رواية اميرة البحر القرمزى الفصل السابع عشر 17 بقلم اسماعيل موسى
رواية اميرة البحر القرمزى الفصل السابع عشر 17 بقلم اسماعيل موسى
#أميرة_البحر_القرمزى:
١٧
كان البحر يهمس بأسماءٍ لا يفهمها، كأنه ينعى الراحلين.
صعد الأمير مونت التلّ المكسو بالعشب الأزرق، وعلى قمته وقف القصر الغارق فى الصمت.
لم يكن القصر يشبه شيئًا من ممالك الجان التى عرفها؛
كانت جدرانه من عظم المرجان، وسقفه من زجاج البحر، تتلألأ فيه دوامات الضوء كأنها أنفاس مخلوقاتٍ حبيسة.
دفع البوابة التى فُتحت وحدها، ودخل.
الهواء فى الداخل ثقيل، تفوح منه رائحة الملح والعزلة.
الأعمدة منحوتة على هيئة حورياتٍ مبتسمات ودموعٌ من لؤلؤٍ تتدلّى من عيونهنّ.
كان المكان حيًّا بطريقةٍ باردة، كأن الجدران نفسها تراقب خطواته.
وفى نهاية الممر الطويل، رأى العرش.
وفوقه جلست امرأةٌ لا يمكن أن تكون من هذا العالم.
كانت جنية... شعرها الأسود يسقط فى جدائل كثيفة كأنها شلالات من ليلٍ سائل، وعيناها بلون الأعماق.
جلست بثوبٍ من حرير البحر، يُغيّر لونه كل لحظة بين الأزرق والقرمز، ويدها تستند إلى سيفٍ زُيِّن بصدفٍ أبيض كأنها لم تنسَ القتال يومًا.
حين رآها الأمير، شعر أن البحر الذى ابتلعه قد لفظه خصيصًا لأجل هذه اللحظة.
تأمّل وجهها، وشعر أن الزمن تراجع ألف سنة إلى الوراء.
قالت بصوتٍ يحمل صدى الموج البعيد:
«لم يُرسل البحر أحدًا إلى هنا منذ الف عام.
من تكون؟»
أجابها بانحناءةٍ خفيفة، بنبرةٍ تليق بنسل الملوك من الجان:
«أنا مونت، ابن كارلو، من بيت الضباب الأزرق، حفيد الأمير ريثان.
ارتجف الهواء لحظة نطق اسمه، كأن الجدران تعرفه.
رفعت حاجبها، فى عينيها اندهاشٌ وشيء من الخوف:
«بيت الضباب؟ ظننت أنكم انقرضتم جميعًا منذ الحرب الثالثة».
قال الأمير بمرارةٍ خفيفة:
«نحن لا ننقرض، فقط نختبئ من لعناتنا».
ابتسمت بسخريةٍ باهتة، وقالت:
«أحسنت القول يا ابن الضباب. أما أنا، فابنة الملك الجني التاسع، نالانثرا بنت الملك أورين، المنفية إلى هذا المكان منذ ألف عام. هنا لا شمس تُشرق تمامًا ولا قمرٌ يكتمل».
تقدّم خطوةً، عينيه لا تفارقانها:
«قيل إن نالانثرا ماتت منذ زمنٍ بعيد، بعد أن خانت مجلس الممالك».
قالت بصوتٍ منخفض كأنه اعتراف:
«لم أخن، بل رفضتُ. رفضتُ أن أتزوج من ابن العرش الشمالي. فكان النفي جزائي. منذ ذلك الحين، كل موجة تحمل إلى أذني صوت والدي يلعن اسمي».
اقترب منها أكثر، وهتف:
«ألف عام من المنفى؟ وشعر بالحزن لحالها »
أجابت، وابتسامتها تتكسر كالزجاج:
«الجزيرة لا تسمح بالموت. هذه الأرض وُلدت من دم جنيٍ خُلد رغمًا عنه، ومن شجرٍ يسقيه البحر بدل المطر. نحن لا نموت هنا... فقط نصمت حتى ننسى أننا أحياء».
