رواية نوح الباشا (سفر كرياتور)الفصل الثالث والعشرون 23بقلم ندا الشرقاوي حصريه
رواية نوح الباشا (سفر كرياتور)الفصل الثالث والعشرون 23بقلم ندا الشرقاوي حصريه
#الفصل_الثالث_والعشرون
-لا يافندم ،الباشا بخير ،أصله …..باعتني ….أنا أسف والله على اللي هقوله باعتني ….. أخد العربية يا فندم
-……..
علامات الدهشة ملأت وجهه، ويبدو أنّه ارتكب أكبر خطأ حين اختار معتصم صديقًا، بل وأخًا له.
التفت حوله فرأى العيون مسلَّطة عليه، ورأى موج تحدّق فيه بقلقٍ شديد من قدوم أحمد في ذلك التوقيت، أراد أن يُنهي الحديث سريعًا قبل أن يقترب أحد منه.
شكل الأمر وكأن خيوطًا خفيّة بدأت تنكشف، وابتسامات الوجوه من حوله لم تعد تُخفي الريبة التي تسلَّلت إليهم.
أحسّ بثقلٍ يجثم على صدره، فحاول أن يُجاري الموقف بابتسامةٍ مصطنعة.
رتب على كتف أحمد بهدوء قائلًا
-عيني يا أحمد.
مد يده في جيبه وأخرج مِفتاح السيارة وضعه في كف أحمد ،وهتف
-اتفصل يا عم أحمد ،بس أقعد خد واجبك وأمشي طيب.
تمتم بشُكر وأدب
-تسلم يا باشا ،طول عُمرك تفهم في الواجب ،عن إذنك ،والف الف مبروك و ربنا يرزقك بالذرية الصالحة يارب .
غادر أحمد، فعاد نوح إلى مكانه جوار موج التي كانت تنظر إليه بعينٍ يملؤها القلق.
اقترب منها، ووضع يده على خصرها ليضمها إلى صدره، ثم تطلَّع في عينيها فرأى ارتجافًا خفيًّا ورغبةً في السؤال،كانت تهمُّ بالكلام، غير أنّه قطع عليها همسها قائلًا
-متخافيش مفيش حاجة
جاءت والدته من بعيد وهى تشعُر بالقلق من تَغير نوح ،هتفت
-مالك يا نوح ؟؟ وكمان مش دا الراجل بتاعك ؟وصحبك فين مُعتصم
تمتم بهدوء
-بعدين يا أمي ،بعدين خلينا لما الناس تمشي
مضيِّ بعض الوقت، خفَّت الضوضاء شيئًا فشيئًا، وغادر المدعوون واحدًا تلو الآخر، حتى خلا المكان إلا من أفراد العائلة وبعض المقرَّبين الذين انشغلوا بجمع ما تبقّى من أشياء.
وقف نوح إلى جوار موج، يُمسك بيدها، غير أن ذهنه كان بعيدًا عمّا حوله. عينيه ظلّت معلَّقتين بالباب، وكأنَّه ينتظر حدثًا يوشك أن يقع،حاول أن يُخفي ارتباكه بحديثٍ عابرٍ وضحكاتٍ مجاملة، إلا أنّ القلق كان يتسرَّب من نظراته
وحين انقضت دقائق أخرى، وسكنت القاعة إلا من العائلة القريبة، التفت نوح إليهم جميعًا، نظر في الوجوه التي أحبَّته وأحاطته بالثقة، ثم أخذ نفسًا عميقًا وجلس بجانب موج التي اقتربت منه همست بصوتٍ مرتجف
-نوح مالك أحمد كان عاوز ايه!!؟
شدَّ نوح على يدها وضغطها في كفِّه كأنه يسكب طمأنينته فيها، ثم قال بنبرة هادئة
-مالك قلقانة كده ليه !؟عادي يعني أحمد جاي ياخد العربية ،عادي مش احنا عارفين كده ولا ايه .
استمع الأب إلى الحديث وعقد حاجبه بغرابة ،ثم سأل
-ومُعتصم صحبك بعت ياخد عربيتك ليه؟وكمان مجاش يحضر الفرح ليه ؟
اعتدل نوح في جَلستهُ وقام بمدَّ يده ثم شَمَّر كُم القميص في حركة واثقة تُحفي اضطرابه ،واستعد لِما هو قادم ،وهتف
-بما إن الكُل قاعد ،فا أحب أقول كُل حاجة بقا،ياريت محدش يقاطعني ،مُعتصم أستغل إني مَكُنتش مدي خوانه،وعامله توكيل عام بالبيع والشرى ،وباع لنفسه كُل حاجة تُخصني حتى العربيه اللي جه أحمد ياخدها يعني أنا دلوقتي معنتيش حاجة ،كُل ما أملك ثروتي كُلها مُعتصم خدها
ضربك والدته على صدرها بقوة وهى تشهق قائلة
-يامصبتي ،خلاك على البلاطة ،وتأمن ليه ليه يا نوح،دا الأخوات مابيعملُش كده ،ليه يا بن بطني تعمل كده
صاح بها عبدالعظيم بصوتٍ عالٍ
-وفاء؟؟؟؟ في ايه ؟؟هو بيحكي علشان تقطميه ولا ايه ابنك راجل مش عيل ،وبعدين أكيد هيرجع كُل حاجة
،هو بس محتاج يفكر كويس.
ثم استطرد موجهه حديثه لنوح
-بُص يا بني ،أنا يمكن غلط في حقك كتير ،ماتزعلش مني أنا أب واي أبي بيكون نفسه ابنه يطلع أحسن منه ،ويشوفه حاجة كبيرة ،أنت لما مشيت أنا كان قلبي بيتعصر عليك من القلق ،يمكن أمك مكانتش تعرف دا وبتقول عليا جاحد وقلبي حجر ،بس لا أنا أكتر واحد كُنت قلقان عليك،كُنت برده خايف أموت وأنت بعيد متسامحنيش، مكنش هيكون ليا وش أقف قدامك قدام ربنا ،بس لما رجعت وشوفت نجاحك اللي حققته بره مصر وجاي تكمل نجاح جوه مصر،عرفت إنك كُنت قد كلمتك لما وقفت قصادي وقولت هعمل اللي أنا عاوزه،علشان كده لو ثروتك كُلها راحت نتيجه لثقة زيادة ،أنت تقدر ترجع ثروتك وتقدر تعمل غيرها كمان ،أنت اللي عملت الثروة يا نوح مش الثروة اللي عملتك.
تأثر نوح بحديث والده ،لكن لم يعرف بماذا يُجيب ،فهو حقًا تائهه ،لا يعلم ماذا يفعل ….
ثوانٍ مضّت،وهتف
-لا ياحج أنا مسامحك والله وعارف إنك كُنت عاوز مصلحتي ،محدش بيكون عاوز حد أحسن منه غير أب وابنه ،أنا عارف دا.
ربنا يطول في عُمرك ويديك الصحة يارب .
تحدث سامح قائلًا
-اللي حصل حصل يا نوح المُهم اللي جاي أنت ناوي تعمل ايه
هم نوح بالحديث لكن قاطعه نوح الصغير وهو يأتي راكضًا من الغُرفة ،يمسك في يده عُلبة صاج ،ثم وضعها في يد نوح قائلًا
-خُد يا خالوا ،دي حصالتي بتاعتي خُدها كُلها ،أنا مش عاوزها ومش تخاف دي بتاعتي مش بتاعت بابا وماما ،أنا كُنت بحوش علشان أجيب عروسه كبيرة لصفا بس عادي أنا مش زعلان
تأثر الجميع بحديث الطفل ،مد نوح يده يحتضنه ويُجلسه على قدمه قائلًا
-شُكرًا يا نوح، بس احنا هنسيب الحصالة زي ما هيا علشان نجيب عروسة صفا وكمان نجيب عجلة لنوح وأنا كمان هحوش معاك ،ومن انهارده كمان
أخد نوح من جيبه ورقة نقدية،ثم قام بثنيها عدة طبقات وقام بوضعها في العُلبة الصاج قائلًا
-وليك كُل يوم زيها اي رايك؟
فرح نوح الصغير وقفز عن قدمه وهو يُتمتم
-يعيش خالوا نوح يعيش خالوا نوح
ابتسم الجميع على هذا الحديث ،عاود نوح حديثه قائلًا
-استأذن أنا بقا،يلا يا موج
هتفت سما سريعًا
-على فين يا نوح،هتروح فين؟ما تيجي تقضي يومين في شقتي وأنا اقعد هنا مع ماما علشان تكون براحتك
ردت وفاء مؤيدة حديثها
-ايوه يا نوح اعمل كده
رد نوح بحنو
-لا ياستي مش هعمل كده أنا هاخد مراتي حبيبتي واقضي الليلة انهارده في أحلى فُندق في مصر ،دا الليلة فرحي يعني
همت وفاء بالحديث لكن قاطعها عبدالعظيم
-خلاص يا وفاء سبيه على راحته هو عارف بيعمل ايه
-ايوه كده سبوني براحتي بلاش تحسسوني إني عبئ لو سمحت
رد عليه
-لا يا بني متقولش كده عبئ ايه بس ،ربنا يكرمك يا بني
………………….
في فُندق الفور سيزونز الأسكندرية "سان ستيفانو"
أفخم وأروع فنادق الأسكندرية ،موجود داخل مُجمع سان ستيفانو جراند بلازا على الكورنيش مباشرًا ،يُحيطه حدائق واسعه خضراء،يتميز بالعُلو والفَخامة ،مُتعدد الغُرف ،يأتيه زوار خارج وداخل المدينة .
دلف إلى الفندق وهو يمسك بيدها والسعادة تغمره من الداخل ،وقفت في لحظة حتى هو نظر لها بغرابة ،هتفت
-ما بلاش يا نوح،هيكون غالي،واحنا دلوقتي محتاجين الفلوس
-موج،أنا مش هقفل على نفسي ،اللي بعمله طبيعي وكفاية أوي إني معملتش اللي يليق بيكِ دا حاجة بسيطة وبعدين هو يوم وهنتزل بكره نشوف شقة إيجار ،وبعدين انهارده كان يوم طويل أول الساعه بقت ٤ الفجر ،لازم نرتاح وأنا خلاص حجزت جناح من كام ساعة وزمانه جهز .
أكمل السير إلى الداخل معًا ،وقف أمام الأستقبال وهتف
-لو سمحت في حجز بإسم نوح عبدالعظيم الباشا
بدأ الرجل يبحث على الموقع ثوانٍ وهتف
-ايوه يا فندم في جناح بإسم حضرتك وكُل حاجة جاهزة زي ما حضرتك أمرت ،مع حضرتك شُنط حد يطلعها .
-لا لا عاوز بس مفتاح الجناح والرقم وخلاص .
أخر له نُسخة من المِفتاح وأعطاها له ،وتمنى لهم رحلةً سعيدة .
…………….
في الأعلى…
قبل فتح باب الجناح ،همس لها
-غمضي بقا عينك ،وانسي كُل،حاجة،مُعتصم ،الثروة ،أهلي ،أهلك وعمتك ،عيشي معايا أنا وبس .
فعلَت كما قالَ وأغلقت جُفنَها، قامَ بفتحِ البابِ ثم انحنى بجسدِه، حملَها بينَ يديه، ليحتضنَها قلبُه قبلَ صدرِه، شهقت بخِفّةٍ حين وجدت نفسَها مُعلَّقةً في الهواء.
أفسحَ المجالَ له حين فتحَ البابَ أكثرَ بقدميه، تقدّم خطوةً تِلوَ الأخرى… حتى استقرَّ في منتصفِ الغرفة.
اقتربَ منها بوجهِه حتى شعرت بحرارةِ أنفاسِه في عُنقِها، ليهمس وهو يُقبّلها قُبلاتٍ متفرّقةً على سائرِ عُنقِها.
-فتحي يا طماطم
قامت بتفتيحِ عينَيْها، فوقَع نظرُها أوّلًا عليه؛ قُربُه الزائد، واختلاطُ أنفاسِهما معًا، كأنّهما أصبحا جسدًا واحدًا لا ينفصل.
استدارت ببطء وهي ما تزال بين يديه، نحو الفراشِ الواسعِ المُنثَرِ عليه الوردُ الورديّ بطريقةٍ شاعرية.
كانت الشموعُ الصغيرةُ تُضيء أرضيّة الغرفة، ومنامتها الستان مُعلّقةٌ بجانب منامته.
التفتت نحو الشرفة، تستمعُ إلى صوتِ الموجِ العالي، الممتزج بصوتِ ميادة الحناوي…..
حبيت حبيت ….
نسيت الامي نسيت …
حسيت في عيونك آمالي …..
وأحلامي الجاية …..
بهدوءٍ شديد أنزلها من بين يديه، وكأنّه يخشى أن يوقظ حلمًا ناعمًا.
لامست قدماها الأرض، لكن يده ظلّت تحيط بخصرها كحارسٍ لا يريد أن يترك مكانه.
تلاقت العيون لحظةً، فاصطدمت بنظراته الدافئة التي كانت تقول ما عجز اللسان عن البوح به.
ابتسمت بخجل، بينما هو أزاح خصلةً من شعرها المتساقط على وجهها ليتأمّل ملامحها عن قرب.
جلسا معًا على طرف السرير، والورد المتناثر حولهما يفوح بعطرٍ هادئ، فيما كانت أنغام ميادة الحناوي لا تزال تنسج خلفيةً حالمة للمكان، تُغرقهما في لحظةٍ لم يُرِدا لها أن تنتهي
همس بحنو طفيف
-عارفة،مكنتش عارف إن دا كُله هيحصل …
بس كُل اللي اعرفه إني كُنت هوصلك بأي طريقة علشان تكوني معايا.
ردت بكُل خجل
-أنا مش عارفة كُل دا حصل إزاي ،وإزاي قدرت اسامحك و…
قاطعها قائلًا
-علشان حبتيني ممكن .
ابتسمت بخجل من حديثه الصريح ،لكن قهقه هو بصوتٍ عالٍ
-المرحلة دي تنسيها خالص الطماطم أنا سايبها في التلاجة عند وفاء ،مش في خدودك
خجلت أكثر ،أراد أن يكسر حاجز الخوف بينهم ،وقف وهو يقول
-طب تعالي نُقف في البلكونة شوية
خرجت معه إلى الشرفة، والنسيم البحري يلامس وجهيهما بلطف.
امتدّ البحر أمامهما، أمواجه تتمايل في انسجام مع صوت ميادة الحنّاوي القادم من الراديو القديم في أحد الأماكن على الشط .
وقفت مترددة بجانبه، فابتسم ليكسر صمتها قائلاً
– شوفي، البحر لما بيهدا بيشبه القلب لما يطمن.
التفتت إليه وهي ما زالت تحتفظ بخجلها، فاقترب منها خطوة صغيرة، ثم همس بنبرة هادئة
– وجودك جنبي مخليني حاسس بالأمان.
مد يده برفق كأنه يريد أن يطمئنها لا أكثر، فتلاقت نظراتهما في لحظة صادقة.
لم يحتج الأمر إلى كلمات أخرى، فالصوت البعيد للأمواج أكمل ما عجزا عن قوله……
……………….نقطة التقاء الأحبة………………..
في صباح اليوم التالي……
وقفت سيارة سوداء أما مبنى عالٍ،هبطت منها فتاة في مُنتصف العشرينات،ترتدي كنزة بحمالات رقيقة باللون الأبيض ،وتنورة تصل إلى رُكبتها باللون الأسود،وعلى رأسها كاب أسود بنفس لون الحذاء .
وقفت أمام السيارة وهى تستمع لصوت إذاعة القران الكريم في الراديو السوبر ماركت وكانت سورة "الكهف"
"إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجۡرَ مَنۡ أَحۡسَنَ عَمَلًا "
هتفت بهدوء بعدما أخذت نفسًا عميق
-صدّق الله العظيم
دلفت إلى المبنى ،ثم وقفت أمام المصعد….
جاء بعد ثوانٍ،صعدت وقامت بالضغط على زر الطابق السابع .
ثانية تلي الأخرى،حتى وصلت إلى الطابق خرجت واتجهت إلى أحد الشقق ،قامت وضع أصبعها على زر الجرس ،لكن لم تبعد أصبعها .
جاء صوت صريخ من الداخل بعد دقائق
-ماشي يالي على الباب ،إما وريتك.
فتح الباب بقوة وهو يتوعد لم يقف أمام الباب لكن صُدم قائلًا
-لـــيـــلـــى؟؟؟؟
صاحت به بقوة قائلة
-ايوه ليلى يا مُعتصم ،أنت بجد عملت كده ،خدت ثروة نوح يا معتصم ،الراجل اللي أمنك على ماله وحياته واعتبرك أخ ليه ،تقوم تعمل كده تخونه يا مُعتصم .
زفر بضيق ودلف إلى الصالون جلس على أحد المقاعد قائلًا
-أنتِ جاية من سويسرا لمصر علشان تقوليلي البوقين دول يا ليلى ؟
ولجت وهى تضغط على أسنانها من اسلوبه ،قائلة
-أنت من امته بارد كده يا معتصم ،أنت يطلع منك كُل دا
هي واقفًا عن مقعده ،قائلًا
-ليلى أنت دلوقتي معايا كُل ثروة نوح كُلها يعني فلوس كتير أوي غير ثروتي،تعالي نتجوز بقا أنتِ عارفة من زمان إن بحبك واهو معايا فلوس كتير .
في نفس اللحظة سقطت صفعة قوية على وجنته جعلت أركان المنزل بأكمله تهتز ،نظر إليها بصدمة وأحمر وجهه .
ضم يده بقوة على بعضها قائلًا
-امشي يا ليلى امشي علشان لو فضلتي أنا هموتك يا ليلى هموتك
همست ساخرة
-يا خسارة والف خسارة على اللي طلع أزبل من اليهود
#سفر_كرياتور
يــــتـــبـــع…
لمتابعة الرواية الجديدة زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كاملةمن هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا


تعليقات
إرسال تعليق