رواية لهيب العشق الفصل الثالث وعشرون 23بقلم سيليا البحيرى حصريه
رواية لهيب العشق الفصل الثالث وعشرون 23بقلم سيليا البحيرى حصريه
#لهيب_العشق
#سيليا_البحيري
فصل 23
زين خرج وقفل الباب الحديد وراه. ساد الصمت في المكان، وسُمِع صوت قفل الباب بيطن في ودان تارا زي رصاصة.
تارا قاعدة على الأرض، ظهرها للحائط، عنيها بتزوغ في الضلمة، ودموعها بتنزل بدون توقف
تارا (بصوت مكسور، وهي بتبكي):
أنا… أنا عملت كده فعلاً؟
أنا اللي خربت حياته…
أنا اللي وقعت في شر أفعالي…
بتحاول تشد نفسها، بس جسمها بيترعش، ودموعها بتزيد، بتصرخ وهي حاطة إيديها على وشّها
تارا (بتنهار):
أنا كنت فاكرة إني قوية…
كنت فاكرة إني أقدر أوجّعهم زي ما وجعوا أمي…
بس إياد…
إياد كان مختلف… كان طيب… كان بيراعي مشاعري وأنا بعمل فيه أسوأ حاجة!
بتبكي بشدة، صوتها بيطلع وهي بتحاول تتنفس
تارا (بتضرب الأرض بإيدها):
أنا غبية… غبية!
كنت شايفة الحنية في عنيه، بس كنت بكذّب نفسي…
وكنت بقول لنفسي إني مش محتاجة حب…
بس الحقيقة؟
أنا كنت محتاجاه…
كنت بموت جوايا ومالقيتش غيره يحسسني إني بني آدمه!
بترفع راسها للضلمة، عنيها مغرقة دموع
تارا (بصوت مبحوح):
بحبك يا إياد…
آه والله، بحبك…
وكل لحظة قضيتها جنبك كانت حقيقية…
حتى وأنا بكذب، قلبي كان بيصدقك إنت.
بتقع تاني على الأرض، ركبها ضعيفة، صوتها بيبقى أوطى وهي بتحضن نفسها
تارا:
يا رب…
يا رب يرجع…
ما يموتش…
أنا مستعدة أتحاسب… أتحاسب على كل اللي عملته، بس ترجع ليه…
أنا مش عايزة غيره…
ولا حاجة ليّا في الدنيا من غيره…
(الأنين بتاعها بيملى المكان، صوت بكاها بيعلى وهي بتفضل تكرر بصوت مكسور):
تارا:
بحبك يا إياد…
بحبك…
سامحني… سامحني يا رب…
المشهد ينتهي على صوت بكاها المكبوت جوه ظلمة المخزن، ووجهها المنكسر بين دموع الندم والحب الحقيقي
الصمت ساد المخزن بعد انهيار تارا، بس فجأة… حاجة بتتغير في عنيها. بتوقف بكاها، بتشد نفسها وبتبص حواليها، عنيها بتلمع بنار مختلفة. بتتكلم بصوت واطي، بس حاد
تارا (بغضب مكتوم):
فكرني ضعيفة؟
تحبسني هنا زي فار في مصيدة؟
يا زين… إنتَ نسيت أنا مين.
(بتقف بصعوبة، وبتبص حوالين المكان بدقة، دموعها لسه بتلمع، بس وشها بقى جامد، مليان تحدي)
تارا (بتوشوش لنفسها):
أنا اللي قضيت سنين ببني خطة انتقامي…
أنا اللي كذبت، وخدعت، وسيطرت…
فاكر إني هفضل قاعدة هنا مستنية مصيري؟ لا يا حبيبي…
أنا بصنع مصيري بإيدي!
بتروح ناحية أحد الزوايا، بتلاحظ ماسورة حديد بارزة من الحيطة، بتسحب نفسها ليها وبتبدأ تحك الحبل اللي رابط إيديها فيها، بكل قوة وإصرار
تارا (وهي بتحك الحبل):
أنا لازم أوصل لإياد…
لازم أشوفه…
حتى لو آخر حاجة أعملها في حياتي…
بتفضل تحك الحبل، إيديها بتتج"رح، الد"م بيطلع، لكنها مش بتحس بالألم… تركيزها كله على هدف واحد
تارا (بصوت متقطع):
مش هسيبك تموت… مش بعد كل ده…
وأخيرًا… الحبل بينقطع، بتتراجع شوية، بتتنفس بعمق، وبتبص لإيديها وهي مليانة د"م… بتضحك ضحكة خفيفة، فيها وجع وانتصار
تارا (بصوت مليان غل):
زين…
فاكر نفسك سجّان؟
أقسم بالله…
هتدفع التمن، وهتدفعه غالي.
بتروح ناحية الباب، بتفتشه بدقة، بتلاقي مفك صغير مرمي في الأرض، يمكن من عامل أو مهمل قديم. بتستغله علشان تفك قفل الباب الحديدي، وبتكمل بصبر وقوة… وأخيرًا الباب بيتفتح، وبصوت خافت بيتأوه مع الصدى في المكان المهجور
تارا (وهي تفتح الباب، بصوت خافت):
الحرية…
وأول محطة: إياد.
تخرج من المخزن، تكتشف إنها في أطراف غابة مهجورة، الضباب بيغطي الأرض، والبرد بيقرص، بس عنيها مليانة نار
تارا (وهي بتسير وسط الأشجار، تتكلم كأنها بتتوعّد):
فاكر نفسك المنتقم يا زين؟
استناني…
الليلة دي، هتكون بداية نهايتك…
لأن اللي بيحب، لما يتحوّل لقوة… مفيش نار بتطفيه.
المشهد ينتهي على تارا وهي بتختفي وسط الغابة، بتجري بكل قوتها باتجاه الطريق اللي بيودي للمستشفى… وشها مجروح، إيديها بتنزف، بس في عينيها رغبة شرسة في النجاة… وفي الانتقام… وفي الحب
تارا بتجري في الغابة بالليل، نفسها مقطوع، ووشّها مليان حزن وغضب، وفجأة بتغمى عليها بعد ما حد مجهول يخدّرها
بعد كام ساعة، تارا بتصحى على سرير في أوضة ضلمة، وإيديها متربطة، بتبص حواليها بخوف
تارا (بصوت مبحوح): أنا فين؟! مين اللي جابني هنا؟!
الباب بيتفتح ببطء، وبيظهر راجل في آخر الأربعينات، وشّه شاحب، ونظراته كلها ندم
الراجل: متخافيش، مش هأذيكي.
تارا (بتحدي): فكّني حالًا! إنت مش عارف أنا مين؟ هتندم، والله هتندم!
الراجل (بياخد نفس): عارفك... عارفك أكتر ما تتخيّلي. إنتي تارا... بنت شيرين.
تارا تسكت شوية، عنيها بتتفتح على الآخر
تارا (بصوت متردد): ماما؟... إنت مين؟ وعاوز مني إيه؟
الراجل: اسمي خالد... وأنا ابن الست اللي خربت حياتكم.
تارا (بصدمة): يعني إيه؟ أمّك ليها إيه علاقة بحياتنا؟!
خالد (بصوت مكسور): إنتي عِشت عمرك كله على كدبة... اللي حصل لمامتك مش بسبب أهلها، ولا علشان طردوها عشان عملت "غلطة"... الحقيقة أعقد من كده بكتير.
تارا (بعصبية): كدب! أنا قريت المذكرات بخط إيديها! كانت بتكرههم! هم السبب في اللي حصل لها... وفي موت بابا!
خالد (بحزم): المذكرات اللي قريتيها؟... مش أمّك اللي كتبتها. دي أمّي اللي كتبتها. اسمها سعاد... ومامتك ما كانتش تعرف بوجودها أصلًا.
تارا تتجمد في مكانها، وصوتها يطلع بهمس:
تارا: سعاد؟ مين سعاد؟
خالد: سعاد... عمة شيرين. أخت أبوها. ست كانت مليانة حقد، ما قدرتش تشوف أمّك مبسوطة... خطفتها وهي عندها 15 سنة، وخلّتها تبقى حامل عن طريق الحقن المجهري. مامتك ما غلطتش، ما خانتش... كانت ضحية.
عنيها تدمع، بتحاول تستوعب اللي سمعته
تارا (بهمس): مستحيل... دي خرافات...
خالد (وهو بيقرب منها بهدوء): لو مش مصدقاني... هوريكي كل الأدلة. صور... تسجيلات... وشهادة الدكتور اللي عمل العملية، قبل ما يق"تلوه برصاصة من أمي.
تارا تبكي، وتهز راسها بالنفي
تارا: ولو كانت أمّك فعلاً السبب... بتحكيلي ليه؟ إنت ابنها!
خالد (بمرارة): علشان أنا كنت شريكها... وندمت. ندمت على كل لحظة ضيّعت فيها حياة أمّك، وندمت إني سكت لما ق"تلت سليم قدام عينينا. بس مش هسكت تاني... جه وقت الحقيقة يا تارا، حتى لو كانت موجعة.
[تارا تهمس وهي بترتعش:]
تارا:عيلة ماما... كانت بريئة...
خالد: أكتر ما تتخيّلي. ولازم تعرفي الحقيقة... قبل ما تنتقمي من الناس الغلط. مش عيلة العطار اللي دمّروكم... كانت أمي.
المشهد بيخلص بلقطة قريبة لوش تارا، والدموع نازلة من عينيها، وعقلها بيغلي بالحيرة... والانتقام بيتحوّل لصدمة
تارا بتبص في الفراغ بعد ما سمعت الحقيقة. الصمت ساكن المكان لثواني، قبل ما جسمها يبدأ يتهز كأنها هتنفجر
تارا (بصوت مهزوز، وهمس): ماما... بريئة؟... ماكنتش... ماكنتش زي ما كنت فاكرة؟
تارا نفسها بتسارع، عنيها بتملى دموع، وفجأة بتصرخ بحدة:
تارا (بصراخ هستيري): لاااااااااااااااااااااااا!!!
بتقوم بعنف من على السرير، بتوقع الكرسي اللي جنبها، وبتبدأ تزق الترابيزة بيديها فتتقلب، الكتب والأوراق بتتناثر في الأرض. خالد واقف مصدوم، بيبص عليها ومش قادر يقرّب
تارا (وهي بتكسر فازة إزاز): كل حاجة كدب! حياتي كلها كانت كدبة! أنا بوّظت حياة ناس مالهمش ذنب!!
بتروح ناحية الحيطة، وتفضل تضرب فيها بإيديها المرتعشة، دموعها نازلة بحرقة، وبعدين بتقع على الأرض وتعيط بصوت موجوع
تارا (بتشهق وتهمس): إياد... يا رب إياد... أنا عملت فيه إيه؟ قلت له إيه؟ إزاي جرحت إنسان صدقني وحبني؟
جسمها بيرتج أكتر، وبتبص لخالد، بس بسرعة تبعد نظرها عنه وتبص في الفراغ، وبتبدأ أصوات من ذاكرتها تتردد في ودنها كأنها لسه عايشاها:
صوت أدهم (من ذاكرتها): "تارا، الانتقام مش هيجيب حق ماما و بابا، ده هيحرق قلبك إنتِ، مش قلبهم!"
صوتها (من ذاكرتها): "إنت غبي وساذج يا أدهم... زيهم بالظبط!"
صوت أدهم: "أنا أخوكي، وبشوف النار في عنيكي... بس اللي بتعمليه ده غلط!"
بترجع للواقع، تارا تضرب الأرض بإيديها وتصرخ بصوت مخنوق:
تارا: كنت عميـــــا!! دفنت نفسي بإيديا! ليه ما سمعتكش يا أدهم؟ ليه؟!
بتقوم فجأة وتروح ناحية دولاب خشب، تفتحه وتبدأ تقلب في حاجاته بعشوائية، بتكسر مراية، وتقطع ستارة، كأنها عايزة تدمّر كل حاجة حواليها
خالد (بصوت واطي حزين): تارا... كفاية... إنتي جرّحتي نفسك كفاية...
بتبص له فجأة، عنيها مليانة دموع، وشها منهار تمامًا:
تارا (بصراخ مجنون): ما تكلمنيش!! إنت السبب! إنت وكل عيلتك... سرقتوا طفولتي... حرقتوا أمي... وأنا... أنا وقفت في مسرحية الكره وغرقت فيها، وضيّعت إنسان نضيف زي إياد!
[تسقط على الأرض، وشها في الأرض، وعيطها بقى هادي بس موجع، وخالد واقف في الركن، مش قادر يعمل حاجة، كأنه بيتفرج على ندمه بيتجسد قدّامه
المشهد بينتهي بصمت تقيل، وصوت شهقات تارا بيملأ المكان، كأن الأوضة بتضيق بيها وبذنبها
******************
في المستشفى – الدور بتاع العناية المركزة – الساعة تلاتة الفجر
الضوء خافت، الممرات فاضية تقريبًا، وصوت الأجهزة بيزن كده في الخلفية.
إياد نايم على السرير، مربوط بالأجهزة، وشه باهت، وصدره بيطلع وينزل بهدوء.
باب العناية بيتفتح بشويش، وتدخل ست لابسة عباية سودا واسعة، مغطية شعرها، وعيونها مليانة دموع. تقف عند باب الأوضة وبُتبص من ورا الإزاز…
شيرين (بهمس):
يااااه يا إياد… شاب زي الورد، نايم كده ما بين الحياة والموت… وأنا مش قادرة حتى ألمس إيدك.
تدخل الأوضة بالراحة، تبص حواليها تتأكد إن مفيش حد، وبعدين تقرب من السرير، وتقعد على الكرسي اللي جنبه. ترفع إيده المترخية وتبوسها وهي بتعيط.
شيرين (بصوت مكسور):
إنت متعرفنيش… يمكن عمرك ما سمعت عني… بس أنا عمتك يا إياد…
أنا شيرين… توأم مازن… اللي زمان طردوني من البيت وقالولي إني جبت العار للعيلة…
وأنا والله ما كنت عاملة حاجة… كنت ضحية، وصرخت، وعيطت، وترجّيتهم… بس ولا حد سمعني.
زيّك كده… نايم لوحدك، ولا حد سامع صرختك.
تتنهد وتمسح دموعها بطرف عبايتها.
شيرين (بتكمل):
بس أنا ما وقعتش… أنا وقفت على رجلي تاني… وسليم، أبو أدهم، حبني من غير ما يسأل…
خدني ورفع راسي…
عِشنا، وخلفنا، وبنينا حياتنا بعيد عنهم… بس الشر عمره ما بينسى…
سعاد… أخت جدك محمود… هي اللي خطفتني، وهي اللي كانت هتخلص على سليم …
وكانت ناوية تخلص عليا كمان… بس أنا ما سبتهاش… وقفت تاني، علشانك، وعلشان أدهم و علشان تارا، وعلشان أقول الحقيقة اللي اتدفنت سنين.
تسكت لحظة، وتمسح دمعة نزلت على خد إياد.
شيرين (بحنان):
عارفة إنك مش سامعني… بس لو في حتة جواك حاسة بيا، عايزة أقولك إنك مش لوحدك يا حبيبي.
أنا هنا… عمتك اللي اتنست… رجعت، وهطلع كل اللي اتخبّى…
وعد منّي ومن سليم… إن سعاد مش هتعرف تعيش مرتاحة…
واللي عملته فيك مش هيعدّي كده…
وآسفة… آسفة عن بنتي تارا… آسفة بالنيابة عنها بس هي برضه كانت ضحية لمؤامرات سعاد
تقوم بالراحة، تبوس جبينه، وتلمس شعره بحنية الأم.
شيرين (بهمس):
أنا آسفة إني اتأخرت… بس بوعدك، اللي جاي كله ليك…
وهتقوم، وتعيش، وتشوف مين كان بيحبك بجد، ومين اللي باعك.
تخرج من الأوضة بهدوء، تعدي قدّام الإزاز… وفي الركن البعيد، تارا واقفة في الضلمة، شايفة كل حاجة… ملامحها متوترة، كإن حاجة جوّاها اتكسرت للحظة… وبعدين تختفي في السكون
********************
في ممر طويل في الطابق الأرضي من المستشفى – الساعة الثالثة والنصف فجراً
شيرين تسير بسرعة وهدوء، ترتدي عباءة سوداء وحجابًا داكنًا يغطي أغلب ملامحها، تحني رأسها للأرض، لكن عيناها تدمعان، وقلبها مثقل بوجع الذكريات.
في الجهة المقابلة من الممر، يسير كل من مهاب ومازن، متوجهين نحو غرفة إياد بعد أن اتصل بهم الطبيب لتحديث حالته.
مازن يتوقف فجأة في منتصف الممر، يبطئ خطواته، ويبدو مشوشًا.
مهاب (ينظر له):
مازن؟ مالك؟ ليه وقفت؟
مازن (بصوت منخفض، وملامحه مذهولة):
فيه… فيه ريحة…
مش ريحة عطر، بس إحساس…
زي نسمة قديمة… فاكرها كويس.
مهاب (بضيق):
نسمة؟ إحساس؟ إنت بتتكلم عن إيه؟
مازن (ينظر إلى نهاية الممر، حيث ابتعدت شيرين واختفت خلف الباب الزجاجي المؤدي إلى الخارج):
مش عارف… بس في حد مرّ من هنا… وأنا حاسس إني أعرفه…
مش بس أعرفه… ده جزء مني…
شيرين؟
مهاب (يتجمد، ثم يضحك بسخرية مشوبة بالألم):
شيرين؟!
شيرين اللي طردناها من 25 سنة؟ اللي ما نعرفش عنها أي حاجة؟ اللي ظلمناها و دبحنا قلبها بكل برودة دم؟
إنت لسه بتحلم إنها ترجع بعد كل ده؟
مازن (بهمس شبه غائب):
ما راحتش من قلبي… إحساسي بيها عمره ما مات…
أنا توأمها، وده مش حلم…
أنا شميت حضورها يا مهاب… شميت وجعها…
مهاب (ينظر للأرض، ثم يشيح بوجهه):
حتى لو كانت هي…
مش من حقنا نطلب منها تبص في وشوشنا…
مازن (بصوت مختنق):
بس أنا عايز…
عايز أشوفها… أحضنها… أقول لها إني كنت غبي…
أنا كنت جبان لما سكت، لما ما دافعتش عنها.
مهاب لا يرد، ويمضي بخطوات بطيئة نحو المصعد، لكن عينيه تلمعان بندم دفين.
أما مازن، فيلتفت مجددًا نحو حيث اختفت شيرين، يضع يده على قلبه ويهمس:
مازن:
أنا حاسس بيكي يا شيرين…
والمرة الجاية… مش هفوتك.
ينطفئ المشهد على صمت مؤلم، بينما في الخارج، تقف شيرين خلف سيارة سوداء، تراقب من بعيد، ثم تركب وتنطلق، ووجهها يختفي خلف زجاج مظلل، لكن عينيها تبكي بصمت
********************
في فيلا سعاد – غرفة الجلوس الفاخرة – مساء متأخر
الجو قاتم رغم الأضواء الذهبية، الستائر الثقيلة مغلقة، والهدوء مشوب بتوتر خفي.
سعاد تجلس على أريكتها المخملية، ترتجف يدها اليمنى قليلاً وهي تمسك بكوب الشاي،
وبجانبها تقف ناهد، زوجة ابنها خالد، مرتدية ملابس أنيقة سوداء اللون، تتكئ بجسدها المتوتر على حافة الطاولة.
سعاد (بصوت مبحوح، وهي تراقب الظلال التي ترقص على الجدران):
خالد… الولد المسكين…
كان زمانه جوه حضني… دلوقتي بقى يهددني بكلمة "الحق" وكأنه نبي منزل!
ناهد (بغضب مكتوم):
هو اللي جابه لنفسه، يا حماتي… من يوم ما بدأ يتوب ،وأنا عارفة إنه ناوي يفتح كل الملفات القديمة…
وأنتي عارفة كويس إيه ممكن يطلع منها…
سعاد (تضرب بكفها على الطاولة فجأة):
هيندم…
لو فكر يرجع… هيبقى مجرد ذكرى.
أنا اللي صنعته، وأنا اللي هأنهيه.
ناهد (تنظر إليها بتوتر):
بس هو اختفى من أسابيع… لا مكالمة، لا رسالة…
مش طبيعي.
سعاد (بصوت منخفض، شرير):
يمكن حد سبقنا.
(لحظة صمت ثقيلة)
ثم يرتجف هاتف سعاد فجأة فوق الطاولة – نغمة خاصة، نغمة بطيئة ومرعبة – تتجمد ملامحها.
سعاد (بهمس):
هو تاني…
ناهد (بقلق):
نفس الرقم الخفي؟
سعاد (تهز رأسها، ثم ترد بحذر):
ألو؟
صوت غامض من الطرف الآخر، مبحوح، مائل للسخرية، لا يظهر هويته:
"لسه بتشربي شاي بالقرنفل قبل النوم يا سعاد؟
لسه بتحبي تنامي والستائر مقفولة… زي أيام زمان… أيام ما كنتي بتبكي وهي تتوسل تحت رجليكي…
فاكرة صريخها؟ فاكرة ال"دم؟"
سعاد (تتجمد، ثم ترتجف يدها، تحاول السيطرة على صوتها):
مين إنت؟ عايز إيه؟
> "مش مهم مين أنا… المهم إن العدالة جاية يا سعاد… مش من خالد…
من اللي أنتي نسيتيه تمامًا…"
يُنهي المكالمة، وصوت الخط المقطوع يخيم على الغرفة
سعاد (ترمي الهاتف بعنف وتنهض):
لعنة… لعنة عليك يا شيرين… حتى وإنتي مختفية بتطارديني!
ناهد (بذعر):
مين ده؟ إنتي متأكدة أنها شيرين ؟
سعاد ( بتفكير): مش عارفة
ناهد (بذعر متزايد):
مين ده؟ إنتي متأكدة إن خالد مش هو اللي ورا التهديدات دي؟
سعاد (تتنفس بصعوبة، تمسك صدرها من شدة الغضب والخوف):
لا… ده مش خالد…
ده واحد يعرفني أكتر من نفسي… واحد كان موجود يوم الليلة السودا دي…
واحد شاف، سمع، ويمكن… يمكن يكون هو!
ناهد (تقف أمامها مباشرة، تسأل بخوف):
هو مين يا حماتي؟! أنتي لسه مخبية عليا حاجات؟ أنتي قولتيلي إن الليلة دي ماتت واندفنت!
سعاد (تضحك ضحكة مريرة، مكسورة لكنها مخيفة):
مافيش حاجة بتموت فعلاً، يا ناهد…
الدم ما بينشفش…
وأصواتهم… بتفضل تصرخ في ودني كل ليلة.
ناهد (بصوت خافت):
يعني إنتي فعلاً قتلتي سليم؟
سعاد (تتجه نحو المدفأة، تمد يدها نحو اللهب وكأنها تستحضر ماضيها):
ما ماتش بإيدي… بس كنت السبب…
اللي كتب المذكرات، اللي دس السم، اللي حرّض، اللي حرّف الحقيقة… كلها أنا.
كنت فاكرة إني دفنت كل حاجة، لكن الظل رجع… الظل اللي بيعرف كل الأسرار.
(فجأة يرن الهاتف الأرضي في الفيلا، رنة واحدة فقط… ثم يصمت)
تتجمد سعاد وناهد في مكانهما.
سعاد (بهمس):
بيتلاعب بيا…
ده مش تهديد… ده إعلان حرب.
ناهد (تحاول التماسك):
وإحنا لازم نسبقه… لو فعلاً ده خالد أو حد تاني، يبقى لازم نوصله قبل ما يوصل لمحمود… أو مازن… أو أي حد.
سعاد (تتجه ببطء نحو النافذة، تفتح الستارة قليلًا وتنظر للخارج، عيناها مليئتان بالحذر):
لو لسه فاضل قدامي يومين في الدنيا… هأحرقهم كلهم قبل ما حد يحرقني.
وأولهم… شيرين.
(تُغلق الستارة بعنف، ثم تلتفت إلى ناهد بنظرة شيطانية باردة):
اتصلي باللي نعرفهم… نعيد اللعبة من الأول.
بس المرة دي… بدون شهود
سعاد تقف قرب المدفأة، ناهد بجوارها، لا تزالان ترتجفان من المكالمة
وفجأة، يُفتح الباب الرئيسي للفيلا بعنف… يدخل خالد أولاً، خطواته هادئة، عيناه باردتان كالصقيع،
ثم خلفه تدخل تارا… شعرها مبعثر، عيناها تلمعان بجنون، تمسك بيدها اليمنى مسدسًا، وباليسرى س"كينًا… وجهها خليط من الدموع، الغضب، والانهيار…
سعاد (تتراجع خطوات للخلف، ترتعش):
خ-خالد؟… إنت؟!
ناهد (بهمس مرعوب):
إزاي؟ إزاي عرف؟!
خالد (يبتسم بسخرية مرّة، يدخل ببطء):
سمعت إنكم كنتوا بتحضرولي جنازة وأنا لسه عايش… قلت ما يصحش أتأخر عن المناسبة.
سعاد (تصرخ):
إنت كنت فين؟ إختفيت كده فجأة؟!
خالد (ينظر لها ببرود):
كنت بدوّر على الحقيقة… لقيتها… ولقيت بنتها كمان.
تارا (تتقدم للأمام، صوتها مش طبيعي):
وأنا… أنا لقيت الكذبة اللي خلتني أمشي ورا شبح… شبح انتقام… خلتني أدمّر إياد
العاصفة بتهدر برا، والبرق بينوّر المكان كإن السما بتشهد ع اللي بيحصل. تارا بتقرب بخطوات بطيئة ومرعبة ناحية سعاد، ماسكة السكينة بإيدها جامد، ووشّها بقى قناع من الجنون والكره
سعاد (وهي بترتجف، بتتحرك لورا لحد ما ضهرها خبط في الحيطة):
تـارا… لأ… اسمعيني… إحنا ممكن نفهـ—
تارا (بصوت يخوّف، وعينيها مليانين دموع وغضب):
اسكتي!
أخيرًا اجتمعنا يا سعاد…
عارفة ناوية أعمل فيكي إيه؟
سعاد (بتتلغبط في الكلام، وعينيها بترمش بسرعة):
تـ… تـارا…
تارا (بتضحك بسخرية تقشعرّ الجسم):
هد"بحك…
زي ما بن"دبح الخروف في العيد…
وبنفس الس"كينة…
وبنفس الطريقة…
بس الفرق إن الخروف ما كانش السبب في مو"ت أبويا…
ولا في ضياع أمي…
ولا في إن حياتي كلها تبوظ!
سعاد بتصرخ وتقع على الأرض من كتر الرعب، بتحاول تزحف بإيديها المرتعشة
سعاد:
لأاااا!
إنتي مجنونة! إنتي تجننتي!
ناهد بتصرخ وهي بتعيط، بتجري وتستخبى ورا خالد
ناهد (بصوت مخنوق):
خالد! والنبي كفاية! إلحقها!!
دي هتقتل"ها! وقّفها!
خالد واقف مكانه، متجمد كإنه حجر، مش مصدق اللي شايفه… عينه مركّزة على تارا من غير ما يرمش
خالد (بصوت واطي، كإنه بيكلم نفسه):
تارا… إنتي عملتي في نفسك كده ليه…
تارا بترفع السكينة فوق راسها، عنيها مولعة، وسعاد بتعيط وتصرخ، وناهد بتنهار في البكا
سعاد (بتصرخ):
لأااااا!
حدّ يلحقنيييي!
وفجأة، الباب بيتفتح بعنف، وصوت راجل قوي بيشق صوت العاصفة:
الصوت:
تـــارا!! وقفي حالًا!
إيد تارا بتتجمّد في الهوا، وقبل ما تنزل بيها على سعاد، حدّ يمسك إيدها بقوة وبيوقفها تمامًا
تارا (بصدمة):
أدهم…؟
أدهم (بيبص في عينيها بنظرة قوية):
مش كده تاخدي حقك يا تارا…
إنتي مش قا"تلة…
إنتي أختي!
تارا بتتنفس بصعوبة، ونظرتها تايهة ما بين الدموع والجنون، بس مش بتقاوم إيد أدهم اللي بتسحب منها السكينة بهدوء
*☆يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع☆☆*
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
تعليقات
إرسال تعليق