القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية اميرة البحر القرمزى الفصل الثامن عشر 18 بقلم اسماعيل موسى

 رواية اميرة البحر القرمزى الفصل الثامن عشر 18 بقلم اسماعيل موسى 





رواية اميرة البحر القرمزى الفصل الثامن عشر 18 بقلم اسماعيل موسى 



#اميرة_البحر_القرمزى


                  18


كان البحر ساكنًا فوق ليانثرا كليلٍ بلا قمر،

لكن الأعماق لم تكن تخلو من العيون التي ترى في الظلمة.

في مكانٍ ليس بعيدًا عن القاع الذي سقطت عليه،

تحرك ظلٌّ ضخم، أبطأ من موجة، وأثقل من الحلم.

كان غول البحر، كائنًا أسطوريًا يتهامس عنه سكان البحر الأزرق،

يقال إنه من بقايا العصور الأولى حين كانت المياه مأوى للعمالقة،

يمشي على زعانفٍ عريضة كالأجنحة، ويكسو جسده شعر أخضر غامق

كطحلبٍ نما على صخرٍ عمره ألف عام.


اقترب منها متثاقلًا،

حدّق في وجهها المائل إلى الشحوب،

رأى الدم القرمزي وقد امتزج بالماء حولها،

ورأى صدرها يرتفع ويهبط بأنفاسٍ بطيئة.

مد يده العريضة فرفعها برفقٍ لا يليق بضخامته،

ثم مضى بها في صمتٍ نحو كهفه العميق،

حيث لا تصل أشعة الشمس،

ولا يسمع شيء سوى خرير المياه المتسللة بين الصخور.


كان الكهف كهفًا عجيبًا،

تتدلّى من سقفه حبالٌ من الطحلب المضيء تشعّ بضوءٍ أخضر باهت،

وعلى الأرض فرشت طبقات من العشب البحري الياقوتي،

الذي يُقال إنه يحتفظ بدفء أعماق البراكين القديمة،

فيمنح الجسد حرارة تحميه من برد الماء القارس.

أما الجدران فكانت مكسوةٌ بطبقةٍ من المرجان الرمادي،

الذي استخدمه الغول لصناعة أوعية صغيرة تحفظ أعشابه الطبية.


وضع ليانثرا على الفراش الناعم،

ثم بدأ في عملٍ صامتٍ ككاهنٍ في طقسٍ قديم.

أخرج من تجويفٍ في الصخر حزمةً من الأعشاب البحرية:


نبتة الموج الأزرق: أوراقها شفافة كأجنحة السمك،

تُستخدم لوقف النزيف وتسكين الألم.


طحلب القمر الأبيض: له رائحة حلوة كحليب البحر،

يسرّع التئام الجروح إذا دُلِك على الجلد.


زهر المرجان الأحمر: يُغلى في الماء المالح ليمنح الجسد قوة بعد الضعف،

ويعيد توازن التنفس لمن ابتلع كثيرًا من الماء.


مزجها الغول في وعاءٍ من صدفٍ قديم،

وسكب عليها قطراتٍ من سائلٍ داكنٍ استخرجه من صدفةٍ أخرى —

عُرف عنده باسم دم اللؤلؤة السوداء،

وهو علاجٌ نادر لا يستخرجه إلا من أصدافٍ تعيش في فوهات البراكين البحرية.


دهن بها جروح ليانثرا،

ثم لفّها بأشرطةٍ من أعشابٍ مرنةٍ تسمى ساق البحر الأرجواني،

كانت تتقلص ببطء حين تلامس الجلد،

كأنها تُغلق الجروح بخيوطٍ حية.


ومضت الليالي — أو ما يشبه الليالي في عالمٍ بلا شمس —

والغول يجلس عند مدخل كهفه،

يحرّك بين حينٍ وآخر قطع المرجان في النار الزرقاء الصغيرة التي أشعلها

ببعض غازات الأعماق، يدفئ بها المكان،

وينظر من حينٍ إلى آخر نحو جسد ليانثرا الممدّد في سكونٍ عميق.


بعد أيامٍ لا تعرف عددها،

بدأت ليانثرا تستعيد وعيها ببطء.

في البدء، سمعت خرير الماء المتسلل من الشقوق،

ثم شعرت بخشونة شيءٍ تحت كفّها —

العشب البحري الذي كانت ترقد عليه، دافئٌ على غير العادة.

فتحت عينيها فرأت الضوء الأخضر ينساب من سقف الكهف،

كأنه ضوء قمرٍ مكسور في قاعٍ بعيد.


تحركت بصعوبة،

وجسدها ما زال يئنّ من أثر الجراح،

لكنها تنفّست — شعرت بالحياة تعود إليها ببطءٍ كتيارٍ لطيف.

تطلعت حولها، لم تعرف أين هي ولا كيف نجت.


ثم رأته.


عند مدخل الكهف،

كان يجلس الغول البحري،

ضخم الجسد، عاريًا إلا من قطعةٍ من جلد الحوت تستر عورته،

شعره الطويل ينسدل على ظهره حتى يكاد يلامس الأرض،

ولحيته تتماوج مع تيار الماء.

كتفاه مثل جبلين،

وظهره مشدودٌ كصخرٍ غمرته الأمواج لقرون.

كان محدّقًا في البحر أمامه، لا يتحرك،

كأنه جزءٌ من الكهف نفسه.


تجمدت ليانثرا مكانها.

لم تعرف إن كانت في حضرة منقذٍ أم سجينها الجديد.

حاولت أن تبتعد بصمت،

لكن صوت حركة خفيفة صدر منها،

فالتفت الغول برأسه ببطءٍ شديد.


رأت وجهه — لم يكن وجه وحشٍ تمامًا،

بل خليط من الحيوان والإنسان والبحر،

عيناه واسعتان لونهما مثل لون المحار حين يُفتح،

فيهما حزنٌ سحيق لا تعرف له عمرًا.


ارتجفت ليانثرا،

وقلبها يخفق بعنفٍ وهي تدرك أنها لا تعرف نواياه،

ولا ما إذا كانت بين يديه مدينةً أو فريسة.

أمسكت صدرها، تشهق بخوفٍ مكتوم،

والكهف كله بدا كأنه يضيق حولها شيئًا فشيئًا،

حتى صارت تشعر بأن الجدران تتنفس،

وأن البحر من خلف الغول يحدق بها هو الآخر.


ثم سكن كل شيء من جديد،

وارتجف قلبها كسمكةٍ صغيرة وقعت في شبكةٍ لا ترى طريق الخلاص منها.


كان الصمت يملأ الكهف البحري إلا من خرير الماء،

وصوت قلب ليانثرا الذي خفق كطائرٍ محاصرٍ بين ضلوعها.

نظراتها المرتبكة كانت كافية لتقول كل شيء،

الخوف، والاشمئزاز، والدهشة.


ابتسم الغول — إن كان ما فعله يمكن أن يُسمى ابتسامة —

فانفرجت شفتاه الكثيفتان كصخرتين انزاحتا،

وظهر صفٌّ من الأسنان كالأصداف المكسّرة.

قال بصوتٍ أجشّ، كأنه خارج من عمق صخرة غارقة:


> "لا تُتعبي نفسكِ في إخفاء ما في وجهك،

أعرف هذا النظر جيّدًا... رأيته في عيونٍ كثيرة قبلك."


توقفت ليانثرا، تحدّق فيه بصمتٍ حذر.

ضحك ضحكة قصيرة، خرجت كفقاعاتٍ كبيرة من صدره،

وراقصت سطح الماء قبل أن تتلاشى.


> "الخوف... والاشمئزاز..."

قال وهو يشير إلى وجهها بإصبعٍ ضخمة تشبه مرساة صغيرة.

"حتى الأسماك الصغيرة تفرّ حين أقترب.

الحيتان تغيّر مسارها،

والقروش تتظاهر بأنها لم ترَني.

وأنا؟"

رفع كتفيه العريضتين،

"لا أشعر بالحزن. بل بالسكينة.

العزلة — تلك هديتي من هذا الوجه القبيح.

ما من ضجيجٍ هنا... ما من أكاذيب.

فقط أنا، والماء، وصوت قلبي حين يتذكر أنه ما زال حيًا."


كان صوته لا يخلو من سخريةٍ مرة،

لكن خلف تلك السخرية شيء يشبه الصفاء،

صفاء من عاش طويلًا حتى لم يعد يهاب الوحدة.


اقترب بخطواتٍ بطيئة،

كل خطوةٍ منه تُحدث اضطرابًا في الماء كأن البحر نفسه ينحني له.

تراجعت ليانثرا على الفراش البحري،

عيناها تتسعان، أنفاسها تتسارع،

لكن الغول مدّ يده الضخمة ببطءٍ مقصود،

كمن يطمئن طفلاً مذعورًا.


قال بصوتٍ خفيض، عميق كتيارٍ خفيّ:


> "اهدئي... لن أؤذيكِ.

أردتُ فقط أن أرى هل ما زال جسدك يحمل أثر الموت."


اقترب أكثر،

ووضع راحته الكبيرة فوق كتفها الجريح.

شعرت ببرودةٍ غريبة تسرِي في عروقها،

لكنها لم تكن مؤلمة — كانت أشبه بلمسة طحلبٍ ناعمٍ على بشرةٍ حساسة.

حرّك أصابعه بخبرةٍ خافتة،

يفحص الجرح الذي ضمده بنفسه،

ثم قال وهو يرمقها بنظرةٍ متفحّصة:


> "أعشاب الموج الأزرق أدّت عملها...

الجسد يلتئم.

يبدو أنكِ من صنفٍ لا يستسلم بسهولة،

يا غريبة البحر."


تراجع بعدها قليلًا،

وعاد ليجلس إلى مدخل الكهف،

حيث ظلّ الضوء الأخضر ينساب على شعره الطويل كأمواجٍ ساكنة.

أما ليانثرا فظلت مكانها،

تراقبه بعينين متوجستين،

وقلبها لا يعرف بعد إن كان هذا الكائن حارسًا... أم نذيرًا لما هو آت.


ترددت أنفاس ليانثرا قليلًا، وكأنها تستعيد من ذاكرتها شيئًا ثقيلًا غارقًا في القاع.

كانت تنظر نحو الماء، لا نحو الغول، وكأنها تخشى أن تعيد الكلماتُ المشهد إلى الحياة.

قالت بصوتٍ مبحوحٍ تتهدّج نبراته:


> "كنتُ هناك... حين بدأ كل شيء.

رأيتُ سرب الحيتان يسبحون في صفوفٍ هادئة،

يغنّون لأنفسهم أغنية الرحلة...

ثم جاء باتروس، ومعه جيش القروش.

لم يتركوهم يفرّون،

التفّوا حولهم مثل عاصفةٍ من الدم والحديد.

مالكوم العجوز... حاول الدفاع عنهم.

قاتل بشجاعة، لكنه كان وحده أمامهم.

رأيته يضرب باتروس بذنَبه حتى ارتجّت الصخور،

ثم عاد باتروس إليه وغرز أنيابه في جسده...

وجرّه حتى انكسر صوته إلى فقاعاتٍ من الدم."


سكتت قليلًا.

كانت الكلمات تنزلق من شفتيها كأنها رمادٌ فوق ماء.

ثم تابعت:


> "لم ينجُ أحد.

حتى الرضع من الحيتان... لم يتركهم.

باتروس أمر بقطع الرؤوس ليزيّن بها عرشه.

البحر امتلأ بالدماء،

والموج صار يئن من الثقل."


في تلك اللحظة، سمعَت صوت الغول البحري يتنفس ببطءٍ عميق،

كأن صدره وُضِع عليه حجرٌ ضخم من الحزن.

ظلّ صامتًا لوهلة، ثم قال بصوتٍ خفيضٍ خشن،

كأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يتحدث إليها:


> "هل مات مالكوم حقًا؟"


لم تجبه ليانثرا، فقط أومأت برأسها بخفوت.


خفض الغول رأسه، وارتعشت شفتاه المبللتان بالماء.

قال بعد صمتٍ طويل:


> "كنتُ أحبه... رغم أننا لم نتحدث أبدًا.

لم يكن بيننا ودّ أو صحبة،

لكنه كان يشبه البحر في سكونه.

كنتُ أراه من بعيد، حين كان يعبر فوق كهفي...

كان صوته يجعل الماء يبتسم.

والآن..."


رفع بصره نحو سقف الكهف حيث كانت خيوط الضوء تتراقص كأشباحٍ حائرة.

تنهد طويلًا،

خرج الهواء من صدره كهدير موجٍ بعيد، وقال:


> "الآن سيعمّ الظلام هذا البحر.

باتروس لن يهدأ له بال حتى يعلن نفسه ملك البحر الأزرق.

إنه لا يقتل من أجل السلطة فقط...

بل من أجل أن يسمع صدى اسمه فى كل موجة،

أن يملأ البحر بخوفٍ لا ينتهي."


صمت الغول مجددًا، وبدت عيناه ككهفين مظلمين.

بينما كانت ليانثرا تنظر إليه،

شعرت للحظةٍ أن البحر نفسه حزن معه،

وأن الموج في الخارج صار يهبط بهدوءٍ كأنّه ينوح على مالكوم.


خفضت ليانثرا رأسها قليلًا، واستعادت ما جرى قبل أن تفقد وعيها، كان صمت الكهف يثقل صدرها كأن الماء نفسه ينتظر منها أن تتكلم.

قالت بصوتٍ خافتٍ، متقطعٍ كأنّه يخرج من أعماقها:


> "لم يمت الجميع... كان هناك رضيع، آخر نسل مالكوم.

كنت أحاول حمايته، لكنّ الغرنيقة ظهرت فجأة...

قبضت عليه بمخالبها وسحبته إلى الأعماق الشمالية.

صرخ، ناداني... ثم اختفى.

لا أستطيع أن أتركه هناك.

سأعيده، مهما كلّفني الأمر."


كانت نبرتها حادة، عينيها تشتعلان بوميضٍ غريب،

وميضٍ يشبه الضوء المنكسر بين الماء والنار.

رفعت رأسها نحو الغول البحري، كأنها تتحدى صمته الثقيل.


لكنه لم يتحرك في البداية،

ظلّ جالسًا عند مدخل الكهف، ظهره للبحر،

كتفاه الهائلتان تهتزان قليلًا مع كل نفسٍ يخرج منه.

ثم أدار رأسه ببطءٍ نحوها،

عيناه واسعتان، بلون الطحالب القديمة، وفيهما جمودٌ كصخر الأعماق.


قال بصوتٍ خشنٍ متحشرج، لا يحمل انفعالًا بل يقينًا مريرًا:


> "أنتِ لا تعرفين الغرانيق...

إنها ليست طيورًا كما تبدو، بل قبائل من اللحم والعظم والريش،

بشعةٌ كالكوابيس، متوحشة كالجوع.

تعيش في عشائر لا يقترب منها أحد،

لكل غرنيقة وكرٌ محفورٌ في صخور البحر الشمالي،

وحوله جماجم كل من حاول العبور.

لا أحد يعود من هناك."


اقترب منها خطوة،

حتى أحسّت برائحة البحر العالق في شعره الكثيف وصدره المبتل،

وقال وهو يحدّق في عينيها بعينين جامدتين كأنهما من حجر البحر:


> "إنها لا تقتل دفاعًا عن نفسها، بل لأن القتل جزءٌ من غريزتها.

ومن يخطو في أرضها... يصبح طعامًا لعشيرتها."


سكت لحظة، ثم أضاف بصوتٍ خافتٍ كأنّه يهمس إلى موجٍ بعيد:


> "عودتك إلى هناك... ستكون نهايتك. 


لكن ليانثرا لم ترد،

كانت نظرتها معلّقة بالمدخل حيث الماء يلمع كالمرآة،

كأنّها ترى في الأعماق صورة ذلك الحوت الصغير تصرخ باسمها.

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملة من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا




تعليقات

التنقل السريع
    close