ساد صمتٌ طويل، ثم قالت وهي ترفع رأسها نحوه:
«لكن البحر لا يخطئ حين يرسل أحدًا إلى شواطئي. لم تأتِ صدفةً، يا ابن الضباب الأزرق
وقبل أن يجيبها، هبّت ريحٌ عاتية، ارتجّت لها أروقة القصر، وانطفأت المشاعل كلها،
وبقي ضوء القلادة حول عنق نالانثرا، يتوهّج كقلبٍ من نارٍ لا تنطفئ.
وفى تلك اللحظة، شعر الأمير أن البحر يراقبهما معًا، كأنه ينتظر اعترافًا لم يُقال بعد.
سكنت القاعة الطويلة لحظة، لا صوت فيها سوى خرير الماء المتسلل من الشقوق البحرية العتيقة.
كانت الأميرة نالانثرا تنظر إلى الأمير وكأنها لا تصدق ما ترى.
تحرّكت ببطء، اقتربت حتى صار بينهما بضع خطوات،
ثم مدت يدها المرتجفة ولمست كتفه بحذرٍ شديد،
كأنها تخشى أن يتبدد فى الهواء كما تبددت أحلامها آلاف المرات.
قالت بصوتٍ خافت كأنها تخاطب نفسها:
«أدفئ… أدفئ حقًا…»
ثم مدت يدها الأخرى، تحسست بشرته كما يتحسس الأعمى وجه حبيبٍ ضائع.
ارتجفت أصابعها حين لمست نبضه، وارتسمت على شفتيها ابتسامة قصيرة انطفأت سريعًا ،انت فعلا كائن حي؟
تنفست بعمق وقالت:
«ظننتك وهمًا آخر من أوهام البحر.
كم من مرة رأيتُ وجوهًا تخرج من الموج وتناديني،
وحين أمد يدي إليها، تتفتت وتعود ماءً منسيًا.
حتى صرت لا أصدق العيون ولا الأصوات.
كنت أتكلم مع الصخور، مع الريح، مع الطيور التى تموت عند الشاطئ قبل أن تنطق…
كنت أعدّ المد والجزر كأنه الزمن الوحيد الذى تبقّى لى».
جلست على الدرج الرخامي للعرش،
وأشارت إلى مكانٍ قريب منه:
«اجلس يا ابن الضباب الأزرق، ففى هذه القاعة لا أحد يسمع سوى البحر».
جلس الأمير ببطء،
وكان الضوء المنكسر على جدران القصر يعكس وجهيهما كأن الموج يراقب اعترافها.
قالت الأميرة:
«فى الليلة الأولى من نفى، بكيت حتى تجمّد الدمع فى عيني.
فى الليلة العاشرة، نسيت شكل وجهى.
وفى السنة المئة… صرت أحادث القمر فلا يجيب.
كنت أراه يكتمل وينقص دون أن يرمى على هذا المكان شعاعًا واحدًا من دفء».
سكتت لحظة، ثم أضافت بصوتٍ أكثر خفوتًا:
«وحين سكت البحر ذات ليلةٍ طويلة، ظننت أنه مات.
كنت أمشى على الشاطئ، أفتش عن جثة الموج…
حينها عرفت أن الوحدة ليست موتًا، بل حياةٌ بلا أحد يشهدك».
رفعت عينيها نحوه، وابتسمت بخجلٍ غريب،
ابتسامة من نسيت كيف يُبتسم:
«الآن أراك أمامى، تسمعنى، تردّ إذا ناديتك…
أكاد لا أصدق أن أحد وصل إلى هنا اخيرا
أم أن البحر يسخر منى للمرة الأخيرة قبل أن يستعيدنى؟»
قال الأمير، بصوتٍ يحمل شيئًا من الحنو والدهشة:
«أنا لست وهمًا، يا نالانثرا. لم أقطع البحر لأجل سرابٍ. جئت لأن شيئًا ما فى دمى نادانى إلى هنا».
رمقته طويلاً، ثم همست كأنها تفكر بصوتٍ عالٍ:
«ربما لم يخطئ البحر هذه المرة... ربما أرسل لى من يعيد الحياة لما تبقى منى».
تسللت نسمة باردة إلى القاعة، أطفأت شمعة من بين عشرات الشموع،
وانعكست على وجهها ظلالٌ كأنها أرواح لياليها الماضية.
بدا أن الجزيرة نفسها تُصغى لحديثها —
جزيرة تعرف الحنين أكثر مما تعرف الزمن.
_____________________:
كان البحر الأزرق يعجّ بالفوضى.
التيارات تجرى محمّلة بدم الحيتان، والفقاعات تصعد إلى السطح كأرواحٍ مذبوحة تحاول الفرار من العتمة.
وفى قلب تلك العاصفة المائية، سبَح القرش العملاق باتروس،
جسده كقلعةٍ متحركة، زعانفه تمتد كأجنحة ظلٍّ هائل،
وعيناه تبرقان كبقعتين من لهبٍ فى العتمة السائلة.
صوته دوّى تحت الماء، كأنه زئير جبلٍ انكسر نصفه فى البحر:
> «فتّشوا الكهوف جميعها، لا أريد أن ينجو أحد!
اجلبوا لى رؤوس الحيتان الكبار، سأجعل منها تاجًا يزيّن عرشى.
البحر الأزرق لى الآن، وشرباخ لن يكون سوى ذكرى باهتة
لملكٍ عجوزٍ خائفٍ من موجةٍ واحدةٍ من أمواجى!»
انطلقت القروش بأوامره ككتائبٍ من جحيمٍ مائى،
تخترق الأعشاب البحرية وتُفتّش بين الصخور والصدوع.
كانت المياه تتلوّى حول أجسادها، فتُثير الدوامات وتخنق ما تبقّى من أنفاس الكائنات الصغيرة.
أىّ كهفٍ يجدونه، يقتحمونه بلا تردّد،
وأىّ ظلٍ يتحرك، يُمزّقونه قبل أن يعرف إن كان عدوًا أو مجرد سمكةٍ تائهة.
كان باتروس يراقب من بعيد، جسده الهائل يلقى ظلًا كالغيوم السوداء،
كل ضربةٍ من ذيله تخلق موجةً جديدة تُعيد خلط الدم بالرمال.
ثم بدأ يسبح ببطءٍ نحو الكهف الأكبر، حيث كان مالكوم — الحوت العجوز — قد لفظ أنفاسه الأخيرة.
نظر باتروس إلى الجسد الممزق وقال بنبرةٍ عميقة تهزّ الماء:
> «هكذا يسقط آخر حيتان البحر الأزرق...
وبهذا يبدأ عهدى. من اليوم لن يُغنّى فى هذه المياه سوى صدى أنيابى».
ضحك بصوتٍ أقرب إلى دمدمة زلزال، فاهتزّت الصخور المرجانية من حوله،
وتساقطت منها كتل صغيرة أطلقت غبارًا أحمر غطّى المكان.
ثم التفت إلى أحد قادته من القروش وقال:
> «اجمعوا الرؤوس وصفّوها حول العرش المرجانى،
أريد أن يرى كل من يدخل مملكتى أن باتروس هو الملك الحقيقى للبحر الأزرق،
لا ذلك الشائب الضعيف شرباخ الذى يختبئ خلف الموج ويخاف ظله».
تحركت القروش بأفواهٍ دامية، تحمل الرؤوس الضخمة للحيتان،
وتسحبها عبر الممرات المائية إلى حيث يقبع العرش المرجانى فى أعمق أعماق البحر.
كانت المياه قد تغيّر لونها، لم تعد زرقاء، بل صارت كأنها خمرٌ أسود من دمٍ وليلٍ ممزوجين.
أما فى الكهف البعيد،
كانت ليانثرا ما تزال تحتضن الحوت الرضيع المرتجف إلى صدرها،
تستمع إلى صدى الأوامر البعيدة والضحك الوحشى الذى يهزّ القاع.
كانت تعرف أن باتروس يبحث عن كل أثرٍ للحياة —
وأن أىّ صوتٍ خاطئ، أىّ فقاعة هواءٍ تُفلت من فمها،
قد تجعلها هى والرَضيع جزءًا جديدًا من زينة عرش الملك الجديد.
فى تلك اللحظة،
ارتفعت من بعيد أصوات القروش وهى تعلن:
> «لا أحد هنا يا مولانا، لا أحياء، لا أثر!»
ابتسم باتروس وهو يدور فى الماء كدوامةٍ حية،
وقال بنبرةٍ غليظةٍ متلذذة:
> «إذن تمّ الأمر... البحر الأزرق الآن خالصٌ لى.
وشرباخ... لن يسمع إلا أصداء هجماتى القادمه
ظلّت ليانثرا قابضةً على جسد الحوت الصغير بكل قوتها،
تحاول كتم أنفاسها بينما ظلال القروش تمرّ فوق الكهف كأشباحٍ مظلمة.
كان الرضيع يرتجف، فغطّت فمه براحتها الصغيرة وهمست له داخل الماء:
> «اصمت يا صغير، البحر نفسه يسمع، والظلام له عيون.»
بقيت هكذا حتى خفتت الأصوات تمامًا،
ثم تسرب إلى أذنيها صوت خافت أشبه بأنين الصخور حين تتحطم تحت الضغط.
حينها أدركت أن الوقت حان.
دفعت جسدها خارج الشق الصخرى ببطء، تتقدم زحفًا بين الأعشاب المائية،
والحوت الصغير يلتصق بجانبها كطفلٍ يتشبث بأمه.
كانت المياه باردة، وكل موجة تحمل رائحة الدم والحديد.
فى الأعلى، كانت كتيبة القروش تبتعد،
تتجه جنوبًا نحو العرش المرجانى حيث يحتفل باتروس بانتصاره الدموى.
استغلت ليانثرا تلك اللحظة،
رفست بقدميها دفعتين متتاليتين وانطلقت نحو الشمال،
نحو العتمة الأكثر كثافة، حيث لا تصل أشعة الشمس ولا صوت الحياة.
سبحتا مسافات طويلة، لا يرافقهما سوى الضوء الأزرق الباهت المنبعث من قناديل البحر،
كانت القناديل تصطفّ كأنها نجوم طريقٍ مائى، تومض وتنطفئ ببطءٍ كأنها تتنفس.
فى بعض اللحظات، كانت ليانثرا تشعر أن البحر نفسه يراقبها،
كأنّ له وعيًا يعرفها ويتتبعها أينما ذهبت.
قال الحوت الصغير بصوت مرتجف:
> «هل سننجو؟ البحر هنا بارد يا ليانثرا، وكل شيء يختبئ.»
أجابته وهى تسبح بخطٍّ متعرج بين الصخور المضيئة:
«النجاة لا يمنحها البحر، بل ننتزعها منه. البحر لا يرحم أحدًا.»
وفى الأعماق الشمالية، حيث لا تصل القروش عادة،
ظهرت أمامهما فجوة ضخمة بين جبلين من المرجان الأسود.
كانت أشبه بممرٍّ سرّى يفتح على بحرٍ آخر،
تيارات قوية تسحب الماء إلى الداخل،
فمدّت ليانثرا يدها للحوت وقالت:
> «تمسّك بى، هذه التيارات ستأخذنا بعيدًا عنهم.»
ابتلعهم التيار.
كان الانحدار شديدًا، تدور بهما الدوامة وتصفعهم الرياح المائية من كل صوب.
لكن ليانثرا ظلّت ممسكة بالصغير حتى انفتح الممر على بحرٍ آخر —
أوسع، أكثر صفاءً، تغمره إضاءة غريبة تميل إلى اللون القرمزى.
رفعت ليانثرا رأسها،
رأت شعاعًا قادمًا من الأعلى كأنه شمسٌ تحت الماء،
وكانت الطحالب هنا أكثر نعومة، والمياه أكثر دفئًا،
كأنهما عبرا حدود عالمٍ إلى آخر.
> «أين نحن؟» سأل الحوت الصغير وقد بدأ يستعيد أنفاسه.
«لسنا بعد فى أمان،» قالت ليانثرا، «لكننا الآن فى شمال البحر الأزرق…
قرب حدود البحر القرمزى، حيث لا سلطان لباتروس بعد.»
تأملت حولها، فكانت ترى أعمدة حجرية مائلة نحو القاع،
وعليها نقوش غامضة تلمع كلما اقتربت منها التيارات.
أما فوقهم، فكانت أسراب الطيور البحرية تمرّ كظلالٍ رمادية عبر السطح.
جلست ليانثرا فوق نتوءٍ صخرى وأغمضت عينيها،
تتأمل الصمت الغريب الذى يغلف هذا الجزء من البحر.
صمتٌ لا يشبه السكون، بل كأنه انتظار طويل لشىءٍ على وشك أن يُولد.
> «هل تسمعين؟» سألها الحوت الصغير.
فتحت عينيها ببطء وقالت:
«نعم… البحر هنا يتنفس بشكلٍ مختلف.
هذا الشمال ليس هروبًا فقط… ربما هو بداية لشىءٍ أعظم.»
وبينما كانت تتحدث،
كانت دوامة صغيرة تتشكل فى القاع،
ومنها بدأ يخرج وميضٌ أحمر خافت كأن الأرض نفسها تحت الماء تفتح عينًا جديدة تراقبهم
لم يكد الصمت يكتمل حول ليانثرا والحوت الصغير حتى انشقَّ الماء فوقهما كزجاجٍ انكسر فجأة.
اندفع من الأعماق ظلٌّ ضخم له جناحان رماديان طويلان وعينان بيضاوان باردتان كالقمر الغارق.
كانت إحدى الغرانيق البحرية، المخلوقات التى تسكن المياه العليا من البحر الأزرق،
تشتهر بقوتها الهائلة ومناقرها الطويلة التى تشطر الصخور،
وبأنها تكره كل دخيلٍ من غير سلالتها.
صرخ الحوت الرضيع حين رأى جسدها الطويل يقترب بخفة المفترس:
> «ليانثرا! إنها الغرنيقة! إنها ستأخذني!»
قبل أن تجيبه، كانت المياه قد تمزقت بموجة عنيفة،
وانقضت الغرنيقة كرمحٍ من الضوء، قبضت على الحوت بين مخالبها
وصعدت به نحو السطح تصرخ بصوتٍ حاد كصفير الموتى.
قفزت ليانثرا من فوق النتوء الصخري إلى الماء،
دفعتها غريزة لا تعرف الخوف أكثر مما دفعتها الشفقة.
انطلقت خلف الغرنيقة وسط دوامات من الرمل والطحالب.
كانت المياه تمزق جسدها كالسكاكين،
لكنها لم تتوقف، ودفعت بنفسها إلى أن أمسكت بذيل الغرنيقة.
استدارت الغرنيقة بعنف، ورفستها بمخلبٍ هائل فتح صدرها،
انبثق الدم كغيمةٍ قرمزية وسط زرقة الماء،
وتراجع الضوء، واختلطت الرؤية بين ألمٍ ودوار.
أطلقت ليانثرا صرخةً بلا صوت،
وهي تهاجم الغرنيقة بحربةٍ من المرجان انتزعتها من جوف صخرة،
غرستها فى عنق الطائر الضخم فصرخ بصوتٍ حادٍ اهتزت له الأعماق.
لكن الغرنيقة استدارت، وصفعتها بجناحها حتى ارتطمت ليانثرا بجدارٍ صخرى،
شعرت أن عظامها تهتز وأن الماء صار أثقل من الهواء.
الحوت الصغير صرخ مستغيثًا:
> «اتركيها! إنها تموت!»
لكن الغرنيقة، وقد نزف عنقها قليلًا، ظنّت أن ليانثرا قد فارقت الحياة،
فأحكمت قبضتها على الحوت وسحبت جناحيها إلى الوراء،
ثم انطلقت نحو الشمال الغربى، نحو مملكة الغرانيق بين الضباب والمياه الباردة.
تركت خلفها أثرًا من فقاعات الدم والريش الرمادى،
وسقط جسد ليانثرا ببطءٍ نحو القاع،
كزهرةٍ ذابلة تنزل فى حلمٍ ثقيل.
هبطت على الرمل الناعم،
وشعرها يتماوج حولها كستارٍ من الحبر،
وعيناها نصف مفتوحتين تحدقان فى العدم.
الضوء القرمزي يتسلل من بعيد،
يضرب خدّها النازف ويُظهر ملامحها كتمثالٍ نائم.
هدأ كل شيء.
لم يبقَ سوى حفيف الطحالب وهسيس الفقاعات،
ثم انطفأ المشهد ببطءٍ، كأن البحر نفسه أغلق عليه الستار.
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملة من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق