رواية خطأي أنني أحببته الفصل السابع 7 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
رواية خطأي أنني أحببته الفصل السابع 7 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات
#خطأي_انني_احببته
#حكايات_mevo
البارت السابع...
أخذ فادي ياسين على الفور، وحمله مع الحرس إلى المشفى. هناك طمأنه الطبيب: مجرد انفعال زائد عن الحد، وسيقضي الليلة فقط ثم يكون بخير مع الصباح. نام ياسين موجوعًا، لا حيلة له، أسير عقله وما أوصله إليه.. ميفو ميفو.
مع بزوغ الصباح، هرولت مرام إلى الفيلا. أخبرها الخدم أن ياسين في المشفي وما إن سمعت حتى انطلقت كالمجنونة، قلبها يكاد يتوقف من الخوف على حبيبها. ورغم قسوته وتجنيه عليها، ظل القلب ينبض غصبا عنها.. خمس سنين من حبٍ صامت أوجع قلبها وأدمى وجدانها.
اندفعت بانفعال، فتحت الباب بعنف، لتراه مستلقيا على الفراش، شاحب الوجه، عينيه نصف مغمضتين، وفادي يجلس إلى جواره.
هتفت بلهفة وخوف، وقد تخلت عن كل الألقاب من شدّة ما بها:
– ياسين... مالك! فيك إيه؟
أغمض عينيه حين سمعها تنطق اسمه، دق قلبه بعنف، كأن لفظها كان مفتاحا أيقظ الروح من سباتها...
لينظر إليها ويبتسم ابتسامة واهنة، كأنها كل ما تبقى له من حياة.
اقتربت بسرعة، أمسكت يده بقوة، فاشتعل قلبه من لمستها، وزاد وجعه حتى كاد يصرخ. هتفت بلهفة مرتجفة:
– فيك إيه... مالك يا ياسين؟ شكلك عامل كده ليه؟
حوّل نظره إلى فادي بنظرة مفهومة، وكأنه يقول ان يرحل... وسع يا واد 😁،
ضحك فادي بخفة ويقول مازحا
– طب يا عم، مرام معاك أهيه... مش هتبقى لوحدك. أنا بقه لازم أروح الشركة، ماينفعش تتساب كده. يلا سلام يا حبيبي.
انصرف فادي تاركا خلفه قلبين يشتعلان. جلست مرام قربه، وعيناها متشبثتان به كأنها تخشى أن يفلت منها في أي لحظة. أمسكت يده، ظل هو مغمض العينين، يستشعر دفء لمستها أكثر من أي وقت مضى.
صرخت بحب لم تعد قادرة على كبته:
– ياسين... انت ساكت كده ليه؟ مالك؟ طيب... فيك إيه؟
فتح عينيه أخيرا، كان الوجع يتدفق منهما قبل صوته، وهمس مكسورا:
– موجوع يا مرام... موجوع أوي.
لتمسد على يديه بأنامل مرتجفة وهي تهتف برجاء:
– من إيه يا ياسين؟ مالك؟ شكلك صعب أوي... طمني عشان خاطري.
تنهد هو عميقا، وكأن أنفاسه تتشبث بالحياة، ثم مد يده ليمسد يدها بلا وعي، فشعر ببرودة الدبلة في إصبعها. في اللحظة نفسها تصلب وجهه، وارتسم الألم على ملامحه كطعنة مفاجئة. اقتربت منه أكثر، وضعت يدها على كتفه بقلق يفتك بالقلب:
– انت فيك إيه؟ ما توجعليش قلبي كده... حاسة بوجعك، أجيبلك الدكتور؟
تأملها، وهي تحدق فيه بلهفة تفضحها، فارتبك في داخله: هي بتبصلي كده ليه؟ قلبي هيخرج من مكانه... إيه لهفتها دي؟! حاول أن يتحكم بنفسه، تنهد بعمق، وأرخى صوته ليتماسك:
– مفيش يا مرام... والله إرهاق شغل، تعبت زيادة عن اللزوم.
