رواية خطأي أنني أحببته الفصل السادس 6 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
رواية خطأي أنني أحببته الفصل السادس 6 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
#خطأي_انني_احببته
#حكايات_mevo
البارت السادس...مرت الأيام على ياسين ثقيلة الوطأة، قاسية الملامح؛ فمن بعدها اشتعل فؤاده بنيران لا تهدأ، وصار يحدثها كثيراً، بينما هي لا تجيبه إلا باقتضاب، كأنها تدافع عن قلبها بما تبقى من صمت. وكان يتفنن في ملاطفتها، وفي كل مرة يذكرها بذلك العريس، ثم يشرع في تشويه صورته أمامها بمهارة لا يملك غيرها، وهي في الأصل لم ترده، ولم تفكر فيه لحظة.
وحين ضاق صدرها بالجدل، ملت، وأخبرته أخيراً أنها قد رفضته، كي يستريح قلبه الهائج. فما إن سمع حتى هتف متلهفاً بصوت يوجعها:
ـ بجد يا مرام.. أديتي للزفت ده سكّة؟! احلفي بالله...
كانت لهفته تنهشها من الداخل، ولا تدري إلى أين تمضي به تلك التصرفات الجامحة. كيف يريدها هكذا، ولا يقدر على كبح عقله وغروره الذي يطغى عليه!
فتصنعت المرح، تخفي ما يعتمل بداخلها، وقالت:
ـ لا.. ماما مش هتعتقني. كلها أسبوع وهترزّني بحد تاني، لحد ما أزهق وأتجوزلهم أي حد معدّي... الزن هيخلص على دماغي.
ليهتف بحنق، وقد بدا الغضب يشتعل في صوته:
ـ مرام، مش حاجة ظريفة هزارك ده! بلا جواز بلا زفت! يعني إنتِ شايفة المتجوزين مبسوطين؟
(حقه... المتجوزين هيطرشقوا من الفرح 😂😂).
ثم قال بحدة:
ـ ما أنا أهوه! ما بتجوزش.
لترد عليه ساخرة، ترميه بكلمات تعرف أنها ستجرح قلبه:
ـ آه، ما بتتجوزش... بس بتصاحب بالكوم! دانتا مش عاتق حد! تيجي عليا أنا ومش عايزني أشوف نفسي؟ مش هخلّي أنا!
كانت تريد أن توجعه، فهي تدرك موضع حرقته.
ليهتف بغضب، محاولاً تبرئة نفسه:
ـ دول أي كلام! أنا مش جد في علاقاتي... وبطلتها أصلاً يا مرام! بقالي فترة ربنا هاديني، وما خرجتش مع جنس ست! إنتِ مش واخدة بالك ولا إيه؟
(ولا إيه 😂😂😂... وبقيت مؤدب وبشرب اللبن 😅😅).
لتقول بقهر، وقد غلبها الأسى:
ـ آه، واخدة بالك... ربنا يهديك، وتلاقي بنت الحلال اللي تلمك وتعيش معاها مبسوط.
ليصمت ياسين لحظةً ويتنهد تنهيدةً ثقيلة، كأنها تخرج من عمق صدره. ثم همس بصوت منخفض، يحمل مرارة رجل يشتاق لما لا يملك:
ـ أعيش مبسوط وتلمني... طب نفسي وهموت والله وأتلم عليها.
كان هادئاً، يكفيه كونها معه وبجواره.
لتقول متصنعة المرح، وقد أرادت أن تحرقه أكثر:
ـ بص هو بيبقى عقد وينفرط. أنا أتجوز وبعدين فادي، وخليك للآخر، ختامه مسك! هفرحلك أوي...
(رشي يا بت جاز وإحنا هنجيب الولعة 😂).
ليهتف بغضب، يحاول إخفاء وجعه بالكلمات:
ـ هتفرحيلي؟ طب اقفلي بقى عشان ما تغاباش عليكي. ال تتجوزي وأفرح ونفرح لبعض! اقفلي وروحي نامي، اتخمدي يا مرام، نكدتي عليا.
هتفت متصنعة البراءة، وفي صوتها لسعة لا تخفى:
ـ إيه بس مالك؟ هو إنت هتقعد من غير جواز؟ دانت عديت التلاتين إيه، مستني لما تجهز أجي أسلفك قرشين؟
(يكفيكو شر كيد الن$وان 😂😂😂).
تحامل على نفسه، يقبض على أنفاسه كأنها هربت منه، ثم قال بغلظة تخفي انكساره:
ـ مش هتجوز... مش بتاع جواز أنا. بطلي بقى.
(أمال بتاع إيه يا واد... يا دِكري 😂😂😂).
لتقول بوجع تحاول أن تداريه، وقد خرج صوتها متقطعاً كأنه يجرحها:
ـ ليه مش بتاع جواز؟ دي سنة الحياة! يعني هتفضل كده طول عمرك؟ إنت مش ناقصك حاجة إلا إنك تحب.
كانت تخرج الكلمات بصعوبة، كأنها تحارب نفسها لتبوح بها.
ارتبك ياسين ويفكر فيها لحظة، ثم همس:
ـ لا يا مرام... مش قصدي. هتجوز طبعاً، بس مش في دماغي دلوقتي.
تنهدت، وهي تنظر له كأنها تكشف ما بداخله:
ـ أما تلاقي اللي تحبها صح هتتجوزها.
قال بغلب، وقد خفت صوته فجأة:
ـ آه يا مرام... لما ألاقيها.
همست، وتنزل دمعة من عينها لم تستطع منعها:
ـ هو طول السنين دي ما لقيتش حد؟ دانت بتشوف ستات بتبرق!
تنهد، ويتخيلها أمامه، وصوته يغدو أعمق:
ـ مش أي ست يا مرام... مش أي ست.
لتقول أخيراً من وجعها منه، فلم تعد قادرة على ما يفعله بها:
ـ أمم... إنت حاطط عينك بقه على حاجة كبيرة؟ بنت وزير ولا حاجة؟ ماشي يا ياسين بيه! الله يعينك بقه، وسيبنا أنا والغلبان فادي ننقي أبو قرش وأبو قرشين...
انفعل عليها فجأة، صوته يرتجف بالغضب:
ـ قلتلك أنا مش زفت بيه هو فيه إيه؟ مالك مزفتاني كده؟ ووزير إيه وزفت إيه؟ وما تتكلميش عن نفسك كده تاني قدامي.
كان منفعلاً بشدة، لا يقبل منها الكلام رغم أنها تكرر ما سمعته منه.
استعجبت من اندفاعه، وتنهدت قائلةً بنبرة متعبة:
ـ طيب طيب... إنت كلّه خناق كده؟ أنا مش عارفة إنت بقيت عصبي كده ليه.
قالت بنبرة صادقة، يخرج منها الصدق رغم الألم:
ـ ربنا يوفقك بجد يا مستر ياسين... إنت ومستر فادي. إنتوا أقرب ناس ليا، وأتمنى فعلاً ليكم الخير. إنتوا إخواتي بجد.
هتف ياسين بغضب، وقد اشتعل صوته:
ـ إخواتك إزاي؟ إنتِ اتجننتي؟
بهتت هي قليلاً وقالت بوجع، وقد خذلها صوته:
ـ إيه يا ياسين بيه؟ ما شبهش ولا إيه؟ عموماً أنا آسفة... مش هتتكرر تاني. تصبح على خير.
صرخ فيها، وتدفق صوته عبر السكون:
ـ والله لو قفلتي الخط هتلاقيني قدام الباب!
وأكمل، وهو يحاول تدارك نفسه:
ـ إنتِ بطلي غباء... أنا مش قصدي حاجة. إنتِ أكتر من أخت... لا، أخت إيه! إنتِ صديقة غالية.
وقال بحنية أوجعت قلبها، وصوته يلين بعد انكساره:
ـ إنت غالية أوي عندي والله.
تنهدت من فرط انفعاله، وهمست بصوت يرتجف:
ـ بتعمل فيا كده ليه؟ حرام عليك.
ثم تنهدت مرة أخرى وقالت باستسلام:
ـ خلاص يا ياسين بيه... مفيش حاجة.
غضب ثانيةً، وتفجرت كلماته غاضبة:
ـ هتقولي ياسين زفت. يا مرام أنا مش زفت. أنا عمري بالنسبالك ما هبقى بيه، إنتِ فاهمة؟ بطّلي عشان بتعصب وبتزعلي. إنتِ بالنسبالي مرام حاجة كبيرة أوي، وأنا ياسين اللي بنشتغل مع بعض. إنتِ ما بتشتغليش عندي!
ضحكت بسخرية، كأنها ترد له ضربته بكلمة:
ـ حلوة ما بتشتغليش عندي دي... أمال بشتغل عند مين؟ أنا بشتغل عند ياسين بيه الكاشف بجلالة قدره! هو إنت أي حد؟
قال بغضب يحرقه من الداخل، وقد ارتفع صوته:
ـ استغفر الله العظيم! هو إنتِ حد مأجرك عليّ النهارده تحرقي دمي؟ ماله ياسين زفت الكاشف بتبصي له كده ليه؟ عادي يعني! أهو زفت راجل زي بقية الرجالة.
(آه زفت ملبوس 🤣🤣🤣).
أبعدت التليفون عنها، وهزّت رأسها وهتفت ساخرةً، وقد اشتعل غضبها:
ـ والله ملبوس...
أشعلته أكثر بكلماتها، وقالت بحدة:
ـ خلاص يا عم، إنت مالك اتعصبت كده؟ مش حتة السكرتيرة بتاعتك اللي هتعصبك!
أحسّ بقبضة حديدية تكبّله في صدره من كلامها، وشعر بحقارته عندما تذكر أنه قالها لفادي، وغمره القرف وهو يسمعها ترددها على نفسها. فصدح صوته عالياً، كأنه يجلد الهواء:
ـ قطع لسان اللي يقول عليكي كده!
(يا ولاد حد يلحقنا بتليفون الخانكة 😎😎😎).
انشلت أوصالها فجأة، واستولى عليها الذهول، وهمست في نفسها: هو فيه إيه؟ هو اتجنن؟
أكمل هو وصوته يعلو أكثر، والغضب يحرق حروفه:
ـ إنتِ إزاي قدرتي تقولي كده؟ إنتِ مرام اللي تتحط على الراس وتدخل القلبِ إنتِ عندك غباء يا مرام مش عارف جايباه منين. إنتِ مش حاسة بحاجةِ
واحتدّ صوته يكاد ينكسر:
ـواخر مره أسمعك تاني بتقولي زفت بيه وزفت سكرتيرة؟ إنتِ مش سكرتيرة... إنتِ اللي شايلاني وواقفة في ضهري!
كانت مشلولة من انفعاله، وتساءلت في نفسها، قلبها يرتجف: هو مجنون؟ أمال قالي كده ليه؟ هو بيعمل كده ليه؟ قلبي وجعني يا ربّي...
قالت أخيراً، تحاول أن تسيطر على أنفاسها:
ـ خلاص خلاص... دانت بقيت بلمس! بكره تتجوز وأشوف مراتك هتعمل إيه فيها، وتتطلّع زعابيبك دي عليها. بس أنا هتجوز قبلك عشان أفرح وأغيظك، وأنا وفادي نشمت فيك ونفرحلك.
هتف هو، والغضب يكاد يقطّع كلماته:
ـ طب كفاية عليكي كده بدل ما أجي أفلّقك نصين ونفرح كلنا؟ اقفلي يا مرام اقفلي... قفلتيلي يومي ونكدتِ عليا.
وأقفل الخط، وظلّ يأكل نفسه من الغيظ: عايزة تتجوز قبليا كمان! تتجوز وتفرحلي! دا بعدها تتجوز الـ... وبيه وزفت وقطران! دا حاجة تجلط... أنا عارف هتموتيني يا مرام بحسرتي!
تمتم يائساً:
ـ ياسين زفت الكاشف... وبتقولي بنت وزير... نهار طين! البت مسافرة بعيد، واخدة السريع وبتبعد عني. آه ما أنا ياسين بيه، أحط عيني على حاجة كبيرة... دماغها محشور زفت طب أعمل إيه؟ أخرج الكلام ده من دماغها إزاي؟ لا، وتقولي أختك!
وجع قلبه وتكسّر، همس في نفسه:
ـ يا مصيبتك يا ياسين... إنت مش في دماغها. طب أعمل فيها إيه؟ وتبصلي هي؟ ما بتبصليش ليه يا قلبي، دانا هموت عليكي والله... وإنت نازلة هبد: أَتجوز وأتهبب وأجيب ست! الله في سماه ما يتسمالي ست غيرك. دانتِ اللي في العين والقلب.
ثم خاطب نفسه في غيظه:
ـ طب إيه يا ياسين؟ مش تعقل بقه؟ البت كانت هتروح... وفادي قالهالك. هتنشل يا ياسين وتموت لو مرام راحت.
تنهد أخيراً، رفع رأسه للسماء كأنها أمله الأخير:
ـ يا رب... ما عدتش قادر.
أما هي، فكانت في حالٍ آخر تماماً. تساءلت في نفسها، وهي تمسك قلبها بيدها: هو ماله بيتكلم كده ليه؟ أمال وجعني ليه كده؟ هو ملبوس ولا مجنون؟ يا رب أنا موجوعة أوي... دا عكس كل كلامه! أمال عمل كده ليه؟
دخل عليها محمود صامتاً، وظلّ يتحدث معها بكلمات متقطّعة، لكن موده كان سيئاً. اقتربت منه بهدوء، فقال بنبرة مكسورة:
ـ مفيش خلاص... آخر ميعاد للتقديم الأسبوع الجاي. حاسس إني مقهور.
سرحت قليلاً، وأحست برجفة في قلبها. كان عقلها يفكر في شيء، وقلبها ينهرها، إلا أن عقلها تغلب عليها لما تعانيه وما عانته من كل ما حدث.
قررت أخيراً قراراً حاسماً، قراراً ستجعل به ياسين يصاب بفاجعة تطبق على روحه. تقدمت من محمود، وكلها عزم على المضي فيما تعمل، وقالت بصوت فيه حزم ووجع مختلط:
ـ خلاص يا محمود... أنا موافقة نتخطب السنة دي.
نظر إليها محمود ببلاهة، عيناه تتسعان غير مصدّق لما يسمع، وتمتم مرتبكاً:
ـ إنتِ بتتكلمي بجد يا مرام؟ بحق وحقيقي؟ والنبي هتوافقي؟
ابتسمت وقالت، وصوتها يرتجف خلف ابتسامةٍ متعبة:
ـ آه يا آخره صبري... وآخر السنة ننفصل، بس بشرط: مفيش مخلوق هيعرف بده، لازم توعدني بيه.
اقترب منها محمود وقبل يدها بحماس:
ـ ربنا يخليكي يا مرامتي. أما أقوم ألحق أقول لخالتي وأمي قبل ما ترجعي في كلامك...
قام مسرعاً، بينما هي تشعر بالوجع يغمرها، تهمس في نفسها: كده يا ياسين... ليه تعمل فينا كده...
تنهدت لتسمع محمود ينادي بصوتٍ عالٍ، يمزّق الصمت:
ـ يا خالتي! يا خالتي! يا خالـــتااااي!
دخلت خالته وهي تصيح ساخرة:
ـ إيه يا زفت بتهيص ليه؟
قال أخيراً بفرحةٍ طائشة:
ـ يا خالتي... بنتك وافقت.
هتفت الخالة بدهشة:
ـ بجد؟ وافقت على كريم؟
قال ضاحكاً:
ـ كريم إيه يا حاجة نعمة، ما تهمدي كده وصلي على النبي في سرك. ده وافقت على سبع الليل، فارس الفرسان محمود شكري!
كانت مرام تضحك بشدة على لسعان ابن خالتها. هتفت أمها بدهشة ممزوجة بالغضب:
ـ وده من إمتى الحب اللي ولع في الدرا؟ ده إنتوا ناقر ونقير! واد يا محمود إنت لسعت!
هتف هو، يضحك على نفسه:
ـ يا دي النيلة على اللسعان! محمود دلوقتي هيبصلكو من فوق... أنا هتنقل في شركة فوق فوق... وهعطف عليكو.
نظرت إليه مرام بسخرية وقالت:
ـ لا والنبي إيه؟ طب أقوم بقه أدخل، ما أردش عليك، وأنسى اللي اتقال.
اقترب منها وهو يحلف ويبالغ:
ـ لا وحياة أبوكي، ده أنا بق وجزمة... حد يسمع للجزم! هنشتري الدبل إمتى يا قلبي؟ ونلقط صورتين كده وننزلهم على الفيس وستوري وإنستا. ههريكي صور عشان الناس تتأكد.
ابتسمت بخبث وقالت:
ـ حلوة فكرة الصور دي... حابة أوي الناس تتأكد ونشوف رد فعلهم.
(يا حسرتووووووه 🤣🤣).
هتفت الأم:
ـ طب أمك يا واد ابعتها أما نشوف نحضر لإيه وهنعمل إيه.
قالت مرام ببرود، وهي تحاول التحكم في زمام الأمور:
ـ حيلك حيلك... هما دبلتين هيتحطوا من سكات، والحفلة في الفرح. أنا تعبانة يا ماما.
رضخت الأم لضغط ابنتها.
مر يومان. كانت مرام قد استأذنت من رب عملها، وكان هو قد وصل لآخر مرحلة من اشتياقه، فأراد أن يذهب إليها ويأخذها في حضنه. أما مرام فكانت كالمغيبة؛ فعلت كل ذلك لتخبره أنها خلاص لم تعد موجودة له كأنثى أو متاحة، وأنه فقدها للأبد، فليعش مع نفسه وإنجازاته.
أرادت أن تعرفه أن مشاعره لن تكون أبداً لها، وأنها لن تكون له، فمرام ستكون مع رجل آخر، ولن يقربها هو رغم قربها؛ آلاف الأميال. كانت تحبه وتعشقه، ولكنه طعنها بكلماته.
كانت تتمنى أن تعيش عمرها راهبة صامتة ترضى بالقليل من وجوده في حياتها، ولكنه أبعدها بغبائه.
كان محمود سعيداً، أخذها واشتريا الدبل، بينما قلبه يخفق بفرحة طفلٍ حصل على لعبته المفضّلة. هتفت له وهي تبتسم ابتسامةً متعبة:
ـ يلا نلبسها ونتصور في أي حِتّة.
وقفا بين الزهور، لبسا الدبل، واحتضنها محمود من الخلف. رفعا أصابعهما عالياً لتلمع الخواتم في الصورة، كأنها إعلان انتصارٍ للحب. كانت السعادة تشع من اللقطات؛ صور أخرى التُقطت لتجعل كل من يراها يظن أنهما يعشقان بعضهما عشقاً أبدياً، عشقاً لا يعرف الانطفاء.
لكن الحقيقة كانت غير ذلك...
عادت إلى البيت، جلست، وأمسكت بهاتفها. بدأت تنشر تلك الصور على مواقع التواصل والانستا. كتبت بخط يدها المرتعش:
حدث سعيد وبسيط...
افرحولي.
حوده حبيبي ابن خالتي.
وضغطت زر النشر.
في داخلها لم تكن تحتفل... بل كانت تنتظر موت حبيبها بيدها كما فعل بها هو من قبل. كانت تتوجع ألف مرة، تتفتّت روحها وهي تبتسم للعالم. لكنها أقسمت أنها ستحافظ على كرامتها من دونية تفكيره.
هو السبب.
هو من دفعها إلى الهاوية.
هو الذي ظن أن أفكاره منغرزة بداخله، يصدح بها كأنها حقائق مطلقة، ليكتشف – بعد فوات الأوان – أنها لم تكن سوى شعاراتٍ سطحيةٍ هزيلة... شعارات قضت عليه وعلى قلبه.
أما هي... فكانت تشتعل في صمت.
كان داخلها يحترق، وكان قلبها يذوب بين أصابعها. وهو – هناك – لم يكن يعلم بعد أن غروره سينهار ويتحطّم، لينكسر على صخرة الفاجعة... الفاجعة التي صنعتها بيديها له، كما صنعها هو لها.
كان فادي يسهر في أحد الأماكن بصحبة ياسين، ذاك المتذمر الدائم الذي لم يعد يجد متعة في السهر. فما إن رآه فادي على تلك الحال حتى وبخه ضاحكًا:
– "يا عم دانت عيل بومة! الدنيا حلوة.. إيه مالك كاره كل حاجة؟"
لكن ياسين لم يحتمل، فنهض صارخًا:
– "قوم بقى، قوم نروح نقعد في البيت.. يلا قوم."
استسلم فادي على مضض، وانطلقا بالعربية. جلس ياسين ممسكًا بالمقود بينما انشغل فادي بتصفح مواقع التواصل. فجأة تجمدت ملامحه، سقط قلبه بين ضلوعه، التفت إلى ياسين بعينين مرتجفتين. وكتم أنفاسه بصعوبه.
وصلا إلى البيت، دخلا المكتب. رمى ياسين بجسده على الكنبة مهمومًا، فيما تبعه فادي مرتبكا، مرعوبا، يتردد في كل خطوة.
رفع ياسين حاجبيه متجهما:
– إيه ياض؟ مالك واقف متصنم كده؟ خش.
ارتبك فادي أكثر، تمتم متلعثمًا:
– هاه.. آه.. هدخل.. هدخل.
لاحظ ياسين شحوب وجهه، فزفر متوجسا:
– مالك يا فادي وشك أصفر ليه؟ في إيه؟
ابتلع فادي ريقه بوجع، اقترب وقال بصوت مبحوح:
– هقولك.. بس بالله عليك تمسك نفسك وتفكر إن كل حاجة قسمة ونصيب.
قطّب ياسين جبينه، دبت رعشة خفية في صوته:
– فيه إيه...؟
اقترب منه، وبحث عن موقع مرام مرتبكا قليلًا، ثم اعطاه له.
أخذ ياسين الفون، فهوي قلبه من مكانه، وشعر أن الدموع ستحرق عينيه.
يرى مرام واقفة، ووراءها محمود يحتضنها، والاثنان يرفعان أيديهما بابتسامة صافية. وتحت الصورة مكتوب: حدث سعيد.. ادعولي.
ثم باقي الصور، وهما ينظران لبعض بسعادة، والتعليقات تنهال عليهم بالدعاء بالخير والزواج القريب.
ظلّ ياسين مشلولً لبعض الوقت، قلبه يكاد يخرج من مكانه، وأنفاسه تطبق على صدره. لينطق أخيرا متحشرجا:
– إزاي مش كان كريم وخلصنا منه؟ يخشلي محمود. أنا كنت حاسس إن الواد عينه منها.. بس ما بانش عليها إنها بتحبه.
شعر أن قلبه سينشق، وهمس بقهر غير مصدق:
– مرام.. تحب وتتجوز مرام تتجوز وتسيبني. تسيبني أنا؟! قدرتي تسيبيني يا قلبي.
فهتف فادي بقسوة:
– "تسيبك إيه يا عم! إنت عقلك خف؟ دي أصلً مش حاسة بيك، ولا شايفاك.. إنت أهبل.
صرخ ياسين، كأن نيرانه انفجرت:
– ومش حاسة بيا ليه مش شايفاني ليه؟! هو أنا مش راجل قدامها؟! مفيش ست بتشوفني إلا وهتموت عليّا!
(أم النرجسية يا أخي 😏😏)
أكمل بقهر... سنين.. وهي مش حاسة! ليه ما اتشفش ليها؟ ليه؟! دي جوا عيوني.
استغرب فادي، يضرب كفا بكف:
– إنت يا بني إيه ده. وهي هتحس بيك إزاي. إنت عملتلها إيه؟! ولو حتى حست، هتستفاد إيه؟ ما إنت أصلا مش عايزها.
صرخ ياسين بجنون :
– "بس.. بس مين اللي مش عايزها؟! دانا حاسس إني بتقطع. الصور هتموتني! قلبي بيتعصر، وعروقي كأن جواهم زيت مغلي. أنا مش عايزها.
جلس بوجع، دموعه تنهمر وهو يهمس:
– "دانا هموت عليها يا فادي.. دانا بتمناها كل دقيقة.. دانا بنام أحلم بيها، وأقوم أدور زي المجنون.. تقوم تروح مني كده؟! طب أعيش إزاي باللي شابط جوايا؟! لا.. دي المفروض تكمل معايا.. أقعد مستنيها، لحد ما تجيب رقبتي وتكمل عليّا وتتجوز! لا.. لا والله ما يحصل! محمود ده لازم يغور في داهية! أنا مش هستحمل.. هي تسيبه.. هي ما ينفعش تبقى لغيري!"
قام من مكانه ثائرا، أمسك بمكتبه، وزاح كل ما عليه من غضبه، وراح يدور حول نفسه هلعًا من فقدانها.
فأمسكه فادي محاولًا تهدئته:
– اهدى.. اهدى طيب! ما أنا قلتلك الحقها قبل ما تحب!"
لينظر إليه ياسين بعينين تشتعلان نارًا:
– تحب. مرام ما ينفعش تحب وتتجوز غيري! مرام بتاعتي أنا وبس ولو طلت، هموّتها.. واموّت نفسي معاها!"
فيبهت فادي مذهولً:
– "تتجوزها. مش إنت يا بني اللي قلت عليها حتتة سكرتيرة. والناس هتاكل وشك؟! إنت ملبوس رسمي!"
فيهتف ياسين بغلب وندم:
– لأ.. كنت حمار! (وبقرة بتنعر عااا 😎😎😎) ماكنتش متخيل إني هتوجع كده.. ماكنتش عارف إن بعدها هيموتني كده! أنا أدوس على أي حاجة.. ولا إنها تفارقني لحظة.. أنا أموت نفسي تحت رجليها، ولا إن حد يحط صباع عليه.
جلس ياسين مكسورا، والدموع تتساقط بحرقة:
– أنا موجوع أوي يا فادي.. حاسس إني بموت.. هتجنن! البت دي ماشية في دمي.. سنين وأنا محوّط عليها.. ما بخلي مخلوق يقربلها.. سنين! والرجالة بالكوم كلّموني عليها وأنا أبعدهم! سنين وأنا بقول: دي بتاعتي.. ما حدش يقربلها غيري! تقوم تلف الدنيا من ورايا.. وتخلع قلبي.. وتقوللي: اتاخدت منك! عشان تتكبر على خلق الله.. وتعمل نفسك فوق الكل؟! ربنا بيعاقبني.. أنا عارف!"
يرفع رأسه، صوته يخفت، ثم يرتعش:
– "إيه اللي كنت فيه ده؟! إيه الغرور والقرف ده؟! مالي كنت مستكتر نفسي عليها؟!"
ليتحول صوته فجأة حنونًا مفعمًا بالعشق:
– "دي حبيبي.. مفيش زيه.. دي ست البنات كلهم.. يعني إزاي كنت هضحي بضحكتها الصبح وهي بتصحيني؟! إزاي كنت غبي كده؟! إزاي استقويت والشيطان عَماني عنها؟!"
ارتجف وهو يضحك بمرارة:
– بخت.. كنت مت قبل ما أشوفها في حضن واحد تاني! إيه دلوقتي؟ مبسوط يا ياسين بيه يا كاشف؟! ما هي قالتلك: بيه يعني بعيد.. وأنت نفسك تحفي تحت رجليها! ياسين الكاشف استكتر نفسه على حبيبه.. قام حبيبه غرز سكينته في صدره!"
جلس ياسين على الأرض، يضرب صدره بقبضته، يهتف كالمجنون:
– "ياسين الكاشف إيه؟! عيل زبالة.. مريض.. فاكر نفسه حاجة، وهو ما يسواش! قالتلي: الحب مش بالمقامات يا ياسين.. وأنا؟! أنا رجعت متكبر.. لحد ما الغرزة جات صح! أيوه.. غرزتك صح الصح، يا ياسين بيه! وتستاهلها!"
صوته يخفت، يغصّ بالدموع:
– "أهو ما عتتش طايلها.. عمري ما هطولها.. آه يا مرام.. نور عيني راح.. سابني في ضلمة بتخنقني.. وأنا اللي استكترت نفسي عليها.. وأنا اللي صدّقت إني فوق الكل!"
ينهض فجأة يصرخ:
– "مش متخيل هي بتعمل إيه دلوقتي! قاعدة؟ بتضحك؟! طب هو ماسك إيدها؟! لا.. مش مستحمل! هموووت من التخيل! يا حزنك يا ياسين! أمال لما يتجوزها؟! لا.. استحالة! نفسي مش قادر آخده من الوجع.. كده خلاص.. راحت البِت اللي بحبها!"
ليصدمه فادي، يبتسم بسخرية:
– "بتحبها يا ياسين؟! أخيرًا نطقت."
فيجيبه ياسين بوجع ممزّق، وضحكة مغلوبة:
– "بحبها؟! دي كلمة قليلة.. دي اتمكنت مني.. من كل شبر في جسمي.. بحبها! دانا بعشقها عشق! بحسها ماشية مع دمي.. اللي حاسه دلوقتي بينجلط! آه.. أنا خلاص ما عدتش هسوي شلن وهي بعيد.. قلبي انداس عالأرض يوم ما دَبلة راجل تاني اتحطت في إيدها! كرامتي اندعكت يوم ما شُفتها في حضن حد تاني!"
يضرب الأرض بقبضته، يصرخ:
– افرح بقى يا ياسين الكاشف! حتتة السكرتيرة جابت بوزك الأرض! استكترت نفسك عليها، ربك خدها منك.. عشان يقولك: عيش مع نفسك اللي ما تسواش.. عيش معاها واتملى بيها.. مش هطولها!"
دموعه تغرق وجهه:
– "فلوس الدنيا كلها.. وشركات.. والبت راحت.. ومش هتبصلك.. ما مرام مش زي أي حد! الغرور قتلني.. بس بعد إيه؟ بعد ما راحت من إيدي.. بقت في إيد غيري! وأنا؟! قاعد أتحسر.. وهفضل أتحسر لآخر نفس!"
يتهاوى صوته:
– "كله من دماغي.. اللي اتخبطت.. ومشيت ورا غبائي.. دلوقتي ندمان! أنا اللي عملت.. وأنا اللي سبت الدنيا توديني! قلت مش فارق.. وطلعت فارق.. طلعت بحبها بجد.. ولما لقيتها.. ما لقيتهاش! نفسي راحت.. روحي راحت.. لغيري! أروح فين بقهر قلبي ده؟! إيه ده؟ أنا إزاي كنت كده؟! زبالة! قرفان من نفسي! هموت!"
ينهض فجأة، يصرخ كالمذبوح:
– "بس لا! والله ما أقدر! ما ينفعش تتحضن من حد تاني! أنا هموت! إنت عارف ده معناه إيه يا فادي؟! محمود ده متربي معاهم.. يعني بيحبها من زمان.. وأكيد هي بتحبه! لا! ما ينفعش تحب غيري! ما ينفعش تبقى لغيري! حد يلمسها؟! قلبي هيقف! أنا هموت! ما حدش يلمسها غيري! دي بتاعتي.. بتاعتي أنا.
يرتجف جسده كله، يصرخ:
– حاسس قلبي هيقف! قلبي هيقف يا فادي.. الحقني! هاتلي مرام يا فادي.. هاتلي حبيبتي.
ثم صرخ عاليا:
– "آآآه!" وسقط أرضًا..
سقط ياسين.. من وجع قلبه.. سقوط كان ثمنه غروره وصلفه.. تحوّل الطاووس بريشه الملوّن، إلى كائن عارٍ، فقد حياته، لا يعرف كيف يعيدها إليه مرّة أخرى.
فنحن – دومًا – لا ندرك قيمة ما بين أيدينا، إلا بعد فوات الأوان.
فهل سيكتفي ياسين بوجعه، يعيش بريش أسود ملوث؟ أم سينهض، ينفض الرماد عن نفسه، ويعيد الألوان لتكون ريشا يظللها بالحب؟
ننتظر ونرى...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق