القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية غناء الروح الفصل الثامن والاربعون 48بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)



رواية غناء الروح الفصل الثامن والاربعون 48بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)




رواية غناء الروح الفصل الثامن والاربعون 48بقلم زيزي محمد ( حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات)



الفصل الثامن والأربعون.


جلست سيرا على استحياء في صالة الاستقبال، كأنما تبحث عن زاوية تتوارى فيها عن الأنظار، بينما عيناها تدوران في المكان بارتباك وحرج شديدين، حيث رضخ والدها على غير عادته، لرأي سليم الذي طرق بابهم منذ الصباح، محملًا بأخبار جديدة عن مستجدات التحقيق، فارتسم الخوف على محياها فور سماعها لاسم فايق، ذلك الرجل الذي تحول هوسه بها إلى كابوس يطاردها في يقظتها ومنامها، وتلقائيًا تساءلت في أعماقها بارتعاشة قلب...أيمكن للإنسان أن يبلغ تلك المرحلة الجنونية من أجل فتاة لم يكن بينهما أي مشاعر حية تُذكر؟ أم أن جرح كرامته المتضخمة ورفضها المتكرر له، هو ما قاده إلى هذا التخبط بين جدران الانتقام الأعمى؟


لم تُخفِ دهشتها من سرعة موافقة والدها على حديث سليم، وربما نجح الأخير في إظهار مدى خطورة الموقف، وكعادة أبلة حكمت لم تفوت الفرصة لتتدخل في النقاش دون أن يطلب منها أحد، فمالت الكفة إلى جانب سليم وأقنعت والدها بضرورة أن ترافقهم دهب، وما إن استقرت الفكرة في ذهنها حتى تساءلت باضطراب...دهب!...أين ذهبت؟


أخذت تلتفت حولها بتعجب كأنها تبحث عن ظل ابنة اختها أو صوتها، ارتسم الغضب في ملامح سيرا الخجولة، وفكرت بغيظ مكتوم، ما بال تلك الفتاة تتصرف بحرية مفرطة وتتحرك كيفما تشاء دون أن ينتبه لها أحد؟


نهضت بتردد وخطواتها الصغيرة تحمل ثقلًا من الحياء، بينما عيناها القلقتان تسبحان في الأرجاء باحثة عن أثر، وما إن اقتربت من المطبخ حتى اخترق سمعها صوت مألوف لدهب وهي تتبادل حديثًا مرحًا مع شمس ومليكة، وقد اجتمعن على إعداد شراب ساخن لهن.


ولكن صوتًا آخر أكثر خفوتًا لكنه نافذ تسلل إلى أذنها من ناحية الردهة، التفتت بجسدها بخفة، فإذا بها تقع على مشهد يزن واقفًا هناك عند آخر الممر، يشير إليها بيده كي تقترب منه، رفعت إصبعها بحركة تلقائية سريعة مشيرة إليه بالرفض، وارتسم الحرج على ملامحها، لكنه لم يعبأ بإشارتها وأعاد طلبه بيد أكثر إصرارًا، وسرعان ما تجمدت في مكانها وكأن الأرض أسرت قدميها، ثم هزت رأسها رفضًا صارمًا علها تثنيه عن محاولته.


لكن المفاجأة عصفت بها حين رأته يندفع نحوها بخطوات سريعة حاسمة، أربكت أنفاسها ودفعتها إلى التراجع في خوف غامض، ولكنه مد يده وقبض بقوة فوق مرفقها، ثم جذبها بعنوة خلفه، فارتعش صوتها وهي تتوسل بخفوت مرتجف:


-يالهوي يا يزن، عشان خاطري لا، عيب، هيقولوا عليا إيه؟


لم يُصغِ إلى رجائها بل دفعها برفق محسوب إلى داخل غرفته، وما إن خطت بداخلها حتى اندفعت بجسدها من جديد محاولة الهرب، إلا أنه كان الأسرع فأغلق الباب خلفه بجسده العريض حاجزًا الطريق أمامها.


-اهدي بقى يا سيرا، أنا بشاورلك من بدري وانتي سرحانة.


قبضت على مقبض الباب بكل ما أوتيت من قوة، وصوتها يخرج حازمًا رغم ارتجافه:


-يزن، عشان خاطري لازم تطلعني، عيب كده، افرض حد قفشنا يقولوا عليا إيه؟


ابتسم ببرود متعمد متجاهلًا توترها:


-محدش هيقول حاجة، أنا متفق مع شمس ومليكة يشغلوا دهب عنك.


شهقت سيرا بذهول واتسعت عيناها بصدمة مخلوطة بالإحراج ثم صاحت بغيظ:


-انت بتقول إيه؟ انت كده فضحتني يا يزن؟


أعاد كلمتها بلهجة مستنكرة:


-فضحتك؟


ثم زفر بضيق، وكأنها أحزنته بكلامها:


-يا بنتي انتي مراتي، انتي بتتصرفي كده وكأني شاقطك من الشارع؟


تجمدت ملامحها بصدمة جارحة ثم انفجرت غاضبة:


-يزن عيب كده، خد بالك من كلامك معايا، وبعدين تصدق أنا غلطانة إني جيت هنا، كان لازم أعرف أني بتعامل مع واحد متهور.


لم يمهلها لحظة إذ وجدت نفسها فجأة بين أحضانه، محاصرة بوجوده الطاغي حتى صار وجهه على مقربة نفس من وجهها، لا يفصل بينهما سوى إنش واحد، فهمس بصوت متهدج بحرارة:


-أنا مكنتش ناوي أكون متهور، بس انتي اللي بتستفزي الحتة اللي جوايا.


ارتعشت أصابعها وهي تحاول دفعه بعيدًا، لكن ضعفها لم يقاوم قوته، بقيت مشاعرها غضة، بريئة، لا تعرف كيف تجابه هذا القرب، فقالت برجاء مرتجف:


-يزن، مينفعش تقرب مني كده، طالما محصلش فرح، وبعدين....انت كده هتخوفني وهتخليني امشي من هنا.


شد على خصرها أكثر وابتسم ابتسامة صافية غمرها صدق، بينما صوته يفيض دفئًا:


-تمشي منين؟!، ده أنا قلبت الدنيا عشان أجيبك هنا وتكوني تحت عيني.


رمشت بإهدابها ونسيت في غمرة ارتباكها شدة قربهما، قبل أن تسأله بخفوت حائر:


-أنت اللي خليت سليم أخوك يجي البيت عندنا ويقنع بابا؟


-اه.


إجابة مقتضبة ألقاها تاركًا لعينيه الحرية أن تبحرا في ملامحها التي توهجت خجلًا، فعاودت السؤال بصوت هامس يقطر فضولًا:


-ليه؟


زفر بعمق ثم قال بصراحة صافية وهمسه الحار يذيب مقاومتها:


-عشان قلبي مش هيكون متطمن عليكي إلا بوجودك جنبي.


ارتسمت على وجهها ابتسامة خجولة، ثم ابتعدت عنه برفق وتلتفتت حولها لتستعيد توازنها قبل أن تسأله من جديد:


-انت كنت عايزني ليه؟


-كنت عايز أسألك عايزة تقعدي في اوضتي ولا تقعدي في أي اوضة فاضية.


رفعت حاجبها بمكر خفيف وابتسمت ممازحة:


-اممم حجج فارغة.


ضحك وهو يجاريها:


-حاجة زي كده.


-لدرجادي يا يزوني مش قادر على بعدي.


لمعت الجرأة في عينيها وهي تشاكسه دون وعي، فاقترب منها بخطوات متروية، ولكنها أسرعت بالخروج من الغرفة تضحك بخفة طفولية وقد استبد بها الحماس لنجاحها في الفرار منه، غير أنها لم تكن تدري أن القدر سيضعها مباشرة أمام سليم، فاصطدمت به بغتة مما أدى إلى تراجعها خطوتين للخلف، والحرج يكسوها من رأسها حتى قدميها، فتمتمت بتلعثم:


-آآ...أبيه سليم، آآ..أنا كنت بدور والله على دهب، عن إذنك.


ثم أسرعت بخطوات متوترة نحو المطبخ، تتخبط في الممرات وقد جهلت طريقه للحظة، أما يزن فبقي متكئًا بجسده على باب غرفته، ملامحه تحمل تصنع الارتباك نفسه الذي سكن ملامح سيرا قبل قليل ليقول ساخرًا:


-أبيه سليم، يا خبر، انت هنا من امتى؟


اقترب سليم منه ببطء وهو يهز رأسه بيأس عميق، وصوته يخرج صارمًا متوعدًا:


-قلة أدب مش عايز، يا إما هرجعها لابوها تاني، احترم نفسك.


رد يزن باستياء طفولي متظلم:


-وأنا عملت إيه؟ انت على طول ظالمني كده، يلا ليا عند ربنا، أنا داخل أنام خليهم يصحوني على الغدا وياريت لو تعمل فيا معروف وتخلي سيرا هي اللي تصحيني، أكون شاكر افضالك.


ارتفع حاجبا سليم بتهديد جلي، فما كان من يزن إلا أن تسلل مسرعًا إلى داخل غرفته وأغلق الباب في وجهه، فارتج الممر بصوت طرقات سليم الغاضبة على الباب، وهو يصيح بحدة:


-انت كده  محترم يعني وانت بتقفل الباب في وش أخوك الكبير؟


أما سيرا فقد وجدت في وجود منال مهربًا مناسبًا، لتلوذ به من ذلك الإحراج الذي كاد أن يفتك بها بسبب جنون يزن واندفاعه الطائش، فجلست بجوارها متصنعة الهدوء، تدير معها بعض الأحاديث البسيطة السطحية، كمَن يبحث عن أي وسيلة لإشغال نفسه عما يعتمل بداخله من توتر وحرج، فكانت تتظاهر بالإنصات بينما عيناها تهربان بين الحين والآخر إلى الأرجاء، كأنها تخشى أن يطل يزن مرة أخرى باندفاعاته المفاجئة.


أما دهب فقد آثرت أن تترك مليكة وشمس منشغلتين في المطبخ، وجلست متكئة على الكرسي وهي منغمسة في شاشة هاتفها، تكتب لصديقتها عبر تطبيق الواتساب بلهفة مراهقة تنقل تفاصيل ما تراه بعينيها وكأنها في مغامرة سرية:


"بجد أنا مش عارفة ليه حظي مش حلو كده زي خالتي، يخربيت دي عيلة بجد، يهبلوا مش عارفة أحب مين ولا مين كلهم أحلى من بعض".


انتظرت لحظة والابتسامة الصغيرة تملأ ثغرها، حتى وصلها الرد السريع من صديقتها:


-بيزن طبعًا، الاتنين التانيين دول متجوزين مع إن بموت في الشوجر دادي اللي زي أخوه الكبير، دخلت على بيدج الشغل بتاعته يخربيته قمر بجد.


ارتسمت على وجه دهب ابتسامة واسعة ممتزجة بدهشة طفولية، وظلت تنقر بأصابعها فوق الشاشة ترسل تفاصيل دقيقة وكأنها صحافية متخفية بين العائلة، تاركة مليكة تغوص في شرودها وهي تضع قطع الكيك في الأطباق بيدين لا تستقران على حركة محددة.


ولكن همس شمس اخترق أذنها فجأة فجعلها تنتفض من غفلتها، لترفع رأسها مرتبكة وتنصت إلى كلماتها التي حملت شيئًا من العتاب الممزوج بالقلق:


-انتي بتعملي إيه هنا وسايبة جوزك طلع لوحده؟


مطت مليكة شفتيها بأسى وانكسار، كأنها تحمل في صدرها حملًا أثقل من قدرتها على البوح، وأجابت بصوت خافت لا تكاد حروفه تُسمع، محاولة أن لا تجذب انتباه دهب الغارقة في هاتفها:


-ما أنتي عارفة اللي فيها يا شمس.


زفرت شمس تنهيدة طويلة وهي تصب الشاي في الفنجانين بحركة متوترة، ثم التفتت إليها بنظرة حازمة لتقول بلهجة يملؤها الضيق والصرامة:


-يا حبيتي افهمي كتر البعد بيولد الجفا، وطالما في إيدك ترضي جوزك بحاجة زي دي ارضيه، طالما مفيش سبب يمنع إنك تجيبي بيبي، غيرك عنده أسباب تمنعه وبيتمنى من ربنا يرزقه، مينفعش حد يقف يقول لرزق ربنا لا.


اهتز قلب مليكة مع كلماتها التي انغرست كالسهم في صدرها، وأحست بارتباك يمزق عقلها بين الخوف والرغبة، رفعت عينيها المبللتين بالحيرة وقالت بارتجاف:


-طيب هطلع وراه ليه وهو أساسًا زمانه نام.


ابتسمت شمس بسخرية خفيفة وهي تهز رأسها:


-مظنش إن زيدان نايم دلوقتي، أكيد مستنييكي تراضيه، إلا لو فقد فيكي الأمل ونام من قهرته.


كلماتها كانت كصفعة على وجه مليكة، التي شعرت أن الأرض تضيق من تحت قدميها، وأنها مجبرة على المواجهة، ولا تعلم أن شمس كانت تنفذ وصايا سليم بحزم وإصرار، محاولة أن تغير قناعات مليكة بأي وسيلة، أحيانًا كانت كلماتها تُلين قلبها، وأحيانًا كانت تزيد ضياعها.


ارتفعت نبرة صوت شمس متعمدة لشد انتباه دهب الغارقة في رسائلها:


-دهب حبيبتي، تعالي ساعديني نطلع الحاجات دي، عشان مليكة هتطلع فوق دلوقتي.


لم تملك مليكة سوى أن تتنهد بعمق، وكأنها أُجبرت على قرار لم تكن مستعدة له، فصعدت الدرج ببطء، كل خطوة تشعرها بأنها تقترب من معركة مجهولة، قلبها كان يدعو أن يكون زيدان قد غلبه النوم، حتى لا تضطر لمواجهته بملامحه الغاضبة، لكن الأقدار لم ترأف بخوفها، فقد وجدته جالسًا أمام التلفاز، يدخن سيجارته بشراهة، والدخان يلتف حوله كغيمة سوداء تعكس اضطراب روحه، حتى ملامحه كانت عابسة وعيناه شاردتان، فبدا كبركان على وشك الانفجار.


اقتربت بخطوات حذرة كمَن يسير في حقل ألغام، وقالت بحدة ممتزجة بعاطفة خجولة:


-إيه ده يا زيدان؟، أنت عارف أن مبحبش ريحة السجاير تكون في البيت!


نهض فجأة يجمع متعلقاته بحركة عصبية، ورد بصوت مرتفع تتخلله مرارة:


-حاضر، هروح اتزفت واقعد في حتة تانية.


تقدمت نحوه بخطوات سريعة وأوقفت اندفاعه وهي تقول بنبرة عتاب رقيق:


-استنى بس، مالك متعصب ليه؟ أول مرة تعاملني كده وأنا ساكتة ومستحملة.


رفع عينيه نحوها بحدة وقال:


-وأنا بعمل إيه يا مليكة؟ ما أنا بردو ساكت ومستحمل!


ارتبكت وارتعشت كلماتها حين تمسكت بدفاعها:


-معقولة يا زيدان ده كله عشان رافضة نخلف دلوقتي، استنى شوية أكون مؤهلة نفسيًا.


زمجر صوته محمّلًا بخيبة أمل:


-العمر بيجري بيا وبيكي يا مليكة واحنا الحمد لله معندناش اللي يمنع، فـ ليه نعترض على رزق ربنا.


صرخت روحها قبل لسانها وهي ترد:


-ليه كلكم بتقولوا إن أنا بعترض، أنا بس خايفة أموت واسيبه ويتمرمط في الدنيا ويطلع في الدنيا مالوش حد.


اقترب منها خطوة وعيناه تتوهجان بصدق ممتزج بوجع:


-ظروفك غير ظروف ابننا لو ربنا كتبلنا نخلف، مش ضروري يعيش نفس حياتك، يمكن يعيش أحسن ويكونوا بدل الأخ اخوات كتير ويكونوا سند له.


قالت بدهشة ممزوجة بالضعف:


-كمان عايزني اخلف كتير؟


ابتسم ابتسامة باهتة لكنها محملة بالحنين:


-وماله يا مليكة، المفروض انتي اتحرمتي من حاجات تعوضي عيالك باللي اتحرمتي منه، لكن انتي بتكتبي على نفسك الحرمان من تاني وبتكتبيه عليا مع أني مش ذنبي حاجة.


أطرقت رأسها والدموع تتساقط من عينيها:


-أنا مش أنانية يا زيدان، عشان أحرمك من حاجة زي دي، أنا بس قولتلك نأجلها.


رفع حاجبيه غاضبًا وصوته يقتحم صمتها:


-لغاية امتى؟!


انهارت وصوتها قد بح من شدة بكائها:


-ماعرفش.


اقترب منها أكثر وصوته صار أهدأ لكنه لا يخلو من العتاب:


-شوفتي انتي لسه تايهه، ومحتاجة اللي يرشدك للطريق الصح.


ضحكت في وسط دموعها كمَن يبحث عن طوق نجاة، وقالت بحيرة:


-انت بقيت عاقل في كلامك كده من امتى؟


رد باستياء ساخر:


-يعني أدبش في كلامي مش عاجب، أكون عاقل مش عاجب.


تقدمت منه أكثر وقالت برجاء بينما صوتها ارتجف كليا:


-زيدان، متتجاهلنيش تاني لو سمحت ولا تخاصمني.


هز رأسه وهو يقول بنبرة جادة:


-أنا مخاصمتكيش، أنا بس كنت ببعد عشان مش عايز اضغط عليكي اكتر.


ترددت قليلًا ثم تساءلت بصوت خافت:


-هسألك سؤال...انت زعلت مني لما شوفت ابن نهى؟


أجاب سريعًا دون تردد:


-لا طبعًا مزعلتش، بس كنت بقول لو مكنتيش أصريتي على رأيك، كان زماني عندي ولد وسميته سليم ومحدش تاني سابقني.


ابتسمت رغم دموعها وقد لان تفكيرها قليلاً لمعة الرجاء الكامنة بعينيه الراغبة في تحقيق حلمه البسيط:


-خلاص في فرصة نسمي يزن.


رفع يده نافيًا بسرعة وهو يقول بحزم ممزوج بخفة دم:


-إيه لا طبعًا مش عايز، خليكي كدة كويس، كفاية نسخة واحدة يزن في حياتي، يبقوا اتنين.


شاركته الضحك، ولكن ضحكاتها تحولت إلى ابتسامة خجولة بسبب مساندة لها حتى في قمة غضبه، فهمست مترددة:


-زيدان أنا...


تنهد بعمق قبل أن يقاطعها بنبرة هادئة تحمل حنانًا دفينًا:


-فكري يا روحي...فكري ومش عايز رأيك وسيبها على ربنا، ودايمًا اتمنى وادعي باللي نفسك فيه وربنا هينولك اللي نفسك فيه، زي ما رضاني بيكي وبوجودك في حياتك.


ابتسمت ابتسامة صغيرة باهتة وهي تنظر إليه، لم تقل شيئًا، لكنها أدركت في قرارة نفسها أن موضوع الإنجاب لن يظل مؤجلًا طويلًا، وأنها مهما قاومت ستفكر فيه بجدية من أجل زيدان وحده، حتى وإن اضطرت للتنازل عن كل مخاوفها القديمة.


                             ****

دخلت يسر إلى العيادة بخطواتٍ متثاقلة، وكأن الأرض قد أثقلت قدميها بسلاسل من تعبٍ لا يُرى، لقد أرهقها جسدها في الأيام الأخيرة، إذ كانت تفرط في الحركة على غير عادتها رغم ثقل بطنها المتنفخ الذي لم يعد يترك لها فسحة من الراحة، شعورٌ بالانقباض أخذ يتسلل إلى صدرها كلما همت بخطوة، ومع ذلك فإنها خضعت على مضض لرغبة نوح الذي ألح عليها أن تصعد إليه، فلم يكن في قلبها أي رغبة لرؤية تلك المرأة التي تقف دائمًا كظل ثقيل في حياتها، تلك التي تعتبرها خصمًا مستترًا يترصدها ببرود.


وحين اقتربت من باب مكتبه اعترضتها حسناء بصوتٍ خفيض متعمد، فيه من الاستفزاز ما يكفي ليوقظ نار الغيرة في صدر أي امرأة:


-رايحة على فين؟


توقفت يسر لحظة وكأنها تُحاول أن تلتقط أنفاسها قبل أن تنفجر، أطبقت جفنيها برهة ثم أجابت بهدوءٍ متصنع تخالطه نبرة لاذعة:


-داخلة لجوزي في اعتراض؟


مالت حسناء برأسها جانبًا وشفتيها ترتسمان بابتسامة متغطرسة تنضح استفزازًا:


-اممم بس نوح مابلغنيش إنك جاية، وفي حالة جوه.


كادت يسر أن تفقد أعصابها أمام هذا التحدي، لكنها تماسكت وهي تقول بنبرةٍ تفيض ضيقًا:


-وهيبلغك ليه يا حسناء، ده انتي حتة سكرتيرة ماتسويش حاجة ومسيرك هتمشي من هنا.


ولكن حسناء لم تفوت الفرصة لزيادة النار اشتعالًا، فأجابت بنبرة متعالية وقد ازدادت ابتسامتها اتساعًا:


-مشوفتش يعني دكتور نوح طردني ولا حاجة، باين تأثيرك مش قوي يا مدام، بس عمومًا أحلامك دي عمرها ما هتحصل، وأنا هنا موجودة وقريبة منه....قريبة منه اوي اوي لدرجة انتي مش تتخيليها.


اشتعل قلب يسر بالغيرة والحنق وقبضت كفها بشدة على مقبض الباب، حتى كادت عروق يدها أن تتفجر من شدة الضغط، لكن الباب انفتح فجأة وخرجت إحدى المريضات، لتجد نوح واقفًا في الداخل وما إن وقعت عيناه على يسر حتى أشرق وجهه بابتسامة صافية دافئة، كأنها شمس تبدد غيومها الداكنة، مد يده إليها مرحبًا بحنو بالغ:


-يسر، تعالي واقفة ليه كده، مدخلتيش ليه من بدري؟


وبحركةٍ مقصودة أغلق الباب في وجه حسناء التي وقفت مذهولة من ردة فعله، لتتجه بعدها مباشرة إلى هاتفها تجري اتصالًا بوالدتها، وكان صوتها حينها يقطر سُما:


-بقولك إيه لما أرجع البيت الاقيكي جايبلي البت بنت أم صفاء دي.


وأغلقت الاتصال بعصبية ثم نظرت إلى الباب بعينين تقدحان شررًا، بينما اقتربت منها إحدى السيدات تنتظر دورها وسألت بخجل:


-هو أنا هدخل امتى للدكتور؟


فأجابتها حسناء بلهجة غليظة يملؤها الضيق:


-معرفش لما المدام تخرج من جوه، أصل الدكتور فاضي اوي للحوارات دي.


رمقتها السيدة بدهشة لكنها آثرت الصمت وجلست تنتظر، دون أن تعلم أن وراء ذلك الباب كانت يسر في حالة انهيارٍ كامل.


جلست يسر على المقعد داخل الغرفة، وانفجرت دموعها بغزارة تهز جسدها شهقات متلاحقة كأنها أمواج بحرٍ هائج لا يهدأ، تفاجأ نوح من انكسارها المفاجئ فأسرع إليها يعانقها بحنو عميق، يمرر كفه على ظهرها بحذر الأب وشفقة الحبيب ثم همس إليها بصوتٍ يملؤه القلق:


-طيب أنتي زعلانة من إيه؟ تعبانة؟ مالك يا يسر؟


ابتعدت عنه قليلًا وقد غطت الدموع وجهها، ثم نظرت إليه نظرة مترددة وقالت بصوتٍ متهدج بين شهقاتها:


-انت كنت عايزاني ليه؟


مسح نوح دموعها برفق، كأنه يمحو آلامها بإصبعه، وأجاب بعينين تفيض حبًا:


-كنت عايز أشوفك وحشتيني.


ارتجفت شفتاها بين عتابٍ وحب، ثم أغمضت عينيها بقوة لتخفي ما يفيض من دموعها، فاقترب نوح أكثر وقبل جفنيها بحنو عميق قبل أن يهمس:


-انتي في حد زعلك قبل ما تدخليلي؟


فتحت يسر عينيها وقالت بصوتٍ يقطر جرحًا:


-انت سايبها عندك ليه؟ عايز تقهرني ليه بوجودها جنبك؟


قبل كفيها بحبٍ صادق ثم أجابها بصراحةٍ فاجأتها:


-أولاً أنا مش سايبها جنبي، هي بتشتغل عندي، تاني حاجة هي ضايقتك في إيه؟


سحبت يدها سريعًا وقالت بسخرية تنزف وجعًا:


-هتعمل إيه لو قولتلك، هتطردها يا نوح؟


ابتسم ابتسامة خفيفة وأجاب بحزم رقيق:


-متستعجليش على رزقك يا حبيبتي، في الآخر مش هعمل إلا اللي يرضيكي ويريحك.


-يعني إيه؟


فأجابها بنبرة هامسة يغمرها الحنو:


-يعني مفيش حد يستاهل تعيطي بسببه يا يسر....


ثم أمسك يديها مجددًا وقبلهما بحرارة، وضمها إلى صدره بقوة كأنه يبحث عن ملاذٍ من تعب الدنيا في هذا العناق، غاص وجهه في عنقها يستنشق عبيرها ببطء، فأدركت أن في صدره ما يثقل كاهله، فمررت يدها برفق على ظهره وهمست بخوف:


-نوح، انت كويس؟


هز رأسه نفيًا دون أن يرفع وجهه، وكأنه يهرب من الجواب داخل حضنها، فعاودت تسأله بصوتٍ مرتجف:


-مالك يا نوح؟ في حد زعلك؟


طال صمته حتى خرج صوته متهدجًا مثقلًا بالانكسار:


-رديت عليها زي ما قولتيلي، بس طلعت مكنتش بتسأل عليا، كانت بتزعقلي عشان اتأخرت ومبعتش مصروفها وافتكرت إني منعته عنها.


تسمرت عيناه في الفراغ وهو يتحدث، فارتبكت يسر في البداية ولم تفهم، حتى استوعبت أنه يقصد والدته، فاقتربت منه بعينين تفيض عطفًا وهمست:


-وانت اتأخرت في مصروف مامتك ليه يا نوح وانت عارف إنها معتمدة عليك في كل حاجة.


تنهد تنهيدة عميقة وقال بمرارة:


-كنت مفكر أنها هتقلق عليا، وتتصل تسألني عن حالي، بس دي أول حاجة عملتها زعقت لي وكأني عيل عندي ١٦ سنة.


-معلش ضغوطات الحياة كتيرة، اعذرها.


ابتسمت يسر ابتسامة حزينة وهي تربت على يده:


-المفروض إني أعذر الكل ومحدش بيعذرني.


تنهدت بهدوء وهي تجيبه بعقلانية تحتم عليها إظهارها في ذلك الوقت تحديدًا وفي ظل انكسارها من ناحية عائلته:


-ده واجبك ناحية أهلك يا نوح، المهم انت كنت عايزاني ليه وقولتلي اتطلعي ضروري؟


-عشان كنت عايز ده....


اقترب منها فجأة وعانقها بشدة من جديد، وهمس بصوتٍ مبحوح:


-كنت عايز أحس بوجودك جنبي، قربك مني بيهديني، وده اللي اكتشفته في بعدك، كنت تايه الأيام اللي فاتت ومكنتش عارف أنا عايز إيه!


ابتسمت وهي تستمع إليه وقلبها يخفق بقوة حتى خشيت أن يفضحها، ثم مدت يدها لترتب خصلات شعره المبعثرة بصمت، فنظر إليها طويلاً قبل أن يفاجئها:


-كل حاجة نفسك فيها هحققهالك، معلش هانت ...هانت اوي.


حدقت في وجهه مليًا، محاولة أن تستشف خبايا كلماته، لكنه استقام واقفًا وقال بهدوء:


-لما اخلص شغل هخدك ونبص على الشقة الجديدة بتاعتنا، عشان تشوفي هتفرشيها ازاي؟


همست بحزن طغى فجأة عليها:


-بس أنا كنت بحب شقتي.


-وأنتي لما هجرتيها مبقتش طايق اقعد فيها لحظة، وخلاص كرهتها...واظن أنك محتاجة تبتدي معايا في مكان جديد صح؟


صمتت للحظة طويلة وكأنها تزن كل كلمة داخليًا، ثم رفعت رأسها وقالت بحزم:


-مش بس المكان يا نوح، حياتنا محتاجة تأسس من أول وجديد، لا فيها شروط من ناحيتك ولا من ناحيتي.


كانت كلماتها كالسهام التي أصابت قلبه مباشرة، تذكره بشرطه السابق ورغبته المرفوضة في الزواج الثاني، لكن صمته حمل قبولًا غير معلن، ولكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنها لن تقبل أي عودة نهائية إلا إذا أعلنها صراحةً، أنها تكفيه وحدها وأن رغباته السابقة لن يكون لها مكان في حياتهما الجديدة.


                            ****


كان يزن غارقًا في نومٍ عميقٍ بعد أيامٍ متتابعة من الإرهاق، نوم أثقله الجهد حتى صار جسده مستسلمًا للفراش كمَن يلوذ بأمانٍ مؤقت من صدمات الحياة، فكان قلبه مطمئنًا قليلًا بوجود سيرا في المنزل بجواره، ومع ذلك لم يكن عقله ليستكين تمامًا؛ إذ تسللت الكوابيس إلى منامه، كذئابٍ جائعة تنهش راحته، فكان تارةً يحلم بأن سيرا غادرت المنزل، وتارةً أخرى يراها في أسر "فايق" يختطفها أمام عينيه وهو عاجز، فينتفض في نومه وشفتيه تتمتمان بكلمات مبهمة غير مفهومة.


وبين غمرة النوم واليقظة، شعر بيدٍ صغيرة تلمس ذراعه برفق مصطنع، وصوتٍ ناعم غير مألوف يهمس في أذنه، حاول أن يقاوم ثقل جفنيه، لكن إحساسًا آخر أربكه حين لمح ضوء هاتفٍ موجه نحوه، فتح عيناه سريعًا بفزع، وإذا به يرى دهب واقفة على مقربة منه، تحمل هاتفها بارتباك وهي تحاول إخفاءه بعد أن كانت تلتقط له صورًا سرًا.


انتفض يزن من فراشه باندهاشٍ وملامحه يكسوها الغضب والإنكار، ثم قال بصوتٍ متوتر:


-انتي بتعملي إيه؟


ارتبكت دهب للحظة، وتلعثمت وهي تبحث عن ذريعة تبرر فعلتها:


-دد...ده أنا كنت بصحيك وبشوف الساعة كام في تليفوني.


رمقها يزن بحدةٍ وعدم تصديق، فعقد حاجبيه وهو يقول بصرامة:


-وإيه دخلك اوضتي؟


حاولت التماسك ثم أجابت بخبثٍ خافت:


-ما عشان أصحيك، قالوي اصحيك، فدخلت.


هز رأسه بغيظ وزفر بعمق وهو يقول بنبرة حادة:


-قصدهم إنك تخبطي على الباب، مينفعش تدخلي عليا وأنا نايم.


خفضت بصرها قليلًا وكأنها تعتذر، لكنها لم تستطع كتمان جرأتها الطفولية المتجاوزة فقالت مبتسمة باستهتار:


-أسفة، بس هو انت مكسوف عشان دخلت عليك، متقلقش انت كنت زي القمر بردو وانت نايم.


تجمد يزن مكانه لوهلة وقد صدمه أسلوبها الوقح رغم صغر سنها، حيث انقبض قلبه من سماجتها، فنهض من الفراش متجهمًا وهو يشير إليها بحدة:


-اخرجي يا دهب يلا، ونادي سيرا عايزاها.


رمقته بعينين مازحتين وقالت ببرود:


-معرفش هي فين؟


تغير وجهه إلى دهشة وغضب في آن، واقترب خطوة منها يسأل بصوتٍ متوتر:


-يعني إيه ماتعرفيش؟ هي خرجت؟


لم يمنحها فرصة للإجابة إذ قفز من مكانه مسرعًا نحو الخارج، يبحث في أرجاء البيت كمَن فقد شيئًا ثمينًا، ينادي باسمها بصوتٍ مرتفع متقطع تفضحه نبرات القلق:


-سيرا!… سيرااا!


قابلته شمس في الممر، وقد ارتسمت على وجهها علامات الاستغراب من اضطرابه الواضح فأوقفته قائلة:


-اهدى بتنادي ليه كده؟


التفت إليها بعينين يملؤهما القلق وسرعة الأنفاس تخنق صدره:


-هي سيرا خرجت؟


ابتسمت شمس بخفة تهدئه، وقالت:


-لا بس فوق السطح بتتكلم في التليفون مع صاحبتها، كنا فوق والقعدة عجبتها فسيبنها ونزلنا.


لم يعلق بكلمة واحدة بل مر بجوارها مسرعًا وكأن قدميه لا تلامسان الأرض، صعد السلالم بخطواتٍ سريعة حتى وصل إلى السطح، فوجدها جالسة على الأرجوحة التي كان سليم قد خصصها لشمس، تتمايل بخفةٍ بين الهواء، والهاتف ملتصق بأذنها، فكان صوتها مضطربًا وهي تحدث "فاطمة"، محاولة تبرير شيء ما، بينما الأخيرة تمطرها بوابلٍ من العتاب واللوم، بدا على سيرا أنها تقاوم العتاب، لكن كلماتها لم تخلُ من الارتباك.


اقترب يزن بخطواتٍ هادئة هذه المرة، وكأنه يخشى أن يقطع عليها خيط الكلام، ثم جلس بجوارها على الأرجوحة دون أن ينطق بحرف،  فالتفتت إليه بدهشة ممزوجة بالحرج، ثم تلعثمت وهي تحاول مواصلة الحديث مع فاطمة، لكنها لم تستطع أن تكمل، حيث ساد صمت قصير ثم تنهدت وأغلقت الهاتف بعد أن اعتذرت لصديقتها بصوتٍ خافت.


وألقت نظرة طويلة على يزن، كأنها تبحث في ملامحه عن جوابٍ لم يُطرح بعد…فهمست وقد علت نبرتها بحنو وارتباك:

-مالك يا يزن؟


التفت إليها بنصف رأسه، وصوته متهدج بحنق مكتوم وكأن أنفاسه نفسها أصبحت ثقيلة عليه:


-مصحتنيش انتي ليه؟


رمقته بدهشة طفولية، ولم تدرك مقصده للوهلة الأولى، فقالت باستفهام عفوي:


-مش فاهمة؟


تنهد بعمق وكأن صدره يحاول أن يتخلص من حملٍ أثقل كاهله مؤخرًا، ثم أوضح بنبرة أشد ضيقًا:


-ليه سيبتي دهب هي اللي تصحيني؟


هزت كتفيها بخفة وفي عينيها اهتمام صادق ممزوج بالاستفهام:


-محدش قالي أصحيك، مالك إيه اللي مضايقك؟


أدار وجهه عنها وعيناه تتجنبان نظراتها القلقة، فهو لم يشأ أن يبوح بما يعتمل في صدره، فتمتم بنبرة متعبة تشي بالكثير ولا تقول شيئًا:


-مفيش...يمكن عشان قومت ناقص نوم.


تأملته سيرا بتركيز وأحست أن وراء كلماته البسيطة أسرارًا يخفيها عنها، لكن حركته التالية كانت مفاجأة صاعقة لها، فقد اعتدل في جلسته فجأة وأسند رأسه على كتفها بارتياح طفل هارب من شيء وأغلق عيني، فشهقت بدهشة ولم تفهم ما يفعل فتمتمت بارتباك:


-يزن هو انت بتعمل إيه؟


أجابها بصوت خفيض كمَن يسلم نفسه للنوم:


-نايم.


التفتت برأسها سريعًا إلى الخلف، تخشى أن يراهم أحد في تلك اللحظة العابرة التي جمعت بينهما على غير ميعاد، وقالت بخجل ممزوج بمحاولة الابتعاد:


-انزل نام تحت.


لكن يده سبقتها وأمسك بذراعها بقوة، فاحتضنها كما لو كان يتشبث بقشة نجاة، وأسند رأسه براحة وهو يقول بصوتٍ مبحوح متعب:


-لما كنتي خايفة وطلبتيني، مش أنا احتويتك؟


نظرت إليه بعينين دامعتين واستحضر قلبها تلك اللحظة التي غمرها فيها بالأمان، فأجابت همسًا ناعمًا:


-اه.


رفع بصره إليها ونظرة ترج خافتة استقرت بعينيه وقال بصوتٍ يكاد ينكسر:


-احتويني...اعتبريها رد جميل ورديها دلوقتي.


همست بحماقة وقد زاد قلقها:


-وانت خايف من إيه؟ في حد كان بيحاول يعتدي عليك؟!


ضحك بسخرية وقال:


-لا وقعت في حب واحدة هبلة، مقولكيش على جلد الذات.


شهقت مصطنعة الاندهاش وأبعدت رأسه عن كتفها بانفعال:


-أنا هبلة؟ وكمان بتجلد ذاتك؟ ده بدل ما تشكرني إن أنا انتشلتك من المستنقع اللي انت كنت فيه!


تساءل بنبرة متحدية:


-مستنقع إيه؟ 


قالت بثقة وهي تحدق في عينيه مباشرة بجرأة وابتسامة حالمة تحتل ثغرها:


-اعترف أنك كنت تايه من غيري، من البنت دي للبنت دي لغاية ما شوفتني وقررت إنك تكتفي بيا.


رفع حاجبيه ساخرًا وقال:


-وانتي إيه عرفك إني اكتفيت بيكي؟! 


ابتسمت ابتسامة مشوبة بالحنان والتحدي في آن واحد:


-نظراتك، كلامك، خوفك عليا، دايمًا واقف جنبي وفي ضهري، واوقات بحس إنك مبسوط بيا.


رفع كفها لفمه ثم قبل بحنو قبل أن يهمس بتساؤل  يغمره التعجب:


-مبسوط بيكي ازاي؟


كتمت ضحكتها وهي تخبره عن حماقة تفكيرها:


-فاطمة قالتلي إنك مبتخافش وبتنزل صورنا عادي على السوشيال، مخوفتش صورتك الاجتماعية عند البنات تتهز، غيرك يفضل محافظ إنه سينجل.


ابتسم يزن ابتسامة مائلة فيها مرارة، وقال:


-طيب بذمتك كل الكومبو ده ومستخسرة فيا أنام على كتفك شوية.


ضحكت بصوت عالٍ ثم اقتربت منه ببطء، فترك رأسه يستقر مجددًا على كتفها مستسلمًا، وأغلق عينيه بسلامٍ لم يعرفه منذ زمن، بينما أصابعه تعبث بكفيها وترسم دوائر عشوائية كأنه يكتب عليها قصيدة صامتة، لكن صمته لم يطل، إذ فاجأها بسؤال لم يخطر ببالها:


-سيرا، لو حورية صاحبتك كلمتك دلوقتي، وقالتلك إزاي تقبلي تتجوزي واحد زي ده بتاع بنات وكل الهري اللي هي بتقوله، هتقلبي عليا زي ما كنتي بتقلبي زمان؟


أطرقت رأسها قليلاً تفكر وتستعرض حديث حورية عنه واختفائها المفاجئ، ليتها كانت الآن تراه كم هو حنونًا وشجاعًا وخير السند والصديق والحبيب، فأجابته بنبرة واثقة: 


-انت قولت زمان...زمان مكنتش اعرف شخصيتك، 

ولا اعرف عنك حاجة، مشاعرك مكنتش واضحة، وكلامك كان بيديني كذا معنى، لكن دلوقتي فهمت وعرفت كل حاجة.


قال بنبرة منخفضة وعيناه تبحثان في ملامحها:


-عرفتي إيه؟


ابتسمت ابتسامة صغيرة وقالت:


-إنك بتحبني.


ضحك بمرارة خفيفة:


-حلو إن الواحدة تعترف بنفسها لنفسها ده مسهل حاجات كتير.


ابتسمت بشقاوة عاطفية:


-ليه هو أنا مش هسمعك وانت بتقولهالي؟ انت أصلاً المفروض لما تصحى الصبح تقول صباح الخير بحبك، وفي وسط اليوم بحبك، وفي آخر اليوم بحبك.


ضحك بقوة وهو يقول بسخرية:


-تلات مرات يعني، ده دوا مضاد حيوي ولا إيه؟


ابتسمت بمكر:


-مضاد للاكتئاب، عارف لو فضلت تقولها عمرك ما يجيلك اكتئاب.


أجابها ساخرًا:


-هو اللي يشوفك ويعرفك يعرف يعني إيه اكتئاب، ما شاء الله أنا كل يوم في مصيبة معاكي.


صفعته بكلماتها المعاتبة:


-اخص عليك يا يزن؟ يعني أنا معيشاك في مصايب.


ضحك ساخرًا مجددًا وهو يشاكسها:


-لا أبدًا انتي؟ انتي معيشاني في هنا وسعادة وفرفشة.


ابتعدت سيرا عنه فجأة، في حركة حاسمة لم يتوقعها فانزاح جسده بثقله على الأرجوحة، شعر بفراغٍ مفاجئ يسكن كتفه حيث كان يستند برأسه قبل لحظة عليها، فراغ يشبه انطفاء دفء مدفأة في ليلة باردة، فكان لا يزال يتلمس بعينيه ملامحها وهي تبتعد، يتأمل ارتباكها وفي قلبه خليط غامض من الأسى والامتنان لتلك المسافة التي فرضتها بينهما.


ورغم كل ما مضى من مغامراته العابرة مع الفتيات، ورغم تعدد الوجوه التي مرت في حياته كظل عابر، لم يكن يزن يومًا من أولئك الذين يهوون التواصل الجسدي، فكان الغزل عنده حروفًا، كلمات يصوغها بلسانه بخفة ماكرة، يتفنن في رميها على مسامعهن جميعًا بنفس النبرة ونفس الأسلوب، كأنهن نسخ مكررة من قصة لا تبعث في قلبه شغفًا حقيقيًا، فكان يعرف كيف يضحكن وكيف يسرعن بالانجذاب إليه، لكنه في داخله كان يظل غريبًا، يقف بعيدًا كأنه متفرج على مسرحية يؤدي فيها دورًا لم يصدقه يومًا...إلا سيرا، كانت شيئًا آخر تمامًا.


-طب اوعى بقى ومتكلمنيش تاني طالما أنا مش عجباك.


ونهضت مسرعة تلقي بكامل سخطها عليه، بينما ظلت كلماتها تتناثر في الجو مثل أوراقٍ سقطت من شجرة في الخريف، ظل يزن في مكانه يحدق في الفراغ وتنهد تنهيدة طويلة تشي بحبٍ أكبر من كل الكلمات ثم تمتم بصوتٍ متحشرج لا يسمعه سواه:


-هو أنا ورايا غير إني أحب فيكي.


تلك الحمقاء لم تعلم أنه لم يكن الغزل معها مجرد كلمات جوفاء، بل صار فعلًا ينبت في الجسد والروح معًا، معها لم يعد يكتفي بتلك الضحكات العابرة أو النظرات السطحية، بل وجد نفسه وللمرة الأولى يتوق إلى القرب الحقيقي، كانت أول فتاة تثير فيه رغبة أن يمد يده فيمسك يدها لا على سبيل المجاملة، بل على سبيل الحاجة، أول فتاة يجد في كتفها راحة، وفي حضورها ملاذًا.

                            

                            ****


في اليوم التالي...


جلست يسر في الصالون الفسيح لشقة أبلة حكمت، وقد غمرتها رهبة لم تستطع أن تخفيها، وذلك بعدما قررت أن تأتي لتطمئن على سيرا، وحين لم تجدها، وجدت نفسها مضطرة أن تسمع من حكمت رواية ما جرى، وما إن تسلسل الكلام حتى استدار الحديث نحو ما وقع بينها وبين حسناء ونوح أيضًا، فاشتعلت ملامح حكمت بلهيب الغضب، وارتفع صوتها فجأة يخترق جدران الصالون كما يخترق السيف لحمًا طريًا، وصاحت بعينين متسعتين تقدحان شررًا:


-يالهوي وسكتي وهي بتقولك كده يا ختي عادي، أنا لو مكانك كنت جيبتها من شعرها.


ارتجفت يسر كأن مقعدها الوثير صار نارًا تحتها، زفرت زفرة طويلة وكأنها تحاول طرد كابوس يخنق صدرها، كانت كلمات حكمت تثير في أعماقها رغبة دفينة بالانتقام، رغبة تنمو كشوكة سرية في قلبها، لكنها في الوقت ذاته تُقيدها بقيود الخوف، فرفعت رأسها ببطء وقالت بصوت متردد يقطر بعدم الرضا:


-مينفعش دي عيادته وشغله وكده هضر بنوح، وبعدين هي ممكن تعمل فيا حاجة وأنا حامل.


هنا اتسعت أنفاس حكمت كمَن يسمع حججًا واهية، فرمقتها بنظرة حادة وقالت بنبرة صارمة تُقطع الهواء كالسياط:


-بقولك إيه البت دي لازم تتربى وتشوف منك العين الحمرا على حق عشان متتعداش حدودها معاكي تاني.


تسارعت أنفاس يسر ووضعت يدها على بطنها في حركة غريزية تدل على قلقها، ثم اعترفت بصوت خافت يفضح ضعفها:


-نفسي والله بس قولتلك مينفعش، ونوح بردو متضمنش رد فعله...المهم قوليلي هنروح نشوف سيرا ولا لا؟


أطلقت حكمت تنهيدة طويلة متخمة بالامتعاض، وكأنها تحمل العالم على كتفيها، كانت تحتقر هذه السلبية التي تراها في يسر، تلك الاستكانة التي تجعلها عاجزة عن الدفاع لا عن زوجها فقط بل عن كرامتها أيضًا، فنهضت بخطوات حاسمة وبعينين تلمعان بالتصميم قالت ببرود متوتر:


-اه هدخل البس اهو.


خطت بضع خطوات نحو باب الغرفة، لكن فكرة ما ومضة في ذهنها فجعلتها تتوقف فجأة عند العتبة، استدارت ببطء وكأنها تحيك خيطًا جديدًا لمكيدة لم تولد بعد، وقالت بصرامة لا تقبل الرفض:


-بقولك تعرفي تجيبلي عنوان البت دي لغاية ما اخلص لبس؟


رفعت يسر رأسها بارتباك وأشارت برأسها نافية بعفوية، لكن هذه الإيماءة البلهاء لم تزِد حكمت إلا حنقًا، فعادت إلى غرفتها وهي تغلق الباب بقوة أرعدت جدران المكان، حتى شعرت يسر أن الضربة موجهة لصدرها هي.


مرت دقائق ثقيلة كالأعوام، خرجت بعدها حكمت وهي تعدل من حجابها بعناية، وقد بدا عليها ثبات العزم أكثر من أي وقت مضى، وجدت يسر تقف في منتصف الصالة، ثم رفعت هاتفها بخجل ولوحت به مزينة ارتباكها بابتسامة متوترة وقالت:


-جبته من سواق بيشتغل عند نوح، قوليلي عايزاه ليه؟


ارتسمت على شفتي حكمت ابتسامة شريرة، ابتسامة تحمل في طياتها وعدًا قاسيًا لا يعرف الرحمة، وقالت بصوت هادئ لكن كالنصل البارد:


-تعالي واتعلمي ازاي تدافعي عن حقك، وإن ماكسرتلك مناخيرها مبقاش أنا.


غادرتا البناية بخطى متسارعة، والهواء من حولهما مشبع بالتوتر، لكن القدر شاء أن تقف في طريقهما فاطمة التي هرعت إليهما لاهثة من شدة العجلة، حتى كادت أن تتعثر من اضطراب أنفاسها، وما إن رأت حكمت حتى قالت بصوت متقطع:


-أبلة حكمت...كويس إني لحقتكوا، سيرا قالتلي إنك رايحة ليها خديني معاكي.   


اقتربت فاطمة لتقبل يسر، فبادلتها الأخيرة المودة بعناق حار وقبلة صادقة، تحمل في طياتها حبًا وودًا حديثًا، وحين ابتعدت عنها رفعت عينيها لتجد حكمت تتفحصها بنظرة تقييم، لم تنطق بكلمة بل رفعت يدها وأوقفت سيارة أجرة، وأشارت لهما بصرامة أن تتبعانها.


اقتربت فاطمة من يسر وهمست في أذنها بفضول لا يخلو من القلق:


-هو في إيه؟ ده أنا توقعت تشتمني ومتاخدنيش ولا إنها توافق بالسهولة دي!


أجابت يسر بصوت مبحوح كمن يُلقي نبوءة مرعبة:


-في مصيبة ربنا يستر.


جلسن في المقعد الخلفي للسيارة، حكمت في المنتصف تمسك زمام الموقف كقائد معركة، وعيناها مثبتتان بشراسة وكأنها ترسم على الطريق خطة انتقام محكمة، لم يلبث أن اخترق فضاء السيارة صوت فاطمة بسؤال ساذج لكنه منطقي:


-طيب وافرض مكنتش موجودة في بيتها؟


أجابت يسر بسرعة محاولة أن تطمئن نفسها أكثر مما تطمئن فاطمة المسكينة:


-النهاردة الجمعة اجازة، وهي أكيد في بيتها.


لكن حكمت قطعت حديثهما بضحكة قصيرة ساخرة، ثم قالت بصوت ممتزج بالصرامة والتهديد:


-اهو محاولة لاقينها اخدت اللي فيه النصيب، مكنتش موجودة ربنا رحمها من تحت ايدي.


ارتجفت يسر وأسندت يدها على بطنها كمن يستشعر خوفًا مزدوجًا على نفسها وجنينها، ثم همست بارتباك:


-أنا خايفة!


ابتسمت فاطمة ابتسامة سوداء، كأنها تسخر من حظها العاثر الذي قذف بها وسط هذه العاصفة، وقالت بنبرة حزن:


-حقك يا حبيبتي.


حينها انقض صوت حكمت كالسوط، نهرتهما بصرامة لم تترك مجالًا لأي اعتراض، ثم أتبعت كلماتها بابتسامة غريبة تحمل لذة لا تُخفى في انتظار ساعة الانتقام:


-بس بطلوا كلام، مش عايزة اسمع حاجة تعكر مزاجي.

                          ****


كان يزن يقف في الحديقة الصغيرة التابعة للمنزل، والنسيم العليل يمر بين الأغصان البسيطة فيحركها برفق كأنه يلاعبها، بينما انشغل هو بمداعبة الصغير أنس بالكرة، فارتفعت ضحكات أنس ببراءة خالصة، عاكسة سعادته الكبيرة باللعب مع عمه يزن، إذ كان يركض خلف الكرة بحماس، ويقفز بفرح طفولي يُشيع في المكان جوًا من البهجة.


لكن هذا الصفو المرح لم يدم طويلًا، إذ اخترق الأجواء صوت حازم جاء من بعيد، صوت سليم الذي دوى في أذن الطفل بجدية قاطعة:


-أنس تعالى عايزك.


توقف الصغير عن الركض فجأة، وكأن أوامر والده أقوى من كل الألعاب، ثم التفت نحو يزن وهو يلهث قليلًا من فرط الجري:


-هروح اشوف بابا واجي احكيلك عن روني صاحبتي الجديدة.


ابتسم يزن ابتسامة ماكرة وانحنى قليلًا حتى صار في مستوى الصغير، ثم همس له بنبرة ساخرة تحمل في طياتها شيئًا من المزاح الممزوج بالجد:


-لا تحكيلي إيه مش أنا توبت.


انعقد حاجبا أنس الصغير، وظهرت على وجهه ملامح الدهشة البريئة، وكأنه يحاول أن يفك شيفرة كلمة لم تدخل بعد قاموس طفولته، رفع رأسه نحو يزن متسائلًا بجدية طفولية لا تعرف حدودًا:


-توبت عن إيه يا عمو؟ مفهمتش!


ضحك يزن ضحكة قصيرة، ثم أجابه ببساطة شديدة وعيناه تشردان قليلًا كأنهما تسترجعان مواقفه مع سارقة قلبه وعقله:


-لما تكبر وتبقى زيي وتخطب واحدة زي طنط سيرا، هتعرف يعني إيه توبت.


وقف أنس يفكر بعقل صغير لم يدرك بعد معاني الخيبة أو الحنين، ثم غمغم متعجبًا وهو يميل برأسه:


-يعني طنط سيرا قالتلك ماتكلمش بنات غيرها؟


ارتفعت ضحكات يزن، ثم أومأ برأسه نافيًا وهو يقول بمرح هادئ، يخفي بين طياته مرارة لا يفهمها طفل:


-لا دي كرهتني في صنف البنات كلهم، متشغلش بالك بالكلام ده دلوقتي، انت وراك مهمة يا بطل مع أبوك الشرير.


هنا بدت ملامح أنس جادة وهو يدافع عن والده دفاعًا بريئًا يفيض بالحب:


-بابا مش شرير، بابا ده عسل.


أطلق يزن ضحكة ساخرة، ثم ربت على كتف الصغير بحنان قائلاً:


-عسل معاك انت وماما وقمر، لكن معانا احنا شرس.


رفع أنس رأسه بدهشة أكبر، وعيناه تلمعان بحب والده الذي لا يعرف فيه قسوة، وتمتم بتساؤل لم يخطر على باله أن يسمعه:


-بابا؟


اقترب يزن أكثر وابتسم ابتسامة تحمل في عمقها طيفًا من السخرية والحنق ثم همس:


-ايوه يا أنس ده عدو فرحتي، يشوف فرحتي فين ويبوظها.


فتذكر يزن أنه منذ الصباح الباكر لم يستطع أن يجتمع بـ سيرا ولو للحظة قصيرة، إذ كان سليم حاضرًا في كل مكان كظله الثقيل، حتى خطر في بال يزن أنه قد يجده واقفًا أمام دورة المياه أو جالسًا في صحنه الذي يأكل فيه! وجوده الدائم جعله عاجزًا حتى عن أن يرمش جفنه إلى حيث تجلس سيرا، أو أن يسرق لمحة من عينيها التي تشتاق إليها روحه أكثر مما تشتاق الصحراء إلى المطر، فكان قلبه يتأجج بالشوق ويضج برغبة جامحة في أن يختطفها بين ذراعيه ويفر بها بعيدًا عن أعين الجميع، لكنه كبح نفسه بجهد، وقرر أن يؤجل ذلك إلى المساء حيث يكتمل خيط خطته المرسومة بعناية.


وفيما كان غارقًا في دوامة أفكاره، انتبه فجأة إلى وقع خطوات خلفه فالتفت ليجد دهب تقف حاملة فنجان قهوة بين يديها، كانت نظراتها مترددة لكنها حاولت أن تغلف صوتها بالنعومة حين قالت بنبرة تكسوها دلع مقصود:


-عملتلك فنجان قهوة.


رمقها يزن بضيق واضح، وقد انعقد ما بين حاجبيه علامة نفور من تصرفها الذي اعتبره تدخلًا في مساحة لا تخصها ثم أجاب بصرامة قاطعة:


-ارميه، مبحبش القهوة.


لم تيأس بل حاولت مجددًا وهي ترفع الفنجان قليلًا تجاهه كأنها تغريه بقبوله:


-ليه بس، طيب دوقه عشان خاطري؟


أدار وجهه عنها ثم عاد ينظر إليها نظرة جامدة خالية من أي تعبير، وأجاب ببرود مُتعمد ثم أردف بكلمات حملت قصدًا خفيًا لتذكيرها بحدودها معه:


-قولتلك مبحبهوش، هي سيرا فين؟


تشنجت ملامح دهب فجأة، كمن تلقى صفعة خفية، وقالت بامتعاض لم تحسن إخفاءه:


-هو أنا كل ما اقف معاك تسأل على سيرا؟


ابتسم يزن بسخرية باهتة ورد بجملة قاطعة:


-امال أسال على مين؟ عليكي؟ طبيعي اسال عليها؟


-ليه طبيعي؟


ابتسم بفتور ثم أطلق إجابته كالسهم المباشر:


-يمكن عشان هي مراتي؟!


اتسعت عيناها بدهشة غير مصدقة، ثم قالت وهي تكاد تختنق بضحكة عصبية:


-مراتك؟ انتوا لسه كاتبين الكتاب.


ارتسمت على ملامح يزن علامات الضجر، فقال بنبرة حادة لم تخلُ من التوبيخ:


-انتي بتتدخلي في أمور أكبر من سنك ليه يا دهب؟ انت يخصك في إيه مراتي ولا كاتبين الكتاب!!


أطرقت للحظة ثم رفعت رأسها لتسأله بجرأة عفوية:


-هو انت بتحبها لدرجادي؟!


تضايق من سؤالها المباغت فشدد على كلماته بحدة:


-هي مين؟


همست بخجل متردد لكن الفضول غلبها:


-خالتو سيرا.


-اممم خالتك... رغم إنها حاجة متخصكيش، بس اه بحبها امال كتبت كتابي عليها ليه؟!


ارتبكت دهب وتشبثت بخيط وهمي أخير لتثبت لنفسها شيئًا ما، فقالت بتلعثم:


-مش عشان تنقذها من الفضيحة؟


ارتفع صوت يزن فجأة وفيه تحذير واضح:


-دهب!


-دهب


ارتعدت أنفاسها وتجمدت أطرافها في مكانها، ثم التفتت ببطء شديد، كمن وقع في الفخ الذي كانت تخشاه، تجمدت عيناها على سيرا الماثلة أمامها بملامح صارمة تشتعل بالحنق، فيما انحدرت نظراتها برجاء بائس نحو يزن، وكأنها تتوسل منه أن ينتشلها من هذا الموقف الحرج الذي علِقت فيه!

_____________

قراءة ممتعة 😍🔥

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااا


تعليقات

التنقل السريع
    close