هزّت رأسها بوجع، وقالت بنبرة أم ورفيقة معا:
– كده يا ياسين؟ طاحن نفسك في الشغل كده ليه؟ عشان إيه كل ده؟ مش هنعيش أكتر من أيامنا... بس نعيشها صح يا ياسين.
هتف بغلبٍ يكاد يخنقه:
– نعيشها صح... يا ريت ينفع نرجع نعيشها صح. كنت بقيت كويس. يا ريت يا قلبي زمني يرجع... وأحطك جوا عنيّا. هموت يا عمري... بس انتِ بتبصيلي كده ليه؟ اللي في عيونك ده... حقيقي كتير علي، مش مستحمل والله.
حاولت أن تطفئ النار المشتعلة بينهما، فابتسمت رغم وجعها، وقالت برفقٍ يخفي ارتجاف قلبها:
– قوم انت بس بالسلامة... وأنا أعيشك أحلى عيشة، وأمشيك على الألف... ما تِورابش بعيد عنّي.
ليهتف والحسرة تخنق صوته:
– تعيشيني أحلى عيشة...؟
أغمض عينيه حتى لا تلمح وجعه، وصوته يخرج مبحوحًا:
– هتعيشيني إزاي يا قلبي... وانتِ بقيتي لحد تاني؟ يا ريت يا مرام... يا ريت.
مدت يدها تمسد على يديه بحنان، تحاول أن ترد له بعض أنفاسه:
– والله هتبقى زي الفل... انت بس قوملنا بالسلامة.
كانت يده في يدها، وفجأة قبض عليها بحنان ممزوج بوجع، ونظر إليها مباشرة ليهتف بقهرة لم يستطع كتمها:
– لبستي الدبل من غير ما أعرف؟ مش تقوليلي؟ هو احنا مانعرفش بعض أوي كده يا مرام؟
تلبكت، احمر وجهها، وحاولت تسحب يدها من قبضته، لكنه شدد عليها أكثر، وكأن يده تستنجد بها قبل أن يفلتها:
– لا والله... دا جت فجأة. ماما ومحمود زن زن... قلت أما أريحهم وخلاص.
قطب جبينه، وصوته خرج منهكًا من اللهفة:
– بتحبيه يا مرام؟
كان منظره يخلع قلبها؛ شاحب، موجوع، والألم يطفح على وجهه. حبها وسنينها جعلوها لا تحتمل رؤيته هكذا. شعرت بوخزة حادة في صدرها من خوفها عليه، فانفلت منها صوتها سريعا بلا قصد:
– لا والله ما بحبه...
(يلا يا هبلة 😂😂)
لينصدم من قولها، كأن الكلمة سقطت على قلبه فأحيت فيه نبضًا كان يحتضر. أحس أن قلبه دق فجأة بقوة، وكأن الروح تسللت إليه من جديد. في اللحظة نفسها، كانت هي تشعر بتهورها، وحرارة الإحراج تتصاعد على وجهها، فتشد يدها من توترها وتقول متلعثمة تحاول إصلاح ما أفلت منها:
– لا... مش قصدي... ما بحبوش أوي يعني... لا، بحبه ولسه هناخد على بعض... لا، إحنا واخدين على بعض برضه... قصدي... يعني... نبقى مخطوبين...
كانت مرتبكة، تتخبط في الكلمات كطفلة ضاعت منها الحقيقة، بينما هو يراقبها، يحس أن في داخلها شيئا يخفيه هذا الارتباك.
هي ليه بتقول كده؟ هيا فعلًا ما بتحبوش؟ لو ما بتحبوش... ليه وافقت؟ أهو زن عليها؟ أم والدتها أجبرتها؟
تنفس بعمق، شعر أن صدره يتسع لأول مرة منذ زمن. يبقى كده عندي أمل أرجعها... البت ما بتحبوش، يا قلبك اللي رجعلك يا ياسين... أقوم أهجم عليها، أخدها في حضني... نظراتها دي هتموتني... اهدي يا ياسين، اهدي بالله عليك.
ارتفع بصره إليها، في عينيه خليط من لهفة وفرح مكبوت، وأصابعه ما زالت متشبثة بيدها، كأنه يخشى أن تختفي إن تركها...
ليقول مكملً كلامها وكأنه يكشف الحقيقة التي في قلبه، صوته منخفض لكنه حادّ وصريح:
– مرام… أنا عارفك كويس… لما انت ما بتحبيهش، اتخطبتيله ليه بالله عليكي؟ عرفيني.
ارتبكت، وعينيها تهرب من نظراته، قلبها كان يرفرف خوفًا من أن تزيد وجعه، فهتفت بسرعة:
– إيه يا مستر ياسين… أنا مش مهمة خالص دلوقتي… المهم أنت… وبلاش توتر… تقوملنا بالسلامة.
لكنه لم يهدأ، كان يريد أن يسمعها تطمئنه، صوته خرج مبحوحًا لكنه دافئ:
– طمنيني عليكي الأول… ده اللي هيريحني.
جلست أمامه، تقربت أكثر، ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيها تحاول بها أن تخفف عنه، وقالت برقة:
– والله كويسة طول ما انت بخير… إيه بتدلع عشان تشوف غلاوتك عندنا؟
نظر إليها، كأنه يحاول أن يحفر صورتها في عينيه، وهتف بنبرة حب ممزوجة بدهشة:
– بجد يا مرام… أنا غالي عليكي؟
ارتبكت أكثر، وتذكرت كلماته التي انغرست في قلبها منذ قليل، كأنها كشفت لها نفسها، فخفضت عينيها سريعًا وعادت إلى نبرة المزاح الخجول لتغطي على اندفاعها:
– طبعًا يا مستر ياسين… حضرتك روح الشركة من غيرك نليص.
ليقول بسخرية مكسورة تخنقها الغيرة:
– روح الشركة… آه ماشي يا مرام.
ثم يصمت، وقطب جبينه كالطفل الصغير الذي فقد أمّه، لا يعرف ماذا يقول ولا ماذا يفعل. أغمض عينيه علّه يستدعي بعض الراحة من داخله، لكن ما وجده هو صوتها مازال يتردّد في رأسه: "والله ما بحبّه"… يحس بصدقها، فيقطب جبينه ويعيد فتح عينيه ليجدها أمامه ينهشها القلق عليه.
طب أروح فين باللي شابط جوايا ده؟ البِت قالتها بعضمة لسانها ما بتحبوش، وعيونها ولهفتها هتخلص عليا. طب إيه؟ مش قادر أستحمل…
حاول أن يعتدل فنهضت هي على الفور تسانده، كان وجهها قريبًا من وجهه، قربها هذا جعله يشتعل ويصمت للحظات وقلبه على وشك الانفجار.
ليقول بحنين ممزوج بالوجع:
– مرام… إنتِ عمرك ما بينتيلي إنك بتحبي حد أو في دماغك حد، ومحمود من سنين قدامك… إيه الجديد؟
لترتبك أكثر، نظراته كانت زي السيف تحفر في ملامحها، وأحست أنه سيكشفها مهما حاولت تغطّي الحقيقة، فاضطرت أن تهمس:
– هو… هو جواز عائلي أكتر يا مستر ياسين.
ليرفع حاجبه مستغربا، صوته امتزج بالتهكم والوجع:
– عائلي إزاي يعني؟ هتتجوزوه بالعيلة؟ هتاخدي أمه فوق البيعة؟
لتضحك ضحكة قصيرة فيها مرارة وتقول:
– أمه إيه بس يا ياسين! دي خالتي أصلا، دي بتشد شعرها مني… لا هو مش كده بالظبط، حاجة كده تقريبا زي جواز الصالونات. محمود طيب أوي وحنين أوي ومايتعيبش، وابن خالتي… و…
ليقاطعها هو بلهفة كانت ظاهرة حتى في ارتجاف صوته:
– ومش بتحبيه يا مرام؟ مش بتحبيه؟ انطقي.
كانت لا تريد أن تريح قلبه، ولا أن تعطيه منفذا يقتحم منه ضعفها تجاهه. كانت تحاول أن تبعده أميالً عن وجعها، تحاول أن تبني جدارًا بين قلبها وقلبه، فتنطق متلعثمة:
– لا… مين قال؟ ده عشرة عمر، وبحبه من زمان، وإحنا ما بنسيبش بعض، وخالتي وخالتك، واتجمعنا وكده…
فيهتف ساخطا، كأنه يعلن حكما ويكذبها بدمه كله:
– ومابتحبهوش يا مرام… والله ما بتحبيه!
لتقول بارتباك.. كانت طيبه ولا تعرف الكذب والخداع. وهي تحاول تلم نفسها من نظراته اللي بتحاصرها:
– لا… بحبّه يعني، وهو كويس وكده… وهحبه أكتر مع الوقت، ما أنا إيه اللي مش هيخليني أحبه وهو حنين وطيب…
فيصيح هو باندفاع، صوته ارتفع وكأنه خرج من قلبه مش من فمه:
– يعني إنتِ عايزة تجلطيني؟! هتحبيه عشان حنين؟! إيه نحنوح أوي سيادته؟ بيسحسح لسيادتِك يعني! ده عيل بارد على فكرة… ودمه يلطش!
لتضحك هي بشدة، ضحكة فيها براءة وعفوية وتقول:
– هو مين اللي بارد ودمه يلطش؟ دا حودة؟ دا عسل! إنت بس تقعد معاه يفطسك من الضحك. ده هو اللي بيهون عليا لما ببقى زعلانة… اسكت اسكت… ده محمود ده روحي وأكتر من أخويا وربنا… إحنا كأننا روح واحدة وكارفين على بعض…
كانت تضحك بعفوية وهي لا تدرك ما قالته، ولا إنها فضحت ما في قلبها أمامه من غير ما تقصد، لتتجمد الضحكة على شفتيها وتكتشف أن ياسين عيناه اتسعتا وانحفر فيهما شيء بين القهر والحنين والدهشة…
صمت ياسين قليلًا، وقد أخذت عيناه تلمعان بوميضٍ غريب بين الشكّ واليقين، كأن قلبه عاد يخفق بقوة بعد طول خمود. رفع رأسه نحوها مبتسمًا ابتسامة مشوبة بالحسرة وقال:
– أخويا وما بتحبوش... يا هناك يا ياسين! يا قلبك اللي هينط يرشق في السقف. أمال إيه يا قلبي، تعملي كده ليه وترقديني في المستشفى! كنت هتجلطيني يا بنت الإيه... يا قمر!
ابتسمت شفتاه وهو يتأملها بنشوة غريبة، ثم أردف بمرحٍ يفضح ما يختبئ داخله:
– والله مانا حاسس كده... وانتِ بقه عشان بيضحكك هتتجوزيه؟ هتتجوزي أخوكي؟ هتعمليها إزاي؟
ارتبكت مرام من لهجته المليئة بالغيرة، فتنفست بسرعة وأشاحت بوجهها، قبل أن ترد محاولة إخفاء ارتباكها:
– اسكت انت... إيه اللي عرفك في الحاجات دي! إنت بتسحسح بس... خليك في حالك. محمود عسل... وهنبقى سِمن على عسل. بطل شويه!
كانت كلماتها أشبه بهذيانٍ تحاول به صرفه عن اندفاعها السابق، لكن قلبها كان يصرخ في صمتٍ أنها تكذب.
كان ياسين قد جلس ساكنا، ولكن قلبه كان يغلي. لم يعد يسمع من كلماتها إلا ذلك الصدى الذي ارتطم بأعماقه: مابحبوش والله.. دا محمود دا أكتر من أخويا.
ترددت العبارة داخله كجرس منير وسط ظلام دامس، وكأنها نافذة أُزيح عنها ستارها فجأة. عندها أحسّ أنّ أنفاسه تعود إليه من جديد، وأن دنيته التي اسودّت منذ أيام بدأت تستعيد لونها.
وانفجر حديثه الداخلي بلهجةٍ عاميّةٍ متدفقة، تحمله أمواج الانفعال:
– يبقى مفيش حب يا ياسين! يبقى مرام ماراحتش... ولا هتروح.
– يبقى مرام لسه بتاعك يا ياسين، طالما قلبها ما دقش... وأنا مش هسمح إن قلبها يدق لغيري.
– مرام دي قلبي ... وعايزه أُحضنه. أُحضنه بس!
– يا لهوي ع اللي ناوي أعمله... اهدي كده يا وحش، أما نشوف هنعمل إيه طالما مافيش زفت حب ولا قلب بيدق!
– ده أنا قلبي اللي هينفجر من الدق دلوقتي... بس على مين؟ ده أنا ياسين!
– ماشي يا مرام، أما نشوف هتقدري عليّا إزاي. ما بقاش ياسين الكاشف إن ما خليتكِ تبقي بتاعتي وحبيبتي ودنيتي كلها.
– كنت غبي يا نور عيني... وفُقت أخيرًا، وماعنديش استعداد أتحط في الوجع ده تاني!
كانت عيناه تتقدان بلهيب القرار، ووجهه شاحب لكنه مشتعل من الداخل، وكأن الدم يعود ليتدفق فيه بعد غياب.
كانت مرام تشعر بالقلق من صمته، وخافت أن يكون اندفاعها وتلبكها قد كشفا ما تحاول أن تخفيه. قلبها مضطرب، لكن ملامحها عفويّة لا تعرف من الكيد شيئًا؛ فهي بريئة وجميلة، لا تجيد المراوغة ولا صناعة الأقنعة.
ظلّ يثرثران بعض الوقت، وهو يمازحها بطريقته التي يعرف أنّها تضعفها، فتضحك بعفوية كأنها طفلة. أحسّ ياسين أن شيئًا تبدّل بداخله، وأن ثقته التي ضاعت عادت إليه من جديد، فصار يتدلل عليها كصبي مدلل، وهي تستجيب بطيبة قلبها.
حين جاء موعد الغداء، نهضت مرام لترتب الصينية أمامه، وجلست قربه تفتح له الأطباق بابتسامة هادئة. ارتجف قلبه وهو يراقبها، وبدت له كأنها زوجته التي تراعيه بحب. عيناه لم تنفكا عنهما؛ نظراته تلاحقها أينما تحركت، راشقة كالسهم لا تخطئ الهدف، حتى كأنها تحرق ما حولها.
– صرخ قلبه الداخلي ، وهو يتأملها لا يطيق فكاكًا من أسرها.
– هيييه بقى... يا مرام! – كان يتمتم في داخله – ده أنا ممكن أموت من الجمال والعفويّة دي.
أما هي، فقد كانت تلاحظ كل ذلك، وتدرك أن عينيه تتحدثان بما يخفيه قلبه، فتشتعل من الداخل كمن ألقي به في نار تتلظى، لكنها تحاول جهدها أن تعرض وتتجاهل، تفتح مواضيع جانبية بين الحين والآخر، لعله يتوقف، فكل هذا عليها كثير... كثير جدا.
أما هو فكان يجلد نفسه في داخله، كأنه يضربها بسياط الغيظ والندم:
– انت فعلا حيوان يا ياسين! كنت هتسيب قلبك اللي قدامك ده يروح منك عشان غبائك؟ إزاي كنت كده؟ ده أنا بتمنى منها ابتسامة رضا بس والله… واشوفها قدامي وكل أما أبص على دبلتها اتحرق ألف مرة. نفسي أهجم عليها آخدها منها… متخيّل كده لما دبلتي تتحط في إيدها الشمال؟ آه الشمال! أنا لسه هحط في اليمين والله ما يحصل. وتقف قمر ومزة كده وتعملي كل حاجة… قلبي هيقف من الفكرة لوحدها… والله لأطفشك يا برص السنين، بس اصبر عليا… يا رب صبرني عاللي جاي ويسرلي حالي معاها.
كانت مرام قد انتهت من إعداد الطعام، فالتفتت إليه وقالت بلطفٍ فيه عتاب:
– إيه يا مستر ياسين، رُحت فين؟ مش هتاكل؟
هتف وهو يحاول أن يخفي اضطرابه:
– لا مش عايز… أنا ماليش نفس، أنا مبسوط كده.
قطبت حاجبيها وقالت وقد ظهرت الجدية في صوتها:
– هو إيه اللي ماليكش نفس؟ بقالي ساعة بفتح في حاجات وانت باصص في اللاوعي وسايبني؟! لا يا عم… هتاكل.
ضحك ضحكة خافتة، وكأنه يحاول التهرّب من كشف مشاعره:
– لاوعي وسايبِك…
تنهد ياسين، وصرخة داخله تهدر بصوت لا يسمع إلا هو: والله ما تعرفي حاجة يا آخره صبري... أسيبك إزاي؟ أنا نفسي أهجم عليكي، أرشقك في حضني وما أسيبك. ميفو ميفو.
اقتربت هي بسخرية خفيفة، تمازحه لتحجب ارتباكها:
– طب ما تعرفني يا آخره صبرك...
قال هو بلا حولٍ وبدأ يأكل بهدوء، وكأن في صمت يرسم له قصة صراع. كانت هي تقطع له اللحم بعفوية، وتقدمه له كل شوية ببراءة لا تقاوم. تعمد هو أن يأكل رويداً رويداً ولا يمد يده، فتصر هي وتطعمه مرارا، فحس أن قلبه ينبض عن حق أمام حبيبته التي تشع براءة. كان ذلك كثيراً عليه؛ فماذا لو أخذ قلبها؟ ماذا لو صارت أمامه في بيته هكذا، تلهو وتضحك وتدهش قلبه؟ يا له من كابوس أحلى من كل أحلامه.
وبهمس صوته من فرط الحب والوجع قال في نفسه: يا حيوان يا اللي ما تربيتش، عملت في نفسك كده ليه...
أنهى طعامه، فابتسمت له وقالت بمداعبة:
– فيه حلو، اهوه رز بلبن؛ دا مروقين عليك موت.
مدّ يده بلا طاقة، ونظر إليها بنظرةٍ كلها اعتراف:
– مش قادر...
ثم زاد بنبرة تختلط فيها الدهشة بالانكسار:
– قدامى كله وهاموت واكله... سيبيني باللي شابط جوايا من جمالك ده.
هتفت مرام مازحة، تحاول كسر حدّة اللحظة:
– طيب أنا بقه هاكله وهسرقه منك عشان انت عدو الفرحه.. دانت فايتك كتير.
ثم أزالت كل شيء عن المائدة، وأحضرت كرسياً وجلست بجواره. رفع ياسين بصره إليها برجاء طفولي وقال:
– اقعدي قدامي على السرير.
استجابت وجلست حيث أشار، ثم سألت بنبرة حانية:
– إيه هو الدكتور قال هتخرج امتى؟
رد بهدوء يخفي ارتباكه:
– النهارده… شوية كده وفادي ييجي ونروح.
هتفت بلهجة فيها اهتمام صادق:
– طيب عشان ما سيبكش لوحدك.
فانفعل فجأة، وكأن بركانا قد انفجر بداخله:
– وتسيبيني ليه؟ إنت هتيجي معايا!
قطبت جبينها بدهشة وشيء من الخوف:
– أجي معاك فين؟ إنت هتروح البيت ترتاح… وبكرة أجيلك. وأنا بقه هروح عشان…
قاطعها بغضبٍ يفضحه أكثر مما يخفيه:
– عشان تشوفي النحنوح صح؟ ما خلاص دخل في وسطينا يقرفنا. إنت هتيجي معايا، ماليش دعوة بقولك اهوه. أنا تعبان يا مرام، هتسيبيني وتروحيله؟
تنهدت بوجع وهي تنظر إلى الأرض،
ليقول وهو راشق في بيتك أنا عارف، كأن الوجع طارده من كل مكان:
يبقى هتروحيله وتسيبيني.. أنا ماستهلش إنك تبقي معايا وأنا تعبان يا مرام..
شعرت بالغلب، عالقة ما بين حبها وكرامتها، وهو يترجاها بعينين مكسورتين. مد يده يمسك يدها كأنه يتمسك بخيط النجاة الأخير وقال بصوت مرتجف:
طب النهارده بس.. وحياة ياسين..
تنهدت، وقد أثقل صدرها ثِقل لا يُحتمل، وردت:
طب مش هتأخر أنا عشان ماتعلقش..
لكن كلماتها لم تمر عليه مرور الكرام، بل أشعلت غضبه، فزمجر بصوت مرتعش بين الغيرة والقهر:
مالك كده يا مرام محسساني إنك اتجوزتي.. وسي بتاع ده متحكم فيكي أوي كده.. يعلق إيه.. بتاع إيه.. له عندك إيه أصلا يتحكم فيكي.. إنتِ مش كده يا مرام..
نظرت إليه بثبات، ووجها مشدود بالجدية والاعتراف المر، وقالت ببطء وكأنها تغرس سكينًا في قلبه:
كتير يا مستر ياسين.. له عندي إني أراعيه وأسمع كلامه.. أنا خلاص بقيت بتاعته.. ماينفعش أخطي خطوة بعيد عن كلمته.. محمود حط دبلته في إيدي.. يعني خلاص.. هو بقى محوط عليا..
صرخ ياسين، وقد انفجرت داخله كل القيود، كأن الكلمات نفسها نار تلسع صدره:
انتِ مش بتاعه حد.. إنتِ بتاعت...
وصمت فجأة، كان يريد أن يصرخ في وجهها بكلمة بتاعتي، لكنه تمالك نفسه، وكأن صوته انكسر في صدره قبل أن يخرج، ليقول بهدوء زائف يخفي غليانه:
اقصد.. إنتو لسه عالبر مش كده يا مرام؟ ومالك كده متهادنه معاه.. ومحوط ومهبّب.. انتو لسه ما اتجوزتوش! هتبقي ضعيفه قدامه كده؟! مالكيش شخصيه..
لتندفع كعادتها بعفوية، وهي تأكل الرز بلبن، وترفع رأسها بفخر طفولي:
مين دي اللي ضعيفه قدامه؟ دا حوده ده ما بيفتحش بقه قدامي.. دا أنا السوععه! اختك جامده.. ماتخافش. محمود والله طيوب وغلبان، كل همه شغله ودنيته.. يلا الله يسهله.
ابتسمت، وكلما تكلمت كانت الطمأنينة تسكن قلب ياسين أكثر، وإيقانه يزداد أن مرام لا تحب محمود، وأن ما بينهم لا يعدو كونه شيئًا عابرًا. كلماتها البسيطة، وضحكتها العفوية، كانتا دليلًا يراه أمامه أن قلبها ليس هناك. فأحس أن هذا مدخله..
فأراد مسايرتها، واقترب أكثر بصوته الدافئ:
ومحمود بقه.. بيشتغل إيه؟
لترد وهي تحرك الملعقة بخفة وكأنها غير مبالية:
الحمد لله.. لسه هيبتدي في شركة كبيرة. ربنا يوفقه.. كل العيلة همها محمود، أصله الحيلة.. مفيش رجالة! ولسع بقه بحسه ابني والله. كل أما يقع في مشكلة.. يقولي: الحقيني يا مرام. وما بقدرش أقوله لا. مش بقلك بعتبره ابني؟
لينظر إليها ياسين بوله وحب شديد، والسعادة تكاد تنفجر من قلبه، وقد وجد في كلماتها ما يُحيي أمله، ويوقظ رجاءً كان يخشاه أن ينطفئ..وكلماتها ترن بداخله ليترسخ بداخله يقين بأن هناك شيئا نظر إليها بوله و...
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق