القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية خطأي أنني أحببته الفصل التاسع 9 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات

 رواية خطأي أنني أحببته الفصل التاسع 9 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات 





 رواية خطأي أنني أحببته الفصل التاسع 9 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات 



 #خطأي_انني_احببته

#حكايات_mevo

البارت التاسع..مرّت الأيام، وياسين قلبه ينهشه الوجع على بُعد مرام عنهم، وكان ينتظر ابتعاد محمود بفارغ الصبر.

كلّما تخيلها معه، كان قلبه يأكله وتنهش الغيرة أحشاءه. لقد صار خارجا عن السيطرة، ينفعل لأتفه الأسباب، وتضيق به الحياة في غيابها.


همس باسمها كمن يستدعي روحه، كان الاسم وحده وجعا ودواء في آنٍ واحد.


ومع ذلك، ما كان يسكن ناره أنَّه سمعها  تقول إنها لا تحبه،  أفعالها معه يوم مرضه كانت تنطق بغير ذلك...

كانت تخاف عليه دون أن تعترف، تقترب منه بحذر، وكأن قلبها يفضحها رغما عنها.


وجاء اليوم المنتظر...

كانوا قد أعدوا حفلا ضخما بمناسبة المناقصة الكبرى التي جلبها فادي، والتي ستحدث نقلة نوعية في الشركة.

وقد أشرفت مرام على إعداد جزء كبير من الحفل، وشاركها فادي بكل حماس.


وحين جاء الموعد، كان ياسين وفادي يقفان في استقبال الحضور، ولم تكن مرام قد حضرت بعد.

إلى أن حدث ما لم يتوقعه...


دخلت القاعة ممسكة بذراع محمود، وعلى وجهها ابتسامة دافئة كأنها تنتمي لعالمٍ لا يعرف الألم.

تجمد ياسين في مكانه، تاه صوته، واختنقت أنفاسه للحظة.


كانت فاتنة بكل معنى الكلمة.

فستانها الفيروزي ينسدل برقة حول خصرها ثم يتسع تدريجيا، قصيرٌ يكشف عنقها وذراعيها المتلألئين كأنهما مرسومان من ضوء بخيوط الفضه.

وقد رفعت شعرها لأعلى، فبرزت ملامحها الناعمة، وجعلها النور تبدو كلوحة لا تُنسى.


كانت فتنة تمشي على الأرض، تسحر العيون وتخطف الأنفاس.

أما محمود، فكان أنيقا، يقف بجوارها بثقة وهدوء، وكأنهما زوجان سعيدان يكمّلان بعضهما.

اشتعل قلب ياسين بالغضب، وتحول وجعه إلى نار متأججة، وهم أن يذهب إليها، لكن فادي أمسكه سريعا من ذراعه وهمس بنبرة حازمة:


ـ "اهدى يا ياسين، اهدا وعدي الليلة دي على خير... ما تعملناش فضيحة في ليلة مهمّة زي دي، اعقل كده."


كان ياسين قد بلغ من الغيظ ما بلغ، فهتف بصوتٍ متكسّر بالغضب، تكاد أنفاسه تحرقه:


ـ "مش قادر يا فادي... مش قادر! أنا عايز أروح أموتها وأخلص عليه... هطلع روحه في إيدي! مش قادر... هاموت والله! انت مش شايف منظرهم؟! مش حاسس بالنار اللي جوايا؟ الواد قافش فيها... هاموت! ولبسه إيه دي! مبينالي درعاتها... يا مصيبتك يا ياسين! الواد استحالة بيحبها... كان قطم رقبتها على فستانها ده! إيه أريل بسلامته! هاموت... أخبيها إزاي وهي قافشه في الواد كده... عبوشكلك ما شفتش دراعتها وجسمها اللي مبيناه... منك لله... 


ضغط فادي على ذراعه أكثر، وصوته يخرج متوسلاً مزيجًا من الخوف والغضب:


ـ "اهدى كده... ما تفضحناش! ابعد عنها خالص عشان ما تفضحهاش قدام الناس... خليك هنا شوية تهدى."


وقف ياسين يلتهم روحه بنظراته، وهو يرى يدها في يد محمود، وكأنها سكين مغروس في صدره.

تمتم وهو يحدّث نفسه في غضبٍ مكتومٍ يتكسّر على أطراف شفتيه:


ـ "منك لله يا بعيد! قافش في البت، والهانم عاملة عرض دراعات! وسيادته واقف ولا حتى زعلان! وأنا مقهور أروح فين! انت ما عندكش إحساس؟ ما بتحسش أنا والع وانت واقف فاتح ضبتك وبتضحك على إيه؟! والبت قالعه جنبك؟ منك لله... هوت ! انت عيل بارد... وأريل!"


كانت أنفاس ياسين تتلاحق، وصدره يعلو ويهبط كوحشٍ مكبّل في قفص، وكل ما حوله يبهت إلا يد مرام في يد محمود، تلك اليد التي كانت يومًا تمسك قلبه...


اشتعلت الغيره  في صدر ياسين كشرر يتطاير.قلبه يكاد ينفجر من غيظ لا يُطاق، وهمّ أن يندفع نحوها، لكن فادي تدارك الموقف وتحرك سريعا ليتجه إلى مرام مرحبا بها وبـمحمود، وقف بجانب محمود قليلاً وشرع يتحدث معهما في أي شيء يخفف التوتر.


كان في محيطهم من يغلي بشدة من الغيظ:

ـ "عبوشكلك طب لبسها غطيها مبسوط بايه؟! اروح اقتله دلوقتي يا عالم!  قايدة نار. 


لم تزدِ هذه الكلمات إلا وقودا للنار داخل ياسين، فرأى فادي يبتسم ببرود مصطنع وهو يحيي الحضور، ويحاول ضبط الجو.


قالت مرام بصوتٍ هادئ وعفوي:

ـ "طب يا محمود، استأذنك بس. خليك مع فادي، هشوف مستر ياسين وارجع."


ابتعدت بخطوات واثقة نحو ياسين.

اقتربت منه، فانتعش قلبه بشدة، كمن يعود إليه نفس قد طال شوقه لها. كانت رائعة الجمال، وابتسامتها تختصر ألف سؤال.


وقفت أمامه قريبة، ونظراتها تلامس ملامحه والخفقان يعلو صدره، فقالت بعفوية :

ـ "ايه الاخبار؟ كل حاجة تمام؟ كل حاجة عجبتك؟ انا ما سيبتش حاجة انت قلتها الا وعملتها، عجبك كل حاجة؟"


وقف هو أمامها، يمسك كل كلمة منها كما لو أنها حبّة ماء في صحراء، وداخل صدره طوفان من الشعور الذي لا يجد له منفذًا إلا الردّ أو الانفجار.


نظر إليها ياسين نظرةً مشتعلة، كان في عينيه حب شديد، مزيج من الدهشة والوله والاحتراق، وقال بصوت خافت لكنه مليءٌ بالعاطفة المكبوتة:


ـ "ده مش عاجباني بس... ده دخلت عيني حرقته! ده عدّى الخيال... عجباني أوي يا مرام، بجد."


ارتبكت مرام، نظرت حولها كمن تبحث عن مفر، لم تعرف ماذا تقول، فتمتمت سريعًا لتخفي اضطرابها:

ـ "طيب...  هخليك مع المعازيم، وأنا هاروح أقف مع محمود وفادي."


لكن ياسين تحرك خطوة للأمام، قطع طريقها بعينيه وصوته وقال بحزمٍ لم يخلو من رجاء:

ـ "انتِ هتفضلي معايا لحد آخر الحفلة... أنا مش هقابل الناس لوحدي."


نظرت إليه بدهشةٍ ممزوجة بالرفض:

ـ "إزاي بس يا مستر ياسين؟! طيب شويه وشويه... أنا ماعرفش أسيبه كده!"


اشتعل صوته بالغضب، كأن كل ما في صدره انفجر دفعةً واحدة:

ـ "ده شغل يا مرام! وأنا ما قلتلكيش تجيبي محمود أصلاً! انتِ جايباه ليه؟! ده مكان شغل، ما هواش راندفو ولا أي حاجه! وهتفضلي معايا... متسيبنيش، انتِ فاهمه؟!"


تبدّل وجه مرام، وغضبها طغى على ارتباكها، فردّت بصوتٍ ثابت رغم الوجع الذي ارتسم في ملامحها:

ـ "والله هو ما كانش عايز ييجي... بس أنا اللي أصريت. كان المفروض كل إنسان في الحفلة ييجي مع اللي مرتبط بيه، بس معلش... طالما انت مش مستحمل اللي تبعي، فبعتذر إني عملت كده."


ثم تابعت بنبرةٍ قوية لكنها مؤلمة:

ـ "أنا مش جاية أعمل راندفوهات، أنا جاية أشتغل برضه... بس على الأقل أحافظ على شكلي قدام الناس، وأحترم الإنسان اللي مرتبطه بيه. أوعدك... مش هتتكرر تاني."


صمتت بعدها لحظة، ونظرت في عينيه نظرة طويلة حملت كل شيء — العتاب، والجرح، والحنين المكابر — ثم التفتت بخطواتٍ ثابتة نحو الاتجاه الذي جاء منه محمود... تاركة وراءها قلبًا مشتعلًا لا يعرف كيف يبرد.


تركت مرام يده، وهمّت بالابتعاد، لكن ياسين تحرك بخطوة سريعة وأمسك يدها فجأة، يقودها إلى المكتب بعيدا عن القاعة. ارتبكت ملامحها، ارتفع صوتها غاضبا:


ـ "هو في إيه؟! انت بتشدني كده ليه؟ من فضلك يا مستر ياسين ما يصحش كده!"


كان ياسين يحاول أن يكبت غضبه، وصوته يتلوّن بين الحزم والانكسار:


ـ "يا مرام، هو أنا مش كل ما أقول لك حاجة تعملي كده وتغضبي زي العيال الصغيرة؟! يا ستي أنا مش قصدي حاجة... اللي تبعك أشيله على راسي، بس أنا طول الوقت عايزك جنبي ونقابل الناس سوا... أقابل الناس إزاي من غيرك؟ دلوقت محمود بيعمل إيه هنا بس؟!"


تنهدت مرام، وأغمضت عينيها كمن يحاول ضبط نفسه:


ـ "يا مستر ياسين، أنا مش مهمة. انت ومستر فادي اللي بتقابلوا الناس. أنا إيه علاقتي باللي بيحصل ده؟ أنا هنا السكرتيرة بتاعتك... مش صاحبة الشركة!"


انفعل ياسين بغضبٍ شديد، وانفجر صوته وهو يخطو نحوها:


ـ "برضه! برضه مافيش فايدة فيكي! هتعيدي نفس النغمة تاني؟ سكرتيرة وزفت!"


ارتجف قلبها من غضبه، لكنها لم تعد قادرة على التحمل أكثر، فصرخت فيه بعصبيةٍ وانكسار:


ـ "هو في إيه يا مستر ياسين؟ أنا السكرتيرة بتاعتك وانت صاحب الشركة! أنا مش فاهمة انت زعلان ليه؟ وانت اللي تقابل الناس... أنا مالي! أنا إيه أهميتي أصلا إنك تقابل بيا الناس عشان أقف جنبك؟ أنا ماليش إني أقف جنبك. 


اشتعل وجهه غضبًا، وكانت الكلمات تتدافع في صدره. كان يريد أن يقول لها: أنتِ مكانك جنبي وبس... أنتِ اللي تقابلي الناس باسمي... لكنه كظم غيظه وقال بصوتٍ مبحوح ممزوج بالوجع:


ـ "انتِ مش عايزة تعدي الحفلة إلا وإحنا متخانقين! انت بتدوري على نكدي وخلاص! وأنا قلت لك ألف مرة إنك مش الزفت سكرتيرة وخلاص، وأنا صاحب الشركة... انتِ بتشتغلي معايا، ومن جهة أهميتك... انت كل حاجة في الشركة يا مرام. حرام عليكي ما تحرقليش دمي كل شوية! ولبسك ده يا مرام... ودرعاتك اللي باينه! مش شايفة إنه زيادة؟ انتِ فيه إيه؟!"


شعرت مرام بالحرج يغمر وجهها، تنهدت بغلب وارتجاف:


ـ "ماله لبسي بس يا مستر ياسين؟! ما الناس كلها لابسة أهو! والله ما عارفة يا مستر ياسين انت بتعمل كده ليه؟ وعصبيتك على حاجات غريبة!"


اقترب منها، وصوته يرتجف بحرارة حقيقية هذه المرة، كأنه يعتذر رغم صيغة الهجوم:


ـ "أتعصّب؟ لازم أتعصب يا مرام! انت غالية عليا... ولبسك ده كتير. والله ما أعرف أسيب اللي يسوى واللي ما يسواش يبصلك كده!"


بهتت مرام، ونظرت إليه بعيونٍ تتأرجح بين الصدمة والعتاب، وردّت بحدةٍ هادئة:


ـ "هو إيه اللي يبصلي؟ ما كل الستات لابسين كده! انت محسسني إني جاية لابسة قلة أدب!"


نظر إليها ياسين بعينين يشتعلان قلقًا وغيرةً مكتومة، قبل أن يهتف بصوتٍ يحمل قهرًا خفيًا:

ــ ودراعك ده؟ وكلك كده باين؟ وسي محمود ده سايبك كده؟


نظرت إليه بحدة وقد اشتعل وجهها غضبًا:

ــ ومحمود له إيه عندي؟! هو اللي هيقول ألبس إيه؟ ألبس براحتي!


ابتسم ياسين رغم غضبه، تلك الابتسامة التي تخفي وراءها وجعا لم يقدر أن يسيطر عليه:

ــ صح والله، فعلاً مالوش عندك حاجه... والبسي زي ما تحبي، بس أنا بجد مش مستحمل.

انتي غالية عندي، وإن كان هو عادي... أنا لا.

هو إزاي عادي كده يسيبك لابسه كده؟


قالت بحدةٍ تحمل شيئًا من الدلال:

ــ انت غريب أوي! هو هيزعل ليه؟ مانا حلوه كده، إيه اللي يضايقه؟


ضحك بخفةٍ فيها وجع مكتوم وقال ساخرًا:

ــ صحيح! هو ماله؟ إيه اللي هيضايقه؟ دراعك كله باين... يا دي الهنا!

يضايق ليه؟ ماهو عادي، مش كده؟ والنبي عادي ومالوش عندك حاجه...


تنفس بحب وهمس لنفسه.. صحيح يا مرام، الواد مرفع الأريل، ما بيحبهاش أصلًا!

ودي تقوليلي "ليه"؟ يا دي الهنا اللي أنا فيه، قولي يا بنتي بردي ناري.


قالت بانفعال وهي تحاول أن تُخفي ابتسامتها:

ــ والله انت عامل أزمة على لبسي! خلاص بقى كفاية كده، الناس بتبص.


تنهد وقال:

ــ طيب، عشان الزفت الناس. هخرج، بس يمين بالله ما انتي متحركة من جنبي.


خرجا معا، وكان ملاصقًا لها كظلها، يراقب خطواتها، يخشى أن تبتعد لحظة.

بدأا في استقبال المدعوين، وكان بين الحين والآخر يلمحها تذهب لمحمود، فتضيق عينيه غضبا.

أوصى فادي أن لا يترك محمود لحظة، كأنه يخشى أن تسلب منه ثانية من نظرها.

رغم الغيرة التي تأكله، كان سعيدًا بوجودها بجانبه، يشعر أنها تنتمي لهذا المكان... إليه.


وحين انتهى الحفل، تقدمت نحوه لتودعه.

قال بصوتٍ متعبٍ كأنه يختنق:

ــ خلاص؟ ماشيه معاه؟


هزت رأسها بابتسامة بسيطة:

ــ أكيد، مانا لازم أروح.


تنهد بعمق وقال بصوتٍ خافتٍ يحمل رجاءً:

ــ طب ما تقعدي شويه... وابقي أروحك أنا. بجد، أنا مخنوق وعايز أقعد شويه.


نظرت إليه بدهشة:

ــ وانت بقي حالك عجيب! مخنوق من إيه؟

دا انت ماضي مناقصه وفرحان، افرح يا مستر ياسين، شركتك بتكبر، ومحدش هيقدر يقف جنبك.


قالها بصوت خافتٍ فيه كسر واضح:

ــ ماحدش هيقف جنبي... ليه يا مرام؟

هو لازم تكون الحكاية شركات؟

ما استحقش حد يقف جنبي؟


نظرت إليه بصمت، وقد بدا أمامها شخصًا آخر، هشًّا رغم صلابته، لتقول بخفوتٍ مرتبك:

ــ لا يا مستر ياسين... بقصد إن ماحدش قدك، بس كده.إنما أكيد... أي حد يتمنى يقف جنبك.


قال بصوتٍ متردد وكأنه على وشك أن يبوح بسرٍ دفين:

ــ أي حد... أي حد يا مرام؟ يعني إنت ممكن...

وتوقف فجأة، لم يعرف ماذا يقول.

ثم قال بسرعة وهو يشيح بوجهه عنها:

ــ طب يا مرام، روحي يلا... وأشوفك بكرة.


ظلت تنظر إليه طويلاً، يملؤها الحزن والدهشة. كان غريبًا في كلامه، متناقضا في أفعاله، وكأن في داخله حربًا لا تهدأ.

لم تكن تعلم أن ياسين يندم في تلك اللحظة على كل كلمة جارحة قالها يومًا، وأنه لو عاد به الزمن لخطفها بعيدًا عن كل شيء، ليعيش معها وبها أجمل أيامه.

لكن الغباء، كما قال لنفسه لاحقًا، هو ما أضاع منه كل شيء.


تركته وغادرت، بينما وقف هو في مكانه كتمثالٍ من وجع، يتحسر على ما آل إليه حاله.


اقترب فادي منه بخطواتٍ مترددة وقال:

ــ طب انت دماغك وصلتك لحد هنا؟ ناوي تعمل إيه؟هتفضل تعذب نفسك كده؟

سيبها يا ياسين، هيا شكلها مبسوطة وبتحبه.


صرخ ياسين بغضبٍ يشبه البكاء:

ــ تعرف تكتم؟! بلا بتحبه بلا زفت!لا يا فادي، مرام ما بتحبوش، وأنا متأكد.جايز أمها السبب، أو الواد ضغط عليها، إنما حب؟ لا!

نظرة الحب مختلفة، دا كانهم إخوات.

وهي قالتها بنفسها: لا بتحبه ولا زفت!


ثم أكمل وهو يضرب بيده على الطاولة بعصبية:

ــ ومفيش راجل عنده دم يسيب البت بتاعته لابسه كده!إيه قرني سيادته دا؟أنا قلبي وقف طول الحفلة من منظرها، وده واقف بيضحك وساكت!وتقول بيحبها؟ لأ يا فادي... ده مش حب!


ثم هدأ قليلًا، وصوته امتزج بالغضب والحسم:

ــ بس خلاص، مش هسيبها. دي بتاعتي.

ومن بكرة الواد ده هيمشي.وهستفرد بيها، ومش هسيب فرصة إلا وأخليها تحبني.

أنا مش قليل، ومش غرور، بس أنا عارف أخليها تحبني إزاي.مايبقاش اسمي ياسين الكاشف إن ماخلّيتش  اللي ولعت قلبي تحبني... وتتعشق فيا كمان.


كانت مرام في طريقها عائدة مع محمود، لكنها كانت صامتة.

تجلس بجواره وهو غارق في شروده.

نظرت إليه بقلق وقالت:

ــ مالك يا بني؟ أنت ساكت من ساعة ما رجعنا؟


تنهد محمود وقال بارتباك:

ــ اسكتي يا مرام... أنا مش عارف إيه اللي جرالي.صاحب الشركة كلّمني، وقالي لو عايز تروح فرع دبي تشتغل هناك!وأنا... مش عارف.لسه جديد، وحاسس إني مش على بعضي.


نظرت إليه مرام بدهشة، هتفت مرام وهي تضربه بخفة على ذراعه:

ــ ودي حاجة تشغلك يا أهبل! إنت عيل بومة يا بني؟ دي حاجة تفرح طبعًا. اتكل على الله، مفيش تردد.


ابتسم محمود رغم توتره وقال:

ــ طيب ماشي... وانتِ يا مرام؟


قطبت جبينها في استغراب وقالت:

ــ أنا؟ أنا مالي؟ فيه إيه؟


نظر إليها بجدية وقال:

ــ أيوه... هافضل حاطط عليكي كده؟ أنا حاسس إني أناني وبفكر في نفسي وبس.

انتِ المفروض تتخطبي وتفرحي مش أقعدك كده. إحنا لازم نفض الليلة، أنا غلطت وحاسس بتأنيب الضمير. ماينفعش تتربطي معايا كده.


ابتسمت مرام على طيبته وقالت بمزاح:

ــ وده من إمتى الحنية المفرطة دي؟ لا يا سيدي، كلها شهر اتنين وأفلسعك عادي.


لكن محمود نظر إليها نظرة حادة وفاجأها بسؤاله:

ــ مرام... هو ياسين بيه بيتعامل معاكي كده على طول؟


ارتبكت مرام بشدة وقالت:

ــ على طول إزاي يعني؟


تنهد محمود وقال بنبرة مليانة قلق:

ــ مش عارف... حاسس إن فيه حاجة. بيتعامل معاكي كإنك بتاعته وممشيك وراه كإن مالكيش غيره. مرام، انتِ سيباه يتجاوز حدوده ليه؟ انتِ مسلماه أوي. المفروض يبقى ليكي رأي في نفسك. ده كان النهارده كإنه مالكك بين إيديه، ونظراته ليكي مش مظبوطة... أنا مش مستريح يا مرام.


ارتبكت مرام أكثر، وكأن كلامه صفعها وهي مش عايزة تصدقه، وقالت بسرعة:

ــ إيه يا محمود الكلام ده؟ مستر ياسين بقالي معاه سنين... مافيش مرة أذاني بكلمة.


قال محمود وهو ينظر إليها بضيق:

ــ والله أنا مش مبسوط بلفّك وراه زي الهبلة كده. ده إنتِ ناقص تحميه يا شيخة، حد بيعمل لحد كده؟


تنهدت مرام وقالت ببرود فيه انكسار:

ــ شغلي يا محمود... شغلي. يلا انت بس سافر وربنا يحلها. نبقى نقول اتخانقنا وخلاص .


مرّت الأيام وسافر محمود، وعلم ياسين بذلك فأحس أن روحه قد عادت إليه. أصبح أكثر مرحًا معها وهي لا تفهم ما أصابه.

بدأ يتصرّف وكأنه حبيبها، يعلّق على لبسها، يتدخل في علاقتها بمحمود، ويفرض نفسه عليها. كانت تحاول أن تصده، لكنّه لم يتوان عن التقرب منها ومحاولة زلزلة قلبها.


وفي أحد الأيام، دخل عليها فوجدها شاردة واجمة، تفكر في كيفية فسخ خطبتها من محمود.

كانت مرتبكة، تخشى أن يظن ياسين أنها أصبحت أقرب إليه. كان قلبها ينهشها، وخائفة من مشاعرها نحوه، فهو قد تبدل تمامًا. وكلما ذكرت كلمة "سكرتيرة" يهتاج وينفعل داخلها، ولم يعد لها حيلة في ما يفعل.

نظراته وأفعاله أصبحت لا تُحتمل، ينظر إليها بعشق شديد، ولا يخجل من ذلك.

أصبحت دائما مرتبكة من وجوده.


دخل عليها قائلًا بصوتٍ عادي:

ــ يلا يا مرام هننزل نتغدى.


لم ترد عليه؛ كانت ساهمة.

ارتجف قلبه لرؤيتها هكذا، تمتم في سره:

ــ هي مالها مسهمة كده؟ قمر يا قلبي والله...


جلس أمامها ينتظر أن تفيق، بينما هي ما زالت شاردة تتنهد.اقترب أكثر وهمس بحنان:

ــ إيه يا قلبي، مالك بتتنهّدي كده ليه بس؟ كل دي تنهيدة يا عمري؟ إنتِ مش حاسة بالدنيا.


ابتسم بخبث وهو يراها غافلة عنه، ثم قام بهدوء ووقف بجوارها، اقترب من أذنها وهمس بصوتٍ مبحوح:

ــ مرام... رحتي فين يا قلبي؟


كان همسه لا يكاد يُسمع، وأنفاسه تتساقط على وجهها، ليهمس بعدها وهو يفقد السيطرة على نفسه:

ــ هموت يا بنت الإيه وانتِ سرحانة كده... نفسي أبوسك يا رب بقى...


كانت في عالمٍ آخر، شاردةً عن كل شيء. تمتم في نفسه وهو يقترب أكثر:

ــ قلبي يا ناس اللي سرحان... وقمر... أبوسها طيب وهي دايخة كده... أرزعلها واحدة جايز تدوخ أكتر... طيب ماشي...


اقترب وجهه من وجهها أكثر، ومال بهمسه:

ــ مرام... مرام...


انتفضت فجأة، وكاد وجهها يلامس وجهه، فأغمض عينيه بولهٍ مكبوت وهمس بصوت مبحوح:

ــ يا بنتي بقى...


ابتعدت عنه بارتجاف، وهي تقول بصوت متقطع:

ــ إيه... فيه إيه؟


وضع يده على الكرسي يُحيطها بنصف دائرة، اقترب منها بعينيه المليئتين بالشوق وهمس بصوتٍ دافئ:

ــ فيه إيه؟ بقالي ساعة واقف بنادي عليكِ وانتِ في دنيا تانية.


ارتبكت مرام، سحبت الكرسي للخلف بخجلٍ واضح، واحمرّ وجهها وهو يبتسم ويراقب ارتباكها بحبٍ وافتتان. تمتمت بارتباك:

ــ هاه... لا معلش كنت... أأأ... كنت أأأ...


قاطعها ضاحكًا:

ــ إنتِ هتأواوي كتير؟! يلا قومي هنتغدى... وعايزك في موضوع.


قطبت جبينها وسألته:

ــ طب ما تقول فيه إيه؟


اقترب منها أكثر وهمس بنبرة محمومة:

ــ قومي بالله عليكي... ده أنا واقع على الآخر... هموت.


كان يلهبها بنظراته، ارتجفت بشدة وابتعدت بوجهها وهي تهتف:

ــ هاه... آه حاضر... حاضر.


ابتعد يضحك بخفة وهو يضرب بيده على المكتب:

ــ طب يلا يا قمر... أنا مش مستحمل.


سبقها للخارج، بينما وقفت هي كالملبوسة، تضع يدها على قلبها وتحدث نفسها بصوتٍ مخنوق:

ــ هو ماله؟ اتجنن؟ هو بيعمل كده ليه؟ قلبي هيقف... أروح منك فين؟ طب أنا عارفة اللي جواك وانت مش عارف اللي جوايا... ارحمني. انت اتبدلت ليه كده؟ وبصاتك بتموتني... مش هقدر أستحمل... ليه يا حبيبي بتعمل فيا كده...


نزلت خلفه وهي تشعر بالغلب، وهو تلبسته حالة من البهجة الغامرة، فاشتعالها يؤكد له أن بداخلها شيئًا نحوه، وهو لن يتوانى عن سرقة قلبها. كان يعلم أنه ليس هينًا في أمور العشق.


وصلا إلى المطعم، وهمّت أن تجلس، فهتف سريعًا:

ــ استني... استني... بتعملي إيه؟


نظرت إليه باستغراب، فالتفت وسحب الكرسي لها بنفسه.

جلست ببطء وهي تنظر إليه بتوجس، فضحك وقال:

ــ إيه مالك؟ بتبصيلي كإني مجنون كده ليه؟


كان المطعم يعجّ بأصوات الزبائن وضجيج الصحون، بينما جلس ياسين أمامها يراقب ارتباكها بصمتٍ ثقيل. نظراته تلاحقها أينما التفتت، ونَفَسه يكاد يفضحه. كانت مرام تحاول أن تسيطر على ملامحها وتبدو هادئة، لكن قلبها كان يخفق بعنف.


لتهتف وهي تحاول أن تكسر الصمت:

ــ "انت فيك حاجة غريبة… فيه حاجة مش مفهومة."


اقترب منها قليلًا وهمس بجوار أذنها وهو يحاول المزاح:

ــ "دا فيه حاجات ومحتاجات يا رب صبّرني..."


ثم استدار وجلس على الجهة الأخرى من الطاولة يراقبها، وصمته هذه المرة كان أشد من كلماته. لم تعد تدري ماذا تفعل؛ فقد فاق كل التصرفات ولم تعد قادرة على صدّ هجومه العاطفي.


هتفت بانفعال خفيف وهي تحاول أن تعيد الحوار إلى مساره:

ــ "هو انت جاي تسكت؟ احنا مش هناكل؟"


ضحك وقال:

ــ "آه معلش، أصل سرحت… تطلبي إيه يا قمر؟"


ارتبكت في داخلها، أفكارها تتزاحم: هو فيه إيه؟ ماله بيعاملني كده؟ وقمر وبتاع؟ هو ماله مفضوح كده؟ ثم سَخِرت منه بلطف وهي ترفع حاجبها:

ــ "قمر إيه يا مستر ياسين؟ أنا مرام… سكرتيرتك."


ابتسم بجديّة ممزوجة بالدعابة، ثم ضحك عاليًا:

ــ "طب وهو يعني معني إنك سكرتيرتي يمنع إنك قمر؟ دا الناس كلها شايفاكي قمر."


همست بخجل وهي تطرق رأسها:

ــ "شكراً… ربنا يخليك."


ضحك ضحكة قصيرة اقتربت من الدهشة:

ــ "لا لا لا، انت كده صعبة أوي… إيه ربنا يخلّيني دي؟"


لم ترد، واكتفت بالصمت. جاء الطعام وظلّت واجمة، تقلب الملعقة في الطبق بلا شهية. تنهد هو وقال:

ــ "إيه مالك مسهّمة كده… شايلة طاجن ستك؟ ما تقولّيلي فيكي إيه."


هتفت بسرعة وهي تحاول إغلاق الموضوع:

ــ "هاه… لا مفيش، مفيش."


ابتسم وقال وهو يرمقها بنظرة أعمق:

ــ "طالما فيها هاه ومفيش مفيش يبقى فيه. ما تقولّي يا بنتي، دا أنا ياسين، هتخبي عليّا؟ مش أنا قريب منك برضه ولا إيه؟"


همست بتلعثمٍ خافتٍ وهي تشعر أن الكلمة خرجت أكبر من الموقف:

ــ "هاه… آه طبعاً… طبعاً قريب مني و…"


قاطعها بصوتٍ منخفض ونظراته تفضحه، وهو يميل نحوها أكثر:

ــ "قريب قد إيه يا مرام؟"


كان ياسين يجلس أمامها وقد ازدادت ملامحه جدية، بينما كانت هي تقلب الكلمات في رأسها تبحث عن مخرج من هذا المأزق العاطفي. كان كل شيء فيه يفضح ما يحاول إخفاءه، وكان صمتها يزيده شوقًا وغيظًا في الوقت نفسه.


ارتبكت وقالت بصوت خافت:

ــ "قريب يعني صديق و… و… شخص عزيز عليَّ وكده."


ابتسم ابتسامة مشوبة بالأسى وقال:

ــ "طب طالما قريب وعزيز وصديق وكده، طب ما تقولي فيكي إيه… أنا بحس بيكي أووي."


قالت وهي تحاول الهروب من نظراته:

ــ "مفيش والله… بس مشغولة بمحمود شوية."


استغفر ربه وهمس بنبرة ضيق:

ــ "مش سافر خلاص سي بتاع؟ مشغولة ليه وهو أصلاً انتي ما بتحبيهوش… عايزة منه إيه؟"

تنهد وقال.. مش سافر خلاص.. 

همست وهي تخفض عينيها:

ــ "لا ما هو خطيبي برضه… لازم أفكر فيه."


هتف باستنكار وضحكة قصيرة:

ــ "لا والله دي حاجة تفقع بقى… مرام اسكتي بقى بلا محمود بلا بتاع… هتنكدي عليّا وأنا كنت مبسوط."


رفعت حاجبها وقالت:

ــ "أنكد عليك؟ أنا عملت حاجة؟"


أطرق رأسه وقال بصدق:

ــ "لا ما عملتيش… أنا اللي عملت السواد كله ومغروز فيه… بنط في الطين والله من عمايلي السودة."


نظرت إليه بغلب، ليكمل وهو يضرب كفه على الطاولة:

ــ "عارفة هتسكتِ ولا فاهمة حاجة وأنا باكل روحي… استغفر الله بقى."


قالت بصوت ضعيف:

ــ "أنا مش عارفة سيرة محمود بتعفرتك ليه كده… انت مش المفروض تفرحلي؟"


نظر إليها بعينين تلمعان بالغضب وقال:

ــ "أفرحلك يا نهار اسود بقه! يا بنتي انت حد ماجرك تجلطيتي؟ طيب ماشي يا مرام… أفرحلك لما تحبي بجد… أفرحلك لما تبقي مع راجل بيحبك بجد… مش واحد سايبك مكشوفة وماشي مبتسم ماعرفش إيه نوع الأريل بس شكله غالي… بس بس عشان هنجلط ومحروق."

قالت بإستغراب وغضب... انت بتقول ايه يا مستر ياسين مين إللي مابيحبنيش من فضلك ماتتكلم عليه كده. 

استغفر ربه مرة أخرى وهو يحاول تهدئة نفسه، ثم تابع بنبرة عملية:

ــ "المهم بقولك إيه يا مرام، عندنا مناقصة هنمضيها في الغردقة… فكنت عايزك معايا هناك."


قطبت جبينها وقالت:

ــ "عايزني أعمل إيه يا مستر ياسين؟ عادةً انت ومستر فادي اللي بتسافروا."


هز رأسه وقال ببساطة:

ــ "لا… فادي عنده شغل مهم. إحنا هنروح نقعد يومين تلاتة نخلص ونرجع."


ظلت صامتة تفكر وتُقلّب الموقف، وهو ينظر إلى وجهها يستشفّ حيرتها. هتف وهو يميل نحوها قليلًا:

ــ "فيه إيه يا مرام؟ انت مالك متغيرة كده… هو أنا هاكلك؟"


ارتبكت وقالت وهي تتجنب النظر في عينيه:

ــ "لا يا مستر ياسين… بس مش عارفة ماما ومحمود هيوافقوا ولا إيه…"


انفعل ياسين قائلاً بغضبٍ مقصود:

ـ "تاني؟! محمود مش سافر خلاص، وخلصنا بقى! ارحميني بقى... ووالدتك؟ أنا ممكن أكلمها عادي. إنتِ بتحسّسيني إني هخطفك؟ أنتِ صحيح حلوة وتتخطفي، بس أنت عارفة أنا ولا إيه؟"

وغمز لها بعين فيها دفء وغضب في آن واحد.


احمرّت مرام خجلاً وقالت متلعثمة:

ـ "إيه اللي بتقوله ده؟ لا طبعا… عادي يعني.بس محمود هو ليه حق عليا

قال بغضب.. "

بطلي تتكلمي عنه قدامي… أنا مابحبوش الواد ده!

ضحكت هيَ بضحكة خافتة، كأنها تتهرب من لهيب كلماته:

– ليه؟ دا محمود طيب وهيبقى جوزي… ماتحبوش ليه؟


أمال لو جه يوم وخيرني ما بين الشغل وقال لي أقعدي؟

قال ياسين بلهجة تحمل لوعة تقطر من صوته، وعيناه توشك أن تفضح ما يخفيه صدره:

– هتختاريه وتسيبيني؟ هتسيبي ياسين؟


ارتبكت، وقالت بوجع دفين كأنها تقطع من نفسها قطعة

– لا… ماتاخدهاش كده… مش هسيبك إنت، هسيب الشغل. إنت شغل يا مستر ياسين وهو…


ليقاطعها غاضبا، وقد اشتعلت عيناه كجمرتين:

– وهو إيه؟ هاه؟ إيه؟ هتسيبيني أنا عشانه؟


تنهدت بوجع، وانحنى صوتها كغصنٍ تحت المطر:

– مش جوزي، واللي هيقول عليه أعمله.


صرخ، صوته يعلو كأنه صفارة إنذار في قلبها:

– من إمتى؟ إنت عايزة تجننيني؟! إنت لازم يبقى ليكِ شخصية! وأصلا أنا شايف إنكو مش مناسبين!


تنهدت كمن تحمل صخرة فوق صدرها:

– مين قال؟ داحنا أكتر اتنين متفاهمين… دا حتى بيكلمني نسرع في الجواز.


اشتعل عن آخره، وقال بعنف يمزق صمتهما:

– إنتِ اتجننتي؟ دانتو لسه متهببين! إنتِ بتقولي إيه؟


تنهدت، وألقت كلماتها كمن يطفئ نارًا بالرماد:

– مانا قولت… وكمان قلت له ماجبتش حاجتي.


قال، وقد خرج صوته ممزوجا بالغيرة والمرارة:

– أنا هجيب كل حاجة… قولت له حاجتي الخاصة!


اشتعل ياسين من داخله، وأحس قلبه ينفجر كبركان مكبوت: حاجتها الخاصة! نهار أسود! دا هتجبله قمصان تلبسهاله لبسة عفريت! حاسس إني هنحلط!


اندفع كالسهم وقال:

– مرام… إنت بتحبيه؟


تنهدت، والاعتراف يسيل من فمها كالسكين:

– آه طبعا… أمال هتخطب ليه ليه؟ محمود طيب ومحترم.


صرخ بعنف كأن الأرض تهتز تحت قدميه:

– هو أي حد طيب ومحترم تتجوزيه؟ دا إيه إلهم ده؟


قالت، محاولة احتواء النار بيدين مرتعشتين:

– إنت متعصب ليه طيب؟


صرخ بعنفٍ أكبر، كمن يخلع قلبه معها:

– عشان إنت تستاهلي حد أحسن!


قالت بهدوءٍ جليديّ:

– أنا مش شايفة أحسن من محمود.


قبض بيده على الشوكة وغرزها بعنف في المنضدة حتى ارتجت:

– مرام… أسكتي، ماشي؟ عشان والله هزعلك.


تنهدت، وهي تعلم ما بداخله لكنها أبت أن تستسلم. أكملت بصوت ثابت رغم كل شيء:

– آه كنت عايزاك في خدمة. عارف محل صاحبك اللي في الصورة مدينة نصر؟ عايزاك تكلمه لي… يعملي واجب يعني… الحاجات عنده حلوة قوي.


تجمّد في مكانه، ارتسم الغضب في ملامحه، فذلك كان محلً نسائيا. أغمض عينيه يحاول أن يتحكم في نفسه، إلا أنّه لم يتحمل. فمدّ يده وأمسكها بعنفٍ وصوته خرج كالطوفان:

– عايزاه ليه هاه؟ تجيبي للبيه منه؟ صح؟ عايزة تجهزي البيه؟ لا يا مرام… مش هكلمه ومش هتشتري زفت! فاهمة؟ مش هتشتري! بقولك أهوه!


كان يشعر بالموت يتسلل إلى صدره.

همست بخوف من غضبه، صوتها يرتجف:

– طيب خلاص… براحة… هروح حتة تانية…


هبّ منفعلا كالإعصار:

– قومي! قووومي! إما نتزفت قومي! هموت كده!


ـ "ماشي يا مرام… بكرة جهزي نفسك هنسافر. هعدي عليكي آخدك ما تجييش البيت وتتعبي نفسك. أنا هجيلك لحد عندك."


رضخت لطلبه، وهي في داخلها لا تعلم ما الذي بداخله ولماذا يفعل كل هذا.


أتى ميعاد السفر، وسافرا. وصلا إلى فندقٍ على البحر، وبدأ ياسين يتصرّف كأنهما في إجازة معًا؛ لم يترك فرصةٍ ليأخذها من روتينها أو يفوّت لحظة يقضيانها معًا. قال لها سريعًا وهو يملك الحماس:

ـ "يلا جهّزي حالك، هننزل نتمشى شويه عالبحر. هستناكِ تحت."


لم يُعطها مجالاً لتردّ، فتمرّدت الدهشة على وجهها من جرأته ومفاجأته؛ ترددت في نفسها وتساءلت: «هو مالُه؟ مبسّط الدنيا كده؟» كانت تخشى أن يكون مخطّطًا لشيءٍ ما لكنها لا تدري ماذا.


راحت تدعو الله في نفسها: «يا رب، أعمل إيه؟ أنا حاسة إنه مِلبوس. بيقول حاجة وبيعمل العكس. قلبي وجعني كفاية كده. تعبت من بصاته وكلامه وتلميحاته، هنفجر منه! مش هاستحمل كده… أنا بعشقه وهاتحمل قربه ازاي؟»


دخلت إلى الغرفة وأعدّت نفسها، ارتدت فستانًا خفيفا للبحر يبرز جمالها: مكشوف الأذرع، قصير بعض الشيء، وبه فتحة عند الرقبة. تركت شعرها منسدلًا، تشعر بأنها ككل امرأة تتجهز لسهرة أو نزهة، بغصة وارتباك في نفس الوقت.


سمعت طرقاتٍ على الباب، فتحت ببطء، فوجدت ياسين يقف هناك بملابس كاجوال أنيقة. كان وسيماً، لكن لما رآها هكذا اشتعلت في عينه نار لم تزدها إلا حرارة؛ احتدّت ملامحه للحظة، تلاها حنين وغضب خفيان في نظرة واحدة.


تلعثمت هي ببراءة طفولية وقالت:

ـ يلا… جهزت


وقف هو متجمّدًا لثوانٍ، وقف ياسين أمامها، وجهه مشدود مزيج من الغيرة والغضب، وقال بصوت حاد:

ـ "جهزتي إزاي يعني؟"


قطّبت مرام جبينها بدهشة وهتفت:

ـ "إيه؟ مش هننزل ولا إيه؟"


قال بعصبية ظاهرة:

ـ "آه هننزل… بس اللي هو إزاي هتنزلي كده؟ إزاي؟"


نظرت إلى نفسها ورفعت يديها بتلقائية:

ـ "مالي؟ فيه إيه؟"


استغفر ربه بين أسنانه كأنه يحاول يمسك نفسه ثم قال بحدة:

ـ "طب بالراحة كده… اقفلي الباب وخشي غيري البتاع اللي لابساه ده. إنت مش ماشية مع أريل!"


شهقت مرام وصاحت غير مصدقة:

ـ "أريل؟!"


هتف هو بانفعال أكبر:

ـ "آه ما هو ما بقاش راجل لو خرجتي معايا بلبسك ده! لفي بقى واقفلي الباب من سكات… أنا جايب جاز وهستنى لحد ما سيادتك تغيري اللي نازلة بيه، ما هواش عرض هوا… يلا!"


غلت دماؤها وهتفت بحدّة وهي ترتعش:

ـ "هو فيه إيه يا مستر ياسين؟ حضرتك مش ملاحظ إنك بتعلق على لبسي كتير؟ دا بقى حاجة زيادة! ومعلش أنا مش هسمح."


رأته يتحول أمامها إلى شخص آخر، عيناه تبرقان وغضبه يفضحه، فقال بصوتٍ أقرب إلى الهدير:

ـ "يمين بالله لو ما قفلتي الباب ودخلتي غيرتي البتاع ده أنا مش مسؤول عن اللي هيحصل! أنا مجنون ومش مستحمل."


مد يده وأمسك يدها بقوة وهزها قائلاً بصوتٍ متقطع من الانفعال:

ـ "فاهمة؟!"


كانت مصعوقة وهزت رأسها بقوة وهي لا تعرف كيف تتصرف، فأدخلها الحجرة وأغلق الباب بعنف. كان يقف بالخارج ينهج ويحاول أن يهدأ من روعه: «لا… ما عادش هستحمل كده. هيا اتهبلت؟ سايبة الدنيا كده ليه؟ طيب يا مرام أطولك والبسك شوال وخيمة عشان تتلمي وتبطلي دراعاتك اللي تهبل ومبيناها للخلق. طيب اصبري عليّا…»


في الداخل، جلست مرام على طرف السرير غاضبة ترتجف من تصرفه: «هو ماله بيزعق ليه؟ ليه عندي إيه؟ أنا بترعش كده خايفة من إيه؟ أنت هبلة؟!» ثم تنهدت: «دا إيه الغلب ده؟ عامل زي الديناصور هيأكلني! عيل رخم…»


غيرت ثوبها إلى فستان بسيط جميل وخرجت دون أن تنظر إليه. كان ياسين يتأملها مبتسما على غضبها وكأنه يرى زوجته لا سكرتيرته. فسح لها الطريق وخرج ورائها وقد قرر أن يترك نفسه ويحدث ما يحدث.


خرجا معا إلى الشاطئ. نسيم البحر يلاعب شعرها، والأمواج ترسل صفيرًا بعيدًا كأنها تشهد على حالة لا تُقال بكلام. تناهى إلى أذنهما ضجيج الناس لكنّهما شعرا أنّ العالم تقلّص إلى رصيف وطاولة ومشيهما معًا.


مشى ياسين جانبها بخطوات قصيرة، يحاول أن يقبض على توازنه الداخلي

وصلا إلى أحد الشواطئ، ، فهتفت بانفعال وهي تحاول كتم ارتباكها:

ـ "هو إحنا مش المفروض هنقابل حد النهارده؟"


كان هو في داخله يحس أن كل هذا اللقاء ليس عملًا بل بداية مشهد جديد في حياته معها.


ابتسم ياسين لها بحب وهو يقترب منها، وقال بصوت هادئ:

ـ "لا… النهارده مفيش إلا أنا وإنت يا مرام… مفيش حد تاني."


مد يده وشدها برفق، وظلا يمشيان قليلًا على الرمال حتى أفلتت يدها فجأة واحمرّ وجهها خجلًا:

ـ "طب خلاص… نرجع بقى طالما مفيش حاجة."


كانت مرعوبة من مشاعرها، فاستدارت بسرعة محاولة الهروب منه، لكنه شدها وأمسكها بقوة وهو يهتف بانفعال:

ـ "هو إيه اللي نرجع؟ أنا جاي أنبسط… ترجعيني؟ إنت عقلك فيه حاجة؟"


قالت بصوتٍ متوتر وهي تحاول التملّص:

ـ "طب خلاص اقعد براحتك واتبسّط… وأنا هرجع."


اقترب منها أكثر، صوته الآن صار ألين لكنه ممتلئ بالشجن:

ـ "أقعد لوحدي؟ لا… دانا حاسس إن قلبي هيقف من الجمال اللي جنبي."


كان ينظر إليها بهيام، نظراته تشعل قلبها، ثم قال وهو يبتسم بصدق:

ـ "إنت حلوة أوي يا مرام… خصوصا لما بتتكسفي."


أطرقت برأسها خجلًا، فقهقه ضاحكًا:

ـ "أهوه قمر والله."


هتفت هي وقد تلوّن وجهها:

ـ "شكرًا يا مستر ياسين… إنت بتحرجني."


اقترب منها أكثر، صوته ينساب إليها ثقيلًا:

ـ "بحرجك إزاي يا مرام؟"


كان قربه منهكا لها، حاولت أن تبتعد خطوة لكنه تحرّك أمامها بخفة وأعطاها وجهه، ثم أخذ يمشي إلى الوراء ببطء فاتحًا يديه، وصوته يخرج دافئًا مع موج البحر:

ـ "انسي يا مرام الشغل شوية… وخلينا نتمتع بالجو ده. الواحد قلبه نشف…"


اقترب أكثر، وصوته يخفت كأنه يبوح بسرّ:

ـ "مش كده برضه؟ القلب بينشف من قلة الحنية…"


تخطته وهي تشعر بالاشتعال، تسبق خطواتها خطواته، لتسمع ضحكته خلفها. هتفت في نفسها بغيظ:

ـ "ماله ده؟ اتجنن ولا إيه؟ وماله مش على بعضه كده… يخرب بيتك يا ياسين، إنت ناوي على إيه؟ وإيه قلة الأدب دي؟ هيطلعلي اللي جواه يهبّلني ولا إيه؟ مش هستحمل في إيده دقيقة…"


كان هو خلفها سعيدًا بارتباكها، يبتسم في سرّه وهو يفكر:

ـ "قلبي بيحمر من كسوفها ياختاااي… يبقى جواها حاجة، مانا مش أهبل. ده أنا أستاذ دوس يا واد في السحسحة… خرج خبرة سنينك ووقع البت اللي هتفلق قلبك نصين. والله يا قمري انتِ أمور وكيوت وما هتاخدي في إيدي غلوة… قلبي بيحمر وما عملتش حاجة. أمال لو دوست؟ هتسورق… هتسورق في إيدي يا ياسين تقوم رازعلها بوسة تسخسخ أكتر، تقوم ظارفها واحدة بعشقك ونطلع عالمأذون… ما هي هتبقى مسورقة. يا رب ييجي اليوم اللي تسخسخي في إيدي. قلبي هموت يا بنت الإيه… استني يا وحش جايلك."


وجاء الليل. جلسا على الشاطئ، كلّ منهما غارق في أفكاره عن الآخر. اقترب منها وقال بصوتٍ منخفض:

ـ "بتفكري في إيه؟ وأوعي تقولي محمود… هزعل أوي."


ابتسمت في مرارة:

ـ "مافكرش فيه ليه… مش خطيبي!"


نظر إليها بخبث، عيناه تلمعان بأسئلة:

ـ "إنت متأكدة إنه خطيبك فعلًا بحق وحقيقي؟"


ارتبكت بشدة:

ـ "أمال إيه؟"


اقترب أكثر، مد يده يمسك يدها وقال بهدوء يشبه الاعتراف:

ـ "إنتِ ما بتحبهوش يا مرام… إنتِ ما بتحبهوش. ليه تعملي في نفسك كده؟ إنتِ لازم تحبي وتتحبي… إنتِ تستحقي كده."


دمعت عيناها، ابتعدت عنه وقالت بصوتٍ مكسور:

ـ "أحب واتحب… لا يا مستر ياسين، الحاجات دي بتيجي بالعشرة."


قال ياسين بلهفة، صوته متوتر ونظراته تتوهج:

ـ "لا… الحاجات دي لازم تبقى أول حاجة يا مرام. إنتِ إزاي بتتكلمي ببساطة كده؟ كونك هتتجوزي واحد ما بتحبهوش دي حاجة صعبة. إيه اللي يجبرك؟"


هتفت هي بحدةٍ متكسرة:

ـ "مفيش إجبار… بس أنا هافضل قاعدة كده؟ الناس لازم تتجوز في يوم من الأيام."


رد بانفعال، وصوته يرتفع:

ـ "ما يتحرقوا الناس… المهم إنت. هتتجوزي عشان الناس يا مرام؟! إنتِ تستحقي أحسن من كده… لو عايزة تتجوزي قولي."


ضحكت بمرارة وهي تنظر بعيدًا:

ـ "إيه؟ هتجيبلي عريس؟"


اقترب منها أكثر، ونبرته أصبحت حارقة، ونظراته تمزقها:

ـ "أحلي عريس يستاهل أحلى عروسة. إنتِ تتشالي في العين والقلب يا مرام. إنتِ تستاهلي حد كبير قوي يقدرك ويعرف قيمتك. إنت تستاهلي الأحسن ألف مرة."


لم تعد تحتمل، قلبها يوشك أن ينفجر، لتقول مندفعه وصوتها يرتجف:

ـ "من فضلك بطل بقى طريقة أحسن ومش أحسن… أنا مش بنقي وبختار. أنا ليا مشاعر المفروض ما أسيبهاش للي يجي ويشيل. أنا مش سلعةِ


استدارت لترحل، لكنه شدها إليه فجأة، لتشهق بقوة، وصوته يعلو وهو يحاول تمالك نفسه:

ـ "مين قال إنك سلعة؟ إنت نجمة في السما… إنت مرام اللي مفيش زيها. إنت… إنت… أنا شايفك أحسن حد في الدنيا."


كانت تقف أمامه، تنظر إليه موجوعة، وهو ممسك بيدها وانفعاله أصبح لا يحتمل. نظر في عينيها طويلاً، ثم قرر أن يجعل هجومه صريحا واضحًا، وأن يخرج ما في داخله:

ـ "مرام… إنت بالنسبالي دنيا تانية. إنت يا مرام… مش حاسة؟


هتفت بوجع، والدموع في عينيها:

ـ "أحس بإيه بس؟"


امسك ياسين يدها بعنف خفيف وصوته متكسر من شدة الانفعال

ـ مش حاسة بيا يا مرام؟ وباللي جوايا؟ انا قلبي هيقف وانتي جنبي وماعدتش قادر اسكت والله.. انا جوايا ليكي كتير اوي.. حسي بيا ارحميني هموت وقلبي اتشق من كتمتي


شدها اليه اكتر ونظراته بتحرقها قبل ما يحط ايدها على صدره اللي بيدق بعنف

ـ ده.. ده والع.. حسي بيه.. ده هيموت.. حسي بيه.. ماعادش قادر يكتم اللي جواه ليكي.. بيدق هيخرج من مكانه أنا جوايا هيتجنن عليكي كان ينظر اليها بهيام شديد وهيا تاهت في نظراته لا تصدق كلامه


قرب من وشها بشده وعيونه بتلمع بوله ولهفه

ـ قلبي هيقف.. انتي بتبصيلي كده صح؟ اللي انا حاسه ده صح؟ نظرة عيونك دي صح؟ مرام.. انتي جوايا.. وعيونك بتقول حاجه هتوقف قلبي.. والله يا عمري تعبت وماعدتش قادر.. ارحميني


كانت واقفه قدامه ساكته، عينها بتتكلم ودموعها واقفه على طرف رمشها، مش قادره ترد، بس عيونها صرخت بكل حاجه كانت مستخبيّه جواها


شدها اكتر لحد ما التصقت بيه، ايده بترتعش وهو ماسكها

ـ انتي بتبصيلي كده.. قلبي هيقف والله.. هموت عليكي.. نظرتك دي شعّلت قلبي.. مش مصدق اللي شايفه يا قلبي


قرب من وشها لحد ما أنفاسه لامست نفسها، وهمس بصوت مبحوح

ـ قلبي.. اللي هموت عليه.. هو ليكي يا مرام


لتنتفض من قربه بعد حالة من التوهان، تتراجع خطوتين للخلف، تنظر إليه بعينين واسعتين لا تصدقان كم المشاعر التي خرجت منه. عقلها يصرخ فيها: إفيقي يا مرام!، ويدها ترتجف على صدرها، تشعر وكأن قلبها تجمد من فرط انفعالها، من قربه، من صوته، من كل شيء.


لتقول بصوت مرتعش، متقطع ما بين الخوف والدهشه....

تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا






تعليقات

التنقل السريع
    close