رواية هيبه الفصل الحادي والأربعون والثانى والاربعون والثالث والاربعون والرابع والاربعون والخامس والاربعون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول
رواية هيبه الفصل الحادي والأربعون والثانى والاربعون والثالث والاربعون والرابع والاربعون والخامس والاربعون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول
( 41 )
_ امرأتي _ :
ليلة زفاف ابنته ..
كانت تلك هي الليلة الوحيدة منذ سنواتٍ طويلة التي يغطّ فيها بنومٍ عميــق ..
إذ لم يكن ليتخيّل حتى بأحلامه أن تتزوج فتاته خاصةً بسبب وضعها وحالتها العقلية العقيمة، لكنه حدث، الزواج حدث، وقد تزوّجت "ريهام البدري" من أحد أبرز وألمع رجال الشرطة المصرية قاطبةً ..
تزوّجت بـ"زين نصر الدين".. وكان مجرد إدراك ذلك يبعث فيه الطمأنينة والراحة ..
لقد باتت ابنته في آمنة طوال حياتها، ولم يعد قلقًا عليها، أخيرًا استطاع أن يضمن لها مستقبلًا واعدًا، فإن لم يكن الزمن يخبئ لها عائلة تصنعها وتؤسسها، فإنه حتمًا سيمنحها من تأنس بقربهم ويحاوطونها بالمودة والدفء حتى رمقها الأخير ..
لن تبقى "ريهام" وحبدة بعد اليوم ...
-قـووووووووم.. اصحـــــــــــــــــــــــــى ...
هبّ "عاصم البدري" من نومه مفزوعًا على إثر صياح ابنه ...
-عمــر! فـي إيـه إيـه إللـي حصـل؟؟؟!!
بالكاد نهض "عاصم" من فراشه ساحبًا روب بيجامته من فوق الأريكة الملاصقة للسرير، بينما يعترضه "عمر" هاتفًا بعنفٍ:
-اتغفّلت يا معالي السفير.. اتغفّلـــــــت.. وروحت إديت بنتك لنا من الأول عايزين يستخدموها ويعملوا منها ورقة ضغط. انت ضيّعت ريهام.. ضيّعت أختــي!!!
شلّ عقل "عاصم" عن التفكير أو الفهم، ليستوضحه بعصبيةٍ:
-انت بتقول إيه؟ وضّح كلامك يا عمر وفهمني قصدك!!
عمر يغلظةٍ: أفهمك إيه؟
هو انت عقلك ده كان فيـن؟ فالح بس تتقن دور الندل في كل مراحل حياتنا؟
انت إيـــــه؟ للدرجة دي بتكرهنا؟؟؟؟؟
رنّت صفعةً مدويّة بأرجاء الغرفة، كما علّمت أصابع كف "عاصم" على صدغ "عمر" الذي أدار وجهه ثانيةً تجاهه، لينظر إليه بنظراتٍ دموية، بينما يقول "عاصم" بصوتٍ متحشرج من شدة الغضب:
-أنا فضلت ساكت عليك كتير. استحملت قلة أدبك بما فيه الكفاية
بس في حدود. وانت ماتنساش نفسك أبدًا وانت واقف قدامي. أنا أبــوك
أنا عاصم البدري. بهاودك وبعاملك بلطف بس ده مش ضعف مني. وفي أي وقت يا عمر شوفتك محتاج رباية يبقى هاتتربّى!
-أنا قلتها لك قبل ما أمشي!.. تمتم "عمر" من بين أنفاسه الملتهبة:
-انت مابقاش عندك ابن اسمه عمر.. وقريب هاتخسر بنتك.. ريهام هاتموت بسببك. زي أمل. زي أمي!!
وتراجع بعيدًا عنه خطوةً واحدة وهو يضيف بجفاف:
-أنا هارجعها.. هاعمل المستحيل وأرجعها بس للأسف. مش هقدر أمنع القدر
زي ما حصل زمان ومقدرتش أمنعه لما أمي ماتت.. أتمنى تكون نهايتك أسوأ من نهايتها. وهاتبقى لوحدك ساعتها.
وجاء ليذهب من أمامه، تحرّك "عاصم" على الفور قابضًا على ذراع ابنه هاتفًا بصلابةٍ:
-انت كنت جاي تقولّي إيه؟ إيه إللي عرفته وعمل فيك كده يا عمر؟
أدار رأسه مجددًا ليرمقه بنظرةٍ انتقامية أخيرة، ثم قال بهدوءٍ:
-عقابك تكون جاهل.. وزي الأطرش في الزفة
أنا مش هاريّحك ولا هقولك حاجة.
وشدّ ذراعه بقوةٍ من قبضته، ثم انطلق مغادرًا من فوره، مغادرًا حياة أبيه للأبد ..
أما "عاصم" فلم يتجاهل كلام ابنه، بل إنه قد أحس بالخطر المحدق، الآن فقط ..
ألقى نظرة صوب ساعة الحائط، وجدها قد تخطّت الثامنة صباحًا، إتجه في الحال نحو الخزانة ليبدل ملابسه ..
سوف يتوجه رأسًا إلى منزل آل"نصر الدين" ...
__________________________________________________________
قلّت جودة نومها مؤخرًا إلى حدٍ كافٍ جعلها تميز أقل حركة تمر بجوارها ..
رصدت "ليلى" تحركات "نديم" منذ الصباح الباكر، ولاحظت الهدوء المتعمّد الذي بذله لكي لا يزعجها ويقلق منامها النادر، في البداية سمعته يغتسل بالحمام، ثم يخرج ويرتدي ملابسه ..
وعرفت بالضبط الثانية التي غادر فيها الشقة ..
لتقوم مسرعة من الفراش، تخرج من الغرفة مندفعة نحو باب الشقة، أمسكت بالمقبض لتفتحه، لكن الصدمة!
موصد!!
لقد حبسها ..
لماذا لم تتوقعها منه؟
ألم تبدي له مرارًا رغبتها في تركه؟
هل ظنّت أنه بهذه السذاجة كي يترك لها بابًا مفتوحًا لتهرب منه؟
إنه "نديم الراعي".. تحتّم عليها أن تدرك وتؤمن بأنه رجلٌ لا يترك شيئًا للصدفة ..
ومؤكد بأنه لن يتركها، مهما كلفه الأمر، لن تخرج من حياته بسهولة، أو لعلها لن تخرج أبدًا ما دام أحدهما على قيد الحياة ...
-مش هاتحبسني يا نديم! .. تمتمت "ليلى" لنفسها وهي تتلفت حولها بحثًا عن أيّ ثغرة
لم تتقبّل الواقع الذي فرضه عليها ..
وفجأة لمعت الفكرة برأسها، انطلقت تجاه المطبخ، وأتت بسكينٍ غليظٍ، عادت إلى باب الشقة وبدأت محاولاتها بفتح القفل، كسره ..
أمضت ثلث ساعةٍ بلا كللٍ أو مللٍ، تباشر جهدها الدؤوب في تحرير نفسها، كم هو قوي ذلك الهيكل الخشبي!
لم يتحطّم بسهولةٍ، وجعلها تصبب عرقًا حتى استطاعت نزع القفل عبر إحداث فجوةً عميقة من حوله!!
تنفست "ليلى" الصعداء وهي تجذب القفل في قبضتها وتبقيه أرضًا، لا تصدق بأنها نجحت، والباب مفتوحًا الآن ..
جذبته لتخرج ..
لكنها تنصدم مرً أخرى، حين وجدت بابًا آخر من حديد موصدٍ بقفل كبير سيكون مستحيلًا عليها فتحه أو كسره مهما حاولت!!!
سالت دمعة قهرٍ من عينها وهي تجثو على ركبتيها منهكة وخائرة القوى، وتشعر مجددًا بالهزيمة، هزيمةً مقدّرة عليها ...
____________________________________________________________
ينفحا جفناها دفعةً واحدة، كدأب كل صباح، هكذا تستيقظ "ريهام البدري" وتلتمع الأنجم في أفق عيناها الزرقاوان في جمالٍ حيّ وفريد ..
لوهلةٍ استغربت المكان من حولها، ثم ما لبثت أن تذكرت، رفست الغطاء وقامت من السرير الواسع متلفتة حولها، لم تجد أثرًا له ..
أين ذهب؟
لم يكاد الخوف يستقر بقلبها، إلا وسمعت حركة من خلفها، استدارت، لتجده يخرج من باب الحمام الملحق بالجناح ...
-زيـن! .. هتفت "ريهام" بجذلٍ
بدا على وجهها الارتياح ما إن رأته ..
بينما يغلق خلفه باب الحمام ويقف للحظاتٍ بمكانه، يحدق فيها مبتسمًا وهو يشدّ زنار روب الاستحمام حول خصره جيدًا:
-صباح الفل على أحلى ريري.
سار ناحيتها وهو يجفف شعره القصير بمنشفةٍ صغيرة ...
-إيه يا حبيبتي نمتي كويس؟ .. سألها بنبرةٍ هادئة
تطلّعت "ريهام" إليه مشرأبة بعنقها لفرق الطول بينهما، ابتسمت له بحبورٍ قائلة:
-آه نمت كويس.. بس انت ضحكت عليا ومش نمت جنبي!
وكشرت فجأةً ..
اعتذر منها بلطفٍ:
-أنا آسف يا ريري. ماحبتش أضايقك. أصل أنا نومي محدش يستحمله بصراحة.
لم تفهم ما قاله، فأصرت:
-ماليش دعوة انت لازم تنام جنب ريري كل يوم.
-كل يوم كل يوم؟
-آه كل يوم كل يوم.
ضحك بخفةٍ وقال:
-حاضر ياستي. أوامر.. هانام جنبك كل يوم. بس استحملي بقى أنا بشخّر!
اتسعت عيناها بذهولٍ، فساومها رافعًا حاجبه:
-هـاااا.. إيه رأيك؟
لسا عايزاني أنام جنبك؟
ردت على الفور:
-آه لسا عايزاك تنام جنبي.. عادي ميمي ساعات بتشخر.
أطلق ضحكةً مجلجلة قائلًا:
-طيب.. إللي انتي عايزاه يتنفذ يا حبيبتي.
وتجاوزها متوجهًا نحو حجرة الملابس الصغيرة، تبعته، فانتبه إليها بينما يلقي بالمنشفة من يده وقال بهدوء:
-عاوزة حاجة يا ريري؟
هزّت رأسها: بتعمل إيـه؟
-هالبس هدومي يا حبيبتي. مش معقول يعني أخرج بالمنظر ده.
-هاتروح فين؟
-شغلي.
مطّت شفتها بحزنٍ وقالت:
-هاتسيب ريري تقعد لوحدها هنا؟
-غصب عني يا ريري. لازم أروح شغلي. مش باباكي وأخوكي كان عندهم شغل وبتشوفيهم وهما خارجين؟
أومأت له ..
-طيب. شوفتي بقى أنا زيهم بالظبط. لازم أروح شغلي.
زفرت بضيقٍ قائلة:
-طيب هاتيجي امتى؟
زين مبتسمًا: مش هاتأخر عليكي. بصي.. انتي هاتفضلي قاعدة هنا مستنياني لحد ما أرجع
هابعت لك فطارك تفطري وتقعدي بعدها تعملي إللي انتي عايزاه. عندك تي في وعندك البلاي ستيشن بتاعي موجود لو بتحبي تلعبي عليه
وأنا في ساعة الغدا هاتلاقيني رجعت ومعايا ميمي. هانتغدى وأخدك نلف شوية في البيت عشان تتعرفي على المكان كله.. خلاص اتفقنا؟
بدا ما قاله مقنعًا ..
ابتسمت بجذابيتها المعهودة وقالت:
-اتفقنا!
وباغتته وهي تشبّ على مشط قدميها لتطبع قبلةً رقيقة فوق خدّه ..
أجفل من تصرفها واضطرب بشدة، خاصةً وأنها لم تبتعد فورًا، فأتاح له قربها استنشاق رائحتها الدافئة، الشيء الذي جعله ينسى نفسه للحظاتٍ وهو يحدق في وجهها ذي الملامح الأنثوية البريئة ..
تنحنح عدة مرات وهو يقول بتوترٍ طفيف:
-خلاص بقى.. استنيني برا شوية لحد ما ألبس هدومي.
أطاعته عائدة للداخل في صمتٍ ..
بينما يطلق زفرة حارة من صدره وهو يشعر بالحرارة تجتاح جسده بالكامل ..
هذا ليس جيدًا، وما يجري له ليس مقبولًا على الإطلاق، عليه أن يجد حلًا ..
حلًا يذكره دائمًا بحقيقة وضع تلك الفتاة المسكينة، الفتاة التي صارت بين عشية وضحاها زوجةً له، امرأته أمام الناس ..
لكنه يدرك جيدًا أن ما من أملٍ في علاقتهما، لن تكون هناك علاقة حقيقية بينه وبينها، لذلك عليه أن يكفّ عن رؤيتها كـ امرأة ..
إنها مجرد.. ملاك!
ملاكٌ بريئ لا ينبغي أن يدنّسه ...
_________________________________________________________
اجتماعه العاجل برفقة مستشاره القانوني انقطع فجأةً ..
حين ورده اتصالًا من حارس البناية التي تقع بها شقته السريّة، يخبره بأن زوجته أحدثت جلبة شديدة أزعجت بقيّة الجيران ..
عاد على وجه السرعة إلى الشقة، ونظر بصدمة إلى الباب الخبي الذي تحطّم تقريبًا، دفع بالمفتاح بقفل الباب الحديدي وهو ينظر إلى الداخل مفتشًا عنها بالقرب، لكنه لم يرى شيئًا ..
اقتحم الشقة مثل إعصارٍ، يبحث في كل مكانٍ كالمحموم، حتى وجدها بغرفة النوم، نائمة في وضع الجنين فوق السرير ..
تنفس بغضبٍ ملقيًا عليها نظرة ناقمة، ثم خرج ثانيةً، الارس ينتظره أمام باب الشقة ..
أستل "نديم" من جزدانه الفاخر بعضةً من الأوراق النقدية وأعطاهم إليه قائلًا بصوته الأجش:
-تروح حالًا تجيب لي نجار. أشرح له الوضع قبل ما يجي.. أنا عايز الباب يرجع زي ما كان في ظرف ساعة.
أومأ له الحارس طائعًا وقال:
-تحت أمرك يا بيه.
و ولّى ذاهبًا على الفور ..
بينما يتذرع "نديم" بالصبر، فقط حتى يعيد إصلاح ذلك الباب اللعين، ثم سيلقنّها درسًا قاسيًا!!!
__________________________________________________________
أستدعى عبر هاتفٍ معلّق بزاويةٍ ما بغرفته إحدى المستخدمات، أمرها بإعداد سفرة الفطور من أجل عروسه، وإحضارها إلى هنا ..
كان قد أرتدى ثيابه الرسمية، المؤلفة من كنزة سوداء ضيّقة تبرز عضلاته الضخمة كالمعتاد، وسروال رمادي مرقّط باللون الأسود، تترأسه شارة جهة عمله ..
نثر عطره المفضل ببزخٍ، ارتدى ساعة يده الثمينة، سحب نظّارته الشمسية في يده، ثم استدار ناحيتها ..
حيث كانت تجلس وتراقبه خفية، ما إن أولى انتباهه لها حتى تظاهرت بمشاهدة التلفاز، ابتسم بتلسية وهو يسير صوبها على مهلٍ قائلًا:
-أنا نازل يا ريري.. الفطار طالع لك حالًا. عاوزة مني حاجة قبل ما أمشي؟
هزت رأسها سلبًا ..
فمد يده مداعبًا شعرها برفقٍ، ثم قال بتنهيدة:
-أوكي.. خلي بالك من نفسك.. وماتعمليش شقاوة طول ما أنا مش هنا ..
يدق باب الغرفة في هذه اللحظة ..
هتف بصوتٍ مسموع:
-أدخل.
فتح الباب وبرزت "عطيات" قائلة:
-زين بيه.. معالي السفير عاصم البدري وصل وطالب يشوف حضرتك حالًا!.............................................................................................................................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 42 )
_ هشّة _ :
في أقل من ساعة عاد حارس العقار برفقة عامل النجارة ومعهما إطارٌ جديد بمواصفات الباب الذي نزعته "ليلى" ..
قام العامل الشاب بتركيب الإطار، ليعود الباب كأنه جديد تمامًا، حاسبه "نديم" جيدًا وأعطى الحارس بخشيشًا، ثم أصرف كلاهما ..
أقفل الباب بالمفتاح وأودعه بمزهريةٍ جانبية، ثم توجه نحو غرفة النوم، حيث لا تزال هناك، لم يسمع حركة أو همسة من جانبها ..
دلف إليها، فإذا بها تجلس أمام المرآة، وقد ارتدت ملابسها تحضرًا للرحيل، حقًا؟
تظن إنها سترحل؟
-هو ده إللي كنتي ناوية عليه! .. هتف "نديم" من خلفها والشرر يتطاير من عينيه
توقف على بُعد ذراعٍ منها، وعندما لم ترد عليه، مد يده قابضًا على ذراعها، وشدّها بعنفٍ لتقف قبالته:
-كنتي مستنياني أغفل عنك في أي لحظة عشان تهربي مني يا ليلى؟
كتمت "ليلى" الوجع الذي يسببه لها وهي تقول ببرودٍ شديد:
-أيوة.. كنت ناوية أهرب. بس مش منك
من كدبك.. من خيانتك وطعنك فيا!!
عبست ملامحه بشدة وهو يقول مشددًا قبضته عليها أكثر:
-أنا خنتك؟ أنا كنت بحميكي من الحقيقة
أنا حميتك طول عمرك يا ليلى. وفي الآخر مصرّة تطلعيني أنا الوحش في كل ده؟؟!!
أفلتت صرخة ألم وقهرٍ من بين شفتيها وهي تردد:
-الحقيقة دي هي كل إللي عملته فيا. أول طعنة جات لي كانت بإيدك انت.. أنا كمان كنت فكراك بتحميني. لحد ما سمعتك بوداني يا نديـم!!
يتنفس "نديم" بعنفٍ، صوته يرتجف بين الغضب والندم وهو يقول:
-أنا بحبك.. ماكنتش عايز حد ياخدك مني أو يشاركني فيكي.
ليلى ببكاءٍ مرير:
-إللي بيحب بجد مايدنسش إللي بيحبه يا نديم.. مايقبلش عليه كلمة من أي حد. بس تخيّل إني سمعت كلام زي ده منك انت
انت بوّظت كل حاجة حلوة كانت بينّا. الحب إللي كان جوايا ليك حاولت أدوّر عليه. بس خلاص.. مابقتش لاقياه!
دفعته كلماتها إلى حافة هاوية من الجنون حقًا ..
طوّق خصرها بذراعه، وقبض على فكّها بقسوةٍ متمتمًا من تحت أنفاسه الحارقة:
-مابقتيش لاقياه هه؟ الحب إللي فتحتّي عينك عليه. إللي كبرتي في حضنه لحد ما قبلتي بإرادتك تكوني ملكه.. دلوقتي مابقاش موجود؟ طيب ما تيجي ندوّر عليه سوا يا ليلى.. تعالي أما أساعدك عشان تلاقيه!!
فهمت نيّته قبل أن يهمّ بها ..
لتحتج صارخة ومحاولة الفكاك منه:
-أنا حلفت.. مش هاتلمسني تاني
انت سامع؟ مش هاتلمس شعرة مني!!!
باءت كل محاولاتها في الفرار بالفشل المزري، بينما يضحك باقتضابٍ متهكم وهو يقول:
-مش هالمس شعرة منك!
انتي جسمك كله بين إيديا يا ليلى.. انتي أصلًا كلّك بتاعتي
ماتقدريش تنكري ده مهما عملتي ..
أفلتها للحظاتٍ كي يتمكن من نزع سترته، لكنه وقت كان كافيًا ليتيح لها الهرب من بين يديه والركض نحو باب الغرفة!
شهقت بهلعٍ حين وجدته يستبقها إليه ويعترض طريقها، جمدت بمكانها، بينما يغلق الباب بقدمه وينظر إليها بتصميمٍ وهو يحلّ أزرار قميصه قائلًا بخفوتس مخيف:
-ماتبصليش كده وتحسسيني إنها أول مرة أو إني بجبرك.. إنتي مراتي.
هزّت رأسها بقوة وبدأت بالتراجع للوراء تزامنًا مع تقدّمه نحوها ...
-مش هاتاخد إللي انت عايزه بالسهولة دي!
لاحت على ثغره ابتسامة شيطانية وهو يرد عليها:
-ومين قال إني بحب الحاجة السهلة؟ انتي طول عمرك كنتي حلم صعب أوصله. وده إللي علّقني بيكي أكتر. ده إللي خلّاني مجنون بحبك أكتر!
وكدأبه لا يمنحها فرصة لتتوقع خطوته التالية، مد ذراعه في لمح البصر لافًا إيّاه حولها، جذبها إليه بقوة لتصطدم بصدره الصلب ..
يتشنّج جسدها بين يديه مبديًا استنفاره، الأمر الذي يجعله يستشيط غضبًا بشكلٍ أكثر تفاقمًا، فيهمس لها بخشونةٍ:
-أنا عارف علاجك. أنا عارف إيه إللي واجعك للدرجة دي.. ابننا إللي راح
هاعوّضك عنه. هاخليكي أم تاني يا ليلى.. ساعتها بس هاترجعي لي زي ما كنتي!!
وبدون كلمة أخرى، رفعها عن الأرض ورماها فوق السرير جاثمًا فوقها، ومكبلًا حركتها الركيكة بجسده الضخم ..
مرّت أمام عينيه وهو ينظر إلى وجهها صور عديدة لها عبر مراحل نموّها، رقتها، صفاءها، براءتها التي صانها طوال عمرها معه، والتي انتزعها منها أيضًا عندما أحس بتهديد فقدانها ..
غمغم لها بينما يقيّد معصميها في قبضة، وبقبضته الأخرى يزيل ما يعوقه عنها من ملابس:
-مش متخيّل انهم كانوا شايفينك مجرد بنت عمي.. شايفنّي الأخ الكبير ليكي. وعمي نفسه إللي طول الوقت كان يوصيني عليكي
ويقولّي دي أختك. انتي عمرك ما كنتي بنت عمي. عمرك ما كنتي أختي.. انتي حبيبتي.. انتي الهوا إللي بتنفسه يا ليلى ..
سالت دموعها عبر عيناها المغمضتين، تأثرًا بكلماته التي تحاول بيأسٍ اتسمالتها، قبل لجوئه إلى انتزاع عواطفها بطريقةٍ ربما لن تجدي ما يرجوه من نتائج ..
أمرها بصرامةٍ: بصيلي يا ليلى.. بقولك بصيلي!!
لم تستطع إلا أن تذعن له، باعدت بين أجفانها وتطلّعت إليه، إلى عينيه الخضراوين بمسحة عنفٍ، إلا إنها تمكنت من رؤية العشق يطل عميقًا من نظراته الجائعة إليها ..
لفحتها أنفاسه الدافئة بينما يدنو منها مرددًا بهمسٍ حميمي:
-آن الأوان تكبري.. زي ما جسمك كبر.. عقلك لازم يكبر
لازم تفهمي إنك تابعة ليا أنا.. أنا حبيبك.. أنا نديم يا ليلى!
يذكرها بما تعرفه ويقرّ بقلبها فعلًا، أنه حبيبها، أنها ومع الأسف لا يمكن أن تتوقف عن حبّه، وأن أيّ كلمات تحاول بها إنكار ذلك الحب ما هي إلا محض كذب ..
تكذب عليه لتتركه، لتهجره، لتعاقبه على طعنه لقلبها ..
إلا إنها ومن جديد ..
تهوى في شِباكه بكامل إرادتها ...
__________________________________________________
انضم "زين نصر الدين" إلى والد زوجته على الفور، حيث أمر باستقباله في الصالون الرئيسي، وحُسن مضايفته ريثما يحضر إليه ..
يجلس "عاصم البدري" هناك أمامه فنجانًا من القهوة لم يُمس، بدا عليه الانفعال المكبوت، بينما أقبل "زين" عليه هاتفًا بحفاوةٍ كبيرة:
-أهلًا أهلًا معالي السفير.. البيت نوّر والله
مش كنت تقول إنك ناوي تزورنا؟ ده أنا كنت جاي لسيادتك. وبعدين ماينفعش تخرج منغيري يافندم!
مد يده ليصافحه، إلا إن "عاصم" رفض مصافحته وقام واقفًا قبالته وهو يقول بصلابةٍ:
-زيـن.. أنا عايزك تفهمني ودلوقتي حالًا
إيه إللي انت عايزه من بنتي؟ إيه إللي بيحصل من ورا ضهري يا زين؟؟
تلاشت ابتسامة "زين" وهو يرمقه بتعبيرٍ غامض، ثم قال بصوتٍ فاتر:
-مافيش أي حاجة بتحصل من ورا ضهرك يا عاصم بيه. أنا كنت صريح معاك من البداية. وأظن حضرتك عارفني وقبل ما توافق على جوازي من بنتك كنت عارف كويس بتجوزها لمين.
عاصم بحدة: سيبك من الكلام ده كله.. أنا دلوقتي مش جاي أكشف وأتحرّى عنك
أنا جاي أتأكد إذا كانت بنتي في المكان الصح ولا لأ. مع الشخص الصح ولا لأ!!
أومأ "زين" له وقال بهدوء:
-طيب ممكن أعرف إيه إللي خلّى حضرتك تفكر وتتصرف كده دلوقتي بالذات؟
حكى له "عاصم" ما دار بينه وبين ابنه "عمر" قبل مجيئه ..
كما توقّع "زين" تمامًا، صار الذي حسبه بالحرف الواحد، ما عدا تعمّد شقيق زوجته إخفاء دافعه الأساسي للزواج من "ريهام البدري" ...
-اسمحلي يافندم حضرتك من الأول فاهم موقف ابنك من جوازي أنا وريهام. سيادتك قولتلي بنفسك إنه مستحيل يوافق عشان كده كتبنا الكتاب في السر منغير ما يعرف.
-انت عايز تقول إيه؟
تنهد "زين" بعمقٍ ودعاه للجلوس بلطفٍ:
-ممكن تقعد لو سمحت.. أنا هافهمك كل حاجة. بس اتفضل ماينفعش نتكلم على الواقف كده.
يعاود "عاصم" الجلوس على مضضٍ، ويجلس "زين" قبالته مستطردًا:
-شوف يا معالي السفير. أنا ماخترتش أخدم مع حضرتك. انت عارف كويس إني تم اختياري مش أنا إللي كنت مخطط أجي لحد عندك.. بناءً على كده قابلت بنتك.. أعجبت بيها. ومش هابالغ لو قلت لك حبيتها. لأنها فعلًا تتحب. الفترة القصيرة إللي قضتها مع سيادتك خلتني أقرب منها في نفس الوقت. أتعود عليها. وبقى من الصعب إني أتخيّل حياتي منغيرها. ريهام بنتك حتة جوهرة. ومش أي حد يقدرها كويس.. أنا محظوظ بيها جدًا. ومقدرش غير إني أشيلها في عنيا وأعاملها بكل حب وتقدير لحد أخر يوم في عمري.
لم يتخلّى "عاصم" عن نزعة التحفظ العصبيّ في صوته وهو يُعيد سؤاله ثانيةً:
-انت بردو ماجاوبتش على سؤالي.. عمر ابني كان يقصد إيه لما قالّي إنك بتستخدم بنتي كورقة ضغط؟؟!
زين بحزمٍ: يا باشا مافيش الكلام ده. مين ده إللي يتجرأ أصلًا ويفكر يعمل حاجة زي دي مع ريهام؟
أنا مستعد أفديها بروحي. أنا هافهم معاليك.. الحكاية كلها جت صدفة من أول ما اتعيّنت حرس حضرتك لحد ما امبارح بس
لما ابنك جه لحد هنا وعرفت منه إن ابن خالته إللي اسمه نديم الراعي ده يبقى هو نفسه الراجل إللي بينه وبين عيلتي مشاكل
وعلطول افتكر اني اتجوزت ريهام لمجرد إني ابتزه.. يعني معقول ده كلام حد يصدقه؟
عبس "عاصم" متسائلًا:
-إيه إللي بين عيلتك وبين نديم مش فاهم؟!
-القصة باختصار ان عمتي الله يرحمها اتوفت وسابت بنت. البنت دي لظروف ومشاكل عائلية جدي قرر يتبرى منها وماتترباش في العيلة. ف أخدها مهران الراعي عم نديم وإللي بالمناسبة كان خاطب عمتي زمان بس الخطوبة اتفسخت.. المهم من فترة قصيرة جدي حن لحفيدته وراح لمهران يطالب بيها لكن أول حد رفض كان نديم ده. وعشان يجبر جدي إنه يتخلّى عن حفيدته للمرة التانية قام اتجوزها عرفي وحملت منه وأجهضت وأحداث كتير حصلت أنا ماكنش ليا يد فيها نهائي. لما ابن حضرتك بلغ نديم بخبر جوازي من ريهام عرفني وعرف إني من عيلة نصر الدين ف حب يفتري عليا ويألف قصص.. بس يافندم. هي دي كل الحكاية.
-يعني هو فعلًا بيفتري عليك يا زين؟ .. سأله "عاصم" بنظرة مشككة
جاوبه "زين" بثقة:
-أكيد يا باشا.. والدليل إني اتجوزت ريهام على سنة الله وسوله. لو كنت بفكر زي ما قال كنت لعبت بيها وعملت حاجات ماتخطرش على باله
لكن أنا صادق معاك. ومن أول لحظة.. أنا حبيت ريهام وماعنديش أي نيّة آذيها أو أجرحها. واتجوزتها قبل ما اعرف حتى ان نديم يقرب لها بأي صفة.
-وبعد ما عرفت إنه يقرب لها.. إنه يبقى ابن خالتها وإنها بتعزّه ومتعودة على وجوده في حياتها. هاتعمل إيه؟
ردّ بصرامة: بعد ما عرفت إنه يقرب لها مافيش أي حاجة جوايا اتغيّرت ناحيتها. حبي ليها هايفضل ثابت.. لكن بالنسبة لعلاقتها بيه. أعتقد إنه مش هايكون بالأهمية دي عندها من هنا ورايح.. أنا هعرف إزاي أخليها تتعود على عدم وجوده. لأن حضرتك عارف. النقطة دي حسّاسة عندنا. والمشكلة إللي بينه وبين عيلتي مالهاش حل غير إن بنت عمتي ترجع والعلاقات بينّا تتقطع نهائي.
صمت "عاصم" ممعنًا التفكير بكلمات زوج ابنته ..
بينما ظل "زين" هادئًا واثقًا كعادته، ليميل "عاصم" أخيرًا إلى الاقتناع بتصريحاته، يتنهد بثقلٍ، ثم يقول بجدية:
-أسمع يا زين.. أنا لا يهمني نديم ولا حتى عمر. عمر راجل ويقدر يقود حياته كويس أوي
أنا كل إللي يهمني بنتي. ريهام.. انت وعدتني إنك هاتصونها وتحافظ عليها. لو حصل عكس كده بأي شكل من الأشكال. أنا إللي بوعدك إنك هاتدفع التمن غالي جدًا.
زين بثباتٍ: أطمن يا عاصم بيه.. هدفنا مشترك. زي ما انت أولويتك ريهام أنا كمان بقت هي أهم حاجة في حياتي
وبكرر وعدي ليك.. مافيش أي حاجة ممكن تضايقها أو تئذيها طول ما أنا عايش.
نظر له "عاصم" طويلًا، ثم هز رأسه مرارًا وهو يسترخي في الكرسي الوثير، والآن فقط، مد يده رافعًا فنجان القهوة ليحتسيه في هدوءٍ ..
اهتز هاتف "زين" بجيبه في هذه اللحظة، ليعتذر من "عاصم" ويقوم مبتعدًا قليلًا، ثم يرد بحذرٍ:
-آلو!
أتاه صوت "عمر" صارمًا:
-أنا عرفت مكان ليلى.. قابلني بعد نص ساعة في "......." هاخدك ونروح عندهم
بس ماتنساش. بمجرد ما ترجع تسلّمني أختي وتطلّقها.
ابتسم "زين" بخبثٍ خافت وقال:
-إتفقنا!.............................................................................................................................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 43 )
_ أسكن قلبي _ :
داعبت ابتسامةٌ مغتبطة ثغره الدقيق وهو يبتعد عنها أخيرًا على مهلٍ، كأن بينهما خيطًا غير مرئيٍّ لا يزال يشدّه إليها ..
عيناه تتأملانها بعمقٍٍ، في امتزاجٍ من الحزن والدفء، والدهشة التي لا تنقضي كلّما رآها تذوب بين ذراعيه ثم تتجمّد من جديد ..
ضحك بخفوتٍ وهو يهزّ رأسه، مزيجٌ من الدهشة واليأس من طبعها العنيد الذي يعصف به، ثم يتركه في منتصف الإعصار ..
نهض من الفراش، يجرّ سرواله القصير على خصره، مرّ أمام المرآة فاستوقفته آثارها عليه ..
خريطةٌ مرسومة بأظافرها الحادّة، تمتد على كتفيه وصدره وحتّى عنقه، وكأنها تركت توقيعها عليه عنوةً ..
-سعرانة! .. تمتم "نديم" مبتسمًا بحبورٍ
توجّه نحو البرّاد الصغير في زاوية الغرفة، أخرج قنينة العصير الذي تفضّله، وعاد إليها بخطواتٍ بطيئةٍ ..
اضطجع بجوارها ملامسًا كتفها برقة، لتنتفض له رفضًا، فيقبض على ذراعها ضاربًا بتمردها الأخرق عرض الحائط ..
أدارها نحوه بحزمٍ، لتغرق نظراتها في عينيه، كان في صمتهما عتابٌ حنون، وفي عينيه بريقٌ متناقض، نصفه ندم، ونصفه وجعٌ خفيّ ..
رقت نظرته إليها وهو يدمدم بصوتٍ خفيض كأنه يداعبها:
-ينفع إللي عملتيه فيا ده؟ انتي قطّعتي جسمي بضوافرك.. بصي!
أخذ يدها ووضعها فوق صدره المخدوش، دون أن يغفل نظراتها المتفحصة له، أحسّت بحرارة جلده، بسخونة ما زالت عالقة فيه ..
تجمّد عقلها عن الواقع لبرهةٍ، لتستعيد ذكريات الساعة الماضية معه، تحديدًا تلك اللحظة التي انهارت فيها كل دفاعاتها أمامه، كيف استطاع ببضع كلماتٍ وهمساتٍ أن يُسقط أسوارها كلها، أن يتمكن منها بسهولة ..
بمنتهى السهولة التي صدمتها، وانتزعت منها صرخات الاستنكار الممزوجة بالنشوة، لم تتخيّل أن ينجح في الإيقاع بها على هذا النحو المخزي!!!
يا لسهولة السقوط!
وكأنها لم تعش كل ذلك الوجع بسببه ..
إذلالها، جنينها الذي فقدته، سطوته التي كانت تسحقها ثم يعيدها إليه في لحظة ضعفٍ واحدة، فكيف خانها قلبها من جديد؟
لكنها لم تكن خيانة بقدر ما كانت انكسارًا لكبريائها، لحظاتٍ غاب عنها الوعي مأخوذة بدفء أحضانه ودفقات حنانه التي لطالما تاقت إليها، وكانت تستيقظ من حالتها تلك من حينٍ لآخر لتتحوّل بين ذراعيه إلى قطةً هائجةً تنهش جسده بأظافرها، كأنها تريد أن تمحو عنه أثرها، أو ربما تمحو عن نفسها ذنب الضعف ..
ومع ذلك لم يكن يشعر بالألم، كان مأخوذًا بها إلى حدٍّ أنساه حتى جراحه، يبتسم كالمسحور، كأن كل ما فعله بها وكل ما فعلته به لم يعد يعني شيئًا أمام حضورها المتّقد ..
عادت "ليلى" إلى واقعها من جديد متطلّعة إليه، إلتقت نظراتها بنظراته، فوجدته يبتسم تلك الابتسامة التي تذيب ما تبقّى من ثباتها، وتهوي بها من جديد، إلى الهاوية ذاتها ..
أخذ يداعب كتفها وعنقها بأنامله وهو يهمس لها مقربًا وجهه من وجهها:
-عرفتي إنك مالكيش غيري؟ إنك ماتقدريش تبعدي عن حضني؟ امتى تبطلي عناد يا ليلى؟
أنا وانتي مالناش غير بعض يا حبيبتي. أنا كمان زيك لو جنبي مليون إنسان بكون وحيد.. انتي بس أهلي
انتي حبيبتي وكل حاجة في حياتي..عايزاني أثبت لك تاني إزاي إنك ماينفعش. مستحيل تبعدي عني؟!
أغرورقت عيناها بالدموع بينما نظراتها معلّقة بعينيه، لم يرف لأحدهما جفن حتى وشفاههما تتلاقى في قبلةٍ طويلة، متعمّقة ..
انفجرت مشاعر "ليلى" بغتةً في صورة بكاءٍ مرير، دون أن يقطع "نديم" قبلته طفق يهدهدها ويضمّها بحنانٍ جارفٍ، ثم ابتعد مقدار سنتيمتراتٍ قليلة حتى يتيح لها التنفس، فشهقت كما لو إنها خرجت من الماء ..
يقبّل "نديم" عينيها الدامعتين برقة وهو يعتذر منها على أيّ شيء وكل شيء، فبقيت ساكنة تتلقّى مشاعره في هدوءٍ وآناة، إلى أن عاد ليحدق بها باستعطافٍ مرةً أخرى مرددًا بهمسٍ:
-مش هاتسبيني يا ليلى صح؟ انتي بتحبيني. أنا عارف!
تحدثت أخيرًا قائلة بصوتٍ مرتعش مليئٌ بالوجع:
-أيوة.. أنا بحبك!
أطربه اعترافها ..
رغم علمه وثقته التامّة من هذا، لكن أن تقولها في ظروفٍ كهذه، أن يسمعها ويحسّها حقًا، فهو كل ما يريده ويرضيه ...
-أنا ماحبتش غيرك! .. قالها ماسحًا على شعرها بحنوٍ:
-كل حاجة عملتها بس عشان تفضلي جنبي. تحت عنيا.. عشان أبعد عنك أي حاجة ممكن تئذيكي أو توجعك.. سامحيني لو مقدرتش أحميكي مرة... أرجوكي سامحيني.. أوعدك إنها إستحالة تتكرر.. طول ما أنا عايش محدش أبدًا هايقرب لك أو ياخدك مني يا ليلى!
______________________________________________________________
إلتقى "مهران الراعي" بـ "عمر البدري" ورفيقه هنا.. في منزل آل"الراعي" المملوك لابن أخيه ..
"نديم الراعي" ..
صافح "مهران" كلا الرجلين، وأشار لهما بالجلوس قائلًا:
-اتفضلوا اقعدوا.. أهلًا وسهلًا.
جلس ثلاثتهم، وبدأ "عمر" الحديث بنزقٍ واضح:
-أنكل مهران. أقدم لك الرائد زين نصر الدين.
رد "مهران" بهدوءٍ وهو يلقي نظرة فاترة على الأخير:
-عارفه يا عمر.. عارفه
سيادة الرائد زارنا هنا قبل كده. خير يابني في حاجة حصلت؟
أومأ له "عمر" وقال بجدية:
-في الأول يا أنكل أنا جيت لحد عندك لأني مش حابب أواجه نديم في الموقف ده بالذات. لأول مرة هايحصل بينّا الصدام ده
وتقريبًا خلاص.. علاقتي بنديم ادّمرت للأبد.
مهران باهتمام: يابني وضّح كلامك. إيه إللي حصل طيب؟!
جاوبه "عمر" وهو يشير نحو "زين":
-الباشا ده اتجوز أختي. أختي ريهام حضرتك عارفها.. اتجوزها بقى عشان يساوم نديم عليها
يعني من الآخر ليلى قصاد ريهام. وانت عارف حالة أختي يا أنكل. ريهام مالهاش ذنب في لعبة زي دي
والصح إن ليلى ترجع لأهلها أصلًا. أنا مش هاسيب أختي تقع ضحية لأنانية نديم وغروره!!
أمعن "مهران" التفكير بكلماته، ثم قال حائرًا وصوته لا يخلو من وهن الذنب والحزن على ابنته التي ربّاها:
-طيب انت جايلي ليه يا عمر؟ أنا ماعرفتش أحمي بنتي للأسف. لا من نديم في الأول ولا من أهلها إللي بتتكلم عنهم. أنا في إيدي إيه أعمله يابني؟
عمر بخشونة: في إيدك تقف جنب نديم. لأن أنا شخصيًا هقف قصاده.. أنا عارف مكانه هو وليلى وعرفته لسيادة الرائد.
اتسعت عينا "مهران" وهو يردد بتوترٍ:
-بس.. بس ليلى متجوزة نديم
آه مش جواز شرعي. لكن جوازهم متوّثق محدش يقدر ياخدها منه!
تدخل "زين" في هذه اللحظة قائلًا بصرامةٍ:
-مع احترامي لحضرتك يا مهران بيه. مافيش حد بقى له سلطة على ليلى من دلوقتي
لا انت ولا حتى نديم ده.. الجواز إللي بتتكلم عنه ده ممكن بسهولة نطعن فيه
بالإضافة إنه محتجزها بالإكراه ومحدش فيكوا حضر جلسة المحكمة الاسبوع إللي فات وإللي بالمناسبة أثبتنا فيها إن ليلى بنت عمتي دهب وبنت دياب نصر الدين. من أهم رجالة عيلتنا وفي مقام عمي بردو.
انسحب الدم من وجه "مهران" لسماع تلك الأخبار المروّعة، وسأله بصوتٍ مكتوم:
-عرفتوا.. ان ليلى بنت دياب؟!
تنهد "زين" قائلًا باقتضابٍ:
-مش موضوعنا ومش مهم المهم إننا خلاص معانا إللي يثبت نسبها لعيلة نصر الدين. كده كده نقدر نرجعها بأي شكل. لكن عمي دياب قرر إننا نمشي قانوني. أنا كلمته قبل ما أجي لحضرتك وقالّي هانستنى لبكرة لحد ما قرار النيابة يخرج ونروح نجيب ليلى من المكان إللي قالّنا عليه الأستاذ عمر. حضرتك بقى لو عاوز تقف جنب ابن أخوك وتعقّله هاتيجي معانا عشان ناخدها بهدوء منغير شوشرة.. قلت إيه يا مهران بيه؟
نظر له "مهران" ولم يتكلم.. انتابته حالة خرس مؤقت ..
فكل ما سمعه الآن لا يمكن لعقله أن يتقبّله بسهولة!!!
_________________________________________________________
إنه رجلٌ (صعيدي) كما يُطلق عليه ..
كلمته عقد، لا يمكنه التراجع عنها مهما كلّفه الأمر، فإذا وعد فإنه يفي بوعده ..
غادر "زين نصر الدين" منزل آل"الراعي" مصطحبًا معه "عمر البدري" إلى منزل عائلته ..
لكنه عرج أولًا على فيلا السفير ...
-إيه إللي جابنا هنا؟ .. سأله "عمر" بحدة
نظر له "زين" مجيبًا بهدوء:
-أصل ريري موصياني أجيب لها ميمي وأنا راجع. مش هاغيب جوا خمس دقايق وراجع.
وجاء لينزل، قبض "عمر" على رسغه بقوة مستوقفًا بغضبٍ مكبوت:
-وإيه لازمتها ميمي دلوقتي؟ لما ريهام راجعة معايا!!
تنهد "زين" بصبرٍ وقال وهو يسحب ذراعه من قبضته بحزمٍ:
-لازمتها إنها هاتكون مجرد عامل مساعد.. انت عارف هي متعلّقة بكلبتها أد إيه
ممكن لو شافتها معاك تتشجع. ترضى بسهولة تمشي معاك.. صح ولا إيه؟
تفكر "عمر" في كلامه للحظاتٍ، وبدا عليه الاقتناع، فابتسم "زين" بخبثٍ دفين ونزل من سيارته ..
عاد بعد ثلاث دقائق مجتذبًا الكلبة (الجولدن) من خلال طوق عنقها الأنيق، فتح لها باب السيارة الخلفي وعاد ليستقلّ خلف المقود، ثم انطلق تجاه قصر آل"نصر الدين" ..
كانت ساعة الغدا، عندما ولج برفقته "عمر".. إلتقى أفراد عائلته بحجرة الطعام القريبة ..
شملت نظرات الجميع الضيف الغريب، ليعرفه "زين" ملاعبًا الكلبة التي تعرفه وتحاول التقرّب إليه بموّدة:
-مساء الخير يا جدي.. أعرفك بعمر البدري. أخو ريهام مراتي.
حدجه "عمر" بنظرة محتقنة، تجاهلها "زين" بينما يرحب "رياض" بضيفه:
-عارفه يا ولدي. ده لسا كان عندنا من مافيش.. اتفضل يا أستاذ عمر
أجبر الزاد معانا يلا. جوم يا طاهر خلي أخو العروسة يجعد.
احتج "عمر" بصلابةٍ:
-لأ معلش يا حج. أعذرني مش هقدر.. أنا مستعجل أصلي.
ونظر إلى "زين" الذي بدوره تطلّع إلى إحدى المستخدمات هاتفًا:
-عطيات.. من فضلك أطلعي قولي لمدام ريهام إني وصلت ومعايا ميمي
قوليلها تنزل حالًا. أنا مستنيها.
أطاعته الأخيرة وذهبت في الحال ..
بينما يراقب أفراد العائلة ما يجري وقد توقفوا عن تناول الطعام ..
وما هي إلا دقائق قليلة وهبطت "ريهام" متقافزة كطفلةٍ صغيرة، أول ما رأت عيناها كان "زين".. ثم كلبتها ..
ركضت صوبهما صارخة بمرحٍ:
-زيــــــن جـاب ميمــــــــــــــي!!!
اصطدمت به بقوة كبيرة كانت لتوقع أحدٍ غيره، لكنه لم يتزحزح إنشًا واحدًا، بينما تتعلّق الفتاة بأحضانه، تعانقه وتقبّل خدّه مغمغمة:
-أنا بحبكككككك أووووووي.. مش اتأخرت عليا المرة دي
جبت لي ميمي.. ريري بتحب زيــن!!!
ابتسم لها "زين" رابتًا على كتفها وهو يقول بلطفٍ:
-زين إللي بيحب ريري والله. أنا بحبك أكتر يا روحي.. حتى شوفي جبت لك مين كمان!
وأشار نحو شقيقها ..
انتبهت "ريهام" لوجود "عمر" ما إن استدارت، شهقت بهلعٍ، تتذكر موقفه العدائي تجاه "زين" وكيف أنه كان يصرّ على أخذها عنوةً منه ..
تصرفاته مؤخرًا كانت كفيلة لدفعها إلى بناء سدّ من الرفض والصد بداخلها لأيّ محاولة منه للاقتراب، لأن عقلها منذ ذاك الحين بات يترجم قربه بأنه محض تهديد لوجودها بجوار "زين".. الشخص الذي تفضّله وتأمن وتأنس بصحبته ...
-ريري! .. نطق "عمر" برفقٍ
يحاول رسم ابتسامة بسيطة على شفتيه، بدأ يتقرّب إليها، لتبتعد تلقائيًا ممسكة بذراع "زين".. اختبأت خلفه مطلّة برأسها فقط لتنظر إلى أخيها ..
بينما بقف "عمر" على بُعد خطوتين منها مرددًا بثباتٍ:
-ريهام.. أنا جاي أخدك ونمشي يا حبيبتي
هانرجع الفندق. أنا وانتي وميمي.
هزّت "ريهام" رأسها رفضًا على الفور، فتمالك "عمر" أعصابه مستطردًا بهدوءٍ متكلّف يرغّبها:
-انتي عارفة؟ أنا محضر لك مفاجأة حلوة اوي هناك.. جبت لك الاسكيت إللي كان نفسك فيها
وهانسافر باليخت بتاعي. هاوديكي كل الأماكن إللي قولتيلي نفسك تروحيها. هانتفسح سوا كل يوم. وهاجيب لك أي حاجة تطلبيها يا حبيبتي.
يخرج صوت "ريهام" خافتًا بلهجة حسمٍ:
-مش عايزة.. ريري مش عايزة تروح مع عمر
ريري بتحب زين. مش هاتسيبه.. ريري مش عايزة كل ده
ريري عايزة زين وبـس!
في هذه اللحظة فقد "عمر" السيطرة على نفسه ..
لينفجر بعصبيةٍ وهو يمد ذراعه نحوها، يجتذبها بعنفٍ صائحًا:
-انتي مش هاتقفي قصادي وتقوليلي أنا الكلام ده. انتي سامعة؟
هاتيجي معايا. وغصبٍ عنك!!!
بكت "ريهام" صارخة وهي تحاول فك قبضته عن يدها:
-للللللللللللأ.. مش هاتيجي معاك ريري
مش عايزة تيجي معاااااك. أنا عايزة زيـــــن ..
عمر بغضب: مافيش زين. انتي فاهمة؟
من اللحظة دي تنسيه. انتي هاتيجي معايا حالًا.. يلاااااا.
وشدّها بقوةٍ آلمتها، بينما يزداد صراخها حدة وتنهمر مدامعها بشدة وهي تدير عنقها تستجير به:
-زيــــــــــــن.. إلحقني يا زيـــــــــــن عـاوز ياخـدنـي.. يا زيـــــــــــــــــــــــــن ...
جمد "عمر" في هذه اللحظة، وساد الصمت المطبق إلا من عواء الكلبة التي توترت جرّاء ما يجري لصديقتها البشرية ..
كان "زين" قد اعترض طريق الأخير قابضًا على يده التي تمسك بشقيقته، رفع "عمر" وجهه ناظرًا إليه بعداءٍ، ليقول "زين" بهدوءٍ صارم:
-سيبها يا أستاذ عمر.. من فضلك!
عمر باستنكارٍ: أفندم؟
زين بحزمٍ: أنا قلت لك هاوفي بوعدي وأسيبها تمشي معاك.. وده حصل وأنا مامنعتهاش
لكن دلوقتي هي إللي مش حابة تروح. واختارتني.. أنا آسف. مش هقدر أسيبك تاخدها.
احتدمت نظرات "عمر" وهو يقول من بين أسنانه:
-انت ادتني كلمة.. بترجع فيها؟
هز "زين" رأسه وقال ببرودٍ:
-كلمتي سيف.. لكن لحد ريهام أنا شخصيًا بتنازل قصادها
لو هي وافقت تمشي معاك اتفضل خدها. هاتسألها دلوقتي لأخر مرة. لو قالت لأ.. حضرتك هاتمشي وهاتسيبها معايا.
عبس "عمر" بشدة غير مصدقًا، نقل بصره إلى أخته التي لا تزال تبكي محاولة الفكاك منه، ارتبك الآن وهو يدرك ما على وشك أن يحدث ..
وقال محاولًا للمرة الأخيرة بلهجةٍ تفيض رجاءً:
-ريهام.. تعالي معايا يا حبيبتي... أرجوكي!
هزّت "ريهام" رأسها باصرارٍ مغمغمة من بين دموعها:
-للللللللأ.. ريري عايزة زين!!!
توقف "عمر" عن التنفس للحظاتٍ.. ثم أفلتها بغتةً وهو يشهق مصعوقًا من الفكرة ..
من الخاطر الذي راوده ..
نفس المشهد.. نفس الحالة تتكرر ..
رؤى والدته تتجسّد مجددًا أمام عينيه في شخص شقيقته.. "ريهام".. نسخة "أمل".. "ريهام"... سترث ذات المصير لا محالة!!!
إلتجأت "ريهام" بأحضان "زين" على الفور، بينما يضمها إليه ممسدًا على رأسها ليطمئنها دون أن يحيد بنظره على أخيها ..
يشاهد "عمر" ما يحدث مذهولًا، يرفع عينيه عنها لينظر إلى الأخير قائلًا بصوتٍ جاف:
-خليك فاكر اللحظة دي كويس.. ذنبها هايبقى في رقبتك انت. سامعني؟ انت!!
وألقى عليها نظرة أخيرة آسفة، وكأنها الوداع، ثم استسلم أخيرًا ..
وغادر ..
أحاطها "زين" بذراعيه أشدّ وهو لا ينفك يفكر بكلمات شقيقها.. لا ينكر احساسه بالذنب.. لكنه في نفس الوقت لا يستطع التخلّي عن الوعد الذي قطعه لأبيها ..
ما دامت الفتاة تريده.. فستكون معه.. ولن يغيّر أحد ذلك!.............................................................................................................................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 44 )
_ العاصفة _ :
-تقدر تشتري أي حاجة في الدنيا بالفلوس.. حتى الحب أحيانًا. لكن إلا حاجة واحدة بس مالهاش تمن.. ولا حد يقدر يكتسبها... الهيبة!
إستدار "دياب نصر الدين" بعد إتمام جملته، ليواجه "زين" بنظرة ملؤها الثقة، ثم قال بثباتٍ وهو يضع فنجان قهوته فوق طاولة جانبية:
-الهيبة يا زين. مش حاجة الإنسان ممكن يتعلّمها.. دي غريزة بتتولد معاه
وبتكبر كل ما بيكبر. الهيبة إللي بتجبر أعلى وأكبر الناس يلتفتوا ليك. يخضعوا
الهيبة مفعولها أقوى من الحب.. لأنها لو موجودة. السيطرة من أول نظرة مضمونة.
يتطلّع "زين" إليه ممعنًا التفكير بكلماته، لا يزال جالسًا أمامه في استرخاءً، واضعًا ساق فوق الأخرى، مسندًا ذقنه إلى قبضته القوية ..
تنهد بعمقٍ، ثم قال بصوته الأجش:
-يعني في رأيك نديم الراعي قدر يسيطر على ليلى بقوة شخصيته. بالهيبة زي ما بتقول.. ولا إن في بينهم حب؟
أمال "دياب" رأسه مفكرًا للحظة وقال:
-نديم الراعي مايقلّش قوى عن أي حد فينا.. أنا أعرفه كويس وأعرف عيلته. وكل إللي قلتهولك دلوقتي ينطبق عليه مية في المية.
-ماجاوبتش على سؤالي يا دياب!
رمقه "دياب" بنظرة صمت مطوّلة، ثم تقدّم خطوتين ليجلس على مقربة منه، وقال باسلوبه الفاتر الشهير:
-بص يا زين. نديم راجل ذكي جدًا. وقوي. وعنده نفوذ
والحاجات دي لما تتجمع في إنسان بيعملوا منه كيان ناري
لو قرّبت منه تتحرّق أكيد.. إللي بيربط بين ليلى ونديم في المقام الأول سلطته عليها
زي ما قلت لك نديم نفوذه واسع ومغطي كل إللي حواليه حتى عيلته
مهران الراعي مايملكش شيء ومايقدرش يتحكم في أي حاجة بدون ما يرجع لابن أخوه
إللي درسته وفهمته كويس اليومين إللي فاتوا إنه كان قايم معاها بدور الولي. أو المسؤول
ليلى اتربت في بيته. تحت جناحه وسيطرته طول عمرها
كل صفة فيه وأبرزهم الهيبة إللي في دمه وطبعه خلتها إجباري تخضع له.. وبعدين منغير ما تحس وطبيعي وقعت في حبه.
زين باستنكارٍ حاد:
-لدرجة إنها تتعمي عن الصح والغلط؟
لاحت على ثغر الأخير شبه ابتسامة تهكمية وهو يرد عليه:
-مش هاتفهم سطوة الهيبة إللي نتيجتها الطبيعية حب طول ما قلبك متحصن بسور نفوذك وقوتك يا زين.. لما يجي يوم وتقابل حد يقدر يلاقي ثغرة فيك. ساعتها بس هاتفهم.
انفعل "زين" بغتةً وقد ثار اعتراضًا:
-أفهم إيه يا دياب؟؟!!
دياب ببرودٍ شديد نقيض غضب الأخير المستعر:
-تفهم ان الحب ضعف.. أكبر نقطة ضعف للإنسان وإللي لو لاقيتها ممكن تدمره حتى لو كان من جبل... يتهدّ!
زين بسخرية لاذعة:
-بتتكلم كأنك مجرّب!
ده انت قدوتي في الثبات الانفعالي والبرود يا عمي
أنا عمري ما شوفتك راجل عاطفي.
اكتفى "دياب" بابتسامةٍ باهتة ولم يرد عليه ..
ليظهر بعد ثوانٍ فردٌ آخر من العائلة، الابن الوحيد لـ"غنيمة نصر الدين".. اقتحم المجلس الصغير الآن ...
-عمـي ديــاب!!!
_________________________________________________________________________
في ذات المقهى التي إلتقيا بها قبل بضعة أيام ...
جلس "عمر البدري" قبالة "راندا منصور".. كلاهما على صمتهما منذ لحظة اللقاء ..
يدخن هو سيجارته موزعًا نظراته في كل مكانٍ إلا صوبها، وتظل هي في ترقبٍ مكتفية بملاحظة ردود أفعاله الصامتة.. إلى أن أستقر بصره عليها أخيرًا ..
حبس أنفاسه لا شعوريًا كدأبه كلّما وقعت عيناه عليها فجأةً، كالعادة تأسره تفاصيلها، جاذبية ملامحها الدقيقة، عيناها البنيتان كلون السائل الشهيّ بفنجان قهوته، شعرها الداكن الأشبه بنسيجٍ من الحرير الفاخر ..
ورائحتها ..
رائحتها التي لا ينساها مهما مرّ الزمن، فهي مزيجٌ فريد بين الأنوثة الناعمة والطبيعة الصافية، تركيبة يظنّها شذى من عبير الياسمين، تتغلغل قليلًا ليحسبها أزهار الكرز، ثم يستقر نهائيًا على قاعدتها المؤلفة من نسيم خشب العود والمِسك، فيقرر أخيرًا بأنها خليطٌ من جميع ما سبق ..
إنه العطر الذي تجرأ ذات مرة وسألها عن أسمه، فأجابته بابتسامتها الخجلى الحلوة: "أسمه Kenzo Amour!" ...
-تقدري ترتاحي دلوقتي يا راندا!
عبست "راندا" رامقة إيّاه بعدم فهم، ليكمل وهو يطفئ سيجارته بالمنفضة أمامه دون أن يحيد بناظريه عنها:
-حقك من نديم بيرجع.. عشان أكون دقيق أكتر
بكرة هايكون حقك منه رجع.
رفعت حاجبيها المرسومين بإتقانٍ وقالت:
-عمر انت عايز تقول إيه؟ أنا مش فاهمة منك حاجة من ساعة ما كلمتني!
سحب نفسًا عميقًا وتجرّع ما تبقّى من فنجان قهوته دفعةً واحدة، ثم حدق إليها ثانيةً وقال بصوته الخشن:
-بكرة ليلى هاترجع لأهلها.. المكان إللي واخدها فيه نديم أنا عارفه
شقة في الزمالك كان شاريها من سنين ومعرّفني بيها. أنا بقى بلغتهم عنها
بعد ما روحت بنفسي واتاكدت إنهم هناك لما شفت عربيته راكنة تحت البيت.
قطبت جبينها بشدة مرددة:
-انت عملت كده فعلًا؟ مش بتهزر يا عمر صح؟
-مالك مستغربة كده ليه؟ ألا تكوني مضايقة من إللي عملته كمان؟
راندا بغضبٍ حقيقي:
-عايز الصراحة لو إللي بتقوله ده صحيح يبقى آه. مضايقة منك ومن إللي عملته
لأن بعيدًا عن أزمتي ومشكلتي مع نديم.. أنا عمري ما تخيّلت إنك تضربه في ضهره
انت يا عمر؟ انت؟ انت تخون نديم؟
انتوا مش بس قرايب.. ده كان بيعتبرك أخوه!!!
يكز "عمر" على أسنانه مغمغمًا بغلظةٍ:
-زي ما حرمني من أختي واتسبب لنا كلنا في كل ده كان لازم يتعاقب.. وعقابه هو حرمانه من ليلى. أعز حد على قلبه.
هزت رأسها غير مصدقة ما يقوله، وردّت بخيبة أمل:
-معقول انت بتقول كده؟ انت نفس الشخص إللي كان قاعد قدامي من كام يوم وبينصحني ويعقّلني؟
انت بقيت كده إزاي يا عمر؟ رد عليا إيه إللي وصلك لكده؟؟
لم يسمح لكلماتها بالنفاذ إلى هدفها المنشود، أغلق الستار على عاطفته وهو يرد عليها بقساوةٍ غير مألوفة:
-قبل ما تفهموا وتدوقوا معنى الخسارة لمرة واحدة في حياتكوا.. أنا جرّبتها مرة بعد مرة بعد مرة
بس المرة دي ماخرجتش من التجربة زي أول مرة. من اللحظة دي كلكوا مش هاتشوفوا غير عمر ده
لأن كل واحد فيكوا ساهم في تكوينه حتة حتة.. وقبل ما تفكريني بمثاليتي. افتكري إنك سمحتي لكرامتك تداس لما قبلتي تتجوزي راجل ماحبكيش. واوعي تفتكري إن وقتها كنتي شاطرة أوي.. انتي لأول مرة في نظري تطلعي غبية... غبية جدًا يا راندا!!
ونهض بغتةً ملقيًا الحساب بسخاءٍ غير محسوب فوق الطاولة ..
ثم همّ بالرحيل، بل إنه انطلق بالفعل نحو باب الخروج، لتلحق به "راندا" هاتفة:
-عـمــــــــر!!
كانت تركض خلفه حرفيًا وهي تنادي عليه بصوتٍ مسموع استرعى انتباه المارّة بالخارج، إلا إنه لم يتوقف، في طريقه إلى الكراج الذي أودع به سيارته، يسمعها، يميّز خطواتها المهرولة في تجاهلٍ مصمم وعلى أمل أن تسأم وتغادر ..
لكنها لم تفعل، وظلّت ورائه، حتى تمكنت أخيرًا من القبض على رسغه الصلب صائحة:
-أستنى يا عمر.. أقف من فضلك وكلمني
بص لي يا عمر!
إلتفت نحوها نافذ الصبر وهتف بها:
-عاوزة إيه مني يا راندا؟
أجفلت باضطرابٍ لوهلةٍ وقالت بلهجة أقل حدة:
-انت مالك؟ أنا حسّاك مش على طبيعتك.. مش معقول قصة ريهام وجوازها هي إللي عاملة فيك كل ده!
-هاتفرق معاكي؟ لو في أسباب تانية. يهمك أوي تعرفيها؟؟
-أكيد.. أكيد يا عمر
انت عارف غلاوتك عندي. قبل حتى ما أعرف نديم
انت كنت في حياتي.. كنت أعز صديق ليا!!
سكت "عمر" لثوانٍ معدودة، عيناه مسمّرتان في ملامحها التي لا تنفك تذكره بكل ما حاول أن ينساه، ولكن كيف؟
كيف وهي تقف أمامه بصدقٍ عارٍ من أيّ قناع؟
صوتها المرتجف عندما قالت:"كنت أعز صديق ليا!" ضرب قلبه كصفعةٍ قاسية ..
صفعة أيقظت فيه ما كان ميتًا، وما لم يمت يومًا فعليًا!
اقترب منها خطوة واحدة فقط، خطوة كفيلة بأن تختصر سنواتٍ من المكابرة، ثم همس بصوتٍ مبحوح:
-صديقك؟ هو ده كل إللي كنته بالنسبة لك يا راندا؟
لم يمنحها فرصة لتجيب ..
ولا حتى لتلتقط أنفاسها ..
إذ انحنى نحوها فجأةً، وقبّلها قبلة مباغتة، عميقة، متوترة، كأنها انفجارٍ مكتوم منذ أعوامٍ طويلة من القهر والحنين المكبوت ..
حملت قبلته كل التناقضات: الغضب والاشتياق، الندم والرغبة، اللوم والحب في آنٍ واحد ..
تجمّدت "راندا" أول الأمر، صُعقت، عيناها اتسعتا في ذهولٍ، وجسدها توتر كوتر آلةٍ مشدود على آخره، ثم شيئًا فشيئًا بدأ الصراع يذوب بداخلها ..
شعرت بحرارته تلامس برودتها الداخلية التي كبّلتها من بعد الرجل الذي عشقته وهجرها ..
لا تعرف كيف سمحت لنفسها للحظة أن تستسلم، ليس له، بل للصدق الذي أخذ يبّثه في احساسه نحوه، صدقٍ أرعبها وأدهشها في نفس الوقت ..
لكنها ما لبثت أن أُفلتت منه وهي تدفعه بيدٍ وصفعه بالأخرى، كأنها استيقظت من حلمٍ محظور!!
تراجعت خطوة للخلف، تلمس شفتيها المتوّرمتين بذهولٍ، صوتها يتهدّج وهي تقول محملقة فيه بصدمة:
-انت.. إزاي تعمل كده؟!
أما "عمر".. فلم يتأثر كثيرًا بصفعتها ..
الأحرى أنه لم يشعر بها تقريبًا ..
حدق فيها بعينين ملؤهما الفوضى، كأن تلك القبلة لم تُطفئ شيئًا، بل أشعلت كل المشاعر بداخله أكثر ..
همس بصوتٍ مبحوح متكسّر:
-عملت كده.. عشان تعرفي أد إبه كنت غبي زيك
وأنا بحاول أعاملك طول السنين دي كصديقة.. وأنا عمري ما شوفتك كده يا راندا!
ثم أدار وجهه قليلًا وهو يضيف بصوتٍ مكتوم:
-دلوقتي عرفتي أنا دايمًا كنت بشوفك إزاي!!
أطلقت "راندا" أنفاسها المضطربة، قلبها يدق بعنفٍ وهي تتأرجح بين صدمةٍ لا تصدقها، ومشاعرٍ تعصف بكيانها لأول مرة!
لم تتحمّل الكمّ الهائل من المشاعر المختلفة، لملمت شتات نفسها بصعوبةٍ وفرّت هاربة من أمامه، تركض وهي تكاد لا ترى من الدموع الني غشيت عيناها دون سابق إنذارٍ ...
_________________________________________________________________________
هتف "كرم" بصوتٍ جهوري
استقطب نظرات كلًا من "دياب" و"زين".. بينما يمتثل أمام "دياب" بهيئته المتوّقدة ...
-إيه بايني مالك؟ .. سأله "دياب" بغرابةٍ
جاوبه "كرم" بعصبيته المعهودة:
-أمي يا عمي. يرضيك إللي جدي بيعمله فيها دِه؟ أمي تبجى بتّه وفوجه ست كَبيرة
يحبسها كيف الحيوانات. الوكل والشرب يدخلوا لها من تحت باب الأوضة؟
بص يا عمي. دي إهانة أنا ماجبلهاش على أمي. دي أمــي يا خــلـج!!!
نهض "دياب" من مكانه قائلًا بدلوماسيته الشهيرة:
-طيب اهدى يا كرم.. اهدى.
وحطّ بيده فوق كتفه مستطردًا:
-أولًا لازم تحط في اعتبارك إن غنيمة دي مش بس أمك. دي بنت رياض نصر الدين.. يعني جدك
وجدك حر في تصرفاته مع بنته. محدش فينا يقدر يدّخل يا كرم.
لم يتفهم "كرم" هذا الكلام، بل ثار بعصبية أشدّ:
-كيف يعني الحديت دِه؟ أمي مخلّفة رااااجل. أمي ماتتبهدلش يا عمي. أنا جيتك عشان ما تشوف لي حل. ما عاوزش أجف جصاد جدي!!
تدخل "زين" في هذه اللحظة محتدًا:
-اتأدب يا كرم وانت بتتكلم عن جدك.. ماتنساش نفسك!
كاد الأخير يرد عليه، فقاطعه "دياب" مدركًا فداحة الاشتباك بين الرجلين والذي لن تكون الغلبة فيه لـ"كرم" بالتأكيد:
-أسمعنـي يا كرم.. أسمعني يابني
مش انت جيت لي زي ما قلت؟ خلاص أنا هاتصرف
أنا هاتكلم مع جدك وهانصفي مشاكله مع أمك
بس أنا عاوز أقولك حاجة. إللي عملته غنيمة غلط كبير
أنا شخصيًا إستحالة أسامحها عليه.
كرم باستنكارٍ: أمي غلطت يعني عشان ما دارت عنكم الفضيحة؟
انت وجدي راضيين عادي بالعار؟ هاتبجى البت وخلفها؟؟
لأول مرة يتمكن الغضب من "دياب".. ويتركز في نظراته وصوته وهو يرد على الأخير بلهجة هادئة مخيفة:
-البت دي اتقيدت على أسمي خلاص. يعني بقت بنتي على الورق وقدام الناس كلها.. من اللحظة دي يا كرم لسانك نطق عليها كلمة بطّالة. أنا بنفسي إللي هاحاسبك.. واتأكد إن عقاب جدك لأمك هايكون أهون بكتير من عقابي ليك.. مفهوم؟
صمت "كرم" ولم يستطع ردًا عليه ..
فأشاح "دياب" عنه ناظرًا إلى "زين".. وقال ببرودٍ:
-جهز لي نفسك بكرة.. هانروح نجيب ليلى!.............................................................................................................................................................. !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 45 )
_ ابنة السفير _ :
توقع أن يجدها نائمة لدى عودته، خاصةً في وجود صديقتها المقرّبة، تلك الكلبة ذات الفراء الذهبي الحريري ..
لكنها فاجئته، إذا رآها مستيقظة في السرير، تجلس فوقه بجوارها "ميمي" في مشهدٍ أذهله بشدة، حيث أن كلتاهما أمام شاشة الـ"ipad" الصغيرة، تشاهدان الرسوم المتحركة في اندماجٍ تام ..
حتى هتف معلنًا عن حضوره:
-مساء الفل على البنات السهرانة!
ارتفع رأس كلًا منهما، صاحت "ريهام" بحماسةٍ فور رؤيته، وأطلقت "ميمي" نباحًا ترحيبيًا به وهي تتبع "ريهام" التي قفزت من السرير وانطلقت صوبه ...
-زيــن!!
تعلّقت بعنقه ما إن صار في متناولها، وتسلّقت "ميمي" ساقه بطريقة دفعته للضحك من الاثنتين، لم يكن يومًا بالشخص العاطفي تجاه أيّ شيء ..
ولكن تلك الفتاة الشقيّة وصديقتها الصغيرة تجبرانه على إظهار جانبٍ منه لم يتصوّر أبدًا بأنه يمتلكه!
ضمّها "زين" إليه في استجابة لعناقها إيّاه بقوة، إلتمس شيء من القلق على هيئة رجفة طفيفة تعبر جسدها بلا إنقطاعٍ، لدرجة أنها لم تشأ إفلاته وظلّت تحتضنه ..
فشدّد ذراعاه حول خصرها أكثر حتى لم تعد قدميها تلمسان الأرض، وغمغم بهدوءٍ:
-إيه يا حبيبتي! إيه إللي مسهرك لدلوقتي؟
مانمتيش ليه؟ مش ميمي جت لك!
جاوبته "ريهام" بصوتٍ مكتوم وهي تدفس وجهها بين تجويف عنقه وكتفه:
-ريري مش بتعرف تنام هنا منغير زين.. وانت اتأخرت أوي. زي كل يوم!!
لاحظ الانزعاج في صوتها، فابتسم وهو يسير بها صوب السرير ولا زال يحملها، أفلتته أخيرًا عندما انحنى ليضعها فوق سطح الفراش الناعم ..
ثم جثى أمامها، يمسح على رأسها بحنوٍ وينظر إليها مأخوذًا رغمًا عنه بالجمال الفريد الذي حظيت به، ثم قال:
-المفروض إن ريري بقت عارفة. لما بتأخر بيكون ورايا شغل.. قلت لك كده صح؟
أومأت له بالإيجاب وهي تقول بنزقٍ:
-أيوة قلت.. بس أنا عاوزاك تفضل قاعد جنبي هنا
أنا مش بحب لما بتسيب ريري وتمشي. بخاف!!
قطب حاجبيه وهو يسألها بجدية:
-ليه يا ريري؟ بتخافي من إيه يا حبيبتي؟
أجابت وهي تشير له بسبابتها نحو رأسها:
-بخاف من الصوت إللي بسمعه هنا بيقولّي كلام وحش وبيخوفني. والصوت ده مش بيروح غير لما ريري بتشوف زين!
زين باهتمامٍ: صوت! بيقولك إيه الصوت ده؟!
-بيقولّي زين مشي ومش هايجي تاني
بيقولّي زين هايسيب ريري لوحدها
زين مش بيحب ريري زي كل الناس إللي مش بتحبها وبتسيبها!!
رفع حاجبيه مشدوهًا لسماع كلماتها، ولا يدري لماذا أحس بقبضة في صدره، مسّد على خدّها براحته الدافئة قائلًا بنعومة:
-الكلام ده. الكلام ده غلط جدًا.. مش صحيح يا ريري. بدليل إني رجعت أهو. أنا قدامك يا حبيبتي!
رفرفت أهدابها وقالت بحزنٍ:
-انت كنت عايز عمر ياخدني إنهاردة لما جه هنا.. انت مش عايز ريري تفضل معاك!
هز رأسه وهو ينهض ليجلس بجوارها، وقال ممسكًا بيدها بقوة:
-لأ. ماحصلش.. أنا جبته عشان عارف إنك بتحبيه
مش هو أخوكي؟ وانتي قولتيلي إنك بتحبيه أوي؟
أومأت له ان نعم، فأكمل:
-طيب. أنا ماكنتش أعرف إنه هايعمل كده.. وبعدين انتي شوفتيني عملت معاه إيه
أنا مسكت إيده وبعدته عنك. قلت له ريري هاتفضل معايا طالما هي عايزة كده.. صح؟
صمتت لثوانٍ.. ثم قالت:
-طيب انت عايز كده؟ انت عايز ريري تفضل معاك؟
من جديد تفاجئه، بكلماتٍ واسلوبٍ لا يتناسب البتّة مع وضعها وحالتها!
لكنه يتحرر من الاضطراب الممسك بلسانه ويرد عليها بهدوءٍ:
-أنا عايز كده طبعًا. عايز ريري تفضل معايا. علطول.. انتي عارفة انتي بقيتي إيه؟
صمتت في ترقبٍ، فاستطرد بصوتٍ خافت مداعبًا ظهر يدها بإبهامه:
-انتي بقيتي مراتي.. لما روحنا المسجد والمأذون إللي كان لابس عمّة فوق راسه ده كتب كتبنا
لما بصمتي بالحبر الأزرق على عقد جوازنا وكتبتي أسمك. ده كله كان أسمه ارتباط رسمي
قدام ربنا وقدام الناس كلها. انتي بقيتي بتاعتي أنا.. يعني لا باباكي. ولا عمر أخوكي ليهم حاجة فيكي
بقيتي مِلكي أنا لوحدي.. وطول ما انتي راضية وموافقة بـ ده أنا عمري ما هاسيبك ولا هامشي!
كانت تنظر إليه بتركيزٍ وسع عينيها، إلى أن فرغ، فتشكّلت ابتسامةٍ رقيقة تلقائية فوق ثغرها، وابتسم بدوره ...
-أنا عايزك تطمني من هنا ورايح. مش عايز أي حاجة تخوّفك. في غيابي قبل وجودي.. عايزك تكوني شجاعة ومابتخافيش. اتفقنا؟
-اتفقنا.
هدأ باله حين صارت أفضل حالًا وأتت محاولته معها أكلها ..
تنهد بارتياحٍ وهو يجذبها مجددًا إلى صدره، يضم رأسها بحضنه الواسع هامسًا بحنان:
-أنا بوعدك إن مافيش أي حاجة ولا أي مخلوق ممكن يئيذيكي طول ما أنا موجود.. ولا أنا ممكن أسمح لأي حاجة تضايقك أو تزعلك يا حبيبتي.
أجفل بتوترٍ حين أحس بيدها تتسلّق من حِجره لبطنه، حتى أستقرت فوق صدره الصلب، ورآها ترفع وجهها لتنظر لعينيه مرددة بوداعتها المعهودة:
-ريري بتحب زين.
حدق كالمسحور إلى عينيها وابتسامتها، ومن جديد ينسى لوهلةٍ عقلها المعطوب، ولا يرى أمامه سوى فتاة مكتملة الأنوثة، جذّابة حد الإغواء ..
لكنه يصحو من وساوسه مستعيدًا وعيه المرنّح بصعوبةٍ، فيقول وهو يزدرد ريقه ويبعدها قليلًا:
-أنا كمان.. أنا كمان بحبك أكتر يا ريري!
ثم أردف متأهبًا للنهوض:
-يلا بقى على النوم. الساعة داخلة على 1.
تتبّث "ريهام" به مغمغمة:
-بس انت مش هاتنام في الكنبة دي انت وعدتني هاتنام جنبي كل يوم!!
نظر لها بيأسٍ وقال:
-يعني هابقى أنا وميمي جنبك؟ ده كلام يا حبيبتي!
-هفرش لميمي جنب السرير بتاعنا. بس تنام جنبي.
-لا إذا كان كده ماشي طبعًا! .. وضحك منها بخفةٍ
-طيب أقوم أخد دش بسرعة وأرجع لك.
تركته الآن وهي تبتسم باتساعٍ وتراقب تحركاته حولها، حتى أخذ منشفةٍ كبيرة نظيفة ودلف إلى الحمام ..
قامت لتعدّ فراشًا بجوار السرير لأجل "ميمي".. رقدت الكلبة فوقه وتكيّفت به سريعًا ..
بينما ولجت "ريهام" إلى حجرة الملابس الصغيرة لتبدّل ملابسها التي قضت بها النهار كله، ارتدت إحدى مناماتها القصيرة، وأزالت مشبك شعرها لينسدل كله حول وجهها الجميل مضفيًا عليها حُسنًا آخذًا ..
ثم عادت إلى الغرفة، لتجد "زين" وقد خرج بسرعة كما وعدها، يجلس فوق الفراش وهو يجفف وجهه وشعره بمنشفة صغيرة، بينما يحيط خصره المنحوت بأخرى كبيرة ..
سمع خطوتها المميزة بالقرب، فهتف بينما يزيل المنشفة عن وجهه:
-إيه يا حبيبتي فينـ ..
وبتر عبارته ما إن وقع بصره عليها ..
جمّد بمكانه كأن الزمن توقف، المنشفة التي بيده انرلقت ببطءٍ إلى حِجره، بينما عيناه تعلّقتا بها في صدمةٍ صامتة ..
شعر بحرارةٍ غريبة تجتاح صدره رغم برودة الجو، وبتناقضٍ مروّع بين قلبٍ يخفق باضطرابٍ حقيقي وعقلٍ يصرخ فيه بأن يستعيد وعيه ..
إنها مريضة.. إنها ليست كالبقيّة!
لكنها في نفس الوقت مثلهن، بل أجملهن، أروعهن.. كيف عساه أن يتجاهل فتاة مثلها؟
ازدرد ريقه من جديد، ثم تنفس بعمقٍ حتى كاد الهواء يحرق صدره، أدار وجهه عنها في محاولةٍ يائسة لإستعادة توازنه، وقال بصوتٍ متحشرج:
-ريري.. الجو برد عليكي يا حبيبتي
تعالي نامي يلا عشان أغطيكي!
لم تفهم المسكينة ارتباكه ولم تلاحظه أصلًا، فقط ابتسمت بنفس الهدوء الذي يُقده إتزانه أكثر، ثم تقدّمت بخظوة واحدة نحو السرير، اعتلته متدحرجة إلى شطرها منه دون أن تكفّ عن التلامس معه ..
ليقوم فجأةً متجهًا إلى حجرة الملابس، ارتدى بيجامة خفيفة على عجالة وعقله لا يتوقف عن استعراض صورتها أمام عينيه، زفر مطوّلًا وهو يحدّث نفسه بحزمٍ:
-إيه يا زين! هانخيب ولا إيه؟ فـوق لنفسك. ماينفعش. خليك فاكر.. ماينفعش!!
ثم عاد إليها ..
رآها مستلقية بالسرير ولا زالت مستيقظة، كأنما تنتظره، اقترب منها ببطءٍ، إلتقط الغطاء من طرف الفراش وافترشه عليها بحذرٍ حتى ذقنها، لكنها أزاحته حتى خاصرتها ..
تنهد "زين" بقلّة حيلة وهو يرتمي بجوارها ينازعه إحساس رجلٍ يعرف أنه يحمل في قلبه ضعفًا قد يدّمرها لو استسلم له لحظة ..
يشدّ الغطاء فوقه بدوره، بينما تزحف "ريهام" متسللة إلى أحضانه، تواصل مباغتته، تلك الشيطانة الصغيرة ..
لا.. إنها ملاكٌ.. لا يمكن إلا أن تكون ملاكًا منزّهًا ..
رفعت رأسها لتنظر إليه وهي تقول مبتسمة ببراءة:
-حضن زين أحلى من حضن ميمي!
ابتسم لكلماتها رغمًا عنه، ربت على كتفها العارٍ قائلًا بخفوتٍ:
-طيب ممكن تنامي بقى؟ نامي عشان أنا بجد تعبان وعايز أنام.
أومأت له بطاعة، فأمرها بلطفٍ:
-غمضي عنيكي.
أطبقت جفنيها بطريقةٍ مثيرة للضحك، لكنه تمالك نفسه وقال برفقٍ:
-أنا هاطفي النور. ولا أسيبه؟
فتحت عيناها لتجيبه بأريحية واضحة:
-أطفيه عادي.. أنا مش بخاف وانت جنبي!
مد يده ليطفئ المصباح المجاور للسرير، وعمّ الظلام بلحظة، وكذا ساد الصمت والسكون ..
وما هي إلا دقائق قليلة، واستمع إلى صوت أنفاسها المنتظمة، وأدرك بأنها قد غفت أخيرًا ..
أطلق أنفاسه متنفسًا الصعداء، لا يكف عقله عن لومه لاقترافه هذا الجرم عن عمد، ودون أن يدرك مخاطره المستقبلية ..
زواجه منها كان خاطأءً كبيرًا، والمؤسف أنه لم يعد بإمكانه التراجع عن خطؤه.. هذا الإدراك ما لبث أن صعقه باستحضار جملة شقيقها التي لا زالت ترن بأذنيه: "خليك فاكر اللحظة دي كويس.. ذنبها هايبقى في رقبتك انت. سامعني؟ انت!" ..
هو "زين نصر الدين".. الذي لا شيء بقادرٍ على إخافته ..
يشعر بالخوف الآن ..
لا شك بأنه قد توّرط عاطفيًا ..
معها ..
مع "ريهام البدري".. ابنة السفير!..........
يتبع ...
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق