رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الحادي وعشرون 21بقلم سيلا وليد حصريه
رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الحادي وعشرون 21بقلم سيلا وليد حصريه
رواية شظايا قلوب محترقة( الجزء الثاني)((وكانها لى الحياة)) الفصل الحادي وعشرون 21بقلم سيلا وليد حصريه
الفصل الواحد والعشرون
لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظلمين"
كلُّ الطرقِ تقودني إليكِ،
فأضيعُ فيكِ، وأتنفَّسُ منكِ،
وأحيا بكِ.
كأنَّ قلبي لا يعرفُ اتجاهًا سوى حضرتكِ،
ولا زمنًا إلا حين أكونُ معكِ.
أهيمُ في حضوركِ حتى الغياب،
وأعودُ دومًا إليكِ…
فأنتِ البدايةُ والنهايةُ،
وأنتِ الحكايةُ بأسرها.
فتحت الصفحة، فبدت كأنها تنبض بالحياة لأول مرة.
الهواء يتنفس معها، والضوء يهمس بخجلها،
والقلب، بلا سابق إنذار، بدأ يدق نغمةً جديدة…
كأن كل بداية تحمل وعدًا،
وكل كلمة بها مدخلٌ لحكاية لم تُكتب
ركض أرسلان بخطواتٍ متسارعة برفقة فاروق نحو الباب السرِّي، قلبه يخبط كطبول حربٍ وهو يتذكَّر أنَّ سلاحه تُرك بالسيارة..أخرج هاتفه على عجل محاولًا الاتِّصال بإسحاق، لكن، لا رد..
مدِّ يده ليسند فاروق الذي بدأ جسده يخذله، يتصبَّب عرقًا وتفتر أنفاسه.
_ "إيه اللي بيحصل؟"
سأل فاروق بصوتٍ مبحوح، عيناه تتأرجحان بين الخوف والذهول.
حاول أرسلان بذراعه دفعه للأمام، وعيناه تجولان في المكان المظلم بقلق:
_ "معرفش..بس إسحاق الصبح قالِّي إنُّه قدَّم استقالته..وأكيد دول الخليَّة."
توقَّف فاروق فجأةً ممسكًا صدره، تنهَّد بوجعٍ وأشار إليه بضعف:
_ "أرسلان..امشي إنتَ..كدا كدا مش هيعملوا حاجة."
لكن أرسلان أحاط جسده بذراعيه، يسحبه رغم مقاومة الألم:
_ "مستحيل أسيبك."
رفع هاتفه بيدٍ مرتجفة وهاتفَ إلياس، قال بصوتٍ متقطِّعٍ من فرط التوتُّر:
_ "إلياس..فيه اقتحام على قصر الجارحي!"
في الجهة الأخرى، نهض إلياس كالصاعقة خارج المنزل يشير لحرسه بحدَّة:
_ "على العربيَّات فورًا!..عشر دقايق ونكون عند القصر متقلقش"
عاد صوته عبر السماعة حادًّا صارمًا:
_ "أهمِّ حاجة دلوقتي، خلِّيك في مكان آمن."
ابتلع أرسلان ريقه بقلق، يهمس وهو يسند والده:
_ "أنا بحاول أخرج من الباب السرِّي.. بس بابا تعبان ومش هيقدر يمشي المسافة دي كلَّها..غير إنِّ العربية واقفة قدَّام البوَّابة ووراها مراقبة."
ساد الصمت لحظة، قبل أن يأتي صوتُ إلياس كالسيف:
_ "يبقى أكيد مترصَّدينك..عايزين حاجة من اسحاق، اسمعني كويس ياأرسلان..حافظ على هدوءك، أنا في الطريق، وإيَّاك..أيَّاك تتهوَّر."
دقائق معدودة كانت كافية حتى وصل إلياس بطقم حرسه، تلمع في أعينهم القسوة والاستعداد، بعدما تمكَّن الملثمون من اختراق قصر الجارحي رغم تشديد الحراسة..بدا واضحًا أنَّهم ليسوا مجرَّد عصابة عابرة، بل رجالٌ على درجةٍ عالية من الكفاءة، هدفهم الوصول إلى فاروق وأرسلان تحديدًا..
لكن أرسلان لم يكن أقلَّ دهاءً، فلم يترك لهم فرصة لاقتناصه بسهولة.. جذب والده سريعًا إلى أحد الممرَّات السريَّة داخل القصر، ساعده على الجلوس وهو يلتقط أنفاسه، بعدما فشلا في الوصول إلى البوَّابة الخارجية الخفيَّة.
همس بصرامة وهو يضع كفَّيه على كتفي والده:
_ بابا، خلِّيك هنا..لازم أخرج وأعرف مين دول.
تشبَّث فاروق بكفَّيه بقوَّة، والرجفة تتسلَّل إلى صوته:
_ لا..مش هسيبك، دول أكيد جايين علشان يهدِّدوا إسحاق بالملفَّات..مش هيسكتوا غير لمَّا ياخدوني.
ضغط أرسلان على يده بحزمٍ أكبر:
_ بابا اسمع الكلام..إلياس في الطريق، لازم أخرج لهم..لازم يعرفوا إنِّي موجود، مش معنى إنِّي بعدت عنهم يبقى ناسيهم.
قبَّل جبينه سريعًا واستدار ليتحرَّك، لكن فاروق كان أسرع، عرقل حركته وهو ينطق برجاءٍ مرتعش:
_ بلاش ياأرسلان…علشان خاطري.
فجأةً لفت انتباه أرسلان ضوءٌ أحمرٌ خافت، يتراقص في زاوية الجدار.. انقبض قلبه، إمَّا أنَّهم يتعقبون حركاتهم أو أنَّهم يعلمون تمامًا مخارج القصر ومداخله.
أغلق الباب الإلكتروني المتحرِّك بإحكام، ثم اتَّجه إلى أحد الأجهزة، أصابعه تتحرَّك بسرعة مدرَّبة على لوحة التحكُّم حتى اشتعلت شاشات المراقبة أمامه.
حدّق بعينيه الصقريَّتين في الشاشات، يتابع تحرُّكاتهم بخطواتٍ محسوبةٍ وبنَفَسٍ متقطِّع، تتراقص الإضاءة الزرقاء على ملامحه المشدودة كوترٍ على وشك الانقطاع..زاد يقينه هناك من يعرف القصر بإتقانٍ مريب…بل وكأنَّه تربَّى داخله.
كوَّر قبضتيه حتى ابيضَّت مفاصله، يجزُّ على أسنانه بعنفٍ وهو يقرِّب الصورة، وحين وضحت الملامح أكثر…اتَّسعت عيناه بصدمةٍ قاتلة..
إنَّه أحد رجال أمن والده!
ضرب بكفَّيه على المكتب بعنفٍ ارتجَّ له المكان، رفع هاتفه بسرعة:
_ وصلت فين ياإلياس؟
قالها في اللحظة ذاتها التي ترجَّل فيها إلياس من سيارته، وعيناه تتفحَّصان المكان بحدَّة..أشار لحرسه بالهدوء، ثم قال عبر سمَّاعته اللاسلكية:
_ دخلنا من الباب الجانبي، مفيش أي أثر لعربياتهم…معرفش دخلوا إزاي.
تتبَّع أرسلان حركة النقاط على شاشة المراقبة، وأجاب بصرامةٍ متوتِّرة:
_ من الباب الخلفي…وداروا حوالين القصر بعد ماحدِّ ساعدهم من جوَّا.
صمت إلياس لحظة، استوعب حجم الكارثة، ثم ردَّ بجمودٍ حاد:
_ تمام…أنا اتواصلت مع شريف، وهيبعت فريق أمني فورًا، دا سطو مسلَّح..
خلِّي بالك من نفسك ياأرسلان، أنا في طريقي ليك.
أجابه أرسلان بصوتٍ متسارعٍ ممزوجٍ بالقلق:
_ أنا في أوضة المراقبة السرِّية، ممعيش سلاح، وبابا تعبان.
أشار أحد حرس إلياس بعدد الأصابع نحو الجهة التي تضمُّ المهاجمين..فهم الإشارة سريعًا وقال بحزمٍ عبر السماعة:
_ اقفل مكانك وماتتحرَّكش، أنا هبعتلك حد فورًا، ابعتلي موقعك بالضبط.
أغلق الهاتف وتسلَّل مع طاقمه، يتحرَّك بخفَّة الذئب نحو قلب القصر، ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض.
لم تمرَّ دقائق حتى اشتعلت أروقة القصر بنيران معركةٍ حقيقية، أصوات الرصاص تتردَّد في الجدران، والزجاج يتحطَّم تحت ضغط الرعب..سقط بعض رجال إلياس جرحى رغم حذرهم، فخصمهم لم يكن عاديًّا… كانوا يقاتلون بشراسةٍ تثير الريبة.
وصل شريف وفريق الأمن الوطني بعد أن تلقَّى بلاغًا عاجلًا من إلياس حول ماحدث بفيلَّا إسحاق الجارحي.. انتشروا حول القصر بسرعةٍ تكتيكيَّةٍ عالية، حتى تمَّت السيطرة على الوضع تدريجيًا..حُوصِر الملثَّمون في الداخل، سقط معظمهم قتلى، وأُلقي القبض على أحدهم حيًّا بواسطة رجال إلياس.
في الداخل مازال أرسلان يراقب، لا يعلم مايدور بالخارج، كلُّ حواسِّه مركَّزة على صوتٍ خافتٍ في الممرِّ المجاور..أغلق الإضاءة بالكامل، وتسلَّل بخفَّةٍ يحبس معها الأنفاس..
اقترب من أحدهم، وقف خلفه بثباتٍ قاتل، وبحركةٍ سريعة دار بذراعه حول عنقه حتى سقط جثَّةً هامدة.
دخل أحد رجال إلياس في اللحظة ذاتها، ومع اقتراب ملثَّمٍ آخر صوَّب عليه، لم يتردَّد الرجل لحظة..أطلق النار مباشرة، فاخترقت الرصاصة رأس المهاجم.
رمى بسلاح لأرسلان وهو يلهث:
_ إلياس باشا برَّة، لازم نخرج حالًا.
اتَّجه أرسلان سريعًا إلى الغرفة التي يختبئ فيها فاروق، نظر إليه بعينٍ مطمئنةٍ رغم فوضى المكان:
_ عشر دقايق وراجع، بابا لو سمحت بلاش تقلقني عليك..إلياس برَّة يعني هنعرف نتحكِّم في كلِّ حاجة.
ثم التفت نحو الممرِّ الطويل، عاقدًا العزم على أن يُنهي مابدأه، قبل أن يكتمل صدى آخر طلقٍ ناريٍّ في ظلام القصر...
بعد فترة، انتهت المعركة بعد هروب بعض الملثَّمين، والقبض على بعضهم، ومقتل آخرين.
سحبهم شريف متَّجهًا إلى سيارته الأمنية، وهو يتحدَّث إلى إلياس بنبرةٍ حذرة:
_أي تطورات هكلِّمك، خلِّي بالك الحرب دي على الكل، مفكَّرين إنِّ فيه زعزعة للأمن.
ربت إلياس على كتفه، وأومأ له بثباتٍ قبل أن يتَّجه إلى أرسلان الذي خرج ممسكًا بذراع فاروق، يحاول إسناده وهو يهزُّ كتفه قائلًا بقلق:
_إسحاق مابيردِّش.
تجهَّمت ملامح إلياس وهو يسأله بحدَّة:
_يعني إيه؟ طيب كلِّم حد من أمنه.
لم تمر سوى لحظات حتى أجابه أحد أفراد فريق أمن إسحاق بصوتٍ متوتِّر:
_أيوه ياباشا.
_إسحاق باشا فين؟!!
قصَّ له ماحدث من خطف حمزة، ولحاق إسحاق به، ثم انقطاع الاتِّصال..
لحظات كانت كفيلة لتوقُّف الدم في شريان أرسلان، لم يتردَّد، أغلق الهاتف بعنف واتَّجه مسرعًا إلى سيارته، يشير إلى أحد رجال الأمن بصوتٍ آمر:
_خدوا فاروق باشا على بيتي.
أوقفه إلياس بخطوةٍ سريعة وصوتٍ قلق:
_إيه اللي حصل؟
فتح باب سيارته وهو يتمتم بجمرة غضب:
_حمزة ابن اسحاق خطفوه.
بفيلَّا السيوفي...
دلف إسلام إلى غرفته، تجوَّلت عيناه في المكان باحثًا عن زوجته، لكنَّه مالبث أن تجمَّد في موضعه حين رآها ممدَّدة على الأرض، مغشيًّا عليها.
لحظات قليلة كانت كفيلة بأن تفيقه من صدمته، ركض نحوها وجثا على ركبتيه، يحتضن وجهها بين كفَّيه وهو يتمتم بصوتٍ مرتعش:
_ملك!.حبيبتي، فوقي ملك!
يفتش في جسدها بعينين مضَّطربتين، يتنفَّس بصعوبة، يصرخ مناديًا:
_ماما فريدة تعالي بسرعة!
هرعت فريدة إلى الداخل، وماإن رأت ملك حتى تجمَّدت هي الأخرى، شهقت بذهول وهي تراه يحمل ملك بين ذراعيه كأنَّها جثَّةٌ هامدة.
وضعها برفقٍ على الفراش، مدَّ يده سريعًا إلى هاتفه وتحدث الى الطبيب، صوته متقطِّع بين خوفٍ وارتباك.
بعد فترة، خرج الطبيب من الغرفة، والارتخاء بادٍ على ملامحه..ابتسم ابتسامةً خفيفة وقال:
_هيَّ كويسة الحمد لله…ومبروك، جايلكم ضيف صُغنَّن في الطريق.
انتفضت ملامح إسلام، وسبقت عيناه شفتيه وهو ينطق بدهشةٍ وفرحة:
_إيه…حامل؟!
أومأ الطبيب، يمدُّ يده بالمدوَّن في الورقة:
_اهتمِّ بيها بقى ياسيدي، وألف مبروك.
شكره إسلام وتحرَّك معه إلى الخارج.
دقائق وعاد إلى غرفته، توقَّف بالخارج يسحب نفسًا عميقًا حتى يسيطر على فرحته، ينتظر أن يرى ردَّة فعلها..هل ستتقبَّل الخبر بنفسٍ راضية، أم ستفعل كما فعلت بالماضي؟
بالداخل جلست فريدة بجوار ملك تمسِّد على خصلاتها بحنان، دفع الباب ودلف للداخل، عيناه تحاصر نومها.. التفتت فريدة إليه ولمعت السعادة في عينيها، خطا نحو الفراش، فابتسمت له وقالت بلهجةٍ مشفقة:
_ألف مبروك ياحبيبي، يتربَّى في عزَّك يارب.
أومأ برأسه وبقيت ملامحه كما هي، لا بوادر سعادة ولا حزن..وزَّعت فريدة نظراتها بينهما، ثم ربتت على كتفه:
_أسيبك مع مراتك..أروح أعمل لها شوربة بقى.
لم يرد، كانت عيناه مازالتا على زوجته الصامتة بعيونٍ شاردة..أغلقت فريدة الباب خلفها بهدوء.
جلس يتنفَّس ببطء وهو ينظر إليها:
_عاملة إيه، حاسة بحاجة؟
رفعت عينيها إليه وتمتمت بتقطُّع من حالته:
_مالك..اللي يشوفك يقول زعلان؟
دقَّق في ملامحها وهزَّ كتفه بلطف:
_عادي…المهمِّ إنتي عايزة إيه؟
نغزها قلبها ممَّا يقصده، وتكوَّرت الدموع في عينيها وهي تحاوط جنينها بكفَّيها:
_أنا سعيدة طبعًا…وبقالي كتير منتظرة اللحظة دي، مش معنى إنِّي غلطت مرَّة يبقى خلاص.
ابتسم بهدوء، سحب كفَّيها يحتويهما بين يديه:
_يعني سعيدة علشان حامل؟
هزَّت رأسها ولمعت عيناها بالسعادة رغم دموعها التي انسابت على وجنتيها..مدَّ أنامله يمسحها وقال:
_طيِّب ليه الدموع دي؟
رفعت ذراعيها وعانقته مع ارتفاع بكائها وقالت:
_لأنَّك مانسيتش..وعيونك لسه بتتِّهمني.
ربت على ظهرها بحنان وهمس بنبرةٍ دافئة:
_ششش..اهدي، أنا مابتِّهمكيش بحاجة..كنت عايز أعرف ردِّك إيه.
رفعت رأسها تنظر إلى عينيه القريبتين:
_إسلام..ابني دلوقتي أغلى من حياتي، ومستحيل أفرَّط فيه، أنا ندمانة أوي كان زمان عندنا بيبي.
احتضن رأسها ولثم جبينها، ثم أعاد النظر إلى عينيها، هامسًا:
_ملاكي حبيبتي…ربِّنا عوَّضنا..انسي، وإن شاء الله ربِّنا يبارك لنا في اللي جاي.
قالها وهو يحاوط أحشاءها بيديه، يحتضنها ويمسح على بطنها كأنَّه يمسح على كلِّ ألمٍ قديم.
بالأسفل…
دلف مصطفى من الخارج، مع نزول فريدة من الدرج، وعيناها تلمعان بسعادةٍ ناعمة وراحةٍ طال غيابها..
ماإن لمحته حتى ركضت نحوه كفتاةٍ عادت عشرين عامًا إلى الوراء، ضاحكةً بخفَّة..
توقَّف مصطفى بجبينٍ مقتضب، يسألها متوجِّسًا:
_فريدة، على مهلك..مالك، في إيه؟
ضحكت بسعادةٍ لم تخفها وقالت بنبرةِ مليئةٍ بالدفء:
_أهلًا أهلًا ياجدُّو..حمد الله على السلامة.
_الله يسلِّمك.
قالها دون أن ينتبه لما نادتْه به، فتقدَّمت منه تمسك كفَّيه، تنظر إلى وجهه بعينين تغمرهما البهجة، وقالت بمكرٍ لطيف:
_ماخدتش بالك لمَّا قولتلك "جدُّو"؟
قهقه عاليًا وهو يحيطها بذراعيه:
_إيه يوسف جه ولَّا إيه..شكله عامل مصيبة..
ضحكت وهي تمسك بذراعه وتتحرَّك معه إلى الداخل، تداعبه بحديثها:
_ماتركِّز ياحضرة اللواء، بقولَّك جدُّو.
توقَّف يتأمَّلها واضعًا كفِّه على جبينها بقلقٍ مصطنع:
_إنتي سخنة يافريدة، مالك في إيه؟
ابتسمت له تلك الابتسامة البريئة التي لم تبهتها السنين ولا المصائب، وردَّت بنبرةٍ حانيةٍ هادئة:
_إسلام هيكون أب إن شاء الله..فهمت قصدي ياجدُّو؟
هنا انتفض قلبه، ورفع عينيه سريعًا نحو الدرج، وكأنَّ قلبه سيقفز من صدره.
_بتقولي إيه! ملك حامل؟!
هزّت رأسها بسعادةٍ من حالته، واحتضنت خصره كطفلةٍ تفرح لفرحه:
_آه…هتبقى جد ياسي مصطفى.
تردَّدت الكلمة في أذنه، كأنها تُوقظه من غفوة..زوى حاجبيه مازحًا:
_إيه حكاية "جدُّو" دي؟ ناسية إنِّي جد من زمان أوي؟
خفضت نظرها تهرب من نظراته، وهمست بخفوتٍ مشوبٍ بالصدق:
_بس دا سليل للسيوفي يامصطفى… خلِّينا نكون واقعيين، دا امتداد لاسمك بعد عمر طويل.
مدَّ يده يلمس وجهها بأنامله، يرفع ذقنها برفقٍ لتقابله بعينيها وقال بابتسامةٍ دافئة:
_غلطانة ياأمِّ إلياس…
قاطعهم صوت الخادمة تُعلن قدوم ميرال.
التفتت فريدة نحو الباب، لتجد ميرال دلفت بابتسامةٍ مشرقة تقول:
_مساء الورد والياسمين على الأجداد.
هرعت إليها فريدة وضمَّتها باشتياق، قائلة بنبرةٍ عتابيَّة لطيفة:
_كده من يوم الفرح ماأشوفكيش؟
اتَّجهت ميرال إلى مصطفى لتحيَّته، ثم عادت لتجلس بجوارها:
_آسفة ياماما، حضرتك عارفة..شمس كانت بتمتحن، وإلياس عامل استنفار علشان يوسف، مابنصدَّق غزالته تروق ويذاكر.
ربت مصطفى على كتفها بحنان وهو يبتسم:
_ولا يهمِّك ياحبيبتي…ماما بتعاتب بس علشان وحشتيها.
انحنت ميرال وقبَّلت وجنة فريدة برقَّةٍ وقالت:
_مقدرش على زعلك، وها أنا جيت ياستِّ الكل..الولاد في النادي، قولت أعدِّي أطَّمن على السريع.
أشارت فريدة إلى مصطفى وهي تتمتم بامتعاضٍ خفيف:
_شايف؟ بتقولي "على السريع"، يعني لو الولاد مش في النادي ماكانتش جت.
ضحكت ميرال بخجل:
_ماما حبيبتي…والله غصب عنِّي.
_خلاص يافريدة…
قالها مصطفى بهدوء وهو يتطلَّع إلى ميرال بابتسامةٍ واسعة:
_كويس إنِّك جيتي، علشان تباركي لأخوكي.
قطَّبت جبينها بتساؤل:
_أبارك له على إيه؟
قاطعته فريدة قبل أن يجيب، وعيناها تبرقان:
_ملك حامل.
اتَّسعت عينا ميرال، وارتسمت ابتسامة عريضة على وجهها وهي تقول بفرحةٍ صافية:
_ياربِّي…ربِّنا يسعدهم بيه يارب.
أعلى بغرفة إسلام..
ضمَّها إلى صدره بشوقٍ متلهِّف، بينما ارتجف جسدها بين ذراعيه من فرط البكاء، همس وهو يمسح على شعرها:
_ خلاص بقى ملاكي..أنا آسف، كنت خايف ومتردِّد، بس كنت عايز أتأكَّد منِّك.
رفعت كفِّه ببطء، ووضعته على بطنها بخفَّةٍ وابتسامةٍ باكية:
_ طيب..مش هتسلِّم على ابنك علشان أصدَّقك؟
تجمَّدت أنفاسه للحظة، ثم ابتسم بخفوتٍ ومسح على خصلاتها بحبٍّ دافئ:
_ هسلِّم عليه أكيد، بس مش دلوقتي بالليل..لازم ننزل لبابا وماما.
ظلَّت لدقائق تحاول أن تتحكَّم
ببكائها وهو يمسِّد على خصلاتها..
طبع قبلةً على وجنتها، واعتدل عن الفراش قائلًا:
_يالَّه ننزل وأكيد هتنسي كلِّ حاجة.
نزلت بهدوء وأومأت إليه، أشار إلى العلبة التي أحضرها من قبل معرفته بخبر حملها وقال:
_ شوفي الفستان ده هيعجبك ولَّا إيه؟.
خطت بحمله بابتسامةٍ سعيدة وتناست حزنها، واتَّجهت للداخل.
جلس ينتظرها مبتسمًا، يتأمَّل الباب الموارب كمن يعدُّ أنفاسه حتى تعود.
خرجت بعد دقائق، كانت ترتدي فستانًا أبيضًا بنقوشٍ حمراء، بدت كنسمةٍ ناعمةٍ في مساءٍ صيفيّ..
اتَّسعت عيناه، لم يرَ في عمره أجمل منها..نهض بخطواتٍ بطيئة، اقترب منها وأحاط خصرها بذراعه، وألصق جبينه بجبهتها هامسًا:
_ ألف مبروك ياحبيبتي.
_الله يبارك فيك ياحبيبي، يتربى في عزك يادوك
ابتسم لها ابتسامة واسعة، يدقق النظر بفستانها
ضحكت وهي تدور به كطفلةٍ مغرمةٍ بنفسها:
_ إيه رأيك؟
ابتسم بعينين يملؤهما الشغف والحنان، أجاب بصوتٍ خافتٍ أقرب إلى الرجفة:
_ أحسن مارأت عيوني.
بعد عدَّة ساعات ترجَّل يوسف من سيارة والدته قائلًا لها:
بلال امتحاناته بكرة، هروح أراجع عنده شوية لحدِّ مابابا يرجع، نزلت شمس هي الأخرى وقالت:
_وأنا يامامي هروح لضي، رفعت عيناها ليوسف:
_ حبيبي امتحانك باقي أقلّ من شهر، مستقبلك كلُّه بين إيدك.
_خلاص ياماما، كلِّ جملة لحضرتك تقولي كدا، أومال لو مش بتراجعي معايا، وعارفة أنا مخلَّص أوَّل بأوَّل.. ياله يامامي، شوفي الباشا هيتغدَّى إيه..
تأفَّفت من ردِّه وتحرَّكت بالسيارة إلى وقوف يزن..نزلت من السيارة تتطلَّع إليه بتساؤل:
_خير حبيبي واقف كدا ليه؟
أشار إليها بيده للتحرُّك، تحرَّكت بصمت إلى أن وصل إلى منزله..دلفت للداخل، لحظات وهي متوقِّفة تنظر إلى جلوس طارق..
_ طارق..نهض من مكانه مقتربًا منها:
_وحشتيني ياميرو.
احتضنته باشتياقٍ وتجمَّعت الدموع بعينيها:
_ وإنتَ كمان، بس مقولتليش إنَّك جاي.
سحب كفَّها وأجلسها بجواره، يتطلَّع إليها باشتياق:
_ مكنتش مرتَّب للسفر.
ملَّست على وجهه بحنان:
_ اتغيَّرت، بس بقيت أحسن على فكرة.
قبَّل كفَّها وتكوَّرت دموعه:
_ وحشتيني أوي، عاملة إيه والولاد عاملين إيه؟.
_ الحمدلله ياحبيبي..
سألها بعدما ذهب لرؤيتها ولم يجدها
_كنتي فين، مش المفروض خرجتي من النادي من ساعتين؟
_ زرت ماما فريدة، من يوم فرح غادة مشفتهاش وكانت زعلانة.
تمتمت بها بدخول رحيل التي استمعت إلى آخر حديثها، ونظرت تهزُّ رأسها بعتاب.
حمحمت ميرال..تنظر إلى أخيها بحزن:
_ عرفت إنِّ غادة اتجوِّزت صح؟
أومأ لها وقال:
_ علشان كدا نزلت.
ضيَّقت عيناها باستفهام:
_مش فاهمة؟
_خلاص هيَّ اتجوِّزت وبدأت حياتها، كلِّ اللي خطَّطت له اتعمل.
اعتدلت ترمقه بحدَّة:
_ طارق أتمنَّى ماتعملش حاجة تقلب الدنيا، وأصلًا تخطيطك كان غلط، إزاي تعمل كدا؟..أنا لمَّا عرفت ماصدَّقتش ولو كنت قدَّامي كنت ضربتك.
رفعت عيناها إلى يزن وقالت:
_ ساكت ليه، عجبك عمايله الغبية دي؟
_ قولت زيِّك كدا.
_ خلاص اللي حصل حصل..المهمِّ أنا مينفعش أقعد هنا، هنقل شقِّتي، مابقاش ينفع،
_ وليه مبقاش ينفع إنتَ ليك زيِّنا؟.
هزَّ رأسه بالرفض وقال:
_مش هرتاح..
قاطعته رحيل:
_ طارق روح الفيلَّا بتاعتنا، مقفولة من بعد وفاة ماما وخالو، على الأقل تفتحها تاني، وكمان قريبة من الشغل.
_ ربِّنا يسهِّل، أرَّتب كام حاجة وأشوف الدنيا إيه..
_انا زرت رؤى في السجن ياميرال، صعبانة عليا اوي
رمقته بحدة وتمتمت بغضب:
_ وانا مصعبتش عليكوا انتوا اللتنين، منكرش صعبانة عليا بس مش قادرة انسى اللي عملته
قطع حديثهم رنين هاتف ميرال، نهضت قائلة:
_ طنط نعيمة جاتلي، سلام بقى دلوقتي وبعدين نتكلِّم.
قالتها وهي تداعب خصلات طارق كالأطفال مع ابتسامتها البريئة..
_بلاش نتكلم عن رؤى، صدقني كدا احسن، مش عايزة ارجع اخسر حياتي تاني.. ياله سلام
قالتها وخرجت
بينما أشارت رحيل إلى يزن:
_ يالَّه الغدا جاهز، وطارق هيبات هنا لمَّا يشوف هيقعد فين.
توقَّف طارق رافضًا حديثها:
_ لا..رحيل هشوف فندق لحدِّ مالشقَّة تتظبَّط.
قاطعته بحدَّة:
_أوَّلًا مفيش شقَّة قولت لك، الفيلَّا فاضية، ثانيًا هتروح فندق وإنتَ ليك بيت هنا وكمان بيت أخوك.
فتح فاهه للحديث، أوقفه يزن:
_خلاص رحيل حكمت، يرضيك أبات في الشارع؟
قالها بمزاح..توقَّف طارق متخصِّرًا يوزِّع نظراته بينهما، فهزَّت رحيل كتفيها:
_ بنت خالتك مجنونة، ولازم تسمع كلامها..ويالَّه اسمع الكلام علشان الأكل برد، وآسر ورولا نامو من غير مايتغدُّوا.
دلف طارق الى غرفة الطعام، بينما اقترب يزن من زوجته، وعيناه تحتضنها بعشق:
_ بحبك اوي على فكرة، بس انا بغير يارحيلي تمام
حاوطت عنقه، وقرار جرئ سريع
_رحيل بتعشق ابو ليفة.. قالتها وهي تقبله فوق شفتيه
غمز بعينيه وقال بشقاوة:
_اتجرأنا، تنكري انها حلوة، ايه رأيك نكررها بتعمل جرأة
ضحكت بنعومه تلكزه بصدره، حاوط جسدها، وقبلة بعنقها، مع خروج اسر ينادي
_بابا.. خالو بيسأل عليكم، ولكنه توقف مذهولًا وهو يرى والدته بتلك الحالة
ركضت للداخل خجلًا من نظرات ابنها، بينما حمحم يزن
_مش المفروض تخبط قبل ماتدخل
نظر الى الباب ثم عاد بنظره الى والده
_بابا دي اوضة بنقعد فيها، اوضة نومك امشي على طول، لف يمين هتلاقي باب كدا يخبط دماغك
_ ولد..
ضحك اسر وهو يتحرك من امام والده متجهًا للداخل
الفصل الواحد والعشرون 2
بمنزل أرسلان..
جلس مندمجًا بمادَّة الفيزيا، لم يشعر بأيِّ شيئٍ حوله وكأنَّه وحيدًا بغرفته..
بينما على الجانب الآخر كان بلال مندمجًا بالرياضيات، رفع رأسه عدَّة مرَّات وجد يوسف منشغلًا، شعر بالإرهاق، فعاد برأسه قليلًا:
_ بتذاكر إيه يايوسف؟..لم ينتبه إليه فقد كان منكبَّا بانشغاله بالمسائل الفزيائية أمامه..نهض من مكانه واقترب منه..انحنى يتَّكئُ على مكتبه:
_ بتذاكر إيه يابني بكلِّمك من فترة؟.
هنا رفع يوسف رأسه يتطلَّع إليه مرَّة وإلى كتابه مرَّةً أخرى وردَّ باقتضاب
_Physics
قطَّب جبينه متسائلًا بشقاوة..ودي بتدرسوا فيها القولون ولَّا إيه؟.أصل مشاكله صعبة أوي.
رفع يوسف حاجبه يرمقه بنظرةٍ استهزائية:
_ لا بندرس فيها Large intestine
زمَّ الآخر شفتيه:
_ طيب مادا اللي بقوله، ولَّا علشان حافظ لك كلمتين انجليزي..لا دا أنا برفوكتة فيه، حتى ممكن أقولَّك البتاع اللي بتقول عليه دا فيه إيه.
أفلت يوسف ضحكةً على حركاته، وأشار إليه بالعودة إلى مذاكرته:
_ياله ارجع شوف وراك إيه، عندك امتحان الصبح، وأنا لسة قدَّامي درسين عايز أخلَّصهم قبل رجوع بابا.
لن أتزحزح من مكاني غير لمَّا أعرف المادة اللي بنسمع عنها بعبع الثانوية دي فيها إيه.
تراجع يوسف بجسده متنهِّدًا:
_مش وقت هزارك خالص، امتحاناتي قرَّبت، وعارف طول السنة مقضِّيها هزار ياخفيف.
شهق بلال يضرب على صدره بحركةٍ مزاحية:
_ياواد..دا أنا ببلاوي هتنصب عليَّا، الكلام دا لعمُّو، مش لجيرل فريند بتاعتك.
_الله يخرب عقلك فصلتني خلاص..
داعب بلال خصلاته وقال:
_الصراحة زهقت فقولت نشرب قهوة ونرجع تاني..تعرف بقالي 6 ساعات بذاكر، أنا نفسي مش مصدَّق نفسي.
_طيب كويس بالتوفيق حبيبي إن شاءلله المهمِّ ركِّز..ميغرَّكش الرياضة سهلة، دي ياحبيب والديك علامة تضيَّع مستقبل المسألة خالص مالص.
_يلعن أبو شكلها ياأخي، مالي أنا ومال البتاع اللي اسمه Algebra، ياأخي بيحطُّوا علامات كتيرة، إشي جذور، وإشي جاتا وباتا..مايروحوا يدوروا عليهم بعيد عننا
ارتفعت ضحكات يوسف:
_بااااس يخربيتك..نسِّتني اللي ذاكرته..
غمز إليه بعينيه:
_بس أحسن من الأحياء اللي بتذاكرها،
على الأقل فيها حاجات دقيقة وعلميَّة.
مسح يوسف على وجهه يكتم ضحكاته:
_ وانا بذاكر احياء يامتخلف
_ بسيطة ابعت البلحة تجيب لك احياكوش.. واهو نتنفس شوية
_فاشل من يومك يابن عمِّي، بتموت في الأحياء.
هبَّ فوق المكتب وجلس مربِّعًا ساقيه:
_دا أهمِّ حاجة في الدنيا الأحياء، كفاية إنَّك لسة حي.. بس ركز انت في التكاثر في النبات، لازم اعرف النبات بيخلف ازاي
_هو دا اللي في الاحياء
اومأ غامزًا
_ اه مش عايز الباقي، اصلي بفكر اجر ارض ذراعية وازرع فيها حب الياسمين
لكزه يوسف مع ضحكاته المرتفعة، فهمس بلال:
هوَّ أنهي أحسن، X, ولَّا Y
أنا بحبِّ الاتنين.
_بااااس يابني هتودِّينا في داهية.
هزَّ الآخر رأسه:
_ داهية إيه ياعم، همَّا عارفين حاجة، أمِّي كانت معلِّمة فصل أوَّل معرفش يعني إيه، وأبويا مش موجود دا قرد
والبلحتين في الجنينة برَّة.
_ جنينة..ردَّدها يوسف.
أومأ بلال برأسه:
_ منبهر منِّي صح؟.
أه ياأخويا منبهر على الآخر، يالَّه بقى قوم علشان أخلص، إلياس باشا بيعدِّ أنفاسي.
_ مش تتنفِّس علشان ميعدِّش بسيطة أهي.
دفعه بقوَّة حتى سقط فوق الأرضيَّة يمسك جنبه:
_أه ياني ضيَّع أحيائي، ومش هخلِّف..X, Y
توسَّعت أعين يوسف:
_ الله يخربيتك، اتلمِّ شوية، البلحتين لو سمعوك هيقولوا لأبويا، ودا مش عايز توصية.
تحرَّك إلى مكتبه وهو يجرُّ ساقيه بصعوبة، كان يوسف يتابعه فتساءل جدِّيًا:
_ إنتَ كويس يابني؟
_أه..لا..أحيائي باظو.
ألقاه بالقلم وعاد إلى كتابه..ومازالت ابتسامته تنير وجهه، دقائق صمت لكلِّ واحدٍ فيهما إلى أن رفع يوسف رأسه:
ماذا لو جرَّبنا الزواج العرفي؟.
_ ودا هتجرَّبه إزاي ياأبو العريف؟.
أخرج قلمه وقام بسحب ورقة من دفتره وأشار إليه، فتقدَّم الآخر:
_ اكتب اسمك.
أمسك بلال الورقة البيضاء يدقِّق النظر بها:
_ عايز تمضِّيني على أملاك أبويا يالص؟!
ضربه بخفَّة فوق رأسه:
_لا يابغل..هوَّ أبوك حيلته حاجة..
لا هتكون شاهد على جوازي.
شهق الآخر:
_شاهد!..يعني مش العريس؟
تطلَّع إليه الآخر:
_ لا أنا العريس، وهجرَّب الجواز العرفي اللي الولا حسونة بيقول عليه.
_ تصدَّق صح، جرَّب إنتَ الأوَّل، شكل الأحياء رفعت الأدرينالين..
بس كدا ناقص العروسة.
صمتٌ دام بينهما بدخول غرام تحمل قهوتهما:
_عملت لكم قهوة علشان تركِّزوا، وضي وشمس هيجيبوا كيك، ياربِّ يايوسف متكسفناش.
_أبدًا ياطنط..دا أنا ناوي أطلع الأوَّل.
أومأ بلال برأسه وأشار لوالدته:
_ صدَّقيه، عايز يعرف تاريخ الملكة نفرتيتي ياماما.
الملكة مين؟..قاطعهم دخول ضي تحمل طبقًا من الكيك، وضعته أمامهما:
_يارب تفلح، متأكِّدة أخرك معهد فنِّي صحِّي.
_ ودا بيدرسوا فيه إيه ياظريفة المجاري؟
تمتم بها يحدجها باستخفاف..رمقته بصمت ثم خرجت وهي تصيح باسم شمس:
_أنا رايحة عندكم مادام أخوكي الظريف هنا.
جزَّ على أسنانه ينظر الى بلال:
_أهي أختك البلحة دي أوَّل قائمة جوازتي.
شهق الآخر:
_هتتجوِّز بلحة، وتنتجوا من أحياءكم نخلة!
ارتفعت ضحكاتهم..إلى أن صمتوا، فأشار بلال إليه:
_نرجع بقى اللوغاريتمات، وإنتَ ارجع للطبيعة بتاعتك..صحيح ياجو افتكرت هيَّ الفيزيا اللي مدوَّخة الناس دي بندرس فيها إيه؟.
_أوووه، لا خد الصدمة لمَّا تروح تالتة، لأنَّها مش سايبة حاجة، من كهربا لمغناطيس، لصوت وضوء..كتيير ياأخويا، خلِّيك إنتَ في الجا والجاتا أحسن..لأنَّك بتدلَّع.
_شكرًا ياجو، دايمًا بترفع من روحي المعنوية.
عند إسحاق:
وصل خلال دقائق معدودة إلى الموقع الذي تمَّ فيه اختطاف حمزة.. كانت ساعته الذكية ترسل إشارات دقيقة لموقعه، فمثل هذه المواقف جزءٌ من حياته اليوميَّة، في ظلِّ أعداءٍ كُثر يحيطون به من كلِّ صوب..ولذلك وضع لأهل بيته جهازًا دقيقًا ليعلم تحرُّكاتهم..وصل إلى المكان بعددٍ لا بأس من أمنه الخاص.
ماإن ترجَّل من سيارته حتى دوى صدى الرصاص في المكان، أصوات استغاثة، أنين متقطِّع، ورائحة بارود ممزوجة بالموت.
تحوَّل وجهه إلى قناعٍ من الغضب الصافي، دخل كالثور الهائج لا يرحم ولا يتراجع.
خلال دقائق فقط، صار المكان ساحة مجزرة..جثث متناثرة، ودماء تُرسم كأنَّها خريطةٍ لطريق انتقامه..لا يظهر على ملامحه خوف أو جبن، بل كان كالأسد المفترس الذي يهجم على فريسته حتى يقتصَّ نهايتها.
تحرُّكات سريعة ضمن فريقه، حتى لا يدع وقتًا للآخرين بأذيِّة ابنه، دقائق فقط حتى وصل إلى الغرفة التي يُحجز بها نجله، ممدَّدًا على أحد المقاعد، يبدو أنَّه تناول شيئًا ليفقد وعيه بتلك الطريقة، أشار إلى أحد رجاله:
_أمِّن المكان..قالها وتحرَّك نحو نجله، علم أنَّه تحت تأثير التخدير..حمله واتَّجه للأسفل سريعًا قبل وصول دعمهم، وكأنَّه يقرأ أفكارهم، إذ سقط الرصاص فوقه من كلِّ حدب، وسقوط عددٍ لابأس به منهم، نظر إلى ابنه الذي لا يشعر بشئٍ وإلى الغاشمين الذين لا يعرفون دينًا ولا خلق..
دقيقة واحدة ووصل أرسلان بصحبة إلياس مع بعضٍ من الأمن الخاص بهم..ترجَّل أرسلان سريعًا بعدما شاهد عدد القتلى من الفريقين، وفعل مثله إلياس، دقائق وصمت المكان من آثار المعركة، ليخرج إسحاق بحمزة أخيرًا.. ركض أرسلان إليه يتلقَّى حمزة منه، لاحظ إصابته بكتفه:
_عمُّو إنتَ اتصبت.
أومأ يشير إلى السيارة:
_لازم نمشي من هنا، وأنا هكلِّم الأمن يجي ويتصرَّف.
_المهم إنتَ كويس؟
أومأ بصمت، باقتراب إلياس:
_حمد الله على سلامته.
_ شكرًا إلياس.
ساعده بالتوجُّه نحو سيارة أرسلان:
_ مينفعش تسوق، وأرسلان أخد حمزة على عربيته.
_تمام..
عند غادة بمدينة العشَّاق..
قضت أيام شهر عسلها بين دفء الحبِّ ورفاهية الاهتمام، فرغم حدَّة مالك المتحفِّزة، إلَّا أنَّه جعلها ملكة متوَّجة على عرش قلبه.
ذات ليلة، بأحد المطاعم الشهيرة، كانت تجلس قبالته وهما يتناولان طعامهما المفضل..كان يحدِّثها عن عمله السابق وصعوباته، فهزَّت رأسها بتفهُّم.
الصراحة آه، كنت بشوف إلياس كده برضه معظم الوقت.
رفع عينيه نحوها في صمتٍ ثقيل
وقال:
_زعلت عليه لمَّا عرفت اللي حصل.
ردَّت بنبرةٍ يغلِّفها الحنين:
_ كلِّنا زعلنا، إلياس مش مجرَّد أخ، ده كان أب..أنا شخصيًّا ماقدرتش أستوعب الحقيقة...بس مهما حصل، هيفضل أخويا..
ابتسمت رغم الوجع الذي اعتصر قلبها، وأردفت وهي تتهرَّب من نظرات مالك:
تعرف بيقولِّي إنَّك ممكن تتضَّايق من علاقتنا، وحقَّك، بس هوَّ قال كده كأنُّه مش أخويا الشقيق.
أجابها بصوتٍ هادئ لكنَّه جاد:
وأضَّايق ليه؟ هوَّ شخص محترم، لكن متنسيش ياغادة إنِّ فيه حاجات ماينفعش نتجاوزها، قلبك شايفه أخوكي، وده حقِّك، بس في الدين، هوَّ مش محرم ليكي...يعني خلِّي بالك، لأنِّ ربِّنا هيحاسبنا على كلِّ حاجة.
تجمَّعت الدموع في عينيها، وارتجفت شفتاها وهي تهمس:
صعب يامالك...إنَّك تعيش عمرك كلُّه شايفة شخص أغلى من روحك، وفجأة يُقال لك ابعد..
مدَّ يده واحتضن كفَّها برفقٍ يطفئ ارتعاشها:
تعالي نتمشَّى شوية...
نهضت، وقد أدركت أنَّه لا يريد إكمال الحديث.
يبدو أنَّ إلياس كان محقًّا، فمالك لا يستطيع تقبُّل فكرة الصلة بينهما كما تراها هي.
تجوَّلا في شوارع المدينة تحت أضواء المساء الحالمة، ثمَّ عادا إلى جناحهما بالفندق..
أوقفها مالك أمام الباب وأخرج من جيبه شريطًا أحمر، وضعه على عينيها هامسًا:
ماتفتحيش، عندي مفاجأة.
ابتسمت بحماسٍ طفولي، تركت كفَّيه يقودانها إلى الداخل.
أشعل الأضواء، وسحب الشريط برفق.
شهقت، ووضعت يديها على فمها من فرط الدهشة.
الغرفة تحوَّلت إلى عالمٍ من القلوب الحمراء المتناثرة، وحروف أسمائهما المضيئة تزيِّن الأركان.
التفتت إليه بفرحٍ غامر، وقبَّلته على وجنته:
شكراً...حبِّيت المفاجأة أوي.
كلِّ سنة وإنتي طيبة ياحبيبتي.
نظرت إليه بعينين دامعتين من الفرح:
أنا حبيبتك يامالك؟
لفَّ ذراعيه حولها، وقرَّبها منه حتى لامس أنفاسها وقال هامسًا:
"بحبِّك."
تلألأت السعادة بعينيها، وابتسمت تهمس بخجلٍ عذب:
وأنا كمان..أوي.
وهنا، لم يعد للكلمات معنى، ولا للحديث مكان.
مرَّت أيام أخرى، وعادت غادة برفقته إلى أرض مصر.
استقبلتهما فريدة وليال بفرحةٍ غامرة، وأقامت ليال حفلاً صغيرًا احتفاءً بعودتهما.
حضر المقرَّبون جميعًا، ماعدا إلياس الذي اعتذر لانشغاله بامتحانات يوسف.
ومضت الأيام بهدوء...إلى أن أنهى يوسف امتحاناته، بينما بقيت الأحوال كما هي عليه.
مساءً آخر على أضواء القمر وليالي الخريف المتقلِّبة، وبجوارهما يصدح الهاتف بصوت نجاة الصغيرة،" عيون القلب"..كانت تغفو بأحضانه بشرفة غرفتهما، تدندن مع كلمات الأغنية" إنت َتقول وتمشي..وأنا أسهر مانامشي
ياللي مابتسهرشي..ليله ياحبيبي..
سهرني حبيبي..حبك ياحبيبي" بينما هو يعمل على جهازه، رفعت رأسها تنظر إليه:
_ ماتيجي ناخد يومين إجازة بعد مالولاد خلَّصوا امتحانات، الفترة اللي فاتت دي، الولاد انضغطوا أوي.
خلع نظَّارته الطبية..ووضعها جانبه ثم لفَّ ذراعيه يقرِّبها الى صدره:
_ دا قرارك ولَّا قرار الدلُّوع ابنك؟
اعتدلت وجلست بمقابلته:
_ إخصي عليك، هوَّ ابنك دلُّوع، دا ياحبيبي، تعب أوي في الامتحانات.
_ لا والله، انتي ليه بتحسِّسيني مفيش غيره اتنيِّل وامتحن، وبعدين ماهوَّ حيوان لو ذاكر من أوَّل السنة مكنش وصل للمرحلة دي.
أغلقت الهاتف بغضب، وصاحت بصوتٍ مرتفع:
_هوَّ فيه حد في الدنيا يعمل اللي إنتَ عملته دا، تنقله مدرسة حكومي، هوَّ حضرتك أصلًا اتعلِّمت في المدرسة الحكومي علشان تدخَّله هوَّ؟
_هوَّ أنا كنت زيه يامدام، ماتشوفي بلاويه، الولد كان ماشي على الصراط المستقيم لحدِّ ماحضرتك ادَّخلتي في تربيِّته.
_ يووه بقى، هيرجع يقولِّي كان ماشي، ونسي أهمِّ حاجة إنُّه في مرحلة شبابية متقلِّبة، ولازم يثبت لك إنُّه كبر وبقى له رأي، بس حضرتك تقول كدا، أوووه، طبعًا لأ.
_ برافو ياميرال، نكِّدتي عليَّ، يالَّه قومي روحي لابنك، وشوفيه بيحضَّر مصيبة إيه جديدة، حضرتك بتكلِّميني على إنِّي مكنتش شاب زيه.
رفعت حاجبها ساخرة:
_ شوف إزاي، تصدَّق كنت غايب عنِّي، هوَّ إنتَ أصلًا زي الخلق.
دفعها بقوَّة حتى كادت أن تسقط على ظهرها..صرخت باسمه، فأطبق على كفَّيها:
_ أرميكي وأرتاح من لسانك دا.
قاطعهم طرقات على باب الغرفة
اعتدلت تعدِّل ثيابها بعدما استمعت إلى صوت ابنها:
_ادخل ياأخويا..تمتم بها إلياس متهكِّمًا..أدخل يوسف رأسه وقال:
_بابي حبيبي فاضي ولَّا مشغول مع مرمر؟
_ ادخل ياحيوان.
التفت إلى بلال وغمز إليه:
_مادام قال ياحيوان يبقى إنتَ جاي في الوقت الصح ياببلاوي.
دفعه بلال ودلف إلى جلوس إلياس..
سحب يوسف المقعد وجلس يلتقط من أمام والده حبَّ الرمان:
_ الجوِّ برد عليكي يامرمر، قاعدة في الساقعة ليه؟
كان يراقبه بصمت إلى أن دفع الفاكهة أمامه:
_ زعلان علشان أخدت الفاكهة، خد ياعم، ببلاوي عايزك في موضوع مصيري، أبوه طرده من البيت بس مش دا موضوعنا، اسمعوه وبلاش تضيَّعوا مستقبله، وفي الآخر ترجعوا تقولوا عقوق والدين.
ظلَّ يستمع إليه بصمت، فغمز إلى بلال:
_ يالَّه ياعمِّ انطق، أبويا طيب مش زي أبوك.
_ على ضمانتك؟
ضحكت ميرال على حركاتهم، فقالت:
_ قول ياحبيبي متخافش، عمُّو أكيد هيسمعك.
فرك كفَّيه وهو ينظر إلى يوسف الذي استند على خدَّيه ورسم نظرة تألُّم:
_ عمُّو فيه بنت أنا معجب بيها وعايز أروح أتقدِّم لها، علشان المستر قال النظرة لغير المحرَّم حرام شرعًا.
ضغطت ميرال على شفتيها تمنع ضحكاتها، بينما يوسف زمَّ شفتيه بحركةٍ شعبية مصدرًا صوت:
_قطَّع في قلبي يابابا، حتى النظرة بقت حرام..دنا برأسه من بلال:
عارف ياببلاوي لو بصِّيت لأختي هتاخد سيئات.
كلُّ هذا وإلياس ينقل نظراته بينهما بصمت، إلى أن قال:
_ ودي ياحبيبي، في Kg1,Kg2
«لا ياعمُّو إيه شغل العيال ده، هوَّ أنا هجبلها بالببرونة ولَّا إيه؟!
دي حنين بنت دكتور عاصم البنهاوي، جارنا، شفت ابن أخوك ذوقه حلو إزاي؟»
بنت مين ياأخويا؟
لكز يوسف بلال وابتسم وهو يرد:
_ مش بقولَّك أبويا عسل وديمقراطي، .وشوف الفرحة على وشُّه لمَّا عرف العروسة، دا راجل مروَّق..مرَّة أمِّ كلثوم، ومرَّة نجاة...مش عارف عبد الحفيظ حافظ حبُّه نار، يابابا، زي الواد ببلاوي.
لَكْزَه بلال فأكمل يوسف :
ماعلينا من أغانيك يابابا..البتِّ حلوة، قولِّي هنروح نخطبها إمتى؟ ولو عمُّو لسه غضبان، ياخد الملحق يتجوِّز فيه، لو مانفعش أدِّيله أوضتي.
صمت إلياس، ونظر ليوسف بنظرةٍ كادت أن تصفعه فقال:
قولتلي تتجوِّز؟
التفت بلال إلى إلياس بنبرةٍ فيها ازدراء:
أيوة المستر قال الولد ممكن يتجوِّز بعد سنِّ الخماستشر.
تَهكَّم إلياس بسخرية:
"المستر…"
حمحم يوسف وحاول يشرح:
بابا..أنا عارف إنَّك رافض عشان السن.. إيه رأيك نجوِّزه عرفي؟ كتير من صحابنا اتجوِّزوا كده.
اقتَلَع الكلام أنفاسَ إلياس، هبَّ فجأةً وقال بحزم:
إيه اللي بتقولوه ده!! أنا فكَّرتكم بتهزَّروا؟ وخاصَّةً إنِّ البنت دي في الجامعة، أكبر منُّه
حاولَت ميرال تهدئة الجو، لكن الياس انفجر:
مين من صحابكم متجوِّز بالطريقة دي؟
قاطعه يوسف:
_ليه يابابا، هوَّ مش دا جواز؟
صرخ بهما وهو يفقد أعصابه:
مش عايز أسمع صوتك! ثم التفت لبلال قائلاً بغضبٍ مُشتعل:
شغل الحواري والشوارع اللي أنتوا ماشيين بيه مبقاش مقبول! آخر مرَّة نهزَّر في الموضوع ده!
اتَّجه إليهما مرَّةً أخرى بنبرةٍ عالية داخلها احتقار ووجع:
إنتوا فاكرين اللي بتقولوه ده جواز؟! ده لعب باسم الدين!
الجواز العرفي من غير ولي ولا شهود حرام شرعًا وباطل..زي الزنا بالظبط!
اللي بيستخبَّى ويتجوِّز في السر، بيستخبَّى من ربِّنا قبل الناس.
نظر إليهما وعيناه كالسيف:
ربِّنا قال "فانكحوهن بإذن أهلهن" والنبي ﷺ قال "أيَّما امرأة نُكحت بغير إذن وليُّها فنكاحها باطل" مفيش هزار في الكلام ده!
مش ورقة تنرمى في الدرج هتنفعك يوم الحساب.
اقترب من يوسف، وأصبح صوته غليظ:
الجواز دا ميثاق غليظ، مش نزوة تتكتب على ورقة وتترمى! دا عقد عمر ومسؤولية وشرف عيلة كاملة، مش تجربة سريَّة!
_بابا احنا كنا بنهزر، انت صدقت
ولكن عقل الياس لم يستوعب سوى مالقوه عليه فهتف بحدة
«اسمعني كويس يايوسف، الجواز العرفي ضياع لحقِّ البنت، وفضيحة للولد قبلها..
اللي مش قادر يعلن جوازه زي الراجل، يبقى مايستاهلش كلمة "راجل" أصلاً!»
_بابا خلاص إحنا بس كنَّا مفكَّرين الموضوع عادي.
_عادي! إنتَ مجنون ياولد؟! إنتَ فاكر نفسك لسه صغير، إيه يعني "عادي"؟! ماتتكلِّمش معايا كأنَّك جاهل، ما تخرَّجنيش عن شعوري..أنا مش هتكلِّم في الموضوع أكتر من كدا، إنتَ كبير وواعي، لو عايز تكون زاني وتغضب ربِّنا، اطلع من الباب واعمل اللي إنتَ عايزه، بس افتكر وقتها هشطب اسمك من حياتي..الحلال والحرام مش هزار، سامعني ولَّا لأ؟!
ابتلع يوسف ريقه وهزَّ رأسه مرتعشًا.
_آسف يابابا..إحنا كنَّا مفكَّرين الموضوع عادي، خصوصًا إنِّ في من صحابنا عملوها…فحبين نعمل مقلب ونهزر، احنا مش اغبية، بس زي ماقولت لحضرتك فيه كتير من صحابنا كدا
صرخ مرَّةً أخرى حتى ارتعدت الأجساد من حوله:
_العيال دول من اللحظة دي لو كلِّمتهم هموِّتك! سمعتني؟! الدين مش للضحك! يلَّا امشوا من قدَّامي!
نهضا، وتحرَّكا بصمتٍ محمَّلا بالخوف.. اقتربت ميرال منه محاولةً تهدئته، كان يمسح على وجهه بغضبٍ يعتصره:
_ ممكن تهدى؟ قالتها بهدوء.
_ أهدَى إيه؟ ردَّ بعنفٍ مكتوم..أنا هتجنِّن! إزاي نسيت موضوع خطير كده؟!
أمسك هاتفه واتَّصل بارتعاش:
_أرسلان فينك؟
فيه إيه كنت داخل أنام..
_أه ياخويا…روح نام، بس حضَّر أوضة لابنك هيتجوِّز.
ضحك أرسلان من الجانب الآخر ماظنَّه مزحة:
_عايزين يعملوا فيك مقلب، قالوا هنا وهيروحوا يهرَّجوا مع عمُّو.
قطع الياس كلامه بحزم:
العيال دول بيقولوا يتجوِّزوا عرفي.
صمت أرسلان لوهلةٍ ثم قال:
يعني إيه، همَّا بيهزَّروا، ماجابوش سيرة الجواز؟
_ اقعد مع ابنك واستفهم منُّه بيقولوا حق ولا لا، لانهم غيروا كلامهم
وضعت غرام كفيها على كتف ارسلان
_فيه ايه ياارسلان
استدار اليها متسائلًا:
_بلال اتكلم معاكي في اي حاجة
عقدت جبينها متسائلة:
_ مش فاهمة
عند الياس أغلق الهاتف وهو يغلي..التفت إلى ميرال بألمٍ وقسوة:
_كلِّ ماأقرَّب للولد، تقولي "سيبه، ابنك مستحيل يعمل حاجة". عاجبك يا مدام؟ أهو جواز عرفي! تخيَّلي لو يعمل زي أصحابه.
_ مش من المدرسة اللي نقلته فيها. تطلَّع إليها بعيونٍ نارية:
_امشي من قدَّامي علشان ماتغبّاش عليكي..السنِّ ده معرَّض لأي حاجة في كلِّ مكان..المهمِّ رقابة البيت، الولد كان ماشي زي الألف.
قاطعته ميرال بنبرةٍ متأفِّفة:
أيوه ودلوقتي بقى حرف الجيم، إنتَ ليه بتهاجم بكلامك ده، ولسه بتقول السن؟
تحرك وهو يهمس مقاطعًا، كأنَّه يستدعي ذكرى:
_واحدة قعدت خمس سنين بحارة… استولت على دماغها.
استمعت ميرال إليه وفجأةً ركضت لتقف أمامه، تطلع اليه بعينان محتقنتان بالغضب والحزن
_مالها فيها رجالة وناس عندها أخلاق ومبادى، مش هتتغيَّر..كلِّ حاجة الحارة، بعد السنين دي كلَّها، عادي ممكن أرجع لها.
كوَّر قبضته وأطبق جفنيه يحدِّث نفسه:
_ الصبر ياإلياس، الصبر.
ابتسمت على حركته، ورغم ذلك أخفت ابتسامتها وتحرَّكت تتمتم:
_ ياريت أيامها ترجع، على الأقل كنت باكل بط ومحشي.
هنا لم يعد للعقل سيطرة، اتَّجه إليها ولم تشعر بنفسها سوى أنَّها بالهواء:
_لازم أكلِّك بط ومحشي، هوَّ أنا عندي كام ميرال بس.
باليوم التالي..
استيقظت لم تجده بجوارها، اعتدلت تجمع خصلاتها، تتأفَّف على قسوته، تتذكَّر بعد حمله لها، أسقطها بقوَّة على السرير:
_ لو شوفت عيونك دي مفتَّحة هقفلها بطريقتي..
بعد عدَّة ساعات..هبطت للأسفل بعد إبلاغها بوجود غادة..
_دودي حبيبتي وحشتيني، فكَّرتك نزلتي الشغل النهاردة.
_ لا..ماليش مزاج، معرفش عندي خمول، ماصدَّقت مالك قال جاي عندكم وقولت آجي أقعد معاكي شوية.
ضمَّت وجهها كالطفلة تراقب تفاصيلها:
_ وشِّك متغيَّر، لتكوني حامل ياجميلة؟
صمتت بذهول، ثم هزَّت رأسها:
_ لا مش معقول..
قاطعهم دخول الخادمة:
_فيه ضيفة جت للباشا..
ضيفة؟!..تساءلت بها ميرال..
أومأت الخادمة وتحرَّكت لدقائق معدودة تحمل القهوة، هبَّت ميرال من مكانها وتحرَّكت بعدما رأت الخادمة تحمل أكواب القهوة متَّجهةً إلى غرفة مكتبه:
-استني عندك.
توقَّفت الخادمة..فاقتربت تجذب منها المشروبات وأشارت إليها بالتحرُّك:
-أنا هدخلُّه..سحبت نفس وطردته بهدوء ثم فتحت الباب دون الطرق..
استمعت إلى كلمات تلك المعتوهة:
-لأ طبعًا..سمعتك منوَّرة كلِّ مكان، هوَّ أنا جاية لأي حد برضو.
رفع رأسه بعدما فُتح الباب بتلك الطريقة، خطت بخطواتٍ متَّزنة وهي ترمقه بنظراتٍ تعني الكثير، إلى أن اقتربت ووضعت المشروبات على المنضدة:
-قهوتك ياحبيبي..
-والمدام..عصير.
رفعت رأسها وأومات:
-ميرسي يااا..جزَّت على أسنانها واتَّجهت إلى مكان جلوسه وهو يتابعها بصمت:
-ميرال الشافعي مرات اللي سمعته منوَّرة كلِّ مكان.
-ميرال..همس بها.
اتَّجهت بنظراتها ترمقه بنظرةٍ نارية:
-إيه يامنوَّر باشا، قطعت حديث رئيس الجمهورية.
حمحمت معتذرة:
-آسفة ياإلياس..شكل الوقت مش مناسب لبقيِّة كلامنا.
فتح فاهه للرد ولكنَّها اقتربت منها:
-نوَّرتينا، ممكن يبقى تروحي الشركة، لو محتاجة العنوان..أه أستاذ مالك المسؤل الرسمي عن التأمينات..إلياس باشا مشغول..
نوَّرتينا.
حدجتها بنظرةٍ باردة، فانحنت الأخرى تحمل حقيبتها وغادرت دون التفوُّه بحرف.
بينما الآخر جلس وجسده كتلةً ناريةً كادت أن تنفجر..استدارت إليه..رفع عيناه وتقابلت نظرات التحدِّي بينهما:
-إيه اللي عملتيه دا؟
-إيه بعمل بروفة لشغلي..بعد إذنك يامنوَّر باشا..قالتها وغادرت وهو يشيِّعها بنظراتٍ كادت أن تحرق تحرُّكها، يهمس بهسيس:
-نهارك مش معدِّي يازفت الطين.
تحرك خلفها سريعًا، هرولت الى الخارج:
_ايه البجاحة دي، لابسة فوق الركبة، وحاطة قدام الباشا رجل على رجل، طيب ياالياس انا هعرفك مين هي ميرال
بالخارج..
خرجت غادة بعدما هاتفها مالك، فتحت الباب..إذ بها تنصدم بوقوف طارق أمامها:
إزيك ياغادة؟
_ تجمدت للحظات، ومشاهد سريعة امامها تجمعهما سويًا، ابتلعت ريقها، وشعرت بالتخاذل من نفسها
_أهلًا ياطارق، عامل إيه؟
_ كويس، ألف مبروك مع إنَّها جت متأخَّر.
_ ميرسي، بعد إذنك..قالتها وتحرَّكت من أمامه، توقَّفت فجأةً بوقوف مالك أمامها..فتحت فاهها للحديث..ولكنَّه
أشار إليها بالتحرُّك:
_مش منتظر مبرِّرات ياغادة..أنا واثق فيكي..ابتسمت بحنان وتحرَّكت، وهي تعانق ذراعه، ورغم تحركه بالتجاهل عما صار، ولكن قلبه جمرة نارية تحرق داخله
على الجانب الآخر..
وصلت ميرال اليه، توقَّفت بجواره تستند على كتفه:
_ متزعلش الحياة أقدار ونصيب.
التفت برأسه نصف التفاتة:
_ مش ملاحظة من يوم ماجيت واتحوِّلتي لداعية، دا كفاية عليكي ابنك وأبوه.
لكزته وضحكت:
_ مش في عيلتك على فكرة.
قاطعهم الصغير من الخلف يشهق:
_ أبويا لاقينه على باب الجامع!
هنا تجمَّدت دقَّات القلوب كما تجمَّد الدم في الشريان..
التفتت ميرال الى ابنها سريعًا:
_حبيبي عيب الكلام دا، إنت َمش صغير.
_حاضر..مبقتش هتكلِّم..حلو كدا قالها وتحرَّك..بينما خطا طارق للداخل دون حديثٍ آخر... ظلت ميرال متوقفة تنظر بشرود وكأن حديث يوسف افاق الماضي مرة اخرى
بشركة العامري
هرولت الى المصعد
_استنى ياسيدي
حضرتك رايحة فين بااستاذة
_للمدير
ابتسم بخفة واشار اليها.. لملابسها وقال
_المدير مرة واحدة
رفعت حاجبها باستخفاف
_ليه المدير بتاعكم فرعون ولا ايه، وسع كدا هتأخر عن الموعد
_ممنوع دا خاص بالمدير
تاففت وتحركت الى الدرج تسبه، صعدت الى الطابق السابع، بانفاسًا متقطعة.. وصلت الى السكرتيرة تهمس بتقطع
_استاذ طارق الشافعي موجود
رمقتها السكرتيرة بامتعاض، ونظرت الى ثيابها البسيطة
_ طارق باشا مرة واحدة ليه
اعتدلت بعد انتظام انفاسها، تنظر اليها بصمت، ثم استدارت تدفع باب مكتبه بغضب
_عايزة اوصل لحضرتك والبني ادمة دي رافضة
_اسفة مستر طارق، بس حضرتك شايف شكلها
نصب عوده وتوقف يتطلع الى هيئتها
_انتي مين
_هند.. اومأ رأسه بعدما تذكر حديث ميرال فاشار الى السكرتيرة
_خلاص ياشاهي سبيها
_بس يامستر دي
استدارت هند تحدجها بغضب
_ مالك سبيها، ولا الاستاذة مابتفهمش عربي
توقف ينظر اليها مذهولًا، وشق ثغره ابتسامة، واشار للسكرترية بالخروج، بينما هو جلس يشير الى المقعد
_اتفضلي استاذة هند
اخرجت اوراقها ووضعته امامه
_ دا Cv.. ممكن تشوفه حضرتك
_ انتي هند بنت مدام نعيمة
_بيقولوا كدا
هز رأسه متسائلا
_مين دول
_ اللي زي حضرتك يامستر
زفر بتأفف فيبدو انها مندفعة
مرَّت السنوات سريعًا إلى أن أصبح الشابين بكلية الطب..ذات ليلة جلسا مع بعضهما البعض:
عجبني تخصُّص المخ والأعصاب أوي، والأحسن فيه ربطه بالعظام.
_ يعني إيه..؟! تسائل بها يوسف
_أقولَّك أوَّل مادخلت الكلية كنت عايز أعرف أيه السرّ في إنِّ مريض العظام بيروح لدكتور مخ وأعصاب.
_أممم...طيب فهِّمني.
_ بص، الأعصاب متحكِّمة في كهربة الجسم، زي المخ، الحبل الشوكي..
أمَّا دكتور العظام هوَّ المسؤول عن الهيكل اللي بيتحرَّك فيه العظم والمفاصل والعضلات.
يعني لو الألم سببه خشونة أو انزلاق في فقرة من ناحية العضم يروح لعظام.
لكن لو الألم جاي من ضغط الفقرة دي على العصب وبيوصل الألم للرجل دا بيكون دكتور مخ وأعصاب.
يعني العظام مسؤول عن هيكل الجسم وأعصابه اللي فيها كهرباء بتوصَّلها للجسم، اللي هو خاص بالمخ والأعصاب، من الآخر كدا الاتنين بيكمِّلوا بعض.
_ لا شاطر ياببلاوي، أغرتني وحبِّيت التخصُّص، بس خلاص ماينفعش أنا مع الكمثراية بتعتي..
كفاية فيه إنُّه هوَّ اللي بيعرَّفك بتحبّ ولَّا لأ.
ألقاه بكتابه:
_ تصدَّق مهما يعملوا فيك هتفضل تافه كدا.
ألقى بصره الى آسر الشارد:
_ سيِّدي القاضي الى أين ذهبت هل لديكم لصوص تقدِّموها لعدالتكم؟،
_ أنا أترفض في النيابة!!
اقترب يوسف منه وسحب مقعدًا وجلس
_أنا سمعت بابا بيتكلِّم مع خالو، محبِّتش أضايقك، اللي عرفته في حاجة حصلت زمان في العيلة علشان كدا رفضوا.
تراجع بجسده على المقعد وتجمَّعت الدموع بعينيه:
_ كان حلمي وأملي يايوسف، حلمت كتير أوي أكون وكيل نيابة.
قاطعه بلال موضِّحًا:
_أنا مش هقولَّك تتعوَّض، بس اعرف دا نصيب وقدر، مش موضوع العيلة، ممكن فيه حاجة تانية أحسن في مجال المحاماه، اجتهد إنتَ بس، وإن شاء الله ربِّنا هيعوَّضك.
مسح على وجهه بحزن:
_ أربع سنين الأوَّل على دفعتي، وكلِّ سنة أقول باقي سلمة.
ربت يوسف على كتفه:
_آسر..مين منِّنا حقَّق حلمه، أنا كان نفسي أبقى طيار وبابا رفض..
وبلال كان عايز يبقى مرشد سياحي وعمُّو رفض، خلاص دا نصيبنا ممكن يكون فيه أحسن من اللي رتبناله.
قاطعهم طرقات على باب الغرفة.. ثم دخول شمس..اقتربت من آسر:
-عرفت من خالو إنَّك مااتوفَّقتش في النيابة، ممكن ماتزعلش؟.
رفع رأسه إليها ثم نهض وقال:
_ هروح، زمان ماما قلقانة سلام.
تحرَّكت شمس خلفه تحاول مواساته، توقَّف ينظر إليها باهتمام:
_ بلاش تفكري في الخارجية يابنت عمِّتو، ادخلي كلية حقَّقي حلم يتحقَّق
ياله باي.
توقَّفت تردِّد حديثه، وتجمَّعت الدموع بعينيها:
_للأسف ياآسر عرفت دا بس متأخَّر..
قالتها واستدارت..وجدت إلياس بوجهها:
_ واقفة كدا ليه حبيبتي؟
_زعلانة على آسر يابابي، كان بيحلم أوي بالنيابة.
حاوط أكتافها بوصول أرسلان:
_حاولت أساعده، وإسحاق تدخَّل، للأسف قوانين مينفعش.
_ أومأ متفهِّمًا، ثم قال:
_قولتها زمان، علشان كدا محبِّتش أربط ولادي بأوهام.
رفع ذقن شمس:
_علشان كدا مفيش سياسة واقتصاد حبيبة بابي.
_خلاص يابابي هدخل طب، زي يوسف
قالتها وتحرَّكت بهدوء رغم حزنها..
تابعها أرسلان بعيونٍ حزينة:
_ابعتها تخرج مع ضي..يغيَّروا جو..
أومأ له ثم أشار بالدخول.
بعد فترة..
جلست أمام المرآة تنهي زينتها، تذكَّرت غضبه صباح اليوم عليها بسبب ثيابها الضيَّقة، نهضت تعدل من وضع فستانها، ثم قامت بوضع بعض المساحيق التجميليَّة..خرجت وقامت الاتصال بشمس:
_حبيبتي ياله هنتأخَّر.
ردَّت على الجانب الآخر:
_ خلاص نازلة أهو، قالتها بخروج يوسف وبلال من غرفة الرياضة، استدار بلال يطلق صفيرًا:
_ماتيجي أتجوِّزك ياشموسة.
رمقه يوسف بغضب:
_لمِّ نفسك يادكتور، عيب.
غمز إليه:
_ أنا آخد أختك وإنتَ تاخد أختي.
_ ياخدك ربِّنا يابعيد..قالها وخرج خلف أخته وجدها تتّّجه نحو ضي التي ترتدي فستانًا من اللون الأسود يظهر مفاتنها..زمَّ شفتيه وسحب عيناه من ناحيتها مع وصول بلال..الذي تحرَّك أليها بعدما وجدها بذلك الفستان الذي حذَّرها منه:
_إيه اللي إنتي لابساه دا؟.
_رايحة حفلة عيد ميلاد صاحبتي، مالكش دعوة، وروح عند صاحبك السوسة وقولُّه بلاش حركاته دي، أنا متأكِدة إنُّه هوَّ اللي قالَّك..
قالتها وصعدت الى السيارة وتحرَّكت مع ذهول بلال من ردِّها.
في اليوم التالي…
دلف «يوسف» إلى الحرم الجامعي..
لم يلبث أن وقعت نظراته عليها، واقفة أمام أحد الزملاء، والضحكات تتعالى بينهما، تدغدغ المكان كشررٍ مستفز:
_خلاص هنسهر للصبح، قالتها وأشارت إليهم..
_ بس طبعًا في حدود ياإيمي، إنتي وخطيبك، ومها وخطيبها مش مشكلة، وهجيب بنت عمِّي وكمان بنت خالو يزن، متقلقوش هنحجز على النيل..
هناك أعين قبيحة تترصَّد الحديث، اقترب منها ووضع كفَّيه على خصرها:
_طيب ياضي وأنا مش معزوم؟.
لم تكد تردَّ عليه حتى اقترب ذلك الذي اشتعلت نيرانه..
تقدَّم نحوها بخطواتٍ متسارعة كمن فقد صوابه، وكلِّ خطوة تشعل الغضب أكثر..
اقترب، ثم سحب كفَّها بقسوةٍ وسط دهشة الجميع:
_ امشي قدَّامي يامحترمة!
توقَّفت فجأة، تشدُّ يدها من قبضته بعنفٍ وغضبٍ جارف:
_ إنتَ إزاي تسمح لنفسك تعمل كده اتجنِّنت، وبعدين بتراقبني ليه، جاي الكلية ليه أصلًا؟! ابعد عنِّي!!
وقبل أن تكمل، ارتسمت على وجهه ملامح الجنون، وارتفعت يده بصفعةٍ صاعقة على وجهها..ولم ير سوى يد ذلك الشخص تتحسَّس جسدها.
شهقةٌ علت من حولهم، ومع ذلك، لم يتوقَّف وسحبها بغضبٍ جارف، تقدَّم منها ذلك الشاب يحاول التدخُّل، فوقف أمامها مدافعًا:
_ في إيه ياضي، مين ده؟
غلت الدماء في عروقه، قبض على عنق الشاب بقبضةٍ من نار ولكمه بعنفٍ أسقطه أرضًا، وصاح مزمجرًا:
_ أنا خطيبها ياحيوان! واحمد ربِّنا إيدك لسة سليمة.
ثم أمسك ذراع ضي بقسوةٍ وهي مازالت في حالة ذهول من فعلته، دفعها نحو سيارتها:
_ يلَّا على العربية!
أشار للحارس الخاصّ بها وهو يفتح الباب:
_ وصَّل الأنسة لحدِّ البيت فورًا.
اقترب منها وهمس بجانب أذنها بصوتٍ منخفض لكنَّه أشبه بصفير أفعى:
_ أقسم بالله…ماهرحمك لو ماسمعتيش الكلام.
تجمَّدت في مكانها، من انفاسه النارية، وعيناها ترتجفان بالدموع والذهول، بينما اقتربت إحدى الفتيات بخطواتٍ متردِّدة:
_ دكتور يوسف…روحت فين؟ كنت بدوَّر عليك!
استدار ببطء، يسحب أنفاسه محاولًا كبح الغليان الذي بداخله، ثم قال بابتسامةٍ مصطنعةٍ وعيناه لا تزالان تحترقان بالنظر إلى ضي:
_ آسف يامروة..يلَّا، اتأخَّرنا.
مساء اليوم..
ترجَّلت من سيارتها مع خروج يوسف، الذي قطَّب جبينه ناظرًا إلى ساعته:
_ كنتي فين ياحبيبتي؟
_ كنا بنحتفل بعيد ميلاد ضي، همَّا جايين…
لم تكمل حديثها، إذ توقَّفت سيارة «غرام»، ونزلت منها ضي مسرعةً نحو يوسف، وجهها مشتعلاٌ بالغضب:
_ كنت فين حضرتك؟! بقالك أربع ساعات!
زوى حاجبيه بدهشة، ثم قال بحدَّة:
_ وإنتي مالك، اتجنِّنتي يابت ولَّا إيه؟
قالها تزامنًا مع خروج أرسلان وحمزة من المنزل:
_ إنتَ بتكلِّمني كده ليه؟
اقترب منها خطوة، عينيه تنغرز في عينيها مباشرة:
_ ضي، متنسيش نفسك..إنتي لا أختي، ولا ليكي حق تسأليني كنت فين.. خلِّيكي في نفسك، عندِك أخوكي أهو اتحكِّمي فيه.ولو على اللي حصل النهاردة فدا علشان عايزة تأهيل تربية
قبل أن ينهي كلماته، كانت قبضتها قد انغرست في صدره بلكمةٍ قوية أذهلت الجميع..
صرخت بغضبٍ مجنون:
_ لا ياحبيبي! أنا أكتر واحدة ليَّا الحق فيك، سمعتني؟!
تطلَّع إليها مذهولًا، عيناه كادتا تخرجان من محجريهما من الصدمة، فتابعت بانفعالٍ أشدّ، وصوتها يعلو وسط وجوه العائلة المذهولة:
_ أنا بقولَّك قدَّام بابا، ياابن عمِّي..إنتَ حقِّي أنا، واخبط دماغك في مليون حيطة!
قالتها تزامنًا مع خروج «الياس» و«ميرال».
اقترب منها إلياس بخطواتٍ سريعة، وجهه يشتعل غضبًا:
_ بتِّ إنتي اتجنِّنتي؟!
غرست عينيها في عينيه متحديَّة، وهمست بصوتٍ منخفضٍ لا يسمعه سواه:
_ والله لأدفَّعك حقِّ القلم غالي ياابن عمِّي…
ثم استدارت نحو والدها تهتف:
_ الدكتور المحترم راح الجامعة وقال لكلِّ الدفعة إنِّي خطيبته!
مش كده يادكتور، مش دا إعلان رسمي؟
رفعت ذقنها وقالت متحديَّة:
_ والصراحة أنا مش هلاقي أحسن منَّك ياابن عمِّي ياجميل.
شهقاتٌ متتالية خرجت من الجميع، ماعدا «الياس» الذي كان يراقب نظراتها الثابتة نحو ابنه، ثم رفع صوته الهادر قائلًا:
انتهى الفصل اتمنى ينال اعجابكم
ورجاء متنسوش التفاعل عليه
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله الجزء الاول من هناااااااااا
الرواية كامله الجزء الثاني من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا
تعليقات
إرسال تعليق