القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية هيبه الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول

رواية هيبه الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول 



رواية هيبه الفصل السادس وعشرون والسابع وعشرون والثامن وعشرون والتاسع وعشرون والثلاثون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول 




( 26 )


_ روحٌ منّي _ :


لم تكن "ليلى" تبكي، ولم تعد تصرخ حتى!


كان جسدها ساكنًا، إلّا من ارتجافٍ خافتٍ يسري في ساقيها المخدرتين، كأن الأرض تسحبها من تحتها ببطء، وتبتلعها دون صوت ..


فوق الأرضية الباردة، تمددت كدميةٍ أُفرغت من قطنها، عيناها مفتوحتان باتساعٍ غير طبيعي، تحدقان في سقفٍ شاحبٍ، تحوّلت فيه شقوق الطلاء إلى خيوطٍ عنكبوتية خيّل إليها أنها تلتف حولها ..


الدم، كان هناك، الكثير منه ..


بلونه، برائحته المعدنية الحارّة، بصفاقته التي لوّثت أطراف ثوبها وركن الحجرة وقطعة القماش التي وُضعت تحتها بإهمال ..


أنفاسها كانت تقطع الصمت على هيئة شهقة مكتومة، وكأن الهواء عالق في حنجرتها، لا يعرف طريقه للخروج ..


-علجة تفوت ولا حد يموت!


صوتٌ بعيد، متكسّر، كأنه يصدر من بئرٍ بعيدة، لم تتعرف على الصوت الذي خاطبها، ولم تهتم ..


بينما خالتها تهمس وهي تربّت على كتفها المرتجف، لكن يدها لم تكن حانية، كانت يدًا خشبية، ثقيلة، متوترة، تخفي شعورًا غريبًا لا يشبه الندم، بل الحقد، والكراهية فقط ...


-تسلم يدك يا أم سعيد.


في الزاوية، كانت إحدى النسوة قد نهضت، أصابعها ترتجف وهي تمسك بمنديلٍٍ أبيض، لم يعد أبيضًا ..


تقدّمت نحو السيدة "غنيمة" ببطءٍ ثقيل بعد المجهود الشاق الذي بذلته للتو، رفعت المنديل، فتحته قليلًا أمام عينيّ مخدومتها ..


كان هناك شيء، لا ملامح، لا وجه، مجرّد قطعة لحم صغيرة تشبه المضغة، ملتفّة على نفسها، كأنها تحاول الاختباء من العالم الذي لفظها قبل أن يُنطق اسمها ...


-مات العار بموته! .. قالتها "غنيمة" وهي تشيح بوجهها عن الجنين الذي سلبته حياته للتو


ثم نظرت إلى "ليلى" المسجاة أرضًا وهي تردد بخفوتٍ:


-ماراحش مرادي يا دهب.. لو كنت طولتك زمان كنت جتلت بتّك

إنهاردة يدي طالت بتّك. وجتلت ولدها!


لم ترَ "ليلى" أو تسمع شيئًا ..


لكنها شعرت، شعرت أن قطعة منها انتزعت، ماتت، قُتلت ..


وأنها لم تعد كما كانت ..


أن شيئًا ما انكسر للأبد، ولم يُصدر حتى صوت الكسر، هل تبقى؟


البقاء ..


بدا أبخس ثمن لقاء الحياة التي خسرتها، ليتها بقيت تلك الحياة ورحلت هي، ليتها استطاعت حمايتها ..


ظلّت أمنيتها معلّقة مع آخر أنفاسها الضحلة، ثم بدأ الظلام  يلوح على مدّ بصرها المتضاءل بينما تسمع صياح إحداهن:


-إلحجيني يا أم سعيد.. البنيّة عاتنزف!!!


____________________________________


في قسـم الشرطـة ..


فوق أريكة مصنوعة من الجلد الرث، يجلس "نديم الراعي" مستقيمًا بجوار عمه "مهران".. نظراته ثابتة لا تحيد.. وفوق شفتيه ظل تعبيرٌ جامدٌ لا يفصح عن شيء ..


في الجهة المقابلة "رياض نصر الدين" وفوق أريكة أخرى أيضًا، جلس كجلمود من الغضب الصامت، وحفيده رائد الشرطة "زين نصر الدين" واقف خلفه، كظلٍّ مشدودٍ، قبضته تغلّف يد جده في صمتٍ واثق، بينما "سليمان نصر الدين" هادئًا إلى جوار عم، يتابع ما يجري بصبرٍ وأناة ..


قبالة مكتب المأمور، جلس المحاميان لكلا العائلتين، وكلٌّ منهما يحمل حقيبته أمامه، كأنهما على وشك أن يبدآ حربًا باردة ..


بدا المأمور، رجلٌ عجوز ذو وجهٍ متغضّن وشاربٍ أبيض، قلب عينيه بين الحضور، ثم استقر بهما على "نديم" الذي الهدوء والتحفّز في آنٍ ..


تساءل المأمور بهدوء:


ـ-أنا بس عايز أفهم.. الأنسة ليلى دي إيه علاقتها بالسيد رياض نصر الدين من الأساس؟ حابب أسمع منك يا أستاذ نديم!


سحب "نديم نفسًا عميقًا، ثم أجاب دون أن يرفّ له جفن، بنبرة حادة كالسيف:


-بيتهيأ له إنها حفيدته من بنته إللي ماتت من سنين. وده بس عشان كانت في فترة على علاقة بعمي مهران ..


وأشار إلى عمه دون أن يزيغ بصره عن المأمور، وتابع بصوته العميق ذي النبرة الساخرة:


-ف عقله خيّل له إنها تخصه. وجه أكتر من مرة يطالب بيها.

بس المرة دي بقى خطفها!


صار الهواء الغرفة خانقًا مشحونًا فجأة، صحيح "رياض نصر الدين" لم يتحرّك، لكن الدم صعد إلى وجهه حتى احمرّت أذناه، ونبض الوريد على عنقه كأنّه طبل حرب ..


شدّ "زين" على يد جده بقوة، تمتم بخفوتٍ وهو يميل نحوه قليلًا:


-اثبت يا جدي. خليك هادي. وافتكر ان ده إللي هو عاوزه.. ماتديلوش فرصة يوّرطنا قصاد المأمور.


أذعن "رياض" لتوجيهات حفيده وإلتزم الصمت والهدوء مجبرًا ..


بينما لم يتحمّل "سليمان نصر الدين" الصمت أكثر. انفجر واقفًا بصوته الخشن:


-إللي بيتقال ده عيب يا حضرة المأمور

إزاي يتهموا حد في مقام راجل زي عمّي بالخطف؟

محدش في مصر كلها مايعرفش مين هو رياض نصر الدين. الإتهام ده ودخلته القسم حاجة مش هاتعدي على خير!!!


المأمور بإسلوبٍ حيادي يغلب عليه الحزم:


-سليمان بيه إحنا هنا في قسم شرطة. محدش يقدر يتعدّى على حد. ولو ماكنش أستاذ نديم معاه أدلة إن عم سيادتك كان عنده وبيتعدّى عليه كمان مكناش قعدنا القاعدة دي. وعلى فكرة أنا فاتح مكتبي للنقاش إكرامًا ليك. احنا عايزين نحل.


رفع محامي آل "نصر الدين" يده كمن يطلب حقّ الكلام، وقال بهدوء محسوب:


-بدون مقاطعة حضرتك

السيد رياض نصر الدين رجل محترم. وسيرته أصدق من كل الادعاءات دي

ومافيش أي دليل يُثبت التهمة إللي بيوجهها له نديم بيه الراعي.


قهقه محامي "نديم" بسخرية واضحة وهو يقول:


-التسجيلات موجودة يافندم وشهادة الحراسة إللي في الفيلا كمان

الأنسة ليلى اختفت إنهاردة بعد زيارة رياض بيه إللي جه يطالب بيها ويهدد مهران بيه ونديم بيه

لو مش هو السبب في اختفائها. يبقى مين في رأيك؟


المأمور أطرق لحظة، ثم اعتدل في كرسيه، ضرب المكتب براحته ضربة واحدة خفيفة، وقال بصوتٍ حازم:


-كل طرف يسلّم إللي عنده. وهنبتدي إجراءات رسمية.


وسط صمت العائلتين، تقدم دفاع كلاهما بأدلة تفيد بتوّرط "رياض نصر الدين" في تهمة اختفاء "ليلى الراعي"، والأخرى تفيد بخروجه من منزل آل "الراعي" خاليًا، وأنه لم يذهب إلى هناك إلا لعرض عمل ..


وهكذا تقدّم "مهران الراعي" بتحرير محضر الإتهام، وبدوره محامي الدفاع عن "رياض" تمكن من إخراجه من المخفر بكفالة مالية لحين البت في الإتهامات الموجهة إليه من قِبل النيابة العامة ..


خرجوا جميعهم بعد فترةٍ وجيزة ..


وعلى مضضٍ سار "مهران" مع "نديم" إلى خارج المخفر دون أن يطلع بروح "رياض نصر الدين" بيديه العاريتين ..


-بقولك!


إنتبه "نديم" لصوت رجولي آتٍ من خلفه، فإلتفت ليرى "زين" على مقربة منه، يبتسم له بتشفّى قائلًا بغمزة:


-ماتشدش على نفسك أوي هه. إحنا لسا بنسخن. رجوع ليلى لينا ده مجرد بداية.. من هنا ورايح هاتشوفني كتير.


أشاح "نديم" عنه لبرهةٍ مخاطبًا عمه:


-اسبقني على العربية يا عمي.


لم يناقشه "مهران".. إذ بلغ التوتر والضغط العصبي منه مبلغًا ..


مضى نحو السيارة في صمتٍ، بينما أدار "نديم" رأسه صوب "زين" ثانيةً، اقترب منه كثيرًا، حتى صار فمه قريبًا جدًا من أذنه ليقول بلهجةٍ ثقيلة يضمر فيها كل نوايا الشر والسوء:


-خليك فاكر كويس. انت وجدك اتجرأتوا وسرقتوا حاجة تخص نديم الراعي

ردي على ده مش هايكون فوري. ولكن أوعدك. إذا ليلى مارجعتش الليلة

أنا هاسخّر كل يوم في عمري أدمر وأمحي سيرتك وسيرة نسلك كله. اعتبره عهد كمان يا.. حضرة الظابط!


أطلق "زين" ضحكة مجلجلة وهو يرتد برأسه للخلف كي تلتحم عيناه بعينيّ "نديم" الأشبه بحقل نادر الخضرة قد دبّت فيه نيرانٌ مستعرة ...


-طيب فرضًا كلامك وتهديدك جاب معايا.. اوعى تنسى إني صعيدي!


واستحالت تعابيره لقتامة مكفهرة وهو يستطرد بلكنته الأم:


-وإللي انت عملته في بت عمتي مش هايتنسي واصل. وبعنيك دي هاتشوف 

مافيش أسهل من الغلط. والسكك الشمال.. صدجني. هاتندم. والندم مايهنفعش!


أومأ له "نديم" وابتسامة متهكمة تعتلي ثغره، ثم وضع نظارته الشمسية على عينيه قائلًا ببرود:


-بكرة نشوف مين إللي هايندم.


ودون أن يضيف كلمة أخرى، استدار مولّيًا تجاه سيارته، لاحقًا بعمه ..


بينما يحدق "زين" في إثره متوعدًا، أحس بهاتفه يهتز بجيب بنطاله مجددًا، تأفف بضيق وهو يسحبه ويرد اتصال أمهه بنفاذ صبر:


-نعم يا أمي. خير إيه المكالمات دي كلها؟


فترت انفعالاته كلها فجأة، عندما سمعها تنقل له الأنباء الكارثية!


إلتفت رامقًا جده الذي يقف منخرطًا في حديثه مع المحامي، لا يدري ما فائدة الوقت، لقد وقعت كارثة حقيقية، ما من شيء ليصلحها! ........................................................................................................................................................................!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ....

( 27 )


_ بقايا قلب _ :


لأول مرة يرى جدّه بهذا الضعف.. بهذه الهشاشة!


جدّه الذي لا يقوى عليه إلا الله، بدا اليوم مهزوزًا، واهِ العزيمة، بائسٌ للغاية ما إن رأى حفيدته في الغرفة المخصصة لها بقصره، مسجاة فوق الأرض، غارقة بدمائها ..


لوهلة لم يرى حفيدته، بل رأى ابنته، فلذة قلبه، وهتف باسمها بينما يهرع راكضًا صوب الأخيرة:


-دهــــــــــب!


كانت غائبة عن الوعي عندما وصل إليها جدّها، ركع أمامها وقد تلوّث ردائه بالدم، لكنه لم يعبأ ..


شدّها إلى صدره ضامًا إيّاها وهو يتطلّع لإبنته التي لم تكن يومًا عزيزةً على قلبه وهدر بوحشيةٍ:


-عملتي فيها إيـه يا غنيمـة؟ ورب البيت. لو البت جرالها حاجة ليكون آخر يوم في عمرك. سامعـانـي؟


لم يرف لـ"غنيمة" طرف، بقيت كما هي، صلدة، غاضبة، حاقدة وهي ترى أبيها كما لو تراه قبل عشرون عامًا، في وقتٍ كانت فيه أختها حيّة، تنال كل العطف والدلال والاهتمام من والدهما، بينما هي، تزوّجت في سنٍ مبكرة لأول رجل طرق بابها، ذلك لأن أبيها لم يطيق مكوثها بجواره ..


فكيف لا!


وهي ابنة "جنينة".. الزوجة الأولى التي أجبره جدها على الزواج منها لأنها ابنة أخيه الوحيدة ولديها ميراثٌ ضخم لا ينبغي أن يخرج عن العائلة لرجلٍ آخر ..


أما "دهب".. ابنة "سندس" الزوجة الثانية ..


وحبيبة قلب "رياض نصر الدين" التي أختارها بمحض إرادته، وأحبّها ورفعها فوق الجميع هي وصغيرتهما، إلى أن خرجت "دهب" عن طوع أبيها وجلبت العار للعائلة بأكملها، ثم توفيت وهي تضع مولودتها، لتلحق "سندس" بابنتها بعد عدة أيام فقط من موتها حزنًا وكمدًا عليها ..


ومن بعدهما يغرق "رياض نصر الدين" بعزلته لسنوات، يقضي فترة طويلة من حياته على أطلال ذكرياته مع حبيبته الراحلة وصغيرتهما المُدللة، رغم نجاحه بإظهار القوة والقسوة أمام الآخرين، لكن هذا الجانب البائس من حياته، لم يدرِ به أحد سوى ابنته "غنيمة" التي راقبته عن كثب بعد أن خلى لها وجهه عقب رحيل الأم وابنتها ..


كان أكبر كوابيسها وأكثر مخاوفها أن يأتي يوم ويفكر أبيها باستعادة صغيرة "دهب".. كانت "غنيمة" أبعد الناس عن أبيها.. لكنها الوحيدة التي عرفته جيدًا ..


وها قد تحقق الكابوس ..


ابنة "دهب" قد عادت، وأبيها يتوّعدها بالهلاك إن صار عليها مكروهٍ، كل هذا لأجل فتاة لم يرها طوال حياته إلا مؤخرًا، فقط لأنها تحمل دماء "دهب" و"سندس".. لأنها نسخة من كلتاهما!!!


عاد "زين نصر الدين" إلى الحاضر عندما ناداه صوت أبيه بحزمٍ:


-زيـن. شوف جدك يا ولدي. محدش عايجدر عليه غيرك.


إلتفت "زين" ناظرًا صوب باب حجرة الفحص بالمشفى الخصوصي حيث يقف جده محاولًا استراق النظر عبر النافذة البيضاوية دون جدوى ..


زفر بضيقٍ وسار تجاهه، هتف بصوته المتزن وهو يقف خلفه مباشرةً:


-جدي.. إهدى شوية.. خير إن شاء الله.. تعالى أقعد هنا لو سمحت.


رد "رياض" دون أن يلتفت له:


-همّلني يا زين.. ماطيجش أسمع مخلوج.


زين بعدم تصديق:


-أد كده خايف عليها؟ ده انت ماتعرفهاش يا جدي!!


وهنا استدار "رياض" نحوه ببطءٍ وقال بنظرة خاوية:


-يبجى انت إللي عمرك ما عرفتني. انت يا زيـن.. اجرب واحد ليا.. ماتعرفش ين هو رياض نصر الدين.. مين هو جدك!


هز "زين" رأسه قائلًا في عبوسٍ:


-أنا أعرف مين هو رياض نصر الدين.. الراجل إللي محدش يقدره إلا ربّه. إللي كان عنده استعداد يقـ تل بنته بإيده لما جابتله العار

أنا لحد اللحظة دي مش فاهم يا جدي. انت رجعتها ليه؟

وخصوصًا بعد ما عرفت عملتها. عايز منها إيه؟ 


جاوبه "رياض" بلا تردد وهدوء يُحسد عليه:


-عايزك تتجوزها.


نظر إليه "زين" بذهولٍ للحظات بدت دهرًا، ثم قال:


-أتجوز مين يا جدي؟


رياض بصرامة: تتجوز ليلى. بت عمتك. انت أولى بيها.. انت إللي هاتجدر تحميها.


زين باستنكارٍ: إزاي عايزني أتجوزها وأنا ماشي في الخطة إللي اتفقنا عليها؟

أنا هاتجوز بنت السفير. بنت خالة الكلب إللي داس على شرفنا!!


أومأ له "رياض" وقال:


-وهاتتجوز ليلى كمان.. هاتتجوز الاتنين.


حدق فيه "زين" غير مصدقًا ..


وما كان ليحيد عنه أو ينطق لدقائق، لولا خروج الطبيب المفاجئ ..


إلتفت "رياض" نحوه بسرعة، واقترب "طاهر" واقفًا بجوار ابنه "زين" ...


-خير يا دكتور علوي طمنّي!


تنهد الطبيب الخمسيني تعبٍ واضح وقال بهدوء:


-أطمن يا حج رياض. البنت هاتبقى زي الفل. إحنا لحقناها وعملنا اللازم

لكن للأسف الجنين نزل. هي أصلًا وصلت وكانت أجهضت خلاص أنا مالقتش أي أثر للجنين

لكن بشكل عام لحقتها. ومش هايحصل لها أي مضاعفات أطمن وتقدر تحمل تاني وعاشر.


زفر "رياض" براحة غامرة وقال:


-الحمدلله.


-بس يا حج. إللي أنا شوفته ده مش طبيعي. دي كانت جريمة

متعمّدة يعني وفي ظروف أسوأ البنت إللي جوا دي يا كانت هاتنزف لحد الموت أو كانت هاتعيش طول عمرها ماتعرفش يعني إيه أمومة.


أومأ "رياض" بتفهمٍ قائلًا:


-أنا خابر يا دكتور.. خابر كل شيّ.


-أنا لاجلك بس مش هاعمل تقرير باإللي حصل. لكن البنت دي في رقبتك يا حج صح؟


جاوبه "رياض" بصوتٍ أجش:


-دي بتّي يا دكتور.. إللي يرشها بالمايّة أروشه بالدم

وحجها راجع!


انفرجت أسارير الطبيب براحة أكثر وقال:


-دقايق وننقلها غرفة خاصة.. هاتفضل تحت الملاحظة كام ساعة وبعدها تقدر تاخدرها وتمشي يا حج

بس الراحة. لازم توفرلها راحة تامّة. وكمان أنصحك باستشارة طبيب نفسي. إللي حصل معاها ده أكيد له تبعيات نفسية.


-هايحصل يا دكتور.. أطمن.


وأستأذن الطبيب منه عائدًا إلى غرفة الفحص ..


بينما يستدير "رياض" صوب حفيده قائلًا والشرر يقدح من عينيه:


-زيـن.. خدني دلوق على الجصر.. خدني لغنيمة!


____________________________________________


دلف إلى المكتب حاملًا صينية القهوة، أغلق الباب خلفه بإحكامٍ واقترب من المجلس الصغير ..


جلس أصغر أفراد عائلة "الراعي".. "ليث الراعي" إلى جوار أبيه، بينما "نديم الراعي" يجلس خلف المكتب الضخم، والمحامي قبالتهم لا يزال يناقش "نديم" حول القضية الأهم له مطلقًا ...


-يا نديم بيه أنا مش عايزك تقلق خالص! .. قالها المحامي بلهجةٍ ثابتة:


-القضية بتاعتنا في كل الأحوال. وانت الطرف الكسبان سواء استدلّينا بنسب أنسة ليلى لمهران بيه على الورق

أو حتى في حالة الطرف التاني طعن في النسب وأثبتوا قرابتها ليهم. انت معاك حاجة مهمة جدًا. عقد جواز مدني صحيح 100%

ده أنا موثّقه بنفسي. أطمن خالص.


نديم بصوتٍ حاد:


-أنا مايهمنيش كل ده دلوقتي يا متر. كل إللي يهمني ليلى. أنا عايز أرجّعها بأي طريقة

عايزها الليلة دي تبات هنا في بيتي.


-الكلام ده مش ممكن يحصل إلا في حالتين

يا تخرج من قصر سليمان نصر الدين ودي هاتكون طريقة مشروعة تحت إشراف قوة أمنية

يا تلجأ لطريقة تانية غير مشروعة وتاخدها بالعافية.. ولكن مانصحكش

هاتبقى حرب وجنايات مالهاش آخر.


ينفعل "نديم" بغتةً ضاربًا سطح المكتب براحة يده:


-أومال تنصحني بإيه يا متر؟

ليلـى دي مراااااتـي. انت بقـى عندك علم بالقصـة خـلاص

مش بنـت عمـي. بس مراتـي. وحامـل كمان. شوف لي أي طريقة أرجعها الليلـة مش بكـرة!!!


كانت الصدمات تهوى فوق رأس "ليث" تِباعًا ..


تأكيد "نديم" لعدم نسب "ليلى" للعائلة ..


خبر زواجهما.. و.. حملها منه!!!


متى؟


متى بحق الله صار كل هذا؟!!


إلتزم الصمت، منصتًا لبقيّة الحوار ...


-أنا متأسف جدًا يا نديم بيه. مافيش في إيدي حل فوري

لو تحب هاطلع على النائب العام وأحرر محضر جديد وأقدم فيه عقد الجواز 

ده هايبقى حل أسرع في حالة رياض نصر الدين قدم طعن وطلب إثبات نسب أنسة ليلى له.


عقد "نديم" حاجبيه بشدة مرددًا بجمودٍ:


-ده هايبقى الكارت الأخير يا متر.. أنا مش هاعرّض ليلى لأي صدمات

كفاية الصدمة إللي أكيد خدتها إنهاردة. بس وعزة إلل خلقها. ما هاعدّي كل ده على خير.. أرجعها الأول بس!


لم يبقى شيء يقدمه المحامي بعد جلسةٍ طويلة استمرت لساعاتٍ، فنهض طالبًا الرخصة ليرحل، سمح له "نديم".. ليبقى وحده الآن برفقة عمّه وابن عمّه الشاب ..


واتت الفرصة "ليث" الآن، نقل بصره بين أبيه وابن عمه قائلًا:


-أنا مش قادر أصدق إللي بسمعه من الصبح.. انتوا الأتنين بتلعبوا بينا كلنا طول العمر ده؟


مهران بضيقٍ: ليث أنا مش فايق نهائي لأي تبريرات. وماعنديش كلا آ ..


-يعني إيه ليلى مش أختي يا بابا؟ .. قاطعه "ليث" متسائلًا بنزقٍ


تسمّر "مهران" ولم يرد عليه، فاستطرد منفعلًا وهو ينظر إلى "نديم":


-وانت يا نديم.. انت اتجوزتها إمتى؟

وكمان حامل منك؟ استغفلتنا كلنا؟ عشان كده مراتك سابت البيت ومشيت؟

إزاي جابك عقلك تعمل كده في أختــي؟؟؟


-مش أختـك!.. هتف "نديم" بصرامة


جمد "ليث".. بينما يقول "نديم" بحدة:


-ليلى مش أختك يا ليث. ولا تقرب للعيلة دي أصلًا

وبالمناسبة مافيش أي حد هنا دلوقتي له الحق فيها غيري أنا

لا عمي. ولا انت. ولا حتى أهلها إللي خطفوها مني.. لأنها مراتي. معايا إللي يثبت ده

أقوى من إثبات عمي لبنوتها إللي 100% المحكمة هاتنفيه. وحتى أقوى من إثبات نسبها لأهلها

ليلى مراتي. وأنا بس صاحب السلطة الكاملة عليها. إنهاردة أو بكرة هاترجع لي غصبٍ عن أهلها من أكبر راس لأصغر راس.. فهمت بقى يا ليث إزاي جابني عقلي أعمل كده في ليلى؟


حدجه "ليث" بنظراتٍ مستنكرة وقال بهجومٍ:


-لأ. ماتبررش الوساخة دي بالمنطق الأوسخ ده.. انت ليه ماعملتش كده في النور؟

ليه اتجوزتها عند محامي؟ ليه مش على يد مأذون؟ ليه مش رسمي؟


مرّ بريقٍ ناري بمقلتيّ "نديم" الزمردتين، ارتعش صدغه وهو يكز على أسنانه لثوانٍ، قبل أن يقول ببرودٍ يحمل تحذيرٍ ضمني:


-مش كل حاجة لازم تعرفها يا ليث.. وأكيد أنا عندي أسبابي

إللي ماتخصش حد غيري. فاهمني؟


كاد "ليث" يرد مجددًا، ليخرسه "نديم" هادرًا بعنف:


-مش عايز أسمع لك صوت تاني. الموضوع ده محدش يتكلم فيه معايا

إللي كان يقدر منكوا يمنع حد ياخدها. أو يقدر يرجعها دلوقتي حالًا. أنا هانسحب. هاشيل إيدي من كل ده

لكن طالما ماتقدروش تخطوا ناحيتها خطوة منغير ما قانون يوقفكوا أو جربوع زي جدها يقف لكوا. يبقى محدش يتجرأ ويلومني على أي حاجة عملتها.. أو هاعملها عشان ليلى ترجع. مفهــوم؟


أطبق "ليث" فمه بقوة عاجزًا عن أيّ رد ..


لكنه لم يحتمل البقاء أمامه أكثر، هب واقفًا وغادر غرفة المكتب صافقًا الباب خلفه بقوة ..


بينما يأخذ الغضب من "نديم" مأخذٍ، يتنفس بعنفٍ وهو يدور بمقعده للجهة الأخرى مسندًا رأسه إلى يديه، كان يشعر بدماغه على وشك أن يتحولإلى ركانٍ ن شدة تفكيره المحموم اللا منقطع ..


وفجأة يدق هاتفه، فيمد يده ويرد على المتصل بلحظةٍ:


-آلو!


المتصل: نديم بيه. الأنسة ليلى خرجت من قصر سليمان نصر الدين.


نهض "نديم" في أقل من ثانية ساحبًا سترته ومهرولًا إلى الخارج وهو يسأل الطرف الآخر بغلظةٍ:


-هـي فيـن؟


المتصل: في مستشفى "_______"!!


للحظة أحس كأنما توقف نبض قلبه، وتوقف عن السير كذلك وهو يتخيّل أبشع السيناريوهات.. ولا يسعه بعد ذلك إلا الهمس باسمها:


-ليلـى!............................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...


( 28 )


_ وعدتك ج1 _ :


لم يتصرّف بتهوّرٍ هذه المرة أيضًا، إلتزم بنصائح مستشاره القانوني، وهاتفه فور علمه بخروجها من قصر آل"نصر الدين" ونقلها إلى إحدى مستشفيات المدينة ..


أتاه المحامي مصطحبًا معه رجلان من رجال الشرطة، كان ينتظرهم أمام المشفى، تقدّمهم مقتحمًا البوابات حتى وصل إلى مكتب الاستقبال، وجّه سؤاله الحاد مباشرةً إلى الموظفة الشابة:


-ليلى الراعي.. فينها؟


تطلّعت الموّظفة إليه وإلى مرافقيه بنظراتٍ متوجسة وقالت:


-أفندم!


نديم بانفعالٍ: ليلى الراعي. الحالة إللي دخلت طوارئ من ساعتين فينهـا؟؟؟


-إهدى يا نديم بيه!.. تدخل المحامي مهدئًا إيّاه فورًا


ثم تحوّل إلى الموظفة مستعلمًا بلباقةٍ رسمية وهو يشير إلى فرديّ الشرطة، أبدت الموظفة تعاونًا فوريًا ما إن رأت شارة أحد الضابطان، أرشدتهم إلى قسم الطوارئ، انطلق "نديم" من فوره إلى هناك ..


وجد فردان من الحراسة يقفان أمام البوابة المزدوجة يعترضا طريق أيّ دخيل، اقترب منهما والشر يفوح من بنيته الضخمة، وقف أحدهما بوجهه قائلًا:


-رايح فين يافندم؟


يباغته "نديم" بلكمة قوية في صدره هاتفًا:


-اوعـى من وشي يا ××××× ..


تراجع الأخير خطوة متأثرًا بلكمته، لكنه لم يتنحى من أمام الباب وقال بتصميمٍ:


-عندنا أوامر من سليمان باشا محدش يدخل ولا يخرج من هنا إلا الدكاترة.


تفاقم سعير الغضب في نظرات "نديم" وصوته وهو يسبّه وسيده، ليلحق به المحامي في هذه اللحظة ومعه فرديّ الشرطة، أمرا الحارسان بالابتعاد وقد أظهر الأعلى رتبة شارته الرسمية ..


أذعن كلاهما وابتعدا، ليدفع "نديم" الباب براحته ويلج فورًا، بحث عنها بعينيه، فما لبث أن رأى سريرًا يحاوطه ستارٌ خفيف، أخبره قلبه بأنه هناك ..


سار مهرولًا نحو السرير، واجتذب الستار بحركةٍ حادة، ليراها!


كانت هي حقًا ..


اختلجت خفقات قلبه وهو يحدق فيها مأخوذًا، مشدوهًا، ومذعورًا ..


يتساءل ماذا حدث لها؟ 


ما الذي فعلوه بها؟


ويقسم بأغلظ الأيمان بداخله أن لا شيء سيردعه عن الانتقام لها من هؤلاء.. لا شيء إلا الموت ...


-ليلى! .. ردد "نديم" اسمها وهو ينحني صوبها


يمعن النظر بوجهها الشاحب وعيناها المغمضتين، بدت وكأنها في عالمٍ آخر، لولا أنها موصولة بالأجهزة الطبيّة لظنّها ميتة!


صغيرته.. ليلاه.. ما الذي حلّ بها؟


أخذ يمسح على شعرها بحنوٍ بالغ هامسًا والدموع تملأ عينيه:


-أنا آسف يا ليلى.. آسف

مقدرتش أحميكي المرة دي.. خلفت وعدي ليكي

بس وعزة إللي خلقك. هاخد لك حقك.. ولا هاسمح لمخلوق يمس شعرة منك بعد إنهاردة

هاتشوفي بعينك هاعمل فيهم إيه ..


ينبعث صوت رجولي من خلفه في هذه اللحظة:


-مين حضرتك يافندم؟


اعتدل "نديم" في وقفته مستديرًا نحو الأخير، كان أحد الأطبّاء ..


نظر له "نديم" قاطبًا حاجبيه وقال بصوتٍ أجش:


-أنا نديم الراعي. إللي ورايا دي ليلى الراعي.. بنت عمي ومراتي

إيه بقى إللي حصل لها بالظبط؟ وجت هنا إزاي؟ جاوبني صح يا دكتور لمصلحتك قبل مصلحة المستشفى إللي هاجيب درفها الأرض لو مراتي ما قامتش منها زي ما كانت.


عبس الطبيب وهو يرد بشيء من الاضطراب:


-المدام جت مع الحج رياض نصر الدين وسليمان باشا.. قالوا إنها قريبتهم!


-مراتي مالها يا دكتور؟ .. تساءل "نديم" من بين أسنانه


جاوبه الطبيب بشفافية مطلقة:


-المدام جت لنا في حالة إجهاض ..


ارتعدت ملامح "نديم" للحظة وارتعشت أطرافه، إلتفت فورًا محدقًا فيها، كانت الصدمة مضاعفة الآن ..


أقوى من قدرته على تحمّلها ..


طفله، طفلهما.. قُتل!!!


-الأسباب جنائية لأن ده ماكنش إجهاض طبيعي!


يغمض "نديم" عينيه بشدة معتصرًا قبضته، أطلق نهدة مشحونة من صدره، وتريّث حتى استعاد شيئًا من رباطة جأشه ..


ثم عاد لينظر إلى الطبيب ثانيةً وقال بهدوءٍ مخيف:


-أنا معايا المحامي بتاعي برا وفردين من الشرطة.. عايز تقرير فورًا بحالة مراتي

المحامي هايستنى معاك لحد ما تجهزه. أما ليلى ف هاتخرج معايا دلوقتي.


الطبيب بتردد: أيوة يافندم بس.. رياض بيه!


سيطر "نديم" على انفعالاته في الحال قائلًا بتوعد:


-لو حاولت تعترضني يا دكتور هاسجنك مع رياض بيه.. وبردو ليلى هاتخرج معايا

إيه رأيك؟


نظر له الطبيب في حيرة ولم يرد ..


فاستدار "نديم" حاملًا "ليلى" على ذراعيه وهي متدثرة بغطاء السرير كما هي، ألقى نظرة مطوّلة في وجهها الباهت وهمس بصوتٍ لا يسمعه سواها إن كانت واعية:


-ماتخافيش.. انتي رجعتيلي

مش هاتبعدي عني تاني أبدًا!


___________________________________________________________


-غـنـيـمــــــــــــــــــة ...


امتدت صرخة الرجل العجوز كمطرقة تُفتت سكون القصر ..


انتفض على إثرها كل من يجلس بالبهو.. والدة "زين" السيدة "فاتن محفوظ".. وابنة "سليمان نصر الدين".. "شهد".. و"كرم" نجل "غنيمة" الشاب العشريني الغليظ ..


إنفتح باب المنزل بعنفٍ أمام "رياض نصر الدين".. فاندفعت رياح الباردة إلى الداخل كأنها تفسح الطريق لغضبه ..


بينما أطلّت "غنيمة" أخيرًا من أعلى الدرج، تنظر إلى أبيها وابتسامة باردة تعتلي ثغرها، تظهر بكل صلافةٍ عدم خشيتها إيّاه ...


-توحشتك يابوي! .. قالتها "غنيمة" بلهجةٍ عادية وهي تهبط الدرج على مهلٍ


يرشق "رياض" نظراتٍ كالرصاص فيها وهو يهتف بخشونةٍ:


-جاتك الجرأة تيجي بيتي وتحلّي مكاني يا غنيمة؟ هاتندمي على عملتك. ومابجاش رياض نصر الدين لو ماندّمتكيش عليها!!


ساد صمت قصير، حتى وصلت "غنيمة" أمام والدها، لا تفصلهما إلا خطوتين ..


تجهم وجهها الآن وهي تسأله بصوتها المتحشرج:


-كل ده عشان إيه يابوي؟ عشان بت دهب؟!


يرتجف "رياض" من شدة الغضب وهو يصيح فيها:


-دهب دي تبقى بتّي أنا. وبتّها حفيدتي أنا.. دخلك انتي إيـه يا غنيمـة؟


غنيمة بلهجة نِديّة:


-دخلي كتير يا حج. مش ده شرف العيلة بردو؟

انت بنفسك كنت هاتحاسب دهب لولا عزرائيل سبجك وخد روحها.


-أنا لسا عايش.. محدش يجرؤ يجف جصادي ولا يعمل حاجة بدالي.


-سمعت من لاول إنك مش ناوي تعمل معاها حاجة. ف كان لازم أعمل أنا.. وبعدين ليه غضبان جوي كده؟

بت دهب ماتت ولا إيه؟


هز "رياض" رأسه قائلًا بينما عيناه تلمعان بلهيب غيظه:


-لو ماتت كنت هادخلك جهنم وانتي واجفة إكده يا غنيمة!


رمقته بنظرة مقّت نقيّة، ثم قالت منفعلة:


-دي أخرتها؟ بتنصر الخاطية بت الخاطية ...


لم يكاد يرتد لها طرفها بعد إتمامها الكلمة الأخيرة، نزلت على صدغها صفعةً عنيفة من كفّ أبيها، حتى أن الهواء خرس على إثرها ..


وقف أفراد العائلة يراقبوا فقط في ذهولٍ، عدا "كرم" الذي اعتراته الحمائية على أمه، لولا أن جمدته هي في مكانه بإشارة من يدها، ثم أدارت وجهها ببطءٍ لتنظر إلى أبيها مجددًا ...


-سيرة بتّي ماتجيش على لسانك تاني يا غنيمة! .. قالها "رياض" بلهجة أكثر هدوءًا، وأردف:


-ومافيش خروج ليكي من البيت ده إلا لما ليلى ترجع.. وهي بس إللي تجول تاخد حجها منك كيف.


لم تنطق "غنيمة" بكلمة، فقط تحدق فيه، لا يشغل عقلها سوى كرامتها التي أهدرت سلفًا بسببه عندما زوجها لرجلٌ أشقاها بعشرته طوال حياته معها، واليوم أراق ما تبقى من ماء وجهها بصفعه لها أمام أفراد العائلة ..


امرأة في عمرها ومقامها أهينت لأجل فتاة كان مجيئها نكبة على العائلة!!!


-جدي!


انتبه "رياض" لصوت حفيده، ليرد دون أن يرفع عينيه عن ابنته:


-عايز إيه يا زين؟


مال "زين" على أذن جده يهمس له بالنبأ العاجل ..


انتفض "رياض" بغضبٍ، ليمسك "زين" بذراعه مشددًا عليه وهو يقول ببرودة أعصاب:


-ماتقلقش.. أنا عارف هارجعها إزاي.


نظر له "رياض" مطوّلًا، لكنه هدأ في الأخير مودعًا فيه كل ثقته، ولأنه يعرف أن الحرب عليها لن تكون سهلة من بدايتها ..


وعليه أن يتحلّى ببعض الصبر ..


فأقله أن "ليلى" قد عرفت الحقيقة.. وعرفت من تكون وإلى من تنتمي ...


__________________________________________________


تجلس وحيدة بالترّاث المطل عبى الباحة الرئيسية ..


تسند ذرقتها إلى يدها وهي ترنو صوب البواب، لم ترى إلا أفراد الحراسة ذاتهم، أما هو.. فلم يظهر البتّة!


قلبت شفتها السفلى بحزنٍ وهي تردد أسمه بصوتها الأنثوي ذي الطابع الطفولي:


-اتأخرت ليه يا زين؟


-ريري!


ارتعدت عندما ناداها صوت شقيقها بغنةً ..


إلتفتت نحوه محملقة فيه بعيناها الزرقاوان، ابتسمت له بتلقائية قائلة:


-عمر.. صباح الخير.


أقبل عليها "عمر" مبتسمًا بإشراقٍ، يتأملها بزهوٍ وحسرة في آنٍ، لديه أجمل أخت في العالم، فتاة كانت لتكون حلم أي رجل ذا مكانة وقيمة ..


لكن قصور عقلها الذي أطاح بحظها لم يكن له علاجٌ قط ..


ويزداد حزنًا بمرور الأيام عليها، يا لها من خسارة، أن تمتلك كل هذه المقوّمات ولا تنتفع منها بشيء ..


بل قدرها أن تمضي بحياتها وحيدة، بلا رجل، بلا أطفال، ولعله يختفي من حياتها يومًا ما ..


فماذا ستفعل من دونه؟


ماذا سيكون مصيرها!!!


-إيه يا حبيبي قاعدة لوحدك هنا ليه؟


وازداد اقترابًا منها، شدها بلطفٍ من رسغها ليضمها إلى صدره، تسند "ريهام" رأسها فوق قلبه مرددة:


-بابي كان واعدني بفسحة إنهاردة.. بس صحيت مالقتش حد!


تنهد "عمر" بحرارة هازًا رأسه بيأسٍ، ربت على كتفها قائلًا بحنانٍ:


-انتي زعلانة يعني عشان كنتي عاوزة تتفسحي؟ كنتي هاتروحي فين؟


-Theme Park.


-ملاهي! طيب يا روحي ماتزعليش

أنا أوديكي.. بس إيه رأيك نفطر سوا الأول؟ أنا هاعملّك الأومليت إللي بتحبيه بإيدي.


أرادت أن تبتعد، فرفع يديه عنها، نظرت له قائلة بذات النبرة الحزينة:


-لأ.. ريرير مش عايزة تتفسح.


عمر عابسًا بغرابة:


-الله! ليه يا حبيبتي؟

بقولك أنا إللي هافسحك!


هزت "ريهام" رأسها رفضًا وقالت:


-لأ.. مش عايزة أتفسح معاك يا عمر.


عمر بدهشة: ليه كده.. انتي زعلانة مني؟


-لأ مش زعلانة منك.. بس مش عايزة أتفسح معاك.


رفع حاجبه متعجبًا منها بشدة، لكنه اتبع معها سياسة اللين، يعرف جيدًا كيف يعاملها في كل أحوالها ..


ابتسم ببساطة قائلًا:


-طيب يا حبيبتي. إللي انتي عايزاه

تعالي نفطر دلوقتي وبعدين نشوف هانعمل إيه؟


أومأت له على مضضٍ ..


فسحبها برفقٍ إلى الداخل، أجلسها أمامه بالمطبخ المفتوح وباشر فتح البرّاد ليري محتواياته، أخرج مجموعة من البيض والخيز والخضروات، وبدأ بإعداد وجبة الفطور لكليهما ..


لم يفوت لحظة دون مراقبتها جيدًا، وأعتمل القلق بصدره كلّما رآها تزداد شرودًا وملامحها الجميلة يسودها حزنًا جليًا ..


يريدها فقط أن تتكلم وتخبره ما الذي يؤرقها، هل هو والدهما؟


لأنه إن كان هو فلن يثنيه شيئًا عن أخذها والمغادرة من هنا فورًا، يكفيه ان قد أجبرها على البقائ معه طوال الأيام الفائتة، لن يسمح له بتدمير سلامها النفسي، النعمة الوحيدة التي تحظى بها ..


أنهى "عمر" تحضير طبقها، وضعه أمامها وصب لها كاسًا من العصير وهو يقول بمرحٍ:


-اتفضلي يا أنسة ريري.. أحلى فطار لأحلى برنسيس في العالم.


ابتسمت له بلطفٍ وقالت برقتها الفطرية:


-شكرًا يا عمر.


وبدأت تأكل وجبتها اللذيذة بدون شهيّة ..


لاحظ "عمر"هذا أيضًا، لكنه لم يعلّق، حتى كفّت بعد بضع لقيمات ورفعت عينيها إليه قائلة:


-ريري شبعت!


سألها "عمر" مباشرةً:


-مالك يا ريري؟ إيه إللي مزعلك يا حبيبتي؟

باباكي مزعلك؟


جاوبته بتلقائية: لأ.. بابي مازعلنيش.


تابع سؤالها بصبرٍ:


-أومال مالك يا قلبي؟ قوليلي. بتخبي عني يعني؟


هزت رأسها أن لا.. فتابع برفقٍ:


-قوليلي لو حد عملك حاجة.. هاخدك ونرجع الغردقة دلوقتي حالًا لو حد زعلك!


ردت مسرعة: لأ.. مش عايزة أمشي.. أنا مبسوطة هنا مع زين.


عقد حاجبيه وسألها باهتمامٍ:


-زين مين يا ريري؟


ابتسمت وهي تعرّفه إليه:


-زين.. الظابط إللي بيشتغل مع بابي.. كبير زي هالك وعنده عضلات في كل حتة!............................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...


( 29 )


_ وعدتك ج2 _ :


سكون تام ..


رجال آل"نصر الدين" جالسون بالمضافة المخصصة لتجمعاتهم، كأن على رؤوسهم الطير، وخاصةً "رياض نصر الدين" ..


ما إن أنهى "زين" المكالمة الهاتفية العاجلة، حتى بادره جده قائلًا بتهلفٍ ممزوج بالغيظ المكبوت:


-ها يا زين. جولّي يا ولدي عملت إيه؟


رفع "زين" رأسه ورد عليه بهدوء:


-أطمن يا جدي.. كله تحت السيطرة.


رياض بانفعالٍ: أيوة فهمني يعني حوصل إيه؟

ليلى هاترجع ميتى؟


تنهد "زين" وقال:


-هاترجع. بس مش علطول. إحنا من دلوقتي هانمشيها رسمي.


رياض عابسًا: كِيف؟


امتلأت عينا "زين" مقتًا وهو يحوّل أنظاره بين والده و"سليمان" قائلًا:


-ما هي لو ماكنتش عمتي غنيمة عملت عملتها دي ماكناش اضطرينا نخرج ليلى من البيت

وماكنش ابن الـ××× ده قدر ياخدها بالبساطة دي.. ومش فاهم إزاي محدش عرف يمنعها؟!


إلتزم "سليمان" الصمت ولم يحرّك ساكنًا، إذ بدا رضاؤه التام عمّا فعلته "غنيمة" وإن كان لا يظهره، لكن "زين" يعلمه جيدًا ..


بينما "طاهر" يتكلم بدبلوماسيته المعهودة:


-ده شغل حريم يا زين. ومحدش فينا كان موجود وإلا كان وجف لعمتك

بس خلاص يعني إللي حوصل حوصل.. إحنا في دلوق يا ولدي.. رسّينا!


سدد "زين" نظرة متبرمة أخيرة نحو "سليمان".. ثم نظر إبى جده وقال بصوته الأجش:


-إللي هايحصل يا جدي إننا هانرفع قضية إثبات نسب. هاخدك دلوقتي ونطلع على النائب العام والمحامي هايكون سابقنا على هناك


رياض باهتمامٍ: الجضية دي هاتاخد كتير؟

ومتأكد إنها هاترجع؟


زين بثقة: هاترجع يا جدي. هاترجع

أنا مش هاسيب فرصة لأي مخلوق مهما كان مين يلعب من ورا ضهرنا

كله هايبقى قانوني.


رياض بقلق: طيب ما هي تمت السن الجانوني

يعني حتى لو كسبنا الجضية.. هانجدر ناخدها غصبٍ عنها؟


اعتلت ابتسامة خبيثة زاوية فم "زين" وهو يقول ببرودٍ شديد:


-من الناحية دي ماتقلقش خالص يا جدي.. ليلى بنفسها إللي هاتختار ترجع لنا

ومش بس كده.. أنا بوعدك. هاتشوف منها رد فعل مفاجئ!


___________________________________________


في فيلا "الراعي" ..


أمام جناح "نديم" ..


أخذ "ليث" يذرع الردهة جيئةً وذهابًا، بينما أمه السيدة "مشيرة" تدخن بشراهة آخر لفافة تبغٍ بحوزتها، كلاهما في حالة انتظارٍ وتوتر شديدين ..


لقرابة الساعة وباب الجناح مغلق خلف الابنة المتبناة ..


كما هو معلومٌ حديثًا!


فوجئ الجميع باقتحام "نديم" للمنزل بينما يحملها على ذراعيه صارخًا في عمه:


-أطلب دكتور طارق بسرعة يا عمي.. بسـرعـة ..


وصعد بها على الفور إلى جناحه ولم يجرؤ أحد على النطق بكلمة، آخذين جميعًا باعتبارهم حقيقة أن "نديم الراعي" هو زوجها الآن، حتى وإن كان عقدًا غير شرعيًا ..


في جهة أخرى يمتثل "مهران الراعي" لأمر ابن أخيه ويهاتف طبيب العائلة الذي أتى على جناح السرعة برفقة مساعدته الخاصة ..


الجميع أبدى تهلفًا وخوفًا عليها، كلًا من "مهران" و"لُقى" ابنته البيولوجية أصرّا على ملازمتها، ولم تنقص حقيقة أنها متبناة شيئًا من محبّتها في قلوب عائلتها ..


عدا شخصٌ واحد في هذا المنزل لا يطيقها منذ أول يوم ..


"مشيرة" ..


ما إن رأتها وقد عادت حتى نهشتها النار ودفعت عقلها إلى حافة الجنون، تتحيّن اللحظة التي ترى فيها زوجها لتنفجر به وترغمه على طردها خارج المنزل، خارج العائلة كلها ..


ينفتح باب الغرفة الآن، فتلتفت "مشيرة" بسرعة، وترى الطبيب يخرج برفقة زوجها ...


-أهم حاجة ترتاح يا مهران بيه. ممنوع منعًا باتًا أي مجهود لمدة أسبوع على الأقل


-مافيش أي خطورة أكيد يا دكتور؟


-أطمن خالص. هاتبقى زي الفل يا مهران بيه

وأنا بنفسي هتابعها كل يوم. هابقى أجي بعد أخلص في العيادة إن شاء الله

وهاسيب معاها أمل النرس بتاعتي عشان تاخد بالها منها وتطمني أول بأول.


-أنا متشكر جدًا يا دكتور طارق. مش عارف أقولك إيه!


-ولا أي حاجة. لا شكر على واجب. أهم حاجة سلامة أنسة آ.. قصدي مدام ليلى

صحيح نسيت أبارك على الجواز بس ماكنتش أعرف غير دلوقتي. في ظروف تانية كنت أحب أبارك لنديم بيه.


يختلج وجه "مهران" بحرجٍ كبير في هذه اللحظة، لكنه يتماسك قدر استطاعته وهو يرد على الأخير باقتضابٍ:


-الله يبارك فيك يا دكتور. مرة تانية متشكر جدًا على تعبك معانا ..


ثم إلتفت مسرعًا نحو ابنه وقال آمرًا:


-ليـث.. تعالى وصل الدكتور.


أذعن "ليث" لأبيه ورافق الطبيب حتى الأسفل ..


ليطرد "مهران" من صدره زفيرًا حارًا مطلقًا معه شحنة كبيرة من الضغط العصبي ..


لكنه لم ينعم طويلًا بهذا المتسع القصير من الاسترخاء، إذ جاءته زوجته واقفة بوجهه وهي تقول من بين أسنانها:


-إيه إللي رجع البت دي تاني يا مهران؟


يكفهر وجهه وهو يرد عليها بحدة:


-بت مين يا مشيرة؟ تقصدي ليلى؟

بنتـي؟


-مش بنتـك!!! .. صرخت فيه بعصبية


صعدت الدماء إلى وجهها وهي تستطرد كما لو أنها ستصاب بنوبة قلبية بأيّ لحظة:


-كفايـة بقـى. البت دي اتفرضت عليا سنين طويلة

كل يوم مجبرة أبص في وشها وافتكر خيانتك ليا. أجبرتني أكون أم ليها

لحد ما جت من عند ربنا وطلع لها أهل. أديها لهم. أنا مش عايـزاهـا في بيتـي. انت سامع يا مهران؟

البت دي مش هاترجع بيتـي تاني!!!


-بس ده مش بيتك يا مشيرة!


صمت كل شيء الآن ..


حين برز صوت "نديم" ..


يعود "ليث" في نفس اللحظة، وتخرج "لُقى" وراء "نديم" مباشرةً ..


بينما يقبل متجهم الملامح صوب عمّه وزوجته وهو يتابع بصوته الهادئ المخيف:


-أول حاجة لازم تعرفيها إن ده مش بيتك. ده بيتي أنا. وانتي ضيفة عندي

تاني حاجة والأهم.. ماسمهاش بت.. أسمها ليلى الراعي. مرات نديم الراعي. يعني لما تيجي تتكلمي عنها تقفي وتعدلي لسانك كويس أوي.


تبادل الجميع النظرات فيما بينهم، إلا "نديم" و"مشيرة" التي رفعت حاجبها معقّبة عليه:


-عال يا نديم.. والله عال أوي. جه اليوم إللي تكلم فيه مرات عمك باللهجة دي عشان واحدة زي دي؟

ليلى دي مش من عيلتك أصلًا. ليلى دي بنت حرام!!


-ليلى دي ستّك يا مشيـرة! .. هتف "نديم" بخشونة كبيرة


انتفخت عروقه وتغالظت نبرات صوته أكثر وهو يضيف برعونة:


-انتي نسيتي نفسك بس أنا هافكرك. انتي كان أصلك إيه؟

حتة شغالة. بتمسحي وتنضفي مكاتب وعمي اتجوزك ونضفك انتي وأهلك

أهلك الهجامين والمدمنين رد السجون. إللي لولا خير عمي إللي مغرقك ومغرقهم كنتوا قضيتوا عمركوا كله بتسفوا التراب

وكان زمانك عايشة في عش الفراخ إللي كان اسمه بيتك. قبل ما تدخلي البيت ده ويتعمل منك هانم

هو ده بقى الفرق بينك وبين ليلى إللي اتولدت وفي بؤها معلقة دهب. وكبرت وبقت مرات نديم الراعي. مش مهم جذورها كانت إيه

المهم عاشت إزاي.. بعد كده يا مشيرة لما تيجي تتكلمي أعرفي حجمك كويس. واعرفي بتتكلمي عن مين. انتي واقفة قصاد أسيادك.


كان كأن برميلًا من الماء البارد قد صُبّ دفعةً واحدة فوق رأسها ..


أعوزها الأمر دقائق حتى تمكنت من النظر إلى زوجها، في انتظار سماع أيّ كلمة منه، أيّ دفاعٍ عنها ..


لكن لا شيء ..


لم يتكلم "مهران" مطلقًا ..


وقف كالصنم، واجم الملامح، وكأن في صمته تواطؤٍ مع تصرفات ابن أخيه ..


ما كان أمام "مشيرة" شيء لتفعله إلا أن ازدردت إهاناته كلها، ثم رفعت رأسها مرددت بتصلّبٍ:


-طيب.. طالما هي دي كانت نظرتك ليا العمر ده كله يا نديم.. يبقى فعلًا ده مش بيتي. ولا عمره كان بيتي

أنا إللي هامشي.. ومش هاتشوف وشي تاني هنا.


رد عليها دون أن يرف له جفن:


-يالسلامة.


أومأت له ورمت زوجها بنظرة مقت أخيرة ..


ثم ولّت مهرولة تجاه غرفتها، تركض ابنتها في إثرها، بينما يبقى "ليث" مكانه ...


-عشان لُقى يا نديم! .. قالها "مهران" بصوتٍ خفيض فيه من العتب قليل


استدار "نديم" صوبه، ليكمل:


-أنا كنت هاتكلم وأحط لها حد.. انت ماجحرتش مشيرة لوحدها

للأسف راحت ولا جت. هاتفضل أم ولادي.


نديم بصرامة: ولادك شايلين اسم الراعي يا عمي. مشيرة دي أنا صبرت عليها سنين

وخلاص. جابت أخري.. انت عمي. ولادك أخواتي. أشيلكم على راسي طول العمر. لكن الست دي. ماعادش ليها قعاد في بيتي

البيت ده له ست واحدة من هنا ورايح.. وهي ليلى.. وإللي مش هايعرف يحترم ليلى يتربّى الأول ويعرف حجمه وبعدين يترمي برا.


لم يطيق "ليث" سماع المزيد عن أمه ..


تململ في مكانه مغمغمًا بغلظة:


-أنا هاخد ماما شقة المعادي. لو لُقى حبت تيجي أبقى كلمني يا بابا.


ومرّ من جوار "نديم" بخطى عصبية، ليستوقفه بصوتٍ حاد:


-ليث!


توقف "ليث" بالفعل، لكنه لم يلتفت، بينما يأمره "نديم" بحزمٍ:


-تخلص وترجع على هنا.. المحامي جاي الليلة دي ولازم تبقى حاضر وتسمع الكلام إللي هايتقال. مفهوم؟


يرد "ليث" على مضضٍ:


-مفهوم!


واستأنف سيره تجاه غرفة والديه ..


بينما يعود "نديم" إلى جناحه رأسًا ليطمئن ويرى زوجته ..


لحظات قصيرة، ثم تبعه "مهران" ...


___________________________________________


في فيلا السفير ..


تجلس "ريهام" فوق الأرجوحة، وسط الحديقة المعبّقة برائحة الزهور، تحتضن دميتها ..


بينما كلبتها ذات الفراء الذهبي رابضة أسفل قدميها، لا يشغل عقلها القاصر سواه، وجهها ممتعض بشدة ..


تردد أسمه بلا وعي بين الفينة والأخرى بلا وعيٍ منها ...


-زيـن!


-تحت أمرك يا أميرتي ..


توسعت عيناها ما إن سمعت صوته ..


هبّت واقفة على الفور واستدارت لتراه يقف أمامها حقًا ..


ابتهجت في الحال وهي تقول بطريقتها الطفولية:


-زيـــن.. انت جيت؟


ابتسم لها بجاذبيته المعهودة وقال يلطفٍ:


-أنا أقدر ماجيش؟ طبعًا جيت عشان ريري.


تلاشت ابتسامة "ريهام" الآن وهي تقول ماطة فمها بحزنٍ:


-بس انت اتأخرت على ريري. والملاهي أكيد قفلت.. الشمس روّحت!


وأشارت إلى السماء المائلة إلى الضوء البرتقالي.. لون الغروب ..


ضحك "زين" بخفة وقال وهو يقترب منها خطوة:


-إيه يعني.. انتي فاكرة إن الملاهي بتفتح الصبح بس؟

لأ ياستي بتفضل لحد بليل. بليل أوي كمان. ودلوقتي هاخدك ونروح ونتفسح زي ما وعدتك.


-بجد؟! .. سألته "ريهام" بذهولٍ مبتهج


أومأ لها: بجد. هانتحرك حالًا لو جاهزة

أنا كلمت باباكي وانا جاي وأستأذنته.


ريهام بتلهفٍ: انا جاهزة أنا جاهزة. من الصبح جاهزة. لبست الجامب سوت. والشوز. وعملت ضفيرة

إيه رأيك في الضفيرة؟ عمر علّمني أعملها إزاي.


ودارت أمام حول نفسها بلا توقفٍ ..


ضحك "زين" وهو يمسك بكتفيها ليوقفها عن الدوران قائلًا:


-خلاص. خلاص يا حبيبتي أقفي كده هادّوخي

انتي زي القمر.. يلا بينا طيب.


-يـلا!


وركضت أمامه بحماسٍ وصولًا إلى سيارته الضخمة ..


فتح لها الباب الأمامي، ثم صعد خلف المقود وانطلق من فوره ..


في نقطةٍ قريبة، كان "عمر" يقف منذ اللحظة الأولى، يراقب كل ما حدث ..


ولا يعرف لماذا أحس بأن خطبٌ ما يجري هنا، لن تكون عواقبه حميدة بالمرة! ...................................................................................................................................................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!


يتبع ...


( 30 )


_ هذه اللحظة _ :


انتهى اجتماع آل"الراعي" بمستشارهم القانوني بعد ما يزيد عن ساعتان ..


وأخيرًا ينفرد "نديم" بعمّه وابنه الشاب الذي جلس هادئًا طيلة الجلسة، لكن هدوئه هذا لم يخدع "نديم" أبدًا، فقد كان على دراية تامّة بما يعتمل بداخله من غضبٍ وثورة تبحث عن مثيرات ولو كانت تافهة، لتندلع وتفاجئ الجميع ..


كان "نديم" يفهمه جيدًا، لأن ذات الدماء التي تجري بعروقه، هي نفسها دماؤه ..


و"ليث" بنفسه، يُعد نسخة مصغّرة من ابن عمّه، في الطبع والسلوك، يختلف عنه في سهولة التطويع فقط ..


إنما "نديم"!


لا يمكن لأحد تطويعه، أو إخضاعه مطلقًا.. لقد جُبل على الجرأة ..


لا يهاب أحدًا، بل تهابه الناس، ولديه من المقوّمات والامكانات ما يدعم جانبه المتسلّط والوقح أحيانًا من البروز أمام أيّ شخص ذا قيمة ...


-أنا مش هاسيب حد يلمس أختي!


أخيرًا نطق "ليث" بلهجةٍ مقتضبة فيها من الصلابة ..


نظر "مهران" نحوه، بينما وافقه "نديم" بهدوء واجم:


-دي نقطة ماختلفناش عليها يا ليث.. محدش يقدر يقرب من ليلى بعد إنهاردة.


حدجه "ليث" بنظراتٍ حادة مباشرة وهو يقول بعداء:


-على فكرة كلامي بيجمعك انت كمان يا نديم. وحركة إن ليلى تتنقل أوضتك دي مش مقبولة

أختي مش هايتقفل عليها باب واحد معاك.


رفع "نديم" حاجبه وهو يقول بنفس الهدوء:


-عايش معايا من وانت عيّل ابن خمس سنين.. ولسا ماتعلمتش مني حاجة يا ليث

مش قلت لك قبل كده إللي يقول حاجة يبقى أدّها؟ طيب ليلى هاتفضل في أوضتي. وهايتقفل عليا أنا وهي باب واحد.. انت بقى هاتعمل إيه؟


هبّ "ليث" واقفًا بلحظة وكأن شيطانًا تلّبسه، بينما تجمّده صيحة أبيه الزاجرة:


-ليــث!


كان هذا أقصى ما عنده ..


ما كان ليجرؤ على إتخاذ خطوة واحدة نحو ابن عمه، وإلا ما تردد حتى رغم أبيه، وكان "نديم" يدرك ذلك ..


ظل على استرخائه، ولم يرف له جفنٍ وهو يتطلّع إلى الأخير بابتسامةٍ باردة، ثم قال بفتورٍ:


-كبرت يا ليث. بس عمرك ما هاتكبر عليا! .. وأمره بهدوء:


-أقعد.


مرّت لحظاتٍ طويلة.. قبل أن يذعن "ليث" في الأخير ويخضع لإرادة "نديم".. "نديم" الذي لم يكن بالنسبة له ابن عمّه فقط ..


بل معلّمه، مرشده، قدوته ..


يسحب "نديم" نفسًا عميقًا وهو يمد جزعه للأمام قليلًا، ثم يقول بلهجة أكثر تفاهمًا ناظرًا بعينيّ "ليث" المتقدتين:


-بص يا ليث. أنا مقدر حالتك. فاهم كويس احساسك.. لكن في المقابل إللي بطلبه منك حاجة واحدة بس

ماتفقدش ثقتك فيا. وخليك عارف إن نديم إستحالة يقلل من عيلته في عين أي حد. انت شايف ليلى أختك

وهي فعلًا أختك. اتربيتوا سوا. وكبرتوا مع بعض. لكن الحقيقة هي مش أختك. وبرا عن أمك مشيرة

لا أنا ولا انت ولا عمي هانقبل ان حد يجي ياخدها مننا. مهما كانت الحلول في نظرك قذرة ومش مقبولة أنا هانفذها

لأني مش هاسمح لحد يمس منها شعرة تاني.


ليث بغضبٍ مكبوت:


-انت دمرت سمعتها.. دمرتها شخصيًا!!


نديم بحدة: الإيد إللي ربّتها لما تقسى عليها. هاتكون أهون بكتير من إيد رمتها زمان

يمكن في نظرك أنا دمرتها. لكن أعرف بردو إني هقدر أداويها وأوقفها على رجليها من تاني ..


وصمت للحظة، ثم أعلنها جهرًا لأول مرة:


-أنا بحبها.. بحب ليلى يا ليث

وانت عمرك ما هاتقدر تفهم!


يدق باب المكتب في هذه اللحظة.. فيأذن "مهران" بالدخول ..


ينفتح الباب، فإذا بإحدى المستخدمات تهتف بوجهٍ شاحب:


-نديم بيه.. الأنسة ليلى فاقت وماسكة في خناق الممرضة فوق!


_____________________________________________________


في مدينة الملاهي العملاقة ..


الأضواء المبهرة ذات الألوان المتعددة تتراقص على وجه "ريهام".. عيناها الواسعتان تعكسان بهجة طفلة لا تزل عالقة في زمن البراءة اللانهائي .. 


تتداخل أصوات الضحك والموسيقى مع صرير الألعاب، بينما يدها الصغيرة متشبّثة بيد "زين" الغليظة، كأنها وجدت أمان العالم كله فيها ..


قالت وهي ترفع رأسها نحوه، تتأمل ملامحه الوسيمة وهي لا تعي حقًا معنى الاعجاب الذي تشعره تجاهه:


-زين.. ريري مبسوطة أوي!


ابتسم بخفة، عيناه تراقبانها لا كطفلة، بل كفريسة ..


-وأنا كمان مبسوط! .. قالها بلطفٍ، وتابع مداعبًا خدّها بأنامله:


-عشان شايف الضحكة دي.


أطلقت إحدى ضحكاتها الموسيقية المحببة، ثم انطلقت نحو لعبة الخيول الدوّارة، تدور حول نفسها قبل أن تعتلي "اليوني كورن" ..


فظل هو واقفًا يتابعها، وفي عينيه مزيجٌ من صبرٍٍ محسوب ونوايا مخبوءة  ..


كانت تلوّح له بيدها كلّما مرّت أمامه، كأنها تعلن ولاءها البرييء، حين انتهت، ركضت نحوه تتنفس بسرعة، وجبينها يلمع بعرق ٍخفيف ..


-عاوزة Cotton Candy! .. قالتها بلهاثٍ وهي تشير صوب عربة حلوى القطن


أومأ لها "زين" قائلًا:


-طبعا. انتي تؤمري.. تعالي.


وأخذها من يدها تجاه العربة ..


أشترى لها ما تشتهي، ثم انتقلا إلى اللعبة التالية تنفيذًا لرغبتها، وقد كانت الأفعوانية "قطار الموت" ..


حاول "زين" إقناعها بارتياد لعبة أخرى أقل مجازفة من تلك، لكنها أصرّت، فأجلسها بأحد المقاعد وحدها وأعدّ لها احتياطات الأمان جيدًا، كان سينتظرها بالأسفل، لكنها جمدته هاتفة:


-زيــن!


إلتفت إليها فورًا:


-إيه يا حبيبتي مالك؟ غيرتي رأيك ولا إيه؟


هزّت رأسها: لأ. أنا عايزاك تركب اللعبة دي معايا.


اقترب أكثر وهو يقول بهدوء:


-ريري لو خايفة ننزل ونشوف لعبة تانية.. ها قولتي إيه؟


-ريري مش خايفة. ريري عايزاك تركب جنبها. انت إللي خايف يا زين.


لم يستطع كبح ضحكة أفلتت من فمه وهو يحدق في التكشيرة التي انبلجت على وجهها فاتن الملامح، ثم قال:


-لأ يا ريري زين مابيخافش.. حاضر هاركب جنبك.


وقفز بجوارها بخفةٍ، أغلق حوله أحزمة الأمان وأنزل السور المعدني أمامهما، ثم نظر إليها فوجدها تبتسم بإتساعٍ ...


-مبسوطة؟


أومأت له بقوة صائحة بطفولة:


-أووي أوووي!


دقيقة أخرى، ثم بدأت اللعبة في التحرّك، تدريجيًا، وقد كان "زين" يراقبها باهتمامٍ ..


لا زالت الحماسة على وجهها، لكن عيناها عكستا مشاعر الخوف وليدة اللحظة، وفجأة ..


انفجر الصراخ حولهما، ما ان انحرف القطار وأنزلق بسرعةٍ رهيبة لأسفل، صرخت "ريهام"بدورها، صراخٌ حقيقي، هستيري وقد أجهشت بالبكاء بينما القطار لا يقف ويواصل انحرافاته وصعوده وهبوطه ..


مد "زين" يده ممسكًا بيدها بقوة وهو يصيح بأعلى صوته لتسمعه من بين الصخب:


-ماتخافيش يا ريري.. دي مجرد لعبة

ماتخافيش.


لكنها لم لأول مرة لا تسمعه.. لا تشعر به ..


أغشى عليها فجأةً فوق المقعد، فذعر "زين" لرؤيتها هكذا، وعلى الفور أخذ يصيح بصوتٍ جهوري في الشاب الذي يدير اللعبة أن يوقفها ..


لكن الأخير لم ينصت له، ولم يعبأ مطلقًا، واكتلمت الدورة لنصف دقيقة أخرى، وطوال هذا الوقت لم يترك "زين" يدها، وبيده الأخرى يمسك رأسها بحرصٍ لكي لا تتأذى ..


وما ان توقفت اللعبة حتى فك أحزمته وقفز منها إلى موقع وقوف الشاب، هجم عليه مثل وحشٍ كاسرٍ وأخذ يكيل له اللكمات والركلات، بينما رواد الملاهي تجمهروا من حولهما وراقبوا المشهد الدموي بين خوفٍ وذهول ..


إلى أن حضر بعض أفراد الأمن، حاولوا تخليص الشاب من يده بصعوبة، إلا إن "زين" جمد الجميع وهو يذكر هويته بغلظةٍ ..


وأخيرًا قام عن الشاب بعد أن أدمى وجهه تمامًا، ثم عاد إلى "ريهام وهو يمسح قبضته الملوثة بالدماء في كنزته ..


خفق قلبه بوجلٍ وهو ينظر في وجهها الشاحب، نزع الأحزمة من حولها وحملها إلى المنصّة السفلية، أراح جسدها فوق السطح الصاج ...


-ريري. ريهام! .. ناداها لاطمًا مرارًا خدّها برفقٍ


لم تستجيب لنداءاته ..


فجاءته إحدى الفتيات بقنينة ماءٍ، سكب القليل في كفه فوق ومسح على وجهها، بدأت تفيق ببطٍ، فزفر براحةٍ وهو يخاطبها بلهجةٍ رقيقة:


-كده يا ريري. خضتيني عليكي.. فوقي يا حبيبتي

ماتخافيش. أنا زين.. أنا جنبك أهو.


رفعت جفنيها بتثاقلٍ، لتظهر عيناها الزرقاوان بين رموشها الكثّة، نظرت إليه فورًا متمتمة:


-زيـن!


تنهد "زين" قائلًا:


-وقعتي قلب زين يا شيخة.


وحملها بين ذراعيه كطفلة صغيرة، نزل بها على مهلٍ، ثم أجلسها إلى مقعدٍ رخامي قريب، بينما ذهب ليعتذر من الشاب الذي ضربه ...


-والله ما كنت أعرف ان حد أغمى عليه يا باشا! .. قالها الشاب بلهجة منكسرة وهو يضع ضمادٌ فوق أنفه النازف


اعترى "زين" شعورٌ قوي بالندم على تسرعه في أذيته، مد يده، فأجفل الأخير خائفًا ..


ابتسم "زين" بلطفٍ وربت على كتفه قائلًا:


-حقك عليا يا عم. أنا بس لما بنفعل مابشوفش قصادي

وبعدين انت زي اخويا الصغير.. صح؟


أومأ له الشاب، فأضاف "زين" وهو يستلّ محفظته من جيبه ويسحب ورقتين نقديتين ويدسها في جيب الآخر:


-دول من أخوك. ماتكسفنيش.


-مقبولة يا باشا.


-أنا اسمي زين نصر الدين. انت اسمك ايه؟


-رضا محمود.


-عاشت الأسامي يا رضا.. طيب بص بقى 

انت أخويا الصغير زي ما قلت لك. لو احتاجت أي حاجة تعالالي مكتبي في ..


وذكر له الجهة التي يعمل بها ...


-لو مالقتنيش أنا هابقى أعرف أوصلك.. اتفقنا؟


ابتسم الشاب من بين جروحه وقال:


-اتفقنا يا باشا.


تصافحا، ثم تركه "زين" عائدًا إلى "ريهام ..


كانت تأكل النقانق المالح وتشرب العصير الذي أحضره لها "زين" لتستعيد إتزانها بالكامل ..


جلس بجوارها وهو يقول باهتمام:


-عاملة إيه دلوقتي يا ريري؟ لسا دايخة؟


نفت "ريري" بهزة رأس وقالت بنشاطٍ متجدد:


-لأ أنا كويسة.. تعالى نروح بيت الرعب بقى.


أمسك "زين" برسغها وأبقاها مكانها وهو يقول بحزمٍ:


-بيت رعب إيه يا حبيبتي. مش كفاية الرعب إللي عيّشتيني فيه من خمس دقايق

لأ انسي خلاص. كفاية أوي كده إنهاردة. مافيش لعب تاني.


مطّت فمها بحزنٍ وقالت:


-يعني إيه مش هالعب خلاص؟ أنا عايزة ألعب!


زين بصرامة: لأ مش هاتلعبي. انتي تعبتي أصلًا من كتر اللعب

وشك بقى أصفر أهو.


عوجت وجهها مرددة:


-يعني إيه وشك أصفر دي؟ في حد وشه أصفر انت بتكدب يا زين!!


قلب "زين" عينيه مستغفرًا بصوتٍ خافت، ثم نظر إليها قائلًا بصبرٍ:


-وشك أصفر يعني جسمك تعب يا حبيبتي. محتاجة تهدي خالص وتبطلي جري وتنطيط.


ضربت الأرض بقدمها هاتفة:


-بس أنا لسا عايزة ألعب!


زفر "زين" بنفاذ صبر.. لكنه تمالك أعصابه رغم ذلك ..


ابتسم لها بلطفٍ وقال بهدوء:


-طيب يا حبيبتي. إيه رأيك أخدك ونروح ناكل في المطعم إللي تختاريه

وبعدين نروح نجيب آيس كريم أو دونات. بتحبي الدونات؟


أومأت له بقوة، فتنهد برضا وقال:


-خلاص هانروح دلوقتي الفود كورت ونعمل كل إللي انتي عايزاه هناك. وبعدين أخدك وأروّحك.. عشان الوقت اتأخر.. اتفقنا؟


ريهام مبتسمة: اتفقنا!


وفيما كانا يسيران وسط الزحام، كانت يدها تتأرجح في يده، بينما هو يضيق قبضته تدريجيًا، وكأن القدر يربط بينهما بخيطٍ لا يُرى ..


احساسٌ بالمسؤولية من جهته.. وثقةٍ عمياء من جهتها ...


_____________________________________________________


كان أول من وصل إلى ساحة الشجار العنيف ..


والصورة كالآتي ..


شاهد "نديم" زوجته تقف أمام جناحه ممسكة بتلابيب الممرضة الشابة، شعرها الناعم مهوش وصوتها الضعيف يخرج مبحوحًا وهي تحاول ترويع الأخيرة:


-فكري تحطي إيدك عليا تاني. انتي ماتعرفنيش

أنا مجنونة.. أقلبك من فوق هنـا!!!


وأشارت نحو سور الدرج ..


لتصطدم عيناها عرضيًا بعينيّ "نديم" ..


في نفس اللحظة يظهرا كلًا من "مهران" و"ليث" ...


-ليلى حبيبتي! .. هتف "مهران" بقلبٍ متلهف لها


حاول الاقتراب، إلا ان "نديم" أوقفه دون أن يحيد بعينيه عنها، ثم قال مخاطبًا الممرضة بصلابةٍ:


-اتفضلي على تحت انتي يا Nurse. لو احتاجتك هاطلبك.


أطاعته الأخيرة مارّة بجوار "ليلى" وهي ترمقها بنظرة شفقة ..


لم يستطع "مهران" منع عاطفته تجاهها وهو يقول بخوفٍ بالغٍ عليها:


-انتي إيه إللي قوّمك من السرير يا ليلى؟ الدكتور قال إنك لازم ترتاحي لمدة أسبوع على الأقل!


مررت "ليلى" عيناها الغائرتان عليهم.. ثم قالت بصوتٍ هشّ:


-سرير مين؟


عجز "مهران" لوهلةٍ عن الرد، بينما جاوبها "نديم" بثباتٍ واثق:


-سريري يا ليلى.. سرير جوزك.


هزت رأسها للجانبين وقالت:


-لأ.. انت مش جوزي ..


ونظرت نحو أبيها المزعوم مكملة:


-ولا انت أبويا.. ولا انت أخويا يا ليث

انا مش بنتكوا.. انا بنت حرام زي ما قالت الست دي.


-ميـن هـي؟ مين إللي عمل فيكي كده؟.. سألها "نديم" متخذًا نحوها خطوتين


توقف عندما تراجعت مثلهما وهي تستطرد:


-قالت لي إني زي أمي. أمي حملت فيا من حرام. وأنا كنت حامل من حرام بردو

انت ليه ربّيت واحدة زيي على إنها بنتك؟


تطلّعت إلى "مهران" الذي تقلّصت ملامحه بألمٍ واضح، وأضافت بشيءٍ من الانفعال:


-ليه تشيل غلطة غيرك؟ وليه ماقولتليش حقيقتي؟

وانت ليـه عملـت فيـا كـده؟؟؟


السؤال موّجه لـ"نديم" ..


انقبضت عضلات فكيه وهو ينظر لها صامتًا، فأردفت بينما صدرها يعلو ويهبط من عصبيتها المكتومة:


-انت كنت عارف.. كنت عارف كل حاجة وانت بتعمل معايا كل ده صح؟


لا زال لا يرد عليها، مكتفيًا بإقراره الصامت ...


-حياتي انتهت في البيت ده. أنا ماليش أيّ صلة بيكوا.. أنا راجعة لرياض نصر الدين.. راجعة لجدي!


خلال ثوانٍ ..


ملأ صراخها الفظيع أركان المنزل بل وتخطّاها، حتى جاءت "لُقى" مهرولة على إثره، بينما يحملها "نديم" من خصرها بذراعه القوية على مرآى ومسمع من العائلة.. من عمّه بالأخص ..


لم يحرّك أحد ساكنًا، حتى أقفل عليهما باب جناحه، أنزلها أخيرًا ..


كانت لا تزال شاحبة، آثار الوجع مرسومة على ملامحها، وعيناها نصف مغرورقتين بالدموع، لكن صوتها خرج لاهثًا مشوبًا بالغضب:


-بتحبسني يا نديم؟ ماشي. بكرة جدي يجي هنا ومعاه البوليس. وانا بلساني هاقولهم إني مش بنت مهران. وإني محبوسة هنا وطالبة حريتي!!


-حريتك؟ بعد إيه؟ 

بعد ما قتلوا ابني إللي في بطنك؟ انتي خلاص خسرتي حريتك من بعد ما خدوا روحه. عمرك ما هاتكوني حرّة بعد كده ..


رمقها بنظرة تنزّ شرًا، ومد يده ليكمش ذراعها حين حاولت التراجع ..


خرج صوته غليظًا، مزلزلًا:


-مش هاسيبك يا ليلى. فاهمة؟ بمزاجك او غصبٍ عنك. انتي ليا غصبٍ عن الكل!!!


صاحت محاولة دفعه بضعف:


-بعد إللي سمعته منك. ده أنا أبقى رخيصة فعلًا. وماعندي كرامة لو سيبتك تنفذ إللي قولته ده. على جثتي يا نديم!


أمسك بوجهها بقبضته، يجبرها أن تنظر لعينيه، بينما يهدر من بين أنفاسه الساخنة:


-ماتفتحيش بؤك عن الكرامة.. لأنك لو كنتي فعلاً حاسة بيها. ماكنتيش هتفكري تسيبي جوزك وتروحي لناس شكّوا فـ نسبك وكانوا عايزين يقتلوكي زمان وقتلوا ابنك دلوقتي. رجوعك ليهم هو ده الرخص بعينه يا ليلى!!


همّت أن تصفعه، فقبض على يدها في الهواء كأنها ريشة، دافعها للحائط دون أن يؤذيها، واستطرد بخشونةٍ:


-القلم ده مش أنا اللي استاهله. لكن لو هايريّحك اتفضلي أنا قدامك اهو. بس تطلعِـي من هنا مش هيحصل. مش هسيبك يا ليلى.. هاتفضلي مراتي.. بالرضا.. بالعافية.. بالعند.. بالدم… محدش هايخدك مني!!!


لم تكن تدخر الطاقة الكافية لمجابهته أكثر ..


غامت عيناها خلف سحابة التعب، وكادت تسقط ولولا ذراعاه، أسندها إليه ضامًا إيّاها إلى صدره ..


أخذ يتنفس بعنفٍ وقلبه يخفق بغضبٍ، حملها إلى السرير ودثرها جيدًا، بينما تراقبه من خلال نظراتها الواهنة ..


تشعر بلمساته على وجهها وعنقها دون أن تقدر على ردّه، وتسمعه يقول وهو يجلس أمامها على طرف السرير:


-أنا هاحاسب كل إللي كان له يد في إللي حصل لك.. عارف ان قلبك محروق على ابننا

بس أنا بوعدك... هاخليهم يندموا على اليوم إللي فكروا يقربوا منك.


في داخلها تقرّ بصحة كلامه.. وأن قلبها ينفطر كل لحظة على خسارة جنينها ..


إلا إنه مُخطئ في أمرٌ واحد ..


فهي لا ترد وعده، لا تريده أن يأتي بحقها، لأنها هي من ستقتص ..


كما أنه قد غدى أول أعدائها.. منذ هذه اللحظة!............................................................................................................................................................ !!

يتبع ...

 تكملة الرواية من هناااااااا 

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا




تعليقات

التنقل السريع
    close