القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثانى والأربعون 42بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات

 

رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثانى والأربعون 42بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات





رواية محسنين الغرام( الجزءالثاني)الفصل الثانى والأربعون 42بقلم نعمه حسن حصريه وجديده في موسوعة القصص والروايات


ـ ٤٢ ـ


~ الآن فقط.. يمكننا البدء من جديد ~


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في صباح اليوم التالي،

كان حسن قد أنهى إجراءات الخروج من المستشفى، ثم دخل الغرفة التي ينتظر فيها والده، وهو يجر الكرسي المتحرك أمامه بحذر وشيء من التردد. كان يدرك تمامًا أن والده لن يتقبل الأمر بسهولة، لكن لا خيار أمامهم الآن.


وبالفعل، ما إن وقعت عينا سالم على الكرسي حتى أشاح بوجهه بعصبية، وتمتم بصوت مهزوم يملؤه الأسى:

ـ خلاص بقيت مشلول رسمي جايبين لي كرسي متحرك !


تنهد حسن بهدوء، ودفع الكرسي في اتجاهه، ثم جلس إلى جواره على الفراش، وأمسك بيده وقبّلها بحنوٍّ واحترام وهو يقول:

ـ مؤقتًا بس يا باشا، يومين لحد ما حالتك تتحسن إن شاء الله، وترجع تقف على رجلك زي الأول وأحسن كمان.


التفت سالم إليه ببطء، ونظر إليه بعينين يملؤهما الحزن الممتزج بعتابٍ عنيد، وقال بصوتٍ خافتٍ يحمل ما بين السطور وجعًا دفينًا:

ـ بتحايلني يا حسن؟ للدرجة دي أنا بقيت ضعيف ومحتاج معاملة خاصة !


تنهد حسن في مرارة، وهزّ رأسه نافيًا وهو يضغط على يد أبيه برفق:

ـ لأ يا باشا متقولش كده، إنت مكبر الموضوع ليه دول شوية تعب صغيرين وهيروحوا لحالهم، وبعدين إنت عارف إني ما أقدرش أشوفك متضايق كده.. روق بقا .


نظر إليه سالم طويلًا، وكأن بين نظراتهما حديثًا لا يُقال، ثم أدار وجهه بعيدًا وهو يتمتم:

ـ عمري ما كنت أتخيل في يوم يوصل بيا الحال لكده ، أنا.. سالم مرسال اللي الكل كان بيعمل له ألف حساب ، اللي كان بيشرف بلد بحالها ، بقيت عاجز وهقعد على كرسي.. هخرج دلوقتي من الأوضة على كرسي والناس كلها هتتفرج عليا ويتهامسوا بينهم وبين بعض ، هرجع البيت والخدامين يشوفوني داخل على كرسي بعد ما كنت بمشي أهد الأرض .


ابتلع غصّته الخانقة التي كادت تفتك بأنفاسه، ورفع رأسه في محاولةٍ بائسة لاستدعاء شموخٍ يدرك في قرارة نفسه أنه لم يعد يليق به، وفي تلك اللحظة، جاهد ليمنع دمعةً خائنة من التمرّد والانحدار من معقلها، بينما اقترب منه حسن خطوة أخرى وربت على كتفه وهو يقول :

ـ إنت هتفضل سالم مرسال اللي الكل بيعمل له ألف حساب مهما حصل، ومش الكرسي ده اللي هيكسر هيبتك أو يقلل من شأنك.. إنت هتفضل الباشا مهما حصل.


لم يُجب سالم على الفور، بل ظل يرمق ابنه بنظرةٍ مضطربة، كأنّ كلماته اخترقت ما تبقّى من صلابته القديمة.

ارتجفت شفتاه، وتحركتا في محاولةٍ خائبة للنطق، لكنه آثر الصمت، وأدار وجهه ببطء ليُخفي ارتعاشةً خفيفة اجتاحت ملامحه، كأنّ كبرياءه يقاوم انكسارًا يوشك أن يفتك به.


زفر أنفاسه المثقلة، محاولًا أن يُمسك بما تبقّى له من ثباتٍ ووقار.


وظلّ يحدّق في الأرض لحظةً طويلة، ثم رفع بصره نحو ابنه، وفي عينيه امتنانٌ خافت يتصارع مع خوفٍ دفين من أن يكون الأمل مجرّد وهمٍ عطوف.


تحرّكت زاوية فمه في ابتسامةٍ واهنة، كأنّها محاولة لتصديق ما قيل، ثم تمتم بصوتٍ متهدّج:

ــ معاك حق، الأزمة دي هتعدي أنا متأكد، وواثق إن مهما حصل أنا هفضل سالم باشا مرسال .


ابتسم حسن ابتسامةً واهنة، كأنها تنهيدة تأبى أن تصير صوتًا، ثم قال بصوتٍ منخفضٍ يقطر وجعًا وكبرياءً في آنٍ واحد:

ــ هتعدّي يا باشا.. يا جبل ما يهزك ريح .


ومدّ يده يضمّ يد والده، فتردد سالم لحظة قبل أن يترك أصابعه تُجابَه دفء يد ابنه. وقتها شعر بشيءٍ داخله ينهدّم بصمت، وجدارٍ ظلّ يبنيه أعوامًا طويلة يتصدّع فجأة أمام صدق تلك اللمسة. 


أطرق رأسه قليلًا، وعيناه تائهتان بين الاعتراف والإنكار، بين رجلٍ يعرف أنه لم يَعُد كما كان، ورجلٍ آخر يحاول التشبّث ببقايا مجده لئلا ينهار تمامًا.


وقف حسن أمامه، يحاول أن يبدو ثابتًا، فيما كان قلبه يضجّ بالشفقة والخوف عليه. مدّ ذراعه ناحيته برفق، وقال بصوتٍ خفيضٍ يشوبه الحذر:

ــ يلا يا باشا ؟! 


نظر إليه سالم بعينين ثقيلتين، يصرخ فيهما مزيج من الكبرياء والغضب والسخط، ثم وضع يده على كتف ابنه مستندًا إليه؛ فأحاطه حسن بذراعه بحنوٍ، يساعده على النهوض في هدوءٍ شديد .


تنهد سالم وهو يجلس ببطءٍ على الكرسي، تنفّس بعمق، محاولًا أن يخفي ارتجافة خفيفة سرت في يده. 


تأكد حسن من ثبات الكرسي، ثم انحنى قليلًا ليضبط وضع قدمي والده على المسند، قبل أن يرفع نظره إليه بتوجسٍ صامت، كأنه يخشى أن يقرأ في عينيه انكسارًا جديدًا.


تلاقت نظراتهما للحظةٍ صامتة، فيها من الألم والانكسار ما يفوق الوصف، حاول حسن أن يبدّد وطأتها بابتسامةٍ واهية لم تبلغ عينيه، ثم بدأ بدفع الكرسي بهدوء نحو الباب، يسير بخطواتٍ محسوبةٍ، 

اختار الطريق الخلفي للمشفى، كما طلب سالم، تجنبًا لنظرات الفضول والشفقة التي كان يخشاها أكثر من المرض نفسه.


وما إن بلغا السيارة حتى أسرع السائق بالترجّل وفتح الباب الأمامي، فأشار إليه حسن أن يتراجع قليلًا، ثم انحنى نحو والده الذي تحرك ببطءٍ متكئًا على ذراع حسن، يجرّ قدميه بثقلٍ يقطر مرارة، بينما الممرضة تساعده من الجهة الأخرى. 


وبعد جهدٍ ظاهر، جلس سالم في المقعد الأمامي، تنفّس بعمقٍ وهو يغلق الباب بنفسه، فيما وقف حسن لحظةً يلتقط أنفاسه، ينظر إليه في صمتٍ، ثم استدار نحو المقعد الخلفي بهدوء، حيث تجلس الممرضة التي تستعد للعودة معهم إلى الڤيلا، تبادل معها نظرةً صامتة، ثم جلس وأعطى الإشارة للسائق بالانطلاق .


طوال الطريق، ظلّ سالم صامتًا، يُحدّق من خلف الزجاج في الفراغ الممتد على جانبي الطريق، لا يرى شيئًا مما يمرّ أمامه، كأن ذهنه عالق في مكانٍ آخر.

كانت يده ترتجف بخفوتٍ فوق ركبته، بينما يتعاقب في رأسه صوتان؛ واحدٌ يهمس له بالاستسلام، وآخر يصرخ داخله أن يظلّ كما كان دائمًا — سالم باشا مرسال، الرجل الذي لا يُهزم.


لكن كلما اقتربت السيارة من بوابة الفيلا، ازداد انقباض صدره. كان يتخيل وجوههم واحدًا واحدًا: نادية، الخدم، زينب، وحتى الحراس عند الباب. كيف سينظرون إليه؟ كيف سيتحدثون بعد أن يغادر السيارة ؟

هل سيشفقون عليه؟ أم يشمتون فيه ؟!


أغمض عينيه بقوة، يحاول طرد الفكرة، لكن صورًا متلاحقة غزت ذهنه — صورته وهو يهبط السلالم بخطى واثقة، صوته العالي، نظرته التي كانت تُخيف الجميع. ثم تومض الصورة التالية: نفسه الآن، عاجزًا، ينتظر يد ابنه لتعينه.


بعد قليل، توقّفت السيارة أمام بوابة الفيلا، فتح السائق الباب بهدوء، ونزل حسن سريعًا من المقعد الخلفي قبل أن يفتح الباب الأمامي حيث يجلس والده.

مدّ يده نحوه بحذرٍ قائلاً بصوتٍ منخفض:

ــ على مهلك يا باشا .


نظر سالم إلى البوابة لحظةً، تنفّس ببطءٍ، ثم قال بعنادٍ مكتوم:

ــ سيبني.. أنا هعرف أنزل لوحدي.


لكن ما إن حاول أن يتحرك حتى خانته ساقه، فالتقطه حسن بمهارةٍ، أسنده برفقٍ حتى استقرت قدماه على الأرض. كانت الحركة بطيئة، ثقيلة، تتخللها أنفاس متقطعة وملامح متجهمة من الألم .


أسرع السائق يفتح صندوق السيارة ويُخرج الكرسي المتحرك، فتحه بخبرةٍ ووضعه بجوار الباب. اقترب حسن وساعد والده على الجلوس عليه، دون أن ينطق أحدهما بكلمة.


في تلك الأثناء.. كانت نادية تقف في شرفة غرفتها، يداها تتشابكان أمام صدرها وملامحها مشدوهة.. وفجأة رأت المشهد كله — السائق يقف مترقبًا، حسن منحنٍ بجوار والده، وسالم جالس على الكرسي، وجهه جامد لكنه في عينيه انكسارٌ لا يخفى.


في تلك اللحظة تجمّدت نادية مكانها، كأن الهواء انسحب من حولها فجأة. اتسعت عيناها وهي تحدّق في المشهد أسفلها غير مصدّقة، ثم ارتجفت شفتاها بخفوتٍ وهي تضع يدها على فمها تُخفي شهقةً مكتومة خرجت رغماً عنها.


كان المشهد يفوق قدرتها على التخيل — سالم، ذاك الرجل الذي لطالما رآه الجميع قويًا، شامخًا، يواجه الجميع دون انحناء.. الآن جالس على كرسيٍّ متحرك، وجهه خالٍ من الحياة، وعيناه تحملان وجعًا لا يمكن إغفاله.


تراجعت خطوة إلى الوراء، تستند إلى حافة الشرفة وهي تشعر وكأنها عالقة بين الإنكار والصدمة.


ثم همست لنفسها بصوت يكاد لا يُسمع:

ـ مش ممكن ! 


غادرت غرفتها مسرعة، ووقفت تترقب دخوله، قلبها يخفق بقلقٍ لا تعرف سببه.

وما إن انفتح الباب حتى ظهر سالم، جالسًا على الكرسي المتحرك، وحسن خلفه يدفعه بحذرٍ بالغ. توقّفا أمام الدرج، ونظراتهما تتنقل بين درجاته الصاعدة كأنها جبلٌ شاهق يستحيل تسلّقه.


أدار حسن عينيه سريعًا باحثًا عن حل، ثم التفت نحو أحد رجال الأمن مشيرًا له بالمساعدة كي يصعدوا بالكرسي إلى الأعلى، لكن سالم رفع يده إشارةً للتوقف، وصوته خرج هادئًا، خافتًا، لكنه قاطع كحدّ السكين:

ــ لا يا حسن… دخلني أوضة المكتب. مش عايز أطلع فوق.


قالها بعينين يملؤهما الإصرار، وفي صوته بقايا رجلٍ يقاوم أن يُساق إلى عجزه، يحاول أن يحتفظ بالقليل المتبقي لديه من كرامةٍ وهيبة، حتى وإن كانت المعركة خاسرة.


دفع حسن الكرسي نحو غرفة المكتب، وما إن دخلا حتى قال سالم :

ـ أنا هقعد في الأوضة دي علشان أقدر أخرج وأدخل براحتي، لحد ما أتحسن وأقدر أقف على رجليا من تاني .


هزَّ حسن رأسه طاعةً، بينما ابتسامةٌ باهتة مرت على وجهه لا تحمل من الرضا شيئًا، فقط محاولة واهية لطمأنة والده.

لكن في داخله، كانت كلمات والده تنفذ إلى أعماقه بصمتٍ موجع؛ يعرف أن الأمر ربما لن يكون مؤقتًا كما يدّعي والده، وأن الوقوف على قدميه مرة أخرى ليس بالأمر القريب، وربما لن يحدث أبدًا.


ابتلع مرارة الحقيقة التي لا يجرؤ على قولها، واقترب يعدّل وضع الكرسي قليلًا بجوار الأريكة، ثم تراجع خطوة، وعيناه تتجولان في الغرفة وكأنهما تبحثان عن شيءٍ يخبّئ خلفه وجعه، قبل أن يضيف بنبرةٍ يغالب فيها حزنه:

ـ كله هيبقى تمام إن شاء الله يا باشا… أهم حاجة ترتاح وتخلي المعنويات عالية .. وأنا تحت أمرك ورهن إشارتك .


رفع سالم عينيه نحو حسن، وارتسمت على شفتيه ابتسامة هادئة تحمل من الامتنان ما يكفي، ثم أشار إليه بيده ليقترب.

اقترب حسن بانحناءة خفيفة، وما إن صار على مقربةٍ منه حتى مدّ سالم يده وربّت على وجنته برفق، قائلاً بصوتٍ دافئٍ خافت:

ــ فيك الخير يا حسن.


تجمّد حسن للحظة، وكأن الزمن توقّف عند لمسة والده، ثم شعر بحرارةٍ تسري في قلبه، كأن تلك الربتة كانت بلسمًا يُسكّن كل أوجاعه القديمة، ودواءً خفيًا لكل الجراح التي ظنّ أنها لن تلتئم أبدًا.


نظرة واحدة من والده، وتلك اللمسة الحانية على وجنته، كانت كفيلة بأن تمحو في ثانية كل ما راكمه الزمن بينهما من وجعٍ وعتاب.

نسي كل ضيقه، وكل الليالي التي قضاها يلومه فيها، حتى نسي تلك الصَّفعة التي ظنّ يومًا أنها لن تُمحى من ذاكرته، وكأنها لم تكن.


شعر أن قلبه امتلأ دفعةً واحدة بمزيجٍ من الحنان والخوف، والحبّ .


في تلك اللحظة تحديدًا، أيقن أنه لو طُلِب منه أن يفدي والده بروحه، لفعلها دون تردّد .


مدّ حسن يده ببطء، وأمسك كفّ والده التي ما زالت تستقر على وجنته، ضمّها بين يديه وقبّلها بخشوعٍ صادق، ثم اقترب وقبّل أعلى رأسه وهو يقول :

ـ ربنا ميحرمنيش منك أبدا يا حج .


استقام حسن بعد أن قبل يد والده، ومدّ يده إلى الأريكة القريبة ففردها ببطء حتى أصبحت أشبه بسرير مريح، ثم عاد ليسند والده برفق، يساعده على الانتقال إليها، ثم ساعده في تبديل ثيابه بهدوءٍ وصبرٍ لا يصدر إلا عن ابنٍ مخلص، ثم عدّل الوسادة خلف رأسه وقال بصوتٍ خافتٍ مفعمٍ بالعطف:

ـ أنا هسيبك دلوقتي وهعمل كام مشوار بسرعة وأرجع تاني، الممرضة معاك لو احتجت أي حاجه هتعملها لك ولو حاجة ضرورية هخليها تكلمني فورا ومسافة السكة تلاقيني عندك .


أومأ سالم ببطء، وتنهد بتعبٍ يشبه الاستسلام، قبل أن يقول بصوتٍ واهنٍ :

ـ أنا محتاج أنام .. مش عاوز أشوف حد ، وخصوصا نادية.


توقف حسن لحظة، ينظر إليه بعينين حزينتين لكنه لم يُجادله، فقط قال بنبرةٍ مطيعةٍ خافتة:

ـ تحت أمرك .. 


ثم التفت بهدوءٍ نحو الباب وغادر، تاركًا والده وحده في صمتٍ ثقيلٍ يموج بالغضب والمرارة، بين رغبةٍ في العزلة، وخوفٍ دفينٍ من مواجهة العالم على هيئته الجديدة.


توقف حسن أمام باب الغرفة وقد تهاوت كل قواه التي كان يتظاهر بها، أسند ظهره إلى الحائط ومسح وجهه بكفيه في إرهاقٍ صامت، ثم أطلق زفرةً ثقيلة كأنها تحمل كل ما عجز عن قوله منذ زمن.


وقبل أن يخطو مبتعدًا، لمح نادية تتجه بخطى سريعة نحو غرفة المكتب، فاستقام في مكانه على الفور، وصوته خرج حازمًا واضحًا:

ــ الباشا عايز يرتاح، ومش حابب يشوف حد دلوقتي.


توقفت نادية، ورفعت رأسها بتحدٍّ، تحدّق فيه بعينيها الماكرَتين بنظرةٍ متعالية، ثم قالت بتهكّمٍ جارح:

ــ حد؟! بس أنا مش حد ، أنا مراته !!


خطت خطوةً للأمام، عازمةً على الدخول، لكن حسن تحرّك بسرعة وبسط ذراعه أمام الباب مانعًا طريقها، وقال بثباتٍ لم يخالطه تردّد:

ــ على راسي من فوق بس هو بنفسه قاللي مش عايز أشوف حد… وخصوصًا نادية.


اتسعت عيناها بدهشةٍ غاضبة، وتغيرت ملامحها في لحظة، بينما ظلّ هو واقفًا أمامها ببرودٍ متعمَّد، يرفع كتفيه بخفةٍ ثم يخفضهما، وكأنه يقول بلا كلمات: ما باليد حيلة… القرار قراره.


وقفت تحدق في حسن بعينين تومضان غضبًا، ملامحها مشدودة وشفتيها تكتمان اعتراضها، 

يتنازعها الكبرياء والمهانة، ثم التفتت بحدةٍ مفاجئة، وانسحبت بخطواتٍ سريعةٍ غاضبة، عائدةً أدراجها، يعلو صوت كعبها على أرضية الدرج كأنها تفرغ به غيظها المكبوت.


وفي تلك اللحظة، رغم ما بدا عليه من صلابةٍ وثبات، كان حسن أضعف ما يكون… هشًّا من الداخل كمن انكسر ولم يجد من يجمع شتاته.


تظاهر بالقوة أمام الجميع، لكنه في أعماقه كان طفلًا ضائعًا يبحث عن حضنٍ يضمه عن يدٍ تهدهده وتخبره أن كل شيء سيمرّ.


أسند رأسه إلى المقعد، أطلق زفرةً ثقيلة، وأغمض عينيه قليلًا، كأنه يستجدي بعض السكون.

فكر طويلًا… من يمكنه أن يلجأ إليه الآن؟

من يمكنه أن يطمئنه دون أن يسأله أو يحاكمه؟

لم يجد أحدًا… سوى زينب.


كانت صورتها أول ما خطر بباله، بملامحها الهادئة ونبرتها التي تشبه في حنوها ودفئها نبرة أمه .


فانطلق بالسيارة، ذاهبًا إليها على الفور .


༺═────────────────═༻


في أثينا .. 


غادرت نغم غرفتها ثم نزلت إلى الأسفل، لتجد عمر ونسيم جالسين أمام التلفاز يتابعان فيلمًا، بينما عمر ممسك بطبق كبير من البطيخ، يأكل منه بشهية واضحة.


وما إن لمحها تقترب حتى أشار إليها بقطعة بطيخ وقال وفمه ممتلئ:

ـ صباح الخير.. تعالي كلي بطيخ، اللب اللي جواه ميتقاومش.


ضحكت نغم بخفة واقتربت وجلست إلى جوار نسيم قائلة وهي تتلفت حولها:

ـ فريد فين؟! معقول لسه نايم؟


غمز عمر بخبث وهو يقول بنبرة مشاغبة:

ـ أيوه يا عم، اتصالحنا بقى وبقينا نسأل بقلب جامد .


أطلقت نغم زفرة ضيق، وهزّت رأسها بيأس من طريقته بينما أجابتها نسيم بهدوء:

ـ فريد خرج بدري قال هيعمل كذا مشوار علشان تحضيرات كتب الكتاب .


ابتسمت نغم ابتسامة يملؤها الحماس، بينما نظر إليها عمر قائلاً:

ـ اضحكي متكتميش في نفسك، كلنا عارفين إنك طايرة من الفرحة، بس عمرنا ما هنقول.


نظرت إليه بانزعاج مصطنع، ثم نهضت، وألقت الوسادة الصغيرة التي كانت بجوارها باتجاهه بخفة، وهي تقول بابتسامة :

ـ كل بطيخ وانت ساكت!


خرجت لتقف في الحديقة، عقدت ذراعيها أمام صدرها، وأغمضت عينيها، تنفست شهيقًا طويلًا ملأ رئتيها، ثم زفرته ببطء، وكأنها تفرغ عن نفسها كل طاقات الفرح المكبوتة.


 فتحت عينيها ببطء، وأخذت تنظر حولها، والابتسامة تلمع على شفتيها، تروي قصة فرح نقي لم يسبق لها أن شعرت بمثله.


وقفت هناك، وحين حطت عينيها على أرجاء الحديقة، تخيلت البيت كله مملوكًا لهما فيما بعد، سيكون مسرحًا لأيام العطلات التي سيقضونها هنا، شاهداً على اللحظات الصغيرة والكبيرة التي سيصنعانها معًا. 


حتى أن خيالها امتد إلى حيث تخيلت أطفالهما وهم يركضون في أرجاء الحديقة ويضحكون، وصوتهم يتردد بين الجدران صانعًا لحظات مفعمة بالحيوية والحب.


 رأت نفسها وهي تلعب معهم، تشاركهم كل لحظة من تلك الحياة التي طالما حلمت بها، حياة مليئة بالحب والدفء والأمان.


ثم مدّت يدها لتلمس الزهور على حافة الحديقة، شعرت بنسمات الهواء تداعب وجهها، وكأن المكان كله يبارك أحلامها ويهمس لها بأن المستقبل الذي تتخيله لن يكون بعيدًا، بل على بعد خطوات قليلة فقط، تنتظرها لتملأ قلبها بالسعادة التي لطالما عاشت تبحث عنها .


انتبهت نغم لدخول سيارة فريد إلى المنزل، فارتسمت على وجهها ابتسامة عفوية، وارتفعت خفقات قلبها في سعادة وارتباك، وهي تتابعه يصف سيارته بهدوء،  ثم يفتح الباب متأنياً. ويترجل منها بخطوات واثقة، يرتدي ملابس أنيقة تبرز وسامته وجاذبيته الطبيعية.


التقت عيناه بعيني نغم التي تتقد شغفًا وحماسًا وهي تتابعه يدنو منها بهيئته الآسرة، فاتسعت ابتسامتها وتألقت، بينما هو اقترب منها بابتسامة دافئة، ومد يده ليمسك بذقنها برفق، يهزها قليلاً بحنان، وهو يقول :

ـ صباح الخير يا جميل ..


ـ صباح النور يا لذيذ ..


قالتها بابتسامة مشاغبة فرفع حاجبه قليلا وقال بنبرة ماكرة :

ـ ده احنا حلوين بقا وبنعرف نهزر .. !


أومأت بدلال، وقالت :

ـ عندك شك ؟!


ـ لأ .. أنا واثق إنك أحلى واحدة في الحلوين .


تألقت ابتسامتها أكثر، ودست يديها بجيبها، وهي تقول بعينين تنبض بالعشق :

ـ شكرا .. إنت كمان حلو جدا ماشاء الله.


ـ أشكرك يا نغم هانم .. دي عيونك هي اللي حلوة والله.


سرعان ما انقشعت ابتسامتها، وهي تنظر إليه تضيق عينيها بقليل من المكر وتقول :

ـ كنت فين يا فريد ؟


ـ ممم.. بدأنا بقا أسئلة المتجوزين بتاعة كنت فين ومع مين .


أومأت بابتسامة فتنهد ثم قال مبتسما:

ـ كنت في السفارة يا ستي.. بقدم طلب إذن زواج ..


قطبت جبينها بتعجب، فتنهد وهو يسحب يدها ويجلسان على الأريكة الموضوعة بزاوية الحديقة، ثم قال :

ـ بما إننا مش في بلدنا وهنكتب كتابنا هنا فلازم عقد الزواج بتاعنا يتسجل في السفارة علشان يبقى رسمي ومعترف بيه في مصر. 


أومأت بتفهم، بينما تابع قائلا :

ـ علشان كده خدت الأوراق اللازمة وقدمتها والمفروض إنهم هيبلغوني بالموافقة النهارده أو بكرة الصبح بالكتير ..


أومأت نغم برأسها بخفة، ثم مالت بعينيها نحو الأرض، يغمرها شرودٌ غامض، فحدّق فيها فريد باهتمام وسأل بنبرة قلقة:

ـ سرحانة في إيه يا نغم؟


رفعت بصرها نحوه، وفي عينيها بريق حائر يمتزج بظل دموعٍ بعيدة، ثم قالت بصوتٍ خافتٍ يقطر حزنًا ووجعًا دفينًا:

ـ فريد… هو مش المفروض ساعة كتب الكتاب أي عروسة بيبقى ليها ولي؟ أنا… مين هيكون الولي بتاعي؟


وسكتت لحظة، ثم أضافت بنبرة مكسورة:

ـ بما إني مليش أب ولا أخ ولا عم … مليش حد .


نظر إليها فريد بأسى وقد تسلّل السؤال إلى أعماقه كطعنةٍ صامتة، شعر بانقباضٍ مؤلم في صدره وهو يتأمل ملامحها المرتجفة ودموعها المعلقة على أطراف عينيها.


آلمهُ أن يراها بهذه الهشاشة، بهذا الحزن، أن يشعر كم هي وحيدة وحزينة في لحظةٍ يفترض أن تكون أسعد أيامها.


مدّ يده ببطء ليمسح على كفها بحنوٍّ، وقال بابتسامة هادئة :

ـ بصي يا حبيبي.. في الوقت ده بيكون ولي العروسة هو القاضي زي ما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " السلطان ولي من لا ولي له " .


رددت بهدوء ورأسها مطرق للأسفل بحزن :

ـ عليه أفضل الصلاة والسلام.


بينما تابع هو بهدوء :

ـ علشان كده أنا كمان قدمت طلب ولاية للقاضي الشرعي في السفارة وبعد ما يراجع كل الأوراق ويوافق هيبقى هو وليّك وبكده نقدر نكتب الكتاب رسمي في وجود المأذون، وكل شيء هيكون مثبت ومتوثق حسب الشرع والقانون .


رغم أنها لم تكن تفهم تمامًا كل ما يقوله، إلا أن يقينها به كان مطلقًا، وثقتها فيه كانت من العمق بحيث تشعر أنها تستطيع أن تسير خلفه مغمضة العينين دون خوف، واثقة أنه لن يقودها إلا إلى بر الأمان.


ربت على يدها من جديد وأردف :

ـ متقلقيش أنا عامل حساب كل حاجه.


أومأت من جديد بهدوء، فقال مبتسما:

ـ يلا خلينا نفطر ، وبعدها نخرج سوا نشتري فستان كتب الكتاب .


ابتسمت فقال :

ـ وبالمرة نكلم زينب نبلغها علشان تستعد .


أومأت بابتسامة هادئة، فنهضا معًا، لكن فريد استوقفها فجأة، ونظر إليها بملامح جادة وهو يقول:

ـ نغم… مش ناوية تلغي البلوك بقى؟!


ارتفعت حاجباها بدهشة حقيقية، فقد ظنّت من ملامحه أنه سيتحدث في أمر خطير، لكن ما إن استوعبت كلماته حتى انفجرت ضاحكة بخفة، ضحكة صافية جعلته يضحك هو الآخر وهو ينظر إليها بحب لا يخفيه، كأن ضحكتها هي النغمة الوحيدة القادرة على كسر صمته وإذابة صلابته .


وتابع :

ـ مش معقول هنتجوز وانتي لسه عاملة لي بلوك ! ميصحش أبدا .


نظرت إليه وابتسمت بخفة، ثم سرحت بنظراتٍ شاردة بدت كأنها تغوص في عالم آخر، مما جعله يشعر بالقلق، يتوسل في داخله ألا تكون على وشك افتعال أزمة جديدة. تنحنح وقال محاولًا كسر الصمت:

ـ بتفكّري في إيه يا مغلباني؟


اقتربت منه قليلًا، نظرتها ثابتة وعيناها تشعان بتمرد صريح، وقالت بنبرة حازمة:

ـ عايزني أشيل البلوك؟


أجاب بابتسامة متحفظة:

ـ ده بعد إذنك طبعًا.


قالت ببرود ظاهري تخفي وراءه غيرة تلتهمها كالنار :

ـ قصاد إني أشيل البلوك… تعمل إنت بلوك لسيلين.


رفع حاجبيه بدهشة واضحة، بينما هي تعقد ذراعيها أمام صدرها وتحدجه بعينين تمتلئان عنادًا. 


ضحك فريد عاليًا وهو يقلًب كفيه قائلاً من بين ضحكاته:

ـ يخربيت جنانك! مش ممكن تفكير الأطفال ده … هو لازم حاجة مقابل حاجة؟ لازم تساوميني يعني؟!


رفعت حاجبها بتحدٍ وهي تردّ بثقة لا تخلو من الدلال:

ـ أنا قلت اللي عندي… يا أنا يا سيلين.


ثم استدارت بخطوات حاسمة وانصرفت، تاركةً إياه ينظر في أثرها كأنما يتأكد إن كانت جادة في إنذارها أم لا، مبتسمًا رغمًا عنه، وهو يقسم في نفسه أنه لم يخطئ حين قال أنها فعلًا أجنّ وألذ حب .


༺═────────────────═༻


كانت زينب تجلس في قلقٍ لا يُحتمل، تحدّق في شاشة هاتفها التي لا تكفّ عن محاولة الاتصال بحسن، دون جدوى. قلبها كان يطرق صدرها بعنف، حتى دوّى صوت جرس الباب فجأة، فقفزت من مكانها مسرعة لتفتح، موقنة أنه هو.

وما إن رأته حتى ضمته وهي تقول بصوتٍ مرتجف:

ـ حمد لله على سلامتك يا حسن، قلقتني عليك يا حبيبي.


لم يبادلها العناق، بل ظل واقفًا لحظة صامتًا، رأسه مطأطأ، وكتفاه منثنيتان كأنهما يحملان همّ الدنيا بأكملها. عيناه غائرتان، وملامحه شاحبة كمن فقد طريقه في العتمة.


تحرّك بخطواتٍ بطيئة نحو الأريكة، جلس عليها متثاقلًا، أسند مرفقيه إلى ركبتيه، وأخفى وجهه بين كفّيه، ثم، دون مقدمات، ارتجف صدره، وخرجت منه شهقة موجعة، تبعتها دموع حارّة تساقطت على وجنتيه .


أجهش بالبكاء كطفلٍ ضلّ مسعاه، بينما وقفت زينب أمامه مذهولة، عاجزة عن فعل شيء سوى النظر إليه وهي تشعر أن قلبها يئن ألمًا لرؤيته بهذه الحال .


جلست بجواره ، وأخذت تربت على كتفه بهدوء وهي تقول :

ـ وحد الله يا حبيبي..


مسح دموعه بكفيه وهو يحاول استعادة ثباته وهو يقول :

ـ لا إله إلا الله .


ـ مالك بس .. جرى إيه ؟ إنت مش قلت إن الباشا هيخرج النهارده ؟


أومأ مؤكدًا وقال :

ـ أيوة .. خرج الحمدلله.


ـ طيب زعلان ليه بقا ؟! ان شاء الله حالته هتتحسن مع الوقت ويبقى زي الفل .


هز رأسه رافضًا، وهو يقول :

ـ مفيش حاجه هتتحسن، أبويا اتكسر .. النظرة اللي شفتها في عينيه النهارده وهو قاعد على الكرسي كانت مليانة حسرة وعجز .. أنا مش قادر أشوفه كده .


تنهدت بأسى لأجله، وربتت على كتفه تحاول مواساته وهي تقول :

ـ استهدى بالله يا حبيبي ، محدش فينا كبير على المرض يابني،  ودي أقدار ولا بد تصيبنا مهما حصل. 


ثم تابعت:

ـ أنا فاهمة إن واحد زي سالم صعب يتقبل الحالة اللي هو فيها بعد ما كان بيرعب الكل بنظرة واحدة منه، لكن مع الوقت هيتأقلم وهيرضى بالأمر الواقع ، وإن شاء الله ربنا يتم شفاه على خير والشدة دي ما تطولش .


هز رأسه بهدوء، وتمتم :

ـ إن شاء الله .


مسدت على ذراعه بهدوء وقالت :

ـ أجيبلك لقمة تاكلها بقا ؟! إنت أكيد مفطرتش .


ـ معلش مليش نفس، اعمليلي قهوة بس .


ـ من عنيا يا حبيبي.


نهضت زينب متجهة نحو المطبخ، وما إن خطت بضع خطوات حتى رنّ هاتفها الموضوع على الطاولة. التفتت نحوه، تناولته، لتتسع عيناها قليلًا حين رأت اسم فريد على الشاشة.

نظرت إلى حسن وقالت بهدوء حذر:

ـ ده فريد.


رفع حسن رأسه ببطء، وقد بدا عليه بعض التوتر، ثم قال بصوتٍ خافتٍ لكن جاد:

ـ ردي عليه، بس بلاش تقوليله على أي حاجة دلوقتي.


أومأت موافقة، وضغطت زر الإجابة، لكن المفاجأة كانت حين انطلق في أذنها صوت نغم المفعم بالحيوية يقول بحماسٍ دافئ:

ـ وحشتيني يا خالتي!


تهللت ملامح زينب، وارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة وهي تقول بفرحة غامرة:

ـ نغم؟! يا قلب خالتك .. وانتي كمان وحشتيني يا حبيبتي.


حين سمع اسمها، كأن الزمن توقف للحظة، وشعر بموجة من الحنين تضرب صدره بعنف، فارتجف قلبه بلا إرادة، وتلاحقت أنفاسه في اضطرابٍ خفي، كأن الاسم وحده أعاد إحياء كل ما حاول نسيانه منذ زمن.


وتابع زينب بعينين متيقظتين وهي تبتسم في سعادة، تقول بنبرةٍ حانية:

ـ طمنيني يا حبيبتي، عاملة إيه؟ هترجعي إمتى؟


جاءها صوت نغم عبر الهاتف مفعمًا بالفرح:

ـ يمكن بعد يومين.. بس عايزة أقولك خبر حلو.. أنا وفريد هنكتب كتابنا بكرة.


غمرت البهجة وجه زينب وهي تهتف بحماس:

ـ بجد؟! ألف ألف مبروك يا نغم، ربنا يسعدكم ويهنيكم ويجبر بخاطرك يا حبيبتي.


كان حسن يراقبها في صمتٍ مطبق، لم يحتج أن يسمع باقي الكلام، فقد قرأ الخبر من عينيها قبل أن تنطق به.


أسقط رأسه أرضًا، وارتخت كتفاه كمن تلقى ضربة غير متوقعة. وفي تلك اللحظة تداخلت المشاعر داخله في صراعٍ لا يُحتمل؛

فهو سعيد من أجلها، فـنغم دومًا تستحق الفرح… لكنه في الوقت ذاته يشعر بغصّة مريرة تغرز أنيابها في قلبه.

غيرةٌ مبهمة تشعل صدره وتجعله غاضبًا من نفسه، كيف ما زال قلبه يرتجف لسماع اسمها؟

وحزنٌ ثقيل يجثم فوق صدره، يختلط بفرحٍ صادق لأجل فريد، أخيه الذي يتمنى له السعادة.


كانت اللحظة أشبه بتيارٍ متشابكٍ جارف، يجرّه في دوّامةٍ من المشاعر المتناقضة، حتى لم يعد قادرًا أن يميز إن كان قلبه يفرح حقًا لفرحها، أم يحترق لفقدها.


تاه بين بهجةٍ صافية لأجلها، وحنينٍ موجعٍ يذكّره بما لن يعود.


أغمض عينيه محاولًا كبح اضطرابه، لكن الحزن تسلل رغمًا عنه، يسكن ملامحه ويثقل أنفاسه، وكأن تلك المفاجأة التي أسعدت الجميع لم تكن له إلا خنجرًا مغروسًا في صدره.


عبر الهاتف، كان فريد قد التقط الهاتف من نغم وتحدث إلى زينب بدوره قائلا بهدوء يغلفه الاحترام كعادته:

ـ إزيك يا زينب؟ أخبارك إيه ؟


ارتسمت ابتسامة دافئة على وجه زينب ما إن سمعت صوته، وقالت بفرحة صادقة:

ـ أنا الحمدلله يابني .. ألف ألف مبروك ، فرحتلك جدا إنت ونغم ، ربنا يسعدكم ويعوضكم كل خير .


ـ متشكر يا زينب ربنا يخليكي، بس المباركة من بعيد مش هتنفع أبدا ، لازم تكوني موجودة وتحضري كتب الكتاب معانا ..


ابتسمت بهدوء ظنًا منها أنها مجاملة لطيفة لا أكثر، وقالت محاولةً التهرب :

ـ يا ريت كان ينفع بس متعوضة إن شاء الله في الفرح .


لكن فريد رد بثبات لا يقبل النقاش :

ـ لاا.. مش هينفع أبدا الكلام ده ، نغم حاطة شرط أساسي إنك تكوني موجودة علشان نكتب الكتاب. 


وفي تلك اللحظة، تسلّل صوت نغم من الهاتف بحماسها الطفولي الواضح، لتقول بحزمٍ ناعم:

ـ بالظبط ، لو مكنتيش موجودة مفيش حاجه هتتم .. أنا مش هقبل أكون لوحدي في يوم زي ده أبدا، يا تكوني معايا يا بلاش خالص .


فأضاف فريد:

ـ سمعتي ؟! بقى يرضيكي بعد الصبر ده كله تكون العقبة من عندك انتي ؟


ابتسمت زينب بهدوء وقالت بسعادة لكونهما قد اتفقا واتحدا أخيرا :

ـ أكيد لأ ، بس …


قاطَعها فريد بسرعة وهو يرفع نبرته قليلًا بحماس:

ـ من غير بس، أنا اتكلمت مع نادر وهو عارف هيعمل إيه، هو كمان هييجي بكرة علشان يحضر كتب الكتاب وانتي معاه .


تنهدت بقلة حيلة ، ثم ابتسمت قائلة :

ـ حاضر .. إن شاء الله خير .. ربنا يتمم فرحتكم على خير يا حبايبي .


ـ متشكر جدا يا زينب، ربنا يخليكي .


أنهت زينب الاتصال بهدوء، ثم ظلت لثوانٍ تحدق في الفراغ كأنها تستعيد كلماته، بين الدهشة والسعادة.

وحين رفعت رأسها، وجدت حسن جالسًا في مكانه، عينيه شاردتين في اللاشيء ..


تأملت ملامحه للحظة، حاولت أن تجد مدخلًا للكلام دون أن تجرحه، لكن الكلمات خانتها، فآثرت الصمت.


نهضت ببطء واتجهت إلى المطبخ، أعدّت له فنجان قهوة، وعادت بخطوات هادئة، وضعت الفنجان أمامه على الطاولة وجلست بجواره مترددة.


وبعد لحظة صمت ثقيل، تنفست بعمق وقالت بصوتٍ مفعم بالأسى والحرص:

ـ كتب كتاب فريد على نغم بكرة.


أغمض حسن عينيه فور سماعها، كأن وقع الكلمات اخترق صدره مباشرة.. ثم فتح عينيه مجددا وانحنى للأمام يلتقط فنجان القهوة بهدوء، بينما تابعت :

ـ فريد ونغم مصممين اني لازم أحضر، ونغم عمالة تقولي إنها مش عاوزة تحس إنها وحيدة في يوم زي ده .. بس أنا مش عايزة أسافر في ظروف زي اللي بنمر بيها دي.


ليجيبها حسن بإصرار :

ـ لأ.. لازم تسافري وتكوني جنب نغم، نغم بتعتبرك خالتها فعلا وهتفرح بوجودك معاها .


أومأت بابتسامة وهي تتذكر حديث نغم المفعم بالحماس، ثم قالت بهدوء وهي تربت على ركبته :

ـ عقبال ما أفرح بيك وأحضر فرحك يا حبيبي .


نظر إليها مبتسما بهدوء ، ثم قال :

ـ إن شاء الله . 


༺═────────────────═༻


في إحدى ضواحي أثينا الراقية، وبالتحديد ضاحية جليفادا.


 حيث تصطف المتاجر الباهظة ودور الأزياء العالمية ، والعطور تعبق في الأجواء، توقفت سيارة فريد، فنظر إلى نغم وقال مبتسما :

ـ جاهزة ؟!


هزت رأسها بحماس، فأومأ ثم غادرا السيارة بعدها، وسار فريد ممسكًا بيدها بإحكام، إلى أن توقفت أمام واجهة زجاجية ضخمة لإحدى أفخم دور الأزياء .


انعكاسها في الزجاج بدا كأنه صورة لعروس خجولة تتهيأ لموعدها المنتظر. رفعت رأسها تتأمل اللافتة المكتوبة بالذهب، وشعرت بارتجافة خفيفة في أطرافها حين انفتح الباب الأنيق ورحّبت بهما موظفة الاستقبال بابتسامة لبقة.


دخلت برفقة فريد بخطوات مترددة يملؤها الانبهار، فالمكان بدا كأنه معبد للأناقة: الجدران مزينة بمرايا طويلة مؤطرة بالرخام الأبيض، والإضاءة ناعمة تسقط بخفة على الفساتين المعروضة كأنها تنبض بالحياة. 


وعلى الجانبين، تتدلى تصاميم حالمة من الحرير والتول والساتان، بألوان تتراوح بين الأبيض العاجي والوردي الخافت والعنبر الفاتح.


رحبت بهما مصممة الأزياء ومالكة المتجر، امرأة يونانية أنيقة ذات ملامح صارمة ونظرة خبيرة، أخذت تقيس بعينيها قوام نغم، ثم قالت بابتسامة واثقة:

ـ You have a very delicate figure... we’ll find something that speaks your soul.

( لديك هيئة حساسة للغاية... سوف نجد شيئًا يتحدث عن روحك. )


فهمس فريد إليها قائلا بابتسامة :

ـ بتقوللك إيه الجمال والحلاوة والطعامة دي.


نظرت إليه مبتسمة وهي تطالعه بشك وتقول:

ـ مش مصدقاك على فكرة بس ماشي .


أشارت السيدة لهما بالجلوس، فجلسا على الأريكة المخملية الوثيرة، حيث امتزج عبير العطور الفاخرة برائحة الزهور المنعشة التي تملأ المكان، ثم قدمت لهما نادلة شابة مشروبًا باردًا كترحيب من دار الأزياء.


بادر فريد بالكلام قبل أن تتوجه السيدة بالسؤال إلى نغم، وقال بالإنجليزية بنبرة واثقة وهادئة:

ـ نرغب في اختيار فستان بسيط ومغلق لحفل عقد قران.


نظرت إليه السيدة بابتسامة مهنية وأومأت بالموافقة قائلة:

ـ بالتأكيد، سنعرض عليكم الآن أحدث مجموعة من التصاميم التي تم تصميمها هذا الأسبوع، يمكنكما اختيار ما يعجبكما منها.


أومأ فريد موافقًا، فانصرفت السيدة لتُبلغ فريق العارضات، بينما التفتت نغم إليه بنظرة ضيق طفيفة، وهي تهز قدمها بعصبية وقالت متذمرة:

ـ أنا لازم أتعلم أتكلم إنجليزي في أقرب وقت، مش هفضل زي الأطرش في الزفة كده كتير !


ابتسم فريد بهدوء، مدّ يده وأمسك بكفها برفق، ثم شبك أصابعهما معًا ونظر إليها بعينين دافئتين وهو يقول بطرافة خفيفة:

ـ بس كده؟ عيوني.. لو عاوزة تتعلمي أمازيغي حتى أنا تحت أمرك، بس خدي بالك.. كله بتمنه مفيش حاجه ببلاش .


أشاحت بعينيها عنه مجبرةً، ورغم محاولتها أن تبدو منزعجة، إلا أن ابتسامتها أفشت سرّها، فابتسم هو بدوره وقال ممازحًا:

ـ بتداري ضحكتك ليه هو أنا غريب؟! ده إحنا خلاص هنبقى أهل .


وفجأة اتسعت عيناها في ذهول، وسرعان ما رفعت يدها لتغطي عينيه وهي تهتف:

ـ يا لهوي !


حاول رفع يدها عن عينه ولكنها ثبتت يدها على عينيه وهي تهتف بتحذير :

ـ إياك تفتح عينيك !


ـ حاضر بس أفهم في إيه ؟! 


ـ مش لما أفهم أنا الأول !! هو إنت قلت لها إيه بالظبط؟


ـ قلت لها عاوزين مجموعة فساتين بسيطة ومقفولة !


أمالت رأسها ببطء وحدّقت أمامها، وكأنها لا تصدّق ما تراه… كانت العارضات يتقدمن واحدة تلو الأخرى، يرتدين فساتين لا يتجاوز طولها الركبة، والقصّات تكشف أكثر مما تستر .


فالتفتت إليه بعصبية، وهي مازالت تحجب عنه الرؤية بكفها قائلةً بتهكم :

ـ بسيطة ومقفولة إيه ده ولا مولد سيدي العريان !


ـ أوووه.. طب أشوف طيب !


قالها بنبرةٍ ماكرة، فاقتربت منه أكثر وهي تضغط على أسنانها بغيظ، تهتف بتحذير منخفض وبنبرة تنذر بنوّة غضب عاصفة :

ـ إياك تفتح عينيك أحسن لك! خلّيهم يمشوا حالًا.


ارتسمت على وجهه ابتسامة مستمتعة قبل أن يتحدث بالإنجليزية بنبرة رسمية:

ـ This collection didn’t meet our expectations. Please show us something more modest and elegant.


أومأت السيدة بإيماءة سريعة، ثم أشارت للعارضات فبدأن بالانسحاب واحدة تلو الأخرى.

حينها أطلقت نغم تنهيدة ارتياح وهي تُبعد يدها ببطء عن عينيه، لكن فريد لم يُفلتها، بل أحكم قبضته على يدها بين كفيه، يحدق فيها بعينين دافئتين ويهمس بابتسامة عاشقة:

ـ تعرفي إني بعشقك وانتي غيرانة ؟


أخفضت نغم عينيها في محاولة لإخفاء ابتسامتها، ثم تمتمت وهي تبتعد بخطوة صغيرة محاولة استعادة جديّتها :

ـ وأنا بعشقك في كل الأوقات .


رفع عيناه للأعلى وهو يهتف بغير تصديق:

ـ يا فرج الله .. إحنا لو فضلنا ماشيين بالمعدل ده كده كل يوم اعتراف، على آخر السنة هنكون حققنا سكور هايل .


عادت العارضات إلى صالة العرض مجددًا، لكن هذه المرة وهنّ يرتدين فساتين أكثر احتشامًا وأناقة، كما طلب فريد.

بدأت نغم تتابع العرض بعينين متحفزتين، تتحرك نظراتها بين كل فستان وآخر بينما تتنقل المساعدة لتوضح التفاصيل، لكن شيئًا من الضيق كان يطلّ من ملامحها كلما رأت العارضات يتمايلن بثقة فوق الممر، وكأنهن يعرضن أكثر مما ينبغي.


فتعود لتنظر إلى فريد الذي كان يجلس بجانبها متابعًا العرض بهدوء تام، ملامحه مستقرة وكأنه في اجتماع عمل، لكن في عيني نغم كانت النار تتقد، نظراتها إليه كانت مشتعلة كجمرة تتوهج كلما رأته يطيل النظر نحو إحدى العارضات، حتى كاد الغيظ يودي بحياتها .


نظر إليها فرآها تحدّق فيه بتركيزٍ حاد، مائلة برأسها قليلًا ومضيقةً عينيها كأنها ثعلب يوشك على الانقضاض على فريسته، فارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية ماكرة وهو يتمتم بنبرة مرحة خافتة:

ـ هو العرض هنا في وشي ؟! ما تركزي معاهم خلينا نخلص !!


لتجيبه بحدّة :

ـ مش عاجبني ولا فستان من دول.


أسند فريد جبهته على كفّه بيأسٍ من عنادها وقال متنهّدًا:

ـ والله لو كنتي قلتي غير كده كنت هستغرب .. لازم كل حاجة تعندي فيها.


ثم مرّر يده على وجهه في استسلام وهو يتمتم يائسًا:

ـ يا الله .. يا وليّ الصابرين.


ثم رفع نظره إليها وسألها بنبرة جادّة هادئة:

ـ طيب يا نغم، عاوزة إيه بالضبط وأنا أعملهولِك؟


أجابت بإصرار وهي تهز رأسها:

ـ مش عايزة ولا فستان من اللي لبسوهم دول.


قال محاولًا إقناعها :

ـ يا حبيبتي، انتي بس هتختاري التصميم، وهما هيفصّلوه على مقاسك.


ـ بردو لا.. مفيش ولا تصميم من دول عجبني .


أومأ فريد بنفاذ صبر، وقال وهو يوجّه كلامه للسيدة:

ـ من فضلك، أعطني ورقة تصميم؟


نظرت إليه السيدة باستغراب، ثم ناولته قلم وورقة من النوع المقوّى المخصص للرسم، فأخذها وسرح لثوانٍ محدقًا في نغم، يتأمل ملامحها وتفاصيل قوامها بعين مصمم يعرف ما يريد تمامًا.

ثم أمسك القلم، وبدأ يرسم بخفة يد خبيرة، خطوطًا أنيقة تلتف بانسجام حتى تكوّن ملامح فستان فريد في بساطته وجماله ورقته.


كانت نغم تتابع حركة يده بانبهار، وعيناها تلمعان بإعجاب شديد، حتى انفجرت بابتسامة مشرقة وهي تقول بحماس:

ـ هو ده بالظبط اللي كنت متخيلاه.


رفع فريد رأسه مبتسمًا، وأعطى الورقة للسيدة ثم قال بنبرة مليئة بالفخر والدفء، وهو يشير إلى نغم :

ـ بما إن هذه العروس الجميلة صعبة الإرضاء للغاية، لذا فمن الأفضل أن تقوموا بتنفيذ هذا التصميم بدقة، وبدون تغيير ولو طفيف.. شريطة أن يكون جاهزًا في الغد .


أومأت السيدة بابتسامة، ثم التقطت منه التصميم ونظرت به مبتسمةً وهي تقول :

ـ بالتأكيد ، سيكون جاهزًا في الغد .


شكرها فريد على تعاونها، ثم أمسك بيد نغم برفق وغادرا دار الأزياء الفاخرة بخطواتٍ متناسقة، تتهادى نغم بجواره إلى أن وصلا إلى السيارة. 


فتح لها فريد باب السيارة كعادته، فابتسمت له بدلتلٍ وهي تجلس، ثم استدار وجلس إلى جانبها، ومن ثم انطلق عائدًا نحو المنزل .


༺═────────────────═༻


في صباح اليوم التالي...


كانت التحضيرات تُدار على قدمٍ وساق، وقد بدأ اليوم مبكرًا بالنسبة لفريد الذي استيقظ قبل الجميع. أجرى اتصالًا بالسفارة ليتأكد أن كل الترتيبات الخاصة بعقد القران تسير كما خُطط لها، ثم اتصل بدار الأزياء ليطمئن على جاهزية الفستان، طالبًا منهم إرساله إلى المنزل في أقرب وقت.


وما إن أنهى مكالماته حتى غادر غرفته متجهًا إلى الصالة، ليكتشف أن المنزل خالٍ تمامًا. رفع حاجبيه بدهشة، ثم اتصل بعمر، فأجابه الأخير بصوت مرح بأنه خرج مع نسيم لشراء ملابس للمناسبة، وأنهما سيكتفيان بالفطور في الخارج.


ابتسم فريد بهدوء، ثم اتجه نحو المطبخ، أعد بعض الشطائر السريعة وكوبًا من العصير الطازج، وبعدها تناول هاتفه محاولًا الاتصال بنغم، لكنه أدرك أنها لم تقم بإلغاء الحظر كما طلب منها.


زفر بنفاد صبر، وهز رأسه مبتسمًا بسخرية من عنادها الذي لا يخلو من الدلال، ثم حمل الصينية التي وضع عليها الفطور وصعد إلى الطابق العلوي. وقف أمام باب غرفتها لثوانٍ مترددًا، ثم طرق الباب برفق.


لم تمر لحظات حتى انفرج الباب ببطء، وظهرت نغم التي تلف شعرها على بكراتٍ بلاستيكية ملوّنة، فبدا المشهد أمام فريد غريبًا ومفاجئًا، حتى أنه تراجع خطوة إلى الخلف، محدقًا فيها بدهشة حقيقية، قبل أن يرفع حاجبيه ويقول بنبرة ممتزجة بالذهول والطرافة وهو يمد يده إلى إحدى الكرات بحذر ويقول:

ـ هو إيه ده يا نغم؟! 


 لكنها أعادت رأسها للخلف سريعًا لتمنعه من لمسها وهي تقول :

ـ دي بُكلات ! علشان أعمل شعري مموج .


حدق فيها بدهشة، وقال :

ـ فعلا ؟


لتجيبه بتأكيد :

ـ فعلا جدا..


ـ طيب ما كان أسهل يا ماما نروح بيوتي صالون أو نجيبلك حد هنا ..


ـ على أساس إني مكنتش في المجال ده وعارفة كل أسراره !! وبعدين أنا بحب أعتمد على نفسي كده .


تنهد وهو يوميء ويقول بجدية:

ـ أوكي يا حبيبتي براحتك .. بس اوعي تبوظي شعرك أرجوكي .


فابتسمت بخفة وقالت :

ـ متقلقش عليا .


أومأ وهو يمد يده إليها بالصينية ويقول :

ـ طيب افطري الأول وبعدين كملي .. وأنا هستلم الفستان كمان شوية وأجيبهولك .


هزت رأسها بهدوء وهي تلتقط منه الصينية وتقول بابتسامة:

ـ شكرا يا حبيبي ربنا يخليك ليا .


تنفس بعمق وقال :

ـ ويخليكي ليا ..


تحرك نحو الباب، لكنه توقف فجأة ونظر إلى شعرها مجددًا، ثم مد يده ولمس إحدى البكرات بتعجب وهو يقول:

ـ انتي متأكدة إن دي اللي هتخلي شعرك wavey ؟


فضربته بخفة على إصبعه الممتد نحو شعرها وهي تقول بثقة :

ـ قلت لك أيوة .. يلا اتفضل خليني اخلص .


ـ طيب.. ربنا يستر .


كان على وشك المغادرة، لكنه التفت مجددًا مبتسمًا وهو يقول بصوتٍ هادئ يحمل دفء اللحظة:

ـ نغم.. أنا فرحان جدا .


فابتسمت وهي تنظر إليه بعشق خالص وتقول:

ـ وأنا كمان فرحانة جدا جدا ..


أومأ بهدوء، وقال وهو يشير إلى شعرها:

ـ يلا أسيبك بقا مع البكلات والتكات والحركات .. take care 


ضحكت بخفة وأغلقت الباب خلفه، بينما هو نزل الدرج بخطواتٍ هادئة، و ما يزال الابتسام يعلو وجهه استعدادًا ليومٍ بدا مختلفًا منذ بدايته.


-------------------


بعد ساعتين تقريبًا، كان فريد يقف في الطابق السفلي منتظرًا، وقد بدا في أبهى هيئة مرتديًا حُلّة سوداء أنيقة تفوح منها رائحة العطور الراقية. كان قلبه يخفق بقوة غير معتادة، كأن طبولًا تُقرع في صدره استعدادًا لمعركة من نوعٍ مختلف؛ معركة بين الحلم والحقيقة.


وبجواره وقف عمر ونسيم، يتبادلان النظرات المليئة بالحماس والفرح، فهما يعلمان كم انتظر فريد هذا اليوم، وكم كتم من مشاعره ليبدو دومًا متماسكًا. و رؤيته الآن على هذا الحال جعلتهما يشتركان في ابتسامة دافئة، تفيض حبًا لأخيهما الأكبر وسندهما الأول.


ثم، وفي لحظةٍ بدت كأنها مشهدٌ من حلمٍ جميل، دوّى في أرجاء الفيلا صوت خطوات نغم فوق السلالم، خطواتها الرقيقة بالكعب العالي كانت أشبه بنغمٍ موسيقي ينساب في المكان.


 احتبست أنفاسه، إلى أن ظهرت في أعلى الدرج.. وما إن وقعت عيناه عليها، حتى خيّل إليه أنه يرى ملاكًا يسير نحوه على مهل. 


كانت نغم ترتدي الفستان الذي صممه هو بيده، وكأن الخيال الذي خطّه على الورق قد تجسّد أمامه في هيئةٍ من نور. كان الفستان ينسدل على جسدها بانسيابية حالمة، و لونه الأبيض المائل إلى العاجي يعانق بشرتها الناعمة، وشعرها المموج يتناثر على كتفيها كأن خصلاته خيوط من وهج تُضيء وجهها المشرق بحياءٍ وسحرٍ في آنٍ واحد.


لم يشعر بنفسه إلا وهو يبتسم ابتسامة ممتزجة بالدهشة والعشق الخالص .


سار نحو الدرج متأنياً، تنتابه رهبة لطيفة وهو يترقب لحظة نزولها. وما إن وطأت قدماها الطابق السفلي ووقفت تواجهه بعينيها اللامعتين، حتى ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه، وارتجف صدره قليلاً من شدة الإعجاب، ثم قال بولهٍ صادق:

ـ بسم الله ما شاء الله.. إيه الجمال ده.


ابتسمت نغم بالمثل، محاوِلةً إخفاء خجلها وتوترها خلف ضحكة خفيفة، وقالت مازحة:

ـ إيه رأيك في شعري؟


اتسعت ابتسامته أكثر، ممزوجة بضحكة قصيرة ممتعة، ثم قال:

ـ تحفة.. كان معاكي حق.. البُكلات جابت نتيجة .


تبادلا ابتسامة مرحة متحمسة، ثم ثنى يده برفق لتتأبط ذراعه، فبادلتْه الحركة بتوترٍ لطيف، وانسابت بجواره كأنها جزءٌ من خطواته، يكمّلان المشهد بانسجامٍ صامتٍ لا يحتاج إلى كلمات.


ركب الأربعة السيارة، فتسائلت نغم:

ـ هو احنا مش هنستنى خالتي زينب ؟


فأجابها فريد:

ـ زينب زمانها وصلت هي ونادر أو على وصول لأنها من نص ساعة تقريبا بعتتلي رسالة إنهم خدوا تاكسي من المطار على القاعة .


أومأت نغم برأسها بهدوء، وظلت تتابع الطريق بصمت، بينما كانت أفكارها تسبح في عالم من الخيال؛ تتصور لحظات قادمة مليئة بالفرح، تدرك أن حلمها الذي طال انتظاره على وشك أن يتحقق، وأن شمس أيامها الجديدة على وشك أن تشرق بعد غياب طويل.


بعد قليل، توقفت السيارة أمام مقر السفارة، فنزل فريد أولًا، واستدار ليفتح الباب لنغم التي ترجلت بخطوات مترددة وكأن الأرض تكاد تميد بها من شدة التوتر.


ودخلا سويًا إلى السفارة لإنهاء آخر الإجراءات قبل عقد القران .. ومن بعدها استقلا السيارة من جديد ، وانطلقوا في طريقهم نحو دار المناسبات التي سيقام فيها عقد قرانهما .


حين توقفت السيارة بعد قليل ونزلوا جميعهم منها، وبينما يهمون للدخول، تفاجئوا بوقوف سيارة أجرة أمامهم. خرجت منها زينب أولًا، فبادر الجميع بالترحيب بها واستقبالها أيم استقبال، ثم تبعها شخص لم يكن من المتوقع أبدًا رؤيته في تلك اللحظة…


ـ حسن!!!


هتف بها نغم وعمر ونسيم بذهول، بينما اندفع عمر نحو حسن، محتضنًا إياه بحرارة، قائلا باشتياق:

ـ يا حبيــــــــــب قلبـــــــــــــــي !!!


عانقه حسن بهدوء، بينما أسرعت نحوه نسيم واحتضنته بقوة قائلة بعاطفة غامرة:

ـ حمد الله على السلامة يا حسن.. ليه مقلتش إنك جاي؟


ابتسم حسن بخفة وهو يبتعد عنها قليلًا، ثم أدار نظره نحو فريد ونغم وقال بنبرة دافئة:

ـ حبيت أعملها مفاجأة.


واقترب من فريد بخطوات ثابتة وإن كانت في باطنها مترددة، ثم وقف أمامه للحظة يطالعه بعينين لا تخلو من الود والحنين، ثم قال بهدوء:

ـ يا رب تكون مفاجأة حلوة.


كان شعور فريد في تلك اللحظة مزيجًا معقدًا يصعب وصفه بكلمة واحدة.


حين رأى حسن أمامه، شعر بارتباك مفاجئ كأن الأرض انزلقت للحظة من تحته.


لم يكن يتوقع ظهوره، في هذا اليوم تحديدًا، اليوم الذي أراده خاليًا من المفاجآت، صافياً كالحلم الذي طال انتظاره.


تسلّل إلى صدره شعور متناقض بين الدهشة والحذر، وبين الامتنان والريبة.

امتنان لأن حسن جاء ليشاركه لحظة مهمة، وربما ليبدأ صفحة جديدة، لكن ريبة دفينة جعلت عينيه تراقب كل حركة، كأنه يخشى أن وراء الزيارة ما هو أكثر من مجرد "مفاجأة".


حين مد حسن يده إليه، شعر فريد بانقباض خفيف في صدره، لكنه أخفى توتره متماسكًا، وحاول أن يطرد تلك الهواجس سريعًا، فمد يده نحوه، وصافحه ببطء.

فارتسمت على وجه حسن ابتسامة صافية تتخللها سعادة غامرة وهو يقول:

ـ ألف مبروك يا فريد.. مقدرتش أبقى بعيد في يوم زي ده، فقلت أعتبر نفسي مدعي وأجي أحضر كتب الكتاب بنفسي.


تبادل الاثنان النظرات، نظرات متوترة متفحصة، تحمل بين طياتها تساؤلات أكثر مما تحتملها اللحظة، قبل أن يجيبه فريد وهو يصافحه بدوره ويقول بهدوء:

ـ أهلا بيك يا حسن. 


شعر حسن في تلك اللحظة بمزيجٍ معقد من المشاعر المتشابكة؛ فرحةٌ حقيقية يخبئها خلف توترٍ خفيف، وريبةٌ لا يعرف مصدرها، وترددٌ يثقل أنفاسه.

نظر إلى نغم مبتسمًا، محاولًا أن يُخفي وراء تلك الابتسامة انكسارًا صغيرًا كاد يتسلل إلى ملامحه، وقال بصوتٍ خافتٍ متماسك:

ـ ألف مبروك يا نغم.. ربنا يتمم بخير.


رفعت نغم نظرها إليه بترقبٍ وهدوء، وأومأت بخجل قائلة:

ـ شكرًا يا حسن، ربنا يخليك.


في تلك اللحظة، ضغط فريد تلقائيًا على يدها التي كانت بين قبضته، بقوةٍ غير مقصودة، حتى شعرت بألمٍ جعلها تنظر إليه بقلقٍ خافت، بينما كان هو يتجنب النظر إلى حسن عمدًا، مكتفيًا بابتسامةٍ باهتة.


كسر عمر الصمت وهو يشير بمرحٍ نحو الداخل قائلاً بابتسامة واسعة:

ـ يلا بينا يا جماعة.. المأذون منتظر جوه.


تحركوا جميعًا بخطواتٍ بطيئة نحو القاعة، وكلٌّ منهم يحمل في صدره شيئًا لم يُقال. 


دخلوا القاعة فوجدوا ترتيباتٍ أنيقة تبعث في النفس المهابة والسكينة؛ طاولة مستطيلة في المنتصف، وأمامها مقعدان للعروسين، وعلى الطرف المقابل جلس المأذون الشرعي، رجل وقور في منتصف العمر، يرتدي جبة رمادية وجلبابًا أبيض.


تقدّم فريد بخطواتٍ ثابتة وقدّم أوراقه وأوراق نغم للمأذون، ثم ناوله عمر بطاقته ليكون الشاهد الأول على العقد.

وفي لحظةٍ غير متوقعة، أخرج حسن بطاقته من جيبه ومدّها إليه قائلاً بنبرةٍ هادئة واثقة:

ـ وأنا الشاهد التاني.


تجمّد فريد في مكانه لحظة، وقد ارتسمت على وجهه علامات الدهشة التي حاول كتمانها، لكنه في داخله شعر بشيءٍ يشبه التقدير والامتنان.

أما عمر ونسيم فتبادلا نظرة إعجابٍ صامتة، وابتسامةٍ عريضة تعبّر عن فرحٍ خفيّ بهذا الموقف.


بينما كانت نغم تشعر بأن أنفاسها تتلاحق، وقلبها يخفق بعنفٍ حتى خُيّل إليها أنها تسمع صوته يتردد في أرجاء القاعة.


بعد دقائق، وبعد أن انتهى المأذون من مراجعة جميع الأوراق والتأكد من صحتها، رفع رأسه بابتسامة مطمئنة وقال بصوتٍ واضح:

ـ تمام يا جماعة، كل الأوراق مظبوطة، والولاية موثقة حسب الإجراءات الشرعية والقانونية، وما فاضلش غير خطوة بسيطة ونتمم العقد رسميًا.


أشار لهم أن يجلسوا في أماكنهم، فجلس فريد إلى جوار نغم، بينما وقف حسن خلفها يراقب في صمت، يضغط أصابعه معًا دون أن ينتبه.


اقترب المأذون، ثم قال:

ـ الأستاذ فريد سالم مرسال هل تقبل الزواج من الآنسة نغم ناجي على سنة الله ورسوله؟


رد فريد بثبات وصوتٍ عميق وهو ينظر إلى نغم بابتسامة مشرقة، يدقق في عينيها وهو يرى فيهما انعكاس لحب يتوق أن يعيشه :

ـ نعم، أقبل زواجها على سنة الله ورسوله.


ابتسم المأذون، ثم التفت إلى نغم التي كانت ترتجف قليلاً رغم محاولتها التماسك، وقال بنبرة أكثر لينًا:

ـ والآنسة نغم ناجي، هل تقبلين الزواج من فريد سالم مرسال على سنة الله ورسوله؟


نظرت نحوه للحظات، ثم نحو فريد، و عينيها تبحثان عن ضالتها في عينيه، ثم خرج صوتها أخيرًا خافتًا لكنه واضح:

ـ أقبل .


ابتسم فريد بحب، بينما ابتسم المأذون وهو يقول بصوتٍ رسمي مهيب:

ـ إذن، وبموجب الإيجاب والقبول، وبحضور الشهود، أُعلنكما الآن زوجًا وزوجة على سنة الله ورسوله، بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.


في تلك اللحظة مسحت نسيم دمعة صغيرة كانت على خدها من فرط التأثر، بينما عمر صفق بخفة وهو يقول ضاحكًا بفرحة :

ـ ألف مبروك يا جماعة.. ألف مبروك يا حبايب قلبي .


أما حسن، فظل ثابتًا في مكانه، عيناه على نغم، يبتسم بهدوء، لكن في قلبه ارتعاشة خفية.. مزيج من الفرح والحنين والوجع، كأنه يودّع شيئًا قديمًا، لم يعُد له مكان من الآن فصاعدا .


ربتت زينب على كتفه بهدوء ومواساة، ثم اقتربت من فريد وعانقته وهي تبارك له وتباركه بدعواتها، ومن ثم عانقت نغم عناقا قويا سالت دموعها على أثره، وهي تردد بتأثر شديد:

ـ ألف مبروك يا نغم يا حبيبتي.. ربنا يسعدك .


تبادلوا التبريكات والتهاني، فتفاجأ فريد للمرة الثانية بحسن، يقترب منه، ثم فجأة، وبدون مقدمات كان قد عانقه بخفة وهو يقول مبتسما:

ـ ألف مبروك يا فريد ، ربنا يتمم لكم بخير .


شعر فريد بعقله وقد توقف عن التفكير، لم يستوعب ما حدث، وكأن كل صخب الأحداث حوله تلاشى في لحظة واحدة.


حين عانقه حسن، تجمد في مكانه للحظات، وأخذت مشاعره تتماوج بين الدهشة والانزعاج والارتباك. كان يتوقع توتراً أو بعض الاضطراب بينهما بسبب ما سبق من مشاكل وخلافات، لكنه لم يتخيل أن يتعامل معه حسن بهذا الدفء فجأة .


توقف قلبه عن الخفقان لبرهة، ثم بدأ ينبض ببطء وكأن فريد يعيد ترتيب أعصابه ويدرك أن الموقف ليس كما توقع، وأن حسن هنا لم يعد خصماً بل أخًا داعمًا مثله مثل عمر .


 لم يسعه في هذه اللحظة سوى أن يكون مراعيًا، فربت على كتف حسن بهدوء، وقال :

ـ الله يبارك فيك يا حسن، عقبالك إن شاء الله.


ابتعد حسن وهو ينظر إليه مبتسما، ويقول:

ـ إن شاء الله.


وبعد أن هدأت موجة التهاني والتبريكات، حلّ الوقت الذي طال انتظاره ..


اقترب فريد أكثر، وضم نغم برفق إلى صدره، فيما التف قلبه حول قلبها كخيوط لا تنحل ، شعر بدفء جسدها ونسيم أنفاسها يتخلل صدره فكان بمثابة حياة تبث فيه من جديد.


 أغمض عينيه، مستمتعًا بإحساس الأمان والطمأنينة  الذي يبعثه قربها، بينما شعرت نغم بدورها بأن كل همومها وتوترها الكائن قد تلاشى بين ذراعيه، وحل محلهما شعور خالص بالفرح الذي لا يوصف. 


شعر كلاهما أخيرًا بأنهما وصلا إلى بر الأمان، كأن كل القلق والتردد والانتظار قد تبخر أخيرا .


كان حضن فريد لنغم وكأنه ملاذ لا يزعزعه شيء، مكان يمكن فيه لقلبيهما أن يسترخيا ويستمتعا بلحظة الانتماء الكامل لبعضهما، لحظة يختصر فيها كل الطريق الطويل وكل المشاعر المكبوتة التي تراكمت مع الأيام.


حينها لم يقل فريد شيئًا، ولم تحتَج أن تسمع.

كانت الطمأنينة تتسلل إلى صدرها بهدوءٍ مدهش،

كأن كل ما فقدته من أمان، وجدته هناك، في تلك المسافة الصغيرة بين قلبيهما.


شعرت أنها تتنفس للمرة الأولى منذ زمن،

أيقنت أنها جميلة حقًا، لا لأن المرآة قالت ذلك،

بل لأن عينيه حين نظرتا إليها، جعلتها تصدق أنها كافية.


بين يديه...

أيقنت نغم أن الحُب ليس وعدًا ولا كلمات،

بل لحظة ينسحب فيها الخوف من القلب دون استئذان،

ويولد فيها السلام على هيئة عناق.


وفي المقابل، لم تقل نغم شيئا، ولم يحتج أن يسمع.

فقد كان واقفًا في عناقٍ بدا وكأنه لحظة انكشاف الوجود بأكمله.


كان يشعر أن شيئًا في داخله يُشفى — وأن تلك الفجوة القديمة التي لم يملأها الزمن تُردم الآن ببطءٍ تحت وطأة عناقٍ آسر، كأنها تعرّفه على معنى أن يكون حيًّا.


أحاطها بذراعيه بقوةٍ لم يقصدها، بل فاضت منه كأنها استغاثةٌ تأخرت كثيرًا.

أغمض عينيه، وترك رأسه يميل فوق كتفها في سكونٍ عميق،

يشمُّ رائحتها وكأنها عادت إليه بعد غيابٍ طويل.


يتلمّس شعرها ببطءٍ، كمن يتحقق أن المعجزة لا تزال بين يديه، ثم زفر أنفاسًا ثقيلة خرجت محمّلة بكل ما أرهقه منذ رآها في الوهلة الأولى وتمناها لتصبح ملكه، وها هو اليوم يصل إلى مبتغاه الذي ظنه يوما ما ضرب من ضروب الخيال.


في تلك اللحظة، لم يكن يحتضن جسدها فقط، بل يحتضن العمر الذي أفلت منه، والأمان الذي لم يعرفه، يحتضن خوفه القديم حتى يهدأ ويهمس له صامتًا: 

" لقد انتهى كل شيء .. الآن فقط.. يمكننا البدء من جديد "


༺═───────────────═༻


#يتبع

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا

الرواية كامله الجزء الثاني من هنااااااااا 

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات

التنقل السريع
    close