رواية هيبه الفصل السادس والثلاثون والسابع والثلاثون والثامن والثلاثون والتاسع والثلاثون والاربعون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول
رواية هيبه الفصل السادس والثلاثون والسابع والثلاثون والثامن والثلاثون والتاسع والثلاثون والاربعون بقلم مريم محمد غريب حصريه وكامله جميع الفصول
( 36 )
_ في أعماقكِ _ :
لم يكن الفرق بين ميلاديّهما طويلًا ..
لقد ولد هو أولًا، ثم جاءت هي بعد ثلاثة أشهرٍ، وقد نجت أمها من ولادتها بصعوبة، عوضًا عن أن الولادة كانت متعسّرة، فقد كانت الأم مصابة بإلتهاب الزائدة الدودية الحاد ..
ما إن ولدتها حتى خضعت لعملية استئصال الزائدة فورًا، ما جعلها غير قادرة على إرضاعها، فتولّتها زوجة عمها، أخذتها بدافع المحبة والحنان، وقضت الرضيعة في بيتها عامًا ونصف، تشارك رضيعها الوحيد حليبها، حتى أنهما كانا يتعاركا عليها فما كان منها إلا أن ترضع كليهما في نفس الوقت ..
شبّا معًا كما لو أنهما توآمان، حتى أحيانًا كان يجمعهما سريرٍ واحد وبعد سن البلوغ، إلى أن فرقهما موت والدته، فلم يُعد بإمكانها المكوث بمنزله كما في السابق ..
لكنه كان دائم التردد على منزل عمّه، وكانا يلتقيا باستمرارٍ ويخرجا للتنزّه أحيانًا، كان هو الوحيد بعد أبيها وشقيقها المسموح له برؤيتها، التحدث إليها، المزاح معها،لم يخوّنه احد ..
لكن وسط كل ذلك، تولّدت بينهما مشاعر غريبة، لم تُترجم في الحال، لكنها تجلّت في نظراتهما، في غيرة أحدهما على الآخر، لم تتفاقم هذه المشاعر بشدة إلا عندما لوّحت إحدى أقاربهم إلى اعجابها به، وقتها لم تتحمل الفكرة، ولم تقبلها ...
-بسمة!!
ردد "دياب" اسم الفتاة غير مصدقًا، ثم انفجر ضاحكًا أمامها، بينما تحاول كبت غيرتها الشديدة وهي تقول:
-يسلام! الكلام بيضحك أوي كده؟
ولا مش مصدق نفسك من الفرحة؟!
حاول السيطرة على ضحكاته بصعوبةٍ وهو يجاوبها:
-فرحة إيه يا هبلة. أنا مش مصدق إنك متخيّلاني مع بسمة
بسمة؟ دي أد الجاموسة إللي هناك دي.
وأشار لها نحو البهيمة التي ترعى على مقربةٍ منهما وهو لا يزال يضحك ..
لكنها لم تشاطره المرح مطلقًا، بقيت عابسة كما هي، فسألها بجدية:
-الله! مالك يا دهب؟ انتي واخدة الموضوع بجد؟ ده طق حنك وكلام نسوان. محدش له سلطة عليا وخصوصًا في قصة الجواز.
لم ترد عليه، بل أشاحت عنه بوجهها، سارت أمامه متجهة لمنزل المزرعة، حيث العائلة مجتمعة كالعادة في نهار الجمعة ..
وجدته يقبض على معصمها فجأةً يستوقفها:
-أستني.. راحة فين؟
تأففت "دهب" بضيق وقالت:
-هكون راحة فين يعني؟ هاروح أساعد خالاتي في المطبخ. انت عارف أبويا بيحب الغدا يتحط في معاده.
-لا والله! من إمتى يعني دهب هانم بتعمل شغل البيت؟
ده عمي مدلعك الدلع الماسخ زي ما بيقولوا.
-آه صحيح عشان كده عاوز يجوزني سليمان! .. سخرت منه بمرارةٍ
بدا عليه الانزعاج لسماع تلك الأخبار التي يعرفها بالفعل، ليقول باقتضابٍ:
-مين قال إنك هاتتجوزي سليمان؟ هو أنا ماليش كلمة؟
تطلّعت إليه بدهشةٍ:
-يعني انت تقدر تقنع أبويا يصرف نظر عن جوازتي من سليمان؟
ابتسم لها ابتسامة لم تصل لعينيه، ومد يده يقرص أرنبة أنفها وهو يقول بصوتٍ أجش:
-بكرة تشوفي أنا هاعمل إيه عشانك.. انتي نسيتي؟
انتي نصي التاني يا دهب.. انتي عارفة. أنا حلمت بيكي إمبارح!
-بجد؟ حلمت بإيه؟
-مش مهم بقى!
وأشاح بوجهه بعيدًا ..
زفرت بضيقٍ واستدارت حوله هاتفة:
-قول يا دياب عشان خاطري.. حلمت بإيه؟
رد عليها ضاحكًا بتوتر:
-مافيش ده حلم أهبل. ماتاخديش في بالك.. يلا ارجعي البيت أنا هاروح مشوار كده وراجع بعد ساعتين.
وجاء ليتركها ويغادر، أمسكت بذراعه قائلة بحدة:
-رايح تقابل بسمة؟
أدار لها رأسه وهو يقول مستنكرًا:
-بسمة مين يا عبيطة انتي؟ اوعي سبيني!
هزّت رأسها بقوة، فقبض على شعرها بعنفٍ، تأوهت "دهب" بشدة مغمغمة:
-آااااااااااااااييييي.. سيب شعري يا ديـاااب ..
ابتسم وهو يقول مساومًا:
-سيبي وأنا أسيب!
نظرت له بيغظٍ وقالت:
-بقى كده؟ ماشي. ماشي يا دياب.
وتركته، فأفلتها رامقًا إيّاها بنظرة منتصرة فيها من العلو، ثم استدار مستأنفًا سيره، فإذا به يُفاجأ بعد لحظة واحدة بدفقٍ منهمر فوق رأسه ..
شهق من الصدمة وجمد بأرضه، استدار بعد برهةٍ ليجدها تقف خلفه وبين يديها دلو الماء الفارغ، رآها تبتسم له بتشفٍ قائلة:
-وريني بقى هاتخرج تقابلها إزاي!
شتم "دياب" من تحت أنفاسه، وصرخت "دهب" بفزعٍ ما إن بدأ الركض نحوها، ألقت بالدلو عليه وهي تنطلق من فورها نحو عشّ الماشية الخاضع للترميم ..
لم تسنح لها أيّ فرصة للاختباء أو الفرار منه، حتى العودة إلى المنزل باتت مستحيلة الآن، انتهى أمرها!
ستُعاقب على عبثها معه ...
-ديـاااااااب! .. صرخت بأسمه ضاحكة ومرعوبة في آنٍ
كان قد لحق بها وقبض على خصرها بساعِده ..
أدارها نحوه وهو لا يزال يقيّده بين ذراعيه قائلًا بخشونةٍ:
-بتغرقيني مايّة يا دهب؟ ده أنا هافردك زي العجينة!
لم تستطع السيرطة على ضحكها وهي ترى رأسه مبللًا بهذا الشكل، فقالت من بين ضحكاتها:
-أنا قلت لك مش هاتروح تقابلها.. مش هاتروح يعني مش هاتروح.
دياب بتعجبٍ شديد:
-أروح أقابل مين يا مجنونة؟ انتي لسا بردو مصدقة حوار بسمة ده؟!
-آه مصدقة. هي وأمها منمرين عليك وعايزينك ليها.
-طب حتى لو كده انتي إيه إللي مزعلك؟
لم ترد عليه، وامتد الصمت بينهما، صمت موتر، حتى تمتم "دياب" بخفوتٍ كلماتٍ قد تبدو تهكمية:
-انتي بتحبيني ولا إيه يابت؟
ازدردت ريقها بارتباكٍ، لكنها جاوبته بجرأة:
-أيوة بحبك طبعًا.
ردد بابتسامةٍ صغيرة:
-بس احنا أخوات.. ف دي غيرة اخوات؟ ولا حب؟
دهب باضطرابٍ: غيرة.. وحب.. انت مش قلت لي من شوية إنك نصي التاني؟
أنا مقدرش أشوف حد معاك.. ومش هاسمح لواحدة تاخدك مني!
كانت تعرف أن بكلماتها هذه أحرقت آخر جسرٍ بينها وبين عقلها، وأن كل نشأت عليه قد تبدد، كل حدود الأخوّة، كل الموروثات التي عرفتها ..
وتبقّى فقط تلك النيران المشتعلة بينهما، في اللحظة التي انحنى فيها وجهه أكثر نحوها، شعرت بأن معركتها الداخلية قد انتهت، انتهت بخسارتها!
لم تعد "دهب" تسمع إلا خفقانها المذعور، ولم تعد تبصر إلا عيناه الرماديتين القريبتين، وفجأة ..
صارت كل الأصوات الأخرى صمتًا مطبقًا لحظة اطباق فمه على فمها في قبلةٍ لم تتخيّلها حتى بأحلامها ..
ارتعشت أطرافها وقلبها يتخبّط بجنونٍ في صدرها، حاولت أن تزيح نفسها عنه، لكن قدميها كُبّلت بالأرض، كأنها مشدودة بسلاسلٍ خفية لا تُكسر ..
بينما "دياب".. بين شعورٍ بالخوف ورغبةٍ مرضية في امتلاكها ..
لم يستطع التراجع خطوة واحدة، وكأنه إن فعل فسيموت، ليحملها على الفور إلى زاوية غير مرئية داخل العشّ ..
يضعها فوق كدسات التبن التي شكّلت متكئًا متينًا، نظر في عينيها للمرة الأخيرة وهو يخبرها من بين أنفاسها الساخنة:
-دهب.. أنا بحبك!
ولم يفكر مرةً أخرى ..
حتى هي أيضًا، لم ترى أبعد من اللحظة الراهنة، لم ترى إلا الشخص الوحيد الذي أحبّته وارتبطت به بكل السُبل منذ خُلقت.. والآن يرتبطا بشكلٍ نهائي ..
يتحدّا.. فلربما لم يكن عليهما أن ينشآ كأخوين ..
ما كان لهما أن يكونا كذلك ...
___________________________________________
عاكفًا على جلد ذاته بالذكريات، لم يبرح "مهران الراعي" عتبة غرفته منذ أيام، ليس لسببٍ سوى عدم رغبته بمواجهتها ..
خاصةً بعد أن طرحت عليه سؤالًا مباشرًا هو لا يمتلك الشجاعة الكافية لإجابته عليه، فهو حقيقةً.. يعرف هوية أبيها البيولوجي!
يعرفه جيدًا ..
لا زال يذكر عندما لجأت "دهب" إليه وهي حاملًا بها، كما لم ينسى لحظة إنهيارها، تلك اللحظة التي بدأت عندها أن تقص عليه كل شيء ..
أخبرته ما حدث بالتفصيل، وهو ما أوقعه بين فكّي الصدمة والنكران، لم يستوعب أيّ شيء بادئ الأمر، لم يصدق، وفي نفس الوقت لم يتخلّى عنها ..
ثم قرر لاحقًا بأنه أبدًا لن يفعل، سوف يحميها بكل ما أوتي من قوة، وجنينها، سيحتفظ به، ولن يسمح لمخلوقًا بأن يمسّه ..
لعل "دهب" نفسها كرهته، واعتربته مسخًا، لعنة ..
لكن "مهران" ما إن أحسّ بأول ركلة، أو خفقة، حتى أو نظرة يوم ولدت "ليلى".. لم يرى أمامه إلا معجزة ..
قد تكون ثمرة الخطيئة التي وقعا فيها والديها، لكنها لم تقترف أيّ ذنب، تلك المخلوقة البريئة، لم تختار أبيها، لم تختار أمها ..
وقد قطع لها وعدًا حين احتواها بين ذراعيه لأول مرة، بأنه لن يسمح لأحد أن يوصمها بهذا العار، لن يتركها للهلاك الذي قدّر لها ..
ولكن يبدو أنه نسي أن لا حذر يمنع قدرًا ..
لم تستطع "ليلى" أن تهرب من قدرها!!!
ينتفض "مهران" مفزوعًا حين سمع صراخ شديد من الخارج، لم يحتاج الأمر منه تفكير ليدرك بأنه لم يكن سوى صراخ "ليلى" ..
وثب واقفًا عن مقعده الوثير بجوار الشرفة، وانطلق خارجًا من غرفته، ليصطدم برؤية ابنته _ المتبناة _ مُساقة من يديها، والذي يجبرها بهذه الطريقة بالطبع هو.. "نديم" ..
هرع نحوهما صائحًا:
-نديــــم! انت بتعمل إيه؟
واخد بنتي ورايح على فين؟
وقبل أن يضع "مهران" يده عليها، تصدّى له "نديم" مرددًا بحزمٍ:
-أبعد عن طريقي يا عمي. ماتحاولش تقف في وشي.
مهران بغضب: يعني إيــه؟ دي بنتـي. انت مستوعب بتقول إيـه؟؟!!
نديم بنديّة ضارية:
-لأ دي مراتـي. ومش بنتك. ماتدخّلش.. أنا حر في مراتـي.
برز صوت "ليلى" صارخًا في هذه اللحظة من أسفل طبقات التعب:
-أنا مش مراتك.. انت إيـه؟
مابتحسش؟ سيبني بقى في حالي. أنا مش عايزاك.. مش عايزاااك!!!
أدرا لها رأسه قائلًا بهدوء:
-لما يتقفل علينا باب بيت لوحدنا.. هانشوف لو عندك فرصة تقولي الكلام ده قدامي تاني
انتي خدتي وقتك وزيادة. أنا هافوقك يا ليلى!
-واخدها على فين يا نديم؟ .. سأله "مهران" قابضًا على رسغه
نظر له "نديم" وجاوبه بحدة:
-المحامي كلّمني.. بيقول موقفنا ضعيف. والشخص الوحيد إللي يقدر يقوّيه هي بنتك إللي ربيتها دي
لكن للأسف شكلها مش ناوية تجبها لبر. ف هاخدها من هنا كام يوم أعقلها.
مهران باعتراضٍ صارمٍ:
-لأ.. مش هاسمح لك تنقلها لأي مكان بعيد عني.
اكفهرّت نظرات "نديم" وهو يرد عليه بنبرةٍ جليدية:
-وأنا مش هاستنى لما يجي رياض نصر الدين أو حفيده ياخدوها مني.. حتى لو اضطريت أخبيها عمرها الجاي كله
محدش هاياخد ليلى مني.. على جثتي!
وقبل أن يفه عمه بكلمةٍ أخرى، انحنى "نديم" وحملها قسرصا عنها فوق كتفه، بينما تنفجر بالصراخ مجددًا وهي تركل بقدميها ويديها في الهواء بلا طائلٍ ..
راقب "مهران" رحيلهما عاجزًا عن فعل أيّ شيء ...
___________________________________________
قلبه منقبضًا منذ بداية اليوم، لعله لم يلقي بالًا لإحساسه بسببها، ربما فسّره بأنه مجرد حماسٍ لرؤيتها ..
قبل أن تصدمه بأفكارها ونواياها، لم يصدق بأن تلك المرأة هي نفسها "راندا منصور".. أيقونة الجمال والأرستقراطية التي أعجب بها منذ سنوات ..
بعد ذهابها لم ينفك يقنع نفسه بضرورة نسيانها تمامًا، وأنها أبدًا لم تعد تناسبه، والسبب الأكبر في هذا أنها لا زالت مغرمة بابن خالته ..
لا يمكنه التعاطي مع هذه الفكرة أبدًا.. بل مستحيل!
ظن بأنه لو تجول قليلًا بأرجاء المدينة فسيخفف هذا من وطأة شعوره بالثقل في صدره، إنما أيًّا من هذا لم يفلح، لتطرأ صورتها على خاطره ..
شقيقته ..
ما من سواها بقادرٍ على التخفيف عنه، تكفي نظرة واحدة من عينيها الجميلتان لتذيب أطنانًا من همومه، ابتسم "عمر" وهو ينحرف بسيارته نحو أشهر متاجر الحلوى، أشترى لها حلواها المفضلة وهرع عائدًا إلى منزل أبيه ليراها ويجالسها طوال الأمسية ..
ولج "عمر" عبر باب المنزل حاملًا على يديه صندوق الحلوى وعلى وجهه ابتسامة مشرقة، يتخيّل ردة فعلها التي يعرفها جيدًا، وكاد يرتقي الدرج ليكون أمام غرفتها بلمح البصر ..
لولا صوت أبيه الذي استوقفه فجأةً.. كأنما كان يجلس هنا بانتظار عودته:
-عمـر!
توقف "عمر" فعلًا، واستدار ليواجه أباه، طالعه بنظراتٍ مستغربة، إذ كان يرتدي ملابس رسمية شديدة الأناقة في ساعةٍ متأخرة مثل هذه ...
-أفندم! .. رد "عمر" بلهجته الفاترة
اقترب منه "عاصم" وهو يقول بتعبيرٍ واجم:
-ايه إللي في ايدك ده؟
رفع "عمر" حاجبه دلالة على نفاذ صبره، لكنه جاوبه باقتضابٍ رغم ذلك:
-تورتة آيس كريم.. جايبها عشان ريهام
ولو ماعندكش أسئلة تانية باستأذنك أطلع لها عشان وحشاني وعايز ألحقها قبل ما تنام.
ما زال وجه أبيه غير مقروؤٍ، بينما يقول بهدوءٍ:
-مش هاتلاقيها.. ريهام مش في أوضتها.
عبس "عمر" سائلًا:
-أومال فين؟ بتلعب في الجنينة؟
هز "عاصم" رأسه، وقال ببرودٍ قاتل:
-ريهام في بيت جوزها!............................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 37 )
_ أتحسّى غرامك ج1_ :
لم يترجم عقله الجواب الذي سمعه للتو، فأستوضح أبيه عاقدًا حاجبيه ببلاهةٍ:
-أفندم! قلت ريهام فين؟
يكرر "عاصم البدري" إجابته على مسامع ابنه دون ان يرف له جفن:
-ريهام. أختك.. في بيت جوزها.
تدلّى فاه "عمر" وهو يردد مصدومًا:
-جوزها مين؟؟!!
عاصم ببرود: جوزها.. الرائد زين نصر الدين
أنا جوزتها له إنهاردة. كتبنا الكتاب مافيش من ساعتين.
وهنا سقطت كعكة "الآيس كريم" من بين يديّ "عمر" ..
ليتخذ خطوتين هجومتين نحو والده وهو يصيح فيه بعنفٍ:
-عملـت إيــه؟ جوزتهــا؟
انت أكيد اتجننـت. أكيد بتهـرج!!!!
هزّ "عاصم" رأسه سلبًا وقال بهدوءٍ:
-أنا بقولك الحقيقة يا عمر.. أختك اتجوزت.. بقت في عصمة راجل.
عمر بصراخٍ جهوري:
-راااجل!
راجل مين؟ انت شكلك دماغك اتلحست. أسمعني
تكلم الواد إللي ممشيه وراك ده وتقولّه يرجع أختي. قسمًا بالله لو ما رجعت ريهام الليلة لا أهدّ الدنيا فوق دماغ الكل.
عاصم بصرامة: انت ماسمعتنيش كويس؟ بقولك أختك اتجوزت وبقت في عصمة راجل
الليلة دي دخلتها. عاوزني ببساطة أكلم جوزها وأقولّه رجعلي بنتي.
اقترب "عمر" خطوة أخرى منه وقد صارت حرارة جسده اللاهبة تمس أبيه بشكلٍ ملحوظ، بينما يردد من تحت أنفاسه الغاضبة:
-انت لو ماعملتش إللي بقوله اتأكد ان ده كله مش هايعدي على خير. وهانسى إني بتعامل مع أبويا!
عاصم مبتسمًا بسخريةٍ:
-بجد! تصدق شوقتني جدًا أعرف هاتعمل إيه!
قولّي يا عمر إيه إللي تقدر تعمله في أبوك؟
رد "عمر" بخشونةٍ نزقة:
-هاسجنك.. إللي عملته جريمة
ريهام فاقدة الأهلية. ماينفعش تتجوز وانت جوزتها. شوف بقى هاتخسر إيه قصاد إللي عملته
كيانك وتاريخك السياسي كله يا معالي السفير. ومش هاكتفي بكده!!
لا يزال "عاصم" محتفظًا بابتسامته الساخرة وهو يقول بفتورٍ:
-حلو.. حلو أوي يا عمر
وأنا بوعدك. قبل ما تثبت ده. هكون واخد بنتي ومسافر بيها. وطالما مش هاتعيش مع زين جوزها
هاخليها تعيش عمرها الجاي كله في مصحة برا. وعمرك ما هاتشوفها تاني في حياتك.
صمت لبرهةٍ، إذ بوغت فعليًا، ثم قال بنظراتٍ محتقنة:
-انت ماتقدرش تعمل كده
ماتقدرش تاخدها مني!!
عاصم بحزمٍ: ريهام بنتي. فوق يا عمر.. أنا أبوها. أنا لسا عايش مامتش.
عمر بكراهية عمياء:
-ياريتك كنت مت!
حدق "عاصم" فيه واجمًا ولم يرد، بينما يستطرد "عمر" منفعلًا:
-انت عارف انت عملت إيه؟ انت بتعمل نسخة تانية من أمي. انت بتموّت ريهام بالبطيئ
ريهام من الليلة دي بدأت تعدّ أيامها.. بقت زي أمي!!!
عاصم باقتضابٍ: انت مكبر الموضوع. لكن بكرة الأيام تثبت لك إني ماعملتش في أختك غير الخير والمصلحة
لما انت تروح تتجوز وتخلّف وتعيش حياتك. هاتكون هي على ذمة راجل.. هايحميها وياخد باله منها.. هي كمان من حقها بيت وعيلة. من حقها تكبر وسط ناس يراعوها لحد آخر يوم في عمرها. انا وانت مش دايمين ليها. ولا حتى نديم ابن خالتك. كل واحد فينا هايجي له يوم ويختفي من حياتها. تقدر تقولّي ساعتها مصيرها ممكن يكون إيه؟
لم تخفف كلماته ذرة من أجيج غضب "عمر".. بل إنه كوّر قبضته بشدة متمنيًا لو أن بامكانه تهشيم وجه أبيه ..
لكنه يدرك بأنه مقيّد عن ذلك، فينفجر صارخًا بوحشيةٍ وهو يستدير محطمًا كل شيء أمامه، طاولة هنا، فاظ هناك، وخاصةً الكرسي الهزاز الذي يفضّله "عاصم".. إنهال عليه "عمر" تكسيرًا ..
قضى عشر دقائق كاملة يحطّم ويفسد البهو بالكامل، ثم توقف أخيرًا وهو يتنفس بصعوبةٍ والعرق يقطّر من وجهه، مرّت الثوانِ دون أن ينطق أحدهما ..
ثم انطلق "عمر" للأعلى، غاب لدقائق، ثم ظهر مرةً أخرى وهو يهبط الدرج جارًا خلفه حقيبة سفره المتوسطة ..
لم يبدو على "عاصم" أيّ تأثر برحيله، لكنه قبل أن يذهب توقف بجواره ليسأله بجفافٍ دون أن ينظر إليه:
-الباشا إللي اتجوز أختي.. عنوانه إيه؟
لم يتردد "عاصم" وهو يخبره عنوان قصر آل"نصر الدين".. ثم قبض على ساعِده قبل أن يرحل وقال:
-أنا عايزك تعرف حاجة أخيرة.. لو كان عندي ذرة شك إن ريهام مش حابة ولا قابلة تكون مع زين. عمري ما كنت سبتها له
أختك أعجبت بيه. وهاتحبه.. لو تقدر تحط ثقتك فيا مرة واحدة بس وتصدقني.
أدار "عمر" رأسه رامقًا إيّاه باستنكارٍ حاد وهو يقول:
-انت مجنون!
عاصم بصلابة: أنا عشت مع أمك. أمك إللي حالتها كانت اسوأ من أختك
وحبتني.. وأنا كمان.. أنا كمان حبتها!
رد "عمر" وهو ينتزع يده من عليه بقساوة:
-عشان كده سيبتها تموت!!
صمت "عاصم" ناظرًا إليه باستكبارٍ، ليضيف "عمر" آخر كلماته:
-من اللحظة دي. تنسى ان ليك ابن اسمه عمر.. لأن حتى ريهام إللي كانت بتربط بينّا خلاص
انت ضيّعتها.. بس وعزة الله.. لو حصلها أي حاجة بسببك أو بسببه. مش هايكفيني فيكوا إلا الدم!
وتركه ورحل أخيرًا ..
ليعود "عاصم البدري" رجلًا وحيدًا مرةً أخرى ...
_________________________________________________
تلك شقته.. هي ذاتها التي جاءت إليها برفقته مرتين ..
مرة حين وقّعت معه عقد زواجهما العرفي.. ومرةً أخرى عقب عودتهما من شهر العسل المزعوم ..
اليوم تدخلها مجددًا، لكنها مجبرة، إذ كان يحملها على يديه دون أن تقدر على النطق بكلمة أو حتى الاعترض لشدة تعبها ..
لم تتعافى كليًا بعد، كان يلزمها بضعة أيامٍ أُخر في سريرها والاهتمام بغذائها كما أوصى الطبيب، لكنها لا تنصت، لم تعد تطيع أيّ أحد ..
تفلت من بين شفتيها آهة عندما يضعها فوق أريكة الصالون الوثيرة، لكنها تعند وتقوم من رقادها، تجلس فقط محدقة بالأرض، بينما يقف أمامها ساكنًا للحظاتٍ، ثم يقول أخيرًا:
-مين كان يصدق!
مين كان يصدق ان الحياة توصل بينا لهنا؟ وإنك انتي يا ليلى. تقدري تقسي على حبنا بالشكل ده!
لم تحرّك "ليلى" ساكنًا، ليزفر "نديم" مطوّلًا ويهبط بجسده بجوارها، ترتعد غريزيًا عندما أحسّت بجسده قريبًا منها، حاولت الابتعاد، إلا أن قبضته جمدتها في مكانها حين أمسك برسغها فجأةً ...
-لدرجة إنك مش قابلة تبصي في عنيا! .. تمتم بلهجته الخافتة الجذّابة
شدّها نحوه برفقٍ، بينما تقاوم بلا جدوى وهي تغمض عينيها بشدة:
-قوليلي إيه الذنب إللي عملته عشان تعاقبيني بالطريقة دي؟
ذنبي إني حبيتك يا ليلى؟ بصي في عنيا وجاوبيني.. بصيلي يا ليلى!!
لم يتركها حتى نفذ رغبته وجعلها تنظر إليه، أسبل نظراته الوالهة على نظراتها الحانقة، كم بدت جميلة!
حتى وهي على حالها التعس، وكآبتها الواضحة، لطالما يراها فتاته الرائعة، أميرته المُدللة، امرأته التي هو على استعدادٍ لمحاربة الجميع لأجلها ..
ليتها تعي حقيقته.. حقيقة أنه ليس سوى عاشقٌ.. العاشق لا يُلام على أفعاله وحتى جرائمه!!
-قوليلي إيه إللي ممكن أعمله عشان ترجعيلي تاني زي الأول! .. همس لها ببطءٍ وهو يتفرّس ملامحها على هوادة
ارتعش فمها لشدة انفعالاتها المكبوتة، ثم قالت من بين أسنانها:
-تقدر انت ترجعلي ابني إللي خدوه مني وأنا صاحية؟ وماكنتش قادرة أحميه ولا أبعدهم.. تقدر؟!
حبس أنفاسه لوهلةٍ، ثم رفع عينيه إلى عينيه قائلًا بثباتٍ:
-أقدر أديكي غيره. وقلت لك.. وكمان وعدتك إني مش هاسيب حقه ولا حقك
كفاية بس تقوليلي انتي عايزة إيه وأنا انفذه يا ليلى. بس الحاجة الوحيدة إللي إستحالة أنفذهالك هي بُعدي عنك
مستحيل. وانتي عارفة إنه مستحيل.. أنا وانتي مانقدرش نعيش بعيد عن بعض. بطل مكابرة.. ليه بتعملي فينا كده؟
ردت عليه من بين دموعها:
-انت إللي عملت فينا كل ده يا نديم. انت ضحكت عليا.. انت السبب في كل ده.
نديم باستنكارٍ: أنا السبب في إيه؟
أنا إللي رميتك يعني وانتي لسا طفلة رضعية؟ أنا إللي كنت عايز أقتلك؟ أنا إللي قتلت ابننا يا ليلى؟؟
-انت كدبت عليا!! .. صاحت فيه بضراوةٍ وهي تلكم صدره بكل قوتها الركيكة
وأردفت من بين أنفاسها العنيفة:
-عرفت حقيقتي وخبيت عني.. اتجوزتني في السر وانت عارف كويس انت بتعمل إيه.. ضحكت عليا واستغلّيت حبّي ليك وثقتي فيك. كنت عارف إني مش هقاومك وهاسلّمك نفسي لأني فاهمة إنك ابن عمي وحبيبي. إستحالة تضرني.. بس صح.. أنا مش بنت عمك. لأني لو كنت فعلًا من دمك ماكنتش عملت فيا كده.. انت خلّيتني زي الست إللي ولدتني. زي ما بيقولوا عليها... خاطيـة!
-أسكتي! .. هتف واضعًا سبابته فوق شفاهها
رمقها بنظرة محذرة، بينما تسيل مدامعها بضعفٍ وهي تسمعه يقول بغلظةٍ:
-انتي مراتي يا ليلى.. أنا اتجوزتك وفي شهود على كده
جوازنا متسجل كمان. مافيش واحدة بتغلط مع جوزها.. وأنا فهمتك ليه اضطريت اتجوزك بالطريقة دي
أنا مش ممكن أسمح للناس دول يدخلوا حياتك. الناس دول ماشفقوش على بنتهم.. متخيّلة إني ممكن آمن عليكي وانتي تعرفيهم حتى وانتي معايا؟!
توقفت عيناها عن ذرف الدموع، لتقول بلهجةٍ جامدة:
-جدي جالي برجليه.. هو الوحيد إللي عايزني
لو كان شايفني زي أمي ماكنش جالي!
كزّ "نديم" على أسنانه مغمغمًا:
-إياكي.. إياكي تفكري حتى مجرد تفكير إنك ترجعيله يا ليلى
أنا مش هاسيبك.. ليلى ..
وقبض على ذقنها مجبرًا إيّاها على النظر مباشرةً في عينيه، وقال بينما أنفاسه تحرق بشرتها:
-انتي مش هاتخرجي من هنا.. مش هادّيكي حريتك إلا بعد ما أعوضك بطفل تاني غير إللي راح مننا.. ده الحاجة الوحيدة إللي هاترجعك ليا... هو إللي يقدر يربطنا أكتر ببعض!............................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
عندنا بارت تكميلي بكرة إن شاء الله ❤️
( 38 )
_ أتحسّى غرامك ج2_ :
في إطار من السريّة، أصرّ "دياب نصر الدين" على الاجتماع بعمّه الكهل على انفرادٍ، بعيدًا عن أنظار العائلة، فإذا به يأخذه إلى أحبّ الأماكن إلى قلبه ..
هنا.. في مقهى عتيق بوسط المدينة.. حيث آثار التاريخ في كل ماكنٍ يقع عليه البصر ..
جلسا متقابلين، يدخن "رياض نصر الدين" النرجيلة، بينما يحتسي "دياب" قدخًا من القهوة ..
لم يجعل عمّه يخمن طويلًا وبدأ حديثه الجاد:
-أنا مش عايزك تقلق خالص يا عمي. مش معنى إن طاهر وسليمان هاملين موضوع ليلى إنك مسنود على حيطة مايلة
انت ندهت لي. وأنا جيت. ف أطمن.. أنا هاتصرف.
نظر له "رياض" ممتنًا وقال بفخرٍ:
-انت مش ولد أخوي وبس يا دياب. يعلم ربي. وانت كمان عارفني بعتبرك أكتر من ولدي
ده أنا إللي مربيك. وخابر إنك كدّها وكدّ أي حاجة.. بس والله زين مافيتنيش واجف جنبي وجفة رجالة.
بدا السأم على ملامحه وهو يقول:
-يا عمي مع احترامي ليك ولزين. بس ماكنش له أي داعي إللي حصل. جواز زين من بنت السفير مش هايفيد بأي حاجة.
رياض بدهشة: كيف يعني؟ أجلّه (أقله) يكسر أُنف ولد رشيد
إللي عرفته من زين ان البت دي نجطة ضعف خوها و ولد خالتها. إللي هو نديم
هي الوحيدة إللي نجدر نرجعو تارنا عن طريجها.
دياب بنظرة إبليسية:
-في مليون طريقة ناخد بيها بتارنا يا عمي.. بس ما علينا إللي حصل حصل
خلينا في المهم دلوقتي. أنا طلبت أقابلك على إنفراد عشان الكلام إللي عايز أقولهولك مش حابب حد يدّخل فيه. وخاصةً سليمان.
رياض باهتمام: جول يا دياب.. سامعك يا ولدي.
سحب "دياب" نفسًا عميقًا مستهلًا حواره:
-شوف يا عمي.. بإذن الله ليلى هاترجع لك
وبعيدًا عن أي وعود سمعتها من زين أو أي حد تاني. محدش هايرجعها لك غيري أنا
بس بطلب منك حاجتين.. أول حاجة إللي هانعمله يفضل سر بينا لحد ما يتم. وتاني حاجة الثقة. تحط ثقتك فيا بشكل كامل مهما اتصرفت.
-طيب فهمني.. عاوز تعمل إيه؟
-هاكتب ليلى على أسمي. هاتكون بنتي على الورق.
ارتفع حاجبيّ "رياض" وهو يردد مشدوهًا:
-بتّك كيف؟!
أوضح له "دياب" بهدوءٍ:
-قضية إثبات النسب.. هاتكون بأسمي أنا
ودي ضربة عيلة الراعي عمرهم ما يتوقعوها.
عبس "رياض" متفكرًا في كلماته باستغراقٍ ..
وبعد برهةٍ ألقى "دياب" أمامه بالكارت الرابح قائلًا:
-لو وافقت أنا عندي علاقات كويسة جدًا. اقدر من خلالها أوصل للطب الشرعي وأثبت انها بنتي. وكمان ممكن بسهولة جدًا اجيب صورة قسيمة جواز عليها اسمي واسم دهب والحكم في القضية هايكون في نفس الجلسة.
انعقدا حاجبيّ "رياض" بشدة وهو يقول مشدوهًا:
-بس كيف يا دياب؟ عايز تكتب ليلى على اسمك والناس كلهم عارفين انك ودهب خوات؟ لا وكمان نجول انك اتجوزتها؟ استغفر الله يا ولدي!
وضرب كفًا بكف ..
دياب بجدية: المفروض بعد ده كله يبقى آخر همّك كلام الناس يا عمي. ثم دي هاتكون مجرد شكليات. احنا ممكن قدام الناس نقول انها بنتي أنا.. ومانجبش سيرة دهب خالص.. اهم حاجة ليلى ترجع.
نظر "رياض" إليه حائرًا، لكنه في نفس الوقت وجد في فكرته ترتيبًا أقيم، ودرب آمن يمهد طريق عودة "ليلى" إلى عائلتها بكرامة ورأسٍ مرفوع ...
_________________________________________
قلقت من منامها حين انبعث صوت اهتزاز هاتفه من ورائها ..
مثّلت النوم، بينما تشعر به يغادر الفراش ويتركها وحيدة، لمحته عبر انعاكسه بالمرآة وهو يخرج من الغرفة حاملًا هاتفه في يده ..
وبلا تفكيرٍ تحاملت على نفسها وقامت لاحقةً به ..
حرصت على عدم إصدار أيّ ضوضاء، واهتدت بضوء المصباح الخافت المنتشر على طول الرواق، حتى وصلت عند مقدمة حجرة المعيشة ..
رأته يقف هناك، على مقربة من الشرفة المغلقة، ظهره مواجهًا لها، كان قد فتح الخط وبدأ يتحدث إلى أحدهم، وما لبث أن احتد بهلجته ..
فإذا بها تقترب أكثر لتسترق السمع ...
.................................................
لم يستطع تجاهل إتصاله لحظة أن تلقّاه قبل دقيقة واحدة، وكأن صوتًا بداخله أجبره على الرد، كما دوى بسمعه جرس إنذار ألزمه بالابتعاد عنها أثناء إجراء هذه المحادثة ..
وحقًا.. وقع السوء الذي توقعه.. ربما لم يكن يعرف أيّ نوع من السوء ..
لكن هذا الخبر.. إنه لكارثـة!
-بتقـول إيـه؟ ريهـام اتجوزت ميـن؟؟؟
يحاول "نديم" الالتزام بنبرة صوته الخفيضة بلا جدوى، إذ إن الحدث جلل، لا، بل طامةٌ كبرى ..
يتلقّى رد ابن خالته بصوت لا يقل غضبًا عنه:
-أبويا جوزها للظابط إللي ماسك فرقة تأمينه.. ده إللي جه خدها من الفندق بتاعي وانت كنت موجود
أسمه زين. زين نصر الدين.
تفاقم العنف في نبرات "نديم" وهو يباغته مندفعًا:
-تروح تجيب أختك دلوقتي حالًا. انت سامعني يا عمر؟
ريهام ماتباتش ليلة واحدة مع الواد ده!!
امتزج صوت "عمر" الخشن بالقلق:
-في إيه يا نديم؟ إيه إللي تعرفه ومخبيه عني؟
نديم بغضبٍ مستطير:
-في إن الحيوان ده بيلعب لعبة وسـ×ـة. الواد ده حفيد رياض نصر الدين
جد ليلى. جوازه من ريهام مش صدفة يا عمر. انت فاهم يعني إيه حفيد رياض نصر الدين يتجوز ريهام وريهـام بالذااات؟؟!!
-قصدك إيه؟ قصدك ان الواد ده عايز يئذي أختي؟
هايعمل فيها إيـه يا نديـم؟؟؟
-ماعرفش. ماعرفش هايعمل إيه بس إللي أعرفه إنها لازم ترجع
أعمل المستحيل ورجعها. رجع ريهام الليلة دي. الليلة دي يا عمر سامعني؟
ويلتفت "نديم" فجأة خلفه ويده تقبض بشدة على ظهر عنقه ..
اصطدمت عيناه بعينيّ "ليلى" المصدومتين، وكان "عمر" قد أغلق الخط بدوره، ألقى "نديم" بالهاتف من يده وهو يهدر غاضبًا كوحشٍ كاسرٍ:
-أهلك مفكرين إنهم بيلوو دراعي يا ليلى؟ كنتي بتلومي عليا إني ضحكت عليكي صح؟
شوفي أهلك عملوا إيـه. وفي مين؟ في ريهــام. ريهـــام يا ليلـــى!!!
تجمعت بعيناها طبقة رقيقة من الدموع، بينما يخطو "نديم" صوبها والشرر ينفث عبر جسده، وقف قبالتها متمتمًا من بين أنفاسه اللاهبة:
-شوفي مهما يعملوا.. محدش هايقدر ياخدك مني
ريهام هاترجع. لكن انتي.. انتي بتاعتي أنا يا ليلى.
رمقته بمرارة شديدة وهي تهز رأسها ببطءٍ وتكتم أنينها، ليقول بغلظةٍ:
-مش مصدقاني؟ طيب أنا هاثبت لك!
وقبض على رسغها، شدّها بقوة بينما تشهق وهي تراه يجرّها ورائه عائدًا إلى غرفة النوم، ظنّت به الظنون ..
بدأت تصرخ به بكافة سجايا الرفض، حاولت مقاومته عبثًا، حتى دلف بها إلى الغرفة وأغلق الباب خلفهما ..
دفعها لتسقط فوق الأريكة القريبة، بينما يندفع نحو الخزانة، يعبث بأحد الأدراج، ثم يعود إليها حاملًا ما يشبه القلم لكنه أكبر حجمًا، أوصله بالكهرباء ..
كانت تراقبه عاجزة عن التصرّف بسبب آلامها التي لم تشفى بعد ..
لكنه ما إن اقترب منها وشاهدت بعينه تلك النيّة الشيطانية خرجت عن صمتها ...
-انت هاتعمل إيــه؟ .. صرخت بضعفٍ
لكنه لم يرد بالكلام ..
أمسكها بيدٍ فولاذية وقلبها بسهولةٍ فوق الأريكة، مزّق قميصها القطني الرقيق بقبضته، لتحاول "ليلى" الإفلات عدة مرّات كلها باءت بالفشل وهي بين يديه مثل الدمية، لا حول لها ولا قوة ..
ثبّتها بيدٍ، وبالأخرى أمسك جيدًا بالمكينة الصغيرة، ذعرت حين سمعت ماتورها الصغير يهدر من وراء ظهرها، ثم انطلق الصراخ من فمها ما إن بدأ القلم ينغرس باثًا مادة الحبر عبر مسامات جلدها ..
صارت تعرف الآن ماذا يصنع بها، لكنها منهارة، تبكي وتصرخ بقهرٍ، تتألم، لكنه لا يبالي ..
بلل العرق جسدها بالكامل، بحلول غرس الإبرة الأخيرة بجلدها، توقف أخيرًا وهو يطلق زفرة مطوّلة متلمسًا الأحرف المحفورة أعلى ظهرها ..
لم تكن مثالية، لم تكن كاملة، لكن الاسم كان واضحًا، لقد وصمها به، بملكيته الأبديّة ..
ارتسمت ابتسامته المتغطرسة على ثغره من جديد وهو يمرر أصابعه فوق بشرتها الموشومة بأسمه مرارًا وتكرارًا، كأنه يؤكد سيادته عليها وهمس:
-ده خِتمي. وأي حد هايقرب منك. هايشوفه قبل ما حتى يفكر يلمسك. محدش هايقدر يجي جنبك.. محدش يقدر يلمس حاجة لنديم الراعي!............................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 39 )
_ صقيعٌ دافئ _ :
عاد إلى جناحه الخاص أخيرًا في ساعةٍ متأخرة من الليل، بعد أن أفرجت عنه والدته، بل الأصح بعد أن قضى ساعاتٍ يسترضيها ويقنعها أن تقبل بالفتاة التي أتى بها اليوم عروسًا إلى البيت ..
تنفس الصعداء ما إن استقر داخل مساحته الخاصة، باشر فورًا في نزع سترته وتلك العقدة اللعينة التي تحيط بعنقه منذ الصباح، لكنه يتجمّد فجأة ..
إذ رآها تجلس في منتصف الفراش ولا زالت مستقيظة ...
-ريري! .. هتف "زين" بدهشةٍ
ولاحظ فورًا أثر أوامره عليها، فقد انصاعت لكلمته واغتسلت وها هي ترتدي بيجامتها الحمراء المؤلفة من قطعتين، كنزة بحمالاتٍ رفيعة وسروالٍ قصير عليه رسومات قطط وفئران، شعرها متوسط الطول لا يزال رطبًا خصيلاته تلتصق بجبينها وصدغها ..
والآن كأنما فاحت رائحة ذكية تأسر الحواس إن اقترب خطوة ناحيتها، توقف بغتةً ممعنًا في ذلك العبير الناعم، بدا مزيجًا من الأزهار وثمر الخوخ ..
أجفل مرتبكًا حين وقفت فجأة صائحة:
-زيــن.. انت اتأخرت عليا ليه يا زين أنا قاعدة كتير مستنياك!
وسارت تجاهه باندفاعٍ ..
واجهها "زين" بثباتٍ وهو يمسك بكتفيها ليبقيها على مسافةٍ آمنة، ثم قال بهدوء:
-مش أنا قلت لك تاخدي شاور وتنامي يا حبيبتي؟ إيه إللي مصحيكي لحد دلوقتي؟
تطلّعت إليه قائلة ببرائتها المعهودة:
-أنا مش بعرف أنام لوحدي.. ميمي كانت بتنام جنبي!
زين برفقٍ: يا حبيبتي ميمي هاتكون عندك من بكرة ماتقلقيش. أنا وعدتك
بس دلوقتي لازم تنامي. الوقت اتاخر يا ريري.
مطّت فمها بحركة طفولية محضة وقالت:
-مش هاعرف أنام.. لازم تنام جنبي.
أجفل ثانيةً وقال بتوترٍ يختبره لأول مرة:
-أنام جنبك! ماينفعش. قصدي السرير مش هايقضينا يا حبيبتي
وأنا عايزك تنامي براحتك. بصي أنا هانام هنا قصادك على الكنبة دي.
وأشار لها نحو الأريكة المقابلة للسرير ..
ريهام بعنادٍ: للللللللأ.. انت هاتنام جنب ريري
السرير كبير أااااااد كد أهو. شوف!
وركضت نحو الفراش، لتعتلبه وتبدأ بالقفز فوقه كالأطفال ..
تنهد "زين" وهو يقترب قليلًا ويقول بصوتٍ آمر:
-طيب خلاص. خلاص يا ريري انزلي كفاية تنطيط هاتقعي
قلت خلاص وانزلي أسمعي الكلام!!
أفلتت منها ضحكة مجلجلة موسيقية وهي لا تزال تقفز وتقول بمرحٍ:
-لأ دي حلوة أوووي يا زين. تعالى. تعالى أتنطط معايا.
ابتسم لها رغمًا عنه وقال مازحًا:
-أتنطط معاكي؟ أنا لو طاوعتك من أول نطة هاننزل على الناس إللي تحت.
ثم قال يلطفٍ يستميلها:
-انزلي بقى يا ريري. يلا يا حبيبتي عشان خاطري كده ممكن تتعوّري.
هزّت رأسها بتعنّتٍ قائلة:
-أنا مبسوطة كده.. عارف؟
ريري مش هاتنزل غير لما زين يقول خلاص هانام جنب ريري!
تمالك "زين" عصبيته بصعوبةٍ وهو يقول بجدية صارمة:
-ريـهام.. قلت انزلي
سمعتي؟ مش هقول تاني بلساني!
من جديد تهز رأسها رفضًا وعلاوةً عليه، مدّت له لسانها، فإذا به يتخذ خطوة ناحيتها على سبيل التهديد، لتصرخ "ريهام" محاولة الالتفات على نفسها لتفر من أمامه ..
ولكن يلتوي كاحلها وتسقط من فوق السرير صادمةً رأسها بقائمة الكومود ...
-آاااااااااااه ..
-ريهــام!! .. صاح "زين" ملتاعًا تزامنًا مع سقوطها وصرختها المتألمة
وثب ناحيتها في أقل من ثوانٍ، ركع بجوارها ورفعها مسندًا إيّاها إلى ساقه، أمسك بوجهها بين يديه وراح يتفحصّها بدقة، بينما تتأوه "ريهام" من إثر السقطة، وخاصةً عندما ضغط باصبعه فوق جبهتها مباشرةً ...
-آاااااااه. هنا. هنا بيوجعني يا زين!
تألم قلبه لأجلها وهو يرد يلطفٍ شديد:
-معلش. معلش يا حبيبتي بسيطة.
وقام حاملًا إيّاها ليضعها فوق الفراش، جثى أمامها ثانيةً ممسدًا على شعرها وجانب وجهها متمتمًا:
-قلت لك هاتقعي.. قلت لك أسمعتي كلامي
شوفتي عملتي في نفسك إيه؟
-آسفة!.. أعتذرت منه فورًا
بينما يهز رأسه متأسفًا بدوره، ويضغط من جديد فوق جبهتها ليتأكد من عدم وجود أيّ جروحٍ ...
-آاااااااااااااااااااااه. وجعتني يا زين!!
صرخت أشدّ لقوة ضغط يده محل الرضّة، ليعتذر منها قائلًا:
-آسف يا حبيبتي حقك عليا.. أنا بطمن عليكي بس!
دق باب الغرفة في هذه اللحظة، فنهض "زين" وذهب ليفتح، وجد أمامه إحدى المستخدمات:
-نعم يا عطيات؟
كانت المرأة الثلاثينية مطرقة الرأس وهي تخاطبه بلهجةٍ خجلى:
-لا مؤاخذة يا زين بيه. مش قصدي أزعجك!
عبس "زين" مستغربًا سلوكها وقال:
-تزعجيني إيه مش فاهم. عايزة إيه يا عطيات انجزي؟
لم ترفع الأخيرة رأسه لتنظر إليه مطلقًا لكنها جاوبته:
-رياض بيه عايزك تحت. وبيقولك هات عروستك معاك عشان أخوها جه وعاوز يشوفها!
___________________________________________________________________
تجلس كما لو فوق صفيحٍ متوّهج، تشعر كأنما جدران غرفتها تضيق حولها بمرور الوقت، ولأول مرة منذ سنواتٍ تحنّ لحضن أمها الراحلة ..
لعلها متعلّقة بأبيها بشدة، لكنها اليوم، الآن، أدركت معنى فقدان الأم!
ما من رجلٍ بقادر على تفهم ما يعتمل بصدرها، حتى لو كان الرجل الذي أنجبها، لقد تزوّج حبيبها!
الليلة جاء بعروسه وقدّمها أمامها بمنتهى البرود، وكأن لا وزن لها بحياته، وكأن الخطبة التي عقدت بينهما لم تكن ..
لقد أحبّته، لم يكن أمامها خيارٌ سوى أن تفعل، فمنذ نشأتها وهي تعلم بأنهما مقدّران لبعضهما، وقد قام جدهما بنفسه بعقد تلك الخطبة، وهو أيضًا الذي طلب إليه أن يتزوج من تلك الخرقاء!!!
كيف؟
كيف يفعلون ذلك بها؟ ماذا فعلت لهم؟ ما هو ذنبها؟
هل ستتحمل حقًا وجودهما أمامها من الآن فصاعدًا؟ إنهما يبيتان معًا في غرفةٍ واحدة وفي نفس الطابق الذي تمكث فيه، الليلة هي ليلتهما الأولى كزوجٍ وزوجة ..
الرجل الذي تحب.. الآن وفي نفس اللحظة يمضي تجربةٍ خاصّة مع أخرى غيرها.. ستغفو وتفيق بين أحضانه بينما هي تتلظّى هنا بنيران الغيّرة ..
ما هذا العذاب بحق الله!
يدق باب غرفتها الآن، فتسحب محرمًا ورقيًا من فوق طاولة الزينة لتزيل آثار دموعها بسرعة، ألقته بسلّة النفايات الصغيرة، ثم اندفعت لتفتح الباب ...
-ادخلي! .. تمتمت "شهد سليمان" باقتضابٍ وهي تفسخ لوصيفتها المؤتمنة
أغلقت خلفها، ثم استدارت ناحيتها مستجوبة في الحال:
-إيه الأخبار؟ اتكلمي يا عطيات؟
عطيات بصوتٍ خافت:
-الدنيا من ساعة واحدة بس كانت قايمة ومش قاعدة. من أول حضرتك طلعتي
سليمان بيه مسك زين بيه غسله ومانطقش. ورياض بيه اتدخل وهدّى الكل.
شهد باقتضابٍ: وبعدين؟
-وبعدين زين بيه طلب إيدك تاني من سليمان بيه. ورياض بيه قالّه الجواز هايتم بعد رجوع ليلى بنت دهب هانم الله يرحمها.
تعمّدت "عطيات" إغفال معلومة زواج "زين" المرتقب من "ليلى" على مخدومتها، لئلا تنهار تمامًا ويحدث لها مكروهًا ما ..
في المقابل تنكسر نظرات "شهد" قليلًا، لكنها تتمسك برباطة جأشها وهي تواصل سؤال الأخيرة:
-بس كده؟
رمقتها "عطيات" بنظرة شفقة متواربة وهي تقول بترددٍ:
-من شوية رياض بيه بعتني لأوضة زين بيه عشان أخو العروسة هنا وطالب يشوفها.. روحت ولسا هاخبّط ..
بترت عبارتها، لتحثها "شهد" بحدة:
-كملي!
عضّت "عطيات" على شفتها بحرجٍ وتعاطفٍ في آنٍ وهي تقول:
-سمعت.. قصدي سمعتهم من ورا الباب.. يعني.. مش زي ما رياض بيه فهمكوا إنه جواز صوري
زين بيه تقريبًا. لأ هو أكيد دخل على العروسة!
ازدردتها ..
ليست الصدمة، بل الكلمات!
فقد علمت "شهد" منذ رأتها، من أول وهلة أن "زين" لن يقاوم فتاة مثلها، وأن علّتها العقلية لن تُشكّل عائقًا أمامه، فعروسه شديدة الجمال والأنوثة ..
وهو مجرد.. رجل!!!
-سيبيني وأطلعي برا يا عطيات! .. أمرتها "شهد" بصوتٍ مكتوم
لم تزايد عليها الأخيرة مدركة عمق جراحها ..
أذعنت لأمرها وخرجت من الغرفة تاركة إيّاها وحيدة تمامًا ..
لتجر "شهد" جسدها جرًا ناحية سريرها، ثم تلقي بنفسها فوقه مستسلمة لنوبات الحزن والكآبة.. والكثير من البكاء المرير ...
______________________________________________________
اصطحبها معه للأسفل، بعد أن أطمئن لسلامتها بشكلٍ تام، وبعد أن ألبسها بيديه رداءً أكثر احتشامًا من بيجامتها ذات الستر الخادع ..
كان أخيها هنا بالفعل، يقف بمنتصف البهو قبالة "رياض نصر الدين" أبيًا أيّ مظهر من مظاهر الضيافة ...
-عـمــــــــــــر! .. صرخت "ريهام" من شدة حماستها لرؤية شقيقها
تركت يد "زين" وركضت صوبه، فتح لها الأخير ذراعاه وبدد عبوسة بابتسامة باهتة، تستقر "ريهام" بين ذراعيه، فيضمها إلى صدره بقوة مغمغمًا:
-ريري.. ماتخافيش يا حبيبتي. أنا هنا
أنا جيت عشانك.. جيت أخدك من هنا. هانرجع سوا أنا وانتي الغردقة.
تتصلّب "ريهام" فجأةً وتدفعه في صدره بخفةٍ لتنظر إليه، ثم تقول عاقدة حاجبيها:
-أنا مش خايفة.. ومش عايزة أروح معاك!
نظر لها بصدمة وقال:
-يعني إيه؟ انتي عايزة تقعدي هنا؟
لم تسنح لها فرصة للرد، إذ تركها متوجهًا نحو "زين" وصاح به بخشونةٍ:
-عملت كده إزاي؟ عملت غسيل دماغ لأختي إزاي أنطق؟
رد "زين" ببرودٍ شديد:
-أنا ماعملتش أي حاجة لأختك يا أستاذ عمر. هي لوحدها حبّتني.. واتعلّقت بيا
زي ما أنا حبيتها. واتعلّقت بيها.
وصوّب نظرة مبتسمة نحوها، لترد عليه بالمثل دون أن تخفي اضطرابها مِمّا يجري حولها وتجهله ...
-انت مفكرني عبيط؟ .. صاح "عمر" بعنفٍ:
-أنا عارف إيه إللي بتعمله. عارف انت اتجوزتها ليه؟ عارف حكاية ليلى
عارف كل حاجة. بس خدها عليا كلمة. أقسم بالله إللي يفكر يئذي أختي أقلبها عليها وعلى أهله سواد
مش هاتقوم لك قومة. لا انت وعيلتك دي كلها!!
برز صوت "رياض" مهدئًا بصرامةٍ:
-بالهداوة يا ولدي.. انت ليك احترامك طول ما انت واجف (واقف) في بيتنا
لكن هاتهدد ماهنتكلمش وياك. وتتفضل منغير مطرود.
إلتفت "عمر" إليه هاتفًا باستنكارٍ أرعن:
-كلامك وأوامرك دي تمشي على كلب السرايا إللي زقيته على أختي ده لحد ما جابها لك هنا ..
وأشار بإبهامه نحو "زين" دون أن يحيد عن الجد، وتابع:
-لكن حظك الأسود وقعك مع واحد شبهي. سيبك بقى من نديم أو أي حد في عيلة الراعي
أنا غير. ولو ماسلمتنيش أختي دلوقتي حالًا ومشيت بيها أوعدك قصة رجوع ليلى وانتقامك من نديم هايكونوا أقل مشاكلك من إللي هاعمله في عيلتك من أصغر راس لحد جنابك!!
تضرج وجه "رياض" بحمرة الغضب حتى بدا وكأنه بركانًا على وشك الانفجار، بينما يقترب "زين" من "عمر" ويقبض على ساعده ..
ثبت "عمر" مكانه كالصخر وأدار رأسه ناظرًا بعينيّ خصمه مباشرةً، دنى منه "زين" محافظًا على ابتسامةٍ شيطانية وهمس بصوتٍ لا يسمعه سواه:
-أنا مقدر إللي انت فيه وفاهمه.. ومش هانتحاسب على الكلمتين دول
بس طول ما صوتك عالي كده مش هانعرف نتفاهم. كل واحد فينا عايز حاجة من التاني!
غمغم "عمر" بشراسةٍ:
-أنا مابتفاوضش على دمي.. أختي مش هاتتحط في القصة دي
عندك نديم خد حقك منه وأعمل فيه إللي انت عايزه. لكن ريهام لأ. سامعني؟ ريهـام لأ!
هز "زين" رأسه قائلًا بتشدقٍ مستفز:
-وأنا مش هقدر أساعدك يا عمر ولا أمشي معاك على نفس الخط.. للأسف مضطر أكون حقير وأعمل زي ما عمل ابن خالتك في دمي. واحدة بواحدة يعني!
وقبل أن ينفجر "عمر" فيه، قاطعه "زين" رافعًا حاجبه:
-إلا إذا.. أقنعته يسلّمنا ليلى. ساعتها بس. هاسلّمك أختك.. وتخرج خالص من الدايرة دي.. روح له. لو عرفت تقنعه يعمل كده. هانفذ لك كل طلباتك.
عبس "عمر" بشدة وهو ينظر له بقوة مدركًا إستحالة تحقيق ما يطلبه منه، إذ أن "نديم" لن يتنازل عن "ليلى" مهما كان الثمن، ليس حتى من أجل "ريهام"!!!
-أنا مش هاسيب لك أختي! .. ردد "عمر" من تحت أنفاسه الغاضبة
ثم إلتفت نحو شقيقته هاتفًا:
-ريهـام.. انتي هاتيجي معايا. سمعتي قلت إيه؟
تهز "ريهام" رأسها قائلة بتوترٍ:
-لأ.. أنا مش عايزة أجي معاك يا عمر
أنا عايزة أقعد مع زين. أنا بحب زين وزين بيحبني!
عجز "عمر" عن الرد للحظاتٍ، ثم قال غير مصدقًا ما نجح ذاك الحقير بزرعه بعقل شقيقته المسكينة:
-يعني أنا مش بحبك؟ وانتي كمان مابتحبنيش يا ريري؟
ازداد اضطرابها حدة وكوّرت قبضتاها معًا أمام فمها وهي تجيب عليه بصوتٍ مكتوم:
-ريري بتحب عمر.. بس بتحب زين أكتر... ريري مش هاتسيب زين!
الآن أحس "عمر" بطعنةٍ مميتة في كبد مشاعره ..
أن تقول شقيقته هذا الكلام فإنها تعنبه، لم يعد الأمر مجرد لعبة إنتقام، لقد وقعت "ريهام" في هذا الشِرك معهم، يومًا ما سينجو الجميع، إلا هي ..
سيؤول مصيرها إلى ذات مصير والدتها ..
ستموت "ريهام" كما ماتت "أمل".. أمه!............................................................................................................................................................ !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
( 40 )
_ اختيار _ :
ما من شيء يأسف عليه حول فعلته بها، لديه أسبابه، وأبرزها عِنادها واستنفارها منه ومن سلطته ..
كان لا بد له من فعل ذلك، أولًا لكي يُخضعها، وليذكرها بنفسه، من هو؟
وما هي مكانته بحياتها؟
هي تعلم كا يعلم جيدًا بأنها تعشقه، وأنها منحته نفسها بإرادتها الحرّة رغم كل شيء، ثوب الضحيّة الذي تصر عليه لا يليق بها مطلقًا ..
تريد أن تضع أحد بدائرة الاتهام، تريد انتقامها، فليكن، ولكن لا تجرؤ على إتهامه، فكل ما فعله ليحافظ عليها، ليقيها شرور عائلتها التي نبذتها صغيرة وطردوا أمها من جنتهم ..
إنها لا تدرك عواقب قراراتها، إنها لا تزال طفلةً صغيرة، صغيرته "ليلى" ذات الثمانِ عشر عامًا، لا يمكنها اتخاذ قرارٍ كهذا قطعًا سيدمر ما تبقّى من حياتها ..
لن يسمح لها بالانضمام إلى هؤلاء المجرمين، لن تخرج عن ظلّه، سنبقى زوجته شاء من شاء وأبى من أبى ..
صوت بكائها فقط الشيء الذي يؤلم قلبه، يوخزه ويجعله يشعر كما لو أنه يجلس فوق في حفرةٍ من نار، لم تنقطع عن البكاء لقرابة الساعة ..
والآن.. تصمت!
ساوره القلق بشدة، فقام واقفًا وإتجه نحو رواق الغرف، دلف فورًا إليها، وقعت عنياه عليها من أول نظرة، إذ رآها تقف أمام النافذة المفتوحة كالصنم ..
يدب الرعب في قلبه، فيهرع نحوها قابضًا على رسغها ومجتذبًا إيّاها للخلف بقوةٍ ...
-انتي بتعملي إيه يا ليلى؟ .. صاح بها "نديم" بخشونةٍ
أجفلت "ليلى" ناظرةً إليه عبر نظراتها الذابلة، تأملت وجهه المذعور، ثم قالت بسخريةٍ مريرة:
-إيه انت.. مالك مخضوض أوي كده؟
افتكرتني همّوت نفسي؟ ماتقلقش.. أنا مش ضعيفة أوي كده. وبكرة أثبت لك!
تنفس بعمقٍ وهو يرمقها بحنقٍ، ثم شدّها بعيدًا عن النافذة، ألقاها لترتمي جالسةً فوق السرير، بينما يقول بصوته الأجش:
-نهاية الطريق إللي انتي مصممة تمشي فيه ده سودا يا ليلى. صدقيني المتضرر الوحيد من كل ده هو انتي
أنا مش فاهم لحد دلوقتي موقفك مني عامل كده ليه؟ أنا طول حياتي عملت فيكي إيه وحش؟ ررررددددي عليـاااا!!!
تطلّعت إليه وهي تقول من بين دموعها المتحجّرة بعينيها:
-انت عمرك ما عملت معايا وحش. عندك حق.. بس كله كوم.. والكلام إللي قدرت تقوله عليا ده كوم تاني
وزوّد عليه إللي عملته فيا إنهاردة.. اوعى تتصوّر إنك بكده امتلكتني!
وأزاحت طرفيّ الروب لتدير له ظهرها وترى إنعكاس اسمه الذي وشمها به عبر المرآة، ثم أضافت بغلٍ شديد:
-انت مش هاتفضل حابسني هنا للأبد.. ويوم ما هاخرج يا نديم هاقلعك من جوايا
حتى لو أسمك محفور على جسمي.. لو هاتكوي بالنار.. هاشيله. هامحيك من حياتي!!
فاقمت كلماتها الاستفزازية من أجيج صدره، لتدفعه حتى يقترب منها، ينحني صوبها ممسكًا بذقنها بين أصابعه القاسية وهو يقول بهسيسٍ غاضب:
-بالسهولة دي فاكرة إنك تقدري تنسيني؟ انت نسيتي أنا مين؟
أنا نديم. أنا حبيبك. جوزك.. أنا إللي كنتي في حضنه الفترة إللي فاتت دي كلها وسلمتي له نفسك برضاكي
وكنتي ملهوفة ومبسوطة. وماتقدريش تنكري يا ليلى. مافيش راجل يقدر يقرب من واحدة إلا بإذنها. وانتي أذنتي لي.. ماحستش ولو للحظة واحدة إنك رفضاني.. انتي كنت عايزاني. زي ما أنا كنت عايزك.. ولسا عايزاني وباين في عنيكي مهما حاولت تنكري أو تداري.
نطقت بغيظٍ عبر أسنانها المطبقة:
-انت بتتوّهم.. انت ولا حاجة بالنسبة لي دلوقتي.. ولا حاجة يا نديم!
قالت ذلك كأنما تحاول إقناع نفسها، لكنه محق، لا يمكنها الكذب على قلبها، ربما يقول لسانها ذلك ..
ولكن في أعماقها تكذيب كل هذا ...
-طيب ما نتأكد كده! .. قالها بصوتٍ مكتوم
لم تكاد تستوعب ..
أخذ شفتيها بين شفتيه في قبلةٍ طويلة، قسرية، أنّت تحت أنفاسه برفضٍ وهي تحاول دفعه في صدره عبثًا ..
أحاط وجهها بكفيّه ليثبتها وهو لا يزال يقبّلها كما لو إنه جائعًا.. عطش.. حتى بدأت تخور قواها وتستسلم له ..
لم تفعل بدافع الرضا، لكنه لم يترك لها مساحةً للاختيار، إنما فرض نفسه عليها ..
استلقت على ظهرها مدفوعة بضغطه عليها، مقيّدة بثقله حيث لا تستطيع حراكًا، سالت مدامعها، بينما بدأ يلين أكثر فأكثر ..
يلمسها برقةٍ، يقبّلها بعشقٍ، يضمّها إليه وكأنها كل ما يملك ..
يرتد وجهه قليلًا لينظر في وجهها، يراها مغمضة العينين في استسلامٍ تام، حمراء الوجه من شدة الانفعال ..
يا لها من طفلة!
يا لها من جميلة!
-أنا آسف! .. همس أمام شفتيها
تباعدت أجفانها لتنظر إليه، وترى ندمًا خفيًا في عمق نظرته الحزينة عليها، ثم تسمعه يكمل بيأسٍ:
-أنا بحبك.. أنا عملت كل حاجة عشان أحافظ عليكي.. أنا كنت بخاف عليكي حتى من نفسي
إستحالة أسيبهم ياخدوكي يا ليلى أو أسيبك تروحيلهم.. فوقي يا حبيبتي. فوقي وشوفي كويس من إللي بيحبك بجد. مين إللي عنده استعداد يضحي بأي حاجة عشانك!
إنعقدا حاجباها بشدة وهي ترنو إليه بعجزٍ.. بداخلها صراعٍ بين العقل والقلب.. فهذا القلب يصدقه ويأمن له.. بينما ذاك العقل يخوّنه وينفر منه ..
أيهما تطيع؟
يدق هاتفه في هذه اللحظة ..
فلا يلبّيه فورًا، ينسلخ عنها ببطءٍ شديد حتى ينهض واقفًا، يستلّ الهاتف من جيب سرواله الخلفي ويرفعه أمام وجهه ليرى أسم "عمر".. ابن خالته ..
يجيب على الفور بينما يسرع إلى الخارج بعيدًا عنها:
-عملت إيه يا عمر؟ جبت ريهام؟
جاء صوت "عمر" مثخنًا بجراح الغضب:
-نديــم.. ليلى لازم ترجع لأهلها
انت سامعني؟ ليلى هاترجع لأهلها يا نديم!
نديم باستنكار فجّ:
-إيه إللي بتقوله ده؟ انت اتجننت في عقلك؟؟!
عمر بصياحٍ: الكلب إللي أسمه زين بيساومني على أختي. بيساومنا انا وانت يا نديم على ريهام
قالّي ليلى قصاد ريهام.. انت موافق إن أختي تفضل عند الناس دي؟ رد عليا يا نديم!!
كان الوجوم قد كسا ملامحه بينما يستمع إلى ابن خالته، حتى بدأ يستنطقه، وبعد صمتٍ مضطرب جاوبه "نديم" بصلابةٍ:
-أنا مش هادّيهم ليلى يا عمر.. مهما كان التمن. أنا آسف.
بدت الصدمة في صوت الأخير وهو يرد:
-قلت إيه؟ مش فاهم!
انت بتتخلّى عن ريهام؟ بتفضّل واحدة غريبة على لحمك ودمك يا نديــم؟؟!!
نديم بحدة: انت إللي مش راااجل. لما تقف متكتف زي النسوان ومش قادر ترجع أختك ماتجيش وترمي المسؤولية عليا
انت أخوها. انت إللي لازم ترجعها بدراعك طالما الكلام مش جايب معاهم.. ماترميش فشلك عليا يا عمر. كل واحد بيحمي إللي يخصّه.
-وريهام دلوقتي مابقتش تخصّك؟!
لم يستطع الرد على هذا ..
فتابع "عمر" باقتضابٍ:
-ماشي يا نديم.. ماشي
أنا هاعرف إزاي أرجع أختي.. بس قسمًا بالله. ما هانسى لك كلمة واحدة قلتها في الموقف ده
وهاردها لك يابن خالتي.. سلام!
وأغلق في وجهه ..
ليطيح "نديم" بالهاتف على طول ذراعه تجاه الأرض، فيتحطّم في الحال، بينما يتنفس بعنفٍ ويجلس فوق أقرب مقعدٍ واضعًا رأسه بين كفّيه ..
يشعر بغليانٍ في رأسه وأصواتًا كثيرة لا يمكن لأيّ ضجيج أن يضاهيها ..
يا له من اختيارٍ صعب.. صعبٌ جدًا!...........
تكملة الرواية من هناااااااا
لمتابعة باقي الروايه زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هنااااااا


تعليقات
إرسال تعليق