القائمة الرئيسية

الصفحات

translation
English French German Spain Italian Dutch Russian Portuguese Japanese Korean Arabic Chinese Simplified

رواية اميرة البحر القرمزى الفصل التاسع 9 بقلم اسماعيل موسى

 رواية اميرة البحر القرمزى الفصل التاسع 9  بقلم اسماعيل موسى 




رواية اميرة البحر القرمزى الفصل التاسع 9  بقلم اسماعيل موسى 



#اميرة_البحر_القرمزى


                         ٩


النزال الثالث


السماء بدت وكأنها تحترق عند الأفق، والشمس المتعبة ترسل آخر سهامها الحمراء على ساحة القصر. الرمال هناك لم تكن ذهبية، بل خليط من تراب عتيق ملطخ بعرق المقاتلين ودمائهم. الهواء كان ثقيلاً، كأن القصر نفسه يحبس أنفاسه منتظرًا أن يرى من ستسقط أولًا.


دخلت ليانثرا الساحة بخطوات صغيرة، سيفها أقصر من أسلحة خصومها، ودرعها أثقل مما تحتمل ذراعاها النحيلتان. أصغر من كل الشابات اللواتي تنازلن من قبل، لكنها لم تخفض رأسها.

خصمتها كانت ميريال، جنيّة ذات شعر فضي طويل، جلدها الأخضر اللامع كأوراق مشبعة بالمطر، وعيناها تبرقان بدهاء. كان في مشيتها خفة الراقصات، وفي قبضتها قسوة الجلادين.


انطلق البوق، وتدفق الصخب من حول الساحة مثل عاصفة بعيدة.


ميريال هاجمت أولًا. ضرباتها لم تكن مجرد محاولات اختبار، بل كانت كالسكاكين: سريعة، متلاحقة، مقصودة. كل خطوة، كل حركة، تحسب أن الطفلة ستسقط الآن… الآن… لكن ليانثرا رفعت درعها في اللحظة الأخيرة، والحديد صرخ بصوت حاد، ارتجفت ذراعها لكنها لم تنكسر.


القتال صار مريرًا.

سيف يصرخ على سيف، شرر يتطاير، عرق يتصبب على وجوههما.

ليانثرا شعرت بجسدها يئن، بأضلاعها تضغط، بيدها تكاد تستسلم من ثقل السيف، لكنها تذكرت الظلام في الكهف، الليالي التي قضتها وحدها بين الصخور والبرد. لم يكن هذا الألم شيئًا أمام ذلك.


ميريال ابتسمت بسخرية، ثم حاولت خدعتها المعتادة: خطوة جانبية خاطفة، التفاف حول ظهر خصمها. لكن ليانثرا، بحدس تعلمته من الجرادة، أغلقت عينيها للحظة، واستشعرت حركة الهواء حولها. ثبّتت قدميها، وانحنت بزاوية، وضربت نحو الأسفل.


الحديد اخترق اللحم.

صرخة ميريال ملأت الساحة. ركبتها ارتطمت بالأرض، وسيفها ارتجف في يدها المرتعشة. الدم تسلل إلى الرمال، صبغها بلون الصدأ.


ليانثرا اقتربت، كل خطوة أثقل من الأخرى، لكنها لم تتراجع. سيفها كان أمامها، وعيناها ثابتتان في عيني خصمتها. لم يكن في ملامحها فخر، ولا شفقة، فقط إصرار جامد.


بضربة واحدة دقيقة، أسقطت سيف ميريال أرضًا. صوت الحديد على الرمل بدا كأنه نهاية طويلة لرقصة موت.


الساحة صمتت.

ثم دوّى البوق، معلنًا فوز الطفلة البشرية.


لكن لم يكن أحد يرى في انتصارها براءة ولا بطولة. لقد كان نزالاً حقيقيًا، عادلًا، قاسيًا، خرجت منه ليانثرا منتصرة، لكن في عينيها ظل بريق قاتم: بريق من يكتشف أنه كلما انتصر، حمل في داخله شيئًا من هزيمة الآخرين.


كان الليل قد هبط على القصر، والأنوار الفسفورية التي تتدلى من أعمدة الممرات ارتجفت كأنها تخشى ما سيُقال. في القاعة الكبرى، أمام مائدة طويلة من خشب أسود محفور، جلست الجنيّة الأم، رداءها يتلألأ كظلام البحر، وعيناها تبرقان ببرودة لا يجرؤ أحد على مقاطعتها معها.


على الطاولة أمامها وُضع كيسان ضخمان، انفتحا قليلاً ليكشفا عن بريق الذهب الجنيّ، أثقل وأغلى من أي كنز. الصمت كان كثيفًا حتى سُمِع وقع أقدام القزم. دخل وهو يجر أنفاسه الثقيلة، عصاه تضرب الرخام بحدة مع كل خطوة.


وقف أمامها، عيناه الغائرتان تضيقان بغضب مكتوم.

قال بصوت أجش:

ـ "هل بلغ بي السمع خطأً… أم أن عرضًا جاءك لشراء الفتاة؟"


رفعت الأم حاجبها، ابتسامة باردة ارتسمت على وجهها.

ـ "لم تسمع خطأ. الممالك تدفع ذهبًا لا تحلم به حتى عروش الملوك. يريدون الصغيرة، يريدونها أن تكون سيفًا في خدمتهم. وما شأنك أنت؟"


ضرب القزم عصاه على الأرض، فارتج القصر في أصدائه.

ـ "شأني؟ أنا من صنعها بيديّ. أنا من رأى ضعفها، أنا من جمع دموعها في الظلام وأعاد تشكيلها. أنت لم تنظري إليها إلا كقطعة حجر تنتظر أن تُنحت! والآن… تريدين بيعها كما تُباع الجواهر؟"


عين الأم اشتعلت بوميض ناري.

ـ "لا تتحدث إليّ عن الأمومة أيها القزم. أنت تعرف أن الفتاة ليست ابنتي كما ليست ابنتك. هي أداة… وُجدت لتكون سلاحًا. إن لم أبعها اليوم، سيأخذها غيري غدًا. الذهب الذي يُعرض الآن كافٍ ليضمن نفوذي في كل مملكة."


اقترب القزم حتى صار بينهما بضع خطوات فقط، وجهه يشتعل كالجمر.

ـ "إذا بعتها، ستفقدين أكثر مما تربحين. الفتاة ليست سيفًا فحسب، هي نار تحت الرماد. كلما نازلت أحدًا استمدت قوته. لم تفهمي بعد أنها تكبر من الداخل، أسرع مما ترين. ستأتي لحظة لن تخضع فيها لكِ ولا لذهبك. إن بعتها، ستصبح لعنة في يد غيرك."


ضحكت الأم بضحكة جافة، كأنها شقّت جدران القاعة:

ـ "لعنة أم معجزة؟ لا يهم. المهم أن تكون ملكي قبل أن تكون ملك أحد غيري."


القزم صمت لحظة، ثم همس بصوتٍ مشروخ:

ـ "ليانثرا ليست ملككِ… ولن تكون."


ترك كلماته معلقة في الهواء، واستدار مغادرًا، وعصاه تضرب الحجر بقوة، كأنها تطعن القصر كله. أما الأم، فبقيت جالسة، يدها فوق كيس الذهب، عيناها تتوهجان بتلك النظرة التي يعرفها كل من رأى ملوك الجان حين يقررون حربًا.


في تلك الليلة، حين غفت ليانثرا على سريرها الموشّى بجلود الطيور الزرقاء، اجتاحها ثقل غامض، كأن الظلام هبط على صدرها ليجرّها بعيدًا. لم يكن نومًا عاديًا، بل سقوطًا في بحرٍ لا قرار له.


فتحت عينيها، فإذا بها واقفة فوق مياهٍ قرمزية، ساكنة كالمرايا، لكنها ملطخة بلون الدم. أمامها ارتفع جدار ضبابٍ كثيف، شُقّ ببطء كأن يدًا خفية تفتحه لتكشف عن جزيرة وحيدة، تحاصرها الأمواج من كل الجهات.


في قلب الجزيرة، قصر عظيم من حجارة سوداء لامعة، كأنها صخور البركان. نوافذه ضيقة، كالسجون، ومن بينها تسرب صوت بكاء.


اقتربت ليانثرا، دون أن تحرّك قدميها، كأن الريح حملتها. وكلما اقتربت، تعالت أصوات النحيب حتى صارت تمزق صدرها.


داخل القصر، في قاعة لا تضيئها سوى شموع ذاب نصفها، جلست فتاة بملامح أميرة: تاج نحيل فوق رأسها، شعرها متدفق كستار من الليل، ووجهها غارق بالدموع. كانت تنوح، لكن كلماتها لم تكن مثل أي نواح سمعته ليانثرا من قبل.


همست الأميرة بصوت يتشقق كحجارة تنهار:

ـ "أيها البحر، يا سجانى، أيها الطوفان… لماذا أنا؟

لماذا يتركونني هنا؟

أنا التي أُعطيت للموت كهدية…

أنا التي بيعت مقابل الذهب…

أنا التي لن يُذكر اسمي إلا بين صرخات الريح…"


اقتربت أكثر، فرأت معصميها مقيدين بسلاسل فضية، والسلاسل غُرست عميقًا في جدران القاعة، كأن القصر كله يمسك بها.


رفعت الأميرة عينيها، وكانتا محمرتين من شدة البكاء، ونظرت إلى ليانثرا مباشرة.

همست، وصوتها صار فجأة واضحًا، مسموعًا كأنه يُقال داخل جمجمة ليانثرا نفسها:

ـ "احذري، أيتها الصغيرة… سيبيعونك كما باعوني. سيتركونك هنا، في جزيرتي. وحينها ستبكين كما أبكي، وتنوحين كما أنوح… ولن يذكرك أحد."


عندها اهتزت الأرض تحت قدمي ليانثرا، وارتفعت الأمواج كجدران من الدم، ثم انطفأ كل شيء. استيقظت وهي تصرخ، العرق يتصبب من جبينها، ووجهها ملطخ بالدموع، كأنها هي من بكت طيلة الليل.


في الصباح التالي، جلست ليانثرا قرب النار الصغيرة التي أُشعلت في ركن من أركان القاعة الباردة. كانت لا تزال مرهقة من الرؤيا، عيناها حمراوان، وصوتها مرتجف. رفعت رأسها نحو القزم الذي كان ينقش شيئًا بعصاه على الأرض، كأنه غارق في حساباته السرية.


اقتربت منه وجلست عند قدميه، همست:

ـ "لقد رأيت الليلة جزيرة، يا معلّمي… جزيرة محاصرة بالبحر القرمزي. وفي قلبها قصر أسود… وأميرة تبكي. تبكي بحرقة لم أرَ مثلها قط. كانت تقول إنهم باعوها، وإنهم سيبيعونني مثلها… قالت إنني سأبقى هناك مكانها، أبكي وأنوح حتى ينساني الجميع."


سكتت لحظة، ورفعت عينيها نحوه، تنتظر منه كلمة واحدة، تفسيرًا، حتى سخرية تخفف وطأة الخوف. لكنها لم ترَ سوى صمته.


القزم بقي جامدًا، لم يرفع عينيه، ولم يعلّق. كأن كلمتها لم تصل إليه أصلًا. كل ما فعله أنه ضغط بعصاه أكثر على الأرض، حتى انشق الحجر تحته بخطٍ رفيع.


قالت ليانثرا بصوت متهدّج، أشبه برجاء:

ـ "قل شيئًا… أجبني، هل كانت رؤيا أم نبوءة؟"


لكن القزم ظل صامتًا، كأن شفتيه خيطتا بخيط غير مرئي، كأن الصمت نفسه هو جوابه الوحيد.


شعرت ليانثرا بقشعريرة تسري في عظامها، وعرفت أن صمته أفظع من أي كلام.


لم يدم صمت القزم طويلًا، إذ انفتحت أبواب القاعة بصوتٍ جاف، ودخلت الجنيّة الأم بخطوات واثقة، رداءها الطويل يجرّ خلفه عطرًا باردًا كالموت. كانت عيناها تبرقان كحدّين مسنونين، تحدّقان في كل شيء دون أن تُظهر أي عاطفة.


وقفت أمام ليانثرا، رفعت ذقنها ببطء كأنها تفحصها، ثم قالت بصوت حاد لا يعرف الدفء:

ـ "كفى حديثًا عن أحلام الأطفال، يا ليانثرا. نحن لا نعيش في كتب الحكايات ولا في نوم البسطاء. ما رأيته ليس سوى أضغاث ليل، ضعف يتسرب من قلبك."


اقتربت خطوة، وظلالها ابتلعت جسد ليانثرا الصغير، ثم أضافت:

ـ "اتركي تلك السخافات، وركّزي على ما يهم. النزال القادم لن يُرحم فيه الضعفاء. هناك شابات يتدربن منذ قرون، وإن دخلتِ الساحة بعقلٍ مشغول بالأوهام، ستُكسر عظامك واحدةً تلو الأخرى."


التفتت فجأة نحو القزم، حدّقت فيه بعينين ضيقتين، فيها حذر دفين لم تستطع إخفاءه.

ـ "وأنت… أنت تعرف أن الوقت ليس مناسبًا لملء رأسها بالهراء. احرص أن تهيئها للمعركة، لا لتضييع وقتها على الهواجس."


القزم لم يرد، لكن يده ارتجفت لحظة فوق عصاه. ليانثرا لاحظت ذلك، وتضاعف شعورها بأن كلماتها في الحلم لم تكن مجرّد "سخف" كما تدّعي أمها.


أما الجنيّة الأم، فقد استدارت فجأة، وغادرت القاعة، تاركة وراءها صدى كلماتها الباردة كأنها جرح لم يلتئم.

تكملة الرواية من هنااااا

لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل 

متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا

الرواية كاملة من هناااااااااا

مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا

 مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا




تعليقات

التنقل السريع
    close