رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الحادي والأربعون 41بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الحادي والأربعون 41بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات
ـ ٤١ ـ
~ خطوط حمراء ~
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ خلاص خلينا نكتب الكتاب ولما نرجع نبقا نعمل فرح .
قالها فريد وهو يحتضن كف نغم بين يديه، وعيناه تغوصان في عينيها بنظرة جادة يكسوها الحنان، فبادلتْه نظرةً متسائلة وقالت بدهشة:
ـ ممكن أعرف إيه سبب الاستعجال؟
ـ لأني خايف يا نغم .. مش هكدب عليكي.
ـ خايف مني ؟! أنا وعدتك إن اللي حصل ده مش هيتكرر تاني !
هزّ رأسه نفيًا، وضغط على كفها أكثر، وكأنه يريد أن يُطمئنها بلمسته قبل كلماته، ثم قال بنبرةٍ دافئة خرجت من أعماق قلبه :
ـ خايف عليكي، طول ما احنا على البر كده سالم مرسال مش هييأس وهيفضل يحاول بدل المحاولة مليون محاولة ..
تنهدت بحيرة، بينما تابع هو :
ـ كمان انتي عارفة كويس أوي إن مش سالم مرسال بس اللي بيحاول يفرق بينا ، في أطراف تانية كتير ممكن تحاول تعمل مشاكل بيني وبينك .. وأنا مبقيتش حِمل تفكير وتعب أعصاب أكتر من كده .. علشان كده أسلم حل نكتب كتابنا، على الأقل أطمن إنك خلاص بقيتي مراتي وعلى اسمي ، وبعد كده اللي يحصل يحصل.
تزين ثغرها بابتسامة هادئة جعلته يبتسم بدوره وهو يمعن النظر إليها ويقول :
ـ لما تكوني معايا واثق إني هقدر أعدي كل حاجة مهما كانت صعوبتها ، أنا بقوى بيكي .
كانت كلماته تشعل في وجنتيها حمرة الخجل، وفي قلبها نارَ شغفٍ لا تهدأ، وكأن كل حرفٍ نطق به تسلّل إلى أعماقها ليوقظ فيها ما حاولت طمسه طويلًا. كانت نظراته تلتف حولها كوشاحٍ من الدفء والهيام، فيما ظلّ هو يتأمل ملامحها بحبٍ صادق ونبرةٍ يكسوها الرجاء وهو يقول بلطفٍ عميق:
ـ ها.. قلتي إيه؟
صمتت لبرهة، بينما أفكارها تتناوب داخل رأسها كأمواج متلاطمة... كانت تدرك أنه محق، وأن خوفه ليس ضعفًا بل حذرًا من قلوبٍ مترصدة لا تريد لهذا الحب أن يكتمل.
عرفت أن بينهما من المحبة ما يستحق المخاطرة، وأن الانتظار لن يزيد الأمور إلا تعقيدًا.. لذا رفعت بصرها إليه، ونظراتها تحمل مزيجًا من يقين وارتجاف، وابتسامة خفيفة لامست شفتيها وهي تهمس بصوتٍ يجيش بعاطفتها:
ـ موافقة...
اتسعت ابتسامته، لكنها ما لبثت أن قالت بنبرة يغلبها الحنين:
ـ بس كان نفسي خالتي زينب تكون معايا في يوم زي ده… مش عايزة أحس إني لوحدي.
لان قلبه لها في تلك اللحظة، فقد أدرك تمامًا ما يعنيه شعورها بالوحدة، فهو سيحظى بدفء وجود عائلته، بينما هي ستقف في هذه اللحظة وحدها.
مدّ يديه برفق، يحتضن وجهها بين كفيه، وقال بصوت يفيض حنانًا:
ـ انتي مش لوحدك أبدًا يا حبيبي، أنا معاكي، ونسيم كمان معاكي… دي صاحبتك وبنت خالتك قبل ما تكون أختي، وعمر كمان زي أخوكي. ولو على زينب، مفيش مانع، ساعتين بالطيارة وتبقى هنا.
بدت ملامحها أكثر طمأنينة، لكن تردّد خفيف مرّ في عينيها وهي تهمس بعد لحظة صمت:
ـ و… چيلان؟
تساءل فريد وهو يرفع حاجبه ونبرته تتأرجح بين الاستفهام والتعجب:
ـ مالها چيلان؟!
أشاحت نغم بوجهها عنه بضيق، تحاول كتم انفعالها لكن الغضب تسرّب إلى صوتها وهي تتمتم:
ـ هتعزمها على كتب الكتاب زي ما عزمتها على الافتتاح؟!
أومأ فريد بهدوء، كأنه يزن ردّ فعلها رغم أنه يعرفه جيدًا:
ـ ضروري هعزمها.
التفتت نحوه بحدة، التمع في عينيها بريق غيرة لاذعة لم تستطع إخفاءه، وقالت بنبرة حادة:
ـ ليه ضروري؟! هي مش كانت لسه هنا وما صدقنا خلصنا منها!
علت ضحكاته وهو يرى الغضب والغيرة يتراقصان في عينيها، وضحكة دافئة خافتة تحمل شيئًا من الدهشة والإعجاب في آن، بينما هي هتفت بحنق واضح:
ـ بتضحك على إيه؟!
لم يجبها في الحال، لكن نظراته كانت أبلغ من كل الكلمات؛ نظرة امتزج فيها الفرح بالفخر، كأنه يكتشف في غيرتها عليه دليلًا جديدًا على حبها. شعر بدفءٍ غريب يتسلل إلى قلبه، فابتسم أخيرًا وهو يقول بصوت هادئ أقرب إلى الهمس:
ـ انتي مش عايزاها تكون موجودة؟
هزّت رأسها بصدق، ونظرتها ما زالت مشتعلة بغيرتها وهي تقول ببساطة:
ـ لأ.
أجابته نغم بنبرة قاطعة لا تحتمل الجدل، فتنهد فريد وأومأ موافقًا وهو يحاول تهدئة الموقف:
ـ بالرغم إن مش من الذوق ماعزمهاش، لكن طالما انتي مش حابة وجودها خلاص بلاش، أهم حاجة انتي تكوني مرتاحة.
رفعت حاجبيها فجأة وأضافت بلهجة حاسمة:
ـ وسيلين كمان!
هزّ رأسه يائسًا بابتسامة صغيرة وقال بهدوء:
ـ سيلين حتى لو ماعزمتهاش هتكون موجودة..
قاطعتْه بتهكم واضح:
ـ لأنها لزقة.
أومأ ضاحكًا وهو يرفع كتفيه مستسلمًا:
ـ معاكي حق، هي لزقة فعلًا بس مش مضرة..
هتفت بحدة، تنظر له بعينين متسائلتين:
ـ والله؟!
ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يرد بابتسامة خفيفة:
ـ ولا مفيدة..
تراجع قليلًا بريبة بعد أن لمح الغضب في ملامحها، فتنهدت هي ونظرت إليه بضيق ممزوج بالاستسلام ثم قالت بجدية:
ـ خلاص اللي تشوفه، أهي فرصة بردو تكون موجودة علشان تتأكد إنك بتحبني أنا ومستحيل تحب واحدة تانية غيري.
نظر إليها بدهشة وملامح فخر وابتسامة عريضة وهو يقول بنبرة فيها مزيج من الدهشة والإعجاب:
ـ إيه الشطارة دي يا نغم؟! لأ بجد أنا مبهور بيكي!! أيوة كده.. أخيرًا اقتنعتي إني مستحيل أحب غيرك؟! أنا بجد مش مصدق .
رمقته هي بحنق جاد، يشتعل في عينيها خليط من الغضب والغيرة وهي تقول:
ـ انت السبب على فكرة.. لأن حواراتك كترت ..
وتابعت بانفعال، تقذف الكلمات في وجهه دفعةً واحدة، دون أن تمنحه فرصةً للرد:
ـ مرة چيلان تبوسك على خدك يوم الافتتاح، وسيلين تحط إيديها على كتفك وانتوا بتتصوروا، ده غير المرة اللي حضنتك فيها! ده غير إنها حطت إيديها على ضهرك وانتوا بتتصوروا يوم المؤتمر…
ونظرت إليه بعينين يشتعلان غضبًا، وهتفت بصوت مرتفع:
ـ وانت واقف والابتسامة على وشك أد كده!
وأشارت بيديها نحو وجهه، ترسم بيدها دائرة حول ابتسامته الواسعة، فاتسعت ابتسامته أكثر وهو يستمع إلى كلماتها تتساقط على مسامعه كالرصاص، ثم لم يستطع أن يتمالك نفسه فانفجر ضاحكًا وهو يقول من بين قهقاته :
ـ ده انتي حافظة كل التفاصيل بقا ! أومال كنتي بتعملي فيها مش فارق معاكي ليه وخليتيني ألف حوالين نفسي .
ابتسمت وهي تعيد خصلةً من شعرها خلف أذنها، ثم تنظر إليه بهدوء وتقول :
ـ بالعكس، مفيش حاجه كانت فارقة معايا في الحياة كلها غيرك .. أنا مريت بأصعب فترة في حياتي وأنا مش معاك، كنت بحاول أقنع نفسي إن ده الصح لينا احنا الاتنين ، لكن مقدرتش.. أنا كنت عايشة على صورك والأحلام اللي كنت بشوفك فيها .
أصابه حديثها بالضيق منها ولأجلها في آن،.فتنفس بهدوء وهو ينهض، ورفع يدها لتنهض بدورها ففعلت، ثم نظر إليها وقال :
ـ تعالي هوريكي حاجة .
نظرت إليه بتعجبٍ ممزوجٍ بشيءٍ من الترقّب، بينما هو يسير بخطواتٍ ثابتة ممسكًا بيدها بإحكام.
كانت تنظر إليه بغرابةٍ وهي تتأمل ملامحه الجادة، وقد انقشعت عنها لحظات المزاح والضحك، لتحل محلّها تلك النظرة العميقة التي لا يظهرها إلا في اللحظات التي يقرر فيها كشف شيءٍ مهم.
اقتربا من باب الغرفة التي طالما كانت تسأل نفسها عن سرّها، تلك الغرفة الموجودة في زاوية لا يقربها أحد، توقفت خطواتهما أمام الباب، فنظرت إليه متسائلة، لكنه لم يلتفت، فقط أخرج مفتاحًا من جيبه وأداره ببطء، ثم التفت نحوها بابتسامةٍ هادئة وقال:
ـ انتي كنتي عايشة على صوري والأحلام اللي كنتي بتشوفيني فيها .. أنا بقا كانت دي طريقتي الوحيدة عشان أيامي تعدي .
دفع فريد الباب بهدوء، فانفرج ببطءٍ مهيب، ومع أول شرخ من الضوء تسلل من الخارج إلى الداخل، انعكس على جدران الغرفة كأنها تستيقظ من سباتٍ طويل.
تقدمت نغم خطوة، ثم جمدت مكانها.
أنفاسها انحبست في صدرها، ويدها ارتجفت بين قبضته كانت الغرفة أشبه بعالمٍ آخر... جدرانها تفيض بالذكريات. عشرات اللوحات تصطف في صمتٍ مهيب، كلها لها — ملامحها، ضحكتها، عينيها وهي حزينة، نظراتها وهي غاضبة، حتى صورتها هي ودميتها المفضلة كانت مرسومة على إحدى اللوحات.
شهقت بصوتٍ خافت وهي تدور بعينيها بين الرسومات، كأنها ترى نفسها من جديد بعد غيابٍ طويل. كانت كل لوحة تحكي عنها بلغةٍ لا تعرفها الكلمات، فقط الألوان هي من نطقت بما كان في قلبه.
تقدمت بخطوةٍ مرتجفة، ومدّت يدها تلمس إطار إحدى اللوحات، ثم همست بصوتٍ مبحوح:
ـ دي… كلها أنا !
اقترب منها فريد ببطء، وصوته يخرج دافئًا كنسمةٍ في ليلٍ طويل:
ـ كلها إنتي يا نغم... كنت برسمك كل يوم وأنا مش شايف غيرك، كنت بحاول أطلّع الشوق اللي جوايا على الورق علشان مايقتلنيش.
التفتت نحوه والدموع تلمع في عينيها، بينما هو يبتسم بهدوءٍ مطمئن، كأنه أخيرًا تخلّص من سرٍ كان يثقله، ثم سألها بصوتٍ متهدج:
ـ كنتي فاكراني نسيتك وحبيت غيرك ؟! وأنا مش شايف غيرك ولا بتمنى غير قربك .. كنت أوقات بوصل لحالة من اليأس إنك خلاص تخطيتيني، لكن بالرغم من كده كنت متأكد إنك هترجعي… وكنت مستني اللحظة دي، اللحظة اللي هوريكي كل اللوحات اللي رسمتهالك دي علشان تشوفي إنك عمرك ما غبتي عني ولا حتى يوم.
انحدرت دمعة على خدها وهي تبتسم بخجلٍ ودهشة، تنظر إلى اللوحات وكأنها ترى نفسها من خلال قلبه لا عينيه.. كل لوحة من تلك اللوحات كانت شاهدة على عشق فريد لها، على شوقه الذي لم يهدأ، على انشغاله الدائم وهوسه بها .
وما ان وصلت إلى لوحة معينة حتى اتسعت عيناها فرحًا، تلك اللوحة التي كانت ترتدي فيها فستان زفاف أبيض، وشعرها يتطاير حول كتفيها بحرية، كأن الريح تهدهده برقة، وابتسامتها المرسومة على وجهها تنبض بالحياة، مما جعلها تشعر وكأنها تعيش اللحظة نفسها .
نظرت إليه بغير تصديق، فأومأ مبتسمًا وقال:
ـ هتكوني عروسة زي القمر .
أجهشت بالبكاء أكثر وهي تنظر إلى اللوحة، ثم تعود وتنظر إليه بعينين يعجز فيهما الشكر والامتنان، ثم تعود وتحدق في هيئتها وهي عروس، فترى أنه رسمها بريشة محب، وليس فقط ريشة فنان، اقتربت من اللوحة أكثر، تدقق النظر في تفاصيلها الحية، النابضة بالجمال، وهسهست بدون وعي:
ـ إزاي كده ! إنت ..
ونظرت إليه وتابعت :
ـ إنت رسمتني حلو جدا.
اقترب منها مبتسما ، ثم أسند ذراعه على كتفيها وهو ينظر إلى الصورة ويقول :
ـ لأنك حلوة جدا .. وبحبك جدا .. وبموت فيكي جدا جدا .
نظرت إليه بابتسامة ممتنة، وقالت :
ـ أنا كمان بحبك يا فريد ..
وتابعت وهي تواجهه بثباتٍ وصدق، رفعت عينيها نحوه بنظرةٍ تخترق صمته، وقالت بصوتٍ يغلّفه الشوق:
ـ وأمنية حياتي الوحيدة.. إني أعيش عمري كله معاك.
كانت كلماتها تنساب كاعترافٍ طال انتظاره، كأنها تفتح له بابًا إلى قلبها دون خوف. أما هو، فوقف في مكانه كمن سُلب أنفاسه، يقاوم ارتجافةً في صدره، ويُحارب رغبةً جارفة تشتعل بداخله مع كل نبضةٍ من صوتها.
يحاول أن يتمالك نفسه، أن يظل متزنًا أمام طوفان المشاعر الذي اجتاحه، بينما كل شيءٍ فيه كان ينهار أمام دفء وجودها ونقاء حضورها الآسر.
نظراتها كانت كلماته المفقودة، وصمتها كان حديثًا مكتومًا يتردد في أعماقه، حتى تسرّب السؤال إلى ذهنه بصوتٍ خافتٍ داخلي:
هل سيكون مخطئًا لو اقترب الآن، وضمّها إليه، يحتجزها بين ذراعيه إلى الأبد؟
قلبه يصرخ بالحب، وعقله يستجديه أن يتريّث، لكنه لا يستطيع مقاومة سحرها. كانت اللحظة تحمل في طياتها كل الإغراءات الصامتة، وكل وعدٍ مؤجلٍ بلقاءٍ لم يحن أوانه بعد.
ومع ذلك، تغلّب صوته الداخلي هذه المرة، فاختار الصبر.
اختار أن يؤجل ما يشتعل في صدره لأيامٍ قليلة، مؤمنًا أن الانتظار سيمنح وصالهما معنى أعمق. فحتى إن كان لقاؤهما القادم محدودًا، مؤطرًا بخطوطٍ حمراء، فحضنٌ واحدٌ منها كفيل بأن يسكن آلامه ويطيب جراحه كلها.
وفي خضم هذا الصمت المشبع بالشوق، اخترق الأجواء صوت سيارةٍ تتوقف بالخارج، فالتفت إليها وقال بابتسامةٍ هادئةٍ تخفي اضطرابه:
ـ عمر ونسيم وصلوا.
أومأت بابتسامة وقالت:
ـ يلا نخرج .
هزّ رأسه موافقًا، ثم زفر أنفاسه ببطءٍ متعمّد وكأنه يحاول إخفاء اضطراب قلبه خلف هدوءٍ مصطنع. انسحبت هي بخطواتٍ خفيفة، وصوت خطواتها بدا كأنه يفصل بين لحظتين؛ لحظة الضعف التي أغرقته عن غير قصد فيها، ولحظة الحزم التي كان عليه أن يستعيدها الآن.
وقف مكانه قليلًا، يُمرّر يده في شعره محاولًا تهدئة اضطراب أفكاره، قبل أن يرتسم على وجهه ذلك التحوّل البطيء من الدفء إلى الصرامة، من رجل عاشق إلى رجلٍ عليه أن يُخفي حبه تحت ملامحٍ جادةٍ سيحتاج إليها بعد قليل.
دخل الحديقة كلا من عمر ونسيم، يحملان أكياسًا كثيرة ممتلئة بالملابس وبعض حاجيات الأطفال. كان التعب واضحًا على ملامحهما، لكن القلق غلب كل شيء، فقال عمر وهو يهمس لها:
ـ ادعي يكونوا اتكلموا واتصالحوا ، ادعي، انتي حامل ودعوة الحامل مستجابة .
رمقته بتوتر وقالت :
ـ أنا خايفة من فريد .. لو عرف إننا كنا بنلعب عليه مش هيعديها .
نظر إليها بثقة واهية وهو يسألها باستهزاء :
ـ خايفة ؟!
تأملته بنظرة ممتعضة من أعلى لأسفل وقالت :
ـ على أساس إنك مش خايف أكتر مني !
ضحك عمر بخفة وهو يقول:
ـ أخاف من إيه يا بنتي ؟! إحنا قمنا بواجب وطني يعني المفروض يشكرونا ويكرمونا كمان .
هزت رأسها باستسلام وهي تتمتم :
ـ ربنا يستر.
تقدما نحو الباب، فدفع عمر الباب الذي كان مواربًا، ليتجمد في مكانه حين وقعت عيناه على فريد ونغم يقفان في مواجهة بعضهما، يتهامسان بهدوء، وعلى شفاههما بقايا ابتسامة رقيقة.
وما إن ظهر عمر حتى استدار فريد نحو الباب، وأخذ يرمقه بثبات معلن وهو يقول بنبرة هادئة تخفي خلفها الكثير:
ـ حمدالله على السلامه…
ثم أضاف بنغمةٍ متهكمة تُغلفها ابتسامة لا تصل إلى عينيه :
ـ يا حبايب قلبي !
أدرك عمر على الفور أن هذه النظرة وتلك النبرة ليست سوى إنذارًا قاسيًا، فشحب وجهه وهو يقول لنسيم محاولا التملص:
ـ تقريبا نسينا شنط في التاكسي.. ألحق أنا أجري وراه وأجيبها منه .
التفت ولكن صوت فريد الذي برز قاطعًا أوقفه في مكانه حين صاح بحدة:
ـ عمر .. !!
تجمد عمر في مكانه، وأغمض عينيه نصف إغماضة وهو يشعر وكأنه تعرض لضربة مفاجئة من سوطٍ لاذع، فاستدار على مهل وهو يشعر وكأن قدماه لم تعد تحملانه وأشار إلى نسيم وهو يقول :
ـ أقسم بالله الفكرة كانت فكرتها هي .
شهقت نسيم بدهشة، واتسعت عيناها غضبًا وهي تهتف: :
ـ والله إنك جبان وخاين يا عمر …
ونظرت إلى فريد وهي تقول محاولةً الدفاع عن نفسها :
ـ على فكرة بقا …
أشار إليها فريد لتصمت، ثم قال بحزم.يشوبه اللوم وهو يشير إليها بسبابته :
ـ أنا مش عايز أضغط عليكي لأنك حامل .. بس بلاش تفكير العيال الصغيرة ده تاني لأن أنا لو مش صبور وبفكر بعقلي أكتر كان ممكن تقلب بكارثة .
ثم التفت إلى عمر وأشار بيده:
ـ أما إنت بقا .. ورايا .
نظر عمر إلى الغرفة وهو يشعر وكأنها غرفة إعدام، ثم نظر إلى نسيم وهو يلحق بفريد ويقول متوسلًا :
ـ تعالي معايا..
بينما هي نظرت إليه بغيظ وأردفت بتشفي :
ـ يا رب يعلقك .
دخل فريد الغرفة يتبعه عمر بحذر، يراقبه بتوجس. فيما كان فريد واقفًا في منتصف الغرفة، عاقدًا يديه خلف ظهره، ونظراته ثابتة على عمر بهدوء. ثم حوّل بصره نحو الباب وقال بنبرة جادة:
ـ اقفل الباب .
أغلق عمر الباب، ونظر إلى فريد وقال بتوتر :
ـ أولا كده بلاش الوقفة بتاعت سالم مرسال دي علشان بترعبني أكتر مانا مرعوب .. ثانيًا بقا ..
ـ ثانيا إنت مش ناوي تعقل قبل ما تجلطني أو تجيب لنفسك مصيبة.. مش كدة !
تساءل فريد بحنق وجدية ، فأطرق عمر برأسه قليلا وقال :
ـ سوري يا برو أنا عارف إن معاك حق .
نظر إليه فريد وانفعل قليلا وهو يقول :
ـ هو إيه اللي سوري يا برو ! إيه البرود ده !! إنت عارف إن لو اللي حصل ده كان حصل مع واحد انفعالي أو طبيعته إنه مندفع ومتهور كان ممكن يحصل كارثة فعلا ؟! هو ليه كل حاجة بالنسبة لك عادي ؟!
زفر فريد نفسًا مثقلًا، ثم تابع وهو يحاول التماسك والتحلي بالهدوء :
ـ في خطوط حمرا مينفعش نعديها تحت شعار إننا بنهزر يا عمر !! لأن الهزار ده ممكن يقلب جد في لحظة ويخلي الشيطان يدخل بيننا من أوسع باب ..
وتنهد بإرهاق واضح ثم أكمل :
ـ يعني أنا كان ممكن لما سمعت الكلام ده أدخل زي المجنون ونمسك في بعض وأغلط فيك ونتخانق ومش هيكون عليا لوم.. لوم إزاي وأنا سامع أخويا بيعترف إنه بيحب البنت اللي هو عارف ومتأكد إني بحبها وعايز يخطبها ؟! هي دي مش خيانة ؟! هل لو أنا كنت عاقبتك على خيانتك دي كنت هبقى غلطان ؟!
زم عمر شفتيه بأسى وقال :
ـ فريد أنا ..
قاطعه فريد وقال :
ـ عارف إنك كان هدفك تصلح بيني وبين نغم .. بس بردو ده مش مبرر للتمثيلية الغبية اللي عملتوها انت ونسيم .. تعرف مثلا أنا بعد ما سمعت كلامكم ده رحت فين ؟
هز عمر رأسه بنفي فقال فريد :
ـ المستشفى!
ارتفع حاجبي عمر في دهشة، فأومأ فريد مؤكدا وتابع :
ـ يعني لولا إن ربنا ستر كان ممكن يجيلي Heart attack بسبب لعبة سخيفة زي دي .
مسح عمر على جانبي عنقه بضيق، والشعور بالخزي والأسف يثقل صدره، ثم اندفع خطوة نحو فريد قائلاً بصوت متهدّجـ فريد أنا آسف بجد .
ـ أنا مش بقوللك كده علشان تتأسف يا عمر، ولا علشان أحسسك بالذنب ناحيتي.. أنا بعرفك إننا أوقات كتير مش بنبقى مدركين عواقب الأمور هيكون شكلها ٱيه .. علشان كده لازم نتصرف بحكمة وعقلانية لأن الشيطان بيستنى أي ثغرة صغيرة يدخل منها لأي إنسان، ما بالك بقا لو واحد أصلا دماغه مليانة وساوس وهواجس مودياه في داهية زيي .
تنهد فريد بضيق، بينما أطرق عمر رأسه أكثر خجلًا، وتمتم بصوت خافت:
ـ معاك حق، أنا أسف والله وأوعدك هفكر قبل ما أعمل أي حاجه زي كده .
أومأ فريد بهدوء ثم قال :
ـ حصل خير .. بس يا ريت بعد كده تفكر كويس أوي وبلاش تنساق ورا اقتراحات أي حد ، خصوصا لو بنت .. لأن البنات دايمًا بيفكروا بعاطفتهم قبل عقلهم، وبيصدقوا إن النوايا الطيبة كفاية عشان تصلّح أي حاجة، بس الدنيا مش كده. أوقات العاطفة الزيادة دي بتعمل مصايب من غير قصد.
أومأ عمر مؤكدا وقال :
ـ صح .. معاك حق .
ثم سأله.بفضول :
ـ انتوا اتصالحتوا مش كده ؟!
هز فريد رأسه مبتسما بهدوء وقال برضا :
ـ الحمد لله.
فتنفس عمر براحة وقال :
ـ الحمد لله.. تعبنا مراحش هدر .
انفلتت من فريد ضحكة قصيرة ممزوجة باليأس، بينما قال عمر :
ـ أخرج أنا بقا أطمن نسيم.. زمانها قلقانة عليا ..
أومأ فريد موافقا بابتسامة، فالتفت عمر ليغادر ولكن فريد استوقفه قائلا :
ـ عمر ..
التفت عمر مجددا فتقدم منه فريد مبتسما بحنان ، ثم عانقه وهو يردد بهدوء :
ـ شكرا .
بادله عمر العناق بحرارة وهو يردد:
ـ العفو يا حبيب قلبي .
ابتعد فريد ثم أسند كفه على كتف عمر، ونظر إليه مبتسما وقال :
ـ بالرغم من إنها تمثيلية غبية فعلا لكن مش هقدر أنكر إنها كانت السبب إن أنا ونغم نتكلم والمشكلة اللي بينا تتحل .. شكرا لأنك بتحبني وقلبك عليا ، أنا بحبك جدا على فكرة .
عانقه عمر مجددا بقوة أشد وأخذ يربت على ظهره وهو يقول :
ـ أنا كمان بحبك يا فريد ، إنت أعظم أخ في العالم .
تنفس فريد الصعداء، مطمئنًا أن مكانته في قلب أخيه ما زالت كما هي، فأكثر ما كان يخشاه أن يكون البعد قد شيّد بينهما جدارًا من الجفاء، لكن كلمات عمر البسيطة أعادته إلى يقينه القديم بأن علاقتهما لم تشُبها شائبة.
خرجا من الغرفة معًا، فتوقفت نظرات فريد عند نسيم التي ما زالت واقفة في مكانها، تهز قدمها بتوتر ظاهر. وما إن اقترب منها حتى بدا القلق جليًا على ملامحها، لكنها فوجئت به يمد ذراعه نحوها، يضمها برفق ويطبع قبلة خفيفة على جبينها، فارتسمت على وجهها ابتسامة مرتجفة وسكنت أنفاسها المضطربة. نظر إليها فريد بعطف، وقال بنبرة دافئة يختلط فيها الحنان ببعض المزاح:
ـ من إمتا وانتي بترسمي خطط وبتعملي مؤامرات ؟!
ابتسمت نسيم بهدوء ولم تجب، ولكن عمر بادر قائلا :
ـ من يوم ما اتجوزت عاصم أفندي .
تراجعت ابتسامة نسيم تدريجيًا حتى انطفأت تمامًا، بينما التقط فريد ذلك التغير في ملامحها، فانعكس الضيق في عينيه، ونظر إلى عمر بنبرةٍ من عتابٍ صامتٍ، يخبره أن مزحته تلك قد تركت عليها أثرًا غير محمود. ثم مدّ يده برفق وربّت على رأسها كمن يعتذر دون كلمات، ثم حوّل نظره نحو نغم التي كانت تتابع المشهد بابتسامةٍ هادئةٍ مطمئنة.
بسط فريد كفه نحوها في حركةٍ تلقائيةٍ دافئة، فالتقطت الإشارة فورًا، ووضعت يدها بين يديه واقتربت منه خطوةً، كأن بينهما لغة خاصة لا تحتاج إلى حروف. ابتسم لها بحنو، ثم التفت نحو الاثنين وقال بصوتٍ يحمل مزيجًا من الرضا والامتنان:
ـ أنا ونغم حلينا سوء التفاهم اللي كان بينا الحمد لله… والفضل بعد ربنا يرجع ليكم أنتم.
أومأت نغم برأسها وهي تنظر إليهما بابتسامةٍ هادئةٍ تخفي وراءها خفقان قلبٍ متسارع، فتابع فريد حديثه، وعيناه لا تفارقان وجهها، تتأمل ملامحها بشغفٍ ظاهرٍ لا يُخفيه:
ـ طبعًا كنت حابب نعمل فرح قبل ما نرجع مصر، بس العروسة الجميلة دي رفضت…
توقّف قليلًا، ثم أضاف بنبرةٍ تجمع بين الجدّية والمرح:
ـ وعليه، قررنا نختار حل وسط.
ثم أشار برأسه نحو عمر ونسيم، والتفت إليها مبتسمًا كأنه يمنحها الكلمة رسميًا، وقال بصوتٍ هادئٍ مفعمٍ بالحنان:
ـ اتفضلي يا نغم، بلّغيهم بالقرار اللي وصلنا له.
تنفست نغم بعمقٍ قبل أن تقول، ووجهها يزداد توهجًا كلما نظر إليها:
ـ أنا وفريد قررنا نعمل حفلة خطوبة وكتب كتاب هنا… قبل ما نرجع مصر.
لم يستطع فريد أن يمنع ابتسامته الواسعة وهو يستمع إليها، وعيناه متشبثتان بعينيها كأنهما وُجِدتا لتشهدَا على هذه اللحظة تحديدًا، ثم قال بصوتٍ واثقٍ رقيق:
ـ وبمجرد ما نرجع إن شاء الله، نبدأ في تجهيزات الفرح.
ابتسمت نغم بخجلٍ رقيقٍ، حاولت أن تُخفيه وهي تهز رأسها موافقة، لكن ملامحها كانت تفضح سعادتها التي لم تستطع إخفاءها.
ابتسم عمر بسعادة غامرة وهو يسمع الخبر، ثم اتسعت عيناه فجأة كمن تملكه الحماس، وصرخ:
ـ بجد؟!
ولم ينتظر أي رد، بل اندفع بخطوات سريعة نحو فريد قبل أن يفهم الأخير ما يحدث، ليجده بين ذراعيه في لحظةٍ مفاجئة!
كاد فريد يفقد توازنه وهو يترنح للخلف ممسكًا بعمر الذي يعانقه بقوة مفرطة، مرددًا بمرحٍ طفولي:
ـ يا حبــيــــــــــــــــب قلبــــــــــــي .
ثم انهال على خده بالقُبلات وهو يضحك من قلبه ويقول:
ـ ألف مبروك ، ألف ألف مبروك ، ألف ألف ألف مبروك يا حبيب قلبي.
ضحك فريد وهو يحاول الإفلات منه، ممسكًا بذراعيه محاولًا إبعاده قليلًا :
ـ شكرا يا عمر أنا مقدر إنك فرحان بس مش للدرجة دي .
ـ مش قادر، أنا فرحان يا فريد .. فرحان أوي .
ليجيبه فريد قائلا بنفاذ صبر :
ـ يا سيدي وأنا كمان فرحان بس كفاية ، احترم وسواسي القهري يا أخي .
اقتربت نسيم من فريد ، عانقته وقالت بابتسامة:
ـ مبروك يا حبيبي .. ربنا يسعدكم .
ربت فريد على ظهرها وهو يردد :
ـ آمين ، متشكر يا نسومه ربنا يخليكي ليا .
والتفتت نسيم إلى نغم، عانقتها بحرارة وقالت :
ـ مبروك يا نغم ، مبسوطة علشانكم أوي يا حبيبتي.
فبادلتها نغم العناق بحب أعمق وقالت :
ـ الله يبارك فيكي يا حبيبتي.. ربنا ميحرمنيش منك.
أما عمر، فهتف وهو ينظر إلى فريد قائلا :
ـ بالمناسبة الحلوة دي بقا عاوزين نخرج نتغدا بره ونقضي يوم لطيف على شواطئ أثينا العامرة بالمناظر الطبيعية الخلابة .
رفع فريد حاجبه متشككًا، بينما أكمل عمر وهو يومئ بيديه بانفعال مبالغ فيه:
ـ أصل أنا بسمع إن الشواطئ هنا مليانة "طبيعة بشرية مبهجة"، ألوان زاهية، وتنوع ثقافي يخليك تحس إنك في مهرجان فني، أه والله .
أومأ فريد وهو يقول بسخرية:
ـ آه طبعا، وانت فنان وبتحب الفن طول عمرك.
كان فريد يرمقه بانزعاج مكتوم، بينما عمر يبتسم ابتسامته الواسعة المعهودة، يشير إلى نغم ونسيم وهو يقول بنبرة مازحة:
ـ خلاص بقى يا حبيب قلبي، إنت هتسيّح لي قدامهم ولا إيه؟
ـ أسيّح لك ؟
قالها فريد بامتعاض، ثم زفر بعمق، وأومأ بهدوء قائلاً:
ـ يلا اجهزوا ..
ثم التفت إلى نغم، وغمز لها بخفة، ونبرته تختلط بين الجد والمشاكسة:
ـ عايزين نلحق اليوم من أوله.
༺═────────────────═༻
انفرجت ملامح سالم في نومه، كأنه انزلق إلى عالمٍ آخر، عالمٍ تعرفه روحه أكثر مما تعرفه يقظته… وهناك، وسط ضبابٍ رقيق، ظهرت ناهد.
كانت تقف أمامه بثوبٍ أبيض ناعم يتحرك مع نسمةٍ لا تُرى، شعرها الأسود الطويل ينسدل على كتفيها في خيوطٍ حريرية تُلامس وجهها برقة، وعيناها الواسعتان اللامعتان تحملان ذلك المزيج الموجِع من الحنان والعتاب.
نظرت إليه نظرةً تُذيب القلب، فيها شوقٌ لم يُطفأ، ووجعُ امرأةٍ خُذلت ولا زالت تُحب. كان في ابتسامتها ظلّ ألمٍ، وفي رجفة شفتيها سؤالٌ لم يُجب عنه يومًا.
تقدمت نحوه بخطواتٍ خفيفة، ثم وقفت أمامه، تتطلع نحوه بحزن يمتزج فيه الغضب والخذلان، وهمست بصوتٍ يقطر دفئًا وحزنًا:
ـ ليه يا سالم؟
أخذ سالم يتأملها مذهولًا، كأنه يرى روحًا خرجت من زمنٍ بعيد؛ جمالها لم يبهت، وملامحها ما زالت تحمل تلك الفتنة الهادئة التي كانت تُضعف عزيمته يومًا. بدت أمامه كما كانت في ريعان شبابها، في الثلاثين من عمرها، لكن نظراتها كانت قاسية حد الوجع، تخترق أعماقه وتعيد فتح جراحٍ ظن أنه نسيها.
قالت بصوتٍ يقطر مرارة:
ـ أنا عملت لك إيه عشان تأذيني بالشكل ده يا سالم؟!
ده أنا قبلت باللي مفيش واحدة كانت تقدر تقبله علشانك، وبدل ما تقدر اللي عملته علشانك خنتني… خنتني وقضيت عليّا!
ارتعشت شفتاه، وصوته خرج ضعيفًا، خاويًا من سلطته وهيلمانه المعتاد :
ـ ناهد… سامحيني !
رفعت حاجبيها بازدراء وقالت بحدةٍ تخلع القلب:
ـ أسامحك؟! لا يمكن! أنا بكرهك يا سالم… بكرهك على قد ما كنت بحبك زمان.
تجمد في مكانه، وانحبست أنفاسه كأن الهواء تخلّى عن رئتيه، ثم مدّ يده نحوها برجاءٍ يائس، لكنّها نزعتها منه بعنف، ثم صفعته صفعةً قويةً ارتجّ لها كيانه كله، فتسمّر مذهولًا، وعيناه تتابعانها وهي تدير ظهرها لتغادر.
مدّ ذراعه محاولًا الإمساك بها، وصوته المرتجف يتوسّل:
ـ ناهد!! استني… ما تمشيش !
لكنها كانت تتلاشى ببطء، كضوء شمعةٍ يذوب في الظلمة.
ارتجف جسده فجأة، كأن صفعتها أعادته من بُعدٍ سحيق إلى واقعه الباهت، فتقلّصت ملامحه وارتعشت أنفاسه وهو يفتح عينيه ببطء…
لم يعد يميّز بين الحلم والحقيقة، بين ما كان وما هو كائن.
أدار رأسه بتثاقل، عيناه الزائغتان تبحثان عنها في كل زاوية من الغرفة؛ فمدّ يده المرتجفة نحو الهواء أمامه، وكأنه يرى طيفها واقفًا عند طرف السرير، يحاول أن يلمسها، أن يستعيد دفء قربها، لكن قبضته لم تجد سوى الفراغ.
ارتعش جسده أكثر، وحاول النهوض متكئًا على حافة السرير ، وفي اندفاعه المرهق، فقد توازنه، فانزلق جسده الضعيف على الأرض، وارتطم رأسه بحافة السرير ارتطامًا خافتًا، تبعه أنينٌ مبحوح، أشبه بأنين الريح في ليل خاوٍ .
ظلَّ ممددًا على الأرض، جسده يرتجف، وعيناه الزائغتان تتقلبان في الفراغ باحثتين عن طوق نجاة، يسكنهما العجز الذي طالما أنكره وتمرّد عليه. التفت نحو باب الغرفة مترقبًا أن يرى وجه حسن، لعلّه يعينه على النهوض، يعيد إليه بعض كرامته المسلوبة.
لكن الباب انفرج على وجهٍ آخر، نادر، الذي ما إن وقعت عيناه على سالم في تلك الهيئة البائسة حتى اندفع نحوه مذعورًا يهتف:
ـ سالم باشا..!
رفع سالم رأسه بصعوبة، وبرز صوته يائسًا وهو يستغيث:
ـ ساعدني يا نادر... قومني قبل ما حد يدخل ويشوفني بالحالة دي.
انحنى نادر بسرعة، محاولًا رفعه برفق، بينما ضغط بيده على جرس النداء يستدعي الممرضة، وقال وصوته يختنق بالحزن:
ـ إيه اللي حصل يا باشا؟! وقعت إزاي كده؟
قبل أن يجيبه، كانت الممرضة قد هرعت إلى الغرفة، يعقبها حسن الذي شعر بأن شيئًا ليس على ما يرام. وما إن وقعت عيناه على والده حتى تجمد في مكانه للحظة، وكأن الزمن توقف به. ثم اندفع نحوه بخطواتٍ سريعة، انحنى إلى جواره؛ فأمسك سالم بذراعه المرتجفة وتمسك به بقوةٍ غير متوقعة، كأنه يتعلق بآخر خيط من كبريائه.
لم ينتظر حسن مساعدة من الممرضة ولا نادر، مد ذراعه تحت كتف والده، ورفعه ببطء حتى أجلسه على حافة السرير، ثم أسند وسادةٍ خلف ظهره؛ فأراح سالم ظهره وهو ينظر أمامه بضياع، بينما صدره يعلو ويهبط بأنفاس مضطربة، والعرق يتصبب من جبينه.
رمقه حسن بعينين يغمرهما الألم، وقال بصوتٍ منخفضٍ لكنه حادّ من فرط الحزن، موجهًا حديثه نحو نادر:
ـ الحالة دي مينفعش يتسكت عليها أكتر من كده .. إحنا لازم نعرضه على أكبر دكاترة في مصر .. أنا شايف إن وجوده في المستشفى هنا زي عدمه .. خلينا ننقله من المستشفى دي في أسرع وقت يا متر .
أومأ نادر مؤيدًا كلام حسن، بينما ظلّ سالم يحدق في الفراغ بعينين يغمرهما الأسى، وخرج صوته خافتًا متحشرجًا من بين شفتيه المرتجفتين:
ـ أنا مش هروح في مكان، انتوا عاوزين تفضحوني وتخلوا اللي يسوى واللي ما يسواش يشمت فيا ويقول سالم مرسال اتشل ومبقاش ليه لازمة؟!
تبادل حسن ونادر نظرات حائرة، قبل أن يتحدث نادر بنبرة حاول أن يجعلها مطمئنة:
ـ ما عاش ولا كان اللي يقول عليك كده يا باشا، دي مجرد وعكة صحية وارد أي حد يمر بيها ، إحنا بس عايزين نطمن إنك بتتلقى الرعاية المناسبة على أكمل وجه علشان تتخطى الأزمة دي بسرعة.
لكن سالم أدار وجهه بعناد وقال بصرامة:
ـ أنا هخرج من المستشفى وهرجع البيت، مش هروح أي مكان تاني.
اعترض حسن بقلق واضح:
ـ مش هينفع، حالتك لسه مش مستقرة.
فانقلبت ملامح سالم غضبًا، وحدق فيه بنظرة حادة وهو يهتف بصوت مرتفع:
ـ عنها ما استقرت! هو أنا هقضي الباقي من عمري هنا ولا إيه ؟! أنا مش عايز أقعد في المستشفى ساعة واحدة كمان، لو فعلاً عايزين تعالجوني، رجعوني البيت.
وفي تلك اللحظة دخل الطبيب الغرفة بعد أن لاحظ ارتفاع الأصوات، فوقف عند الباب وقال بهدوء مهني:
ـ ممكن تتفضلوا شوية علشان أقدر أفحص المريض.
قال حسن بنبرة متوترة:
ـ إحنا بس عاوزين نطمن عليه يا دكتور.
أجابه الطبيب بإيماءة هادئة:
ـ اسمحوا لي أفحص المريض الأول، وبعدها هاطمنكم.
لكن كلمات الطبيب فجّرت غضب سالم من جديد، فانتفض في مكانه وهتف بعصبية:
ـ ما تقولش مريض! أنا مش مريض!
أسرع حسن نحوه محاولًا تهدئته، إلا أن سالم كرر بعناد وإصرار:
ـ أنا لازم أخرج من المستشفى دي حالًا!
تدخل حسن سريعًا بصوتٍ مهادن:
ـ حاضر يا حاج، اهدى بس، واللي انت عايزه هنعمله.
بدأ الطبيب في قياس ضغطه بتركيز، بينما خرج حسن ونادر من الغرفة مضطرين، ووقفا في الممر يتبادلان نظرات القلق والصمت الثقيل.
لم تمضِ سوى دقائق حتى خرج الطبيب بخطوات متزنة، واقترب منهما وهو يتنهد بعمق قبل أن يقول بنبرة جادة:
ـ الضغط كان عالي شوية، وده اللي خلى حالته تتوتر بالشكل ده، بس الحمد لله نزل دلوقتي بعد ما أخد الدوا.
تساءل حسن بقلق وهتف بحدة :
ـ أبويا ماله بالظبط يا دكتور ؟! لو مش قادرين تعالجوه هنا عرفونا واحنا ننقله مستشفى تانية .. !
ابتسم الطبيب بهدوء وأجاب:
ـ اهدى يا حسن بيه، الحالة اللي بيمر بيها الوالد طبيعية جدا لأن دوا الأعصاب اللي بياخده بيسبب اضطراب مؤقت في المزاج وضعف في التركيز .. علشان كده هنوقف الدوا ده مؤقتًا ونبدله بنوع تاني، وإن شاء الله الأمور هتتحسن في خلال يومين تلاتة.
وسكت لحظة ثم أردف بجدية:
ـ أهم حاجة دلوقتي إن محدش يضايقه أو يضغط عليه في الكلام.. ولازم تتفهموا الحالة الحرجة اللي هو بيمر بيها وتحاولوا تحتووه على قد ما تقدروا .
تنهد حسن بحيرة، ثم نظر إليه وقال :
ـ طيب هو عايز يخرج من المستشفى ويرجع البيت ..
ـ مفيش مانع، وإن كنت أفضل إنه يفضل تحت الملاحظة كام يوم كمان على الأقل، علشان نتابع استجابة جسمه بعد وقف الدوا القديم. بس لو أصر على الخروج، لازم يبقى في إشراف تام، وممنوع يفضل لوحده تمامًا.
هزّ حسن رأسه بتفهم، بينما الطبيب تابع بجدية:
ـ هكتب له على دواء بديل أخف، ومجرد ما حالته تستقر شوية، هتلاحظوا فرق كبير في التركيز واستقرار حالته المزاجية، وأهم حاجة الهدوء، والبعد عن أي انفعال أو مواجهات حادة.
أومأ حسن موافقًا، بينما الطبيب غادر بخطوات هادئة تاركًا خلفه سكونًا مشوبًا بالقلق .
༺═────────────────═༻
كانت الشمسُ تستعدّ للمغيب في أثينا، ترخي خيوطها الذهبية على صفحة البحر في وداعٍ بطيء، بينما جلسوا متقاربين أمام الموج، تتعانق نظراتهم مع الأفق البعيد، كأنهم جميعًا يخشون أن ينكسر هذا الهدوء الذي لم يعرفوه منذ زمنٍ طويل.
كانت نغم غارقة في تأمل المشهد أمامها، عيناها تتبعان انكسار الضوء على سطح الماء، والبحر يعكس وهج الغروب في لوحةٍ من ذهبٍ ونار. كانت تبدو ساكنة كأنها جزء من هذا المشهد، امتدادٌ له لا يمكن فصله عنه.
أما فريد، فكان يتأملها هو، لا يرى البحر ولا الغروب، بل وجهها الذي تتلون ملامحه بظلال الشمس الأخيرة، وشَعرها الذي يلمع كلما داعبته نسمةٌ عابثة.
ومن داخله، أقسم أنه أمام لوحةٍ لا يرسمها إلا الخالق، لوحةٍ لا يليق أن تُعلّق على جدار، بل تُحفظ في القلب، تُحرس بالصمت وتُعبد بالنظر.
ابتسم في صمتٍ عميق، ومدّ يده ببطء، وأخرج هاتفه من جيبه، ثم بدأ يلتقط لها الصور واحدة تلو الأخرى، مأخوذًا بانعكاس ضوء الغروب على ملامحها الهادئة.
لكنها ما لبثت أن التفتت نحوه فجأة، لتفاجأ به يصوّرها، فارتسمت على وجهها ابتسامة عفوية ثم صنعت بيدها علامة القلب، و أمالت رأسها قليلًا وهي تضحك بخفة، فابتسم فريد ابتسامة متألقة وهو يقول :
ـ إيه يخواتي الحلاوة دي !
فارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة مبتهجة، ثم رفعت كفها أمام شفتيها، وأرسلت له قبلة طائرة بخفةٍ ودلال، جعلته يضحك من قلبه وهو يهز رأسه قائلاً:
ـ إيه يخواتي الشقاوة دي !
ضحكت بخفة، وأمالت رأسها قليلًا إلى الجانب وهي ترفع أصابعها لتصنع بإبهامها وسبّابتها شكل إطارٍ كأنها تُريه كيف يصوّرها، ثم غمزت له في دلالٍ أربكه وجعله يضحك بلا وعي وهو يواصل التصوير، بينما هي تتفنن في تغيير الوضعيات كأنها نجمة تسير على سجادة حمراء، تارة تضع خصلات شعرها خلف أذنها وتبتسم بخجل، وتارة ترفع ذقنها بثقةٍ متعمدة وتغمز له بمرح.
بينما على بُعد خطوات، كان يجلس عمر ونسيم، يتابعان من بعيد المشهد بين فريد ونغم.
كان عمر يسند خده إلى كفّه بتأفف مصطنع، قبل أن يهز رأسه يائسًا قائلاً بنبرة ممتزجة بالضيق والتهكم:
ـ يعني البيه جايبنا في الصحرا دي اللي مفيش فيها ولا معزة حتى معدية ويقوللك هدوء و روقان ! وقاعد هو والهانم يغازلوا في بعض من غير ما يعملوا إعتبار لحالة التقشف العاطفي اللي عندي !
ضحكت نسيم بخفة وهي تنظر إليه وتقول بمكر لطيف:
ـ ما تزعلش يا مانو، ما أنا جنبك أهو.. إحنا الاتنين متقشفين عاطفيًا زي بعض .
زفر عمر بتمثيل درامي وأخرج هاتفه من جيبه قائلاً:
ـ خلاص، أنا هكلم ميرال بقى وأمري لله.
فأخرجت هاتفها من حقيبتها وهي تقول :
ـ وأنا كمان هكلم عاصم بدل ما أفضل قاعدة غلبانة كده.
نهض عمر ليهاتف ميرال، وما إن وصله صوتها حتى قالت بابتسامة :
ـ عمر ..
ـ وحشتيني.
ابتسمت بهدوء فتابع :
ـ والله وحشتيني ونفسي أشوفك.. طمنيني ، انتي كويسة ؟
ـ أنا الحمدلله بخير، إنت إمتا هترجع ؟!
تنهد وهو يعبث بخصلاته ، ثم قال:
ـ يمكن بعد يومين ، فريد ونغم هيكتبوا كتابهم هنا وبعدها هنرجع كلنا سوا.
فأتاه صوتها المبتهج وهي تقول :
ـ بجد ؟! فرحت علشانهم جدا والله .
أومأ مبتسما وقال :
ـ عقبالنا يا جميل .
ابتسمت بصمو فقال بإصرار :
ـ بقوللك عقبالنا .. خلي عندك دم وقولي أي حاجه .
ابتسمت مجددا بخجل وقالت :
ـ إن شاء الله .
هز رأسه يائسًا ثم قال :
ـ إن شاء الله ، خلي بالك من نفسك .. اتفقنا ؟
ـ إن شاء الله .
ـ إن شاء الله .. مع السلامة يا ميرال ، مع السلامة يا حبيبة قلبي.
أنهى الاتصال وهو ينظر بالهاتف ويقول بحنق :
ـ يخربيت الاحترام الأوڤر دوز .. جابتلي جفاف عاطفي مزمن أكتر مانا .
دس الهاتف في جيبه وسار بخطواتٍ هادئة نحو البحر، توقف عند حافته يتأمل الأفق الممتد أمامه بصمتٍ مفعم بالأسى، تتقاطع في ذهنه أفكار كثيرة، أولها أمه… تلك التي لم تكلف نفسها عناء السؤال عنه منذ سافر.
صحيح أنها لم تكن تبالي كثيرًا حتى وهو بجانبها، لكنه كان يمني نفسه ببصيص اهتمامٍ حين ابتعد، بلمحة شوقٍ صغيرة تثبت أنه ما زال يعني لها شيئًا.
تنهد طويلاً، ثم رفع عينيه إلى السماء وقد خيّم عليه التفكير بجدية:
ماذا سيكون موقفها — هي ووالده — عندما يصارحهما برغبته في الزواج من ميرال؟
هل سيقبلان اختياره، أم سيفعلان ما يتقنانه دائمًا… محاولة التحكم في حياته وقراراته كأنه ما زال الطفل الذي لا يحق له أن يقرر شيئًا بنفسه؟
لكن فجأة، قطع سيل أفكاره صوت الماء المتماوج على مقربة، فالتفت بتلقائية ليرى على مسافة فتاة تعوم في البحر بخفةٍ وحرية، تتمايل مع الموج كأنها جزء منه، فاتسعت ابتسامته وهو ينظر نحوها بحماس ويفرك يديه ببعضهما في حماس وهو يقول :
ـ يا حبيبة قلبي .. أهي كده القعدة تحلو .
لوّح إليها بيده وهو يرفع صوته ويقول :
ـ Hello, do you need help
نظرت إليه الفتاة وحركت سبابتها برفض :
ـ Noooo
فتراجع حماسه وحل محله تعبير محبط وهو يردد بيأس:
ـ كنت عارف إنه No على فكرة .
بينما على بعد خطوات، كانت تقف نسيم ممسكةً بالهاتف على أذنها وهي تتحدث إلى عاصم وتقول:
ـ إنت كمان وحشتني يا حبيبي.. طمني عامل إيه ؟
أجابها عاصم بصوتٍ منغلق يعكس عدم ارتياحه :
ـ مش كويس أبدا وانتي بعيد ، محتاجلك جدا يا نسيم .
تنهدت بهدوء، وقالت :
ـ معلش يا عاصم ، يومين كمان وهنرجع .
فتنهد بانزعاج وقال :
ـ بس ده مكانش اتفاقنا يا نسيم ، على أساس إنكم هتحضروا الافتتاح وترجعوا سوا !
ردت بثبات، محاولةً التوضيح :
ـ صح .. بس فريد ونغم هيكتبوا كتابهم هنا وبعدين هنرجع مع بعض .
زفر بضيق، ثم صمت لبرهة، قبل أن يقول :
ـ أنا محتاجلك يا نسيم ، انتي عارفة ان وانتي بعيد أنا ببقا مش كويس أبدا .
ـ عارفة، وأنا كمان محتاجالك والله ، أنا كمان وأنا بعيدة عنك مش ببقا كويسة أبدا صدقني، لكن مش هينفع مابقاش موجودة في يوم زي ده !!
زفر مجددا، ثم قال مستسلما :
ـ ماشي يا نسيم ، اللي تشوفيه .
ـ زعلان مني ؟
سألته بنبرة متخوفة، فتنهد وقال بهدوء :
ـ أبدا يا حبيبتي، مقدرش أزعل منك أبدا .. أهم حاجة خلي بالك من نفسك .
ـ حاضر .. وانت كمان . مع السلامة.
أنهت نسيم الاتصال، وبقيت واقفة في مكانها، تتنفس ببطء بينما تدور أفكارها في حلقات متشابكة. قلبها كان مثقلاً بالقلق، ممتلئًا بشعور متناقض بين الحنين لعاصم وخوفها من أي محاولة قد يفعلها لأجل إفساد فرحة إخوتها.
فهي لم تكن راغبةً في الإفصاح عن عقد قران فريد ونغم، خوفًا من أن يقدم على أي خطوة عدائية تجاه فريد، ولكنها اضطرت لشرح الأمر وإبداء السبب الرئيسي لبقاءها يومين إضافيين .
تنهدت أخيرًا، وأغمضت عينيها للحظة، محاولةً تهدئة خفقان قلبها، رغم كل المخاوف والريبة التي تعتمل في صدرها، امتدت يدها تتلمس بطنها بهدوء، وأوقفت نفسها عمدًا عن الغرق في الأفكار .. ثم عادت لتجلس في مكانها من جديد .
༺═────────────────═༻
مساءا ..
كانت نسمات البحر اللطيفة تداعب وجهيهما بينما كانا يسيران جنبًا إلى جنب على الرمال المبللة، وصوت الأمواج يتلاشى تدريجيًا في الخلفية، كأنه موسيقى خاصة بهما وحدهما. القمر كان يعكس ضوءه الفضّي على الماء، فيضفي على البحر وهجًا سحريًا، يجعل كل شيء حولهما يبدو حالمًا للغاية .
لاحظ فريد شرودها، فنظر إليها وقال :
ـ مالك يا نغومة سرحانة في إيه ؟!
التفتت إليه وابتسمت بهدوء، ثم قالت :
ـ أصلي شفت المشهد ده بالظبط قبل كده في الحلم ..
ونظرت حولها وهي تقول :
ــ نفس السما المليانة نجوم، والبحر والموج العالي.. انت كمان كنت واقف جنبي، ولابس قميص أبيض زي دلوقتي..
ابتسم وهو يسألها بهدوء يشوبه الفضول :
ـ وبعدين ؟
لانت ملامحها قليلا وتابعت بابتسامة أكثر إشراقًا :
ـ وبعدها جت موجة عالية جدا وخرجت معاها صدف كتير من البحر ، وانت مديت ايديك ومسكت صدفة منهم وفتحتها فلقيت في قلبها خاتم .
وضحكت بخفة، بينما هو كان يطالعها منبهرًا، ثم ابتسم وهو يمد يده في جيب بنطاله ويخرج منها علبة صغيرة من المخمل، ثم فتحها أمامها وهو يقول مبتسما ويترقب ردة فعلها :
ـ خاتم زي ده ؟!
نظرت نغم إلى الخاتم بغير تصديق ، وأخذت تحدق في فريد بصدمة ثم في الخاتم مرة أخرى بانبهار ، بينما هو كان مبتسما، ثم أمسك يدها برفق، وهو يقول :
ـ يظهر إنها كانت رؤية مش حلم عادي.
ـ إزاي بجد !! مش ممكن .
ـ لا يا حبيبتي وإحنا مع بعض كل حاجه ممكنة .
إمتلأت عينيها بدموع متأثرة وهي تقول :
ـ فريد .. أنا ..
صمتت عندما عجزت عن إيجاد ما تود قوله، بينما هو ضيق المسافة بينهما ودنا منها، ممسكًا بكفها، ثم رفعه إليه ووضع الخاتم في إصبعها برقة ويقول :
ـ الخاتم ده كنت ناوي أقدمهولك يوم عيد ميلادك.. وطبعا انتي عارفة الباقي.
أطرقت برأسها أرضًا، فرفع ذقنها إليه قائلا بابتسامة :
ـ ممنوع تشيليه من ايدك مهما حصل ، ده مش خاتم الخطوبة على فكرة .. ده هدية عيد ميلادك .
عجزت ألا تتنفس بعمق وهو يطالعها بنظرات فيهما من الحنان ما يكفي ويفيض، تلعثمت، وكادت لتنطق ولكن الكلمات اختفت من على شفتيها
مد إبهامه ووأد به تلك الدمعات التي توقفت على حافة عينيها وهو يقول ممازحا :
ـ كفاية عياط أبوس ايديكي أنا تعبت لك سلف .
انبعثت ابتسامتها رغمًا عنها، فابتسم وربت على رأسها بحنو وقال :
ـ من النهارده مفيش دموع تاني ، ولا حتى دموع الفرحة .. مش عايزين دموع نهائي .
أومأت بابتسامة ثم خرجت كلماتها الأخيرة في شبه همس :
ـ ربنا يخليك ليا يا أحن إنسان في الدنيا.
ـ ويخليكي ليا يا نغم حياتي.
༺═───────────────═༻
#يتبع
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق