رواية ماض لا يغتفر الفصل الخامس عشر 15 بقلم ريتاج أبو زيد ماضِ لا يٌغتفر
رواية ماض لا يغتفر الفصل الخامس عشر 15 بقلم ريتاج أبو زيد ماضِ لا يٌغتفر
ماضِ لا يٌغتفر
الفصل الخامس عشر
أخذت (جميلة) محارم تمسح دموعها و هي تقرأ أخر صفحات المذكرات التي تقص فيها الخادمة أسرار لا أحد يعلم بها.
-أنا مش عارفة الكلام هيوصل لمين و إزاي، بس أنا أسفة إني خبيت عليكي يا عبير،و أسفة لوفاء، أنا كان بيني وبين نبيل علاقة،وهو حكالي بكل حاجة قبل وفاته بأسبوع، وبعد كده انا شفت و سمعت كل حاجة بنفسي، شفت الخناقة إللي حصلت بينه وبين مظهر،وكنت داخلة أفصل بينهم بس ملحقتش عشان هو وقع و مظهر هرب و بعد كده اكتشفت أن سلوى كانت واقفة بتتفرج على كل حاجة و بتراقبهم من الاول،وعرفت أن سلوى بتهدد مظهر بالورق إللي هو نسيه يوم موت نيبل،و خسرته كتير أوي من تحت التهديد وهو طبعا ميعرفش إن إللي بتهدده هي سلوى، حقك عليا إني لما جيتلك قبل كده قولتلك نص الحقيقة و كدبت عليكي، و اعتذري لأدهم من الدنيا، محدش كان يستاهل إللي حصل، أرجعي لأدهم يا عبير عشان هو اكتر واحد اتظلم، و خالد أكتر واحد بيحبك في الدنيا.
أغلقت المذكرات و أخذت تبكي بحرقة بقهر، تتمنى أن يتجسد الماضي على هيئة إنسان حتى تقتله وتسترِيح من عذابه، تتمنى أن يرجع والدها لأمها و يجتمعون كعائلة سعيدة، ليس بيدها شيء، غير التفكير و الضغوطات و الأرق، مشاكل نفسية كتمان الحقيقة و تحملها وحدها، تشوهات عقلية، وسواس قهري، متلازمة الحديث المفرط مع النفس.
ضمت (جميلة) رجليها إلى صدرها وهي جالسة على الأرض وقد اختلطت الدموع بالمُخاط و العرق، وشرعت تتذكر أول رحلتها في العلاج النفسي بعد معرفتها بالحقيقة و قرائتها لمذكرات الخادمة أول مرة.
بعد قرائتها بدأت دائمًا تفكر و تبكي و تنعزل عن الناس، لم تذق طعم النوم، لم يرتاح لها بال ، كانت تشعر دائمًا بالضياع و التوهان، و العصبية و الانزعاج، دائمة البكاء، ومع الوقت بدأت الأفكار التشاؤمية تتدفق إلى عقلها.
ماذا لو حاول مظهر فعل شيء آخر في والدها؟
ماذا لو علم أحد بالقصة كاملة سيحدث مشكلة كبيرة؟
وماذا عن أبيها هل سيموت بجرعة زائدة من المخدرات؟
هل سيقتله مظهر في يوم ما؟
هذا هو كان حالها في ذلك الوقت، أفكار تشاؤمية غير منطقية، تفكير زائد يصل إلى ساعات وهي في انعزال تام عن جميع البشر و عن نفسها أيضًا، فكانت لا تشعر بالوقت وهي جالسة مع نفسها،كانت تذهب إلى سريرها في الواحدة صباحًا لكي تنام، و إذ فجأةً تسمع صوت المؤذن يرفع أذان الفجر.
حتى وصل معها الأمر إلى التفكير المفرط في أي شيء في حياتها.
بدأ عقلها برسم سيناريوهات تشاؤمية غير منطقية بالمرة لأشياء من وهمها وليس لها صلة بالواقع.
ومع كثرة السيناريوهات بدأت تُدير محادثة مع نفسها في داخلها، حوار داخلي متكرر لا ينتهي بسهولة، حتى بدأت تفرغ وقت لنفسها حتى تقضيه في عمل سيناريوهات داخلية، حتى وصل بها الحال إلى الحديث مع نفسها بصوت مسموع، ولم تستطيع السيطرة على أفكارها.
جميع من حولها لاحظوا تغييرها، و قرر أخيها عرضها على طبيب نفسي،لتخرج من حالتها و انهيارها، و مع الوقت أخذ يسأل عن طبيب نفسي مناسب لسنها ويكون متميز بأسلوب راقي، وقد بدأت صديقتها المقربة (روان) تسأل مع (رحيم) ومع مرور الوقت من البحث عن طبيب، رأت (روان) إعلان عن طبيبة نفسية وكاتبة قامت بنشر كتابها الثاني، فبحثت عنها ووجدت إنها من أمهر الأطباء في مصر رغم إنها مازالت في بداية الثلاثينات.
ذهبت لها في المرة الأولى برفقة صديقتها و أخيها، للتعرف على الطبيبة.
كانت العيادة في المعادي تقع في مبنى قديم، لكنها كانت مصممة بشكل عصري ومريح.
الألوان البُنية الفاتحة المريحة والديكور البسيط مع بعض النباتات الخضراء، بالإضافة إلى الموسيقى الهادئة، خلقت جواً من السلام الداخلي.
كانت رائحة جوز الهند تفوح في المكان، مما يُعطي شعوراً بالاسترخاء.
استقبلتهم موظفة الاستقبال وسمحت له بالدخول إلى الطبيبة.
توغل لهم الشعور بالدفء عندما دخلوا إلى مكتبها، الألوان البُنية المريحة ورائحة جوز الهند مع الأزهار التوليب البيضاء والزرع الأخضر يشعرهم بالدفء.
وعلى مكتبها مجموعة من كتب علم النفس و الفلسفة وبعض الصور العائلية. و الحوائط بها لوحات هادئة ينبعث منها الراحة.
أما عن الطبيبة فكانت متوسطة الطول ممشوقة القوام شعرها بني مرفوع كذيل الحصان طويل بشرتها فاتحة ووجها مستدير خالي من أي مستحضرات تجميلية، استقبلتهم بترحيب:
-أهلا وسهلا، اتفضلوا.
-أهلا بحضرتك يا دكتورة، احنا جايين هنا عشان جميلة أختي، هي مش كويسة خالص و دايمًا بـ…
بترت الدكتورة حديثه بإشارة من يدها ثم قالت بابتسامة هادئة:
-معلش أنا اسفة، بس أنا بحب المريض هو إللي يحكي عن حالته، تقدر يا أستاذ تسبب جميلة أختك و متخفش عليها.
أومأ لها بتردد وخوف على اخته ثم خرج ومعه (روان) و (جميلة) بالداخل مع الطبيبة.
-إزيك يا جميلة، تعالي نقعد هناك جنب الزرع والورد بلاش قاعدة المكتب أو الشازلونج اتفضلي.
جلسن ثم قالت الطبيبة:
-تعالي نتعرف يا جميلة، أنا أسمي حياه،حياه المدبولي، عندي واحد وتلاتين سنة، و إنت؟.
ترددت في البداية أن تحكي لكنها قالت:
-جميلة أدهم القماش هكمل التمنتاشر بعد كام شهر.
-اخوكي بيحبك و بيخاف عليكي أوي، ليه تخليه يقلق عليكي، احكيلي أنت مالك؟
الموضوع بدا صعبٍ عليها لا تعرف ماذا تحكي، حتى ادمعت عينيها وجف حلقها فقالت لها الطبيبة:
-جميلة أنت هنا في أمان، اتكلمي يا حبيبتي عرفيني مالك.
-أنا عايزة إغير حياتي، عايزة اخلي عيلتي جنبي وفي أمان، نفسي أحس بالأمان.
-ده كلام كبير أوي، طيب احكيلي في إيه في حياتك عايزة تغيريه؟
بكت ثم قالت بمرارة:
-نفسي اغير الماضي، الماضي صعب أوي، ولسه مأثر علينا كلنا، عايزة اصلح كل حاجة.
-زي إيه؟
-نفسي احذر بابا و خالد من مظهر، ونفسي احذر جدي من سلوى، و نفسي احذر ماما من جدي، كل الناس غدرت ببعض، وأنا في الآخر بشيل ذنبهم كلهم.
-اتكلمي أكتر يا جميلة لو عايزة تحكي احكي و اعرفي أن إللي بيحصل هنا مش بيخرج أبدا.
ترددت في الكلام وظلت تبكي لمدة ربع ساعة متواصلة، وطول المدة جالسة الطبيبة أمامها دون مقاطعتها، حتى سئمت البكاء و وبدأت تتوقف، فقالت (حياه):
-لو عايزة تكملي عياط كملي، خرجي كل مشاعرك، ولو عايزة تقولي أنت حاسة بإيه قولي، لو حابه تحكي التفاصيل هسمعك.
-دكتورة أنا عايزاكي تشوف لي حل مع دماغي،دماغي مش بتسكت أبدا، دايمًا بتخيل حاجات ملهاش وجود ووحشة أوي، مبقتش عارفة أرجع جميلة القوية الشجاعة، دايما سرحانة و بفكر، و مش عايزة اقعد مع حد خالص.
نهضت الطبيبة من مكانها ثم قالت:
-كده يا جميلة هنحتاج ورقة و قلم عشان نكتب، ثانية واحدة.
توجهت الطبيبة إلى مكتبها وأخذت دفتر التدوين الخاص بها، وجلبت أيضا زجاجة من الماء البارد مع زجاجة عصير وأعطتها لها ثم قالت:
-احكيلي بقى بتحسي بإيه؟
-مش بعرف انام من التفكير، دايمًا سرحانة ومش بحس بالوقت، دماغي بتفكير في حاجات غريبة أوي.
دونت (حياه) بعض الأشياء ثم قالت:
-ممكن أعرف بتفكري في إيه؟
بدأت الدموع تظهر مرة أخرى في مقلتيها فقالت (حياه):
-لو مش عايزة يا جميلة أو مش قادرة احنا ممكن نقفل الجلسة على كدة، والمرة الجاية نتكلم.
لم تجيب عليها فقالت الطبيبة:
-طيب خلاص انتهت الجلسة النهاردة بس المرة الجاية هتحكي ولازم تعرفي أن مفيش كسوف أبدا ولا حاجه بتخرج من هنا.
انتهت الجلسة الأولى و جاء موعد الجلسة الثانية، والفرق بين الجلستين هو أنها استعدت نفسيًا و تقبلت نوعًا ما أنها تحتاج إلى العلاج.
رحبت بها الطبيبة ثم أجلستها في المكان ذاته و بدأت الجلسة الفعلية.
-جميلة أنا هسألك وأنت تجاوبي، اتفقنا؟
اومأت لها، فبدأت بالسؤال الأول:
-أنت قولتي المرة إللي فاتت بتسرحي كتير و بتفكري كتير، ممكن أعرف بتفكري في إيه، أو بلاش في إيه، عايزة أعرف عن إيه مثلا؟
خوف من الدراسة؟ من الحياة؟ هل في حد في حياتك؟ التفكير ده بيكون في حاجات مختلفة؟ احكيلي بتفكري إزاي؟
-حصلت حاجات كتير في الماضي محدش يعرفها غيري، وأنا خايفة منها.
-الحاجات دي عن مين؟
-عن اهلي.
-وخايفة ليه يا جميلة؟، لو عايزة تحكي احكي.
قصت لها (جميلة) ما استطاعت دون التدخل في تفاصيل، وبالطبع هذا بعد تردد كثير، لكن أسلوب الطبيبة معها أعطى لها حرية أكثر حيث أنها أحست أنها تتسامر مع صديقتها.
-طيب يا جميلة، و أنت بقى بتفضلي تفكري في الماضي، وإيه إللي ممكن يحصل.
-ايوة بالظبط.
-طيب أنت مش شايفة أن التفكير ده طبيعي بسبب الضغوطات إللي عندك؟
أنا بفضل أقول كده إني مش محتاجة دكتور بس صديقتي و اخويا هما إللي شايفين إني محتاجة دكتور.
-جميلة هسألك اسئلة تجوابي بـ أه أو لأ، ومع انتهاء الأسئلة هتنتهي الجلسة.
استعدت (جميلة) وقد أحست ببعض الراحة عندما حكت و تكلمت معها، فسألت الطبيبة:
-هل بتنعزلي عن الناس دايمًا يا جميلة، بس معنى الانعزال هنا الانعزال بجد؟
فردت:
-آه.
-هل بتصنعي لنفسك سيناريوهات ملهاش وجود تشاؤمية؟
-آه.
-هل بتفكري دايمًا بطريقة سلبية في كل حاجة؟
آه.
-هل دايمًا قلقانة من غير سبب واضح للقلق؟
-آه.
-هل دايمًا بتعملي تحليل المواقف بأفكار تشاؤمية و بطريقة بالغة؟
-آه، عشان بكون خايفة، فبفكر كتير أوي في كل حاجة.
حدقت فيها الطبيبة بتمعن ثم قالت:
-فكري في السؤال الجاي يا جميلة قبل ما تجاوبي، عشان السؤال ده هو إللي هيحدد مرضك.
ظهر القلق على قسماتها لكنها اومأت لها، فقالت الطبيبة:
-هل بتتكلمي مع نفسك في دماغك أو بصوت عالي مسموع، و بتحسي أن في حد في دماغك بيرد عليكي؟
-آه.
اغمضت الطبيبة عينيها بأسف ثم قالت و الابتسامة مرسومة على وجهها المستدير:
-الجلسة خلصت، نتقابل المرة الجاية، وهعرفك فيها عندك إيه، عايزة تقولي أي حاجة قبل ما نخلص؟
هزّت (جميلة) رأسها بالنفي، وقد انتهت الجلسة الثانية.
في الجلسة الثالثة بدأتها الطبيبة بالترحيب كالعادة ثم قالت بأسلوب رسمي لأول مرة:
-جميلة، عايزين نبتدي بجد تشخيص المرض عشان نعرف نبدأ في علاجه، عشان كده هديكي ورقة فاضية تكتبي فيها مشاعرك بالظبط و بتحسي بإيه، و فاكرة الأسئلة بتاعت المرة إللي فاتت اكتبي عنها بتحسيها إزاي، أنا هديكي نص ساعة تكتبي فيها.
أخذت (جميلة) الورقة والقلم وبدأت في الكتابة، وبالطبع الأمر صعب عليها، حتى أحست باختناق وغصة في حلقها لكن الطبيبة شجعتها على الكتابة و بدأت تساعدها في بأنها تسألها بعض الاسئلة و إذا الإجابة كانت نعم تكتب، وإذا لا لا تكتب، حتى انتهت من الكتابة و بدأت (حياه) بالقراءة بعينيها.
-دايمًا بحس بقلق مفرط تفكير زايد، و منعزلة عن أكتر حاجات كنت بحبها زي مثلا الخروج والسهر مع صاحبتي، و أي مناسبة بتهرب منها مع إني بكون عايزة أحضرها، و دايما سرحانة و متلخبطة، و أكتر حاجة مستفزة هي دماغي، دايما بتفكر في حاجات مش موجودة، الأول كانت عشان إللي الأسرار إللي اكتشفتها دلوقتي بقت عن أي حاجة في حياتي، لازم أفكر فيها لوقت طويل بسلبية، و بحس دايمًا دماغي بتتكلم و أنا برد عليها في دماغي، أو بصوت عالي.
انتهت من القراءة و وضعت الورقة جانبًا ثم تحدثت برسمية:
-جميلة، أنت أول ما جيتي هنا افتكرت إنك عندك اكتئاب، بس اكتشفت أن الموضوع مش اكتئاب بس.
زفرت ثم قالت بهدوء:
-الاكتئاب أعراضه هي الحزن و التعب و الإرهاق بدون سبب، فقدان الاهتمام بأي حاجة بتحبيها هواية أو أشخاص أو حتى نفسك، تغيرات في الشهية و النوم ممكن الأكل و النوم يزيدوا بشكل غير طبيعي أو يقلوا لدرجة الاغماء، انعدام شغف و انعزال عن الحياة، ولو الحالة صعبة أوي ممكن يؤدي إلى أفكار انتحارية، ده الاكتئاب بيكون بسبب ضغوطات ومشاكل نفسية.
صمتت لبرهة ثم وضعت يديها على فخذها وقالت والابتسامة مرسومة على وجهها برفق:
-أما متلازمة الحديث المفرط مع النفس ما تُسمى متلازمة جوسكا، دي بتكون عبارة عن انعدام شغف في الحياة، انعزال عن الناس، قلق زائد، أفكار تشاؤمية، تحليل زائد للمواقف، تتكلمي مع نفسك بصوت عالي أو في دماغك، تسرحي كتير بالساعات، أفكار متكررة، أوهام، اضطرابات في النوم و في الحياة الاجتماعية، رسم سيناريوهات وتحليلات في دماغك ملهاش معنى.
عقدت (جميلة) حاجبيها باستغراب ثم قالت:
-بس يا دكتورة أنا أعرف أن متلازمة جوسكا دي حاجة حلوة و يتكون عند كل الناس تقريبا، و هي أنك بترسمي لنفسك عالم خيالي في دماغك و بتكوني مبسوطة بكدة.
تخلت (حياه) عن طابع الرسمية وقالت:
-ايوة يا جميلة صح، زي مثلا أن واحدة تكون عايزة تتجوز واحد فتعمل سيناريوهات حلوة بينهم، أو مثلا واحدة بتقرأ روايات و رواية عجبتها خلصت فبتكملها هي في عقلها أو مثلا حاجة خيالية زي مثلا انك سمكة و عايشة في الماية و مبسوطة.
-ايوة يا دكتورة بالظبط مش دي متلازمة جوسكا؟
-بصي يا جميلة، متلازمة جوسكا اسمها العلمي التحدث مع الذات، أو الحديث الداخلي ده أولا، ثانيًا في حاجة اسمها التخيل الطبيعي هو جزء من الخيال البشري، ويمكن يكون ممتع ومفيد، زي تخيل سيناريوهات إيجابية أو أهداف مستقبلية، أنك مثلا متجوزة أمير غني.
سكتت تتفرس ملامحها الغير مستوعبة بقدر كافي ثم قالت توضح أكتر:
-اللي أنت قولتيه يا جميلة ده تخيل عادي مش متلازمة جوسكا، مصاب متلازمة جوسكا عمره ما بيفكر بالإيجابية، عمر ما السيناريو بتاعه هيكون عن أهداف مستقبلية لأنه دايمًا عنده نظرة تشاؤمية للحياة، رسم الخيالات الإيجابية السعيدة ده من ضمن الحاجات الأساسية إللي بتحصل لكل البشر، و للأسف الناس فاكرة أنها لما تتخيل أي حاجة كده اسمها مصابة بمتلازمة جوسكا، عشان الناس ماشية ورا أي حاجة من غير ما تعرف هي إيه ،و المشكلة بتكون مبسوطة بأنها مثلا مريضة.
-طيب يا دكتورة هي جاتلي بسبب إيه؟
-بصي هي ليها أسباب كتيرة أوي و بتختلف من شخص إلى آخر من حيث الأسباب، ممكن تكون أسباب وراثية مثلا، بس في حالتك أنت بسبب الاكتئاب و الضغوطات النفسية والمشاكل الحياتية.
-مش حضرتك قولتي متلازمة جوسكا حاجة و الاكتئاب حاجة تانية؟
-ايوة يا حبيبتي،بس أنت في حالتك دي جاتلك متلازمة جوسكا بسبب الاكتئاب و طبعا ده مش سبب رئيسي للمتلازمة، هفهمك براحة.
أطلقت تنهيدة ثم أكملت بنبرة هادئة تحت نظرات (جميلة) المتوترة:
-أولا هو يعني إيه متلازمة، المتلازمة دي حاجة بتلازمك علطول كل يوم في جميع الأوقات، طيب إيه هو اسمها العلمي، اسمها الحديث السلبي مع النفس، اتسمت متلازمة جوسكا نسبةً للعالم الذي وصفها لأول مرة وهو سوساك أو جوسكا، عشان كده الناس بتقول عليها متلازمة سوساك، أو متلازمة جوسكا نسبةً ليه.
توقفت الطبيبة عن الحديث لبرهة لتعطي لها فرصة الاستيعاب ثم قالت:
-متلازمة جوسكا من أعراضها تغيرات في الشخصية وفي التفكير، ورسم سيناريو في دماغك زي أحلام اليقظة كده بس بطريقة سلبية و مفرطة، وكمان الحديث الداخلي المفرط، و طبعا بتسرحي، بتتعصبي على اتفه الأسباب و بتتجنبي أي حاجة كنت بتحبيها حتى المناسبات الخاصة ليكي أو لشخص أنت بتحبيه، وعمرك ما هتفكري بطريقة إيجابية، و بتكوني و أنت بتفكري اكنك مغيبة يعني مش بتحسي بالوقت ممكن تفضلي ساعات و أنت مش حاسة بنفسك، ولو حسيتي بنفسك مش هتقدري توقفي دماغك عن التفكير لأنك مش هتعرفي تتحكمي فيها أصلا، وهرجع تاني أقول هي اسمها متلازمة يعني بتلازمك لوقت كبير، مش مثلا شهر ولا اسبوع.
أخذت أنفاسها و ارتشفت من زجاجتها الماء البارد ثم اكملت:
-سبب المتلازمة الضغوط النفسية والصدمات العاطفية، الشعور بالعجز والضعف، العزلة الاجتماعية، احتياجات عاطفية غير ملباة في الطفولة، بالإضافة إلى عوامل وراثية واضطرابات نفسية مصاحبة، وفي حالتك أنت هي بسبب الضغوطات النفسية و الصدمات و الشعور بالعجز.
ربتت على كتفها و أعطت لها منديلًا ورقي لتمسح دموعها المتساقطة، ثم أخذتها الطبيبة و اجلستها على الشازلونج باسترخاء ثم اكملت:
-أنا كده اكون فهمتك مرضك بس عايزة أوضح حاجة، الناس إللي بتسمي نفسها عندها متلازمة جوسكا لأنها بتتخيل كتير و بترسم سيناريوهات خيالية و بتتخيل أشخاص خالية دي غلطانة،ده اسمه تفكير طبيعي عادي و غالبًا بيكون الشخص ده عايز يفكر أصلا، إنما إللي عنده اضطراب تفكير و الحديث السلبي مع النفس يا جميلة مش بيعرف يسيطر على افكاره، لأنها بتكون غصب عنه و يسبب له مشاكل في حياته و ممكن تؤدي إلى أمراض تانية كتير، زي الوسواس القهري و الاكتئاب، و لو المريض في حالة خطيرة ممكن تؤدي إلى الفصام.
قالت (جميلة) بنبرة مرتجفة خائفة:
-و أنا دلوقتي في أنهي مرحلة، هل أنا عندي الفصام؟
-أنت موصلتيش للمرحلة دي الحمدلله، المرحلة بتكون من كتر كلامك مع نفسك بصوت مسموع ومعرفتيش تسيطري بأي شكل على حالتك بتؤدي إلى تكوين شخصية تانية غير شخصيتك الحقيقة، و طبعا الفصام ده خطير جدا، ممكن تحاول شخصيتك التانية اقناعك بحاجات مش موجودة في الواقع، أو تقنعك بالانتحار أو حاجات تانية كتير، بس أنت متقلقيش، أنت بنت قوية و هتتعالجي بسرعة كمان.
أخرجت (جميلة) أنفاسها بحرارة ثم قالت:
-هنبدأ علاج امتى؟
-لما تتعرفي عن حالتك الأول، لازم تعرفي عن نفسك كل حاجة قبل ما تبدأي بالعلاج، عشان كده لو عندك سؤال اسألي، و أول ما تروحي البيت تعملي بحث عن المتلازمة و اتعرفي عليها أكتر، و هنبدأ العلاج من الجلسة الجاية.
-ايوة عندي سؤال يا دكتورة، ليه قولتليلي أن حالتي دي بسبب الاكتئاب من شوية؟
-لأن يا جميلة أنت بدأ معاكي الموضوع بأكتئاب بعد كده اتحول إلى فرط تفكير وقلق، بعد كده حديث مع نفسك بشكل سلبي، ممكن يحصل مع حد غيرك العكس أن قلت من شوية بردو أن الموضوع ممكن يكون من الطفولة أو عوامل وراثية، فممكن بسبب التفكير الزائد والقلق المفرط تدخلي في حالة اكتئاب لأنك مش عارفة توقفي دماغك عن التفكير و التحليل لكل حاجة، يعني الموضوع مع حد غيرك يجي بالعكس.
سألت (جميلة) سؤال كان يدور في خلدها:
-طيب يا دكتورة أنا زمان، من الأول يعني قبل ما اعرف حاجة، كنت بكون بردو قلقانة أو بفكر كتير وكنت ببقى متوترة.
-ده طبيعي يا جميلة مفيش حد مبيتوترش بس هوضحلك الموضوع من جميع الجوانب على شكل مثال و ركزي كويس.
هزّت رأسها بالموافقة فبدأت (حياه) بالكلام:
-اعتبري مثلا انك عندك بكرة مقابلة شغل لأول مرة، انترڤيو يعني، لو فكرتي مثلا في هلبس إيه بكرة و يا ترى هتقبل في الشغل أو لا يا ترى هقدم كويس، و معرفتيش تنامي من التوتر و طول اليوم بتفكري في بكرة يبقى ده شيء طبيبعي و بيمر علينا كلنا، إنما لو فكرتي في لو روحت الانترڤيو مش هتقبل و اللبس إللي عندي وحش و ممكن وأنا رايحة اتأخر على المعاد أو عربية تخبطني و اقعدتي تتخيلي الانترڤيو بتاع بكرة بنظرة تشاؤمية و مش إنك بس متتقبليش مثلا لو الموضوع وسع منك، لدرجة إن ممكن تقولي الشركة دي مش موجودة أصلا و دي ناس عشان تخطفني، أو عربية هتخبطني و اتخيلتي السيناريو و أنت في المستشفى خلاص بتموتي، يبقى ده متلازمة جوسكا وأنت في خطر، لأن دايمًا هيكون في صوت بيقولك ايوة هيحصل كده في الانترڤيو، وأنت صح و هتحسي حد بيتكلم معاكي.
انتهت الجلسة الثالثة، و تقابلت الطبيبة مع (رحيم) لشرح الحالة أخته، و طريقة علاجها:
-جميلة شجاعة و قوية أوي يا أستاذ رحيم، و الحالة دي بسبب الضغوطات النفسية، و أنا محتجاك جنبها في فترة العلاج.
-أكيد طبعا يا دكتورة هكون جنبها.
-أول حاجة يا أستاذ رحيم أنا هكتب لها أدوية، بس مش كتير و مش مضرة خالص، الأدوية دي زي مهدئات عشان تعرف تفكر باسترخاء و تنام، و هو دواء واحد بس إللي هتحتاجه، و الدوا التاني هيكون لوقت الضرورة زي مثلا عياط هيستيري أو حالة صعبة زي مثلا الكلام مع نفسها بصوت عالي، تعيط على حاجة مش موجودة.
كتبت له الروشتة بأسماء الأدوية ثم اكملت طريقة العلاج الثانية:
-الحاجة الأهم هي الدعم الاجتماعي من اهلها و الناس إللي حوليها، و أنا كل جلسة هقوللها على حاجات تعملها زي مثلا أنها تخرج من البيت و تتمشى الصبح بدري، أو تدخل سينما، أو تأكل أكل بتحبه أو تخرج مع شخص بتحبه، وحاجات تانية كتير عايزة حضرتك تكون داعم أول ليها.
وفي الجلسة الرابعة بدأت (جميلة) تسأل الطبيبة و تتعرف أكثر عن مرضها، وتشكو لها من رأسها و مواخفها فردت عليها الطبيبة:
-عشان كده يا جميلة احنا عايزين نبدأ في العلاج الفعلي،ومحتاجة منك واجبات كتير أوي، ولأنك قوية يا جميلة قررت إني همشي معاكي كذا خطوة لقدام، عشان انتي خلاص هتدخلي الكلية و اكيد محتاجة تتعالجي قبل المرحلة دي.
ردت (جميلة) بنبرة هادئة ثابتة:
-و إيه هو العلاج الفعلي؟
-أولا عايزاكي تنزلي تتمشي الصبح مع صاحبتك روان و اتكلمي معها عن أي حاجة عشان التفكير في دماغك يقل شوية، و ياريت لو تتمشي الساعة تمانية الصبح مثلا في مكان هادي ده أول حاجة، تاني حاجة بقى، فكرة يا جميلة الورقة إللي كتبتيها هنا قبل كده لما قلتلك عرفيني حاسة إيه دلوقتي؟
هزّت رأسها بالإيجاب، فاكملت:
-عايزاكي أول ما تحسي أن دماغك بدأت تفكر تمسكي ورقة و قلم و تكتبي أفكارك كلها كل حاجة بتتقال في دماغك اكتبيها و في ورق مش على الموبايل، و عايزاكي تجيبي الورق دي معاكي المرة الجاية و متخفيش أنا مش هقرأ منه حاجة، و عايزاكي يا جميلة دايمًا تشغلي قرآن جنبك و تقولي الاذكار، وتنامي جنب حد متنميش لوحدك، و اقعدي وقت طويل مع أهلك، والكلام ده اخوكي رحيم هيعرفوا عشان لو معملتيش حاجة منهم هو هيجبرك بقى أو يعاقبك أو براحته يسيبك، بس أنا واثقة انك قوية و هو هتسمعي كلامي.
ابتسمت بهدوء ثم قالت:
-أنا أكيد عايزة اخف وارجع زي الاول عشان كده هعمل كل إللي حضرتك قلتي عليه.
انتهت الجلسة، و بدأت الأخرى ومع بدايتها قالت الطبيبة بعد ما رحبت بها بوجه بشوش:
-كتبتي الورق؟
-ايوة.
-طيب يا جميلة براڤو، طلعي الورق و احرقيه.
صدمت (جميلة) في البداية ثم سألت لماذا فقالت الطبيية:
-أكيد هتكوني مبسوطة و أنت بتحرقي أفكارك الرخمة، و أكيد و أنت بتكتبي الورق دي حسيتي بتشتيت و مفضلتيش سرحانة لوقت طويلة.
ابتسمت (جميلة) بسعادة ثم ذهبت إلى سلة المهملات و أخذت القداحة من الطبيبة ثم بدأت بإشعال طرفها والسعادة تغمرها.
وفي نهاية الجلسة قالت الطبيبة المهام الجديدة
وهي:
-عايزاكي تروحي جنينة و تلعبي فيها كورة مثلا أو تاكلي فيها، أو تروحي ملاهي و تلعبي و تتفسحي فيها، و طبعًا خليكي منتظمة على الدوا، و حاجة مهمة جدا بقى كل يوم يا جميلة تخرجي من البيت، لأي سبب، و دايمًا اشغلي نفسك، عايزاكي تتعلمي الطبخ، دايمًا اقفي في المطبخ واعملي حاجة حلوة، مش طبيخ بس لأ اعملي حلويات، اشغلي نفسك، اتفرجي على مسلسلات، و أهم حاجة اصحي بدري يا جميلة و نامي بدري، و دايما اكتبي مشاعرك و تعالي هنا عشان تحرقيها.
استمرت الجلسات بهذه الطريقة حتى استعاد (جميلة) بعد وقتٍ طويل نفسها، لكنها في الوقت الراهن ما زالت تتابع جلساتها، لأن الطبيبة نبهتها من انهاء المتابعة في وقت مفاجئ لأنه من الممكن أن يعكس الأمر بطريقة سلبية، وهي ما زالت تأخذ المهدئات و الأدوية و تنفذ تعاليم الطبيبة (حياه المدبولي) التي أصبحت صديقتها.
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق