وقلت له…أنا بكره راجح ورانيا، وعايزة أموِّتهم من حياتي..
حالتي انهارت قدَّامه، وعرف إنِّي أخدت من الدوا تاني…آه اخدته ياإلياس، أخدته…واتمنِّيت بعدها أموت..وقتها أنِّبني كتير وقالي كلام جارح..وهدَّدني بيك كمان، قالِّي لو فضلتي كدا هقول لإسحاق يعرَّفك طريقي وتاخد منِّي شمس..
عدَّى شهر واحد بس ولقيتك قدَّامي، علشان كدا خوفت منَّك، فكَّرتك جاي تاخد منِّي شمس..
هزَّت رأسها وتابعت حديثها:
-إلياس، شمس اتظلمت جدًّا، دي ماتعرفش حاجة خالص، تخيَّل ماأخدتهاش في حضني غير لمَّا كمِّلت تلات سنين، كانت هند بتجبَّها وتقعد جنبي بيها وتقولَّها شوفتي ماما حلوة إزاي ياشموس، بس أنا كنت بتخانق معاها، كلِّ كلام الدكتور عنها يخلِّيني مش متحمِّلة أشوفها قدَّامي..
ارتجف جسدها بقوَّة، احتضنت نفسها وكلَّ ذكريات الماضي الأليم الأسود يخنقها:
-بنتي قدَّامي مش قادرة أخدها في حضني، مش قادرة أشمِّ ريحتها..تلات سنين مرار لحدِّ ماربِّنا بعتلي إسحاق..
رفعت عينيها إليه:
-عارف ربِّنا عاقبني..بس والله مكنش قصدي دا كلُّه، أنا كنت عايزة أبعد عنَّك وعن يوسف علشان أنتوا ترتاحوا، مكنتش أعرف هيقابلني ناس بالشكلِ دا..
اهدي خلاص ..كلُّه عدَّى، وحقِّك هرجَّعه..
الراجل دا عايز ينتقم منَّك، معرفش ليه، بس اللي فهمته أنُّه كان على علاقة براجح..
أومأ وحاول تغيير الحديث..فوقف يمدُّ يده بعدما شاهد قدوم اليخت:
-قومي غيَّري هدومك، هننزل البحر، هشوف اليخت وراجع لك تكوني جهِّزتي نفسك، واعملي حسابك ممكن نبات فيه..
أومأت له بعدما وقعت عيناها على اليخت وتحرَّكت للداخل، بينما هو اتَّجه إليه..
بمنزل أرسلان..
وقف أمام المرآة يمشِّط شعره، دلف إليه بلال يطلقُ صفيرًا:
-شكل اللعبة نجحت..يامعلم.
التفت إليه وضحك:
-أيوة كلَّمته من تلات ساعات وشوية عياط، وقالِّي جاي في الطريق.
دلف للداخل وعينيه على ابتسامة يوسف ثم قال:
-ماهو كلِّم أبويا ياناصح.
توقَّف عمَّا يفعله والتفت إليه سريعًا:
-عمُّو قالُّه إيه؟..ماهو شمس كانت تعبانة فعلًا.
حكَّ مؤخرة رأسه وقال:
-زي مالدكتور قالُّه، أكلت حاجة هيَّ اللي عملت فيها كدا، وطبعًا أختك لسانها طويل قالت يوسف شرَّبني عصير..
ألقى مابيده ثم قال:
-إنتَ قولت لي عايز تستخدم وظيفة أبوك، فكَّرني بس أبوك كان شغَّال إيه؟..
-تمرجي يابنِ إلياس..قالها أرسلان واقترب منه وملامحه تمتزج بالغضب..
لاحظ يوسف غضب عمِّه فقال:
-تصدَّق ضهري كان وجعني علشان كدا كنت بسأل بلال.
اقترب منه أرسلان وعينيه تنذر بالشر:
-تعال ياحبيبي أعملك مسَّاج ولَّا أقولَّك هديلك حقنة تخلِّيك تجري ألف عدَّة في الدقيقة.
-حقنة..حقنة إيه دي ياعمُّو؟!.
-حقنة شرجية ياحبيب عمَّك، يمكن تتلم.
جحظت عيناه يشير لنفسه:
-أنا حقنة شرجية!!.
-لا ياروح أبوك إنتَ حلوف وعايز تنضرب بالجزمة، إنتَ والحيوان اللي بيخطَّط معاك دا..
ثار غضبه واقترب منه..ارتفع صوت أرسلان يجلجل في أرجاء المكان، وعروقه بارزة في صدغيه:
- ممكن أعرف إيه التخلُّف اللي عملتوه دا؟! اتجنِّنتوا!.كنتوا هتضيَّعوا البنت
يامتخلِّفين..
ارتبك يوسف، يختلس نظرات حائرة نحو بلال:
– مش فاهم حاجة…حضرتك تقصد إيه؟
انقضَّ أرسلان، واشتدَّت قبضته على ذراع يوسف حتى ابيضَّت مفاصله:
– من إمتى وإنتَ غبي وغير مسؤول كدا يلا…
اندفعت غرام على وقع صوته الصارخ:
– أرسلان، اهدى…البنت بقت كويسة.
أشار بيده بعصبية نحو يوسف وبلال:
– إنتي عارفة عملوا إيه، دول كانوا هيموِّتوا البنت، سمَّموها!!.
هتف بلال، وجهه يشتعل دفاعًا:
– لا والله..دا بيعمل مغص بس…سألنا الصيدلي وقال مفهوش سلبيات..
داس يوسف بقدمه على الأرض بعنف، وهتف بصوتٍ يعلو بغضبٍ مكبوت:
- بتقول إيه يامتخلِّف..
ثم رفع عينيه نحو أرسلان، وأردف بملامح يكسوها ارتباك متعمَّد:
– مش فاهم قصدك ياعمُّو..
تبدَّل صوت أرسلان إلى حدَّة باردة:
– بلال…سبني إنتَ وماما مع ابنِ عمَّك شوية.
جلس يوسف أمامه، رأسه منكَّس، شعر بالاختناق وكأنَّ هواء التنفُّس ثقُل..لوهلة، ظلَّ الصمت سيِّد الموقف حتى انقطع بصوتِ يوسف المرتجف:
– أنا زعلان من بابا…مفكَّرش غير في نفسه وبس..إزاي يعمل كدا وهوَّ عارف قدِّ إيه عانيت بعد ماما!..
رفع نظره، واحتبست عيناه بدموعٍ ساخنة:
– عمُّو…أنا نسيت حضن الأم بيكون إزاي..أوَّل ماعرفت إنَّها عايشة، كلِّ تفكيري كان…إزاي هتاخدني في حضنها..إزاي هقبل واحدة تركتني بإرادتها ترجع تحضنِّي؟!
بلع ريقه، وكلماته تتساقط كسكاكين:
– متفكَّرش إنِّي طفل ومش فاهم..أنا عارف كان فيه مشكلة كبيرة بينهم، وهيَّ بعدت عنُّه وألِّفت موتها عشان ما يوصلش ليها…بس مافكَّرتش فيَّا!..
كانت بتفكَّر إزاي توجعه…من غير
ماتفكَّر في طفل كان كلِّ حلمه حضن أمُّه..
أطرق يوسف برأسه لحظةً بضعف، ثم تابع وصوته يختنق:
– متزعلش منِّي…عارف طنط غرام
ماقصرتش، ولا تيتا، ولا حتى خالتو اللي كانت واخداني سُلَّم عشان بابا..
بس حضن ماما..حاجة تانية، إزاي بعد ما دوَّقتني حنانها ترجع تعذِّبني بيه؟!..
انحنى بجسده قليلًا، وارتفعت أنفاسه تتسارع، محاولًا أن يفرغ ماظلَّ مخزَّنًا خمسة أعوامٍ من القهر والألم، من يسمعه يقسم أنَّه ليس طفلًا لم يبلغ من العمر خمسة عشر عامًا..
– ورغم كلِّ الوجع مقدرتش أشوفها قدَّامي وماأحضنهاش، آه..قابلتها كام يوم بطريقة وحشة، بس كنت بدخل عليها بالليل أشوفها نايمة، كلِّ مرَّة كان نفسي أصحِّيها وأقولَّها ليه حرمتيني من أقلِّ حقوقي..
ازدادت نبرة صوته انكسارًا:
– شوفتها يوم ماتعبت، طالعة من أوضة بابا وبتعيَّط..أوَّل مرَّة حسِّيت إنِّي عايز أصرخ في وشُّه وأقولُّه..سبهالي لو إنتَ مش عايزها…أنا عايز حضنها.
تنهَّد بمرارة، وابتسامة باهتة حاولت التسلُّل وسط الدموع:
– ميفكَّرش ابنه اللي بيزرع فيه القوَّة من سنين قوي..لا ياعمُّو أنا ضعيف.. بس قدَّامه بحسِّسه إنِّي قوي، عشان ما يندمش ويحسِّ بالتقصير.
خفض صوته حتى صار همسًا جريحًا:
– آه…هوَّ له الفضل الأكبر في شخصية يوسف…بس قبل مايبقى يوسف القوي اللي قدَّامك…كان طفل دفع طفولته تمن القوة دي، ولمَّا الأم تتخلى..بيبقى لسه في حنان؟..
تجمَّد أرسلان، الغضب والحزن والذهول يتصارعوا في صدره، وكلماته الصغيرة تنغرس في قلبه كسهامٍ لا تُنتزع..
بل كانت كلمات كالرصاص تخترق قلب أرسلان، وكلَّ طلقة فيها صوتُ أنين عمره خمسة عشر سنة محبوسة.
نهض أرسلان من مكانه وجلس بجواره يجذبه لأحضانه، هنا بكى يوسف بصوتٍ مرتفع كالطفل الذي فقد والديه، تركه يخرج كلَّ مافي قلبه..همس بصوته الباكي:
-أنا مش طالب حاجة من بابا غير شوية وقت معاها ياعمو، حتى لو هيَّ مابتحبِّنيش..
أخرجه أرسلان سريعًا وحاوط وجهه:
-حبيبي متقولش كدا تاني، مامتك بتحبَّك أكتر حاجة في الدنيا، فيه حاجات كتيرة إنتَ متعرفهاش، إنتَ لسة صغير ياحبيب عمَّك، بكرة لمَّا تكبر هتعرفها لوحدك.
-أنا مش عايز أعرف غير حاجة واحدة بس، هوَّ فيه أم بتحب أولادها تبعد عنهم؟..طيب بابا بيحبَّها جدًا، ليه عملت كدا، كلِّ ماأسألها تقولِّي بعدين..
أزال أرسلان دموعه ونظر مباشرةً في عينيه:
-يوسف أنتَ بتثق في بابا وعمَّك ولَّا لأ؟.
-أكيد بثق فيكم.
ابتسم وهزَّ رأسه قائلًا:
-يبقى لازم تسمعني كويس، بابا لو شايف ماما غلطت صدَّقني لو كان بيموت فيها كان هيرميها ومش هيشفعلها حتى لو إنتَ هتموت قدَّامه، دي حاجة، الحاجة التانية باباك عنده أعداء كتيرة وعايزين ينتقموا منُّه، إيه رأيك نعتبر ماما إنَّها كانت مخطوفة..
-بس ماما ماكنتش مخطوفة ياعمُّو، دي اشتغلت في مدرستي.
-أهو إنتَ قولت، اشتغلت في مدرستك، طيب لو دي مش بتحبَّك هتشتغل في مدرستك؟..
أزال دموعه بحنان وتابع حديثه:
-حبيبي ماما كانت فاقدة الذاكرة بعد حادثة ولمَّا فاقت، في ناس هدِّدوها بيك وفي بابا علشان كدا خافت ترجع..
-يعني إيه؟.
مسح على شعره ثم قال:
-يعني عايزك تتأكَّد إنِّ ماما بتحبَّك أوي، ومستحيل تتخلَّى عنَّك برضاها، اقعد مع نفسك وافتكر أيَّامك وإنتَ صغير معاها، وشوف دي ممكن تبعد عن ابنها اللي هوَّ كلِّ حياتها إلَّا إذا كانت مجبرة..
قالها أرسلان وتوقَّف، استمع الى طرقاتٍ على باب الغرفة، دلفت ضي تحمل كتابها:
-بابي فاضي؟..عايزة تشرح لي درس في الماث.
كان أرسلان منشغلًا بالنظر إلى يوسف، فاقتربت ضي توزِّع النظرات بينهما:
-بابا سمعتني؟..رفع يوسف نظره إليها بعدما اقتربت، فضيَّقت عينيها تشير إلى والدها:
-بابا ماله؟.
ربت أرسلان على رأسها وقال:
-أنا كويس حبيبتي..هسبقك على أوضتك..قالها واتَّجه إلى يوسف:
-كلِّم باباك وطمِّنه، هوَّ كان هينزل فعلًا، بس كلِّمته وطمِّنته على أختك، وبلاش شغل الاطفال دا، بابا واخد ماما رحلة علاج..قالها وغادر الغرفة..
ظلَّت نظرات يوسف عليه وهو يشعر بالحزن والخزي معًا..جلست بجواره وربتت على ذراعه:
-يوسف إنتَ كنت بتعيَّط؟.
هزَّ رأسه بالنفي، يمسح بقايا دموعه المعلَّقة برموشه، مدَّت يدها تزيل دموعه التي فشل في إيقافها:
-إيه اللي حصل وليه الدموع دي؟..
قالتها بنبرةٍ رقيقة..
نهض من مكانه واتَّجه إلى النافذة ينظر للخارج، يحاول السيطرة على ضعفه..
-مفيش حاجة..كنت زعلان على شمس، روحي شوفي باباكي..
اقتربت منه ومازالت تحاصره بنظراتها:
-انسى..درس الماث ممكن أعرفه بعدين، المهم أطَّمن عليك، احكي لي إيه اللي حصل؟.
التفت إليها يرمقها بسخرية:
مبقاش غير العيال الصغيرة كمان..روحي شوفي مذاكرتك..بدل ماتجيبي درجة وحشة وترجعي تقولي كنت بواسي يوسف.
رغم كلماته التي انغرست بصدرها كالسهام المسمومة إلَّا أنَّها أومأت وقالت:
-عندك حق..آسفة ادَّخلت في مالا يعنيني على رأي ماما..
قالتها وخطت خطوتين متَّجهةً للخارج مع انحباس دموعها تحت أهدابها، إلَّا أنَّه أوقفها وأمسك ذراعها:
-ضي آسف ماأقصدش.
ظلَّت كما هي..وهزَّت رأسها بعدما اختنق صوتها ونزعت ذراعها وتحرَّكت سريعًا للخارج حتى لا تضعفَ أمامه.
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق