القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل التاسع 9بقلم الكاتبة شهد الشورى

 



رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل التاسع 9بقلم الكاتبة شهد الشورى






رواية ما ذنب الحب الجزء الثاني لرواية (ضحايا الماضي) الفصل التاسع 9بقلم الكاتبة شهد الشورى





#الفصل_التاسع

#رواية_ما_ذنب_الحب

#الجزء_الثاني_لرواية_ضحايا_الماضي

#الكاتبة_شهد_الشورى

#حصري

برغم ثقل الحزن الذي خيم على أجواء العائلة في الأيام الماضية، جاء خبر حمل ريماس، ابنة سارة وزوجة ياسين ابن ادم العمري الأكبر، ليزرع السعادة وسط كل تلك الهموم، كان الخبر مختلفًا، فهو يعني قدوم أول حفيد للعائلة، روح جديدة ستطل على عائلة العمري 


في جلسة جمعت نساء العائلة، حيث كان الضحك مترددًا رغم القلوب الحزينة، لم تستطع مهرة كتمان لسانها، فمالت على فرح، زوجة أمير، وقالت بخبثٍ ظاهر :

ما تكشفي على مراة ابنك يا فرح، أختها حامل دلوقتي، وهي لا حس ولا خبر، اهو نشوف التأخير من مين بقى؟


تجمد الجو للحظة، وجوه النساء تعكرت، بينما خفَضت ريماس بصرها وهي تشعر بالحرج، لم تكن حزينة من تأخر الحمل، فما زال زواجها قريبًا، لكن كلمات مهرة المسمومة كانت كشوكة في قلبها


هنا، وقفت سارة، أمها، وصوتها يحمل حدة غير معهودة :

الزمي حدودك يا مهرة، بناتي خط أحمر، لما كنتي بتهبلي في كلامك معايا كنت بفوت واعدي، لكن كلامك السم على بناتي مش هقبله انتي فاهمة


حاولت فرح أن تهدئ الجو، فقالت برفق :

خلاص يا جماعة، حصل خير


ثم التفتت إلى مهرة، وكلماتها هادئة لكنها حادة :

اتكلمي في اللي يخصك يا مهرة بعد كده، انما تتجاوزي حدودك تاني مرة مش هسكتلك، واحمدي ربنا ان ابني مسمعش كلامك ده، وإلا ماكنش هيحصل طيب


هنا تدخلت زينة، كبرى النساء، وقالت بهدوء :

خلاص بقى، استهدوا بالله، اقعدي يا سارة حقك عليا انا انتي وبناتك، وانتي يا فرح، اقعدي معلش


ثم التفتت إلى مهرة، وكلماتها خرجت بغضب لم تستطع كتمانه :

اقعدي يا مهرة، وخليكي محضر خير، الدنيا ولعة كفاية، وكلامك زي البنزين عالنار، اهدي، وسيبينا نفرح من غير ما تنكدي علينا


لكن مهرة صرخت وقد اشتعلت الغيرة في عينيها :

قصدك إيه يا زينة، أنا عملت إيه لكل ده


زفرت حياة بضيق، وقد نفد صبرها :

خلصنا بقى يا مهرة، مش عارفة تسيبينا نقعد في هدوء؟! ارحمينا شوية، احنا مش ناقصين، مستكترة علينا حتى الفرحة دي


هنا انفجرت مهرة أكثر، وصراخها يعلو بغصب :

وانتي مالك إنتي، ده بيتنا وإحنا أحرار فيه، إنتي هنا مجرد ضيفة، مش أكتر، وأنا أتكلم مع اللي يعجبني ومحدش ليه عندي حاجة، عشنا وشوفنا الضيوف يتحكموا في أصحاب البيت


الكلمات سقطت كالصاعقة، فجأة جاء صوت أوس وقد سيطر عليه الغضب العارم، أمسك بذراع مهرة بقوة وهو يصرخ :

إيه اللي بتقوليه ده، إنتي اتجننتي يا مهرة؟!


توتر الجو أكثر، والكل خاف أن يتفاقم الأمر، أما آدم، فظل واقفًا، يراقب بصمت، منتظرًا رد فعل أخيه الأكبر، لأنه يعرف أن تدخله قد يزيد الطين بلة 


صوت أوس كان يعلو وهو يكاد ينفجر :

بتطردي أختي من بيتها، مين سمحلك بكده، ازاي جاتلك الجراءة تعملي كده، إرحميني بقى أنا هلاقيها منك ولا من البلاوي اللي بتحصل، ارحميني يا مهرة إحنا اللي فينا مكفينا بدل ما تساعدي، بتزودي النار، بدل ما تركزي مع غيرك شوفي ولادك، ومصايبهم، أنا تعبت.......والله تعبت منك


كان وجه أوس محمرًا، أنفاسه متقطعة، وصوته يخرج متحشرجًا من صدر مثقل، اقتربت حياة منه بخوف، تحاول تهدئته :

أوس، اهدى بالله عليك


لكن صرخته جاءت أقسى من كل ما سبق :

مش قادر، أنا تعبت وجيبت آخري، هلاقيها منين ولا منين، من بنتي اللي ماشية بدماغها، ولا من حمزة ومالك،ولا منك إنتي يا مهرة اللي عمرك ما سبتيني أرتاح، كل يوم قرف ومشاكل خلاص مبقتش قادر


ساد الصمت لثوانٍ، والكل مذهول من انهياره، عندها صرخت مهرة، دموعها تنهمر، لكن كبرياءها يسبقها :

طالما شايف وجودي تقيل عليك كده.....طلقني، خليني أروح لحالي، كفاية عليك هم ولادك، بقى بعد العمر ده كله، وجودي بقى حمل عليك يا أوس


كانت كلماتها كالسكاكين، ظلّت تكرر وتعاتب، وأوس ينظر إليها بعينين فارغتين من كل شعور سوى الإنهاك


اقترب منه توأمه ريان، وقال بقلق :

اقعد يا أوس شكلك ضغطك علي تاني


لكن أوس أبعد يده، وصعد إلى غرفته، مثقلًا بكل ما بداخله، لم يكن يريد أحدًا.....أراد فقط أن يهرب من كل هذا


شعرت حياة بوجعه، فلحقت به، وحين التقت عينيها بعينيه، انهار، ودموعه سقطت رغماً عنه، وارتمى في حضنها كطفل جريح، ضائع، ضمته بحنان الأم وقالت بصوت مخنوق :

حقك عليا يا أخويا، ابني هو اللي مسببلك القلق والخوف ده كله، حقك عليا، أنا اللي معرفتش أربي.....سامحني


أجابها أوس بصوت مبحوح متعب :

حمزة ومالك


شهقت حياة وسألته بقلق :

مالهم؟!!


تكلم بلا خوف ولا مواربة، إذ يرى في حياة مرآة قلبه، تصغي بصمتٍ حكيم، كأنها تحمل عنه أعباء الكلام، وتعيده إليه أكثر وضوحًا، ولطالما أيقن أنها أرجحهم عقلًا وأقربهم فهمًا، حتى أنها تستمع، ولا تفشي سرًا :

بيحبوا عشق......بنتك


تجمدت حياة، لا تصدق ما سمعت، فقالت بذهول :

حمزة بيحب عشق، طب مالك ايوه أصدق، ده حبهم باين للكل، لكن حمزة.....إزاي يا أوس؟!


رد أوس بتشتت :

مش عارف يا حياة، أنا تايه وخايف، خايف عليهم هما التلاتة، ومش عاوز أظلم واحد فيهم ولا أظلم بنتك معاهم، عشق ومالك حبهم لبعض واضح، وانا عارف ابني كويس، عارف إن مالك لو اكتشف إن أخوه بيحبها، هيختار يدفن حبه جوا قلبه عشان ما يجرحش حمزة، بس وقتها هيبقى ظلم ليه ولعشق

أما حمزة، أنا مش قادر اصدق، بس أنا متأكد......


أطرق لحظة، ثم أضاف بألم :

متأكد إن حمزة مش بيحب عشق من قلبه، لكنه طالع.......


لم يطاوعه قلبه قولها، فقالت حياة بحزن :

طاله لأمه.....مهرة !!!


ساد صمت ثقيل، حتى تمتم أوس بوجع أكبر :

يوم عن يوم، بحس إني عايش مع واحدة غريبة يا حياة، معقول دي مهرة اللي حبيتها، واللي اخترتها، مين دي اللي عايشة معايا دلوقتي، أوقات بحس مش اني مش طايقها، وأوقات بلاقي راحتي بعيد عنها، وساعات بتخيل بعدي عنها بحس اني مخنوق، انا مش عارف اي اللي بيحصل يا حياة


تنهد بحنين للماضي بكل ما فيه، ثم قال :

عارفة رغم كل اللي حصل زمان بس انا بحن للماضي بكل اللي فيه، بحلوه ومره، كانت فاكر ان الحزن خلاص فارقنا من بعد ما وقفنا على رجلينا من تاني، وخدنا حقنا بس الظاهر مش مكتوب علينا الفرح


تنهدت حياة بعمق، ثم قالت :

مفيش حاجة بتفضل على حالها يا أوس، دوام الحال من المحال، وهي الدنيا كده يوم حلو ويوم وحش، احنا عدى علينا كتير واستحملنا، وكملنا، وصدقني كل حاجة هتبقى تمام بس احنا مش لازم نستسلم، اللي شوفناه زمان مش سهل، ومع ذلك كملنا، وهنكمل طول ما كلنا مع بعض، دلوقتي كل واحد فينا عنده عيلة يا أوس مبقيناش بطولنا زي الأول، لازم نحارب عشان اولادنا كلنا، ومتخافش على ليلى


صمتت للحظات ثم تابعت بقليل من المرح :

ليلى قدها وقدود، وهي عارفة هي بتعمل اي كويس اوي، اما عن حمزة فمسيره في يوم يتقبل الحقيقة، مهما كان حمزة فيه عيوب، بس الأصل هيغلب، ده ابننا وتربيتنا، ودمنا واحد هو بس هيتعصب شوية، بس هيهدى، في الأول والاخر مالك اخوه، ويتمناله السعادة، ومع الوقت هيكتشف انه مشاعره ناحية عشق مش حب 


ابتسم أوس بسخرية ولم يجيب عليها، حمزة ابنه، وهو ادرى به، يعلم ان الأمر لن يمر بتلك السهولة !!!


كانت حياة تقف أمام أخيها أوس بهدوءٍ يشبه وقار الماء قبل أن يُلقى فيه حجر، نظرت إلى وجهه المرهق بعينين دافئتين، ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيها، ثم قالت بصوتٍ ناعم :

أما بخصوص مهرة، مش هقولك غير اسأل قلبك، حاسس بإيه، قلبك بس اللي يعرف إذا كنت لسه بتحبها ولا خلاص مابقتش شايفها زي الأول، قلبك اللي هيعرف إذا كانت المشاكل الكتير اللي بينكم هي الحاجز بس، ولا العلاقة خلصت ومافيش فايدة منها


في الخارج، كانت مهرة واقفة خلف الباب، أنفاسها تتلاحق، وعينيها تتسعان كلما تسللت الكلمات إلى أذنها، فقد صعدت وراء أوس حين رأت حياة تصعد نحوه، والغليان يعتصر صدرها، كانت متأكدة أن حياة ستنتقم منها وتشحنه ضدها استمعت لكل حديثهما لكن قلبها لم يسمح لها أن تنتظر وتفهم مغزى حياة الحقيقي،  فسرت الكلمات على هواها، على أسوأ احتمال، واعتقدت أن حياة تحرض أوس عليها ليتركها !!


لكنها لم تنسى أبدًا ما سمعته عن عشق، وأنها تحب مالك، وابنها الآخر قام بطلب يدها، كان عقلها يدور بمكر، تفكر كيف ترد الضربة لحياة حتى لو كان ذلك على حساب أقرب الناس إليها وتعاسة الباقين، غادرت وهي تزداد تفكيرًا في تلك الفكرة السوداء التي خطرت على بالها، فكرة شيطانية تنمو بداخلها مثل نبات سام


أما في الداخل، اقتربت حياة من أوس أكثر، قائلة بتردد :

أنا هقولك حاجة يا أوس، بس أنا مش بفرض عليك، إحنا خلاص كبرنا وأولادك كبروا، ومهرة مهما كانت بتتصرف بعصبية شوية، بس هي نفسها هتفضل مهرة حبيبتك وأم أولادك......أولادك اللي عاشنهم حاول معاها مرة، وعشرة ان شاالله مليون، لحد ما ترجعوا زي الأول وأحسن، إنتوا الاتنين مالكوش غير بعض يا أوس


أوس تنهد تنهيدة طويلة، ثم جذب أخته إلى حضنه، يحتضنها بامتنانٍ صادق، شعر وقتها كم أن وجود شخصٍ يسمعك وينصحك وكأنه مرآتك أمرٌ نادر، شعر كم هو محظوظ بأخته العاقلة التي تفهمه جيدًا، ليس هو وحده، بل كل إخوته كانوا دائمًا يرون في حياة شخصًا......لن يتكرر !!!

...........

كانت صافي تتجول في أرجاء النادي، عيونها تفتش عن إياد، قلبها يلهبها غضبًا على جراءته البارحة، لم تجده، فسألت هشام ابن عمه بحدة :

ابن عمك فين؟


سألها هشام بفضول :

عاوزاه ليه؟


ردت عليه بصبرٍ نافذ :

اخلص، أنا مش فايقالك، فين ابن عمك؟


أخبرها على مضض، فانطلقت بخطوات متسارعة، والغيظ يتصاعد في صدرها تجاهه، سألت عليه في الشركة، فقالوا لها إنه في مكتبه، دخلت دون طرق الباب، فوجدته يستند بجسده على المكتب مقابل الباب، وما ان رأها تمتم بمكر :

اتاخرتي ليه؟ أنا مستنيكي من بدري


اغلقت الباب بعنف، واقتربت منه، رفعت يدها تريد ان تصفعه، لكنه أمسك بها بقوة، شدها نحوه ونظر في عينيها بغضب قائلاً بحدة :

ماسبقش إني سمحت ولا هسمح لحد يرفع إيده عليا


حاولت الإفلات، لكنه كان أقوى منها، فجزت على أسنانها وقالت بنفاد صبر :

ابعد


ابتسم إياد قائلاً بوقاحة :

يرضيكي أسيبك من غير ما أدوق التوت من تاني، ده حتى يبقى حرام


شعرت بغضب أشد، فردت عليه بشراسة :

حرمت عليك عيشتك


ضحك ببرود قاصدًا استفزازها :

وأهون عليكي


اندفعت نحوه، عضت كتفه بقوة، فتركها، لكن لم تهدأ، هجمت عليه وبدأت تضربه وهو يحاول إبعادها، حتى ثبتها أخيراً فصرخت عليه بغضب :

إياك تقرب مني أو تلمسني تاني، والله العظيم هقول لبابا، أنا مش هكست، أنا مبحبش قلة الأدب


توقفت فجأة، الدموع تلمع في عينيها، فتعجب إياد، واقترب منها يسألها بقلق :

مالك يا صافي؟


انفجرت بالبكاء، بسبب قلبها المثقل بالذنب من قربه منها البارحة، وقالت بغضب ودموع :

أنا مش كده، ومش عاوزة حد يشوفني كده، أنا عمري ما غلطت، عمري ما اتعرضت للموقف ده، حاسة بالذنب، حاسة إني مجرمة، قلبي واجعني، أنا عمري ما هسامحك لأنك قربت مني بالطريقة دي......


قالت كلماتها، وانسحبت مسرعة، وكأنها تهرب من نفسها قبل أن تهرب منه، الذنب يثقل صدرها، ينهش قلبها كلما التقت عيناها بعيني والدها أو أي أحد 

قبلة فُرضت عليها عنوة، كادت تستسلم لها يوم الحفل، لولا أنها انتفضت في اللحظة الأخيرة، فحمدت ربها على نجاتها

تعرف جيدًا أنها ليست ملاكًا، هي إنسانة تضعف وتخطئ....

لكن ظهور إياد قلب موازينها، بعثر يقينها، وجعلها أسيرة ارتباكٍ دائم، تكذب لتخفي، وتخفي لتنجو، وما بين الحقيقة والستر تتآكل شيئًا فشيئًا......


بينما كانت تنزل الدرج، دون أن تشعر، وضعت قدمها في الهواء بدلًا من السلم، وفي لحظة خاطفة، اختل توازنها وسقطت بعنف على الدرج !!


عمت الفوضى المكان، صرخات متداخلة وصوت ارتطام جسدها لا يزال يتردد في أرجاء المبنى

السكرتيرة هرعت نحو إياد، بأنفاس متلاحقة، تخبره بفزع :

البنت اللي كانت عند حضرتك، وقعت من على السلم


ركض إياد بكل ما يملك من قوة، والخوف ينهش قلبه

أول ما وصل، رآها ملقاة على الأرض فاقدة الوعي، دماؤها تنزف بغزارة من رأسها، والناس تحيط بها مذهولة

بلا تفكير، انتزع قميصه وربطه على رأسها محاولًا وقف النزيف، وكل ثانية تمر كانت كأنها دهر !!!!!


في تلك اللحظة، وصل والده جلال، ورأى المشهد فشهق مذعورًا وركض خلف ابنه الذي كان يحمل صافي بين ذراعيه كأنها أغلى ما يملك


يركض بها بلهفة نحو أقرب مستشفى، بينما والده يلحق به، في الطريق، أخرج هاتفه واتصل بوالدها آدم يخبره بما حدث


انقلبت الدنيا في العائلة رأسًا على عقب، الجميع ترك كل شيء وهرع للاطمئنان عليها، والقلق يخيم على قلوبهم كظل ثقيل !!!!!!!

.............

بخطوات متسارعة وغاضبة، اقتحم يونس باب الفيلا الخاصة بنوح، الحراس حاولوا منعه، لكن قوته وعصبيته جعلاه يتجاوزهم بسهولة، ودخل إلى الداخل، صوته يعلو بنداء موجه لنوح :

نــــوح


تجمع الحراس حوله محاولين كبح جماحه، لكنه لم يلتفت، أشار لهم نوح ببرود :

سيبوه


وقف الاثنان وجهاً لوجه، راس برأس، والصمت يثقل المكان حتى كسر نوح الصمت بنبرة هادئة لكنها حادة :

خير، جاي ليه


نظر يونس إليه باحتقار، وعيونه مشتعلة بنار الغضب، كل ذكريات القهر والظلم الذي ألحقها نوح بقمر تتدفق في قلبه بلا هوادة، لم يستطع السيطرة على نفسه، فانطلقت لكماته بعنف، ارتد نوح إلى الخلف، لكن يونس لم يترك له فرصة، واستمر بالهجوم عليه حتى استعاد نوح توازنه، وبدأ الاشتباك العنيف بينهما !!!


لكن فجأة، ظهرت بسمه، اخت نوح الصغيرة، والتي كانت في منتهى الجمال والبراءة، تقف على السلم، اقتربت منهما محاولة صد يونس عن أخيها


لكن نوح جذبها من يدها وقال للخادمة :

طلعها أوضتها فوق


ابتعدت بسمة، عيونها تتابع المشهد بارتباك، غير قادرة على فهم ما يحدث، بينما يونس التفت إلى نوح، يمسح الدم عن شفتيه قائلاً بغضب وسخرية :

على حد علمي دي تبقى اختك، ماخوفتش واحد ندل وزبالة زيك يضحك عليها ويعمل فيها اللي عملته في قمر


ابتسم نوح بسخرية لاذعة، وقال :

وهي بسلامتها بعتاك انت تاخد حقها، حضرتك حامي الحمى يعني، أومال أبوها وأخوها فين، مالهمش لسان يجوا يدافعوا عن بنتهم، ولاالرجولة عندهم بتظهر في القتل بص


اشتعل غضب يونس من كلامه عن عمه أدهم وسليم، النار التي في قلبه لن تهدأ إلا بموت نوح تراجع الاثنان بعد اشتباك عنيف، وملامح وجهيهما تحمل آثار الضرب والاحتقان


سأله يونس بغلٍ وحقد :

اتجوزتها إزاي، عرفي ولا رسمي، وفين ورقة الجواز


رد عليه نوح بفظاظة :

وأنت مال أهلك؟


اقترب يونس، يجز على أسنانه، قبض على ثياب نوح بغضب، قائلاً :

قسماً بالله العظيم، لو ما نطقت، لادفنك هنا، اتجوزتها إزاي يا ابن ال......


دفعة نوح بعيداً عنه، ونظراته الثاقبة مليئة بالسخرية :

انت بتحبها ولا إيه، مالك بتدافع عنها كده، وجاي عاملي فيها السبع رجالة في بعض


تابع نوح بسخرية، وقد شعر بالغيرة منه، لكنه لم يظهر ذلك :

بعد اللي عملته، انت هتقبل بها، وهتفضل بتحبها، أنا لو منك أبعد عنها، عملت كده معايا، ما بالك بعدين هتعمل إيه، طلع نفسك برا الموضوع ده يا بن العمري، الموضوع بيني وبين أدهم أبوها


رد عليه يونس بسخرية وهو يدفعه بخشونة :

طالما الموضوع بينك وبين ابوها يا دكر، ماروحتش ليه بنفسك ليه وخلصت الموضوع معاه، بدل ما تلف ع الحريم، ايه رجولتك يلا ما بتظهرش غير ع الستات


تمالك نوح نفسه، واقترب منه قائلاً بخفوت ومكر :

اعتبرها زي ما تعتبرها، بس نصيحة ابعد عن طريق قمر، عشان ما نزعلش مع بعض، وانا زعلي وحش، وانت عندك اللي تخاف عليه......


ابتعد قليلاً ثم قال بتهديد صريح :

على حد علمي عندك اخت..... وحلوة اوي


لم يستطع يونس كبح غضبه، واستمر في ضربه بعنف، دون توقف، حتى تدخل الحراس، وتمكنوا أخيراً من إخراجه من الفيلا، لكنه ظل يصرخ، يهدد بالانتقام، وعقله يغلي، لا يعرف ماذا يفعل وسط هذا التعقيد


بينما في الأعلى، كانت بسمه داخل غرفتها، والخادمة سهير بجانبها، تبكي خوفاً، تشير لها ان تكتب لها ما يحدث بالأسفل


تنهدت سهير بحزن، وكتبت لها على ورقة :

اخوكي ماشي في سكة نهايتها وحشة يا بنتي، ومراة ابوكي العقربة مساعداه على كده


كانت بسمة تغرق في مرارة القهر، تحمل في قلبها شعورًا يفتك بها كلما تذكرت عجزها عن الكلام والسمع كغيرها من البشر، وُلدت هكذا، بآثار مضاعفات عصفت بوالدتها لحظة المخاض، فجاءت إلى الدنيا محاصرة بالصمت


غير أن ما كتبته لها سهير، المربية التي لازمتهم منذ الصغر، زاد جرحها اتساعًا، فقد روت لها أنها التقطت حديثًا بين نوح وسمر، اعترف فيه بزواجه من قمر زواجًا عرفيًا، مستغلاً ضعفها وتشتتها في ذلك اليوم، كما اعترف بجريمةٍ أشد هولًا

شقيقها انتهك براءة قمر ابنة أدهم الجارحي !!!!


أضافت سهير أيضًا إن الشاب الذي كان يتشاجر مع نوح بدا وكأنه قريب قمر، يحاول أن يعلم ما جرى ويُلملم الفضيحة التي ارتكبها نوح، لأنها قد سمعت نوح حين سأله ذلك الشاب لماذا لم يأتِ أهلها لمواجهته بأنفسهم؟ ولماذا اكتفوا بإرسال رجلٍ غريب مكانهم، ثم أضافت سهير أنها رأت نوح يخبئ ورقتي الزواج العرفي في خزانة مكتبه !!!


كلمات سهير سقطت على بسمة كالصاعقة، لم تتخيل أن يصل بأخيها الأمر إلى هذا الحد، أن يرتكب فعلاً دنيئًا بحق فتاة بريئة لا ذنب لها سوى أن أباها قاتل، تمتم قلبها بآيةٍ طالما وجدت فيها العدل "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى"

بكت بحرقة، واشتد حقدها على سمر، تلك التي تتظاهر بالطيبة بينما حقيقتها لا تخفى على بسمة، وفي اللحظة ذاتها كرهت ضعفها وصمتها، لكنها أقسمت ألا تبقى أسيرة لعجزها بعد الآن


كانت المرة الأولى التي تشعر فيها أن عليها أن تواجه، أمسكت القلم، وخطت على الورق كلمات قليلة دفعت سهير إلى الارتباك، وزرعت في قلبها خوفًا وتردداً !!!!!

...........

كانت ريما تقف في غرفتها، تحدق في صورتها في المرآة بعينين تقدحان شررًا، والغضب يتصاعد من أعماقها كدخان كثيف، وهي تتوعد لليلى بالانتقام، أغمضت عينيها تستحضر تلك الليلة المشؤومة، ليلة رحيل أختها، وكيف رتبت كل شيء بإحكام حتى يقتنع يوسف بأن أهله هم من قتلوا أروى، تتذكر كيف استغلت وجود عائلة يوسف وليلى في بيت أختها صدفةً، وكيف حبكت الفيديوهات والاتهامات والأدلة لتغلق عليه الدائرة


عادت ذاكرتها إلى آخر حديث دار بينها وبين أروى قبل سنتين، بتلك الليلة......


كانت ريما تصرخ في وجه أختها اروى، بغضب :

خليتي باتفاقنا يا أروى، قولتي هتساعديني أتجوز يوسف زي ما هساعدك تقربي من أبوه بدر، قربتي من يوسف، اخدتيه ليكي، وانتي عارفة إني بحبه وهموت عليه


ردت عليها أروى ببرود وهي تشعل سيجارة وتنفث دخانها بهدوء :

قولت بس ماحلفتش !!!!


لمعت عينا ريما بالغل وهي تسمع أروى تتابع ببرود :

أصلاً يوسف ما كانش شايفك، يعني لا بمساعدتي ولا بغيرها كان هيعبرك، انتي بالنسباله هوا، ومش ذنبي إنه أعجب بيا أنا مش انتي


صرخت عليها ريما بغضب، وقد شارفت على الجنون :

وبدر اللي فلقتيني بحبه، فجأة كده مبقاش عاجبك


ابتسمت أروى بسخرية، وقالت بهيام :

مين قالك مبقاش عاجبني؟ بدر هو الوحيد اللي أتمنى يشاركني حياتي، ولما رفضني، ما كانش قدامي حل غير إني أقرب من يوسف، عشان أكون جنبه، شوية وقت وهخلص من مراته، وهيكون ليا لوحدي


صرخت ريما والغصة تكتم صوتها :

عشان تعيشي مبسوطة، تدمريني، تاخدي مني الحاجة الوحيدة اللي اتمنتها، تاخدي الشخص الوحيد اللي حبيته؟!


ردت عليها أروى ببرود، وهي تلعب بخصلات شعرها :

أنا ما أخدتش منك حاجة. يوسف ما كانش ليكي من الأول يا ريما، وحتى لو كان معاكي، أنا ماضربتهوش على إيده عشان يجيلي، هو اللي جه من نفسه


ثم مررت يديها على جسدها بفخر، وقالت بغرور :

مش ذنبي إني أحلى منك بكتير، ولا ذنبي إن كل اللي يشوفني بيقع في حبي من أول نظرة


ارتجف صدر ريما وهي تسمع كلمات أختها والغل يتصاعد في أعماقها، فقالت باحتقار :

ما شفتش أوَسخ منك !!


ضحكت أروى بسخرية، واقتربت منها، قائلة بتحدي :

ولا أنا شوفت زيك يا روحي، ومن الآخر لا تعايريني ولا أعايرك، أنا وانتي ما نتخيرش عن بعض، يمكن انتي أسوأ كمان، على الأقل أنا ما بسحبش الشباب بجسمي عشان أدخلهم في تجارة المخدرات، وما بستدرجش البنات عشان أبيعهم، وما بابتزش الناس بفيديوهات شمال، انتي كلبة فلوس.....عابدة للقرش زي ما بيقولوا 


ثم نظرت لنفسها في المرآة بغرور، وابتسمت قائلة :

إنما أنا.....


قاطعتها ريما تصرخ بغل، وحقد :

انتي زبالة وأنانية، نسيتي إنك انتي اللي دخلتيني الشغل ده، فجأة لما بطلتي وبعدتي بقيتي انتي النضيفة الطاهرة وأنا الزبالة الرخيصة


ردت عليها أروى ببرود متعمد :

انا ماقولتش......انتي اللي قولتي


ثم تابعت ببرود حتى تستفزها :

وبعدين العبرة بالنهاية، أنا بطلت، وانتي كملتي، يبقى الزبالة هي انتي......مش أنا يا رورو !!


جزت ريما على أسنانها من الغيظ، وتمتمت بغل :

بطلتي عشان لقيتي صيدة سهلة تعيشي عليها، الواد أو أبوه مش فارقة، المهم فيه فلوس


ردت عليها أروى بسخرية :

مشكلتك انك فكراني زيك، أما أنا لما بحب بعمل أي حاجة عشان أكون مع اللي بحبه، أما انتي كلبة فلوس، زي ما قولتلك، انتي عارفة إنه مفيش فيكي أي حاجة تتحب يا روحي، ده حتى ماما الله يرحمها ما عرفتش تحبك، هتلاقي مخلوق يحبك إزاي، ده بابا نفسه بيلعن اليوم اللي اتولدتي فيه، ومستحملك بالعافية بسبب قرفك، ولا يوسف اللي مش معبرك، ولا ياسر اللي كنتي هتموتي عليه.....بس اختارني أنا


اقتربت منها أروى أكثر، عيناها تتوهجان بالغرور :

انتي طول عمرك غيرانة مني، لأني أحسن منك في كل حاجة، أخدت كل اللي انتي مش قادرة توصلي ليه، هتموتي على يوسف، عشان هيموت عليا أنا، مش عليكي أنتي


ثم أعطتها ظهرها وهي تقول بغنج، متعمدة إثارة غضب الأخرى :

لو خلصتي اللي جيتي عشانه، امشي، أصل يوسف حبيبي جاي بليل ومعاه المأذون، عايزة أجهز قبل ما الناس توصل، أصله مستعجل اوي ع الجواز، وهيموت عليا، امبارح قضينا سوا ليلة ولا في الأحلام.......آآه


لم تشعر أروى إلا والسكين في ظهرها، والدم يتفجر من جسدها، لقد استسلمت ريما لحقدها، وعقلها تغيب من شدة الغل، وبدأت تطعنها بجنون، طعنة بعد طعنة، حتى انطفأ صوت أروى، وسقطت على الأرض غارقة في دمائها.....

بل فارقت روحها جسدها !!!


استفاقت ريما من شرودها على صوت هاتفها الذي يرن، كان يوسف هو من يتصل بها، يريد رؤيتها، أغلقت معه بلهفة، وأغمضت عينيها بنشوة انتصار، كل شيء يسير كما خططت أمسكت السلسلة التي تتدلى منها صورة تجمعها بأختها أروى تتعمد ارتداءها أمام يوسف


ياليت أروى، أدركت فقط أن يوسف ليس كغيره......

يا ليتها أدركت قبل فوات الأوان !!!

...........

بعد وقت، جلست ريما أمام يوسف، تتقن رسم ملامح الغضب والانكسار على وجهها، كأنها ممثلة بارعة تجيد استخدام الألم قناعًا لتخفي وراءه خبثها، تعمدت أن تجعله يرى فيها ضحية، أن يستشعر الذنب كلما نظر إلى عينيها، حتى بات قلبه مثقلًا بما أوحت به حكايتها الصامتة


وبالفعل، لم يلبث يوسف أن انحنى برأسه قليلًا نحوها، وصوته يخرج مثقلًا بالجدية والندم :

تتجوزيني يا ريما؟!


رفرفت أهدابها كمن لا يصدق، وانحنى فمها بانكسار مصطنع، بينما في أعماقها صرخة انتصار تتعالى، تخفيها ببراعة تحت دموع مدروسة وحركة ارتعاش محسوبة !!!!


يتبع.......


#تكملة_الفصل_التاسع

#رواية_ما_ذنب_الحب

#الجزء_الثاني_لرواية_ضحايا_الماضي

#الكاتبة_شهد_الشورى

#حصري

عمت الفوضى ممرات المستشفى بعد أن تجمع عدد كبير من أفراد العائلة للاطمئنان على صافي، وحتى تلك اللحظة، لم يخرج الطبيب الذي كان عمها "ريان" ليُخبرهم بحالتها


كانت نظرات آدم، رغم القلق البادي عليه، مُصوبة بقوة نحو إياد الذي وقف مرتديًا تيشيرتًا بلا أكمام، ويداه مُلطختان بالدماء، يسير جيئةً وذهابًا في الممر بعصبية، لم يَغِب عن آدم لهفة الشاب وهو يركض تجاه ريان بمجرد ظهوره ليسأله عن صافي قبل الجميع......بل حتى قبله هو


فتقدم آدم بخطواتٍ متوترة ووقف أمام ريان، أخيه، وصوته مليء بالقلق :

بنتي عاملة إيه يا ريان، بنتي كويسة، مش كده


أجابه ريان وقد رأى الخوف في عينيه رغم محاولته التماسك :

ما تخافش يا آدم، هي كويسة الحمد لله، الجرح كان عميق شوية، بس قدرنا نسيطر عليه ووقفنا النزيف، هتحتاج راحة بس.....عدت على خير يا أخويا، ما تقلقش


تنفس الجميع الصعداء، وكان أولهم إياد الذي سأل بلهفةٍ واضحة :

طب نقدر ندخل نطمن عليها ونشوفها


لاحظ جلال لهفة ابنه، فتقدم، وقال بنبرةٍ متحفظة يخشى بها إثارة غضب، وشكوك آدم :

الحمد لله إنها عدت على خير يا آدم، ربنا يطمنك عليها


أومأ آدم برأسه وقال بنبرةٍ غامضة ذات معنى :

الحمد لله يا جلال، تفوق صافي بالسلامة، ولينا قاعدة


ارتبك جلال وهو يدعو في نفسه أن يكون ابنه بريئًا مما حدث، فهو يعلم أن آدم لا يرحم من يتعرض لأحدًا من عائلته، أما إياد، فلم يهتم سوى بصافي، فسأل مجددًا بقلقٍ ظاهر :

نقدر ندخل نطمن عليها


نظر ريان إلى آدم، الذي التفت نحو إياد وقال بصرامة:

تعبناك معانا انهاردة يا إياد، شكرًا على مساعدتك لبنتي، تقدر تروح ترتاح، زمانك تعبت، وإحنا هنقوم باللازم


كان إياد على وشك الاعتراض، لكن والده جلال قبض على يده قائلاً لأدم :

ألف سلامة عليها يا آدم، وإن شاء الله لما تخرج نبقى نيجي نعمل الواجب ونطمن عليها، لو احتجت أي حاجة كلمني


صك إياد على أسنانه بغيظٍ مكتوم، فقد أراد فقط أن يراها ويتأكد من سلامتها، لكنه مضى على مضض، وقد قرر أن يعود لاحقًا ليراها خفيةً، غادر الاثنان تحت أنظار آدم وإخوته، وكلهم يحملون شكوكًا تجاه إياد وما إذا كان له يد فيما حدث


غادر الجميع، ولم يتبقى سوى آدم وزينة التي كانت منهارة في البكاء، ترفض الرحيل قبل أن تطمئن على ابنتها، حاول ياسين، ابن آدم، إقناعهم بالعودة للبيت، لكنه اضطر في النهاية أن يغادر ليوصل زوجته ثم يعود مجددًا لهم 


قرب الفجر، كان إياد يسير بحذرٍ في الممرات خافتة الإضاءة، يلتفت حوله كل بضع ثوانٍ، حين تأكد أن آدم وابنه ذاهبان للصلاة، تسلل إلى غرفة صافي، فتح الباب بخفة ودخل، ليجدها قد بدأت تفيق ببطءٍ من أثر التخدير، وتتأوه بألمٍ خافت


اقترب منها بلهفةٍ وقلقٍ ظاهر، أمسك بيدها، هامسًا برفق :

انتي كويسة، طمنيني عليكي، يا صافي


نظرت إليه لثوانٍ مرتبكة، تحاول استيعاب ما يجري، ثم سألته بدهشةٍ وهي تتلفت حولها :

أنا فين، وانت بتعمل إيه هنا


أجابها بسرعة قبل أن يدخل أحد عليهما :

بعد ما خرجتي من مكتبي الصبح، وقعتي من على السلم، فنقلتك للمستشفى، اهلك موجودين هنا 


ارتبكت وقالت بخوفٍ واضح :

وطالما هما هنا، إنت بتعمل إيه، امشي قبل ما حد يشوفك، انا مش عايزة مشاكل


اقترب أكثر، وامسك يدها برفقٍ ممزوجٍ بالحنان والقلق :

مقدرتش أستنى من غير ما أطمن عليكي، كنت هموت وأنا مش عارف انتي عاملة إيه


حدقت صافي فيه للحظات، وقد استشعرت الخوف والقلق في نبرته، فقالت بهدوءٍ يمتزج بالخجل وهي تسحب يدها من بين يديه :

انا كويسة، امشي بقى ارجوك


اقترب منها إياد في هدوءٍ، ثم طبع قبلةً خفيفة على جبينها، هامسًا لها بتصميم :

الكلام بينا ماخلصش، لسه بينا كلام كتير، بس لما تخرجي من هنا، مستحيل اللي بدأ بينا ينتهي كده بسهولة


رمقته صافي طويلًا وهو يغادر الغرفة بخطواتٍ هادئة، ثم وضعت يدها على جبينها، تشعر بخفقانٍ قوي في صدرها، فهمست لنفسها بحيرة :

قلبي بيقولي إن اللي بيني وبينك لسه ما انتهاش، وان اللي هعيشه معاك لسه اكتر بكتير


في تلك اللحظة خرجت زينه من الحمام، اندفعت نحو ابنتها تقبلها وتبكي بحرقة، بينما كانت صافي تحاول تهدئتها


في الخارج، كان إياد يسير مبتعدًا حين فوجئ بظهور ياسين أمامه، قائلاً بدهشة :

انت بتعمل إيه هنا في وقت زي ده.....؟!!


ثم تبعه صوتٌ صارم جعل إياد يتجمد في مكانه، انه والدها آدم الذي اقترب منه بهدوء غامض :

بتعمل إيه هنا دلوقتي؟


ابتلع إياد ريقه وقال بهدوء، محاولًا التماسك امامهما :

بابا بعتني أطمن وأسأل لو محتاجين حاجة


رد عليه آدم ببرودٍ حاد :

كنت هتصل


ثم أضاف بصرامةٍ أكثر :

كنت هتصل لو فيه حاجة، وبعدين هو السؤال بيكون قرب الفجر كده


ارتبك إياد، فتقدم منه آدم وربت على كتفه بنبرةٍ حازمةٍ تخفي وراءها تهديدًا صامتًا :

الوقت اتأخر يا ابن جلال، روح بيتكم، ولينا قاعدة بعد ما صافي تخرج من هنا


انصرف إياد مضطربًا، يشعر بثقلٍ في صدره وهيبةٍ غريبة تملأ المكان كلما تحدث والدها.....آدم


سأل ياسين والده بهدوءٍ وهو يراقب ملامحه الجامدة :

حضرتك ناوي على إيه، وبتفكر في إيه بالظبط؟


أجابه آدم بغموض :

مش بفكر، خلينا نروح نطمن على أمك وأختك


اقترب آدم من ابنته، وقال بحنان وقلق :

انتي كويسة يا حبيبتي، حاسة بتعب


ابتسمت له صافي وقالت بحب :

انا كويسة يا بابا، متقلقش


داعبها شقيقها ياسين بمرح :

طول عمرك بتعملي مشاكل، ومصايب


ضحك الجميع، لكن آدم ظل يحدق فيها بنظراتٍ فاحصة قبل أن يسألها بجدية :

ابن جلال الخولي هو اللي جابك هنا


ارتبكت وقالت بتوترٍ واضح :

انا مش فاكرة اللي حصل بالظبط، كل اللي فاكره إني وأنا نازلة السلم دوخت، وماحستش بحاجة بعدها 


سألها آدم بصرامةٍ :

وانتي كنتي هناك ليه أصلاً؟


تدخلت زينة قائلة بانزعاج :

آدم، مش وقته، البنت لسه تعبانة


لكنه تجاهلها وأعاد السؤال بنبرةٍ حادة :

جاوبيني يا صافي، كنتي هناك ليه؟


ارتبكت وقالت متلعثمة :

أصل من يومين قابلت بنت في النادي، واتعرفنا على بعض، نسيت معايا حاجة خاصة بيها، حبيت ارجعها ليه بس هي كانت مشغولة ومش فاضية، فعرضت عليها اوصلها انا ليها بدل ما تسيب شغلها، وطلعت بتشتغل هناك 


نظر إليها آدم طويلًا بعدم تصديق، ثم سألها مجددًا :

متأكدة


أومأت له بتوتر، فسألها بشك :

وقعِتي بالغلط ولا حد اللي أذاكي يا صافي؟


أجابته صافي بذهول :

اكيد بالغلط يا بابا، هو أنا ليا أعداء يعني، أنا بس دوخت ووقعت، هو ده اللي حصل 


حرك رأسه ببطء، محاولًا إقناع نفسه ان ابنته لا يمكن ان تكذب عليه، لكن الشك ظل يُساوره !!!!


في اليوم التالي، عادت صافي إلى بيتها، وجلست معها جوان، ابنة عمها أمير، التي بدأت حديثها بحماسٍ كعادتها :

كان جان يا بنتي، وهو شايلك كده بين ايديه، الدنيا كلها اتقلبت، صوركم ماليه السوشيال ميديا، لا، وكمان خالع القميص رابطلك بيه الجرح، لو تشوفيه وهو رايح جاي قلقان عليكي ونسي إن ابوكي واقف، وجري يسأل عمك بنفسه عن حالتك، وكل اللي على لسانه ينفع نطمن عليها، ونشوفها


سألتها صافي بتوتر :

تفتكري هو بيلعب بيا يا جوان 


ردت عليها جوان بنبرةٍ يغلب عليها الوضوح والقوة، بينما عيناها تحملان صدقًا لا يحتاج إلى قسم :

شوفي يا صافي، من ناحية الحب، هو مشاعره فاضحاه، الحب محدش يقدر يزيفه كتير، وبيبان خصوصًا في المواقف اللي زي بتاعت امبارح، في الأزمات يعني


صمتت للحظة، ثم تابعت بثباتٍ جعل كلماتها أشبه بحكمٍ لا يقبل النقاش :

بس برده، ده مش مقياس، لو بيلعب بيكي علاقتكم هتفضل في الضلمة، إنما لو شاريكي بجد، لازم علاقتكم تكون في النور، خصوصًا إنه معندوش حجج يتهرب بيها، ابوه ويعرف ابوكي، وصحاب من زمان، عيلته محترمة ومعروفة، متعلم احسن تعليم، شغل وبيشتغل، يعني لا محتاج يكون نفسه، ولا كل الحجج الفارغة المعروفة دي


اقتربت منها وقالت بهدوء أقرب للهمس :

اسأليه يا صافي، هو عاوزك في الضلمة ولا في النور،  وقتها بس هتعرفي الإجابة


ساد الصمت بينهما طويلاً، كأن الكلمات التي نطقت بها جوان كانت أثقل من أن تمر مرورًا عابرًا في ذهن صافي

كانت عيناها شاردتين في الفراغ، كأنها تحاول أن تُمسك بخيطٍ من اليقين وسط فوضى المشاعر التي تلتهمها ببطء،

بين الخوف والرجاء، كانت روحها تتأرجح، تبحث عن إجابة تُطمئنها، أو تُنهيها


هل كان حبّ اياد صادقًا حقًا....؟!

أم كان مجرد لعبةٍ من ألعاب الهوى العابرة.....؟!

تعرف جوان تمام المعرفة، باندفاعها وجرأتها، بصراحتها التي تُوجع لكنها لا تخيب، ومع ذلك كانت تخشى


خوفها من الخذلان كان أقوى من رغبتها في التصديق،

وما بين صوت قلبها الذي يهمس باسم اياد، وصوت عقلها الذي يذكرها بواقعية الوجع،

كانت صافي تقف على حافةٍ رفيعةٍ من التردد،

تُصارع فكرة أن تُحب من لا تملك يقينًا بنوره،

وأن تُسلم قلبها لظل قد لا يُريد الظهور للعلن


ففي داخلها كانت تعلم دون أن تقولها بصوتٍ مسموع 

أن الحب في الظل، مهما كان عميقًا،

يظلّ ناقصًا كقمرٍ جميلٍ، لكن محجوبًا عن السماء

............

كانت حياة جالسة في حديقة الفيلا، والوجع يثقل ملامحها كأن الحزن سكن في عينيها منذ زمنٍ بعيد

كانت تشعر بضعفٍ غريب، بانكسارٍ لم تعرفه من قبل

فوجع الابن، ليس كأي وجع.....انه كسرٌ لا يُجبر، وجرحٌ لا يلتئم مهما مرت السنين


دخل مالك ابن أوس من بوابة الفيلا بخطواتٍ واثقة، وما إن وقعت عيناه عليها حتى اقترب منها بابتسامةٍ دافئة وقال بحب :

اخبار حضرتك إيه يا عمتي؟


ابتسمت حياة ما ان رأته، وقالت بحنان :

أهلاً يا حبيبي، إزيك عامل إيه؟


رد عليها بهدوء :

بخير طول ما إنتي بخير يا عمتي، أنا بس كنت جاي أطمن عليكي، وأشوفك محتاجة حاجة ولا لأ


ابتسمت حياة بخفوت، وقال بمكر :

بتطمن عليا أنا ولا على غيري يا ابن أوس


ضحك بخفةٍ وتلاعب وهو يقول :

عليكم كلكم يا عمتي، مش إنتوا أهلي ولا إيه


ضحكت حياة عليه، وهي ترى فيه مزيجًا من الهدوء يشبه به ريان، والمكر الذي ورثه من أبيه، فردت عليه بمشاكسة :

على العموم، كلنا دي موجودة جوه في الصالون


ابتسم بخفة وقال متلاعبًا :

طب هقوم أسلم عليهم


وقبل أن يذهب، عاد وقبل رأسها بحب ومرح :

هو أنا ليا غيرك يا عمتو، والله بموت فيكي


ضحكت حياة بخفوت، وهي تراقبه يدخل بخطواتٍ سريعةٍ، تعرف أن قلبه يسبقه لداخل الفيلا......حيث توجد عشق


لكن ما لبثت ملامحها أن تغيرت للقلق حين رأت سارة تدخل عليها والغضب يتطاير من وجهها، وما ان اقتربت منها سارة صرخت بصوتٍ حاد، وغاضب :

شوفي بقى يا حياة، أنا جبت آخري من مراة أخوكي العقربة دي، بناتي جايبين آخرهم منها، بسبب كلامها السم اللي مش بيخلص، وأنا خلاص مش قادرة أستحملها أكتر من كده


هدأتها حياة وأجلستها قائلة :

اهدي بس، اقعدي، وخدي نفسك الأول


لكن سارة صاحت بعصبية :

بلا اهدي بلا زفت، إنتي عرفاني يا حياة، والله لأرجعلها سارة بتاعت زمان اللي بتعايرني بيها في الرايحة والجاية، وألبسها مصيبة وأخرب بيتها لو ما بعدتش عن بناتي، أنا معنديش أغلى منهم وانتي عارفة ده كويس 


تنهدت حياة وقالت بنبرةٍ فيها قليل من المرح :

طب اهدي كده يا سرسورة، انا وانتي عارفين كويس، إنك ما تقدريش تعملي كده، راحت عليكي خلاص


ضحكت سارة بخفوت، وبدأ الغضب يتراجع عن ملامحها، وقالت وهي تبتسم بمرحٍ باهت :

فين أيام زمان دي، وحشتني أمجادي


ردت حياة بغيظٍ خفيف :

دي كانت قاذورات، مش أمجاد، امحيها من ذاكرتك يا ماما


قهقهت سارة وقالت بغيظ :

واللي يعرف مرات أخوكي دي يعرف ينسى، دي حقنة اعوذ بالله منها


ضحكت حياة بخفوت ثم سألتها بحيرة، وحزن :

تفتكري أنا غلطت معاها؟ عشان تكرهني كده؟


ردت عليها سارة بعقلانيةٍ غير معتادة منها :

لأ يا حياة، مهرة قلبها أسود وغلاوية

اللي زيها مهما عملتي خير ليهم عمرهم ما بينسوا الوحش، حتى لو ما كنتيش غلطانة، وحتى لو غلط بدون قصد،

كمان هي عندها عقدة نقص، بتحس إن الكل أحسن منها، وده مخلي عندها حقد غريب

شايفاكي واخدة دور هي شايفة نفسها أولى بيه، ومكان ما قدرتش توصله، وبدل ما تطور نفسها، فضلت تكره وتغل

إحنا اللي اتأخرنا في فهمها، وعلى رأي المثل تعرف فلان، اه، عاشرته، لأ، تبقى متعرفهوش


أومأت حياة برأسها والحزن يعصر قلبها :

مش صعبان عليا غير اخويا أوس، ميستاهلش كده


ردت عليها سارة بهدوء :

كل إنسان وليه آخر، وأخوكي مش هيفضل صابر عليها كتير


ظلت حياة صامتة، فتابعت سارة بحدةٍ ممزوجة بالشفقة :

وبعدين إنتي مالك قاعدة كده ليه؟ مالك يا بت؟ فُوقي بقى،

كبرتي خلاص وقررتي تستسلمي، لو دي حياة بتاعة زمان كانت حلت كل ده، مش قعدت تندب حظها


نظرت لها حياة بعيونٍ مليئة بالحزن وقالت بقهر :

وجع الابن غير أي وجع يا سارة، حاسة اني مكسورة، وحيلي مهدود


ردت عليها سارة بقوةٍ حانية :

ابنك محتاجلك يا حياة، اللي إنتي فيه ده مش هيساعده، مينفعش تفضلي تتفرجي عليه وهو بيغرق كده


حركت حياة رأسها بصمتٍ، فتابعت سارة بدعم :

روحيله يا حياة، ولو عايزة أكون معاكي مفيش مشكلة


همست حياة بألمٍ موجع :

من اللي شوفته منه، وقسوته علينا، كل ما أقرر أشوفه، قلبي بيتقفل......مش قادرة أسامحه


ربتت سارة على يدها وقالت بحزن عميق :

حاسة بيكي، بس انتي أم، والأم ما تقدرش تقسى على عيالها، أول ما هتشوفيه، هتنسي كل حاجة، كلنا اتوجعنا زمان، يا حياة، وعايزين ننقذ ولادنا قبل ما يعيشوا نفس الوجع


ابتسمت حياة بامتنانٍ صامت، لكن سارة تذكرت شيء فجأة فقالت بحدة :

نسيت أقولك مش نسرين رجعت


اعتدلت حياة فجأة، والقلق ظهر على وجهها، وهي تسألها :

طب واولادها، والياس عمل إيه، عرفتي منين انها رجعت


ردت عليها سارة بحزنٍ واضح : 

كنت عندهم من يومين، ومراة أخوه قالتلي، سيدرا ساكتة من ساعتها، ويونس كسر الأوضة باللي فيها ومحدش فيهم بيكل، والياس حاول معاهم، ومش عارف يتصرف


تنهدت حياة وقالت بضيق :

مش عارفة إيه اللي رماه الرمية دي، ساب كل البنات وراح يتجوز نسرين، وهو أكتر واحد عارف حقارتها


زفرت سارة فسألتها حياة باهتمام :

صحيح ليان بنتك عاملة ايه


ردت عليها سارة بغيظ :

افتكري ليا سيرة احسن من كده، ده فاقعة مرارتي، وحارقة دمي البت دي اوي يا حياة 


ضحكت حياة بخفوت وقالت :

ليه بس؟ دي عسل يا شيخة


زمت سارة شفتيها وقالت بغيظ :

طول ما قلبها مع ابن مهرة، عمرها ما هترتاح


ضحكت حياة بخفوت وسألتها :

طب وإيه يعني؟ القلب وما يريد


صرخت سارة بانفعال :

إن شالله عنه ما راد، كفاية إنكم أقنعتوني أجوز بناتي في بيت واحد مع مهرة دي، عايزة كمان بنتي التالتة تدخل البيت ده؟ وكمان تبقى مهرة حماتها، دي هتوريها النجوم في عز الضهر


قهقهت حياة وقالت بمكر :

بس بننتك قوية زيك، ميتخافش عليها، ليان بالذات هتطلع على مهرة القديم والجديد كله


نفت سارة برأسها، وقالت بحسمٍ شديد : 

بنتي مستحيل تتجوز ابن مهرة، والله تبور جنبي ولا تتجوز الواد ده، أنا مش مستغنية عنها يا حياة، وبعدين حمزة عمره ما شافها ولا فكر فيها، وهي مسيرها تنساه، محدش بيموت من الحب


تنهدت حياة وقالت بنبرةٍ عميقةٍ حزينة :

الحب هو السبب في كل حاجة عايشينها يا سارة، هو أصل الوجع كله، مش شرط بين حبيب وحبيبته، لأ، حتى حب الأهل، وحب الولد، وجعهم واحد


صمتت سارة متأثرة، في ذات اللحظة دخل الياس عليهما، فابتسمت حياة وقالت بخفة لسارة :

هو إنتو يا تغيبوا خالص، يا تهلوا عليا في وقت واحد مع بعض


ضحكت سارة بخفوت، فاقترب منهما إلياس وقال بمرح :

مهما عدت سنين لحد دلوقتي مش قادر اقتنع ان انتوا الاتنين مع بعض كده


ردت عليه سارة، وهي ترفع يدها أمام وجهه :

قل اعوذ برب الفلق، الله أكبر، سمي الله يا اخويا هنولع واحنا قاعدين بسببك


ضحك إلياس وقال لسارة بمرح :

بقيتي ست وام مصرية أصيلة يا سارة


ضحكت حياة أيضًا، قبل أن يسألها الياس :

فين جوزك، المفروض مستنيني


خرج بدر في تلك اللحظة من المكتب بعدما سمع صوت ضحكهم العالي، وقال بنبرةٍ مليئة بغيرةٌ لم تهدأ رغم السنين :

مادخلتش ليا على طول ليه لما جيت؟ إيه اللي موقفك معاهم


ضحكت حياة بخفوت، وكذلك الياس وسارة التي قالت مازحة :

ليه حد قالك ان احنا اشباح، ده لو كان دخل من غير ما يسلم علينا، كنت طلعت عينه


ضحك إلياس، وحياة بخفوت، فجذبه بدر بخفةٍ ودخلا المكتب، وما دار بينهما نزل على بدر كالصاعقة !!!

.............

وقف إلياس على ضفة النيل، متوارٍ عن الأنظار، يراقب المياه بشرود، منتظرًا نسرين التي استدعتِه وهددته إن لم يأتي لرؤيتها، ستخبر أولاده بسرٍ سيبدل نظرهم إليه، كان قلبه مشدودًا، لا شيء عنده أهم من أولاده، وخوفه الأكبر ان يخسر كل الحب، والاحترام، الذي بناه في أعينهم بسبب ماضٍ يود لو طمسه إلى الأبد


اقتربت نسرين منه بخطىٍ ثابتة، وبدون تمهل قالت بحدة :

كل اللي جرالي بسببك


انفجر إلياس في وجهها غاضبًا، وقد انفلتت اعصابه :

اسمعي، للصبر حدود، وربنا العالم انا ماسك نفسي ازاي عنك، ولولا أولادي اللي سكت عشانهم زمان كان زمانك في قبرك، جيبي من الاخر وقولي اللي عندك، بدل اسطوانة كل مرة اللي بتسمعيها ليا


ردت عليه نسرين بغل، وغضب متأجج :

أنا خسرت كل حاجة بسببك، خسرت أولادي، وبدر زمان برده بسببك، أنا اللي دفعت تمن انتقام رخيص، وانت السبب


تقلص جبين إلياس، وسألها بحدة :

انتي بتخرفي؟ بتقولي إيه؟ عاوزة تحمليني سبب رخصك؟


صرخت عليه نسرين بغل :

الزبالة اللي شوفتني معاه من سنين مكنش هدفه أنا، كان هدفه انت، قرب مني عشان ينتقم منك، عشان أخته اللي انت خطبتها وقت ولما شكيت إن حياة بتخونك، أخته انتحرت بعد ما فسخت خطوبتك منها، لأنها كانت بتحبك وإنت ما كنتش داري بيها، هو كان ناوي يدمر عيلتك ويخسرك كل حاجة، زي ما أخته ماتت بسببك، وأبوها وأمها ماتوا من الحزن عليها، كان ناوي يفضحك، بس مات في حادثة بعد اللي عمله بأسبوع، وإنت اللي طلعت ملاك، وأنا اللي طلعت شيطانة في عين ولادي، والولد اللي كنت حامل فيه لما روحت واجهته ضربني لحد ما أجهضت


استمع إلياس لكل ما قالت بصدمة، لكنه صرخ عليها بنفور :

هو برده ضربك على ايدك عشان تخونيني معاه، ضربك على ايدك عشان تترمي في حضنه يا رخيصة، ضربك على ايدك وقالك سيبي ولادك واهربي بره البلد بعد ما اموت، اللي هددك غار في داهية ومات بعد أسبوع واحد، مفكرتيش ليه ترجعي لأولادك وتشرحي ليا اللي حصل، مبعتيش رسالة ليه حتى تتطمني على اولادك، واحدة غيرك كانت فضلت مرمية قدام باب القصر مستنية تلمح بس طيف ولادها، لكنك هربتي عشان تتحرري زي ما كنتي عاوزة وتعيشي حياتك، انتي رخيصة من يومك، وانا اللي نضفتك لما خليتك تشيلي اسمي، وياريتك قدرتي النعمة، وصونتيه


رفع اصبعه بوجهها، وقال بصوتٍ مَليءٍ بالتهديد :

لو شوفتك قريبة من ولادي تاني أو حاولتي بس تقولي ليهم اي حاجة عن الماضي وتدمري نفسيتهم، هفضحك، وهقولهم السبب الحقيقي لغيابك السنين اللي فاتت دي كلها، وقد اي انك واحدة واطية، ورخيصة، ده غير اني همحيكي من على وش الدنيا، مستغنية عن عمرك جربيني، وشوفي اللي هعمله فيكي


قال ما قاله وغادر بحدة، تاركًا خلفه صدى غضبه يختلط بصوت الموج

أما نسرين، فظلت واقفة في مكانها، عيناها تقدحان شررًا، وملامحها تنطق بحقدٍ مكتوم، تنوي له كل شر، لكنها آثرت الصبر، فالصبر في قلبٍ مثل قلبها لم يكن ضعفًا، بل كان انتظارًا للفرصة المناسبة للانتقام !!

............

على الجانب الآخر، كانت شدوى تمسك الهاتف بيدٍ مرتجفة من شدة الغضب، والقهر، وصوت رجلٍ غاضبٍ يتفجر من السماعة، صوته يحمل تهديدًا صريحًا :

جرى يا روح أمك، بقالك دلوقتي أسبوعين وأكتر وماعملتيش حاجة، اسمعي يا بت انتي، آخرك معايا نهاية الشهر ده، لو مجبتيش اللي اتفقنا عليه، هطلع بروحك في إيدي، صور المحروس توصلني أول الشهر، سمعاني


أغلق الخط في وجهها بعنف، فظلت جامدة في مكانها، تحدق في الفراغ بعيونٍ تملؤها الحسرة والرعب

أطلقت تنهيدة متهدجة، ولسانها يلعن اليوم الذي عرفت فيه نوح، واليوم الذي صدقته فيه ووهبته قلبها قبل جسدها،

كانت تظنه حبها، رجلها، سندها.....

لكنها لم تكن سوى نزوةٍ عابرة في حياته، نزوة انتهت حين كشف وجهه الحقيقي، حين صارت صورها في قبضته سلاحًا يهددها به كلما شاء


سنين عاشتها مخدوعة، والخذلان فيها أوجع من الخيانة نفسها، ولو كانت بقيت في غيبوبة الوهم، لكان أهون من يقظةٍ على قبح الحقيقة


صحيح، انها لم تكن ملاكًا، وهو لم يتعرف عليها في جامع كمان يقال، لكن الله وحده يعلم أن ما حدث كان غصبًا عنها، لم يكن بإرادتها ولا رغبتها، بل خوفًا وتهديدًا وانكسارًا،

وإن كان في حياتها ذنب ارتكبته برضاها، فكان قربها من نوح تلك اللحظة التي ظنتها حبًا صادقًا، وهبته قلبها وجسدها،

لم تدرك أنها في الحقيقة كانت تسلمه نفسها ليكسرها !!!


في خضم شرودها، انفتح باب البيت بهدوء، ودخلت فيروز بخطواتٍ متعبة، وجهها باهت، وجسدها منهك


رفعت شدوى رأسها نحوها، تحاول أن تخفي قلقها خلف نبرةٍ حادة :

مالك بتطوحي كده ليه، ما تصلبي طولك يا بت


لكن فيروز لم تجب عليها، خطت خطوتين، ثم هوت أرضًا فاقدة للوعي، فصرخت شدوى بفزع، وهرعت نحوه بقلق :

فيروز، فيروز ردي عليا، فيكي اي!!!!


لكن جسد أختها ظل ساكنًا، وحرارته تشتعل كالجمر،

شهقت شدوى حين لمست يديها :

يا نهار أسود ده انتي مولعة


رن الجرس فجأة، فنهضت مسرعة لتستنجد بمن جاء، ركضت إلى الباب، فتحته لترى وجه سليم الذي بدا مذهولًا من اضطرابها، لم تمنحه فرصة للحديث، وقبضت على ذراعه بعنف قائلة :

سليم، فيروز اختي وقعت، وأنا مش عارفة اعمل اي، ساعدني الله يخليك


دخل سليم بسرعة، وانحنى بجوار فيروز، وضع يده على جبينها، فاتسعت عيناه قلقًا الفتاة حرفيًا تغلي من شدة الحرارة، رفع نظره نحو شدوى وقال بصرامة :

البسي بسرعة لازم نوديها المستشفى


نظرت حولها بخوفٍ وارتباك، لم تفكر كثيرًا، كانت أنفاسها تتسارع، وقعت عيناها على إسدال فيروز الملقى على الكرسي بإهمال، فأسرعت نحوه، وارتدته دون تردد !!!!


لأول مرة، ومن دون أن تعي الأمر أو تنتبه، ارتدت شدوى شيئًا غطى جسدها بأكمله


ثم لحقت بسليم، الذي حمل فيروز بين ذراعيه، وركضوا بها مسرعين نحو أقرب مستشفى، بينما حرارة جسدها المرتفعة لا تبشر بالخير ابدًا !!!!

............

كانت خطوات يوسف تتقدم نحو بيت أهله الذي تركه منذ سنتين، وقف للحظات أمام البوابة يتأملها بصمتٍ غريب، وكأن المكان كله يهمس له بذكرياتٍ لم تهدأ حين دخل، دار بعينيه في الأرجاء، يتلمس الأثاث، رائحة الجدران، وصدى أصواتٍ غابت منذ زمن، كم اشتاق !!

كم تمنى، في تلك اللحظة، لو أنه لم يعرف "أروى" قط، ولا ذاق مرارة الحب الذي بدل ملامح حياته


لم يكد يخطو بضع خطوات داخل الفيلا حتى لمح مروان ينزل الدرج، التقت أعينهما في نظرةً طويلة، بعد سنوات من الغياب، كانت مزيجًا من الشوق والغضب.....والخذلان


اقترب مروان منه، وصوته يحمل حدة لم يستطع إخفاءها :

خير، ولا أقولك شر إيه اللي جايبك المرة دي يا يوسف


أجابه يوسف بهدوء، محاولاً التماسك :

ازيك يا مروان؟


ضحك مروان، وقال بسخرية مريرة :

خسرت حق السؤال ده من زمان، كان المفروض تسألني لما جيتلك لندن وما رضيتش تقابلني، كان المفروض تسأل لما أنا وإخواتك كنا بنتصل بيك نطمن عليك وانت حتى ماكلفتش نفسك ترد، وتطمنا، خسرت حق السؤال ده وخسرت حاجات كتيرة اوي


تجاهل يوسف كلماته، وسأل بهدوء مرة أخرى :

ابوك فين؟


اشتعل مروان غضبًا، وتقدم نحوه بخطوات سريعة :

بتسأل ليه؟ ناوي تعمل فيهم إيه تاني؟ مش كفاية اللي عملته قبل كده، ناوي توجعهم أكتر، لسه النار اللي جواك مابردتش، ناوي تخسرنا اي تاني، اللي يخلي تكتفي، ويطفي النار اللي انت مشعللها جواك بسبب اوهام 


ارتفع صوت يوسف وقد بدأ الغضب يسيطر عليه :

خليك بره الموضوع يا مروان، مالكش دعوة


صرخ عليه مروان بمرارةٍ أكبر : 

بره الموضوع !!

انت اللي خليتنا انا واخواتك جوه الموضوع، دخلتنا جواه لما شيلتنا الليلة مع ابوك وامك حتى لو ظلم، شيلتنا الليلة لما رميت كل حاجة ورا ضهرك وشعللت الدنيا بين الكل، وضيعت سعادتنا، انت اناني، غبي، ومتستاهلش ليلى ولا كل الحب اللي بتحبه ليك


رد عليه يوسف بحدة وهو يحاول كبح أعصابه :

رد عليا احسنلك يا مروان مش وقت الكلام ده.....ابوك فين 


دفعه مروان بصدره بغضب :

ولو ما ردتش؟ هتعمل إيه يعني؟


تنفس يوسف بعنف، وصوته ارتجف من شدة الضغط الذي يشعر به الآن :

مروان، أنا على آخري.....ما تخلينيش أغلط


ضحك مروان بسخرية، وقال بتحدي وغضب :

لا، اغلط، وريني هتعمل ايه يا كبير


في لحظةٍ واحدة، فقد يوسف سيطرته، ولكمه بقوةٍ في صدره، تراجع مروان عدة خطوات، ثم رد اللكمة بأقوى منها، تعالت الأصوات وتبادل الاثنان الضربات بعنف، لم يكن كرهًا، بل كان وجعًا تراكم في القلب حتى انـفـجـر


في وسط العراك، نزلت غنوة الدرج تحمل أدوات التنظيف، فشهقت بصوتٍ مرتجف وهي ترى الوضع أمامها، ركضت تحاول ان تبعد ذلك الشاب الغريب عن مروان، وهي تصرخ طالبة النجدة


لكنها لم تعرف أنها تتدخل في حربٍ مشتعلة منذ أعوام، حاولت أن تبعد مروان، وفي لحظة تدافعٍ غير محسوبة، دفعتها الأيدي، فاختل توازنها وسقطت بقوةٍ برأسها، على طرف الطاولة !!!!


غابت غنوة عن الوعي تمامًا، وتجمع أهل البيت على صرخات الفزع، الكل جرى نحوها مذهولًا من المنظر


مروان ويوسف يتعاركان، وغنوة ممددة على الأرض غارقة في دمائها، ساكنة لا حراك فيها


كانت حياة أول من وصلت، وما إن وقعت عيناها على المنظر حتى تجمدت في مكانها، شحب وجهها، وارتجفت شفتاها، لم تحتمل الصدمة فسقطت ارضًا !!!!!


لم تكن حياة تتخيل يومًا أن ترى أولادها بهذا الشكل

لقد أفنت عمرها لتجمعهم، تراهم الآن يتناحرون أمام عينيها كأعداء......


كم هو قاسٍ أن يتحول البيت الذي كان يومًا مأوى للحنان إلى ساحةٍ للغضب

وكم موجع أن يُكسر قلب الأم على يد من كانت تدعو لهم بالحفظ ليلاً ونهارًا


لم تكن تتخيل أن يأتي ذلك اليوم......ابدًا لم تتخيل !!

لكنها الآن تدرك أن بعض الجراح لا يصنعها الغريب، بل من سكنت أرواحهم قلبها يومًا

...........

البارت خلص ♥️

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملة الجزء الاول1 من هناااااااااا

الرواية كاملة الجزء الثاني2 من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا

تعليقات

التنقل السريع
    close