القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية خطأي أنني أحببته الفصل الثالث 3 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات

 رواية خطأي أنني أحببته الفصل الثالث 3 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات 



رواية خطأي أنني أحببته الفصل الثالث 3 بقلم ميفو السلطان حصريه في مدونة موسوعة القصص والروايات 


خطأي_انني_احببته

#حكايات_mevo

البارت الثالث...


استيقظت مرام في الصباح متأخرة، وهي تشعر بأن الهم يثقل كاهلها. سارعت بالاتصال بأحد الخدم ليوقظ رب عملها، ثم اعتذرت عن حضورها،بعدها وقفت أمام مرآتها للحظات، تحاول أن تخفي ملامح الإنهاك، ثم استعدت على عجل . لتقوم بعدها  وتذهب إلى عملها في الشركة.


استيقظ ياسين على يد أحد الخدم، ليعلم أنها لم تأتِ، فاشتعل الغضب في داخله. لم يعرف أهو غضب منها أم من نفسه، لكنه كان قد اعتاد أن يفتح عينيه صباحاً على وجهها الجميل. ذلك الوجه صار كفيلًا أن يهز كيانه، فقام يجهز حاله وكأن أعصابه تسير على حافة الهاوية.


كلما شعر بهذا، كان يغضب أكثر، يغضب لأنها تتمكن منه بشدة، وهو لا يملك حيلة في ذلك. يتصاعد غضبه ونقمته عليها، رغم أنها لم تفعل شيئاً.. كل ما في الأمر أنها موجودة، وهو يغلي في داخله مما وصلت إليه حالته.


إيه اللي بيحصلي ده؟!" هتف بداخله. كل مرة يقترب منها يشعر وكأنه ينهار، كأنها تملك خيوط أعصابه وتشدها متى شاءت. لم يفعل شيئاً سوى أن يغلي في داخله، يتلظى بنار لم يعرف لها اسماً، إلا أنها غضب ممزوج برغبة، 


دخل الشركة وهو متوتر، رآها جالسة بهدوء تام، لا تبالي بعاصفته، ولا تدري كيف أنه ينهار بصمت.. نهضت فوراً لتأخذ أغراضه، ودخل هو في صمت. خرجت لتعد له فنجاناً من القهوة، وعادت إليه بهدوء. مد يده ليأخذه في صمت، فغادرت دون أن تنطق بحرف.


ألقى نظرة إلى الفنجان تأفف بضيق، ترك ما بيده، وبقي هكذا فترة لا يعرف كيف يبدأ عمله. كأنه فقد قدرته على السيطرة على نفسه، وكأن كل شيء معلق في تلك اللحظة بها هي وحدها.تتزاحم الصور في رأسه. صورتها وهي تبتسم، وهي تبتعد، وهي تصمت وكأنها تملك سرّاً يعجز هو عن معرفته.


استدعاها ياسين لتحضر له بعض الملفات، وظل منخرطاً في عمله، يكتب تارة ويقلب الأوراق تارة أخرى، كأن عقله يبحث عن أي شيء يلهيه عن الصراع الذي ينهش صدره. التفت فجأة وسألها عن أحد الملفات، فاعتذرت بصوت خافت أنها لم تكمله بعد.


انفجر غضبه بلا سبب، صرخ بها بعينين يشتعلان:ممكن أعرف إيه اللي معطل الشغل؟ الملف ما خلصش ليه كان ورا سيادتك إيه. ممكن أعرف مبوظالي شغلي ليه؟


تنهدت مرام، محاولة أن تتمالك أعصابها، وقالت بهدوء :يا مستر ياسين... معلش، أنا نسيت. وهروح أعمله دلوقتي، نص ساعة وهخلص كل حاجة


لكن صوته ارتفع أكثر، ممزوجاً بالوجع والغيرة التي لا يعترف بها:

فاضيلك أنا. آه ما سيادتك مانتش فاضية، وشغلك بقى زفت... وأنا قاعد مستني الهانم أما تفضالي من ده وده. هو إنت بقيتي فايقالـي؟ دماغك خلاص في حتة تانية. 


شعرت كلماته كالسكاكين تخترق صدرها، أوجعها اتهامه وكأنها صارت غريبة ، فهتفت بعينين يلمعهما القهر:دماغ إيه اللي في حتة تانية يا مستر ياسين حضرتك بتقول إيه؟! دي أول مرة أنسى حاجة... حضرتك محسسني إني ناسية الشغل كله. 


ليشتعل من مواجهتها له، عينيه تضيقان وملامحه تتصلب، ليقول بحدة تقطر اتهاما:اللي ينسى حاجة عندي... يبقى نسي كل حاجة


 كلماته في صدرها كطعنة، هتفت  بوجع مكبوت:يا سلااام! كل ده عشان ملف؟ أنا مش عارف... متعصب ليه كده؟ هو فيه إيه؟"


فجأة قام من مكانه، مد يده وأمسكها من معصمها بقوة جعلتها تتجمد، وصوته يعلو وهو يحاصرها بغضبه:

إنت مالك باردة كده؟ إيه خلاص دماغك ماعادتش نافعة للشغل دماغك بره الشغل هو فيه إيه؟ مين اللي عامل فيكي كده... مش مخليكي على بعضك؟! خلاص... اللي برّه هبلك كده؟!"


بهتت من كلماته، الدهشة والجرح يشتعلان في عينيها، لتصرخ بصوت مرتجف لكنه مملوء بالغضب: هو إيه مش مخليني على بعضي وهبلني؟! إنت إزاي تكلمني كده؟! إنت جرالك إيه؟ أنا ما اسمحلكش أصلاً إنك تتجاوز حدودك هو إيه؟ هو أنا عشان ساكتالك تجيب وتودي فيا؟ بس لا... خلاص، كفاية كده أوي. 


التفتت بسرعة، غادرت مكتبه بخطوات مشتعلة، قلبها يدق بعنف ودموعها تحاول أن تكبتها. جلست في مكتبها دقائق، أمسكت القلم وكتبت استقالتها بيد ترتجف، لكنها ماضية في قرارها. عادت إليه، طرقت الباب ثم دخلت، وضعت الورقة أمامه بصلابة، وقالت بهدوء مميت:

"دي استقالتي."


تجمد مكانه، شعر بثقل يسقط على صدره، كقيد يطبق على قلبه. عيناه وقعتا على الورقة، لكن داخله كان يصرخ، كأنه فقد شيئاً لا يملك أن يسميه.


لتقول بغضب:

أظن كده كفاية يا ياسين بيه. خدمتي كده وقفت لحد هنا، ولا أنفعك ولا أنفع غيرك. وما تزعلش نفسك أوي إني مش على بعضي اللي هو مش عارفه إزاي. شغلي ماعدش عاجب سيادتك يبقى خلاص مالوش لازمة. أنا هنزل إعلان في الجرايد عشان مهلة الشغل أشوف حد كويس، وما تقلقش مش هسيب الشغل إلا لما يجي حد كويس، فاستحملني الشوية دول عن إذنك. 


استدارت تخرج، لكن وجدت ياسين ممسكاً بها، يبعدها عن الباب ويقف أمامها. كان ينهج بشدة جراء انفعاله، ورعبه من أن تتركه وترحل يعصر صدره. شعر بها في دمه، كما لو أن تنفسها صار له هوية. لم يستطع أن يجعلها ترحل، فهي بالنسبة له، ، كانت ملكا لا يطيق فقدانه.


صرخت: ابعد خليني أخرجِ فتحركت لتخرج، فوقف أمامها وسد عليها الباب.


هتف برعب من فقدانها وهو يحاول السيطرة على نفسه: "اهدي يا مرام، بلاش انفعال زايد.مرام إستني اهدي أنا أنا .." كان يحاول أن يهدئ روعها، بينما وجهها أحمر والغضب يشع من عينيها.

لتتفجر كلماتها في وجهه، عيونها تلمع بالغضب والوجع معاً، قالت بحزم:

من فضلك، كفاية. لحد كده وريح نفسك من عدم كفائتي خلاص، وشفلك حد ينفعك.


نظرت إليها عينه مشحونة ، ، همس بمرارة لا تخفي انكساره:

عايزة تسيبيني يا مرام... بعد السنين دي؟ تقدري؟ أنا ماقدرتش، والله، إنت إزاي قدرتي تعملي كده؟"


ردت عليه  بمرارة :

عشان تعبت بجد. أنا بعملك كل الخير وماستحقش منك كده.


ثم انفجرت في نوبة من البكاء، بكت بحرقة شديدة، فقد اوجعها  غضبه ونوباته التي لا تفهم، وتفاقم وجعها حتى لم تعد تحتمل.


اقترب منها ياسين بحذر، أمسك يدها برفق، واجلسها ثم جلس بجانبها، صوته يخنقه الندم:

طب... أنا آسف. ما تزعليش. حقك عليا يا مرام. إنت روح الشركة وماقدرش أخشها وإنت مش فيها. أنا غلطان وبقيت عصبي، معلش، سامحيني. والله هحاول أمسك نفسي، أنا ماقدرش أبعد عنك ثانية.


شعرت بلمسته الحنونة التي ظهرت فجأة؛ دهشة ارتسمت على ملامحها من تقلبه المفاجئ، لكنها لم تجب بكلمة.


هتف ياسين، محاولاً أن يلملم ما تبقى من كبريائه:

طب بصي، اديني فرصة. والله هرجع زي الأول، أنا عندي ظروف... معصباني.


صرخت بانفعال :

ظروف إيه اللي مغيراك كده؟ ماشي تنطر وتشخط إنت اتغيرت، وأنا تعبت، إنت اتبدلت، بقيت حد تاني، وأنا مش مجبورة أستحمل كل ده...


لم يستطع ياسين إلا أن يمد يده على يدها، يضغطها برفقٍ متأثر، ثم ينطق بجمودٍ محاولاً استعادة كبريائه:

خلاص بقه، ياسين بجلاله قدره بيعتذر ليكي... يا بنتي، أنا مش أي حد تتعتذري له.


هتفت هي بسخرية موجوعة: "يا سلام... غلطان وكمان بتقول كده..."


ابتسم هو على طيبتها، وكانت تلك ابتسامة فيها ضعف وعناد معا، قال:

إنت أكتر واحدة عارفاني... وأنا بعتذرلك اهو ياسين الكاشف على سن ورمح.


كانت تعلم غروره وكبرياءه، وكان اعتذاره لها من المستحيل عليه — لكنه فعله من أجلها. تنهدت مُثقلة، وقالت بصوت رقيق محمل بالاستسلام:

يا مستر ياسين... بجد أنا عايزة أمشي. أنا ماعدتش مرتاحة في الشغل ومش هعرف أشتغل تحت الضغط ده. أنا هقدم الإعلان ونحاول نشوف حد يحل مكاني. أنا بجد آسفة.


قامت، تحاول أن تخرج، ووجعٌحارق يمزق صدرها.


أمسكها مرة أخرى، هذه المرة  اختلطت ، وقال بعينين تختلط فيهما مشاعره المشتعله :

استحالة أوافق أسيبك تروحي من هنا... دا مكانك وشركتك يا مرام. والله ماقدر تبعدي ثانية. اهدي، والله آسف، أنا عارف إني بقيت عصبي معلش، ده كله علشانكِ. إنتِ كل حاجة هنا، أنا ماليش في نفسي حاجة. إنت بتعملي كل حاجة، وبصراحة يومي هو إنت. أنا هسيبك تهدي، وعارف إن اللي حصل مش ههون عليكي لا أنا ولا الشركة...


وقفا أمام بعضهما؛ هي محتارة بين غضبٍ موجوعٍ وحنينٍ متردّد، وهو مشدود بين اعتذارٍ متكررٍ وخوف من الفقد.


لتخرج هي وتجلس على مكتبها، والهم يثقل صدرها. فعلا لا تقدر أن تبتعد عنه، لكنها تعبت من الذي يفعله بها. لقد تغير تماما؛ كانت نوباته قليلة في البداية، ثم تحولت على مر السنين إلى نوبات شديدة ازداد وقعها مؤخرا، وهي لا تفهم لماذا يفعل ذلك.


أما هو، فجلس منهكا، وقلبه يكاد يخرج من مكانه من هول إحساسه بأنه سيفقدها. اجتاحه الجنون حين أخبرته أنها ستتركه؛ لا يدري ما الذي حدث له ليصاب  بهذا الجنون مؤخرا. أدرك أنها تمكنت منه تماما، وهذا ما يقهر أي غرور يتملكه. كيف يكون إنسان يشعر بكل هذا الحب والاحتياج لامرأة، وفي الوقت نفسه يتكبر عليها ويستكثر نفسه كأنه من ذهب لا من طين؟


 فياسين طاووسا مغرورا قد أوقعته تلك الرقيقة فيه؛ انتفش ريشه، ونظر إلى نفسه فاجتاحه الصلف والغرور. كيف يقع لتلك البسيطة بالنسبة له؟ كان يريدها بشدة، وجسده يؤلمه من بعدها، حتى بلغ به الأمر حد الادمان، لكنه لا يجرؤ على الاعتراف بأنه يحبها.


سيأتي عليه وقت يدرك فيه أن ذلك الريش لا يساوي شيئا أمام الفقد؛ حينها سيفهم أن الإنسان لا يملك من نفسه شيئا، وأن كل إنسان عزيز على نفسه، ولا يقبل أن يشعر بالدونية، فيلفظه بعيدا ويرميه بتلك المرارة: كرها وقرفا.

 


كانت هي قد وضعت اعلاناً في الجرائد لتوظيف سكرتيرة مكانها، وهي تشعر بالقهر وكيف ستتمكن من ترك فؤادها وحب حياتها. كيف سترحل عنه؟ هي عاشت تهيم به خمس سنوات. كانت تتغلغل في حياته فصارت له كل شيء، وصار لها دنياها.


دخل فادي وحدثها بدهشة:

ايه يا مرام الاعلان ده؟ انتو هتوظفوا حد جديد؟"


لتهتف بخفوت: "لا يا مستر فادي، ده هتبقى مكاني."


نظر إليها ببلاهة: "هي ايه اللي مكانك؟ مش فاهم."


قالت بصوت متهدج: ده اعلان حد يجي مكاني...


فزع فادي: انت اتهبلتي يا مرام. عايزة تجيبي حد مكانك وانت هتقعدي فين؟


قالت بحزن عميق: همشي يا مستر فادي، خلاص ماعدش ليا مكان هنا. بجد كفاية كده.


هتف فادي بغضب : هو ايه اللي خلاص وكفاية انت عقلك خف؟ انت ماينفعش تسيبي الشركة. انت جرالك إيه. هو فيه ايه؟ ماتفهميني؟


ردت عليه بلهجة مثقلة: يا مستر فادي، مستر ياسين خلاص مش طايقني ولا طايق شغلي، وانا تعبت من الخناق والزعيق. انا بني ادم وبحس، وماعدش مستحملة.


اعترض فادي بسرعة: هو لو زعق شويه او حتى اتنيل نقوم نسيب الشغل؟ لا يا مرام. انت عاقله، انا هكلمه اما تمشي استحالة. بلاش كلام فارغ، والله ما يحصل.


هتفت هي بحدة : يا مستر فادي، ده مش بكيفي. غصب عني وانت عارف اني قضيت سنين. اكيد خارج عن ارادتي وبجد تعبت من غضبه ده كل يوم زعيق وانا تعبت...


ليهتف فادي بحنان:

طب اهدي، وانا هتصرف عشان خاطري. والله الدنيا هتتصلح، هو انا ماليش خاطر عندك؟


احنت رأسها خجلاً لا تعرف ماذا تقول، ليكمل هو مُطمئناً:

طب اديني فرصة، طيب انت فاكراني هفأ والا ايه؟ سيبيني بس اخشله اطحنه جوا. انتي الوردة بتاعتنا منورة الشركة، احنا نقدر يا مرام... حد يبعد عن عيلته. احنا عيلة يا مرام، والا ايه؟"


تركها ثم دخل على ياسين، مدوياً بصوته:

"ايه يا زفت انت اللي عملته مع مرام ده؟ واعلان ايه اللي هي عملته؟ انت عقلك خف؟ مالك قلبت غول وبتاكل في البت اللي بره...


رد ياسين بغضب مقطوع:

"هي لحقت تشتكي لك؟ واعلان ايه؟ مفيش اعلانات نزلت.


ليصيح فادي :

يابني الاعلان نزل من شويه لطلب سكرتيرة."


توقف قلب ياسين للحظة، كأن الدنيا انقلبت هب صارخا بجنون:

يا نهارها اسود... هي برضه مشت اللي في دماغها يعني اقوم اقتلها دلوقتي؟ هي فاكره نفسها مين هي مالها؟ دانا ياسين الكاشف...


صاح فادي مُصعوقاً:

مالك يا بني؟ قلبت طور كده؟ انت اتجننت؟"


ظل ياسين صامتاً،  من القهر والوجع. حقاً ستترك العمل؟ ايه، هي هتسيبني؟ يا نهار اسود... فين اروح؟ انا اموت؟ لا ما ينفعش... مرام تسيبني... ايه القهر ده؟


قال فادي مطمئناً وهو يضع يده على كتفه بحزم:

"انا كلمتَها وهحاول معاها، ما تقلقش. بس انت اهدي على روحك كده. انت جرالك ايه؟ مرام مفيش زيها يا بني. اعقل كده، انت فيك ايه؟ فهمني...


ليقول ياسين بلهفة:

انت كلمتها بره؟ هي عاملة ايه؟


هتف فادي مطمئناً وبنبرة فيها حرص وقلق:

انا هديتها شوية... بس مش عارف ربنا يهديك. بس قوللي فيك ايه، ايه اللي قلبك عليها؟ يا بني دي بقت جزء لا يتجزأ من الشركة. تقوم تجحش! وايه شغلها اللي مش عاجبك؟ من امتى يا اخويا؟ دي مرام ناقص تحميك، هي سابت حاجات ما بتعملهاش."


صمت ياسين، وهو يعلم في قرارة نفسه أن فادي محق، لكن صباح اليوم لما قالت له برحيلها، وغضبها منه، كان قد تخطا كل حدوده. غيرته ، وخناقته معها فاقت كل توقع، ثم جاء انفعاله الذي كاد يودي بكل شيء؛ لم يتمالك نفسه.


استدرك فادي بجديةٍ أكثر:

ياسين، مرام ماينفعش تسيب الشغل نهائي. هنلف على حد زيها مش هنلاقي. انا مش فاهمك الصراحة... يا بني، فيه زيها؟ لازم تقوم تطيب خاطرها. دا نسمه ما تتعوضش.


هتف ياسين بغضب وبلادة شبه طفولية:

"طب نادلها؟ انا هتصرف."


استعجب فادي:"انت اهبل؟ هو ايه اللي انديلها؟ هو شغل عيال. انت غلطت فيها يبقى لازم تعتذرلها.


قال ياسين ببراءة مضطربة:ما انا اتهبت، اعتذرت، وهي برضه راحت ونزلت الاعلان... اعمل ايه طيب؟ ايوه غلطت، عارف واعتذرت، تسكت هو بقى ويتلم الدور.


هز فادي رأسه بإنكار :

لا يا ياسين، حالتك صعبة. لما تكون خناقة عادية من زعابيبك، دي حاجة. لكن انت بهدلت اهلها يا اخي. قوم، اخذي الشيطان اللي فيك، مش مرام اللي تعمل فيها كده. مش مرام اللي تتساب.


تبدلت ملامح ياسين بين الندم والغضب المدفون؛ في عينيه بريق من الخوف، من فقدانها ومن الاعتراف بأن كبرياءه قد كسر شيئاً لا يعود كما كان. فادي وقف أمامه كحائط واقف، مصمم أن يدبر الأمور، ويعيد ما تهدم، 


ليهتف ياسين بنفسه مخنوقا.. 

لا ما تتسابش، ولا هقدر اسيبها اصلا. انا بموت لو بعدت دقيقة. قوم واتزفت، صلّح الهباب اللي هبيته، واهدي بقه على روحك. انت بقيت وابور جاز بيهب لما هترشق في السقف. دا ايه الغلب ده؟ انا هكمل كده ازاي؟


قام معه فادي وذهبا نحو مكتبها. انفتح الباب ليجده جالسة، الحزن مرسوم على محياها والدموع في عينيها. قدّم فادي صوته حنوناً

بصي يا مرام، انا جبتهولك اهوه، لحد عندك يعتذرلك تاني. واظن احنا كبار ومش محتاجين الخلافات دي اصلا.


اقترب ياسين وجلس امامها، صوته يختنق بالحزن.. 

خلاص بقه يا مرام، ماكنتش اتنيل، اقصد والله عندي حاجات تاعبة اعصابي. خلاص انا اهون عليكي برضه. انت تقدري تسيبينا والنبي.


نظرت اليه مرام  محتارة ولم تاكلم. اكمل ياسين بنبرة طفولية متلعثمة:

طب ايه، انا هفضل قاعد كده قدامك زي العيل الصغير مستني تديله حاجة حلوة وتمشي.


ابتسمت رغماً عنها، فانفجر هو فرحاً بصوت متردد:

يبقى خلاص مش كده؟ والنبي خلاص اهوه ضحكتي... والنبي العسليه ضحكت.


تنهدت وهزت رأسها، قالت بهدوء مقبول

خلاص يا مستر ياسين، حصل خير.


قام ياسين يهتف بحماس متملق قليلا:

طب يلا بقه قومي نشرب حاجة في اي حتة. يلا قومي.


هتف فادي مازحاً وحيرته ظاهرة:

هنشرب ايه يا بني؟ انت باين عليك عقلك حصله لطف.


نظر اليه ياسين وهو  متضايق من التدخل:

انا بقلها هنشرب، حاشر نفسك ليه اصلا؟


رد فادي بنبرة ، نصف مداعبة و نصف تحذير:

لا والله بقى دي اخرتها. في حزنكو مدعيين وفي فرحكو منسين. اما انت واطي صحيح.


لتضحك هي وتقول بخفة:

لا يا مستر فادي، مستر ياسين بيهزر، شرب إيه بس ورانا شغل.


تذمر ياسين وهو متصنع الزعل:

لا والله، ومالكو حلوين كده وبتهزروا، أهي فيها إيه؟


ليقول فادي وهو يلوّح بيده:

معلش يا مرام، إلا القمور ظريف وفاضي، واحنا ورانا شغل. خش يابني، والله ما عارف انت جرالك إيه. خش.


إقترب فادي من مرام مبتسم وقال لها وهو يغمز:

سلام يا قمر بقه، وأي حاجه ناديني، وأنا أجي أأكله خشب المكتب.


ثم خرج بخطواته السريعة، لتعلو من خلفه صيحة ياسين غاضباً:

لا خفيف يا واد، وشديد. يلا غور عبوشكلك، عيل سدغ.


لتنفجر مرام في الضحك من مشاكساتهما، فنظر إليها ياسين وهو يشعر بأن روحه ردّت اليه، وصوته يلين وهو يقول بحب:

خلاص، حليب يا قشطة.


نظرت مرام إلى الأسفل بخجل، وهمست:

خلاص يا مستر ياسين، ربنا ما يجيب خناق تاني ويهدينا بقه ونشوف شغلنا.


جلس ياسين على الكرسي وهو يرمقها بحب ويقول:

طول ما انتِ في مكانك، شغلنا كله هيمشي وهيبقى زي الفل.. دانتِ الشغل كله يا مرام.


لتتنهد مرام بخفوت:

لا مش أوي كده، انت ومستر فادي ربنا يخليكوا.. انتوا بجد حاجه تفرّح.


هتف ياسين وهو غارق في حنانه:

يا رب دايماً أفرّحك كده يا مرام.. أنا مش عارف بهب زي الوابور، باين لسعت.


انفجرت بالضحك:

لا والله، انت حد طيب أوي.. بس ماعرفش بتتحول فجأه.


هتف بحماس وهو يمسك بكفها

آه والله.. طيب أوي، ومن إيدك دي لإيدك دي.


خجلت هي وقالت بخجل طفولي:

ومستر فادي كمان مالوش حل.. بيدخل عليك كده تحس قلبك انشرح بهجه.. من اللي بيعمله مستر فادي، ده بيشع والله وبيروق الدنيا.


انفعل ياسين بتهكم حاد:

بيشع بهجه ويشرح القلب؟! أنا مش عارف هو عاملك عمل ولا إيه! ده عيل تابوت وحاشر نفسه في كل حاجه.. يا ساتر! ال يشرح القلب وبيدخله! دخل عليه عفريت!


فتضحكت مرام من قلبها وتقول بخفه

لا، انت مالكش حل.. والله بتقلب في ثانيه! أروح أناديله تاني؟


هتف متذمراً وهو يضغط على أسنانه:

طب ناديله.. عشان أقوم أطحن أمه!


فتعالت ضحكاتها حتى كادت تبكي، فتاه ياسين في جمالها وصوتها، وهو يردد بحب

والله فعلاً.. ما فيش كده.


هدأت قليلاً ومسحت دموع الضحك قالت بسعاده:

طب يلا بقى.. عشان ألحق أخلص الملف اللي مرمطتني عشانه.


يهتف سريعاً وهو يحاول تبرير نفسه

لا مش عايزه.. براحتك يعني، أنا اللي كنت لاسع.. في أي وقت.


ابتسمت هي ابتسامه رقيقه، فتنهد هو، وقال برجاء طفولي:

طب ما تيجي والنبي نشرب حاجه بره.


 لتستعجب وتقول.. يلا خش عندنا شغل والنبي مستر فادي هيجي يعلقني.

قال بتذمر.. فادي زفت مين ده اللي يعلقك. طب يوريني نفسه كده.. انت هنا ماحدش يقدر يهوبلك طول مانا موجود. 

لتبتسم وتهمس.. شكرا يا مستر ياسين.

تنهد وقال.. طيب انا همشي بقه وهدخل.. لتهز راسها.


ظل واقفا يتاملها لبعض الوقت ونفسه ساهمه فيها.. مش عايز اتنيل اخش كانت هتوقفلي قلبي بنت الايه لما كانت هتسيبني.. طب اقعد واسيب الشغل اقول ايه مش لاقي حاجه اقلها.. ليهتف بدون وعي.. طب هنتغدي ايه؟


لتندهش من سؤاله.. غدا ايه يا مستر ياسين احنا الصبح لسه بدري علي الغدا.

نظر اليها... طب ايه ادخل يعني لا هشرب ولا هطفح حاجه..


ابتسمت .. ابعتلك حاجه تاكلها.

اردف بتذمر.. تبعتيلي.. لا يا مرام خلاص. واستدار.. اما اخش اكل نفسي مانا انكتب عليا كده. ليجبر نفسه علي الدخول فلا يجد ما يقوله.. 

دخل المكتب وجلس مغمضا عينيه، يحس بهدوء بعد ان كان هناك مطحنه بداخله ورعب من فقدها.


لا يا ياسين اهدي بقه، ماعادش ينفع اللي بتهببه ده. البت جابت اخرها وهتضربلك كرسي في الكلوب وتطفش؛ ساعتها روحك هتطلع لو مشيت. دانت كنت هتموت من شويه ودنيتك اسودت.

مرام ماينفعش تسيبك، اعقل بقه، وارضي بكده. طب اعمل ايه، ماعَتَش مستحمل عليها حاجه... وهتتجنن عليها. غصب عني اللي بعمله، مش قادر اتحكم في نفسي. بس لو ماكنتيش سكرتيرتي يا مرام... دا ايه الغلب اللي اتحط عليا ده؟ ياسين الكاشف بجلاله قدره، اللي بيركع الكل اتشل وماعادش له حيله في البت اللي عايزها. تنهد وجلس رغبته فيها أشعل جسده بنيران متاجهه وعقله يكبت تلك الوغبه بغروره وغطرسته المعهوده ِ


فسبحان الله الذي خلق الإنسان من طين؛ أي إنسانٍ علا أو كبُر، فماله أن يعود إلى أصله. فلماذا تصنع بنفسك هذا؟! ما هذا الكِبر والتعالي؟! كل إنسانٍ عزيز في ذاته، حتى وإن اجتمع عليه الفقر كلّه؛ فما الذي يُنقص تلك الجميلة في نظره؟! وأيّ فكرٍ معوَج ينطبع في داخله؟!


فما معنى أن يكون "ياسين الكاشف"؟! أليس رجلًا كسائر الرجال؟! وهي أنثى كسائر النساء! فلا يستسيغه عقلُ العقلاء هذا الانحراف. فالأنثى خُلقت لتكون سكنًا، خُلقت من ضلع رجل ليحتضنها، ليكون لها المأوى والملاذ، لا ليطغى عليها ويتجبر.


إنها ضلعك أيها الأحمق، مكانها في حضنك، إلى جانبك. فكيف تكسر ضلعا لك وتطرحه أرضا؟! كيف ستعيش بدونه؟! سيبقى صدرك مثقوبًا بفجوةٍ لا تسد، وسيدخل منها ما يُثقل قلبك. عندها ستشعر ـ بعد فوات الأوان ـ بأهمية ذلك الضلع، وتمضي هائمًا تبحث عن ضلعٍ ألقيتَهُ بهوان. ستبحث يا ياسين حتى تدمي قدماك عن ضلعٍ استهنت به فهان عليك، فتركك منكسِرًا ناقصًا. ولن ترى راحةً في بعده. ويومها أيها المتعالي ستدرك وتعي من تكون، وتصرخ قائلًا: "يا ليتني..."! ولكن "يا ليت" لا تعيد زمنًا كنتَ أنت السبب في ضياعه.


أما هي، فما إن دخلت مكتبه حتى تنفّست الصعداء؛ كأنها خرجت من عاصفةٍ هوجاء إلى سكونٍ رهيب، فارتخت أعصابها بعدما كانت على شفا الانهيار. لقد أتعبها وأثقل قلبها، ولا تدري كيف ستواصل على هذا النحو، فكلّ ذلك فوق طاقة قلبها.


فالأنثى حين تحبّ، تتغاضى، وتتناسى، وتصبر، وتتفانى. ولكن خطأ المحب أن يتمادى في العطاء بلا حساب. لا تُفرط في العطاء حتى ينشق قلبك، ثم تعود لتشكو أنك أعطيت ولم تأخذ. فأنت لم تطلب مقابلًا؛ بل تركت نفسك تنفق بلا حدّ، بينما الآخر يأخذ ويشبع، ولا يُكلّف نفسه حتى الالتفات إلى عطائك.


لقد صار عطاؤك عادة، وصار أمرًا مُسلمًا به، لا يُلتفت إليه ولا يُقدَّر. اجعل عطاؤك عزيزًا؛ حتى يلقاه الآخر بعطاءٍ أعظم وأشد. لا تقبل أن يكون عطاؤك من المُسلّمات التي لا تُقدَّر. فإن أعطيتَ و يقدَّر عطاؤك، فحينها فقط ستحبّ عطاءك، وتعطي فوقه أضعافًا.

تكملة الرواية من هناااااااا

لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كامله من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا






تعليقات

التنقل السريع
    close